مشاهدة النسخة كاملة : رحلة الحج مع الرسول عليه الصلاة والسلام ...
تاج الوقار
25 Nov 2008, 10:04 AM
http://www.ala7ebah.com/upload/uploaded/19290_1227595196.gif
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام المرسلين
وعلى آله وصحبه وسلم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
ما أعظم تلك الأيام المباركة الأشهر المعلومات التي تؤدى فيها فرضة الحج لمن استطاع إليه سبيلاً
كتب الله لنا حج بيته الحرام حجة مبرورة مقبولة وتقبل الله من جميع حجاج بيته الحرام
إن شاء الله سيكون هنا تخليص لصفة حج النبي عليه الصلاة والسلام والاحكام المترتبة على الرجال والنساء ....متجدد إن شاء الله
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه
جبل أحد
25 Nov 2008, 01:47 PM
ننتظر ذلك ،،،
جزيتم خيراً ..
يثبت لفترة الحج ...
تاج الوقار
26 Nov 2008, 01:01 PM
http://www.ala7ebah.com/upload/uploaded/19290_1227693584.gif
ابو اسيد
28 Nov 2008, 04:40 AM
جزاكم الله خيرآ ..
موضوع شيّق وجميل ..
بارك الله فيكم ..
فاعل خير.
28 Nov 2008, 11:04 PM
بارك الله فيك
هنا
في هذا الرابط محاضرة قيمه عن حجة الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم.
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=3587 (http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=3587)
أسأل الله أن ينفع به..
تاج الوقار
29 Nov 2008, 10:51 AM
نبدء بسم الله تعالى
ولما عزم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الحجِّ أعلم الناس أنه حاج، فتجهزوا للخروج معه، وسمِع ذلك مَنْ حول المدينة، فَقَدِمُوا يُريدون الحجَّ مع رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ووافاه في الطريق خلائقُ لا يُحصَون، فكانُوا مِن بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله مدَّ البصر، وخرجَ من المدينة نهاراً بعد الظهر لِسِتٍّ بَقِينَ مِن ذى القِعْدةِ بعد أن صلَّى الظهرَ بها أربعاً، وخطبهم قبل ذلك خُطبةً علَّمهم فيها الإحرام وواجباتِه وسننه
فصلَّى الظهر بالمدينة بالمسجد أربعاً، ثم ترجَّل وادَّهن، ولبس إزاره ورداءه، وخرج بين الظهر والعصر، فنزل بذى الحُليفة، فصلَّى بها العصر ركعتين، ثم بات بها وصلَّى بها المغرب، والعشاء، والصبح، والظهر، فصلَّى بها خمس صلوات، وكان نساؤه كُلُّهن معه، وطاف عليهن تِلك الليلة، فلما أراد الإحرام، اغتسل غُسلاً ثانياً لإحرامه غير غُسل الجِماع الأول، ولم يذكر ابن حزم أنه اغتسل غير الغُسل الأول للجنابة، وقد ترك بعضُ الناس ذِكره، فإما أن يكون تركه عمداً، لأنه لم يثبت عنده، وإما أن يكون تركه سهواً منه، وقد قال زيدُ بن ثابت:(إنه رأى النبىَّ صلى الله عليه وسلم تجرَّد لإهلاله واغتسل) . قال الترمذى: حديث حسن غريب .
وذكر الدارقطنى، عن عائشة قالت: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يُحرِمَ، غسل رأسه بخطمى وأُشْنَان . ثم طيَّبته عائشة بيدها بِذَرِيرَةٍ وطيبٍ فيه مسك في بدنه ورأسه، حتى كان وبيص المِسك يُرى في مفارقه ولِحيته، ثم استدامه ولم يغسله، ثم لبس إزاره ورداءه، ثم صلَّى الظهر ركعتين، ثم أهَلَّ بالحجِّ والعُمرة في مصلاه)، ولم يُنقل عنه أنه صلَّى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر.
وقلَّد قبل الإحرام بُدنه نعلين، وأشعرَها في جانبها الأيمن، فشقَّ صفحةَ سَنامِها، وسَلَتَ الدَّمَ عنها
وإنما قلنا: إنه أحرم قارناً لِبضعة وعشرين حديثاً صحيحة صريحة في ذلك
منها رواه الإمام أحمد من حديث سُراقة بنِ مالك قال: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (دَخَلَتِ العُمْرَةُ في الحَجِّ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ)، قَالَ: وَقَرَنَ النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم في حَجَّة الوَادَعِ . إسناده ثقات.
تاج الوقار
29 Nov 2008, 10:58 AM
تكبيرات الحج
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر كبيراً .
الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد.
انا بنت الاسلام
30 Nov 2008, 12:31 AM
بارك الله فيكم
تاج الوقار
30 Nov 2008, 10:15 AM
الحلقة الثانيه من حج النبي صلى الله عليه وسلم
ثم اهل النبي بالحج وكان يُهِلَّ بالحَجِّ والعُمرة تارة ، وبالحَجِّ تارة ، لأن العُمْرة جزء منه ثم لبَّى فقال : ( لبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيك لا شَريكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لَكَ والمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ ) . ورفع صوتَه بهذه التلبيةِ حتى سَمِعَها أصحابُه ، وأمرَهم بأمر اللَّه له أن يرفعُوا أصواتَهم بالتلبية . وكان حَجَّه على رَحْل ، لا في مَحْمِلٍ ، ولا هَوْدَج ، ولا عمَّارِية وزَامِلتُه تحته ثم إنَّه صلى اللَّه عليه وسلم خيَّرهم عند الإحرام بين الأنساكِ الثلاثة ، ثم ندبَهم عند دُنوِّهم من مكة إلى فسخ الحَج والقِران إلى العُمْرة لمن لم يكن معه هَدْىٌ ، ثم حتَّم ذلك عليهم عند المروةِ .
وولَدَتْ أسماءُ بِنتُ عُميسٍ زوجةُ أبى بكر رضى اللَّه عنها بذى الحُليفة محمَّدَ بن أبى بكر ، فأمرها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تغتسِلَ ، وتَسْتَثْفِرَ بثوب ، وتُحرم وتُهِلَّ . وكان في قِصتها ثلاثُ سُنن ، إحداها : غسلُ المحرم ، والثانية : أن الحائضَ تغتسِل لإحرامها ، والثالثة : أن الإحرام يَصِحُّ مِن الحائض .
