زاد الرحيل
11 Nov 2008, 03:43 AM
http://www.ala7ebah.com/upload/uploaded/12067_1226364169.jpg
روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن بلال بن يسار بن زيد، عن أبيه، عن جده: أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غُفر له وإن كان فرَّ من الزحف)
في هذا الحديث دلالة على أن الاستغفار يمحو الذنوب سواء كانت كبائر أو صغائر، فإن الفرار من الزحف من الكبائر.
لكن مما ينبغي أن يُعلم هنا أن المراد بالاستغفار ما اقترن به ترك الإصرار، فهو حينئذٍ يُعدُّ توبة نصوحًا تجبُّ ما قبلها، أما إن قال المرء بلسانه: أستغفر الله وهو غير مقلع عن ذنب، فهو داع لله بالمغفرة، كما يقول: اللهم اغفر لي، وهذا طلبٌ من الله المغفرة ودعاءٌ بها، فيكون حكمه حكم سائر الدعاء، لله ويُرْجى له الإجابة.
وقد ذكر أهل العلم أن القائل: أستغفر الله وأتوب إليه له حالتان:
الأولى: أن يقول ذلك وهو مصرٌ بقلبه على الذنب، فهذا كاذب في قوله: وأتوب إليه؛ لأنه غير تائب، فإن التوبة لا تكون مع الإصرار من العبد على الذنب.
والحالة الثانية: أن يقول ذلك وهو مقلعٌ بقلبه وعزمه ونيته عن المعصية، وجمهور أهل العلم على جواز قول التائب: أتوب إلى الله، وعلى جواز أن يعاهد العبد ربه على أن لا يعود إلى المعصية أبدًا، فإن العزم على ذلك واجبٌ عليه، فهو مخبر بما عزم عليه في الحال، وقد عُلم أن من شروط قبول التوبة العزم من العبد على عدم العودة إلى الذنب، فإن صح منه العزم على ذلك قُبلت توبته، فإن عاد إلى الذنب مرة ثانية احتاج إلى توبة أخرى ليغفر له ذنبه، ولهذا فإن العبد ما دام كذلك كلما أذنب تاب وكلما أخطأ استغفر، فهو حريٌّ بالمغفرة وإن تكرَّر الذنب والتوبة.
روى البخار ي ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يحكي عن ربه -عزَّ وجلَّ- قال: (أذنب عبدٌ ذنبًا، فقال اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعَلِم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي ربِّ اغفر لي ذنبي: فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعَلِم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك). أي: ما دمت تائبًا
أوَّاهًا منيبًا، فهذه توبة مقبولة وإن تكرر الذنب، فإنه كلما كرَّر العبد التوبة مستوفيًا شروطها قُبِلت منه، أما الاستغفار بدون توبة فلا يستلزم المغفرة؛ بل هو سبب من الأسباب التي تُرْجَى بها المغفرة.
ولا ينبغي للعبد أن يقنط من رحمة الله وإن عَظُمَت ذنوبه وكَثُرَت وتنوعت، فإن باب التوبة والمغفرة والرحمة واسع، فالله يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر: 53].
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: "من آيس عباد الله من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله -عز وجل-".
ويقول سبحانه: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}[التوبة: 104]، ويقول: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً}[النساء: 110]، وقال الله –تعالى- في حق المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً*إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ}[النساء: 146،145]، وقال في شأن النصارى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ*أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[المائدة: 74،73]، وقال في شأن الكفار: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا}[البروج: 10]
قال الحسن البصري: "انظروا هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة".
المرجع: فقه الأدعية والأذكار
للشيخ: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر - حفظه الله -
روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن بلال بن يسار بن زيد، عن أبيه، عن جده: أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غُفر له وإن كان فرَّ من الزحف)
في هذا الحديث دلالة على أن الاستغفار يمحو الذنوب سواء كانت كبائر أو صغائر، فإن الفرار من الزحف من الكبائر.
لكن مما ينبغي أن يُعلم هنا أن المراد بالاستغفار ما اقترن به ترك الإصرار، فهو حينئذٍ يُعدُّ توبة نصوحًا تجبُّ ما قبلها، أما إن قال المرء بلسانه: أستغفر الله وهو غير مقلع عن ذنب، فهو داع لله بالمغفرة، كما يقول: اللهم اغفر لي، وهذا طلبٌ من الله المغفرة ودعاءٌ بها، فيكون حكمه حكم سائر الدعاء، لله ويُرْجى له الإجابة.
وقد ذكر أهل العلم أن القائل: أستغفر الله وأتوب إليه له حالتان:
الأولى: أن يقول ذلك وهو مصرٌ بقلبه على الذنب، فهذا كاذب في قوله: وأتوب إليه؛ لأنه غير تائب، فإن التوبة لا تكون مع الإصرار من العبد على الذنب.
والحالة الثانية: أن يقول ذلك وهو مقلعٌ بقلبه وعزمه ونيته عن المعصية، وجمهور أهل العلم على جواز قول التائب: أتوب إلى الله، وعلى جواز أن يعاهد العبد ربه على أن لا يعود إلى المعصية أبدًا، فإن العزم على ذلك واجبٌ عليه، فهو مخبر بما عزم عليه في الحال، وقد عُلم أن من شروط قبول التوبة العزم من العبد على عدم العودة إلى الذنب، فإن صح منه العزم على ذلك قُبلت توبته، فإن عاد إلى الذنب مرة ثانية احتاج إلى توبة أخرى ليغفر له ذنبه، ولهذا فإن العبد ما دام كذلك كلما أذنب تاب وكلما أخطأ استغفر، فهو حريٌّ بالمغفرة وإن تكرَّر الذنب والتوبة.
روى البخار ي ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يحكي عن ربه -عزَّ وجلَّ- قال: (أذنب عبدٌ ذنبًا، فقال اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعَلِم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي ربِّ اغفر لي ذنبي: فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعَلِم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك). أي: ما دمت تائبًا
أوَّاهًا منيبًا، فهذه توبة مقبولة وإن تكرر الذنب، فإنه كلما كرَّر العبد التوبة مستوفيًا شروطها قُبِلت منه، أما الاستغفار بدون توبة فلا يستلزم المغفرة؛ بل هو سبب من الأسباب التي تُرْجَى بها المغفرة.
ولا ينبغي للعبد أن يقنط من رحمة الله وإن عَظُمَت ذنوبه وكَثُرَت وتنوعت، فإن باب التوبة والمغفرة والرحمة واسع، فالله يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر: 53].
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: "من آيس عباد الله من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله -عز وجل-".
ويقول سبحانه: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}[التوبة: 104]، ويقول: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً}[النساء: 110]، وقال الله –تعالى- في حق المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً*إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ}[النساء: 146،145]، وقال في شأن النصارى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ*أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[المائدة: 74،73]، وقال في شأن الكفار: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا}[البروج: 10]
قال الحسن البصري: "انظروا هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة".
المرجع: فقه الأدعية والأذكار
للشيخ: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر - حفظه الله -