شبل العقيدة
04 Nov 2008, 02:58 AM
عندما عفوتُ عن قاتل أخي ! !
السَّلاَمُ عَلَيْـــــــــــكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
منذُ اللَّحظات الأُولى وأنا أتأمَّل قوله تعالى ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله )
فهي ليست بالهيِّنة .. أجرٌ ممَّن خزائنه ملأى سبحانه ..
ما أمرَّها من ساعات عندما اتصل بي أحد الأصدقاء
ليُخبرني أن شقيقي الأصغر حصل له شجارٌ مع رجل يكبره ..
وكان هدفه التخفيف عني والتدرُّج في وصول الخبر إليَّ ..
فأنا الأخ الأكبر وفي مقام الأب لأشقَّائي ..
ثم اتصل هذا الصديق بي مرَّةً أُخرى ليُصحَّح الخبر
بأنَّ الشجار كان فيه طعن بالسكاكين ..
عندها أحسستُ أنَّ الأمرَ كبير ..
فانطلقتُ بسيارتي نحو بيت والدي
الذي لم أجد أمامه سياراتِ أو تجمَّع يوحي بحصول شيء ..
طرقتُ الباب ففتحَ لي أحد إخواني ..
فسألته وأنا ألتقطُ أنفاسي ..
أين عبد الله ؟ ومع من تشاجر ؟ وأين هو الآن ؟
أسئلةٌ كثيرة متتالية لم يستطع معها الإجابة ..
سوى أنَّه قال : لقد حصلت المشاجرة في شارع ( ........ )
ركبتُ السيارة مسرعاً نحو هذا المكان لعلِّي أطمئن على صحة أخي عبد الله ..
وما أن وصلتُ إلى المكان حتى وجدتُ طوقاً أمنياً من العسكر ..
سألتهم وقد بدا عليَّ أمارات الدهشة والخوف ..
أين عبد الله ؟
قالوا لي من أنت ؟
فأخبرتهم أني شقيقه الأكبر ..
أخبروني أنه تمَّ نقله إلى المستشفى .. دون إخباري بوفاته وكانوا يعلمون ذلك ..
ذهبتُ مسرعاً لمعرفة وضعه الصحي ..
دخلتُ المستشفى ..
بحثتُ يميناً وشمالاً في قسم الطوارئ .. لكني لم أجده ..
توجَّهتُ بعدها إلى مكتب الدخول للسؤال عنه .. فربما أدخلوه أقسام التنويم ..
كان في مكتب الدخول شابٌ يبدوا أنه جديد على العمل ..
سألته عن عبد الله الذي حصل له شجار قبل ساعة وفيه آثار طعن بالسكين ..
فقال لي هل تقصد عبد الله ..... إنَّه في الثلاجة ..
في الثلاجة ؟
كانت كالصاعقة بل أشد ..
علمتُ بعدها أنَّ أخي فارق الحياة ..
فطلبتُ منهم أن أراه ..
فأخبروني أنَّ القضية جنائية ولا أستطيع رؤيته حالياً ..
وبعد طول إلحاح .. سمحوا لي ..
فتحوا ثلاجة الموتى .. وهالني ما رأيتُ من الموتى ..
وإذ بأخي وشقيقي مُمددٌ على ذاك السرير .. قد أسلم الرَّوح إلى بارئها ..
رحمك الله يا عبد الله ..
قبَّلته بين عينيه ودموعي تسابق قُبُلاتي ..
بعدها رجعتُ لبيت والدي وارتميتُ في حُضن أُمي باكياً حزيناً ..
مرَّت السنين .. ثلاث سنوات ونصف والقاتل في السجن ..
زارنا كثير من المشايخ والفضلاء والوجهاء ..
يرجون أن نعفو ونصفح ..
وقد كنتُ أرغب في ذلك من قبل الدفن .. لعلمي بالأجر العظيم ..
وحرصتُ أن أُقدِّم لوالدي منزلةً مُباركةً ألا وهي منزلةُ العفو والصفح ..