ثم سار رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يُلبِّى بتلبيتِه المذكورةِ ، والناسُ معه يزيدُون فيها ويَنقُصُون ، وهو يُقِرُّهم ولا يُنكِرُ عليهم .
ثم مضى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان بالأبواءِ ، أهدى له الصَّعبُ بن جَثَّامَةَ عَجُزَ حِمَارٍ وحشىٍّ ، فردَّه عليه ، فقال : ( إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلاَّ أَنَّا حُرُمٌ). وفى ( الصحيحين ) : ( أنه أهدى له حِماراً وحشياً ) ، وفى لفظ لمسلم: ( لحم حمار وحْشٍ ) .
فلما كان بَسَرِفَ ، حاضت عائشةُ رضى اللَّه عنها ، وقد كانت أهلَّت بعُمْرة ، فدخل عليها النبىُّ صلى الله عليه وسلم وهى تبكى ، قال : ( ما يُبْكِيكِ ؟ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ ) ؟ قالت : نَعَمْ ، قال : ( هَذَا شئٌ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ ، افْعَلى مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ ، غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفى بالبَيْتِ ) .
فلما كان بِسَرِف ، قال لأصحابه : ( مَنْ لَمْ يكُنْ مَعَهُ هَدْىٌ ، فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً ، فَلْيَفْعَلْ ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدىٌ فَلاَ ) . وهذه رتبة أخرى فوق رتبة التخيير عند الميقات .
فلما كان بمكة ، أمر أمراً حتماً : مَنْ لا هَدْى معه أن يجعلها عُمْرة ، ويَحِلَّ من إحرامه ، ومَن معه هَدْى ، أن يُقيم على إحرامه ، ولم ينسخ ذلك شئ البتة ، بل سأله سُراقة بنُ مالك عن هذه العُمرة التي أمرهم بالفسخ إليها ، هل هي لِعَامِهِمْ ذَلِكَ ، أَمْ لِلأبَدِ : قال : ( بَلْ لِلأبَد ، وإن العُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ في الحجِّ إلَى يَوْمِ القِيامَة ) .
وقد روى عنه صلى اللَّه عليه وسلم الأمرَ بفسخِ(اي فسخ احرام العمرة عن احرام الحج) الحَجِّ إلى العُمْرة أربعةَ عشرَ مِن أصحابه ،وفى ( الصحيحين ) عن جابر بنِ عبد اللَّه : أهلَّ النبىُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحجِّ ، وليس مع أحد منهم هَدْى غير النبى صلى الله عليه وسلم وطلحة ، وقَدِمَ على رضى اللَّه عنه من اليمن ومعه هَدْى ، فقال : أهللتُ بما أهلَّ به النبىُّ صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم النبىُّ صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عُمْرة ، ويطوفوا ، ويقصروا ، ويَحِلُّوا إلا مَن كان معه الهَدْىُ ، فشق ذلك على اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبىَّ صلى الله عليه وسلم فقال : ( لو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرى مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ ، ولَوْلا أنَّ معىَ الهَدْىَ لأَحْلَلْتُ ) . وفى لفظ : فقام فينا فقال : ( لَقَدْ عَلِمْتُم أنِّى أَتْقاكُم للّه ، وأَصْدَقُكُم ، وأَبَرُّكُمْ ، وَلَوْلاَ أنَّ معىَ الهَدْى لحَلَلْت كَما تَحِلُّون ، ولَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرى مَا اسْتَدْبَرْتُ ، لم أَسُق الهَدْىَ ، فحُلُّوا ) فَحَلَلْنا ، وسَمعنا وأطعَنا ،
تاج الوقار
01 Dec 2008, 08:57 PM
الحلقه الثالثه
ثمَّ نهض صلى اللَّه عليه وسلم إلى أن نزل بذى طُوى وهى المعروفة الآن بآبار الزاهر، فبات بها ليلةَ الأحد لأربع خَلَوْنَ من ذى الحِجة، وصلَّى بها الصُّبح، ثم اغتسلَ مِنْ يومه، ونهض إلِى مكة، فدخلها نهاراً مِن أعلاها مِن الثنيَّة العُليا التي تُشْرِفُ على الحَجُونِ، وكان في العُمرة يدخل من أسفلها، وفى الحج دخل من أعلاها، وخرج مِن أسفلها، ثم سار حتى دخلَ المسجد وذلك ضحىً.
وذكر الطبرانى، أنه دخلَه من بابِ بنى عبد مناف الذي يُسمِّيه الناسُ اليومَ بابَ بنى شيبة.
وذكر الإمام أحمد: أنه كان إذا دخل مكاناً من دار يعلى، استقبل البيت فدعا.
وذكر الطبرانى: أنه كان إذا نظر إلى البيت، قال: (اللَّهُمَّ زدْ بَيْتَكَ هَذَا تَشْريفاً وَتَعْظِيماً وَتَكْريماً وَمَهَابَةً). وروى عنه، أنه كان عند رؤيته يرفعُ يديه، ويُكبِّر ويقُول: (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ ومِنْكَ السَّلامُ حَيِّنا رَبَّنا بالسَّلام، اللَّهُمَّ زِدْ هَذا البَيْتَ تَشْرِيفاً وَتَعْظِيماً وَتَكْرِيماً وَمَهَابَةً، وزِدْ مَنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَكْريماً وتَشْريفاً وتَعْظيماً وبِرَّاً) وهو مرسل، ولكن سمع هذا سعيدُ بن المسِّيب من عُمَرَ بنِ الخطَّاب رضى اللَّه عنه يقوله.
