قائد_الكتائب
19 Mar 2009, 05:52 AM
تأثيرات غزوات القاعدة على النفوس
الحمد لله رب العالمين القائل {وَلا تَحْسِبَنَّ الَّذيِنَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُون}، وأشهد أن لا إله إلا الله الفرد الصمد، الجبار المتكبر، الفعال لما يريد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشرقها ومغربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها" [مسلم]، والقائل: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين، بعز عزيز أو ذل ذليل، عزاً يعز به الله الاسلام وذلاً يذل به الكفار" [رواه أحمد والطبراني]، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
بعد كل غزوة أو ضربة من ضربات المجاهدين، تخرج علينا جموع من المثبطين والمنافقين يشككون في شرعية هذه الأعمال الجهادية ومدى نفعها لمسيرة الإسلام والمسلمين، بل ويعتبرون أن هذه الأعمال مجرد فوضى وفتنة تزيد من آلام المسلمين وتخلفهم ، وتزيد الكفار والمرتدين تمكيناً وشرعية على رؤوس المسلمين. أود في هذا المقال أن أقف على تأثيرات هذه الضربات المباركة على نفوس الناس بعامة وعلى نفوس المسلمين بخاصة ، لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.
قبل الحديث على هذه التأثيرات، يجدر بنا أن نعدد الطوائف التي تأثرت وتتأثر- سلباً أو إيجاباً أو عدماً - بهذه الغزوات، وأود أن أشير إلى أن هذه النقطة تشكل صلب هذا الموضوع، كونها تمثل المادة الأساسية لهذا الصراع الدائر بين الحق والباطل، وبإمكانها - حسب موقفها وموضعها في ساحة الصراع - أن ترجح كفة هذا الطرف أو ذاك {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِين}[الأنفال]، فلا يمكننا أن ننكر الدور الكبير وربما الحاسم للعنصر البشري في كل معركة، وهذا ما سنحاول بيانه في السطور القادمة بحول الله، كوننا نريد أن نركز على الجانب التربوي لغزوات القاعدة،وهو ما سيتيح الفرصة للكثير من الناس لمراجعة موقفهم أوالتمسك به تجاه مستقبل هذه الحرب الصليبية الجديدة على أمة الإسلام بعامة وعلى مجاهديها بخاصة.
يمكننا تصنيف هذه الجماعات حسب أهميتها وارتباطها بالصراع القائم كالتالي:
جماعات الأنصار
منهم من يقف إلى جانب المجاهدين في خنادق الصراع، بالنفس والمال وبكل ما يملك، فارتبط مصيرياً بالمجاهدين والجهاد، ولم يعد لديه ما يخسره أو يخاف على ذهابه من المتاع أو المناصب الدنيوية، فهو جزء لا يتجزأ من التجمع الجهادي، يأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه، يدور مع مصلحة الجهاد حيث دارت. يتمثل اليوم في الآلاف من الشباب الذين هاجروا إلى أرض الجهاد والتحقوا بصفوف المجاهدين هناك،فمنهم من يخوض المعارك مباشرة ومنهم من لا يزال في مرحلة الإعداد، ومنهم من تفرق في الأمصار في انتظار أداء دوره في هذه الحرب، في الوقت والمكان المناسبين، إنه في رباط مستمر، أينما وضع جهده فثم أجر الله إن شاء الله تعالى.
هذه الطائفة تتسم بصفات عالية من الانضباط والتنظيم، وتعتبر اليد الطولى للتجمع الجهادي، فالعدو يسميها "خلايا نائمة" بينما الحقيقة أنها خلايا يقظة وحذرة، ولهذا لم يستطع العدوكشفها ولن يستطيع بإذن الله، حتى تقوم بمهامها على أحسن ما يرام في حفظ الله ورعايته.
