همي الدعوه
19 Mar 2009, 02:52 AM
معاذ بن جبل رضي الله عنه
تعلموا مجد آبائكم:
ما أحوجنا نحن أبناء هذه الأمة وخاصة الشباب فينا أن نقلب صفحات تاريخنا الفريق الزاهر ونعيش سير عظمائنا وقادتنا ومؤسسي أمجادنا وصانعي تاريخنا وحضارتنا فهذا هو واجب الوفاء لهم أولاً ومن ثم هو الطريق الوحيد كي نقتدي بهم ونختط دربهم ونسير على منوالهم وهو السبيل لربط حاضرنا بماضينا وإنشاء مستقبلنا المأمول على هدي ماضينا الأثيل العريق.
بل هو البداية الجادة الصحيحة لأمتنا الإسلامية وأجيالها الطموحة حتى تستأنف دورها الريادي والقيادي بين الأمم والشعوب وحتى تؤدى الأمانة التي حملها الله إياها بقوله : [[وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا] {البقرة:143}.
لم يسبق لأمة سارت على طريق المجد والنهضة ، طريق التقدم والنصر إلا سلكت هذا السبيل فأحيت أمجاد عظمائها وشدت أبناءها إلى سيرتهم عن طريق التربية والتعليم والثقافة والإعلام حتى يكونوا لهم القدوة والأسوة وحتى يشعروا بعظمة انتمائهم لهذه الأمة وافتخارهم بتاريخها واعتزازهم بحضارتها وهذا من شأنه أن يولد فيهم الثقة بالنفس والإحساس بالذات والأمل بالمستقبل.
الغزو الفكري والمخطط المشبوه:
من أولى من أمتنا المسلمة في سلوك هذا السبيل والانطلاق على هذا الطريق ؟ وهي التي قادت حركة التاريخ في أزهى فتراته وأنضر مراحله من خلال عظمائها الذين تتابعوا في حياة الناس جيلاً بعد جيل بدءاً من عصر الرسالة . وهل هناك أمة يزخر ماضيها بالأمجاد ويعج تاريخها بالقادة والأبطال والعلماء والدعاة والمصلحين كما يعج تاريخ أمتنا الإسلامية ؟؟
لكنه الاستعمار الصليبي الحاقد الذي سطا في غفلة من أمتنا يمسخ شخصيتنا ويغتال تاريخنا وقيمنا وثقافتنا ومن ثم لينشئ أجيالا غريبة عن الإسلام غريبة عن الأمة لا تعرف من أمر عقيدتها شيئاً ولا تذكر في تاريخها قائداً لها ولا عظيماً ولا تدرك أن لها في سالف الأيام مستقبلاً إن لم يكن تزدري هذا الانتماء وتحتقر هذه الآصرة . تلك كانت النتائج العملية لهذا المخطط المشبوه.
ما لم نتدارك الأمر حكاماً وآباء ، قادة ومصلحين ، مربين ومعلمين فستستمر الكارثة لا سمح الله ، ويقضى على أبنائنا وناشئتنا ويجتالون عن دينهم وتمسخ شخصيتهم ويحقر دينهم وأمتهم وتاريخهم في أنفسهم.
معاذ إمام للعلماء في الدنيا والآخرة:
كان معاذ بن جبل رضي الله عنه من أبرز من قاد الحركة العلمية في عهد النبوة والخليفتين الراشدين الأولين بل كان إمام العلماء ليس على صعيد الدنيا فقط بل وفي الآخرة أيضاً. وقد شهد له بذلك رسول الله صلوات الله وسلامه عليه حيث يقول :" معاذ إمام العلماء يوم القيامة برتوة أو رتوتين". أي أن معاذ يتقدم موكب العلماء في جنات الخلود بميل أو ميلين بشهادة الذي لا[يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ].
وقد ساعد في تكوين الشخصية العلمية لسيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه عدة عوامل :
العامل الأول : يتمثل فيما حباه الله من اتقاد الذهن وشدة الذكاء وقوة الذاكرة ونضج العقل ونباهة الفكر..
العامل الثاني : يتمثل في أنه آمن وهو في سن الشباب وقد أعطى الإسلام ولاءه وقياده ووقته وعاطفته وكل ما يملك من طاقات ومواهب.
العامل الثالث : يتمثل في حبه للقرآن وإقباله عليه وتدبره لآياته وتطبيقه لأحكامه وتمثله لأخلاقه حتى كان رضي الله عنه أحد معلمي القرآن للصحابة أنفسهم ، بتوجيه من رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة ".
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون :
بل كان معاذ أحد القلائل الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مما جعله محل فخر الخزرج قومه ، قال أنس بن مالك رضي الله عنه :" افتخر الحيان الأوس والخزرج ، قالت الأوس : منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب ومنا من اهتز له العرش سعد بن معاذ ومنا من حمته الدبر عاصم بن ثابت ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت ، فقالت الخزرج : منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمعه غيرهم " زيد بن ثابت وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبو زيد . رضوان الله عليهم أجمعين.
العامل الرابع : الذي أسهم في بناء الشخصية العلمية الفذة لسيدنا معاذ بن جبل أنه أحب رسول الله وأحبه رسول الله .هذا الحب جعله يلازم مدرسة النبوة ويصحب رسول الله حيثما تحرك طيلة عشر سنوات تقريباًَ حتى وجهه رسول الله إلى اليمن أميرا عليها ومعلما لأهلها .
يغادر المدينة رغبة بالجهاد وطلبا للشهادة :
بل إنَّ عمر أسف أشد الِأسف حين غادر معاذ المدينة وتوجه إلى الشام بإذن من الصديق رضي الله عنه رغبة منه في خوض معارك الفتح الإسلامي وأملا بنوال الشهادة في سبيل الله أو بناء على طلب أمير الشام يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه لينتشر العلم والفقه بجانب انتشار حركة الفتح ، لقد ضن عمر بمعاذ أن يذهب إلى مكان أخر وأشفق على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحرم هذا العالم الفذ والفقيه البصير قال كعب بن مالك رضي الله عنه :" كان عمر رضوان الله عليه يقول : خرج معاذ رضي الله عنه إلى الشام لقد أخل خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه وما كان يفتيهم به ولقد كنت كلمت أبا بكر رحمه الله تعالى أن يحبسه لحاجة الناس إليه فأبى عليَََّ وقال : رجل أراد وجها يريد الشهادة فلا أحبسه فقلت : والله إن الرجل ليرزق الشهادة وهو على فراشه وفي بيته عظيم الغنى عن مصرة".
آصرة الحب في الله:
فما أعظم آصرة الحب في الله حين تنظم العلاقة بين القائد وجنوده وبين الرئيس ومرؤوسه وبين المعلم وتلاميذه وبين العالم وأتباعه بل ما أعظم ما تثمره من تعاون وتكافل وتناصر وما أعظم ما تنتجه من طاعة واحترام وإخلاص وتفان. الحب بين رسول الله وصحابته هو أحد العوامل المفسرة لعظمة هذا الجيل الرباني الفذ الفريد وأحد الأسباب المولدة لعبقريته وعلمه وبطولته وشجاعته وتقفيه آثار النبوة ينسج على منوالها ويتحرك بحركتها ويصدر عن أمرها وتوجيهها حتى كانت سيرتهم رضوان الله عليهم امتداد لسيرة قائدهم الحبيب صلوات الله وسلامه عليه.
معاذ بن جبل لم يكن في علمه وجهاده واقتدائه إلا ثمرة هذا الحب الخالص الذي ولده الإيمان في قلبه وقلب الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه. وبسبب هذا الحب الصادق كان رسول الله يعامل صحابته بروح الأبوة الحانية يتفقد أحوالهم ويعالج مشاكلهم ويحل أزماتهم.
ترى هل كان تفوقه العلمي بين الصحابة هو سبب هيبتهم له؟
فقد روى أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا تحدثوا وفيهم معاذ،نظروا إليه هيبة له.
ولا شك إنها هيبة العلم وأدب المسلم مع العلماء العاملين المخلصين.
هل بلغكم أن أمة من الأمم مجدت العلم وأعلت ذكره ورفعت قدره وحضت عليه واستنفرت الطاقات وشوقت النفوس له كما فعلت أمة الإسلام من خلال أمر الله وتوجيه رسوله وترغيب وراثه من العلماء أمثال معاذ.
وسأله يوماً الفاروق رضي الله عنه فقال : ما قِوام هذه الأمة ؟
قال سيدنا معاذ رضي الله عنه : قِِوام هذه الأمة ثلاث وهن المنجيات : الإخلاص وهي الفطرة وتلا قوله تعالى : [فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] {الرُّوم:30}.
والثاني هو الصلاة فهي الملة ، والثالث هو الطاعة فهي العصمة. قال عمر رضي الله عنه : صدقت ، فلما جاوزه قال معاذ لجلسائه وقلبه يتفتت أسى على عهد عمر ، عهد العدل الذي يوشك أن ينتهي ، عهد الجماعة التي توشك أن تتفتت ، قال رضي الله عنه : أما إنَّ سنيك خير من سنيهم ويكون بعدك اختلاف ولن يبقى إلا يسيرا.
الصحابة يتدافعون الفتوى:
فقد تميز مجتمع الصحابة بالاحترام المتبادل بينهم والتواضع لبعضهم والأدب في التعامل بين بعضهم البعض والرجوع إلى أهل الاختصاص في الفقه والفتوى والقضاء تحرجا من الفتوى عامة وخشية من الله أن يفتوا بغير علم أو يخطئوا في الحكم أو يتقدموا علمائهم وأرباب الاختصاص فيهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار ".
هذه الروح لا تصدر إلا عن خلق وشجاعة وتواضع وحب وتقدير لأهل العلم ورقابة لله تعالى القائل " فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ". وكذلك كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم. فلنحسن الاقتداء بهم بعد التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رباهم على مثل هذه الأخلاق.
عمر يتمنى ملء البيت رجالاً مثل معاذ و...:
وقال الفاروق يوما لأصحابه : تمنوا، فتمنوا ملء البيت الذي كانوا فيه مالاً وجواهر ينفقونها في سبيل الله ، فقال عمر : ولكنني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان فأستعملهم في طاعة الله عز وجل.
لقد تميز معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه بشخصية قوية نفاذة وكان جميلا في خلقه وخلقه وتتجلى قوة شخصيته وقوة أخلاقه في كثير من الخصال منها:
الخصلة الأولى : محطم الأصنام.
الخصلة الثانية :حزم مع المنافقين.
الخصلة الثالثة :النصح بالمعروف.
الخصلة الرابعة :صدق في البيعة وعزة في النفس.
الخصلة الخامسة :زهده في الدنيا.
وقد مات سيدنا معاذ بن جبل بناحية الأردن في طاعون عمواس في السنة الثامنة عشر للهجرة وعمره أربع وثلاثون سنة ، وقيل ثمان وثلاثون سنة رضي الله عنه.
مات في قمة الشباب ولهكل هذا العطاء !!!!!
هذه مقتطفات يسيرة من سيرة الصحابي الجليل إمام العلماء معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه وما أكاد أشعر أني قد وفيته حقه أو فيت القارئين حقهم في التعرف على صحابة رسولهم وعظماء أمتهم وقادة تاريخهم وصانعي مجدهم ، ومؤسسي حضارتهم ، فمثلي أعجز من أن يحيط علما بما أعطى الله هؤلاء الأبطال العظماء من أفانين البطولة وآفاق العظمة وأسرار العبقرية وخصائص القادة ما جعلهم أعلام التاريخ الإسلامي ، بل التاريخ البشري. ولكنه جهد المقل بقدر ما وسعه الجهد وسعي المحب الذي لا يألو.
والحمد لله رب العالمين؛؛؛
وإلى لقاء آخر مع علم من أعلامنا وعظيم من عظمائنا.
___________________
د/ محمد فاروق البطل*
من سلسلته الرائعة : أبطال الإسلام في موكب النبوة الخالد
عودة ودعوة
تعلموا مجد آبائكم:
ما أحوجنا نحن أبناء هذه الأمة وخاصة الشباب فينا أن نقلب صفحات تاريخنا الفريق الزاهر ونعيش سير عظمائنا وقادتنا ومؤسسي أمجادنا وصانعي تاريخنا وحضارتنا فهذا هو واجب الوفاء لهم أولاً ومن ثم هو الطريق الوحيد كي نقتدي بهم ونختط دربهم ونسير على منوالهم وهو السبيل لربط حاضرنا بماضينا وإنشاء مستقبلنا المأمول على هدي ماضينا الأثيل العريق.
بل هو البداية الجادة الصحيحة لأمتنا الإسلامية وأجيالها الطموحة حتى تستأنف دورها الريادي والقيادي بين الأمم والشعوب وحتى تؤدى الأمانة التي حملها الله إياها بقوله : [[وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا] {البقرة:143}.
لم يسبق لأمة سارت على طريق المجد والنهضة ، طريق التقدم والنصر إلا سلكت هذا السبيل فأحيت أمجاد عظمائها وشدت أبناءها إلى سيرتهم عن طريق التربية والتعليم والثقافة والإعلام حتى يكونوا لهم القدوة والأسوة وحتى يشعروا بعظمة انتمائهم لهذه الأمة وافتخارهم بتاريخها واعتزازهم بحضارتها وهذا من شأنه أن يولد فيهم الثقة بالنفس والإحساس بالذات والأمل بالمستقبل.
الغزو الفكري والمخطط المشبوه:
من أولى من أمتنا المسلمة في سلوك هذا السبيل والانطلاق على هذا الطريق ؟ وهي التي قادت حركة التاريخ في أزهى فتراته وأنضر مراحله من خلال عظمائها الذين تتابعوا في حياة الناس جيلاً بعد جيل بدءاً من عصر الرسالة . وهل هناك أمة يزخر ماضيها بالأمجاد ويعج تاريخها بالقادة والأبطال والعلماء والدعاة والمصلحين كما يعج تاريخ أمتنا الإسلامية ؟؟
لكنه الاستعمار الصليبي الحاقد الذي سطا في غفلة من أمتنا يمسخ شخصيتنا ويغتال تاريخنا وقيمنا وثقافتنا ومن ثم لينشئ أجيالا غريبة عن الإسلام غريبة عن الأمة لا تعرف من أمر عقيدتها شيئاً ولا تذكر في تاريخها قائداً لها ولا عظيماً ولا تدرك أن لها في سالف الأيام مستقبلاً إن لم يكن تزدري هذا الانتماء وتحتقر هذه الآصرة . تلك كانت النتائج العملية لهذا المخطط المشبوه.
ما لم نتدارك الأمر حكاماً وآباء ، قادة ومصلحين ، مربين ومعلمين فستستمر الكارثة لا سمح الله ، ويقضى على أبنائنا وناشئتنا ويجتالون عن دينهم وتمسخ شخصيتهم ويحقر دينهم وأمتهم وتاريخهم في أنفسهم.
معاذ إمام للعلماء في الدنيا والآخرة:
كان معاذ بن جبل رضي الله عنه من أبرز من قاد الحركة العلمية في عهد النبوة والخليفتين الراشدين الأولين بل كان إمام العلماء ليس على صعيد الدنيا فقط بل وفي الآخرة أيضاً. وقد شهد له بذلك رسول الله صلوات الله وسلامه عليه حيث يقول :" معاذ إمام العلماء يوم القيامة برتوة أو رتوتين". أي أن معاذ يتقدم موكب العلماء في جنات الخلود بميل أو ميلين بشهادة الذي لا[يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ].
وقد ساعد في تكوين الشخصية العلمية لسيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه عدة عوامل :
العامل الأول : يتمثل فيما حباه الله من اتقاد الذهن وشدة الذكاء وقوة الذاكرة ونضج العقل ونباهة الفكر..
العامل الثاني : يتمثل في أنه آمن وهو في سن الشباب وقد أعطى الإسلام ولاءه وقياده ووقته وعاطفته وكل ما يملك من طاقات ومواهب.
العامل الثالث : يتمثل في حبه للقرآن وإقباله عليه وتدبره لآياته وتطبيقه لأحكامه وتمثله لأخلاقه حتى كان رضي الله عنه أحد معلمي القرآن للصحابة أنفسهم ، بتوجيه من رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة ".
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون :
بل كان معاذ أحد القلائل الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مما جعله محل فخر الخزرج قومه ، قال أنس بن مالك رضي الله عنه :" افتخر الحيان الأوس والخزرج ، قالت الأوس : منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب ومنا من اهتز له العرش سعد بن معاذ ومنا من حمته الدبر عاصم بن ثابت ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت ، فقالت الخزرج : منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمعه غيرهم " زيد بن ثابت وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبو زيد . رضوان الله عليهم أجمعين.
العامل الرابع : الذي أسهم في بناء الشخصية العلمية الفذة لسيدنا معاذ بن جبل أنه أحب رسول الله وأحبه رسول الله .هذا الحب جعله يلازم مدرسة النبوة ويصحب رسول الله حيثما تحرك طيلة عشر سنوات تقريباًَ حتى وجهه رسول الله إلى اليمن أميرا عليها ومعلما لأهلها .
يغادر المدينة رغبة بالجهاد وطلبا للشهادة :
بل إنَّ عمر أسف أشد الِأسف حين غادر معاذ المدينة وتوجه إلى الشام بإذن من الصديق رضي الله عنه رغبة منه في خوض معارك الفتح الإسلامي وأملا بنوال الشهادة في سبيل الله أو بناء على طلب أمير الشام يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه لينتشر العلم والفقه بجانب انتشار حركة الفتح ، لقد ضن عمر بمعاذ أن يذهب إلى مكان أخر وأشفق على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحرم هذا العالم الفذ والفقيه البصير قال كعب بن مالك رضي الله عنه :" كان عمر رضوان الله عليه يقول : خرج معاذ رضي الله عنه إلى الشام لقد أخل خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه وما كان يفتيهم به ولقد كنت كلمت أبا بكر رحمه الله تعالى أن يحبسه لحاجة الناس إليه فأبى عليَََّ وقال : رجل أراد وجها يريد الشهادة فلا أحبسه فقلت : والله إن الرجل ليرزق الشهادة وهو على فراشه وفي بيته عظيم الغنى عن مصرة".
آصرة الحب في الله:
فما أعظم آصرة الحب في الله حين تنظم العلاقة بين القائد وجنوده وبين الرئيس ومرؤوسه وبين المعلم وتلاميذه وبين العالم وأتباعه بل ما أعظم ما تثمره من تعاون وتكافل وتناصر وما أعظم ما تنتجه من طاعة واحترام وإخلاص وتفان. الحب بين رسول الله وصحابته هو أحد العوامل المفسرة لعظمة هذا الجيل الرباني الفذ الفريد وأحد الأسباب المولدة لعبقريته وعلمه وبطولته وشجاعته وتقفيه آثار النبوة ينسج على منوالها ويتحرك بحركتها ويصدر عن أمرها وتوجيهها حتى كانت سيرتهم رضوان الله عليهم امتداد لسيرة قائدهم الحبيب صلوات الله وسلامه عليه.
معاذ بن جبل لم يكن في علمه وجهاده واقتدائه إلا ثمرة هذا الحب الخالص الذي ولده الإيمان في قلبه وقلب الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه. وبسبب هذا الحب الصادق كان رسول الله يعامل صحابته بروح الأبوة الحانية يتفقد أحوالهم ويعالج مشاكلهم ويحل أزماتهم.
ترى هل كان تفوقه العلمي بين الصحابة هو سبب هيبتهم له؟
فقد روى أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا تحدثوا وفيهم معاذ،نظروا إليه هيبة له.
ولا شك إنها هيبة العلم وأدب المسلم مع العلماء العاملين المخلصين.
هل بلغكم أن أمة من الأمم مجدت العلم وأعلت ذكره ورفعت قدره وحضت عليه واستنفرت الطاقات وشوقت النفوس له كما فعلت أمة الإسلام من خلال أمر الله وتوجيه رسوله وترغيب وراثه من العلماء أمثال معاذ.
وسأله يوماً الفاروق رضي الله عنه فقال : ما قِوام هذه الأمة ؟
قال سيدنا معاذ رضي الله عنه : قِِوام هذه الأمة ثلاث وهن المنجيات : الإخلاص وهي الفطرة وتلا قوله تعالى : [فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] {الرُّوم:30}.
والثاني هو الصلاة فهي الملة ، والثالث هو الطاعة فهي العصمة. قال عمر رضي الله عنه : صدقت ، فلما جاوزه قال معاذ لجلسائه وقلبه يتفتت أسى على عهد عمر ، عهد العدل الذي يوشك أن ينتهي ، عهد الجماعة التي توشك أن تتفتت ، قال رضي الله عنه : أما إنَّ سنيك خير من سنيهم ويكون بعدك اختلاف ولن يبقى إلا يسيرا.
الصحابة يتدافعون الفتوى:
فقد تميز مجتمع الصحابة بالاحترام المتبادل بينهم والتواضع لبعضهم والأدب في التعامل بين بعضهم البعض والرجوع إلى أهل الاختصاص في الفقه والفتوى والقضاء تحرجا من الفتوى عامة وخشية من الله أن يفتوا بغير علم أو يخطئوا في الحكم أو يتقدموا علمائهم وأرباب الاختصاص فيهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار ".
هذه الروح لا تصدر إلا عن خلق وشجاعة وتواضع وحب وتقدير لأهل العلم ورقابة لله تعالى القائل " فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ". وكذلك كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم. فلنحسن الاقتداء بهم بعد التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رباهم على مثل هذه الأخلاق.
عمر يتمنى ملء البيت رجالاً مثل معاذ و...:
وقال الفاروق يوما لأصحابه : تمنوا، فتمنوا ملء البيت الذي كانوا فيه مالاً وجواهر ينفقونها في سبيل الله ، فقال عمر : ولكنني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان فأستعملهم في طاعة الله عز وجل.
لقد تميز معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه بشخصية قوية نفاذة وكان جميلا في خلقه وخلقه وتتجلى قوة شخصيته وقوة أخلاقه في كثير من الخصال منها:
الخصلة الأولى : محطم الأصنام.
الخصلة الثانية :حزم مع المنافقين.
الخصلة الثالثة :النصح بالمعروف.
الخصلة الرابعة :صدق في البيعة وعزة في النفس.
الخصلة الخامسة :زهده في الدنيا.
وقد مات سيدنا معاذ بن جبل بناحية الأردن في طاعون عمواس في السنة الثامنة عشر للهجرة وعمره أربع وثلاثون سنة ، وقيل ثمان وثلاثون سنة رضي الله عنه.
مات في قمة الشباب ولهكل هذا العطاء !!!!!
هذه مقتطفات يسيرة من سيرة الصحابي الجليل إمام العلماء معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه وما أكاد أشعر أني قد وفيته حقه أو فيت القارئين حقهم في التعرف على صحابة رسولهم وعظماء أمتهم وقادة تاريخهم وصانعي مجدهم ، ومؤسسي حضارتهم ، فمثلي أعجز من أن يحيط علما بما أعطى الله هؤلاء الأبطال العظماء من أفانين البطولة وآفاق العظمة وأسرار العبقرية وخصائص القادة ما جعلهم أعلام التاريخ الإسلامي ، بل التاريخ البشري. ولكنه جهد المقل بقدر ما وسعه الجهد وسعي المحب الذي لا يألو.
والحمد لله رب العالمين؛؛؛
وإلى لقاء آخر مع علم من أعلامنا وعظيم من عظمائنا.
___________________
د/ محمد فاروق البطل*
من سلسلته الرائعة : أبطال الإسلام في موكب النبوة الخالد
عودة ودعوة