فلما دخل المسجد، عَمَدَ إلى البيت ولم يركع تحيةَ المسجد، فإنَّ تحيةَ المسجدِ الحرام الطَّوافُ، فلما حاذى الحجَر الأسود، استلمه ولم يُزاحِمْ عليه، ولم يتقدّم عنه إلى جهة الرُّكن اليمانى، ولَم يَقُلْ: نويتُ بطوافى هذا الأسبوع كذا وكذا، ولا افتتحه بالتَّكْبير كما يفعله مَن لا علم عنده، بل هو مِن البِدَع المُنكرات، ولا حاذى الحَجَرَ الأسود بجميع بدنه ثم انفتل عنه وجَعله على شِقه، بل استقبلَه واستلمه، ثم أخذ عن يمينه، وجعل البيتَ عن يساره، ولم يدعُ عند الباب بدُعاء، ولا تحت الميزاب، ولا عِند ظهر الكعبة وأركانها ولا وقَّتَ لِلطَّوَافِ ذِكراً معيناً، لا بفعله، ولا بتعليمِه، بل حُفِظَ عنه بين الركنين: {رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّار} [البقرة: 201] ورمَل في طوافه هَذَا الثلاثة الأشواط الأول، وكان يُسرع في مشيه، ويُقارِبُ بين خُطاه، واضطبع بردائه فجعل طرفيه على أحد كتفيه، وأبدى كتفه الأخرى ومنكبه، وكلما حاذى الحجر الأسود، أشار إليه أو استلمه بمحجنه، وقبّل المحجن، والمحجنُ عصا محنيَّة الرأس. وثبت عنه، أنه استلم الركن اليمانى. ولم يثبتْ عنه أنه قبَّله، ولا قبَّل يده عند استلامه، وقد روى الدارقطنى، عن ابن عباس: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُقبِّلُ الركن اليمانى، ويضع خده عليه)، وفيه عبد اللَّه بن مسلم بن هُرمز، قال الإمام أحمد: صالحُ الحديثِ وضعَّفه غيره. ولكن المرادَ بالرُّكن اليمانِى ههنا، الحجرُ الأسود، فإنه يُسمَّى الركنَ اليمانى ويُقالُ له مع الركن الآخر: اليمانيان، ويقال له مع الركن الذي يلى الحِجر من ناحية الباب: العراقيان، ويقال للرُّكنين اللذين يليان الحِجر: الشاميان. ويقال للركن اليمانى، والذي يلى الحِجر مِن ظهر الكعبة: الغربيان، ولكن ثبت عنه، أنه قبَّل الحجر الأسود. وثبت عنه، أنه استلمه بيده، فوضع يده عليه، ثم قبَّلها، وثبت عنه، أنه استلمه بمحجن، فهذه ثلاث صفات، وروى عنه أيضاً، أنه وضع شفتيه عليه طويلاً يبكى.
وذكر الطبرانى عنه بإسناد جيد: أنه كان إذا استلم الرُّكن اليمانى، قال: (بسْم اللَّه واللَّه أكْبَر). وكان كلما أتى على الحجر الأسود قال: (اللَّهُ أكبَر). فلما فرغ مِن طوافه، جاء إلى خلفِ المقام، فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلى} [البقرة: 125]، فصلَّى ركعتين، والمَقَامُ بينه وبينَ البيت، قرأ فيهما بعد الفاتحة بسورتى الإخلاص وقراءته الآية المذكورة بيانٌ منه لتفسير القرآن، ومراد اللَّه منه بفعله صلى اللَّه عليه وسلم، فلما فرغ من صَلاته، أقبل إلى الحجر الأسودِ، فاستلمه. ثم خرج إلى الصَّفا مِن الباب الذي يقابله، فلما قَرُب منه. قرأ: ({إنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّه} [البقرة: 158] أبدأ بما بدأ اللَّه به)، وفى رواية النسائى: (ابدؤوا)، بصيغة الأمر. ثم رَقى عليه حتى رأى البيت، فاستقبلَ القِبلة، فوحَّدَ اللَّه وكبَّره، وقال. (لا إله إلا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَريكَ لَه، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شئٍ قدير، لا إله إلاَّ اللَّهُ وحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، ونَصَرَ عَبْدَه، وهَزَمَ الأحْزَابَ وحْدَه). ثم دعا بين ذلك، وقال مِثلَ هذا ثلاثَ مرات.
وقام ابنُ مسعود على الصَّدْع، وهو الشِّقُّ الذي في الصَّفا. فقيل له: (هاهنا يا أبَا عبد الرحمن؟ قال: هَذَا والذي لا إلَه غَيْرُه مَقَامُ الذي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سورةُ البقرة) ذكره البيهقى.
ثم نزل إلى المروة يمشى، فلما انصبَّت قدماه في بطن الوادى، سعى حتَّى إذا جاوز الوادى وأَصْعَد، مشى. هذا الذي صحَّ عنه، وذلك اليوم قبل الميلين الأخضرين في أول المسعى وآخره. والظاهر: أن الوادى لم يتغير عن وضعه، هكذا قال جابر عنه في (صحيح مسلم). وظاهر هذا: أنه كان ماشياً، وقد روى مسلم في (صحيحه) عن أبى الزبير، أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقولُ: طافَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوَدَاع على رَاحِلَتِه بالبَيْتِ، وبَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ لِيَراهُ النَّاسُ وَلِيُشْرِفَ ولِيَسْألُوه فَإن النَّاسَ قد غشوْه، وروى مسلم عن أبى الزبير عن جابر: (لم يطف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابُه بين الصَّفَا والمروة إلا طَوَافاً واحِداً طوافه الأول).
قال ابنُ حزم: لا تعارُض بينهما، لأن الراكب إذا انصبَّ به بعيرُه، فقد انصبَّ كُلُّه، وانصبَّتْ قدماه أيضاً مع سائر جسده.