هناك نوع آخر من الأنصار، لم يلتحقوا بعد بساحات القتال، سواء من أجل ممارسة عبادة جهاد الطلب على أراضي العدو أو ممارسة عبادة جهاد الدفع والقيام بواجب النصرة عل أراضي المسلمين المحتلة من قبل الكفار الأصليين كأفغانستان والبلقان والقوقاز وغيرها من البلدان، وذلك نظراً للقيود التي تمنعهم وللحدود التي تحول بينهم وبين تحقيق هذه المهام، هؤلاء يتواجدون في كل مكان وبالأخص في البلاد الاسلامية تحت حكم أنظمة الردة، وهم في أشد الشوق إلى ممارسة عبادة الجهاد، ولكن ينقصهم الإعداد الجيد والمطلوب، وفي انتظار تحصيل هذا، نجدهم يقومون بأعمال كثيرة تصب في نصرة المجاهدين، سواء في ميادين الدعوة أو الإعلام أو الميدان الاقتصادي والأمني ويسعون في الوقت ذاته إلى الإعداد لجهاد الدفع داخل بلدانهم المحتلة من قبل المرتدين، وقد فهموا جيداً أن لا فرق بين الكفار الأصليين وبين الحكام المرتدين على مستوى ضرورة جهادهم، فهم وجهان لعملة واحدة، بل إنهم فقهوا أن قتال المرتد الأقرب أولى من قتال الكافر الأبعد.
فغزوات قاعدة الجهاد قد علمتهم أن يكونوا في الصف الثاني وفي أهبة دائمة لمواجهة الحرب الصليبية، وغرست فيهم الإحساس بالعلو والقوة مع الحذر والحيطة، وذلك حينما رأوا انبطاح الأعداء وتوليهم وعجزهم المخزي في تتبع المجاهدين أو إيقاف تحركاتهم، فقد دفعهم هذا إلى المزيد من العمل والتوكل على الله لمواصلة الطريق من أجل النكاية في العدو. ولسان حالهم يقول {وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً}[الأحزاب 22].
إنهم جنود أخفياء لهم قدرة كبيرة على تغيير مجريات الأحداث، وصبر كبير وطويل على الرباط في مواقعهم انتظاراً للأوامر وتحيناً للفرص قبل تنفيذ المهام الموكلة لهم، يكتفون بأزهد الزاد وأقل العتاد، إنهم جنود من نوع جديد لم يعهده العدو من قبل ولا يستطيع كشفه، فضلاً عن القضاء عليه، وإذا ما سقطوا في أيدي الأعداء فلا يستطيع أن يُخرج من صدورهم سوى السراب، ويجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم.
هذه النماذج تذكرنا بأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العقبة ويوم بدر ويوم بيعة الرضوان ويوم غزوة الأحزاب وغيرها من المواقع الخالدة، بيعة على الموت وغاية البذل والعطاء والفداء،وبهذه النماذج يمكننا تحقيق النصر ودحر الأعداء ولا معنى لجهاد بدون أنصار،الظاهرون منهم والأخفياء.
طائفة النفاق والخذلان
لا تخلو ساحة الصراع منها عبر التاريخ كله، وقد كانت السند الرئيس لفسطاط الباطل، حتى مع وجود الأنبياء والمرسلين، فتواجدهم يكاد أن يكون جزءاً لايتجزأ من بنية هذا الصراع وهيكله، وطرفاً أساسياً يعتمد عليه الباطل، وبدونه لا يمكن أن يثبت كثيراً في وجه الحق. لذا وجب على أصحاب الحق أن لا يغفلوا عن هذا الصنف و يتحركوا في ساحات المعارك وقد أخذوهم بعين الاعتبار، وعليهم أن يوجدوا ويجددوا الأسلحة المناسبة للتعامل معهم وكبح جماحهم.
هي التي تشتهر بالقيل والقال وطلب المعركة والنزال في أيام الرخاء {قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِيسَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمُُ بِالظَّالِمِيْن}[البقرة]، ويا ليتهم وقفوا عند حد التقاعس والفرار من القتال، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، وهو أنهم راحوا يسلقون المجاهدين بألسنة حداد، ويتهمونهم بصفات صنعها لهم الأعداء لتشويههم وإبعاد الناس عنهم، ولكي يحافظوا هم على مواقعهم ومناصبهم في ساحات القيل والقال البعيدة عن التطبيق والأفعال.
قبل غزوات القاعدة المباركة، كانت لدى هؤلاء المنافقين والمتخاذلين بعض أوراق التوت التي تستر عوراتهم وحقيقة خبثهم، حيث كانوا يملئون الدنيا بخطبهم الرنانة وبفتاواهم العجيبة، وكان الناس يقصدونهم للتوجيه وإيجاد الحلول لمشاكلهم - وهي في الغالب مشاكل تتعلق بالحفاظ على الدنيا ومتاعها -، ولكن بعد الغزوة سقطت كل هذه الأوراق، وظهرت عورات هؤلاء الأدعياء وانكمشوا ثم أزبدوا وحملوا سلاح الفتوى والبيان للتنديد بالعمليات الجهادية المباركة، واعتبارها أعمالاً وحشية لا تمتُّ إلى الاسلام بصلة ولا يمكن أن يكون أصحابها سوى وحوشاً لا تعرف الرحمة، فقدموا أصدق التعازي للأعداء، ومنهم من كاد يحسب قتلاهم شهداء من فرط تأثره بما حدث ورحمته على هؤلاء "الأبرياء".