لكنَّ والدي حفظه الله كان مُصرَّاً على القصاص ..
شهرٌ وراء شهر وأنا أدعو لوالدي أن يُليِّن الله قلبه للعفو ..
وما يزدادُ الوالد مع الأيام إلاَّ صلابةً وتمسُّكاً برأيه ..
ولما اقتربت ساعةُ الصفر ..
وقَرُبَ موعدُ القصاص ولم يبقى عليه سوى سبعة أيام ..
دعوتُ بعض المشايخ لزيارتي وتنال طعام العشاء ..
وكان من أبرزهم الشيخ / سعيد بن مسفر حفظه الله ..
اجتمع المشايخ في بيتي
وحضر والدي الذي لم يكن يعلمُ عن اقتراب موعد القصاص شيئاً ..
لكن والدي أوجس في نفسه ريبةً من هذا الجمع المبارك ..
أمسك بيدي وهمس في أُذني قائلاً :
إن كان المشايخ قد أتوا للتنازل والعفو فلن أعفو أبداً .. فلا يُتعبوا أنفسهم ..
حزنتُ كثيراً .. وأُصبت بإحباط كبير ..
لدرجة أني همستُ في أُذن الشيخ / سعيد بن مسفر أن لا يفتحوا الموضوع مع والدي ؛
لأنه مُصممٌ على القصاص ..
فردَّ عليَّ الشيخ بقوله : سيُعيننا الله عليه ..
وبالفعل بدأ المشايخ بتذكير والدي بعظيم الأجر عند الله ..
واخبروه أنَّ موعد القصاص قد حان .. ولم يبقى عليه سوى أسبوع واحد فقط ..
عرضوا عليه الأموال الكبيرة والله ..
قالوا له أطلب ما شئت .. رُغم الحالة المادية المتواضعة له حفظه الله ..
لكنَّه أعرض عن الدنيا ..
وبعد محاولات عديدة وتذكير ببعض القصص .. أدركوا أنهم قد يئسوا ..
وكان المجلس ممتلئاً بالحضور .. وأنا في خوفٍ ووجلٍ وترقُّبٍ ودعاءٍ ..
وبعد لحظات صمتٍ سادة المكان .. إذ بالشيخ الموفّق سعيد بن مسفر يقوم
وما أن استتمَّ واقفاً حتى أخذ شماغه وقال قوموا يا رجال ..
فرمى شماغه ورمى المشايخ أشمغتهم عند أقدام والدي حفظه الله ..
وكلٌ قد أخذ بشيء من جسم الوالد ..
هذا آخذٌ بلحيته ..
وآخر يُقبِّل أنفه ..
وثالثٌ يُقبِّل رأسه ..
فما كان من والدي أسعده الله إلاَّ أن رفع بصره إلى السماء ..
ثم سالت دموعه على خدِّهِ الحبيب .. لله درُّها من دموع ..
ثمَّ أطلقها مدوِّيةً لله تعالى لا يبتغي بذلك عرضاً من الدنيا ..
قال إنِّي أُشهدُ الله ثم أُشهدكم أني قد عفوتُ عن فلان لوجه الله تعالى ..
فما كان مني إلاَّ أن خررت على قدميه مُقبِّلاً لهما ..
وما كان من المشايخ إلاَّ أن خرَّوا ساجدين لله
سجود شكرٍ على هذه النعمة وهذا التوفيق ..
وبعدُ أحبَّتي الكرام ..
هذه أحداث قصَّة واقعية حصلت لي شخصياً لعلَّ فيه العبرة والعظة ..
والله أسأل أن يُعافينا وإيَّاكم من كل بلاء ..
وأطلبُ ممَّن يقرأُ هذه القصَّة أن لا ينسى والدي ووالدتي بدعوةٍ صالحة
وأن يرحمَ أخي ويُسكنه الفردوس الأعلى من الجنة ..
ولا تنسوني من دعوةٍ بظهر الغيب أن يرحمني وأن يُفرِّج همي ..
كتب الله أجركم جميعاً ..