وكان يُصلِّى مدة مُقَامه بمكة إلى يوم التروية بمنزله الذي هو نازِل فيه بالمسلمين بظَاهِر مكَّة، فأقام بظاهرمكة أربعةَ أيَّام يَقْصُرُ الصَّلاة يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، فلما كان يومُ الخميس ضُحىً، توجَّه بمن معه مِن المسلمين إلى مِنَى، فأحرم بالحجِّ مَنْ كان أحلَّ منهم مِن رحالهم، ولم يدخُلُوا إلى المسجد، فأحرمُوا منه، بل أحرمُوا ومكةُ خلفَ ظهورهم، فلما وصل إلى مِنَى، نزل بها، وصلَّى بها الظهرَ والعصرَ، وبات بها، وكان ليلةَ الجمعة، فلما طلعتِ الشمسُ، سار منها إلى عرفة،
تاج الوقار
02 Dec 2008, 07:09 PM
الحلقه الرابعه
فلما طلعتِ الشمسُ، سار منها إلى عرفة، وأخذ على طريق ضبٍّ على يمين طريق النَّاس اليوم، وكان مِن أصحابه الملبِّى، ومنهم المُكبِّرُ، وهو يسمَعُ ذلك ولا يُنْكِرُ على هؤلاء ولا على هؤلاء، فوجد القُبَّة قد ضُرِبَتْ له بِنَمِرَة بأمره، وهى قرية شرقى عرفات، وهى خرابٌ اليوم، فنزل بها، حتى إذا زالت الشمسُ، أمر بناقته القَصواء فَرُحِلتْ، ثم سار حتى أتى بَطن الوادى من أرض عُرَنَةَ.
فخطب النَّاسَ وهو على راحِلته خُطبة عظيمة قرَّرَ فيها قواعِد الإسلام، وهَدَمَ فيها قواعِدَ الشِّرْكِ والجاهلية، وقرَّر فيها تحريمَ المحرَّمات التي اتفقت المِللُ على تحريمها، وهى الدِّماءُ، والأموالُ، والأعراض، ووضع فيها أُمورَ الجاهلية تحتَ قدميه، ووضع فيها ربا الجاهلية كُلَّه وأبطله، وأوصاهم بالنساء خيراً، وذكر الحقَّ الذي لهن والذي عليهن، وأن الواجبَ لهن الرزقُ والكِسوةُ بالمعروف، ولم يُقدِّر ذلك بتقدير، وأباح للأزواج ضربَهن إذا أَدْخَلْن إلى بيوتهن مَنْ يكرهه أزواجُهن، وأوصى الأُمَّة فيها بالاعتصام بكتاب اللَّه، وأخبر أنهم لن يَضِلِّوا ما داموا معتصمين به، ثم أخبرهم أنهم مسؤولون عنه، واستنطقهم: بماذا يقولُون، وبماذا يشهدون، فقالوا: نشهد أنك قد بَلَّغَت وأَدَّيْتَ ونَصَحْتَ، فرفع أُصبعه إلى السماء، واستشهد اللَّهَ عليهم ثلاثَ مرات، وأمرهم أن يُبَلِّغ شاهدُهم غائبَهم.
ولم تكن خطبتين، جلس بينهما، فلما أتمها، أمَرَ بلالاً فأذَّن، ثم أقام الصلاة، فصلَّى الظهر ركعتين أسرَّ فيهما بالقراءة، وكان يومَ الجمعة، فدل على أن المسافِر لا يُصلِّى جمعة، ثم أقام فصلَّى العصر ركعتين أيضاً ومعه أهل مكة، وصلُّوْا بصَلاتِه قصراً وجمعاً بلا ريب، ولم يأمرهم بالإتمام، ولا بترك الجمع،
فلما فرغ من صلاته، ركب حتى أتى الموقفَ، فوقف في ذيل الجبل عند الصَّخَراتِ، واستقبل القِبْلة، وجعل حَبْلَ المُشاة بين يديه، وكان على بعيره، فأخذَ في الدُّعاء والتضرُّع والابتهال إلى غروب الشمس، وأمر النَّاس أن يرفعُوا عن بطن عُرَنَةَ، وأخبر أن عرفة لا تختص بموقفه ذلك، بل قال: (وقَفْتُ هاهنا وعَرَفَةُ كُلُّها مَوْقِفٌ).
وأرسل إلى الناس أن يكونوا على مشاعرهم، ويقفوا بها، فإنها مِن إرث أبيهم إبراهيم وهنالك أقبل ناسٌ من أهل نَجْدٍ، فسألوه عن الحجِّ، فقال: (الحَجُّ عَرَفَةُ، مَن جَاء قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، تَمَّ حَجُّهُ، أيَّامُ مِنَى ثَلاثَةٌ، فَمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَيْن، فلا إثْمَ عَلَيْهِ، ومَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عليه).
وكان في دعائه رافعاً يديه إلى صدره كاستطعام المسكين، وأخبرهم أنَّ خَيْرَ الدُّعَاء دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ
وهناك أُنزِلَتْ عليه: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3].
وهناك سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محرِم فمات، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يُكفَّنَ في ثَوْبَيْهِ، ولا يُمَسَّ بِطِيبٍ، وأن يُغَسَّل بمَاءٍ وَسِدْرٍ، ولا يُغَطَّى رَأْسُه، ولا وَجْهُهُ، وأَخْبَرَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يُلَبِّى.
فلما غربت الشمسُ، واستحكم غروبُها بحيثُ ذهبت الصُّفرة، أفاض من عرفة، وأردف أُسامةَ بنَ زيد خلفه، وأفاض بالسكينة، وضمَّ إليه زِمام ناقتِه، حتى إن رأسَها ليُصِيبُ طَرَفَ رَحْلِهِ وهُو يقول: (أَيُّهَا النَّاسُ ؛ عَلَيْكُم السَّكِينَةَ، فإنَّ البِرَّ لَيْسَ بالإيضَاع). أى: ليس بالإسراع. وأفاض من طريق المَأزِمَيْنِ، ودخل عَرَفة من طريق ضَبّ، وهكذا كانت عادته صلواتُ اللَّه عليه وسلامُه في الأعيادِ، أن يُخالف الطريق، وقد تقدَّم حكمةُ ذلك عند الكلام على هَدْيه في العيد.
ثم جعل يسيرُ العَنَقَ، وهو ضربٌ من السَّير ليس بالسَّريعِ، ولا البَطئ. فإذا وجد فَجْوةً وهو المتَّسعُ، نَصَّ سيره، أى: رفعه فوق ذلك، وكلما أتى ربوةً من تلك الرُّبى، أرخى للناقة زِمامها قليلاً حتى تصعد.