إنهم يندفعون بدافع الحسد والبغضاء للدعاة المخلصين والمجاهدين الأخيار، لأن هذا الجهاد يفضحهم ويبين حقيقتهم للناس، على أنهم مجرد جبناء مستسلمون لضغوط الواقع، يرضون بالفتات ويعملون في الإطار الضيق من الحرية الذي تعطيهم إياه هذه الأنظمة المرتدة، دين مجزأ ومشوه، يوافق أهواء وسياسات الحكام ولا يوقظ همم المسلمين ويوجهها نحو أوجب الواجبات المنوطة بأعناقهم، من دعوة وحسبة وجهاد.
لم تكتف هذه الطائفة بالتقاعس عن الجهاد وخذلان المجاهدين، بل راحت تثبِّط الناس عن ذلك وتنشر الأباطيل والإشاعات المغرضة لصد الناس عن طريق الجهاد أو نصرة المجاهدين ،(6) (http://www.geocities.com/aloswa/adab/wakafat11sep.html#6)ومن هنا يكمن خطرهم ويتعين على جماعات الحق أن تتنبه لدورهم الخبيث والمخزي وتسعى إلى التعامل معهم بكل حزم وشدة، لأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولن يكون من الحكمة ترك الفرصة لهؤلاء الخبثاء أن يلعبوا هذا الدور الخطير في مأمن وفي منأى من رد الفعل الصارم الذي يُقزِّمهم ويفضحهم أمام الملأ، ويقلب سحرهم عليهم.
طائفة الوسط: السمَّاعون لهم
هم الذين يمسكون العصا من الوسط، أو يقفون موقفاً وسطاً بين طائفة الحق وأنصارهم وبين طائفة النفاق والخذلان، وهم الذين يحتاجون دوماً وفي كل لحظة إلى من يذكِّرهم بواجباتهم تجاه دينهم، وبمجرد أن تغفل عنهم لفترة ولو قصيرة فإنك ستجدهم قد غيروا مسارهم وتخلَّوا عن الصف والتحقوا بالمُخذِلين {وفيكم سَمَّاعُونَ لَهُمْ}[التوبة]، وتجدهم يرددون شبهات هؤلاء بغير فهم ولا وعي، بعيداً عن سنن الله في الدعوات والصراعات مع الباطل.
لسان حالهم يقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام {قالوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}[الأعراف]، إنه موقف متشابه ومتكرر وكأن هذا النوع من النفوس قد شربت من نفس النبع وجبلت على التذمر والشكوى وعدم التحمل فيسبيل الله، تود لو أن الله تعالى يمنحها الجنة في الدنيا وفي الآخرة دون أن تقدّم أدنى ثمن في سبيلها.
قبل الغزوات المباركة كان هؤلاء القوم يلقون بعض الأذى من طرف الطغاة من المرتدين والكفار الأصليين، سواء داخل بلداننا المحتلة أو داخل بلدان الكفر الأصلية، ويتمثل هذا الأذى في المضايقات المتكررة والمتواصلة على بعض الأنشطة والأعمال التي يريدون أن يتميزوا بها على الأعداء خاصة على مستوى الهدي الظاهر،وبعد الغزوات تضاعف هذا الأذى وتنوعت هذه المضايقات حتى طالت هذه الفئات في بعض مصالحهم الدنيوية، وعندئذ ثار غضبهم وألقوا اللوم على المجاهدين الأبرار واعتبروهم السبب المباشر والوحيد فيما يلاقونه.
لقد أوذينا من قبل الغزوات وها نحن نلقى أذى أكبر ومضايقات أوسع بعد الغزوات، ها نحن نخسر مواقع كثيرة ومكاسب عديدة وتُسد في وجوهنا أبواب للخير متعددة، فلا بارك الله في هذه الغزوة ومن كان وراءها.
وهكذا تظل هذه الفئات تردد هذه اللعنات ما دامت الابتلاءات والمحن تنزل عليها، وهي مرشحة للمزيد والتصعيد والاستمرارية ما دامت الحرب دائرة بين معسكر المجاهدين وبين أعدائهم من حلف الصليبيين واليهود والمرتدين.
