البيان
23 Jul 2004, 08:20 PM
***أمر الفيل ، و قصة النسأة ***
**بناء القليس أو كنيسة أبرهة:
إن أبرهة بنى القُلَّيْس بصنعاء ، فبنى كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض ، ثم كتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب، فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي ، غضب رجل من النسأة ، أحد بني فُقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر .
**معنى النسأة:
والنسأة : الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب في الجاهلية ، فيحلون الشهر من الأشهر الحرم ، ويحرمون مكانه الشهر من أشهر الحل ، ليواطئوا عدة ما حرم الله ، ويؤخرون ذلك الشهر ففيه أنزل الله تبارك وتعالى : ( إنما النسيء زيادة في الكفر يُضل به الذين كفروا ، يحلونه عاما ، ويحرمونه عاما ، ليواطئوا عدة ما حرم الله ) .
**المواطأة لغة :
ليواطئوا : ليوافقوا : والمواطأة : الموافقة ، تقول العرب : واطأتك على هذا الأمر ، أي وافقتك عليه . والإيطاء في الشعر الموافقة ، وهو اتفاق القافيتين من لفظ واحد ، وجنس واحد ، نحو قول العجَّاج - واسم العجاج عبدالله بن رؤبة أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار0
وكان أول من نسأ الشهور على العرب ، فأحلت منها ما أحل ، وحرمت منها ما حرم القَلَمَّس ، وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة .
ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد بن حذيفة ، ثم قام بعد عباد : قلع بن عباد ، ثم قام بعد قلع : أمية بن قلع ، ثم قام بعد أمية : عوف بن أمية ، ثم قام بعد عوف أبو ثمامة جنادة بن عوف ، وكان آخرهم ، وعليه قام الإسلام ، وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه ، فحرم الأشهر الحرم الأربعة : رجبا ، وذا القعدة ، وذا الحجة ، والمحرم .
فإذا أراد أن يحل منها شيئا أحل المحرم فأحلوه ، وحرم مكانه صفر فحرموه ، ليواطئوا عدة الأربعة الأشهر الحرم . فإذا أرادوا الصدر قام فيهم فقال : اللهم إني قد أحللت لك أحد الصفرين ، الصفر الأول ، ونسأت الآخر للعام المقبل 0
فخرج الكناني حتى أتى القليس فقعد فيها:يعني أحدث فيها ثم خرج فلحق بأرضه ، فأخبر بذلك أبرهة فقال : من صنع هذا ؟ فقيل له : صنع هذا رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج العرب إليه بمكة لما سمع قولك : ( أصرف إليها حج العرب ) غضب فجاء فقعد فيها ، أي أنها ليست لذلك بأهل .
**خروج أبرهة لهدم الكعبة :
فغضب عند ذلك أبرهة وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه ، ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ، ثم سار وخرج معه بالفيل ؛ وسمعت بذلك العرب ، فأعظموه وفظعوا به ، ورأوا جهاده حقا عليهم ، حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة ، بيت الله الحرام .
**أشراف اليمن يدافعون عن البيت:
فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له : ذو نفر ، فدعا قومه ، ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة ، وجهاده عن بيت الله الحرام ، وما يريد من هدمه وإخرابه ؛ فأجابه إلى ذلك من أجابه ، ثم عرض له فقاتله ، فهزم ذو نفر وأصحابه ، وأخذ له ذو نفر فأتي به أسيرا ، فلما أراد قتله قال له ذو نفر : أيها الملك ، لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي ؛ فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق ، وكان أبرهة رجلا حليما .
**خثعم تجاهد أبرهة:
ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له ، حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قَبِيْلَيْ خثعم : شهران وناهس ، ومن تبعه من قبائل العرب ، فقاتله فهزمه أبرهة ، وأخذ له نفيل أسيرا ، فأتي به ، فلما هم بقتله قال له نفيل : أيها الملك ، لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي لك على قبيلَيْ خثعم : شهران وناهس بالسمع والطاعة ، فخلى سبيله .
**ابن معتب و أبرهة:
وخرج به معه يدله ، حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب ابن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف في رجال ثقيف .