وكان يُلبِّى في مسيره ذلك، لم يقطع التلبيةَ. فلما كان في أثناء الطريق، نزل صلواتُ اللَّهِ وسلامه عليه، فبال، وتوضأ وضوءاً خفيفاً، فقال له أسامة: الصلاة يا رَسول اللَّه، فقال: (الصلاة - أو المُصَلَّى - أَمَامَك).
ثم سار حتى أتى المزدلفة، فتوضأ وضوء الصَّلاة، ثم أمر بالأذان، فأذَّن المؤذِّنُ، ثم أقام، فَصَلَّى المغربَ قبل حطِّ الرِّحَال، وتبريكِ الجمال، فلما حطُّوا رِحالهم، أمر فأقيمتِ الصَّلاةُ، ثم صلَّى عِشاء الآخِرة بإقامة بلا أذان، ولم يُصلِّ بينهما شيئاً. وقد رُوى: أنه صلاَّهما بأذانين وإقامتين، ورُوى بإقامتين بلا أذان، والصحيح: أنه صلاهما بأذان وإقامتين، كما فعل بعرفة.
ثم نام حتى أصبح، ولم يُحْى تلك الليلة، ولا صحَّ عنه في إحياء لَيْلتَى العيدين شئ.
(وأَذِنَ في تلك الليلة لِضعفةِ أهلِه أن يتقدَّمُوا إلى مِنَى قَبْلَ طُلوعِ الفجر، وكانَ ذلك عِند غيبوبةِ القَمَرِ، وأمرهم أن لا يَرْمُوا الجَمْرَةَ حتى تطلُعَ الشَّمسُ) حديث صحيح صححه الترمذى وغيره.
دمـ تبتسم ـوع
03 Dec 2008, 12:59 AM
اللهم صلِ وسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه
جزاكِ الله خير ونفع بكِ
جبل أحد
03 Dec 2008, 02:43 AM
متااابع ...
كتب الله أجركم
تاج الوقار
03 Dec 2008, 08:57 AM
الحلقه الخامسه
يوم النحر
فلما طلع الفجرُ، صلاَّها في أول الوقت لا قبلَه قطعاً بأذان وإقامة يومَ النحر، وهو يومُ العيد، وهو يومُ الحجِّ الأكبر، وهو يومُ الأذان ببراءة اللَّه ورسولِه مِن كُلِّ مشرك. ثم ركِبَ حتى أتى موقِفَه عند المَشْعَرِ الحَرَامِ، فاستقبل القِبْلة، وأخذ في الدُّعاء والتضرُّع، والتكبير، والتهليلِ، والذِّكرِ، حتى أسفر جدّاً، وذلك قبلَ طُلوع الشمس. وهنالك سأله عُرْوَةُ بنُ مُضَرِّس الطَّائى، فقال: يا رسُولَ اللَّهِ ؛ إنِّى جِئْتُ مِنْ جَبَلَىْ طىِّءٍ، أكْلَلْتُ رَاحِلتى، وأتْعَبْتُ نَفْسِى، وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْه، فَهَلْ لِى مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ شَهِدَ صَلاتَنَا هذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وقَفَ بعَرَفَةَ قَبْلَ ذلِكَ ليلاً أوْ نَهاراً، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّه، وقَضى تَفَثَه). قال الترمذى: حديث حسن صحيح.
وقف صلى اللَّه عليه وسلم في موقفه، وأعلم الناس أن مزدلفة كُلَّها موقف، ثم سار مِن مُزْدَلِفَةَ مُرْدِفاًللفضل بن العباس وهو يُلبِّى في مسيره، وانطلق أُسامةُ بن زيد على رجليه في سُبَّاقِ قُريش. وفى طريقه ذلك أمر ابنَ عباس أن يَلْقُطَ له حَصى الجِمار، سبعَ حصياتٍ، ولم يكسرها من الجبل تلك الليلة كما يفعلُ مَن لا عِلم عنده، ولا التقطها بالليل، فالتقط له سبع حصيات مِنْ حَصَى الخَذْفِ، فجعل يَنْفُضُهُنَّ في كَفِّهِ ويَقُولُ: (بأَمْثَال هؤلاء فارْموا، وإيَّاكُم والغُلُوَّ في الدِّين، فإنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الغُلُوُّ في الدِّين). وفى طريقه تلك، عَرَضَتْ له امرأةٌ مِن خَثْعَمَ جَمِيلةٌ، فسألته عن الحجِّ عَنْ أبيها وَكانَ شَيْخاً كَبِيراً لا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فأَمَرَهَا أَنْ تَحُجَّ عَنْهُ، وجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا وتَنْظُرُ إلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَصَرَفَهُ إلَى الشِّقِّ الآخَرِ، وَكَان الفَضْلُ وَسِيماً، فَقِيلَ: صَرَف وجْهَهُ عَنْ نَظَرِهَا إلَيْهِ، وقِيلَ: صَرَفَهُ عَنْ نَظَرِهِ إلَيْهَا، وَالصَّوَابُ: أنَّه فَعَلَهُ للأمْرَين، فإنه في القِصة جعل يَنْظُرُ إليها وتَنْظُرُ إلَيْه. وسأله آخرُ هنالك عن أُمِّه، فقال: إنَّها عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ، فإن حَمَلْتُها لَمْ تَسْتَمْسِكْ، وإنْ رَبَطْتُها خَشِيتُ أنْ أَقْتُلَها، فَقَالَ: (أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلى أُمِّك دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ)؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَحُجَّ عنْ أُمِّكَ).