ستظل هذه الفئة مستاءة من الوضع القائم، حتى تغير ما بداخلها، وتقرر الانتقال إلى مستوى أعلى من الالتزام وتَحَمُّلِ المسؤوليات، وستظل ظاهرة الوسطية أو "السمَّاعون لهم" موجودة في الساحة ولا يمكننا القضاء عليها بصورة نهائية، ولكنه باستطاعتنا تحويل أسماعهم إلى خطابات وبيانات الحق ليتحولوا إلى "سمَّاعون لنا" ريثما يلتحقوا بالصف المجاهد ولو في موقع النصرة والتأييد بدلاً من هذا الموقف المعادي والمثبط.
ولاشك أن المجاهدين- سواء في تنظيم قاعدة الجهاد أو من يناصرهم- قد أصبح لخطاباتهم دويُُّ وتأثير حسن لدى الكثيرين، وأصبح باستطاعتهم أن يؤثروا إيجاباً ويصنعوا لأنفسهم مكانة مرموقة ومحترمة حتى بشهادة الأعداء أنفسهم، وخير دليل على صدق هذا الكلام هو الخوف الكبير الذي أحدثته خطابات وبيانات المجاهدين في أوساط العدو ومسارعة هذا الأخير إلى إغلاق كل المنابر الإعلامية للمجاهدين ومناصريهم لمنع هذا التأثير الخطير على نفوس الناس،وتحولت أسماع هذه الطائفة/ الوسط - شيئاً فشيئاً - إلى خطاب المجاهدين بعد أن ظلت حبيسة الخطاب الطاغوتي ردحاً من الزمن.
طائفة المتفرجين
يشكلون نسبة لا بأس بها في الساحة، لا ينتمون للطوائف سالفة الذكر، أهم سماتهم أن لديهم القابلية للانتماء لطائفة الحق أكثر من غيرها،ويفضلون - خلال فترة الحرب - أن يبقوا بعيدين عن الخنادق ينتظرون النتائج، وربما يصفقون ويفرحون لانتصارات المجاهدين، لكنهم لا يشاركون أبداً باليد أو اللسان، إماخوفاً من الأعداء أو لعدم قناعتهم الكاملة بخط المواجهة، يكتفون بالتفرج، لا يخذلون الباطل ولا ينصرون الحق، ينطبق عليهم قول ربنا عز وجل {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَء}[النساء].
فما دامت حرارة المعارك لاتمسهم فإنهم يقفون هذا الموقف المحايد، والذي يعتبر إيجابياً نوعاً ما بالنسبة للمجاهدين ، وهو خير من أن يكونوا مع جبهة الباطل يكثِّرون سوادها وينصرونها،فيسقطون في دائرة: "السَّمَّاعُونَ لَهُمْ".
إن موقع هؤلاء وموقفهم من الصراع مرتبط بموقف الأعداء منهم، بمعنى أنه غير ثابت، فكلما زاد ضغط العدو عليهم كلما زاد اقترابهم منهم وأدى بهم هذا إلى الدخول في معسكر هذا الأخير وأصبحوا طرفاً غير مباشر في الصراع الدائر.
وفي الجهة المقابلة،كلما حقق المجاهدون انتصاراً أو تقدماً واقتربوا من النصر النهائي،كلما رأينا هؤلاء يلتفون حولهم ويعبِّرون عن فرحهم والكثير منهم ينضم إلى الصف الإسلامي ويوسع دائرة الإسلام، كما يشير إلى ذلك قوله تبارك وتعالى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}[النصر].
والناظر إلى الصراع القائم اليوم بين أهل الحق والإيمان بقيادة تنظيم "قاعدة الجهاد" وحركة "طالبان" وبين أهل الباطل والكفر بقيادة أمريكا، يجد نماذج كثيرة من هذه الطائفة تتمثل في أفراد وجماعات محسوبة على الإسلام ويدّعي الكثير منهم أنه من أقطاب العمل الإسلامي، نراهمفي قاعة الانتظار يتفرجون على المعركة ولا يقومون بأي شيء في سبيل نصرة الحق، رغم وضوح طبيعة المعركة وتميز الصفوف، وتراهم أحياناً يقومون بدور التثبيط وتشويه سمعة المجاهدين، بحجة أن الوقت غير مناسب للدخول في معارك مع العدو، أو أن هذا من شأنه أن يعرقل مسيرة الدعوة ويشوهها في عيون غير المسلمين. ويا ليتهم وقفوا موقف الحياد واكتفوا بالتفرج لكان خيراً لهم، ولكفوا المجاهدين عناء الرد عليهم وكشف شبهاتهم وفتح معارك هامشية ستُهدر فيها الكثير من الجهود نحن في حاجة إليها لمقارعة شبهات الأعداء والإعداد لهدم ما تبقى من كياناتهم وهالاتهم المنتفشة.