كتبه / أبُـو أسْمَــاء
السَّلاَمُ عَلَيْـــــــــــكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
منذُ اللَّحظات الأُولى وأنا أتأمَّل قوله تعالى ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله )
فهي ليست بالهيِّنة .. أجرٌ ممَّن خزائنه ملأى سبحانه ..
ما أمرَّها من ساعات عندما اتصل بي أحد الأصدقاء
ليُخبرني أن شقيقي الأصغر حصل له شجارٌ مع رجل يكبره ..
وكان هدفه التخفيف عني والتدرُّج في وصول الخبر إليَّ ..
فأنا الأخ الأكبر وفي مقام الأب لأشقَّائي ..
ثم اتصل هذا الصديق بي مرَّةً أُخرى ليُصحَّح الخبر
بأنَّ الشجار كان فيه طعن بالسكاكين ..
عندها أحسستُ أنَّ الأمرَ كبير ..
فانطلقتُ بسيارتي نحو بيت والدي
الذي لم أجد أمامه سياراتِ أو تجمَّع يوحي بحصول شيء ..
طرقتُ الباب ففتحَ لي أحد إخواني ..
فسألته وأنا ألتقطُ أنفاسي ..
أين عبد الله ؟ ومع من تشاجر ؟ وأين هو الآن ؟
أسئلةٌ كثيرة متتالية لم يستطع معها الإجابة ..
سوى أنَّه قال : لقد حصلت المشاجرة في شارع ( ........ )
ركبتُ السيارة مسرعاً نحو هذا المكان لعلِّي أطمئن على صحة أخي عبد الله ..
وما أن وصلتُ إلى المكان حتى وجدتُ طوقاً أمنياً من العسكر ..
سألتهم وقد بدا عليَّ أمارات الدهشة والخوف ..
أين عبد الله ؟
قالوا لي من أنت ؟
فأخبرتهم أني شقيقه الأكبر ..
أخبروني أنه تمَّ نقله إلى المستشفى .. دون إخباري بوفاته وكانوا يعلمون ذلك ..
ذهبتُ مسرعاً لمعرفة وضعه الصحي ..
دخلتُ المستشفى ..
بحثتُ يميناً وشمالاً في قسم الطوارئ .. لكني لم أجده ..
توجَّهتُ بعدها إلى مكتب الدخول للسؤال عنه .. فربما أدخلوه أقسام التنويم ..
كان في مكتب الدخول شابٌ يبدوا أنه جديد على العمل ..
سألته عن عبد الله الذي حصل له شجار قبل ساعة وفيه آثار طعن بالسكين ..
فقال لي هل تقصد عبد الله ..... إنَّه في الثلاجة ..
في الثلاجة ؟
كانت كالصاعقة بل أشد ..
علمتُ بعدها أنَّ أخي فارق الحياة ..
فطلبتُ منهم أن أراه ..
فأخبروني أنَّ القضية جنائية ولا أستطيع رؤيته حالياً ..
وبعد طول إلحاح .. سمحوا لي ..
فتحوا ثلاجة الموتى .. وهالني ما رأيتُ من الموتى ..
وإذ بأخي وشقيقي مُمددٌ على ذاك السرير .. قد أسلم الرَّوح إلى بارئها ..
رحمك الله يا عبد الله ..
قبَّلته بين عينيه ودموعي تسابق قُبُلاتي ..
بعدها رجعتُ لبيت والدي وارتميتُ في حُضن أُمي باكياً حزيناً ..
مرَّت السنين .. ثلاث سنوات ونصف والقاتل في السجن ..
زارنا كثير من المشايخ والفضلاء والوجهاء ..
يرجون أن نعفو ونصفح ..
وقد كنتُ أرغب في ذلك من قبل الدفن .. لعلمي بالأجر العظيم ..
وحرصتُ أن أُقدِّم لوالدي منزلةً مُباركةً ألا وهي منزلةُ العفو والصفح ..
لكنَّ والدي حفظه الله كان مُصرَّاً على القصاص ..
شهرٌ وراء شهر وأنا أدعو لوالدي أن يُليِّن الله قلبه للعفو ..
وما يزدادُ الوالد مع الأيام إلاَّ صلابةً وتمسُّكاً برأيه ..
ولما اقتربت ساعةُ الصفر ..
وقَرُبَ موعدُ القصاص ولم يبقى عليه سوى سبعة أيام ..
دعوتُ بعض المشايخ لزيارتي وتنال طعام العشاء ..
وكان من أبرزهم الشيخ / سعيد بن مسفر حفظه الله ..
اجتمع المشايخ في بيتي
وحضر والدي الذي لم يكن يعلمُ عن اقتراب موعد القصاص شيئاً ..
لكن والدي أوجس في نفسه ريبةً من هذا الجمع المبارك ..
أمسك بيدي وهمس في أُذني قائلاً :
إن كان المشايخ قد أتوا للتنازل والعفو فلن أعفو أبداً .. فلا يُتعبوا أنفسهم ..
حزنتُ كثيراً .. وأُصبت بإحباط كبير ..
لدرجة أني همستُ في أُذن الشيخ / سعيد بن مسفر أن لا يفتحوا الموضوع مع والدي ؛
لأنه مُصممٌ على القصاص ..
فردَّ عليَّ الشيخ بقوله : سيُعيننا الله عليه ..
وبالفعل بدأ المشايخ بتذكير والدي بعظيم الأجر عند الله ..
واخبروه أنَّ موعد القصاص قد حان .. ولم يبقى عليه سوى أسبوع واحد فقط ..
عرضوا عليه الأموال الكبيرة والله ..
قالوا له أطلب ما شئت .. رُغم الحالة المادية المتواضعة له حفظه الله ..
لكنَّه أعرض عن الدنيا ..
وبعد محاولات عديدة وتذكير ببعض القصص .. أدركوا أنهم قد يئسوا ..
وكان المجلس ممتلئاً بالحضور .. وأنا في خوفٍ ووجلٍ وترقُّبٍ ودعاءٍ ..
وبعد لحظات صمتٍ سادة المكان .. إذ بالشيخ الموفّق سعيد بن مسفر يقوم
وما أن استتمَّ واقفاً حتى أخذ شماغه وقال قوموا يا رجال ..
فرمى شماغه ورمى المشايخ أشمغتهم عند أقدام والدي حفظه الله ..
وكلٌ قد أخذ بشيء من جسم الوالد ..
هذا آخذٌ بلحيته ..
وآخر يُقبِّل أنفه ..
وثالثٌ يُقبِّل رأسه ..
فما كان من والدي أسعده الله إلاَّ أن رفع بصره إلى السماء ..
ثم سالت دموعه على خدِّهِ الحبيب .. لله درُّها من دموع ..
ثمَّ أطلقها مدوِّيةً لله تعالى لا يبتغي بذلك عرضاً من الدنيا ..
قال إنِّي أُشهدُ الله ثم أُشهدكم أني قد عفوتُ عن فلان لوجه الله تعالى ..
فما كان مني إلاَّ أن خررت على قدميه مُقبِّلاً لهما ..
وما كان من المشايخ إلاَّ أن خرَّوا ساجدين لله
سجود شكرٍ على هذه النعمة وهذا التوفيق ..
وبعدُ أحبَّتي الكرام ..
هذه أحداث قصَّة واقعية حصلت لي شخصياً لعلَّ فيه العبرة والعظة ..
والله أسأل أن يُعافينا وإيَّاكم من كل بلاء ..
وأطلبُ ممَّن يقرأُ هذه القصَّة أن لا ينسى والدي ووالدتي بدعوةٍ صالحة
وأن يرحمَ أخي ويُسكنه الفردوس الأعلى من الجنة ..
ولا تنسوني من دعوةٍ بظهر الغيب أن يرحمني وأن يُفرِّج همي ..
كتب الله أجركم جميعاً ..
كتبه / أبُـو أسْمَــاء