فلما أتى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، حَرَّك ناقتَه وأسرع السَير، وهذه كانت عادتَه في المواضع التي نزل فيها بأسُ اللَّهِ بأعدائه، فإن هُنالِكَ أصابَ أصحابَ الفيل ما قصَّ اللَّه علينا، ولذلك سُمِّى ذلك الوادى وادىَ مُحَسِّر، لأن الفيل حَسَرَ فيه، أى: أعيى، وانقطع عن الذهاب إلى مكة، وكذلك فعل في سُلوكه الحِجْرَ دِيارَ ثمود، فإنه تقنَّع بثوبه، وأسرع السَّيْرَ. ومُحَسِّر: برزخٌ بين مِنَى وبين مُزدَلِفة، لا مِن هذه، ولا مِن هذه، وعُرَنَةُ: برزخ بين عرفة والمشعرِ الحرام، فبين كُلِّ مشعرين برزخ ليس منهما، فمِنَى: من الحرم، وهى مَشعر، ومُحَسِّر: من الحرم، وليس بمشعر، ومزدلفة: حرم ومشعر، وعُرَنَةُ ليست مَشعراً، وهى من الحل، وعرفة: حِل ومشعر.وسلك صلى اللَّه عليه وسلم الطريقَ الوُسطى بين الطريقين، وهى التي تخرُج على الجمرة الكُبرى، حتى أتى مِنَى، فأتى جمرة العقبة، فوقف في أسفلِ الوادى، وجعل البَيْتَ عن يسارِه، ومِنَى عن يمينه، واستقبلَ الجمرةَ وهو على راحلته، فرماها راكباً بعد طلوع الشمس، واحدة بعد واحدة، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّحصاةٍ، وحينئذ قطع التلبية. وكان في مسيره ذلك يُلَبِّى حتى شرع في الرمى، ورمى وبلالٌ وأُسامةُ معه، أحدهما آخِذٌ بِخِطام ناقته، والآخر يُظلِّلُه بثوب من الحر. وفى هذا: دليل على جواز استظلال المُحْرِمِ بالمَحْمِلِ ونحوهِ إن كانت قصة هذا الإظلال يَومَ النَّحر ثابتة، وإن كانت بعده في أيام مِنَى، فلا حُجَّة فيها،وليس في الحديث بيانٌ في أى زمن كانت. واللَّه أعلم.
ثم رجع إلى مِنَى، فخطب الناسَ خُطبة بليغة أعلمهم فيها بحُرمة يومِ النحر وتحريمه، وفضله عند اللَّه، وحُرمة مكةَ على جميع البلاد، وأمرهم بالسَّمْعِ والطَّاعَةِ لِمَن قَادَهُم بِكِتَابِ اللَّهِ، وأَمَرَ النَّاسَ بِأخْذِ مَنَاسِكِهِمْ عَنه، وقال: (لَعَلِّى لا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِى هذا).
وعلَّمهُم مناسكهم، وأنزلَ المهاجرين والأنصار منازلَهم، وأمرَ الناسَ أن لا يَرْجعُوا بَعْدَهُ كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُهُم رِقَابَ بَعْضٍ، وَأَمَرَ بِالتَّبْلِيغِ عَنْهُ، وأَخْبَرَ أَنَّهُ رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ. وقال في خطبته: (لا يَجْنى جَانٍ إلا على نَفْسِه). وأنزل المهاجرين عن يمين القِبْلة، والأنصارَ عن يسارها، والناسُ حولهم، وفتح اللَّه له أسماعَ الناس حتى سمعها أهلُ مِنَى في منازلهم. وقال في خطبته تلك: (اعْبُدوا رَبَّكم، وصَلُّوا خَمْسَكُم، وصُومُوا شَهْرَكُم، وأَطيعُوا ذا أَمْرِكُم، تَدْخُلوا جَنَّة رَبِّكُم). وودع حينئذ الناس، فقالوا: حَجة الوداع.
وهناك سُئلَ عمن حلق قبل أن يَرمىَ، وعمَّن ذبح قبل أن يَرمىَ، فقال: (لا حَرَجَ) قال عبدُ اللَّهِ بن عمرو:
(ما رأيتُه صلى اللَّه عليه وسلم سئِلَ يومئذٍ عن شئ إلا قال: (افْعَلُوا وَلاَ حَرَجَ). قال ابن عباس: (إنه قيل له - صلى اللَّه عليه وسلم - في الذبح، والحلق، والرمى، والتقديم، والتأخير، فقال: (لا حَرَجَ). ثم انصرف إلى المَنْحَرِ بمِنَى، فنحر ثلاثاً وستين بَدَنَة بيده، وكان ينحرُها قائِمةً، معقولةً يدُها اليُسرى. وكان عددُ هذا الذي نحره عددَ سِنى عمره، ثم أمسك وأمر علياً أن يَنْحَرَ ما غبر من المائة، ثم أمر علياً رضى اللَّه عنه، أن يتصدقَ بِجلالِها ولُحومِها وجُلودِها في المساكين، وأمره أن لا يُعِطىَ الجَزَّار في جِزَارتِها، شيئاً منها، وقال: نَحْنُ تُعْطِيهِ مِن عِنْدِنَا، وقَالَ: (مَنْ شاءَ اقْتَطَعَ).
ونحر رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِمَنْحَرِهِ بمِنَى، وأعلمهم (أن مِنَى كُلَّها مَنْحَرٌ، وأَنَّ فِجاجَ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ) وفى هذا دليلٌ على أن النحرَ لا يختصُّ بمِنَى، بل حيث نحر من فجاج مكة أجزأه، كما أنه لـمَّا وقف بعرفة قال: (وَقَفْتُ هاهنا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ). ووقَفَ بمزدَلِفَة، وقال: (وَقَفْتُ هاهنا وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّها مَوْقِفٌ) وسُئل صلى اللَّه عليه وسلم أن يُبنى له بمِنَى بِنَاءٌ يُظِلُّه مِنَ الحَرِّ، فَقَال: (لاَ، مِنَى مُنَاخٌ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ) وفى هذا دليل على اشتراك المسلمين فيها، وأن مَن سبق إلى مكان منها فهو أحقُّ به حتى يرتَحِلَ عنه، ولا يَمْلِكُه بذلك
فلما أكملَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم نحره، استدعى بالحلاَّق، فحلق رأسه، فَقَالَ لِلحلاَّق - وهو مَعْمر بن عبد اللَّه وهو قائم على رأسه بالموسى ونَظَر في وَجْهِهِ- وقَالَ: (يَا مَعْمَرُ ؛ أَمْكَنَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ شَحْمَةِ أُذُنِهِ وَفى يَدِكَ المُوسَى) فَقَالَ معمر: أمَا واللَّه يا رَسُولَ اللَّهِ ؛ إنَّ ذلك لَمِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَىَّ ومَنِّهِ، قَالَ: (أَجَلْ إذاً أَقَرُّ لَكَ) ذكر ذلك الإمام أحمد رحمه اللَّه.