وكأني بلسان حال هؤلاء المتفرجين يقول: " قلوبنا من الآن معكم، أما ألْسِنَتُنَا فَتنتظر ما ستسفر عنها المعارك لتقول كلمتها، وأما جوارحنا فهي مكبلة فاعذرونا"، وهذا هو حال غالبية المسلمين اليوم تجاه الأحداث.
صمت وترقب، لامبالاة وجمود، حسرة وأسى، ولا شيء يُتَرجَمُ فعلاً على أرض الواقع، بل إن الكثير من هؤلاء قد فقَدَ حتى ذلك التفاعل السلبي، ولم يعد يملك الوقت للتفرج أو الترقب، فتراه لاهياً يحرق ساعاته في اللهو واللعب أو في الركض وراء لقمة العيش الملوثة بالذل والصغار في ظل أنظمة الكفر والردة.
إن تأثير الغزوات المباركة على نفوس هؤلاء كبير، لكنهم وضعوا رؤوسهم في رمال اللامبالاة، يحاولون إشغال أنفسهم في متطلبات الحياة اليومية للابتعاد عن متطلبات النصرة والتأييد للمجاهدين الأخيار.
إن الموقف الواجب اتخاذه تجاه هؤلاء هو المحافظة على بصيص الأمل لضمهم إلى صفوف الأنصار، والحفاظ على رابط العلاقة الطيبة بيننا وبينهم بالتعامل الحسن والكلمة الطيبة والعمل الدؤوب والتضحية المستمرة أمام أعينهم لعلَّ هذا سيؤدي في آخر المطاف إلى كسب قلوبهم واستمالتها إلى صف الحق من أجل البذل والعطاء، وهذا لعمري من أفضل الوسائل وأحكمها بدلاً من إعلان الحرب عليهم.
وبعد
فكانت هذه أهم الطوائف الموجودة داخل ساحة الصراع أو حولها، منها من يشارك مباشرة في هذه الحرب الصليبية، ومنها من يساهم بطريقة غير مباشرة، ومنها من يقف موقف الحياد يتفرج على المعركة وينتظر نتائجها، والقاسم المشترك بين هذه الطوائف هو تأثرها المتفاوت بهذه الغزوات المباركة، حيث تغيرت أوضاعها ووسائل عملها بل طالت حتى طرق تفكيرها ومناهجها، فكانت هذه الغزوات بمثابة زلزال عنيف أحدث تغييرات جذرية في النفوس والأفكار ومناهج العمل على حد سواء، وإذا صحَّ لنا أن نطلق عليها اسما فإن هذه الحرب الجديدة - مع انطلاقتها الموفقة في نيويورك وواشنطن وما تلاها من غزوات ناجحة سواء في عقر دار العدو أو في بلداننا الإسلامية تحت أنظمة الردة والنفاق- تستحق أن توصف بالحرب العالمية الثالثة، نظراً للتغييرات الكبيرة والتشققات العظيمة التي أحدثتها في جميع بنيات العدو ولا تزال مرشحة للارتفاع.
فالذي ينبغي أن نخلص إليه في نهاية هذه المقالة هو أن هذه الغزوات قد أيقظت الأمة وبصَّرتها بالمخاطر والمكائد التي كانت تحاك من أجل تركيعها واستغلالها وإفسادها وهي لا تعلم، كما أن تنظيم "قاعدة الجهاد" بقيادة الشيخ المبارك أسامة بن لادن وحركة طالبان بقيادة أمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد، والمجاهدين في دولة العراق الإسلامية تحت إمرة الشيخ أبو عمر البغدادي ، قد أحيوا فريضة الجهاد وأعادوا فقه الجهاد إلى ساحة التطبيق، كما واستطاعوا أن يجمعوا شتات المجاهدين في تنظيمات محكمة ووفق تخطيط موفق ودقيق، يراعي مصالح الإسلام أولاً ويضحي في سبيل ذلك بالملك والجاه والسلطان.
