همي الدعوه
27 Jan 2009, 02:01 AM
خنساوات غزة!!
جف المداد في قلمي حزناً من نهر الدم المتدفق، ويأبى القلم أن يسطر ولو حرفاً واحداً، خجلاً من مخاطبة نساء غزة .. أمهات غزة .. أخوات غزة .. بنات غزة .. بطلات غزة.
تعجز الكلمات والحروف عن مخاطبتهن - ولكن – لا تعجز الروح عن مناداتهن، ولا يعجز قلبي ولا لساني عن الدعاء لهن خشية أن يسألنني ماذا قدمتن لنا يا نساء العرب؟ بماذا ساندتننا؟ بماذا خففتن عنا؟ أشاركتننا آلامنا؟ أضمدتن جراحنا؟ أشعرتن بمعاناتنا؟
أجيب - ويشهد الله تعالى- رغم حياة الكثيرات حياة الرفاهية والثراء واللامبالاة، والبحث عن لهو الحياة وزينتها إلا أن معظم الشعوب هبت بنسائها ورجالها وشبابها وأطفالها، من أجل نصرة غزة ورجالها البواسل ونسائها اللاتي ضربن أروع البطولات، ساندكن بالمظاهرات، بالدعوات، بالدموع، ووالله الذي لا إله سواه لو انسالت الدموع دماً ما كان يكفي تلك المأساة.. الآلاف ساندكن بكل ما يملكن من وسيلة - لكن – مهما فعلن، قليل عليكن قليل!
خنساء العصر:
تحدث التاريخ قديماً عن خنساء واحدة: وإذا التاريخ يدون آلاف الخنساوات في هذا القرن.. الخنساء سميت أم الشهداء بعد معركة القادسية.
حضرت يوم ذاك ومعها بنوها.. الأربعة رجال، وقالت لهم: "أنتم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، وقد تعلمون ما أعد الله من الثواب الجزيل، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه مستنصرين". واستشهد أبناؤها الأربعة فكانت أماً للشهداء.
فيا نساء العرب انظرن ماذا فعلت خنساوات غزة؟
لا تتعاملن مع الدنيا كأنها باقية ودائمة الابتسام، ولا تغررن بها، فمن السهل عليها أن تبيع من اشتراها!
انظرن لخنساوات غزة الأبية: مضى على حصارهن عامان، جُوعن.. عُطشن.. حُبسن.. عشن من دون وريد الحياة، فلا مياه ولا غاز ولا كهرباء، ربما أبسط حق لهن في رغيف الخبز لا يجدنه، تجلدن، صبرن، حمدن، قاومن، لم يشكين وكن سنداً لأزواجهن.
ثم فجأة هبت عليهن شلالات الغضب والجنون هلعاً من هذا الصبر والصمود.. منهن من فقدت جميع أولادها وزوجها، ومن فقدت أباها، ومن ذهبت مع جميع أسرتها ومن ومن .. لا تجد بيتاً إلا وراءه مأساة.
هذا إذا تبقى بيت، فقد ترك العدو أطلالاً، لكن ستظل غزة بمشيئة الله بنسائها ورجالها الأبطال يدافعون عن الحق، يدافعون عن أرضهم ودمائهم، وأطفالها الذين تجلدوا وصبروا وجاعوا، ورأوا بأعينهم آباءهم وأمهاتهم يقتلون ويدمون، سيكون هم أبطال مقاومة الغد.
أطفالكبار!
طفلة لا يزيد عمرها عن الثانية عشرة، تأتي الكاميرا على وجهها، فيا لها من ابتسامة صافية عذبة، وتجلس في كبرياء تتحدث بثقة، هذه الشخصية المضيئة، الشامخة.. عند نزول الكاميرا تفاجأ بساقيها مبتورتين.. ما هذا؟ أي شجاعة وأي رضا؟ وأي ثبات؟
طفلة لا تتعدى الخامسة من عمرها تحمل أختها الرضيعة والدماء تسيل منها بغزارة فتهدهدها وتقول لها ماما أهي ماما أهي.. الطفلة صارت أماً تتحمل المسؤولية!! وتحمل أختها الجريحة والدماء تسيل من عينيها.