قال البخاري في (صحيحه): وزعموا أن الذي حَلَقَ لِلنبي صلى الله عليه وسلم، معمر بن عبد اللَّه بن نضلة بن عوف... انتهى، فقال للحلاق: (خُذْ، وأَشَارَ إلى جَانِبِه الأَيْمَنِ، فَلما فَرَغَ مِنْه، قَسَمَ شَعْرَهُ بَيْنَ مَنْ يَلِيه، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الحَلاَّق، فَحَلَقَ جَانِبهُ الأيْسَر، ثُّمَّ قالَ: هاهنا أبو طلحة؟ فدفعه إليه)، هكذا وقع في صحيح مسلم.
ودعا للمحَلِّقِينَ بالمغْفِرَةِ ثَلاثاً، وَلِلمُقَصِّرِين مَرَّةً، وحلق كثيرٌ من الصحابة، بل أكثرُهم، وقصَّر بعضُهم، وهذا مع قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27]، ومع قول عائشة رضى اللَّه عنها: (طيَّبتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يُحْرِمَ، ولإحلاله قَبْلَ أن يَحلَّ)، دليل على أن الحلق نُسُكٌ وليس بإطلاق من محظور
ثم أفاض صلى اللَّه عليه وسلم إلى مكة قبل الظهر راكباً، فطاف طوافَ الإفَاضَةِ، وهو طوافُ الزِّيَارةِ، وهو طَوافُ الصَّدَر، ولم يطُفْ غيَره، ولم يسع معه، هذا هو الصوابُ،
ثمَّ أتى زمزمَ بعد أن قضى طوافَه وهم يسقون، فقال: (لَوْلاَ أَنْ يَغْلِبَكُم النَّاسُ، لنَزَلْتُ فَسَقَيْتُ مَعَكُمْ) ثُمَّ ناولُوه الدَّلْوَ، فَشَربَ وهُوَ قَائِم.
ثم رجع إلى مِنَى، واختُلِفَ أين صلَّى الظهر يومئذ، ففي (الصحيحين): عن ابنِ عُمر، أنه -صلَّى اللَّه عليه وسلم- أفاضَ يوم النحر، ثم رجع، فصلَّى الظهرَ بِمنَى.
وفى (صحيح مسلم): عن جابر، أنه -صلَّى اللَّه عليه وسلم- صلَّى الظُّهرَ بمكَّة وكذلك قالت عائشةُ.
واختُلِفَ في ترجيح أحدِ هذينِ القولين
تاج الوقار
04 Dec 2008, 05:19 AM
الحلقة السادسه والاخيرة
ثم رجع صلى اللَّه عليه وسلم إلى مِنَى مِن يومه ذلك، فباتَ بها، فلما أصبَحَ، انتظرَ زوالَ الشَّمْسِ، فلما زالت، مشى مِن رحله إلى الجمَارِ، ولم يَرْكَبْ، فبدأ بالجمرة الأولى التي تلي مَسْجِدَ الخَيْفِ، فرماها بسبع حَصَياتٍ واحدةً بعدَ واحدةٍ، يقول مع كُلِّ حصاة: (اللَّهُ أكْبَرُ)، ثم تقدَّم على الجمرة أمامها حتى أسهلَ، فقام مستقبلَ القِبْلة، ثم رفعَ يديهِ وَدَعَا دُعاءاً طَوِيلاً بقدر سُورَةِ البقرة، ثم أتى إلى الجَمرة الوُسطى، فرماها كذلك، ثم انحدرَ ذاتَ اليَسارِ مما يلي الوادي، فوقفَ مستقبِلَ القِبْلة رافعاً يديه يدعو قريباً مِن وقُوفِه الأولِ، ثم أتى الجمرَة الثَّالِثَة وهي جمرة العَقبة، فاستبطن الوادي، واستعرض الجَمرة، فجعل البَيْتَ عَن يسارِه، ومِنَى عن يمينه، فرماها بسبع حصيات كذلك.
ولم يِرمِها مِن أعلاها كما يفعل الجُهَّال، ولا جعلها عن يمينه واستقبل البيتَ وقت الرمي كما ذكره غيرُ واحد من الفقهاء.فلما أكمل الرمي، رجع مِن فوره ولم يقف عندها، فقيل: لضيق المكان بالجبل، وقيل - وهو أصح: إن دعاءه كان في نفس العبادة قبل الفراغ منها، فلما رمى جمرة العقبة، فرغ الرميُ، والدعاءُ في صُلب العبادة قبل الفراغ منها أفضلُ منه بعد الفراغ منها، وهذا كما كانت سُنَّته في دعائه في الصلاة، إذ كان يدعو في صُلبها، فأما بعد الفراغ منها، فلم يثبت عنه
هل كان يرمى قبلَ صلاة الظهر أو بعدَها؟ والذي يغلِبُ على الظن، أنه كان يرمي قبل الصلاة، ثم يَرجع فيُصلِّى، لأن جابراً وغيرَه قالوا: كانَ يرمي إذا زالتِ الشمس، فعقَّبوا زوالَ الشمس برميه. وأيضاً، فإن وقت الزوال للرمي أيامَ مِنَى، كطلوع الشمس لرمى يوم النحر، والنبي صلى الله عليه وسلم يومَ النحر لما دخل وقتُ الرمي، لم يُقَدِّمْ عليه شيئاً من عِبادات ذلك اليوم، وأيضاً فإن الترمذي، وابنَ ماجه، رويا في (سننهما) عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يرمى الجِمارَ إذا زالت الشمس. زاد ابن ماجه: قَدْرَ ما إذا فرغ من رميه صلَّى الظهر، وقال الترمذي: حديث حسن، ولكن في إسناد حديث الترمذي: الحجاج بن أرطاة، وفي إسناد حديث ابن ماجه: إبراهيمُ ابن عثمان أبو شيبة، ولا يُحتج به، ولكن ليس في الباب غيرُ هذا.
