همي الدعوه
13 Mar 2009, 05:20 AM
السهام الإبليسية
كلُّ الحوادثِ مبدؤها من النظــرِ ومُعظَمُ النارِ مِنْ مُستصغَر الشَّررِ
كمْ نظرةٍ بلَغَت منْ قلْبِ صاحبِها كمبلغِ السهْــم بينَ القــوسِ والوتـر
والعبـــدُ مـا دام ذا طــَرْفٍ يُقَلِّبُه في أعُين الغيْدِ مَوقوفٌ على الخَطَرِ
يَســُرُّ مُقْلَتَهُ مــا ضَــرَّ مُهْجَـتــه لا مَرْحبــًا بِسُــرورٍ عــادَ بالضَّــــررِ
تأهب إبليس واستعد, وحدد فريسته وشمر عن ساعد الجد, ثم أطلق سهام النظرات لتمرق عبر عينك, تخترق حجب الحياء, وتهتك ستر العفة, لتحرك القلب الضعيف, فيأمر الجوارح لتلهث وراء إشباع شهوته, فينطق اللسان, وتهرول القدم, فيقع المحظور, وتنجرف النفس إلى أوحال المعصية.
ذلك أزكى لهم
ومن أجل دحض هذه المتوالية الشيطانية أرشد الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين والمؤمنات إلى غض البصر، وأخبر أن ذلك سبب لطهرهم وزكائهم؛ فقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30-31].
يقول سهل بن عبد الله: (ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهي؛ لأن آدم نُهي عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه، وإبليس أُمر أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه) [الفوائد لابن القيم]
فانظر يا رعاك الله إلى دقة التعبير القرآني في الأمر بغض البصر, وكأن الله عز وجل ينبهنا إلى أن ترك غض البصر فيه هلاك لفاعله وسبب لبليته في الدنيا والآخرة.
(فالنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإن النظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع) [الداء والدواء لابن القيم].
وتلك هي متوالية الهلاك الشيطانية، التي يقع فيها من أطلق بصره، فيخزن الصور والمشاهد التي تراها عينه الخائنة، وينتظر شيطانه لحظة ضعف في إيمانه ليطلقها في عقله ونفسه، فتتولد الشهوة وتستحوز على القلب، فيأمر الجوارح فتعصي الله, وهكذا في تتابع متسلسل.
وكلما كثرت الصور وتنوعت كلما صارت الإثارة أسهل والسقوط أيسر، وعلى النقيض؛ فكلما قلت الصور والمشاهد صار تأثيرها أضعف وسلطانها على القلب أقل وأوهن وصدق القائل: (الصبر على غضِّ البصر أيسرُ من الصبر على ألَمِ ما بعده) [الداء والدواء لابن القيم].
يا مطلق البصر: إذا جالت عينك بمفاتن الحسناوات، فقد غرست في قلبك أشواك الخسران والحسرات.
يعلم خائنة الأعين
{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19].
آية رعيبة ينبئك بتأويلها ترجمان القرآن : (وهو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم، وفيهم المرأة الحسناء، أو تمر به وبهم المرأة الحسناء، فإذا غفلوا لَحَظ إليها، فإذا فطنوا غَضَّ، فإذا غفلوا لَحَظ، فإذا فطنوا غض بصره عنها، وقد اطلع الله من قلبه أنه وَدَّ أن لو اطلع على فرجها)[تفسير ابن كثير].
وقال العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله: ( فيه الوعيد لمن يخون بعينه بالنظر إلى ما لا يحل له، والعبد موقوف بين يدي الله، مسئول عن حواسه: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]) [أضواء البيان للشنقيطي].
فإذا كنت ستسأل يوم القيامة عن لحظاتك ونظراتك فهل أعددت لهذا السؤال جوابا؟
العينان تزنيان
وإمعانًا في تقبيح هذا الفعل إلى النفوس سماه النبي صلى الله عليه وسلم زنا العين ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة, فالعينان زناهما النظر, والأذنان زناهما الاستماع, واللسان زناه الكلام, واليد زناها البطش, والرجل زناها الخطى, والقلب يهوى ويتمنى, ويصدق ذلك الفرج ويكذبه))[رواه البخاري، ومسلم واللفظ له] .
(ومعنى الحديث أن ابن آدم قُدِّر عليه نصيب من الزنا، فمنهم من يكون زناه حقيقيًا بإدخال الفرج في الفرج الحرام, ومنهم من يكون زناه مجازًا بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده، أو يقبلها، أو بالمشي بالرِّجْل إلى الزنا، أو النظر، أو اللمس، أو الحديث الحرام مع أجنبية، ونحو ذلك، أو بالفكر بالقلب.
فكل هذه أنواع من الزنا المجازي، ( والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه ) معناه أنه قد يحقق الزنا بالفرج، وقد لا يحققه بألا يولج الفرج في الفرج، وإن قارب ذلك، والله أعلم )[شرح صحيح مسلم، النووي].
الآمن المخدوع
وبعد كل هذا, ينبري إليك فتى ما هُذِّب شبابه بالدين, يقولها لك صريحة أن النظر ليس بهذه الخطورة, وأن إطلاقه ليس بمصيبة تستحق منك كل هذا الكلام.
ألم يعلم هذا المسكين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمن على أصحابه الفتنة وهم من هم في التقوى والصلاح والزهد والعبادة ومجاهدة النفس, فعندما استفتته جارية في الحج، ورأى الفضل بن العباس ينظر إليها لوى عنقه؛ فقال العباس t: يا رسول الله، لِمَ لويت عنق ابن عمك؟ قال: (( رأيت شابًا وشابة، فلم آمَنِ الشيطان عليهِما ))[حسنه الألباني].
ونصح رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا ذات يوم فقال: (( يا علي، لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة ))[حسنه الألباني].
وحين سأله جرير بن عبد الله رضي الله عنه عن نظرة الفجأة قال له صلى الله عليه وسلم: ((اصرف بصرك))[رواه مسلم].
(وهذا لأن الأولى لم يحضرها القلب، ولا يتأمل بها المحاسن، ولا يقع الالتذاذ بها، فمتى استدامها مقدار حضور الذهن كانت كالثانية في الإثم )[غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، السفاريني بتصرف].
مطامع الشيطان
وعن عبد الله ابن مسعود t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الإثم حوَّاز القلوب, وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع ))[صححه الألباني].
فكل نظرة إلى ما حرم الله هي مطمع من مطامع الشيطان, إما أن يوقعك في عاجل من الذنب, وإما أن يدخرها لوقت آخر فيوقعك في الذنب ما لم تتب منها, ولذلك قال الحسن رضي الله عنه: (من أطلق طرفه؛ كثر أسفه) [غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، السفاريني ].
وداهية الدواهي أن إطلاق البصر لا يزيد القلب إلا حسرة ولهيبًا, فما أنت بقادر على ما تنظر إليه, وما أنت بمحتمل هذه النظرات السريعة وتأثيرها في القلب:
وكُنْتَ متى أرسلْتَ طَرْفَكَ رائِدًا لقلْبكَ يومًــا أتعبتْكَ المناظِــــرُ
رأيتَ الـــذي لا كُـــلُّهُ أنتَ قـادرٌ عليهِ ولا عنْ بعضهِ أنتَ صابرُ
ولهذا قيل: (إن حبس اللحظات أيسرُ من دوام الحسرات) [الداء والدواء، ابن القيم].
ومضات على الطريق
(وإنما بالغ السلف في الغض؛ حذرًا من فتنة النظر وخوفًا من عقوبته، فأما فتنته؛ فكم من عابد خرج عن صومعته بسبب نظرة، وكم استغاث من وقع في تلك الفتنة )[التبصرة، ابن الجوزي].
وقد أطلق السلف ومضاتهم, وشهروا سيوف النصح لمن بعدهم يحذرونهم من إطلاق البصر وترك العين بلا رقيب ولا حسيب وليس أفضل من أن نتركك مع هذه الومضات الساطعة, تضيء طريقك, وتنير دربك, وترشدك إلى ما فيه الخير لك: (عن عطاء بن أبي رباح رحمه الله تعالى قال: نظرة يهواها القلب؛ فلا خير فيها.
وعن موسى الجهني قال: كنت مع سعيد بن جبير في طريق، فاستقبلتنا امرأة؛ فنظرنا إليها جميعًا، قال: ثم إن سعيدًا غض بصره، فنظرت إليها، قال: فقال لي سعيد: الأولى لك والثانية عليك.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: كل عين فاعلة،يعني زانية) [مصنف ابن أبي شيبة بتصرف].
وعن حماد بن زيد قال: سمعت أبي وأسنده قال: ( لرب نظرة, لأن تلقى الأسد فيأكلك، خير لك منها )[الورع، ابن أبي الدنيا].
وقال ذو النون المصري: ( اللَّحظات تورث الحسرات: أوَّلها أسفٌ وآخرها تلفٌ، فمن تابع طرفه؛ تابع حتفه )[نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري].
وعن إسحاق بن سويد قال: سمعت العلاء بن زياد يقول: (لا تتبع بصرك حُسنَ ردف المرأة ؛ فإن النظر يجعل الشهوة في القلب)[الورع، ابن أبي الدنيا].
المصادر:
1. الفوائد لابن القيم.
2. الداء والدواء لابن القيم.
3. تفسير ابن كثير.
4. أضواء البيان للشنقيطي.
5. غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، السفاريني.
6. التبصرة، ابن الجوزي.
7. الورع، ابن أبي الدنيا.
8. نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري
عودة ودعوة
كلُّ الحوادثِ مبدؤها من النظــرِ ومُعظَمُ النارِ مِنْ مُستصغَر الشَّررِ
كمْ نظرةٍ بلَغَت منْ قلْبِ صاحبِها كمبلغِ السهْــم بينَ القــوسِ والوتـر
والعبـــدُ مـا دام ذا طــَرْفٍ يُقَلِّبُه في أعُين الغيْدِ مَوقوفٌ على الخَطَرِ
يَســُرُّ مُقْلَتَهُ مــا ضَــرَّ مُهْجَـتــه لا مَرْحبــًا بِسُــرورٍ عــادَ بالضَّــــررِ
تأهب إبليس واستعد, وحدد فريسته وشمر عن ساعد الجد, ثم أطلق سهام النظرات لتمرق عبر عينك, تخترق حجب الحياء, وتهتك ستر العفة, لتحرك القلب الضعيف, فيأمر الجوارح لتلهث وراء إشباع شهوته, فينطق اللسان, وتهرول القدم, فيقع المحظور, وتنجرف النفس إلى أوحال المعصية.
ذلك أزكى لهم
ومن أجل دحض هذه المتوالية الشيطانية أرشد الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين والمؤمنات إلى غض البصر، وأخبر أن ذلك سبب لطهرهم وزكائهم؛ فقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30-31].
يقول سهل بن عبد الله: (ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهي؛ لأن آدم نُهي عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه، وإبليس أُمر أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه) [الفوائد لابن القيم]
فانظر يا رعاك الله إلى دقة التعبير القرآني في الأمر بغض البصر, وكأن الله عز وجل ينبهنا إلى أن ترك غض البصر فيه هلاك لفاعله وسبب لبليته في الدنيا والآخرة.
(فالنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإن النظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع) [الداء والدواء لابن القيم].
وتلك هي متوالية الهلاك الشيطانية، التي يقع فيها من أطلق بصره، فيخزن الصور والمشاهد التي تراها عينه الخائنة، وينتظر شيطانه لحظة ضعف في إيمانه ليطلقها في عقله ونفسه، فتتولد الشهوة وتستحوز على القلب، فيأمر الجوارح فتعصي الله, وهكذا في تتابع متسلسل.
وكلما كثرت الصور وتنوعت كلما صارت الإثارة أسهل والسقوط أيسر، وعلى النقيض؛ فكلما قلت الصور والمشاهد صار تأثيرها أضعف وسلطانها على القلب أقل وأوهن وصدق القائل: (الصبر على غضِّ البصر أيسرُ من الصبر على ألَمِ ما بعده) [الداء والدواء لابن القيم].
يا مطلق البصر: إذا جالت عينك بمفاتن الحسناوات، فقد غرست في قلبك أشواك الخسران والحسرات.
يعلم خائنة الأعين
{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19].
آية رعيبة ينبئك بتأويلها ترجمان القرآن : (وهو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم، وفيهم المرأة الحسناء، أو تمر به وبهم المرأة الحسناء، فإذا غفلوا لَحَظ إليها، فإذا فطنوا غَضَّ، فإذا غفلوا لَحَظ، فإذا فطنوا غض بصره عنها، وقد اطلع الله من قلبه أنه وَدَّ أن لو اطلع على فرجها)[تفسير ابن كثير].
وقال العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله: ( فيه الوعيد لمن يخون بعينه بالنظر إلى ما لا يحل له، والعبد موقوف بين يدي الله، مسئول عن حواسه: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]) [أضواء البيان للشنقيطي].
فإذا كنت ستسأل يوم القيامة عن لحظاتك ونظراتك فهل أعددت لهذا السؤال جوابا؟
العينان تزنيان
وإمعانًا في تقبيح هذا الفعل إلى النفوس سماه النبي صلى الله عليه وسلم زنا العين ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة, فالعينان زناهما النظر, والأذنان زناهما الاستماع, واللسان زناه الكلام, واليد زناها البطش, والرجل زناها الخطى, والقلب يهوى ويتمنى, ويصدق ذلك الفرج ويكذبه))[رواه البخاري، ومسلم واللفظ له] .
(ومعنى الحديث أن ابن آدم قُدِّر عليه نصيب من الزنا، فمنهم من يكون زناه حقيقيًا بإدخال الفرج في الفرج الحرام, ومنهم من يكون زناه مجازًا بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده، أو يقبلها، أو بالمشي بالرِّجْل إلى الزنا، أو النظر، أو اللمس، أو الحديث الحرام مع أجنبية، ونحو ذلك، أو بالفكر بالقلب.
فكل هذه أنواع من الزنا المجازي، ( والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه ) معناه أنه قد يحقق الزنا بالفرج، وقد لا يحققه بألا يولج الفرج في الفرج، وإن قارب ذلك، والله أعلم )[شرح صحيح مسلم، النووي].
الآمن المخدوع
وبعد كل هذا, ينبري إليك فتى ما هُذِّب شبابه بالدين, يقولها لك صريحة أن النظر ليس بهذه الخطورة, وأن إطلاقه ليس بمصيبة تستحق منك كل هذا الكلام.
ألم يعلم هذا المسكين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمن على أصحابه الفتنة وهم من هم في التقوى والصلاح والزهد والعبادة ومجاهدة النفس, فعندما استفتته جارية في الحج، ورأى الفضل بن العباس ينظر إليها لوى عنقه؛ فقال العباس t: يا رسول الله، لِمَ لويت عنق ابن عمك؟ قال: (( رأيت شابًا وشابة، فلم آمَنِ الشيطان عليهِما ))[حسنه الألباني].
ونصح رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا ذات يوم فقال: (( يا علي، لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة ))[حسنه الألباني].
وحين سأله جرير بن عبد الله رضي الله عنه عن نظرة الفجأة قال له صلى الله عليه وسلم: ((اصرف بصرك))[رواه مسلم].
(وهذا لأن الأولى لم يحضرها القلب، ولا يتأمل بها المحاسن، ولا يقع الالتذاذ بها، فمتى استدامها مقدار حضور الذهن كانت كالثانية في الإثم )[غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، السفاريني بتصرف].
مطامع الشيطان
وعن عبد الله ابن مسعود t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الإثم حوَّاز القلوب, وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع ))[صححه الألباني].
فكل نظرة إلى ما حرم الله هي مطمع من مطامع الشيطان, إما أن يوقعك في عاجل من الذنب, وإما أن يدخرها لوقت آخر فيوقعك في الذنب ما لم تتب منها, ولذلك قال الحسن رضي الله عنه: (من أطلق طرفه؛ كثر أسفه) [غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، السفاريني ].
وداهية الدواهي أن إطلاق البصر لا يزيد القلب إلا حسرة ولهيبًا, فما أنت بقادر على ما تنظر إليه, وما أنت بمحتمل هذه النظرات السريعة وتأثيرها في القلب:
وكُنْتَ متى أرسلْتَ طَرْفَكَ رائِدًا لقلْبكَ يومًــا أتعبتْكَ المناظِــــرُ
رأيتَ الـــذي لا كُـــلُّهُ أنتَ قـادرٌ عليهِ ولا عنْ بعضهِ أنتَ صابرُ
ولهذا قيل: (إن حبس اللحظات أيسرُ من دوام الحسرات) [الداء والدواء، ابن القيم].
ومضات على الطريق
(وإنما بالغ السلف في الغض؛ حذرًا من فتنة النظر وخوفًا من عقوبته، فأما فتنته؛ فكم من عابد خرج عن صومعته بسبب نظرة، وكم استغاث من وقع في تلك الفتنة )[التبصرة، ابن الجوزي].
وقد أطلق السلف ومضاتهم, وشهروا سيوف النصح لمن بعدهم يحذرونهم من إطلاق البصر وترك العين بلا رقيب ولا حسيب وليس أفضل من أن نتركك مع هذه الومضات الساطعة, تضيء طريقك, وتنير دربك, وترشدك إلى ما فيه الخير لك: (عن عطاء بن أبي رباح رحمه الله تعالى قال: نظرة يهواها القلب؛ فلا خير فيها.
وعن موسى الجهني قال: كنت مع سعيد بن جبير في طريق، فاستقبلتنا امرأة؛ فنظرنا إليها جميعًا، قال: ثم إن سعيدًا غض بصره، فنظرت إليها، قال: فقال لي سعيد: الأولى لك والثانية عليك.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: كل عين فاعلة،يعني زانية) [مصنف ابن أبي شيبة بتصرف].
وعن حماد بن زيد قال: سمعت أبي وأسنده قال: ( لرب نظرة, لأن تلقى الأسد فيأكلك، خير لك منها )[الورع، ابن أبي الدنيا].
وقال ذو النون المصري: ( اللَّحظات تورث الحسرات: أوَّلها أسفٌ وآخرها تلفٌ، فمن تابع طرفه؛ تابع حتفه )[نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري].
وعن إسحاق بن سويد قال: سمعت العلاء بن زياد يقول: (لا تتبع بصرك حُسنَ ردف المرأة ؛ فإن النظر يجعل الشهوة في القلب)[الورع، ابن أبي الدنيا].
المصادر:
1. الفوائد لابن القيم.
2. الداء والدواء لابن القيم.
3. تفسير ابن كثير.
4. أضواء البيان للشنقيطي.
5. غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، السفاريني.
6. التبصرة، ابن الجوزي.
7. الورع، ابن أبي الدنيا.
8. نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري
عودة ودعوة