طفلة في العاشرة تقول: "إحنا أقوياء وسنظل أقوياء.. مهما صار ببلدنا أو قصفوا البيوت بنبنيها بيدينا".
أين ضمير العالم؟
أم تقول: يدمر العدو حجارة يدمر، لن يدمر صمودنا رغم أننا بالكاد نختطف لحظة الأمان!!
إحدي الأمهات والتي خرجت من أنقاض بيت قصفه العدو في الحال تقول: قلت لابني: "يلا يا محمد أسرع اجر، ردَّ قائلاً: كيف يا أمي أترك هذه الجثث والأشلاء على الجدران والجرحى ملقون، أليس هناك ضمير يا أمي؟" فتركته وخرجت!
أرأيت أيتها المرأة المدللة؟ أرأيت تضحية وإنكاراً للذات، وحباً للوطن، وتضحية بالأبناء والأزواج والأحباء، مثلهن؟
على قدر الحنان في قلوب الأمهات والخوف على فلذاتهن، تبدل الحنان في قلوبهن إلى حب للأرض .. حب للكرامة.. حب للكبرياء .. حب للعزة في قلوب أمهات غزة.
لقد ضربن أروع الأمثلة في الصبر والصمود، حاربن كل أنواع الحروب، من حرب التجويع والحصار إلى حرب التدمير والمجازر.
أيتها الخنساوات:
صمدتن وحملتن الرجال على الصمود والصبر، فتحية لكن من القلوب، ومعانقة من الأرواح، ومساندة بكل غال وثمين، ودعاء بالأكف لأرحم الراحمين أن يحفظكن، ويعمر بيوتكن من جديد، ويضمد الجراح والآلام ويهبكن الأجر الجزيل..
أسأل الله تعالى أن يجيء اليوم الذي يفرج الله فيه كروبكن، وينهي الحصار، وتفتح جميع المعابر، وتدعونني لزيارة غالية، وما هو على الله بعزيز.
وآخر ما أقول: صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة.
كاتب المقال : إكرام جلال
عودة ودعوة
جف المداد في قلمي حزناً من نهر الدم المتدفق، ويأبى القلم أن يسطر ولو حرفاً واحداً، خجلاً من مخاطبة نساء غزة .. أمهات غزة .. أخوات غزة .. بنات غزة .. بطلات غزة.
تعجز الكلمات والحروف عن مخاطبتهن - ولكن – لا تعجز الروح عن مناداتهن، ولا يعجز قلبي ولا لساني عن الدعاء لهن خشية أن يسألنني ماذا قدمتن لنا يا نساء العرب؟ بماذا ساندتننا؟ بماذا خففتن عنا؟ أشاركتننا آلامنا؟ أضمدتن جراحنا؟ أشعرتن بمعاناتنا؟
أجيب - ويشهد الله تعالى- رغم حياة الكثيرات حياة الرفاهية والثراء واللامبالاة، والبحث عن لهو الحياة وزينتها إلا أن معظم الشعوب هبت بنسائها ورجالها وشبابها وأطفالها، من أجل نصرة غزة ورجالها البواسل ونسائها اللاتي ضربن أروع البطولات، ساندكن بالمظاهرات، بالدعوات، بالدموع، ووالله الذي لا إله سواه لو انسالت الدموع دماً ما كان يكفي تلك المأساة.. الآلاف ساندكن بكل ما يملكن من وسيلة - لكن – مهما فعلن، قليل عليكن قليل!
خنساء العصر:
تحدث التاريخ قديماً عن خنساء واحدة: وإذا التاريخ يدون آلاف الخنساوات في هذا القرن.. الخنساء سميت أم الشهداء بعد معركة القادسية.
حضرت يوم ذاك ومعها بنوها.. الأربعة رجال، وقالت لهم: "أنتم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، وقد تعلمون ما أعد الله من الثواب الجزيل، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه مستنصرين". واستشهد أبناؤها الأربعة فكانت أماً للشهداء.
فيا نساء العرب انظرن ماذا فعلت خنساوات غزة؟
لا تتعاملن مع الدنيا كأنها باقية ودائمة الابتسام، ولا تغررن بها، فمن السهل عليها أن تبيع من اشتراها!
انظرن لخنساوات غزة الأبية: مضى على حصارهن عامان، جُوعن.. عُطشن.. حُبسن.. عشن من دون وريد الحياة، فلا مياه ولا غاز ولا كهرباء، ربما أبسط حق لهن في رغيف الخبز لا يجدنه، تجلدن، صبرن، حمدن، قاومن، لم يشكين وكن سنداً لأزواجهن.
ثم فجأة هبت عليهن شلالات الغضب والجنون هلعاً من هذا الصبر والصمود.. منهن من فقدت جميع أولادها وزوجها، ومن فقدت أباها، ومن ذهبت مع جميع أسرتها ومن ومن .. لا تجد بيتاً إلا وراءه مأساة.
هذا إذا تبقى بيت، فقد ترك العدو أطلالاً، لكن ستظل غزة بمشيئة الله بنسائها ورجالها الأبطال يدافعون عن الحق، يدافعون عن أرضهم ودمائهم، وأطفالها الذين تجلدوا وصبروا وجاعوا، ورأوا بأعينهم آباءهم وأمهاتهم يقتلون ويدمون، سيكون هم أبطال مقاومة الغد.
أطفالكبار!
طفلة لا يزيد عمرها عن الثانية عشرة، تأتي الكاميرا على وجهها، فيا لها من ابتسامة صافية عذبة، وتجلس في كبرياء تتحدث بثقة، هذه الشخصية المضيئة، الشامخة.. عند نزول الكاميرا تفاجأ بساقيها مبتورتين.. ما هذا؟ أي شجاعة وأي رضا؟ وأي ثبات؟
طفلة لا تتعدى الخامسة من عمرها تحمل أختها الرضيعة والدماء تسيل منها بغزارة فتهدهدها وتقول لها ماما أهي ماما أهي.. الطفلة صارت أماً تتحمل المسؤولية!! وتحمل أختها الجريحة والدماء تسيل من عينيها.
طفلة في العاشرة تقول: "إحنا أقوياء وسنظل أقوياء.. مهما صار ببلدنا أو قصفوا البيوت بنبنيها بيدينا".
أين ضمير العالم؟
أم تقول: يدمر العدو حجارة يدمر، لن يدمر صمودنا رغم أننا بالكاد نختطف لحظة الأمان!!
إحدي الأمهات والتي خرجت من أنقاض بيت قصفه العدو في الحال تقول: قلت لابني: "يلا يا محمد أسرع اجر، ردَّ قائلاً: كيف يا أمي أترك هذه الجثث والأشلاء على الجدران والجرحى ملقون، أليس هناك ضمير يا أمي؟" فتركته وخرجت!
أرأيت أيتها المرأة المدللة؟ أرأيت تضحية وإنكاراً للذات، وحباً للوطن، وتضحية بالأبناء والأزواج والأحباء، مثلهن؟
على قدر الحنان في قلوب الأمهات والخوف على فلذاتهن، تبدل الحنان في قلوبهن إلى حب للأرض .. حب للكرامة.. حب للكبرياء .. حب للعزة في قلوب أمهات غزة.
لقد ضربن أروع الأمثلة في الصبر والصمود، حاربن كل أنواع الحروب، من حرب التجويع والحصار إلى حرب التدمير والمجازر.
أيتها الخنساوات:
صمدتن وحملتن الرجال على الصمود والصبر، فتحية لكن من القلوب، ومعانقة من الأرواح، ومساندة بكل غال وثمين، ودعاء بالأكف لأرحم الراحمين أن يحفظكن، ويعمر بيوتكن من جديد، ويضمد الجراح والآلام ويهبكن الأجر الجزيل..
أسأل الله تعالى أن يجيء اليوم الذي يفرج الله فيه كروبكن، وينهي الحصار، وتفتح جميع المعابر، وتدعونني لزيارة غالية، وما هو على الله بعزيز.
وآخر ما أقول: صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة.
كاتب المقال : إكرام جلال
عودة ودعوة