ثقيف : قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
ثقيف تهادن أبرهة :
فقالوا له : أيها الملك ، إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ، ليس عندنا لك خلاف ، وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد - يعنون اللات - إنما تريد البيت الذي بمكة ، ونحن نبعث معك من يدلك عليه ، فتجاوز عنهم .
((اللات))
واللات : بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة .
*أبو رغال ورجم قبره:
فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة ، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس ؛ فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك ، فرجمت قبره العرب ، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس .
**الأسود بن مقصود يهاجم مكة:
فلما نزل أبرهة المغمس ، بعث رجلا من الحبشة يقال له : الأسود بن مقصود على خيل له ، حتى انتهى إلى مكة ، فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرهم ، وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم ، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها ، فهمت قريش وكنانة وهذيل ، ومن كان بذلك الحرم من سائر الناس بقتاله ، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به ، فتركوا ذلك .
***رسول أبرهة إلى مكة:
وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ، وقال له : سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفها ، ثم قال له : إن الملك يقول لك : إني لم آت لحربكم ، إنما جئت لهدم هذا البيت ، فإن لم تعرضوا دونه بحرب ، فلا حاجة لي بدمائكم ، فإن هو لم يرد حربي فأتني به .
فلما دخل حناطة مكة ، سأل عن سيد قريش وشريفها ، فقيل له : عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ؛ فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة ؛ فقال له عبدالمطلب : والله ما نريد حربه ، وما لنا بذلك من طاقة ، هذا بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام - أو كما قال - فإنْ يمنعه منه فهو بيته وحرمه ، وإن يخل بينه وبينه ، فوالله ما عندنا دفع عنه ؛ فقال له حناطة : فانطلق معي إليه ، فإنه قد أمرني أن آتيه بك .
**أنيس يشفع لعبد المطلب:
فانطلق معه عبدالمطلب ، ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر ، فسأل عن ذي نفر ، وكان له صديقا ، حتى دخل عليه وهو في محبسه ، فقال له : يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا ؟ فقال له ذو نفر : وما غناء رجل أسير بِيدَيْ ملك ينتظر أن يقتله غدوا أو عشيا ما عندنا غناء في شيء مما نزل بك إلا أنّ أُنيسا سائس الفيل صديق لي ، وسأرسل إليه فأوصيه بك ، وأعظم عليه حقك ، وأسأله أن يستأذن لك على الملك ، فتكلمه بما بدا لك و يشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك ؛ فقال : حسبي .
فبعث ذو نفر إلى أنيس ، فقال له : إن عبدالمطلب سيد قريش ، وصاحب عير مكة ، يطعم الناس بالسهل ، والوحوش في رءوس الجبال ، وقد أصاب له الملك مائتي بعير ، فاستأذن له عليه ، وانفعه عنده بما استطعت ؛ فقال : أفعل .
فكلم أنيس أبرهة ، فقال له : أيها الملك ، هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك ، وهو صاحب عير مكة ، وهو يطعم الناس في السهل ، والوحوش في رءوس الجبال ، فأذن له عليك ، فيكلمك في حاجته ، و أحسن إليه ، قال : فأذن له أبرهة .
**الإبل لي والبيت له رب يحميه:
قال : وكان عبدالمطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم ، فلما رآه أبرهة أجله وأعظمه وأكرمه عن أن يجلسه تحته ، وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه ، فنزل أبرهة عن سريره ، فجلس على بساطه ، وأجلسه معه عليه إلى جنبه ، ثم قال لترجمانه : قل له : حاجتك ؟ فقال له ذلك الترجمان ؛فقال : حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي ؛ فلما قال له ذلك ، قال أبرهة لترجمانه : قل له : قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه ، لا تكلمني فيه ! قال له عبدالمطلب : إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه ؛ قال : ما كان ليمتنع مني ؛ قال : أنت وذاك .
**الوفد المرافق لعبدالمطلب:
وكان فيما يزعم بعض أهل العلم ، قد ذهب مع عبدالمطلب إلى أبرهة ، حين بعث إليه حناطة ، يعمر بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن مناة بن كنانة ، وهو يومئذ سيد بني بكر ، وخويلد بن واثلة الهذلي ، وهو يومئذ سيد هذيل ؛ فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة ، على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت فأبى عليهم . والله أعلم أكان ذلك أم لا . فرد أبرهة على عبدالمطلب الإبل التي أصاب له .
**قريش تستنصر الله على أبرهة:
فلما انصرفوا عنه ، انصرف عبدالمطلب إلى قريش ، فأخبرهم الخبر ، وأمرهم بالخروج من مكة ، والتحرز في شعف الجبال والشعاب : تخوفا عليهم من معرة الجيش ، ثم قام عبدالمطلب ، فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ، ويستنصرونه على أبرهة وجنده 0فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة ، وهيأ فيله وعبىَّ جيشه ، وكان اسم الفيل محمودا ؛ وأبرهة مجمع لهدم البيت ، ثم الانصراف إلى اليمن . فلما وجهوا الفيل إلى مكة ، أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي حتى قام إلى جنب الفيل ، ثم أخذه بأذنه ، فقال : ابرك محمود ، أو ارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام ، ثم أرسل أذنه .
فبرك الفيل ، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل ، وضربوا الفيل ليقوم فأبى . فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى ، فأدخلوا محاجن لهم في مراقِّه فبزغوه بها ليقوم فأبى ، فوجهوه راجعا إلى اليمن ، فقام يهرول ، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى مكة فبرك .
**عقاب الله لأبرهة وجنده:
فأرسل الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان ، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها : حجر في منقاره ، وحجران في رجليه ، أمثال الحمص والعدس ،لا تصيب منهم أحدا إلا هلك ، وليس كلهم أصابت .وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا0
فخرجوا يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون بكل مهلك على كل منهل ، وأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم تسقط أنامله أُنمْلة أنملة ، كلما سقطت أنملة أتبعتها منه مدة تمثُّ قيحا ودما ، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر ، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ، فيما يزعمون .
حدث يعقوب بن عتبة أنه حُدث : أن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام ، وأنه أول ما رؤي بها مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعُشر ذلك العام .
**الله جل جلاله يذكر حادثة الفيل ويمتن على قريش:
فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ، كان مما يعد الله على قريش من نعمته عليهم وفضله ، ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم ، فقال الله تبارك وتعالى : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل . ألم يجعل كيدهم في تضليل . و أرسل عليهم طيرا أبابيل . ترميهم بحجارة من سجيل . فجعلهم كعصف مأكول ) . وقال : ( لإيلاف قريش . إيلافهم رحلة الشتاء والصيف . فليعبدوا رب هذا " البيت . الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) . أي لئلا يغير شيئا من حالهم التي كانوا عليها ، لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه
**تفسير مفردات سورتي الفيل وقريش:
الأبابيل : الجماعات ، ولم تتكلم لها العرب بواحد علمناه . وأما السجيل : فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب : الشديد الصلب .
وذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية ، جعلتهما العرب كلمة واحدة ، وإنما هو سَنْج و جِلّ ، يعني بالسنج : الحجر ؛ وبالجل : الطين . يعني : الحجارة من هذين الجنسين : الحجر والطين . والعصف : ورق الزرع الذي لم يقصب ، وواحدته عصفة . قال : وأخبرني أبو عبيدة النحوي أنه يقال له : العصافة والعصيفة .
وإيلاف قريش : إلفهم الخروج إلى الشام في تجارتهم ، وكانت لهم خرجتان : خرجة في الشتاء ، وخرجة في الصيف . أخبرني أبو زيد الأنصاري ، أن العرب تقول : ألفت الشيء إلفا ، وآلفته إيلافا ، في معنى واحد 0
والإيلاف أيضا : أن يكون للإنسان ألف من الإبل ، أو البقر ، أو الغنم ، أو غير ذلك . يقال آلف فلان إيلافا . قال الكميت بن زيد ، أحد بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد :
بعام يقول له المؤلفو ن هذا المعيم لنا المرجل
ويقال : آلفته إياه إيلافا . والإيلاف أيضا : أن تصيرِّ ما دون الألف ألفا ، يقال : آلفته إيلافا .
**مصير قائد الفيل وسائسه :
حدث عبدالله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبدالرحمن ، بن سعد بن زرارة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان الناس
ولسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
**بناء القليس أو كنيسة أبرهة:
إن أبرهة بنى القُلَّيْس بصنعاء ، فبنى كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض ، ثم كتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب، فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي ، غضب رجل من النسأة ، أحد بني فُقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر .
**معنى النسأة:
والنسأة : الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب في الجاهلية ، فيحلون الشهر من الأشهر الحرم ، ويحرمون مكانه الشهر من أشهر الحل ، ليواطئوا عدة ما حرم الله ، ويؤخرون ذلك الشهر ففيه أنزل الله تبارك وتعالى : ( إنما النسيء زيادة في الكفر يُضل به الذين كفروا ، يحلونه عاما ، ويحرمونه عاما ، ليواطئوا عدة ما حرم الله ) .
**المواطأة لغة :
ليواطئوا : ليوافقوا : والمواطأة : الموافقة ، تقول العرب : واطأتك على هذا الأمر ، أي وافقتك عليه . والإيطاء في الشعر الموافقة ، وهو اتفاق القافيتين من لفظ واحد ، وجنس واحد ، نحو قول العجَّاج - واسم العجاج عبدالله بن رؤبة أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار0
وكان أول من نسأ الشهور على العرب ، فأحلت منها ما أحل ، وحرمت منها ما حرم القَلَمَّس ، وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة .
ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد بن حذيفة ، ثم قام بعد عباد : قلع بن عباد ، ثم قام بعد قلع : أمية بن قلع ، ثم قام بعد أمية : عوف بن أمية ، ثم قام بعد عوف أبو ثمامة جنادة بن عوف ، وكان آخرهم ، وعليه قام الإسلام ، وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه ، فحرم الأشهر الحرم الأربعة : رجبا ، وذا القعدة ، وذا الحجة ، والمحرم .
فإذا أراد أن يحل منها شيئا أحل المحرم فأحلوه ، وحرم مكانه صفر فحرموه ، ليواطئوا عدة الأربعة الأشهر الحرم . فإذا أرادوا الصدر قام فيهم فقال : اللهم إني قد أحللت لك أحد الصفرين ، الصفر الأول ، ونسأت الآخر للعام المقبل 0
فخرج الكناني حتى أتى القليس فقعد فيها:يعني أحدث فيها ثم خرج فلحق بأرضه ، فأخبر بذلك أبرهة فقال : من صنع هذا ؟ فقيل له : صنع هذا رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج العرب إليه بمكة لما سمع قولك : ( أصرف إليها حج العرب ) غضب فجاء فقعد فيها ، أي أنها ليست لذلك بأهل .
**خروج أبرهة لهدم الكعبة :
فغضب عند ذلك أبرهة وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه ، ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ، ثم سار وخرج معه بالفيل ؛ وسمعت بذلك العرب ، فأعظموه وفظعوا به ، ورأوا جهاده حقا عليهم ، حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة ، بيت الله الحرام .
**أشراف اليمن يدافعون عن البيت:
فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له : ذو نفر ، فدعا قومه ، ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة ، وجهاده عن بيت الله الحرام ، وما يريد من هدمه وإخرابه ؛ فأجابه إلى ذلك من أجابه ، ثم عرض له فقاتله ، فهزم ذو نفر وأصحابه ، وأخذ له ذو نفر فأتي به أسيرا ، فلما أراد قتله قال له ذو نفر : أيها الملك ، لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي ؛ فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق ، وكان أبرهة رجلا حليما .
**خثعم تجاهد أبرهة:
ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له ، حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قَبِيْلَيْ خثعم : شهران وناهس ، ومن تبعه من قبائل العرب ، فقاتله فهزمه أبرهة ، وأخذ له نفيل أسيرا ، فأتي به ، فلما هم بقتله قال له نفيل : أيها الملك ، لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي لك على قبيلَيْ خثعم : شهران وناهس بالسمع والطاعة ، فخلى سبيله .
**ابن معتب و أبرهة:
وخرج به معه يدله ، حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب ابن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف في رجال ثقيف .
ثقيف : قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
ثقيف تهادن أبرهة :
فقالوا له : أيها الملك ، إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ، ليس عندنا لك خلاف ، وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد - يعنون اللات - إنما تريد البيت الذي بمكة ، ونحن نبعث معك من يدلك عليه ، فتجاوز عنهم .
((اللات))
واللات : بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة .
*أبو رغال ورجم قبره:
فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة ، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس ؛ فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك ، فرجمت قبره العرب ، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس .
**الأسود بن مقصود يهاجم مكة:
فلما نزل أبرهة المغمس ، بعث رجلا من الحبشة يقال له : الأسود بن مقصود على خيل له ، حتى انتهى إلى مكة ، فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرهم ، وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم ، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها ، فهمت قريش وكنانة وهذيل ، ومن كان بذلك الحرم من سائر الناس بقتاله ، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به ، فتركوا ذلك .
***رسول أبرهة إلى مكة:
وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ، وقال له : سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفها ، ثم قال له : إن الملك يقول لك : إني لم آت لحربكم ، إنما جئت لهدم هذا البيت ، فإن لم تعرضوا دونه بحرب ، فلا حاجة لي بدمائكم ، فإن هو لم يرد حربي فأتني به .
فلما دخل حناطة مكة ، سأل عن سيد قريش وشريفها ، فقيل له : عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ؛ فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة ؛ فقال له عبدالمطلب : والله ما نريد حربه ، وما لنا بذلك من طاقة ، هذا بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام - أو كما قال - فإنْ يمنعه منه فهو بيته وحرمه ، وإن يخل بينه وبينه ، فوالله ما عندنا دفع عنه ؛ فقال له حناطة : فانطلق معي إليه ، فإنه قد أمرني أن آتيه بك .
**أنيس يشفع لعبد المطلب:
فانطلق معه عبدالمطلب ، ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر ، فسأل عن ذي نفر ، وكان له صديقا ، حتى دخل عليه وهو في محبسه ، فقال له : يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا ؟ فقال له ذو نفر : وما غناء رجل أسير بِيدَيْ ملك ينتظر أن يقتله غدوا أو عشيا ما عندنا غناء في شيء مما نزل بك إلا أنّ أُنيسا سائس الفيل صديق لي ، وسأرسل إليه فأوصيه بك ، وأعظم عليه حقك ، وأسأله أن يستأذن لك على الملك ، فتكلمه بما بدا لك و يشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك ؛ فقال : حسبي .
فبعث ذو نفر إلى أنيس ، فقال له : إن عبدالمطلب سيد قريش ، وصاحب عير مكة ، يطعم الناس بالسهل ، والوحوش في رءوس الجبال ، وقد أصاب له الملك مائتي بعير ، فاستأذن له عليه ، وانفعه عنده بما استطعت ؛ فقال : أفعل .
فكلم أنيس أبرهة ، فقال له : أيها الملك ، هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك ، وهو صاحب عير مكة ، وهو يطعم الناس في السهل ، والوحوش في رءوس الجبال ، فأذن له عليك ، فيكلمك في حاجته ، و أحسن إليه ، قال : فأذن له أبرهة .
**الإبل لي والبيت له رب يحميه:
قال : وكان عبدالمطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم ، فلما رآه أبرهة أجله وأعظمه وأكرمه عن أن يجلسه تحته ، وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه ، فنزل أبرهة عن سريره ، فجلس على بساطه ، وأجلسه معه عليه إلى جنبه ، ثم قال لترجمانه : قل له : حاجتك ؟ فقال له ذلك الترجمان ؛فقال : حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي ؛ فلما قال له ذلك ، قال أبرهة لترجمانه : قل له : قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه ، لا تكلمني فيه ! قال له عبدالمطلب : إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه ؛ قال : ما كان ليمتنع مني ؛ قال : أنت وذاك .
**الوفد المرافق لعبدالمطلب:
وكان فيما يزعم بعض أهل العلم ، قد ذهب مع عبدالمطلب إلى أبرهة ، حين بعث إليه حناطة ، يعمر بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن مناة بن كنانة ، وهو يومئذ سيد بني بكر ، وخويلد بن واثلة الهذلي ، وهو يومئذ سيد هذيل ؛ فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة ، على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت فأبى عليهم . والله أعلم أكان ذلك أم لا . فرد أبرهة على عبدالمطلب الإبل التي أصاب له .
**قريش تستنصر الله على أبرهة:
فلما انصرفوا عنه ، انصرف عبدالمطلب إلى قريش ، فأخبرهم الخبر ، وأمرهم بالخروج من مكة ، والتحرز في شعف الجبال والشعاب : تخوفا عليهم من معرة الجيش ، ثم قام عبدالمطلب ، فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ، ويستنصرونه على أبرهة وجنده 0فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة ، وهيأ فيله وعبىَّ جيشه ، وكان اسم الفيل محمودا ؛ وأبرهة مجمع لهدم البيت ، ثم الانصراف إلى اليمن . فلما وجهوا الفيل إلى مكة ، أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي حتى قام إلى جنب الفيل ، ثم أخذه بأذنه ، فقال : ابرك محمود ، أو ارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام ، ثم أرسل أذنه .
فبرك الفيل ، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل ، وضربوا الفيل ليقوم فأبى . فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى ، فأدخلوا محاجن لهم في مراقِّه فبزغوه بها ليقوم فأبى ، فوجهوه راجعا إلى اليمن ، فقام يهرول ، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى مكة فبرك .
**عقاب الله لأبرهة وجنده:
فأرسل الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان ، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها : حجر في منقاره ، وحجران في رجليه ، أمثال الحمص والعدس ،لا تصيب منهم أحدا إلا هلك ، وليس كلهم أصابت .وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا0
فخرجوا يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون بكل مهلك على كل منهل ، وأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم تسقط أنامله أُنمْلة أنملة ، كلما سقطت أنملة أتبعتها منه مدة تمثُّ قيحا ودما ، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر ، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ، فيما يزعمون .
حدث يعقوب بن عتبة أنه حُدث : أن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام ، وأنه أول ما رؤي بها مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعُشر ذلك العام .
**الله جل جلاله يذكر حادثة الفيل ويمتن على قريش:
فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ، كان مما يعد الله على قريش من نعمته عليهم وفضله ، ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم ، فقال الله تبارك وتعالى : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل . ألم يجعل كيدهم في تضليل . و أرسل عليهم طيرا أبابيل . ترميهم بحجارة من سجيل . فجعلهم كعصف مأكول ) . وقال : ( لإيلاف قريش . إيلافهم رحلة الشتاء والصيف . فليعبدوا رب هذا " البيت . الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) . أي لئلا يغير شيئا من حالهم التي كانوا عليها ، لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه
**تفسير مفردات سورتي الفيل وقريش:
الأبابيل : الجماعات ، ولم تتكلم لها العرب بواحد علمناه . وأما السجيل : فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب : الشديد الصلب .
وذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية ، جعلتهما العرب كلمة واحدة ، وإنما هو سَنْج و جِلّ ، يعني بالسنج : الحجر ؛ وبالجل : الطين . يعني : الحجارة من هذين الجنسين : الحجر والطين . والعصف : ورق الزرع الذي لم يقصب ، وواحدته عصفة . قال : وأخبرني أبو عبيدة النحوي أنه يقال له : العصافة والعصيفة .
وإيلاف قريش : إلفهم الخروج إلى الشام في تجارتهم ، وكانت لهم خرجتان : خرجة في الشتاء ، وخرجة في الصيف . أخبرني أبو زيد الأنصاري ، أن العرب تقول : ألفت الشيء إلفا ، وآلفته إيلافا ، في معنى واحد 0
والإيلاف أيضا : أن يكون للإنسان ألف من الإبل ، أو البقر ، أو الغنم ، أو غير ذلك . يقال آلف فلان إيلافا . قال الكميت بن زيد ، أحد بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد :
بعام يقول له المؤلفو ن هذا المعيم لنا المرجل
ويقال : آلفته إياه إيلافا . والإيلاف أيضا : أن تصيرِّ ما دون الألف ألفا ، يقال : آلفته إيلافا .
**مصير قائد الفيل وسائسه :
حدث عبدالله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبدالرحمن ، بن سعد بن زرارة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان الناس
ولسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،