المناضل..
18 Jul 2004, 09:42 AM
اعترف احسن لك
/////////هل تعرفت على ربك\\\\\\\\\\\\
إن التعرفَ على الله من أعلى المنازل وأرفعها، ولن تصلح القلوب إلا بمعرفة الله تعالى، جاء في جامع العلوم والحكم للإمام ابن رجب ما نصه: "وقال الحسن لرجل: داو قلبك فإنّ حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم، يعني أن مراده منهم ومطلوبه صلاح قلوبهم، فلا صلاح للقلوب حتى يستقرّ فيها معرفة الله وعظمته ومحبته وخشيته ومهابته ورجاؤه والتوكل عليه ويمتلئ من ذلك، وهذا هو حقيقة التوحيد وهو معنى قول: لا إله إلا الله، فلا صلاح للقلوب حتى يكون إلَهُها الذي تألهه وتعرفه وتحبه وتخشاه هو إله واحد لا شريك له، ولو كان في السموات والأرض إله يؤلَه سوى الله لفسدت بذلك السموات والأرض كما قال تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22]، فعلم بذلك أنه لا صلاح للعالم العلوي والسفلي معا حتى تكون حركات أهلها كلّها لله، وحركات الجسد تابعة لحركات القلب وإرادته، فإن كانت حركته وإرادته لله وحده فقد صلح وصلحت حركات الجسد كله، وإن كانت حركة القلب وإراداته لغير الله فسد وفسدت حركات الجسد بحسب فساد حركة القلب" اهـ.
إن معرفة الله بأسمائه وصفاته من أجلّ العلوم، فهذا العلم ـ وهو العلم المتعلق بالله تعالى ـ أشرف العلوم وأجلها على الإطلاق، فالاشتغال بفهمه والبحث التام عنه اشتغالٌ بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أشرف المواهب، فمعرفة الله تعالى تدعو إلى محبته وخشيته والخوف منه ورجائه وإخلاص العمل له، وهذا عين سعادة العبد.
عباد الله، إن أعظم الناس معرفة بالله هم رسل الله، ومن هنا فهم أكمل الناس عبادة وطاعة لله رب العالمين، يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58]: "هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته المتضمنة لمعرفته ومحبته والإنابة إليه والإقبال عليه والإعراض عما سواه، وذلك متوقف على معرفة الله تعالى، فإن تمام العبادة متوقّّف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة بربه كانت عبادته أكمل".
أيها المصلون، بعد هذه المقدمة دعونا الآن نبحِر لنغوص في أعماق السنة النبوية لنستقي شيئا يسيرًا من درر تلك السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم تبين معرفة النبي بربه.
كان كثير الذكر لربه سبحانه، يذكر الله قائمًا وقاعدًا وعلى جنب، يذكر الله وهو مستشعر لمن يذكر، غفر له ما تقدم له من ذنبه ويقسم ويقول: ((والله، إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)) رواه البخاري. أتعجبون؟! فاسمعوا إذًا إلى ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن الأغر المزني رضي الله عنه أن النبي قال: ((إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة)). ما معنى الحديث؟ وما مراده بقوله: ((إنه ليغان على قلبي))؟ يقول الإمام ابن الأثير رحمه: "((ليغان على قلبي)) أي: ليغطّى ويغشى، والمراد السهو، لأنه كان لا يزال في مزيد من الذكر والقربة ودوام المراقبة، فإذا سها عن شيء منها في بعض الأوقات أو نسي عدّه ذنبًا على نفسه، ففزع إلى الاستغفار".
إخوة الإسلام، ذكر الله تعالى من أعظم المسببات على التعرف على الله، فانظر معي ـ يا رعاك الله ـ إلى أنواع الذكر تجدها كلها دالة على توحيد الله وتعظيمه، فلا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله وغيرها من الأذكار تجعل في قلب المسلم وعلى لسانه ذكرا لصفات الله وأسمائه وأفعاله وتقديسه عن النقائص. إن ذكر الله بالقلب واللسان هو الذكر الذي يثمر معرفة الله ومحبته وكثرة ثوابه كما قال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152].
ثم أيها المسلمون، طرف آخر من معرفة النبي لربه تفكُّره في آياته ومخلوقاته، أخرج البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بتّ عند خالتي ميمونة، فتحدث رسول الله مع أهله ساعة ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ الآيات [آل عمران:190]، ثم قام فتوضأ واستنّ، ثم صلى إحدى عشرة ركعة، ثم أذّن بلال فصلى ركعتين، ثم خرج فصلى بالناس الصبح.
السماوات والأرض آيتان عظيمتان من آيات الله التي لا تحصَى، وهاتان الآيتان كم فيهما من آيات الله ومخلوقاته، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أي: هذه في ارتفاعها واتساعها، وهذه في انخفاضها وكثافتها واتضاعها، وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات وثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات وزروع وثمار وحيوان ومعادن ومنافع مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أي: تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر، فتارة يطول هذا ويقصر هذا، ثم يعتدلان، ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرا ويقصر الذي كان طويلا، وكل ذلك تقدير العزيز العليم.
قال السعدي رحمه الله متحدثًا عن آيتي السماء والأرض: "ثم أخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيهن وما بينهن، وأنزل الأمر وهو الشرائع والأحكام الدينية التي أوحاها إلى رسله لتذكير العباد ووعظهم، وكذلك الأوامر الكونية والقدرية التي يدبّر بها الخلق، كل ذلك لأجل أن يعرفه العباد ويعلموا إحاطة قدرته بالأشياء كلها وإحاطة علمه بجميع الأشياء، فإذا عرفوه بأسمائه الحسنى وأوصافه المقدسة عبدوه وأحبوه وقاموا بحقه، فهذه هي الغاية المقصودة من الخلق والأمر".
لقد تعرف النبي على ربه من خلال التفكر في آياته المتلوة أيضًا في القرآن العظيم، فإذا وقف أمام ربه في صلاته وجدت الخشوع والخضوع والتدبر في أتم وجوهه وأرفع منازله، يتلو الآيات يرتلها ترتيلاً، قال الله تعالى مخاطبًا نبيه : تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ [الجاثية:6]، قال صاحب أضواء البيان رحمه الله: "تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ أشار جل وعلا لنبيه إلى آيات هذا القرآن العظيم، وبين لنبيه أنه يتلوها عليه متلبسة بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه".
لقد كان يقرأ القرآن ويتدارسه مع جبريل عليه السلام، ويحب أن يسمعه من غيره، ثبت في الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال له رسول الله : ((اقرأ علي))، قال: فقلت: يا رسول الله، أأقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: ((نعم، إني أحب أن أسمعه من غيري))، قال: فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41]، فقال: ((حسبك الآن)) فإذا عيناه تذرفان.
قال الإمام ابن رجب رحمه الله: "فلا طريق إلى معرفة الله وإلى الوصول إلى رضوانه والفوز بقربه ومجاورته في الآخرة إلا بالعلم النافع الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، فهو الدليل عليه، وبه يهتدَى في ظلمات الجهل والشبه والشكوك، ولهذا سمى الله كتابه نورا يهتدى به في الظلمات، وقال الله تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة:15، 16]"، وقال الشيخ السعدي رحمه الله: "فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه، وكلما نقص نقص، وأقرب طريق يوصله إلى ذلك تدبر صفاته وأسمائه من القرآن، والطريق في ذلك إذا مرّ به اسم من أسماء الله أثبت له ذلك المعنى وكماله وعمومه ونزهه عما يضاد ذلك".
أُخيّ، ثم إذا أنت نظرتَ إلى عبادة النبي وجدتَ الكمال والاتقان وتمام المعرفة بالله الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه، فقالت له عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، أتصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فقال : ((يا عائشة، أفلا أكون عبدا شكورا)) أخرجه مسلم في الصحيح.
لقد كانت عبادة الله تعالى عند رسول الله تعني السكينة والطمأنينة، كان يقول لمؤذنه بلال: ((أرحنا بالصلاة))، كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. معرفة النبي بربه هي التي جعلته يتلذّذ بالعبادة ومناجاة ربه سبحانه وتعالى.
اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين لك عابدين.
/////////هل تعرفت على ربك\\\\\\\\\\\\
إن التعرفَ على الله من أعلى المنازل وأرفعها، ولن تصلح القلوب إلا بمعرفة الله تعالى، جاء في جامع العلوم والحكم للإمام ابن رجب ما نصه: "وقال الحسن لرجل: داو قلبك فإنّ حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم، يعني أن مراده منهم ومطلوبه صلاح قلوبهم، فلا صلاح للقلوب حتى يستقرّ فيها معرفة الله وعظمته ومحبته وخشيته ومهابته ورجاؤه والتوكل عليه ويمتلئ من ذلك، وهذا هو حقيقة التوحيد وهو معنى قول: لا إله إلا الله، فلا صلاح للقلوب حتى يكون إلَهُها الذي تألهه وتعرفه وتحبه وتخشاه هو إله واحد لا شريك له، ولو كان في السموات والأرض إله يؤلَه سوى الله لفسدت بذلك السموات والأرض كما قال تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22]، فعلم بذلك أنه لا صلاح للعالم العلوي والسفلي معا حتى تكون حركات أهلها كلّها لله، وحركات الجسد تابعة لحركات القلب وإرادته، فإن كانت حركته وإرادته لله وحده فقد صلح وصلحت حركات الجسد كله، وإن كانت حركة القلب وإراداته لغير الله فسد وفسدت حركات الجسد بحسب فساد حركة القلب" اهـ.
إن معرفة الله بأسمائه وصفاته من أجلّ العلوم، فهذا العلم ـ وهو العلم المتعلق بالله تعالى ـ أشرف العلوم وأجلها على الإطلاق، فالاشتغال بفهمه والبحث التام عنه اشتغالٌ بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أشرف المواهب، فمعرفة الله تعالى تدعو إلى محبته وخشيته والخوف منه ورجائه وإخلاص العمل له، وهذا عين سعادة العبد.
عباد الله، إن أعظم الناس معرفة بالله هم رسل الله، ومن هنا فهم أكمل الناس عبادة وطاعة لله رب العالمين، يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58]: "هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته المتضمنة لمعرفته ومحبته والإنابة إليه والإقبال عليه والإعراض عما سواه، وذلك متوقف على معرفة الله تعالى، فإن تمام العبادة متوقّّف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة بربه كانت عبادته أكمل".
أيها المصلون، بعد هذه المقدمة دعونا الآن نبحِر لنغوص في أعماق السنة النبوية لنستقي شيئا يسيرًا من درر تلك السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم تبين معرفة النبي بربه.
كان كثير الذكر لربه سبحانه، يذكر الله قائمًا وقاعدًا وعلى جنب، يذكر الله وهو مستشعر لمن يذكر، غفر له ما تقدم له من ذنبه ويقسم ويقول: ((والله، إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)) رواه البخاري. أتعجبون؟! فاسمعوا إذًا إلى ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن الأغر المزني رضي الله عنه أن النبي قال: ((إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة)). ما معنى الحديث؟ وما مراده بقوله: ((إنه ليغان على قلبي))؟ يقول الإمام ابن الأثير رحمه: "((ليغان على قلبي)) أي: ليغطّى ويغشى، والمراد السهو، لأنه كان لا يزال في مزيد من الذكر والقربة ودوام المراقبة، فإذا سها عن شيء منها في بعض الأوقات أو نسي عدّه ذنبًا على نفسه، ففزع إلى الاستغفار".
إخوة الإسلام، ذكر الله تعالى من أعظم المسببات على التعرف على الله، فانظر معي ـ يا رعاك الله ـ إلى أنواع الذكر تجدها كلها دالة على توحيد الله وتعظيمه، فلا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله وغيرها من الأذكار تجعل في قلب المسلم وعلى لسانه ذكرا لصفات الله وأسمائه وأفعاله وتقديسه عن النقائص. إن ذكر الله بالقلب واللسان هو الذكر الذي يثمر معرفة الله ومحبته وكثرة ثوابه كما قال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152].
ثم أيها المسلمون، طرف آخر من معرفة النبي لربه تفكُّره في آياته ومخلوقاته، أخرج البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بتّ عند خالتي ميمونة، فتحدث رسول الله مع أهله ساعة ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ الآيات [آل عمران:190]، ثم قام فتوضأ واستنّ، ثم صلى إحدى عشرة ركعة، ثم أذّن بلال فصلى ركعتين، ثم خرج فصلى بالناس الصبح.
السماوات والأرض آيتان عظيمتان من آيات الله التي لا تحصَى، وهاتان الآيتان كم فيهما من آيات الله ومخلوقاته، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أي: هذه في ارتفاعها واتساعها، وهذه في انخفاضها وكثافتها واتضاعها، وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات وثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات وزروع وثمار وحيوان ومعادن ومنافع مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أي: تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر، فتارة يطول هذا ويقصر هذا، ثم يعتدلان، ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرا ويقصر الذي كان طويلا، وكل ذلك تقدير العزيز العليم.
قال السعدي رحمه الله متحدثًا عن آيتي السماء والأرض: "ثم أخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيهن وما بينهن، وأنزل الأمر وهو الشرائع والأحكام الدينية التي أوحاها إلى رسله لتذكير العباد ووعظهم، وكذلك الأوامر الكونية والقدرية التي يدبّر بها الخلق، كل ذلك لأجل أن يعرفه العباد ويعلموا إحاطة قدرته بالأشياء كلها وإحاطة علمه بجميع الأشياء، فإذا عرفوه بأسمائه الحسنى وأوصافه المقدسة عبدوه وأحبوه وقاموا بحقه، فهذه هي الغاية المقصودة من الخلق والأمر".
لقد تعرف النبي على ربه من خلال التفكر في آياته المتلوة أيضًا في القرآن العظيم، فإذا وقف أمام ربه في صلاته وجدت الخشوع والخضوع والتدبر في أتم وجوهه وأرفع منازله، يتلو الآيات يرتلها ترتيلاً، قال الله تعالى مخاطبًا نبيه : تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ [الجاثية:6]، قال صاحب أضواء البيان رحمه الله: "تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ أشار جل وعلا لنبيه إلى آيات هذا القرآن العظيم، وبين لنبيه أنه يتلوها عليه متلبسة بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه".
لقد كان يقرأ القرآن ويتدارسه مع جبريل عليه السلام، ويحب أن يسمعه من غيره، ثبت في الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال له رسول الله : ((اقرأ علي))، قال: فقلت: يا رسول الله، أأقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: ((نعم، إني أحب أن أسمعه من غيري))، قال: فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41]، فقال: ((حسبك الآن)) فإذا عيناه تذرفان.
قال الإمام ابن رجب رحمه الله: "فلا طريق إلى معرفة الله وإلى الوصول إلى رضوانه والفوز بقربه ومجاورته في الآخرة إلا بالعلم النافع الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، فهو الدليل عليه، وبه يهتدَى في ظلمات الجهل والشبه والشكوك، ولهذا سمى الله كتابه نورا يهتدى به في الظلمات، وقال الله تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة:15، 16]"، وقال الشيخ السعدي رحمه الله: "فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه، وكلما نقص نقص، وأقرب طريق يوصله إلى ذلك تدبر صفاته وأسمائه من القرآن، والطريق في ذلك إذا مرّ به اسم من أسماء الله أثبت له ذلك المعنى وكماله وعمومه ونزهه عما يضاد ذلك".
أُخيّ، ثم إذا أنت نظرتَ إلى عبادة النبي وجدتَ الكمال والاتقان وتمام المعرفة بالله الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه، فقالت له عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، أتصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فقال : ((يا عائشة، أفلا أكون عبدا شكورا)) أخرجه مسلم في الصحيح.
لقد كانت عبادة الله تعالى عند رسول الله تعني السكينة والطمأنينة، كان يقول لمؤذنه بلال: ((أرحنا بالصلاة))، كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. معرفة النبي بربه هي التي جعلته يتلذّذ بالعبادة ومناجاة ربه سبحانه وتعالى.
اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين لك عابدين.