وذكر الإمام أحمد أنه كان يرمى يوم النحر راكباً، وأيام مِنَى ماشياً في ذهابه ورجوعه.
فقد تضمَّنت حَجَّته صلى اللَّه عليه وسلم سِتَّ وقفات للدعاء.
الموقف الأول: على الصفا، والثاني: على المروة، والثالث: بعرفة، والرابع: بمزدلفة، والخامس: عند الجمرة الأولى، والسادس: عند الجمرة الثانية.
وخطب صلى اللَّه عليه وسلم الناس بمِنَى خطبتين: خطبةً يوم النحر وقد تقدَّمت، والخطبَة الثانية: في أوسط أيَّامِ التشريق، فقيل: هو ثاني يوم النحر، وهو أوسطُها، أي: خيارها، واحتج مَن قال ذلك: بحديث سَرَّاء بنت نبهان، قالت: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (أتدرون أيُّ يَوْمٍ هذَا)؟ -قَالَت: وهُو اليَوْمُِ الَّذي تَدْعُونَ يَوْمَ الرُّؤوس- قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (هذَا أوْسَطُ أيَّامِ التَّشْريقِ، هَلْ تَدْرُونَ أيُّ بَلَد هذَا)؟ قالُوا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ: (هذَا المَشْعَرُ الحَرَامُ)، ثُمَّ قَال: (إنِّي لاَ أَدْرِى لَعَلِّى لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عامي هذَا، ألاَ وَإنَّ دمَاءَكُم، وأَمْوالَكُم، وَأَعْرَاضَكُم عَلَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُم هذَا، في شهركم هذا، في بَلَدِكُمْ هذَا، حَتَّى تَلْقُوْا رَبَّكم، فَيَسْأَلَكُم عَنْ أَعْمالِكُم، ألاَ فَلْيُبَلِّغْ أَدْنَاكُم أقصاكم، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ)؟ فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينة، لَمْ يَلْبَثْ إلاَّ قَلِيلاً حَتَّى مَاتَ صلى اللَّه عليه وسلم. رواه أبو داود. ويوم الرؤوس: هو ثاني يوم النحر بالاتفاق.
وذكر البيهقي، من حديث موسى بن عُبيدة الرّبَذِي، عن صدقة بن يسار، عن ابنِ عمر، قال: أُنْزِلَتْ هَذِه السُّورَةُ: {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ} [النصر: 1]، على رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم في وسط أيَّامِ التشريقِ، وعُرِفَ أنه الوداعُ، فأمر براحلته القَصْواء، فَرُحِلَتْ، واجتمع الناسُ فقال: (يا أيها النَّاسُ)... ثم ذكر الحديث في خطبته.
واستأذنه العباسُ بنُ عبد المطلب أن يَبيت بمكة ليالي مِنَى مِن أجل سقايته، فأذن له.
واستأذنه رِعاءُ الإبِلِ في البيتوتة خارِجَ مِنَى عند الإبل، فأرخص لهم أن يَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ، ثم يَجْمَعُوا رمىَ يومين بَعْدَ يوم النحر يرمُونَه في أحدهما.
ولم يتعجل صلى اللَّه عليه وسلم في يومين، بل تأخر حتَّى أكمل رمىَ أيامِ التشريق الثلاثَةَ، وأفاض يومَ الثلاثاء بعد الظهر إلى المُحَصَّبِ، وهو الأبطح، وهو خَيْف بنى كِنانة، فوجد أبا رافع قد ضرب له فيه قُبَةً هناك، وكان على ثَقَلِه توفيقاً مِن اللَّه عَزَّ وجَلَّ، دون أن يأمرَه به رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فصلَّى الظُّهر، والعصرَ، والمغربَ، والعِشاء، ورقد رقدة ثم نهض إلى مكة، فطاف للوداع ليلاً سحراً، ولم يَرْمُلْ في هذا الطَّوافِ، وأخبرته صفية أنها حائض، فقال: (أحَابِسَتُنا هي)؟ فقالُوا له: إنها قَدْ أَفَاضَتْ قال: (فَلْتَنْفِرْ إذاً).
ثم ارتحل صلى اللَّه عليه وسلم راجعاً إلى المدينَةِ، فلما كانَ بالرَّوحَاءِ، لقى ركباً، فسلَّم عليهم، وقال: (مَنِ القَوْمُ)؟ فَقَالُوا: المُسْلِمُونَ، قالوا: فَمَنِ القَوْمُ؟ فَقَالَ: (رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم)، فَرَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبياّ لَهَا مِنْ مِحفَّتِها، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ أَلِهَذَا حَج؟ قال: (نَعَمْ، ولَكِ أَجْرٌ).
فلما أتى ذَا الحُلَيْفَةِ، باتَ بِهَا، فَلَمَّا رَأى المَدِينَةَ، كَبَّرَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وقال: (لا إله إلاَّ اللَّهُ وًَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وهُوَ عَلى كُلِّ شَئٍ قَدِير، آيبِوُن تَائِبونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ، لِرَبِّنا حَامدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، ونَصَرَ عَبْدَهُ، وهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَه). ثم دخلها نهاراً مِن طَرِيق المُعَرَّسِ، وخَرَج مِن طرِيق الشَّجَرَةِ واللَّه أعلم.
مصدر الرحلة :
كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد للامام شمس الدين ابن القيم
جبل أحد
22 Dec 2008, 10:13 AM
جزيتم خيراً على ما قدمتم وجعلها صدقة تنفعكم في الدنيا والآخرة ...
جهد طيب مبارك
لكم كل الشكر والتقدير ..
دمـ تبتسم ـوع
22 Nov 2009, 12:18 AM
يُرفع..
رفع الله درجاتكم والجميع في أعالي الجنان
تاج الوقار
27 Nov 2009, 08:36 AM
يُرفع..
رفع الله درجاتكم والجميع في أعالي الجنان
واياكِ والجميع
جزاكِ الله خير على الرفع
ام حفصه
14 Jan 2013, 10:38 AM
http://up.ala7ebah.com/img/ANX00834.jpg
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir