حبيبة والدها
09 Mar 2009, 10:50 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://www.kshcool.rjeem.com/Agif/image/5~2.gif (http://www.kshcool.com/)
(( الرضــــــــــا ))
http://sl.glitter-graphics.net/pub/327/327975u7o61dotjz.gif
" إهداء خاص لكل من تسأل يوما عن مفهوم الرضا
وكيف يكون عبداً يرضى الله عنه ويرضى عن ربه
وكيف يعرف ان الله يرضى عنه "
http://sl.glitter-graphics.net/pub/327/327975u7o61dotjz.gif
الرضـــــــــــا
عمل عظيم من أعمال القلوب و من رؤوسها .
الرضا : ضد السخط " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك " .
الرضا : يقال (.. فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) (القارعة:7) ، أي : مرضيةٍ ذات رضا .
الرضوان : الرضا الكثير .
الرضا في الشرع : رضا العبد عن الله : أن لا يكره ما يجري به قضاؤه ، و رضا الله عن العبد أن يراه مؤتمراً بأمره منتهياً عن نهيه .
أرضاه : أي أعطاه ما يرضى به ، و ترضَّاه : أي طلب رضاه
لمَّا كان أعظم رضا هو رضا الله سبحانه و تعالى ؛ خُصَّ لفظ الرضوان بما كان من الله عز وجل (..يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً ..) (الفتح:29)
و قال عز و جل : (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ ..) (التوبة:21) . و إذا نظرنا إلى هذا الرضا في القرآن فإننا سنجده في عدد من المواضع . . .
قال الله عز و جل في العمل ابتغاء مرضاته سبحانه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (البقرة:207) ، يشري نفسه : يبيع نفسه بما وعد الله به المجاهدين في سبيله ، ابتغاء مرضاة الله : أي أن هذا الشاري يشري ( يكون مشترياً حقاً) إذا اشترى طلب مرضاة الله . .
كذلك في الصدقات ، قال تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ..) (البقرة:265) ، أي : يتصدقون بها و يحملون في سبيل الله و يقوّون أهل الحاجة من الغزاة و المجاهدين طاعةً لله و طلباً لمرضاته . .
و قال الله عن الذين يعملون أعمال البر ابتغاء رضاه . . (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:114) ، فأخبر تعالى عن عاقبة هذا بقوله : (( فسوف نؤتيه أجراً عظيماً )) إذا فعله ابتغاء مرضاة الله . .
و قد رضي الله الإسلام ديناً لهذه الأمة ، فهذا مما رضيه سبحانه . .
(.. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ..) (المائدة:3)
أي : رضيتُ لكم أن تستسلموا لأمري و تنقادوا لطاعتي على ما شرعته لكم و أن تستسلموا لشرعي و تنقادوا إليه طاعةً منكم لي
و كذلك قوله تعالى : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة) ، فيهدي سبحانه بهذا الكتاب المبين و يرشد و يسدِّد . .
و الرضا من الله سبحانه و تعالى أن يقبل العبد و هو مدح و ثناء ، و كذلك فإنه عز و جل يرضى عنه و يقتضي رضاه على العبد الثناء عليه ومدحه . .
و قال عز و جل عن المنافقين و هم يحلفون الأيمان . .
(يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ) (التوبة:62)
فهؤلاء المنافقين يريدون بالأيمان الكاذبة الخداع ، و يريدون الكيد للمسلمين و يحلفون الأيمان الفاجرة أنهم لا يريدون شراً بالمسلمين و أنهم لا يريدون المكيدة لهم ، و لكنّ الله أبى أن يقبل المسلمون منهم هذا . . و لو أنهم كانوا صادقين لأرضوا ربهم تبارك و تعالى و ليس أن يسعوا في إرضاء المخلوقين . .
و كذلك فإن الله سبحانه ذكر في كتابه العزيز الذي يبني المساجد ابتغاء مرضاة الله ..
(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ..) (التوبة:109)
فهؤلاء الذين بنوا المساجد خير أيها الناس عندكم من الذين ابتدءوا البناء على اتقاء الله بطاعته في بنائه و أداء فرائضه و رضا من الله لبنائهم ، فما فعلوه هو خير لهم . أما الذين ابتدءوا بناءهم على شفا جرف هار فستكون عاقبتهم في النار ، فأيّ الفريقين خيرٌ إذاً ؟!!
كذلك أثنى الله على الفقراء المهاجرين الذين خرجوا من مكة إلى المدينة و تركوا ديارهم و أموالهم يبتغون فضلاً من الله و رضواناً
و كذلك أراد الله أن يولّي نبيه قِبلة يرضاها فجعل يحوّل النبي صلى الله عليه و سلم
و يصرف بصره في السماء يتمنى أن تحوّل القِبلة من بيت المقدس إلى الكعبة حتى أنزل الله
(.. فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ..) (البقرة:144) أي : فلنصرفنّك عن بيت المقدس إلى قِبلة تهواها و تحبّها .
· أداء الواجبات سبيل إلى رضوان الله عز و جل . .
(الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (التوبة:20) . . و النتيجة ؟!! (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ *خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التوبة) .
· وكذلك الصبر على الطاعة و العبادة يؤدي إلى حصول الرضا من العبد على الرب و من الرب على العبد ، و من العبد عن الرب و من الرب عن العبد . .
(فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) (طـه:130)
و الله يرضي أهل الإيمان و الدين لَمَّا ضحَّوا في سبيله ، يرضيهم و يعطيهم يوم القيامة حتى يأخذوا كل ما كانوا يرجونه وزيادة ..
(وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) (الحج:59) . .
· و إن الصحابة لما جاهدوا في سبيله و اتبعوا نبيه و دافعوا عن شريعته و نشروا دينه و بلّغوا شريعته . .
(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح:18) . .
و هؤلاء الذين هاجروا في سبيل الله لا يوادّون من حادّ الله و رسوله و لو كانوا آباءهم
أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان و أيّدهم بروحٍ منه و يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم و رضوا عنه ..
فالرضا هنا متبادل بين الرب و العبد . .
و يوم القيامة ستكون العيشة الراضية عاقبة هؤلاء و أهل اليمين ، قال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ *إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ *فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) (الحاقة) ،
و قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ *لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ) (الغاشية) ،
و قال تعالى : (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) (الفجر) ،
و قال تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى *وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى *إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى *وَلَسَوْفَ يَرْضَى) (الليل)
و قال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ *فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) (الحاقة:21) . .
· رضا الله عز و جل أعلى مطلوب للنبيّين و الصديقين . .
(ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا *إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً *قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً *وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً *يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً) (مريم) .
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً *وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً) (مريم) . .
ماذا فعل موسى عندما استعجل لقاء الله ؟! و لماذا استعجل ؟!!
(وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) (طـه) .. استعجل الخير و اللقاء لينال رضا الله . .
و كذلك سليمان عليه السلام لما سمع كلام النملة تبسم ضاحكاً من قولها ، و قال : (.. رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ..) (النمل:19) . .
وكذلك فإن هذا الإنسان الذي يبلغ أشده و يبلغ أربعين سنة يقول صاحبه :((رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ)) . .
و هذا مطلوب الصحابة لمّا عبدوا الله يبتغون فضلاً من الله و رضواناً ..
و يوم القيامة : الفئة هذه المرضيّ عنها هي التي تشفع و الذين لا يرضى الله عنهم
ليسوا من أهل الشفاعة . . (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) (طـه:109) . . فأهل رضاه يشفعون . .و قال عز و جل : (.. وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ..) (الانبياء:28) ..
و شرع الله لنا ديناً يرضيه لنا(..وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ..) (النور:55) . .
http://sl.glitter-graphics.net/pub/327/327975u7o61dotjz.gif
فقرة مستقطعة قبل استكمال البحث
قصيدة للإمام الشافعي
دع الأيام تفعل ما تشـــاء
وطـب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجـــزع لحادثة الليالي
فمـــا لحوادث الدنيا بقاء
وكـن رجلا على الأهوال جلدا
وشيمتك السماحة والوفــاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا
وسرك أن يكون لهـا غطاء
تستر بالسخــاء فكل عيب
يغطيه كمــا قيل السخـاء
ولا تر للأعـــادي قط ذلا
فإن شماتة الأعــداء بـلاء
ولا ترج السماحة من بخيـل
فمــا في النار للظمآن ماء
ورزقك ليس ينقصـه التأني
وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حـزن يدوم ولا سـرور
ولا بؤس عليك ولا رخــاء
إذا مــا كنت ذا قلب قنوع
فأنت ومالك الدنيا ســـواء
ومن نزلت بساحته المنايــا
فلا أرض تقيه ولا سمـــاء
و أرض الله واسعــة ولكن
إذا نزل القضا ضاق الفضـاء
http://sl.glitter-graphics.net/pub/327/327975u7o61dotjz.gif
إذا انتقلنا إلى سنّة النبي صلى الله عليه و سلم ، نجد طائفة من الأحاديث عن الرضا :
أخبر أن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها و يشرب الشربة فيحمده عليها .
أخبر أن الله رضي لنا أن نعبده لا نشرك به شيئاً و أن نعتصم بحبله و ألا نتفرق ، و كره لنا قيل و قال و كثرة السؤال و إضاعة المال .
أخبر أن رضا الرب في رضا الوالد .
أخبر أن السواك مطهرة للفم و مرضاة للرب .
أخبر أن من التمس رضا الله بسخط الله رضي الله عنه و أرضى عنه الناس .
أخبر أن ملائكته تلعن المتمردة على زوجها الناشزة عن فراشه حتى يرضى عنها . أخبر أنه عندما مات ولده لا يقول إلا ما يُرضي الرب ، فلما مات إبراهيم جعلت عيناه تذرفان ، ثم أتبع الدمعة بدمعةٍ أخرى ، و قال صلى الله عليه وسلم : (( إن العين لتدمع ، و إن القلب ليحزن ، و لا نقول إلا ما يُرضي ربنا ، و إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون )) .
علّمنا في السجود في الدعاء . (( نستعيذ برضا الله من سخطه ))
http://sl.glitter-graphics.net/pub/327/327975u7o61dotjz.gif
هذا الرضا شأنه عظيم و أمره كبير و منزلته في الدين عالية ..هذا الرضا عليه مدار أمورٍ كثيرةٍ من الأمور الصالحات ، هذا الرضا الذي هو من منازل السائرين و السالكين ، ما حكمه ؟
هل هو واجبٌ ؟! أم مستحبٌ ؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : و أما الرضا فقد تنازع العلماء و المشايخ من أصحاب الإمام أحمد و غيرهم في الرضا بالقضاء ، هل هو واجبٌ أو مستحبٌ على قولين : فعلى الأول يكون من أعمال المقتصدين ، و على الثاني يكون من أعمال المقرَّبين . و الخلاصة : أن أصل الرضا واجب و منازله العليا مستحبّة .
و الرضا له أصلٌ و مراتبٌ أعلى من الأصل . .
فيجب الرضا من جهة الأصل : ( فالذي ليس عنده رضا عن الله و الدين و الشرع و الأحكام فهذا ليس بمسلمٍ ) ..
فلابد لكلِّ مسلمٍ موحّدٍ يؤمن بالله و اليوم الآخر من درجةٍ من الرضا ، أصل الرضا لابد أن يكون متوفّراً ؛ لأنه واجبٌ .. فقد قال صلى الله عليه و سلم : (( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً )) ..
قال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65) و هذا هو الرضا (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ..) (التوبة:59) .. (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد:28) ..
حتى المنهيّات لابد أن نفهم ما معنى الرضا بالمنهيّات ؟!
لا يُشْرَع الرضا بالمنهيّات طبعاً ..
كما لا تُشْرَع محبتها ؛ لأن الله لا يرضاها و لا يحبها..
و الله لا يحب الفساد و لا يرضى لعباده الكفر .. و هؤلاء المنافقين يُبَيّتون ما لا يرضى من القول ، بل اتبعوا ما أسخط الله و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم . .
فالرضا الثابت بالنص هو أن يرضى بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً ،يرضى بما شرعه الله لعباده من تحريم حرامٍ أو إيجاب واجبٍ أو إباحة مباحٍ ، يرضى عن الله سبحانه و تعالى و يرضى عن قضائه و قدره و يحمده على كل حالٍ و يعلم أن ذلك لحكمةٍ ، و إن حصل التألم بوقوع المقدور ..
فإن قال قائل : لماذا يحمد العبدُ ربَّه على الضراء ؟ إذا مسّه الضراء ؟..
فالجواب من وجهين :
* أن تعلم أن الله أحسنَ كل شيءٍ خلَقه و أتقنَه ، فأنت راضٍ عما يقع في أفعاله؛ لأن هذا من خلقه الذي خلقه ، فالله حكيم لم يفعله إلا لحكمةٍ .
* أن الله أعلم بما يصلحك و ما يصلح لك من نفسك ، و اختياره لك خيرٌ من اختيارك لنفسك .
قال صلى الله عليه و سلم : (( و الذي نفسي بيده لا يقضي الله لمؤمنٍ قضاءً إلا كان خيراً له )) و ليس ذلك إلا للمؤمن (( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً ))
فهذا حديثٌ عظيمٌ : فالمسلم في أذكار الصباح و المساء و في أذكار الأذان بعد " أشهد أن محمداً رسول الله " الثانية يقول : (( رضيتُ بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً )) ..
(( رضيتُ بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً )) ..
رضا بربوبيته سبحانه و رضا برسوله صلى الله عليه و سلم و الانقياد و التسليم و لذلك من حصلت له هذه الأمور الأربعة :
· الرضا بربوبيته و ألوهيته سبحانه و الرضا برسوله و الانقياد له و الرضا بدينه و التسليم له فهو الصدِّيق حقاً ..و هي سهلةٌ بالدعوى ، و لكن ما أصعبها عند الامتحان !!!
أما الرضا بالله : فيتضمّن الرضا بمحبته وحده و الرضا بعبادته وحده أن تخافه وحده ترجوه و تتبتّل إليه و تتذلل إليه عز و جل و تؤمن بتدبيره و تحب ذلك و تفرده بالتوكل عليه و الاستعانة به و تكون راضياً عما يفعل عز و جل فهذا رضا بالله ..
· ترضى بما قدّر و حكم .. حَكَم أن الزنا حرامٌ ، و أن الربا حرامٌ ، و أن بر الوالدين واجبٌ ، و أن الزكاة فرضٌ ، فيجب أن ترضى بحكمه ..
قدّر عليك أشياء من فقرٍ ، و ضيق حالٍ ، فيجب أن ترضى ..
· الرضا بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً : أن تؤمن به و تنقاد له و تستسلم لأمره و يكون أولى بك من نفسك ، و أنه لو كان موجوداً صلى الله عليه و سلم و وجِّهَ إليه سهمٌ وجب عليك أن تتلقاه عنه و أن تفتديه بنفسك ، و أن تموت فداءً له .و ترضى بسنّته فلا تتحاكم إلا إليها ..ترضى بسنّته فلا ترجع إلا إليها و لا تُحَكِّم إلا هي ..
· الرضا بالإسلام ديناً : فما في الإسلام من حكمٍ أو أمرٍ أو نهيٍ فإنك ترضى عنه تماماً و ليس في نفسك أيّ حرجٍ و تُسَلِّم تسليماً كاملاً لذلك و لو خالف هواك و لو كان أكثر الناس على خلافه و لو كنتَ في غربةٍ و لو كانت عليك الأعداء مجتمعون فيجب أن ترضى بأحكام الدين و تسعى لتنفيذها و إن خالفتَ العالم ..
http://sl.glitter-graphics.net/pub/327/327975u7o61dotjz.gif
سؤال / الرضا هل هو شيءٌ موهبيٌّ أم كسبيٌّ ؟ أي : هل يُوهَبُ من الله أم يمكن للعبد تحصيله ؟ هل هو فطريٌّ أم العبد يُحَصِّل هذا بالمجاهدة و رياضة النفس إذا روَّض نفسه ؟!!
الرضا كسبيٌّ باعتبار سببه ، موهبيٌّ باعتبار حقيقته ..
فإذا تمكن العبد في أسباب الرضا و غرس شجرة الرضا في قلبه جنى الثمرة ..لأن الرضا آخر التوكل ..بعدما يعجز التوكل يأتي الرضا ..و الذي ترسخ قدمه في طريق التوكل ينال الرضا .. لأن بعد التوكل و التسليم و التفويض يحصُل الرضا ، و بدونها لا يحصل الرضا ، و لذلك لو قال أحدهم : نريد تحصيل الرضا ، نقول له : يجب أن يكون لديك توكلٌ صحيحٌ و تسليمٌ و تفويضٌ ثم ينتج الرضا بعد ذلك ..و لذلك لم يُوجِب الله على عباده المنازل العالية من الرضا ؛ لأن ذلك شيءٌ صعبٌ جداً ، و أكثر النفوس ربما لا يحصُل لها ذلك .. فالله ندب إليه و لم يوجبه ( ليس أساس الرضا و إنما ما فوق ذلك ) ..فإذا حصل للعبد شيءٌ فإنه لابد أن يكون محفوفاً بنوعيه من الرضا : رضا قبله ، و رضا بعده ..
الرضا كسبيٌّ باعتبار سببه ، موهبيٌّ باعتبار حقيقته ..
فإذا تمكن العبد في أسباب الرضا و غرس شجرة الرضا في قلبه جنى الثمرة ..لأن الرضا آخر التوكل ..بعدما يعجز التوكل يأتي الرضا ..و الذي ترسخ قدمه في طريق التوكل ينال الرضا .. لأن بعد التوكل و التسليم و التفويض يحصُل الرضا ، و بدونها لا يحصل الرضا ، و لذلك لو قال أحدهم : نريد تحصيل الرضا ، نقول له : يجب أن يكون لديك توكلٌ صحيحٌ و تسليمٌ و تفويضٌ ثم ينتج الرضا بعد ذلك ..و لذلك لم يُوجِب الله على عباده المنازل العالية من الرضا ؛ لأن ذلك شيءٌ صعبٌ جداً ، و أكثر النفوس ربما لا يحصُل لها ذلك .. فالله ندب إليه و لم يوجبه ( ليس أساس الرضا و إنما ما فوق ذلك ) ..فإذا حصل للعبد شيءٌ فإنه لابد أن يكون محفوفاً بنوعيه من الرضا : رضا قبله ، و رضا بعده ..و كذلك الرضا من الله عز و جل عن العبد إنما هو ثمرة رضا العبد عن الرب سبحانه ، فإذا رضيتَ عن الله رضي الله عنك
و الرضا باب الله الأعظم و جَنة الدنيا و مُسْتَراح العارفين و حياة المحبين و نعيم العابدين و هو من أعظم أعمال القلوب
قال يحيى بن معاذ لما سئل :متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا ؟ قال : (( إذا أقام نفسه على أربعةِ أصولٍ يُعامِل بها ربه ..يقول : إن أعطيتني قبلتُ ، و إن منعتني رضيتُ ، و إن تركتني عبدتُ ، و إن دعوتني أجبتُ .. )) ..
و الرضا إذا باشر القلب ؛ فإنه يدل على صحة العلم و ليس الرضا و المحبة كالرجاء و الخوف ، فمن الفروق أن أهل الجنة مثلاً لا يخافون في الجنة و لا يرجون مثل رجاء الدنيا .. لكن لا يفارقهم الرضا أبداً ..
فإن دخلوا الجنة فارقهم الخوف (..فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:38)
في الدنيا هناك خوف .. إذا دخلوا الجنة زال الخوف .. أما الرضا فلا يزول .. خارج الجنة و داخلها .. الرضا موجودٌ ..
الخوف و الرجاء في الدنيا ليس موجوداً عند أهل الجنة يفارقون العبد في أحوال..
أما الرضا فلا يفارق العبد لا في الدنيا و لا في البرزخ و لا في الآخرة و لا في الجنة ،
ينقطع عنهم الخوف ؛ لأن الشيء الذي كانوا يخافونه أمِنوه بدخولهم الجنة ، و أما الشيء الذي كانوا يرجونه فقد حصل لهم ، أما الرضا فإنه لا يزال معهم و إن دخلوا الجنة : معيشتهم راضيةٌ و هم راضون ، و رضوا عن الله ، و رضوان بثوابه و ما آتاهم في دار السلام ..
هل يشترط أن الرضا إذا حصل لا يكون هناك ألمٌ عند وقوع مصيبة ؟!
الجواب : ليس من شروط الرضا ألا يحس العبد بالألم و المكاره ، بل من شروط الرضا عدم الاعتراض على الحكم و ألا يسخط ، و لذلك فإن الرضا لا يتناقض مع وجود التألم و كراهة النفس لما يحصل من مكروه ..
· فالمريض مثلاً يرضى بشرب الدواء مع أنه يشعر بمرارته و يتألم لمرارته ، لكنه راضٍ بالدواء مطمئنٌ بأخذه مقبلٌ على أخذه ، لكنه في ذات الوقت يَطْعَم مرارة الدواء ..
· الصائم رضي بالصوم و صام و سُرَّ بذلك .. لكنه يشعر بألم الجوع .. هل بشعوره بألم الجوع يكون غير راضٍ بالصيام ؟! لا .. هو راضٍ بالصيام و يشعر بالجوع ..
· المجاهد المخلص في سبيل الله راضٍ عند الخروج للجهاد .. و مُقْدِمٌ عليه .. مقتنع به .. لكن يحس بالألم .. و التعب .. و الغبار .. و النعاس .. و الجراح ..
إذاً لا يشترط أن يزول الألم و الكراهية للشيء إذا حصل الرضا ، لكن بعض أصحاب المقامات العالية جداً يستلذّون بالألم إذا حصل في الجهاد أو الصيام ..
لكن لا يشترط أن الفرد إذا أحس بالألم في العبادة أن يكون غير راضٍ .. ليس شرطاً .,.
و طريق الرضا طريقٌ مختصرٌ قريبةٌ جداً ، لكن فيها مشقةٌ ، و ليست مشقتها أصعب من مشقة المجاهدة ، و لكن تعتريها عقبتان أو ثلاث :
همةٌ عاليةٌ
2نفسٌ زكيّةٌ
توطين النفس على كل ما يَرِدُ عليها من الله تعالى ..
و يسهُل ذلك على العبد إذا عرف ضعفه و قوة ربه ، و جهله و علم ربه ، و عجزه و قدرة ربه .. و أن الله رحيمٌ شفيقٌ به ، بارٌّ به ، فهو البرُّ الرحيم ..
فالعبد إذا شهد هذه المقامات رضي ، فالله عليمٌ حكيمٌ وهو رؤوفٌ ، وهو أعلم بما يُصْلِح العبد من العبد ، و توقن أن ما اختاره لك هو الأفضل و الأحسن .. عباراتٌ أحياناً ترد لكن الإنسان إذا آمن بها وصل إلى المطلوب ..أحياناً هناك مقاماتٌ إيمانيةٌ يبلغها الإنسان بقلبه و يأخذ بها أجراً عظيماً يرتقي بها عند الله وهي عبارةٌ عن تفكّراتٍ ( يفكّر فيها فيهتدي إليها فيأخذ بها فيحصل على المطلوب فلم يبذل جهداً بل هي أشياءٌ تأمليةٌ ) ..
فالتفكّر من أعظم العبادات ...
فإذا تفكّر العبد أن ما يختاره له ربه هو الأحسن و الأفضل ..
فإذا آمن بها الإنسان رضي ..
و تحصيل الرضا غير معقّدٍ .. كيف ؟!
أن تؤمن بأن ما اختاره الله لك وقدّره عليك هو أحسن شيءٍ لك .. سواءً كان موتُ ولدٍ أو مرضٍ أو تركُ وظيفةٍ ..لكن أنت قد تجهل لماذا هو أحسن شيءٍ !! أنت لا تعلم لماذا لو أعطاك ليس مصلحتك !!
أنت في حال الفقر لا تعلم لماذا ليس في مصلحتك أن تحصّل المال .. و هكذا ..
فنتيجة إذا اعترف العبد بجهله و آمن بعلم ربه و أن اختياره له أولى و أفضل و أحسن من اختياره لنفسه ..وصلنا إلى الرضا ..
فطريق المحبة و الرضا تسير بالعبد و هو مستلقٍ على فراشه فيصير أمام الركب بمراحل !!
هناك أناسٌ يعملون و يجهدون و صاحب الرضا بعبادته القلبية يسبقهم بمراحل ،
و هم من خلفه مع أنه على فراشه و هم يعملون ؛ لأنه راضٍ عن الله و يتفكّر في هذا الأمر و يؤمن به فيقترب من الله و أناسٌ لم يصلوا لهذا المستوى و يعملون و يجهدون ...
لذلك أعمال القلوب مهمةٌ جداً ؛ لأن المرء يمكن يبلغ بها مراتب عند الله و هو قاعدٌ ..
و هذا لا يعني ألا يعمل و لا يصلي ..
و قد يكون هناك أناسٌ آخرين أكثر منه عملاً ( صيام ــ صدقة ــ حج ) ، لكنهم أقل منه درجةً ..
لماذا ؟!!
لأنك بهذا العلم بأعمال القلوب قد تحصّل مراتب عند الله أكثر منهم ؛ لأن عمل القلب نفسه يرفع العبد في كثيرٍ من الأحيان أكثر من عمل الجوارح …
فأبو بكر ما سبق أهل هذه الأمة لأنه أكثرهم صلاةً و قياماً في الليل ... هناك أناسٌ أكثر منه في عمل العبادات و الجوارح ... لكن سبقهم بشيءٍ وَقَرَ في نفسه ..
الرضا عن الله لو تحققت في صدر العبد ؛ تميز بين مستويات العباد و ترفع هذا فوق هذا .. ينبغي التفطّن لها .. كما تعمل بالجوارح هناك أعمال قلوبٍ لا تقل أهميةً بل هي أعلى منها ، مع الجمع بين الواجب من هذا و ذاك ..
و لكن قد يدرك الإنسان أحياناً بتفطّنه و تأمله و تفكّره و إيمانه مراتب أعلى من الذي أكثر منه عملاً بالجوارح .. و لذلك يقول ابن القيّم ( فطريق الرضا و المحبة تسيّر العبد و هو مستلقٍ على فراشه فيصبح أمام الركب بمراحل )) " و هو على فراشه " ..
http://www.kshcool.rjeem.com/Agif/image/5~2.gif (http://www.kshcool.com/)
(( الرضــــــــــا ))
http://sl.glitter-graphics.net/pub/327/327975u7o61dotjz.gif
" إهداء خاص لكل من تسأل يوما عن مفهوم الرضا
وكيف يكون عبداً يرضى الله عنه ويرضى عن ربه
وكيف يعرف ان الله يرضى عنه "
http://sl.glitter-graphics.net/pub/327/327975u7o61dotjz.gif
الرضـــــــــــا
عمل عظيم من أعمال القلوب و من رؤوسها .
الرضا : ضد السخط " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك " .
الرضا : يقال (.. فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) (القارعة:7) ، أي : مرضيةٍ ذات رضا .
الرضوان : الرضا الكثير .
الرضا في الشرع : رضا العبد عن الله : أن لا يكره ما يجري به قضاؤه ، و رضا الله عن العبد أن يراه مؤتمراً بأمره منتهياً عن نهيه .
أرضاه : أي أعطاه ما يرضى به ، و ترضَّاه : أي طلب رضاه
لمَّا كان أعظم رضا هو رضا الله سبحانه و تعالى ؛ خُصَّ لفظ الرضوان بما كان من الله عز وجل (..يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً ..) (الفتح:29)
و قال عز و جل : (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ ..) (التوبة:21) . و إذا نظرنا إلى هذا الرضا في القرآن فإننا سنجده في عدد من المواضع . . .
قال الله عز و جل في العمل ابتغاء مرضاته سبحانه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (البقرة:207) ، يشري نفسه : يبيع نفسه بما وعد الله به المجاهدين في سبيله ، ابتغاء مرضاة الله : أي أن هذا الشاري يشري ( يكون مشترياً حقاً) إذا اشترى طلب مرضاة الله . .
كذلك في الصدقات ، قال تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ..) (البقرة:265) ، أي : يتصدقون بها و يحملون في سبيل الله و يقوّون أهل الحاجة من الغزاة و المجاهدين طاعةً لله و طلباً لمرضاته . .
و قال الله عن الذين يعملون أعمال البر ابتغاء رضاه . . (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:114) ، فأخبر تعالى عن عاقبة هذا بقوله : (( فسوف نؤتيه أجراً عظيماً )) إذا فعله ابتغاء مرضاة الله . .
و قد رضي الله الإسلام ديناً لهذه الأمة ، فهذا مما رضيه سبحانه . .
(.. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ..) (المائدة:3)
أي : رضيتُ لكم أن تستسلموا لأمري و تنقادوا لطاعتي على ما شرعته لكم و أن تستسلموا لشرعي و تنقادوا إليه طاعةً منكم لي
و كذلك قوله تعالى : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة) ، فيهدي سبحانه بهذا الكتاب المبين و يرشد و يسدِّد . .
و الرضا من الله سبحانه و تعالى أن يقبل العبد و هو مدح و ثناء ، و كذلك فإنه عز و جل يرضى عنه و يقتضي رضاه على العبد الثناء عليه ومدحه . .
و قال عز و جل عن المنافقين و هم يحلفون الأيمان . .
(يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ) (التوبة:62)
فهؤلاء المنافقين يريدون بالأيمان الكاذبة الخداع ، و يريدون الكيد للمسلمين و يحلفون الأيمان الفاجرة أنهم لا يريدون شراً بالمسلمين و أنهم لا يريدون المكيدة لهم ، و لكنّ الله أبى أن يقبل المسلمون منهم هذا . . و لو أنهم كانوا صادقين لأرضوا ربهم تبارك و تعالى و ليس أن يسعوا في إرضاء المخلوقين . .
و كذلك فإن الله سبحانه ذكر في كتابه العزيز الذي يبني المساجد ابتغاء مرضاة الله ..
(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ..) (التوبة:109)
فهؤلاء الذين بنوا المساجد خير أيها الناس عندكم من الذين ابتدءوا البناء على اتقاء الله بطاعته في بنائه و أداء فرائضه و رضا من الله لبنائهم ، فما فعلوه هو خير لهم . أما الذين ابتدءوا بناءهم على شفا جرف هار فستكون عاقبتهم في النار ، فأيّ الفريقين خيرٌ إذاً ؟!!
كذلك أثنى الله على الفقراء المهاجرين الذين خرجوا من مكة إلى المدينة و تركوا ديارهم و أموالهم يبتغون فضلاً من الله و رضواناً
و كذلك أراد الله أن يولّي نبيه قِبلة يرضاها فجعل يحوّل النبي صلى الله عليه و سلم
و يصرف بصره في السماء يتمنى أن تحوّل القِبلة من بيت المقدس إلى الكعبة حتى أنزل الله
(.. فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ..) (البقرة:144) أي : فلنصرفنّك عن بيت المقدس إلى قِبلة تهواها و تحبّها .
· أداء الواجبات سبيل إلى رضوان الله عز و جل . .
(الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (التوبة:20) . . و النتيجة ؟!! (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ *خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التوبة) .
· وكذلك الصبر على الطاعة و العبادة يؤدي إلى حصول الرضا من العبد على الرب و من الرب على العبد ، و من العبد عن الرب و من الرب عن العبد . .
(فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) (طـه:130)
و الله يرضي أهل الإيمان و الدين لَمَّا ضحَّوا في سبيله ، يرضيهم و يعطيهم يوم القيامة حتى يأخذوا كل ما كانوا يرجونه وزيادة ..
(وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) (الحج:59) . .
· و إن الصحابة لما جاهدوا في سبيله و اتبعوا نبيه و دافعوا عن شريعته و نشروا دينه و بلّغوا شريعته . .
(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح:18) . .
و هؤلاء الذين هاجروا في سبيل الله لا يوادّون من حادّ الله و رسوله و لو كانوا آباءهم
أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان و أيّدهم بروحٍ منه و يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم و رضوا عنه ..
فالرضا هنا متبادل بين الرب و العبد . .
و يوم القيامة ستكون العيشة الراضية عاقبة هؤلاء و أهل اليمين ، قال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ *إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ *فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) (الحاقة) ،
و قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ *لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ) (الغاشية) ،
و قال تعالى : (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) (الفجر) ،
و قال تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى *وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى *إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى *وَلَسَوْفَ يَرْضَى) (الليل)
و قال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ *فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) (الحاقة:21) . .
· رضا الله عز و جل أعلى مطلوب للنبيّين و الصديقين . .
(ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا *إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً *قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً *وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً *يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً) (مريم) .
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً *وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً) (مريم) . .
ماذا فعل موسى عندما استعجل لقاء الله ؟! و لماذا استعجل ؟!!
(وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) (طـه) .. استعجل الخير و اللقاء لينال رضا الله . .
و كذلك سليمان عليه السلام لما سمع كلام النملة تبسم ضاحكاً من قولها ، و قال : (.. رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ..) (النمل:19) . .
وكذلك فإن هذا الإنسان الذي يبلغ أشده و يبلغ أربعين سنة يقول صاحبه :((رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ)) . .
و هذا مطلوب الصحابة لمّا عبدوا الله يبتغون فضلاً من الله و رضواناً ..
و يوم القيامة : الفئة هذه المرضيّ عنها هي التي تشفع و الذين لا يرضى الله عنهم
ليسوا من أهل الشفاعة . . (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) (طـه:109) . . فأهل رضاه يشفعون . .و قال عز و جل : (.. وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ..) (الانبياء:28) ..
و شرع الله لنا ديناً يرضيه لنا(..وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ..) (النور:55) . .
http://sl.glitter-graphics.net/pub/327/327975u7o61dotjz.gif
فقرة مستقطعة قبل استكمال البحث
قصيدة للإمام الشافعي
دع الأيام تفعل ما تشـــاء
وطـب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجـــزع لحادثة الليالي
فمـــا لحوادث الدنيا بقاء
وكـن رجلا على الأهوال جلدا
وشيمتك السماحة والوفــاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا
وسرك أن يكون لهـا غطاء
تستر بالسخــاء فكل عيب
يغطيه كمــا قيل السخـاء
ولا تر للأعـــادي قط ذلا
فإن شماتة الأعــداء بـلاء
ولا ترج السماحة من بخيـل
فمــا في النار للظمآن ماء
ورزقك ليس ينقصـه التأني
وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حـزن يدوم ولا سـرور
ولا بؤس عليك ولا رخــاء
إذا مــا كنت ذا قلب قنوع
فأنت ومالك الدنيا ســـواء
ومن نزلت بساحته المنايــا
فلا أرض تقيه ولا سمـــاء
و أرض الله واسعــة ولكن
إذا نزل القضا ضاق الفضـاء
http://sl.glitter-graphics.net/pub/327/327975u7o61dotjz.gif
إذا انتقلنا إلى سنّة النبي صلى الله عليه و سلم ، نجد طائفة من الأحاديث عن الرضا :
أخبر أن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها و يشرب الشربة فيحمده عليها .
أخبر أن الله رضي لنا أن نعبده لا نشرك به شيئاً و أن نعتصم بحبله و ألا نتفرق ، و كره لنا قيل و قال و كثرة السؤال و إضاعة المال .
أخبر أن رضا الرب في رضا الوالد .
أخبر أن السواك مطهرة للفم و مرضاة للرب .
أخبر أن من التمس رضا الله بسخط الله رضي الله عنه و أرضى عنه الناس .
أخبر أن ملائكته تلعن المتمردة على زوجها الناشزة عن فراشه حتى يرضى عنها . أخبر أنه عندما مات ولده لا يقول إلا ما يُرضي الرب ، فلما مات إبراهيم جعلت عيناه تذرفان ، ثم أتبع الدمعة بدمعةٍ أخرى ، و قال صلى الله عليه وسلم : (( إن العين لتدمع ، و إن القلب ليحزن ، و لا نقول إلا ما يُرضي ربنا ، و إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون )) .
علّمنا في السجود في الدعاء . (( نستعيذ برضا الله من سخطه ))
http://sl.glitter-graphics.net/pub/327/327975u7o61dotjz.gif
هذا الرضا شأنه عظيم و أمره كبير و منزلته في الدين عالية ..هذا الرضا عليه مدار أمورٍ كثيرةٍ من الأمور الصالحات ، هذا الرضا الذي هو من منازل السائرين و السالكين ، ما حكمه ؟
هل هو واجبٌ ؟! أم مستحبٌ ؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : و أما الرضا فقد تنازع العلماء و المشايخ من أصحاب الإمام أحمد و غيرهم في الرضا بالقضاء ، هل هو واجبٌ أو مستحبٌ على قولين : فعلى الأول يكون من أعمال المقتصدين ، و على الثاني يكون من أعمال المقرَّبين . و الخلاصة : أن أصل الرضا واجب و منازله العليا مستحبّة .
و الرضا له أصلٌ و مراتبٌ أعلى من الأصل . .
فيجب الرضا من جهة الأصل : ( فالذي ليس عنده رضا عن الله و الدين و الشرع و الأحكام فهذا ليس بمسلمٍ ) ..
فلابد لكلِّ مسلمٍ موحّدٍ يؤمن بالله و اليوم الآخر من درجةٍ من الرضا ، أصل الرضا لابد أن يكون متوفّراً ؛ لأنه واجبٌ .. فقد قال صلى الله عليه و سلم : (( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً )) ..
قال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65) و هذا هو الرضا (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ..) (التوبة:59) .. (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد:28) ..
حتى المنهيّات لابد أن نفهم ما معنى الرضا بالمنهيّات ؟!
لا يُشْرَع الرضا بالمنهيّات طبعاً ..
كما لا تُشْرَع محبتها ؛ لأن الله لا يرضاها و لا يحبها..
و الله لا يحب الفساد و لا يرضى لعباده الكفر .. و هؤلاء المنافقين يُبَيّتون ما لا يرضى من القول ، بل اتبعوا ما أسخط الله و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم . .
فالرضا الثابت بالنص هو أن يرضى بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً ،يرضى بما شرعه الله لعباده من تحريم حرامٍ أو إيجاب واجبٍ أو إباحة مباحٍ ، يرضى عن الله سبحانه و تعالى و يرضى عن قضائه و قدره و يحمده على كل حالٍ و يعلم أن ذلك لحكمةٍ ، و إن حصل التألم بوقوع المقدور ..
فإن قال قائل : لماذا يحمد العبدُ ربَّه على الضراء ؟ إذا مسّه الضراء ؟..
فالجواب من وجهين :
* أن تعلم أن الله أحسنَ كل شيءٍ خلَقه و أتقنَه ، فأنت راضٍ عما يقع في أفعاله؛ لأن هذا من خلقه الذي خلقه ، فالله حكيم لم يفعله إلا لحكمةٍ .
* أن الله أعلم بما يصلحك و ما يصلح لك من نفسك ، و اختياره لك خيرٌ من اختيارك لنفسك .
قال صلى الله عليه و سلم : (( و الذي نفسي بيده لا يقضي الله لمؤمنٍ قضاءً إلا كان خيراً له )) و ليس ذلك إلا للمؤمن (( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً ))
فهذا حديثٌ عظيمٌ : فالمسلم في أذكار الصباح و المساء و في أذكار الأذان بعد " أشهد أن محمداً رسول الله " الثانية يقول : (( رضيتُ بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً )) ..
(( رضيتُ بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً )) ..
رضا بربوبيته سبحانه و رضا برسوله صلى الله عليه و سلم و الانقياد و التسليم و لذلك من حصلت له هذه الأمور الأربعة :
· الرضا بربوبيته و ألوهيته سبحانه و الرضا برسوله و الانقياد له و الرضا بدينه و التسليم له فهو الصدِّيق حقاً ..و هي سهلةٌ بالدعوى ، و لكن ما أصعبها عند الامتحان !!!
أما الرضا بالله : فيتضمّن الرضا بمحبته وحده و الرضا بعبادته وحده أن تخافه وحده ترجوه و تتبتّل إليه و تتذلل إليه عز و جل و تؤمن بتدبيره و تحب ذلك و تفرده بالتوكل عليه و الاستعانة به و تكون راضياً عما يفعل عز و جل فهذا رضا بالله ..
· ترضى بما قدّر و حكم .. حَكَم أن الزنا حرامٌ ، و أن الربا حرامٌ ، و أن بر الوالدين واجبٌ ، و أن الزكاة فرضٌ ، فيجب أن ترضى بحكمه ..
قدّر عليك أشياء من فقرٍ ، و ضيق حالٍ ، فيجب أن ترضى ..
· الرضا بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً : أن تؤمن به و تنقاد له و تستسلم لأمره و يكون أولى بك من نفسك ، و أنه لو كان موجوداً صلى الله عليه و سلم و وجِّهَ إليه سهمٌ وجب عليك أن تتلقاه عنه و أن تفتديه بنفسك ، و أن تموت فداءً له .و ترضى بسنّته فلا تتحاكم إلا إليها ..ترضى بسنّته فلا ترجع إلا إليها و لا تُحَكِّم إلا هي ..
· الرضا بالإسلام ديناً : فما في الإسلام من حكمٍ أو أمرٍ أو نهيٍ فإنك ترضى عنه تماماً و ليس في نفسك أيّ حرجٍ و تُسَلِّم تسليماً كاملاً لذلك و لو خالف هواك و لو كان أكثر الناس على خلافه و لو كنتَ في غربةٍ و لو كانت عليك الأعداء مجتمعون فيجب أن ترضى بأحكام الدين و تسعى لتنفيذها و إن خالفتَ العالم ..
http://sl.glitter-graphics.net/pub/327/327975u7o61dotjz.gif
سؤال / الرضا هل هو شيءٌ موهبيٌّ أم كسبيٌّ ؟ أي : هل يُوهَبُ من الله أم يمكن للعبد تحصيله ؟ هل هو فطريٌّ أم العبد يُحَصِّل هذا بالمجاهدة و رياضة النفس إذا روَّض نفسه ؟!!
الرضا كسبيٌّ باعتبار سببه ، موهبيٌّ باعتبار حقيقته ..
فإذا تمكن العبد في أسباب الرضا و غرس شجرة الرضا في قلبه جنى الثمرة ..لأن الرضا آخر التوكل ..بعدما يعجز التوكل يأتي الرضا ..و الذي ترسخ قدمه في طريق التوكل ينال الرضا .. لأن بعد التوكل و التسليم و التفويض يحصُل الرضا ، و بدونها لا يحصل الرضا ، و لذلك لو قال أحدهم : نريد تحصيل الرضا ، نقول له : يجب أن يكون لديك توكلٌ صحيحٌ و تسليمٌ و تفويضٌ ثم ينتج الرضا بعد ذلك ..و لذلك لم يُوجِب الله على عباده المنازل العالية من الرضا ؛ لأن ذلك شيءٌ صعبٌ جداً ، و أكثر النفوس ربما لا يحصُل لها ذلك .. فالله ندب إليه و لم يوجبه ( ليس أساس الرضا و إنما ما فوق ذلك ) ..فإذا حصل للعبد شيءٌ فإنه لابد أن يكون محفوفاً بنوعيه من الرضا : رضا قبله ، و رضا بعده ..
الرضا كسبيٌّ باعتبار سببه ، موهبيٌّ باعتبار حقيقته ..
فإذا تمكن العبد في أسباب الرضا و غرس شجرة الرضا في قلبه جنى الثمرة ..لأن الرضا آخر التوكل ..بعدما يعجز التوكل يأتي الرضا ..و الذي ترسخ قدمه في طريق التوكل ينال الرضا .. لأن بعد التوكل و التسليم و التفويض يحصُل الرضا ، و بدونها لا يحصل الرضا ، و لذلك لو قال أحدهم : نريد تحصيل الرضا ، نقول له : يجب أن يكون لديك توكلٌ صحيحٌ و تسليمٌ و تفويضٌ ثم ينتج الرضا بعد ذلك ..و لذلك لم يُوجِب الله على عباده المنازل العالية من الرضا ؛ لأن ذلك شيءٌ صعبٌ جداً ، و أكثر النفوس ربما لا يحصُل لها ذلك .. فالله ندب إليه و لم يوجبه ( ليس أساس الرضا و إنما ما فوق ذلك ) ..فإذا حصل للعبد شيءٌ فإنه لابد أن يكون محفوفاً بنوعيه من الرضا : رضا قبله ، و رضا بعده ..و كذلك الرضا من الله عز و جل عن العبد إنما هو ثمرة رضا العبد عن الرب سبحانه ، فإذا رضيتَ عن الله رضي الله عنك
و الرضا باب الله الأعظم و جَنة الدنيا و مُسْتَراح العارفين و حياة المحبين و نعيم العابدين و هو من أعظم أعمال القلوب
قال يحيى بن معاذ لما سئل :متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا ؟ قال : (( إذا أقام نفسه على أربعةِ أصولٍ يُعامِل بها ربه ..يقول : إن أعطيتني قبلتُ ، و إن منعتني رضيتُ ، و إن تركتني عبدتُ ، و إن دعوتني أجبتُ .. )) ..
و الرضا إذا باشر القلب ؛ فإنه يدل على صحة العلم و ليس الرضا و المحبة كالرجاء و الخوف ، فمن الفروق أن أهل الجنة مثلاً لا يخافون في الجنة و لا يرجون مثل رجاء الدنيا .. لكن لا يفارقهم الرضا أبداً ..
فإن دخلوا الجنة فارقهم الخوف (..فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:38)
في الدنيا هناك خوف .. إذا دخلوا الجنة زال الخوف .. أما الرضا فلا يزول .. خارج الجنة و داخلها .. الرضا موجودٌ ..
الخوف و الرجاء في الدنيا ليس موجوداً عند أهل الجنة يفارقون العبد في أحوال..
أما الرضا فلا يفارق العبد لا في الدنيا و لا في البرزخ و لا في الآخرة و لا في الجنة ،
ينقطع عنهم الخوف ؛ لأن الشيء الذي كانوا يخافونه أمِنوه بدخولهم الجنة ، و أما الشيء الذي كانوا يرجونه فقد حصل لهم ، أما الرضا فإنه لا يزال معهم و إن دخلوا الجنة : معيشتهم راضيةٌ و هم راضون ، و رضوا عن الله ، و رضوان بثوابه و ما آتاهم في دار السلام ..
هل يشترط أن الرضا إذا حصل لا يكون هناك ألمٌ عند وقوع مصيبة ؟!
الجواب : ليس من شروط الرضا ألا يحس العبد بالألم و المكاره ، بل من شروط الرضا عدم الاعتراض على الحكم و ألا يسخط ، و لذلك فإن الرضا لا يتناقض مع وجود التألم و كراهة النفس لما يحصل من مكروه ..
· فالمريض مثلاً يرضى بشرب الدواء مع أنه يشعر بمرارته و يتألم لمرارته ، لكنه راضٍ بالدواء مطمئنٌ بأخذه مقبلٌ على أخذه ، لكنه في ذات الوقت يَطْعَم مرارة الدواء ..
· الصائم رضي بالصوم و صام و سُرَّ بذلك .. لكنه يشعر بألم الجوع .. هل بشعوره بألم الجوع يكون غير راضٍ بالصيام ؟! لا .. هو راضٍ بالصيام و يشعر بالجوع ..
· المجاهد المخلص في سبيل الله راضٍ عند الخروج للجهاد .. و مُقْدِمٌ عليه .. مقتنع به .. لكن يحس بالألم .. و التعب .. و الغبار .. و النعاس .. و الجراح ..
إذاً لا يشترط أن يزول الألم و الكراهية للشيء إذا حصل الرضا ، لكن بعض أصحاب المقامات العالية جداً يستلذّون بالألم إذا حصل في الجهاد أو الصيام ..
لكن لا يشترط أن الفرد إذا أحس بالألم في العبادة أن يكون غير راضٍ .. ليس شرطاً .,.
و طريق الرضا طريقٌ مختصرٌ قريبةٌ جداً ، لكن فيها مشقةٌ ، و ليست مشقتها أصعب من مشقة المجاهدة ، و لكن تعتريها عقبتان أو ثلاث :
همةٌ عاليةٌ
2نفسٌ زكيّةٌ
توطين النفس على كل ما يَرِدُ عليها من الله تعالى ..
و يسهُل ذلك على العبد إذا عرف ضعفه و قوة ربه ، و جهله و علم ربه ، و عجزه و قدرة ربه .. و أن الله رحيمٌ شفيقٌ به ، بارٌّ به ، فهو البرُّ الرحيم ..
فالعبد إذا شهد هذه المقامات رضي ، فالله عليمٌ حكيمٌ وهو رؤوفٌ ، وهو أعلم بما يُصْلِح العبد من العبد ، و توقن أن ما اختاره لك هو الأفضل و الأحسن .. عباراتٌ أحياناً ترد لكن الإنسان إذا آمن بها وصل إلى المطلوب ..أحياناً هناك مقاماتٌ إيمانيةٌ يبلغها الإنسان بقلبه و يأخذ بها أجراً عظيماً يرتقي بها عند الله وهي عبارةٌ عن تفكّراتٍ ( يفكّر فيها فيهتدي إليها فيأخذ بها فيحصل على المطلوب فلم يبذل جهداً بل هي أشياءٌ تأمليةٌ ) ..
فالتفكّر من أعظم العبادات ...
فإذا تفكّر العبد أن ما يختاره له ربه هو الأحسن و الأفضل ..
فإذا آمن بها الإنسان رضي ..
و تحصيل الرضا غير معقّدٍ .. كيف ؟!
أن تؤمن بأن ما اختاره الله لك وقدّره عليك هو أحسن شيءٍ لك .. سواءً كان موتُ ولدٍ أو مرضٍ أو تركُ وظيفةٍ ..لكن أنت قد تجهل لماذا هو أحسن شيءٍ !! أنت لا تعلم لماذا لو أعطاك ليس مصلحتك !!
أنت في حال الفقر لا تعلم لماذا ليس في مصلحتك أن تحصّل المال .. و هكذا ..
فنتيجة إذا اعترف العبد بجهله و آمن بعلم ربه و أن اختياره له أولى و أفضل و أحسن من اختياره لنفسه ..وصلنا إلى الرضا ..
فطريق المحبة و الرضا تسير بالعبد و هو مستلقٍ على فراشه فيصير أمام الركب بمراحل !!
هناك أناسٌ يعملون و يجهدون و صاحب الرضا بعبادته القلبية يسبقهم بمراحل ،
و هم من خلفه مع أنه على فراشه و هم يعملون ؛ لأنه راضٍ عن الله و يتفكّر في هذا الأمر و يؤمن به فيقترب من الله و أناسٌ لم يصلوا لهذا المستوى و يعملون و يجهدون ...
لذلك أعمال القلوب مهمةٌ جداً ؛ لأن المرء يمكن يبلغ بها مراتب عند الله و هو قاعدٌ ..
و هذا لا يعني ألا يعمل و لا يصلي ..
و قد يكون هناك أناسٌ آخرين أكثر منه عملاً ( صيام ــ صدقة ــ حج ) ، لكنهم أقل منه درجةً ..
لماذا ؟!!
لأنك بهذا العلم بأعمال القلوب قد تحصّل مراتب عند الله أكثر منهم ؛ لأن عمل القلب نفسه يرفع العبد في كثيرٍ من الأحيان أكثر من عمل الجوارح …
فأبو بكر ما سبق أهل هذه الأمة لأنه أكثرهم صلاةً و قياماً في الليل ... هناك أناسٌ أكثر منه في عمل العبادات و الجوارح ... لكن سبقهم بشيءٍ وَقَرَ في نفسه ..
الرضا عن الله لو تحققت في صدر العبد ؛ تميز بين مستويات العباد و ترفع هذا فوق هذا .. ينبغي التفطّن لها .. كما تعمل بالجوارح هناك أعمال قلوبٍ لا تقل أهميةً بل هي أعلى منها ، مع الجمع بين الواجب من هذا و ذاك ..
و لكن قد يدرك الإنسان أحياناً بتفطّنه و تأمله و تفكّره و إيمانه مراتب أعلى من الذي أكثر منه عملاً بالجوارح .. و لذلك يقول ابن القيّم ( فطريق الرضا و المحبة تسيّر العبد و هو مستلقٍ على فراشه فيصبح أمام الركب بمراحل )) " و هو على فراشه " ..