وعاد المسلمون - بفضل هذه الغزوات المباركة - إلى فهم نصوص الكتاب والسنة وكأنها تتنزل عليهم من جديد، كما وعادت الكثير من المفاهيم الشرعية المغيبة إلى واقع الناس لتحل محل المصطلحات الجاهلية والدخيلة على الأمة، وبدأ المسلمون يسترجعون شيئاً من عزتهم - وإن كانت مصاحبة لبعض الأذى والبطش من قبل الكفار والمرتدين - وأصبحوا مرهوبي الجانب، يحسب لهم العدو ألف حساب.
لقد تحقق قسط كبير من وعد الله تعالى بالنصر والتمكين لعباده، ولم يبق سوى القليل، ولكنه يتطلب منا - معشر المؤمنين ، مجاهدين وأنصار، - أن نواصل تشبثنا بديننا وقيمنا، ونواصل طاعتنا وانقيادنا لقياداتنا الرشيدة، ونواصل صبرنا وثباتنا على طريق الجهاد والاستشهاد، فإنه طريق النجاة والسؤدد لنا، والاندحار والهزيمة لأعدائنا.
وإن غداً لناظره قريب، {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً}
الحمد لله رب العالمين القائل {وَلا تَحْسِبَنَّ الَّذيِنَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُون}، وأشهد أن لا إله إلا الله الفرد الصمد، الجبار المتكبر، الفعال لما يريد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشرقها ومغربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها" [مسلم]، والقائل: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين، بعز عزيز أو ذل ذليل، عزاً يعز به الله الاسلام وذلاً يذل به الكفار" [رواه أحمد والطبراني]، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
بعد كل غزوة أو ضربة من ضربات المجاهدين، تخرج علينا جموع من المثبطين والمنافقين يشككون في شرعية هذه الأعمال الجهادية ومدى نفعها لمسيرة الإسلام والمسلمين، بل ويعتبرون أن هذه الأعمال مجرد فوضى وفتنة تزيد من آلام المسلمين وتخلفهم ، وتزيد الكفار والمرتدين تمكيناً وشرعية على رؤوس المسلمين. أود في هذا المقال أن أقف على تأثيرات هذه الضربات المباركة على نفوس الناس بعامة وعلى نفوس المسلمين بخاصة ، لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.
قبل الحديث على هذه التأثيرات، يجدر بنا أن نعدد الطوائف التي تأثرت وتتأثر- سلباً أو إيجاباً أو عدماً - بهذه الغزوات، وأود أن أشير إلى أن هذه النقطة تشكل صلب هذا الموضوع، كونها تمثل المادة الأساسية لهذا الصراع الدائر بين الحق والباطل، وبإمكانها - حسب موقفها وموضعها في ساحة الصراع - أن ترجح كفة هذا الطرف أو ذاك {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِين}[الأنفال]، فلا يمكننا أن ننكر الدور الكبير وربما الحاسم للعنصر البشري في كل معركة، وهذا ما سنحاول بيانه في السطور القادمة بحول الله، كوننا نريد أن نركز على الجانب التربوي لغزوات القاعدة،وهو ما سيتيح الفرصة للكثير من الناس لمراجعة موقفهم أوالتمسك به تجاه مستقبل هذه الحرب الصليبية الجديدة على أمة الإسلام بعامة وعلى مجاهديها بخاصة.
يمكننا تصنيف هذه الجماعات حسب أهميتها وارتباطها بالصراع القائم كالتالي:
جماعات الأنصار
منهم من يقف إلى جانب المجاهدين في خنادق الصراع، بالنفس والمال وبكل ما يملك، فارتبط مصيرياً بالمجاهدين والجهاد، ولم يعد لديه ما يخسره أو يخاف على ذهابه من المتاع أو المناصب الدنيوية، فهو جزء لا يتجزأ من التجمع الجهادي، يأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه، يدور مع مصلحة الجهاد حيث دارت. يتمثل اليوم في الآلاف من الشباب الذين هاجروا إلى أرض الجهاد والتحقوا بصفوف المجاهدين هناك،فمنهم من يخوض المعارك مباشرة ومنهم من لا يزال في مرحلة الإعداد، ومنهم من تفرق في الأمصار في انتظار أداء دوره في هذه الحرب، في الوقت والمكان المناسبين، إنه في رباط مستمر، أينما وضع جهده فثم أجر الله إن شاء الله تعالى.
هذه الطائفة تتسم بصفات عالية من الانضباط والتنظيم، وتعتبر اليد الطولى للتجمع الجهادي، فالعدو يسميها "خلايا نائمة" بينما الحقيقة أنها خلايا يقظة وحذرة، ولهذا لم يستطع العدوكشفها ولن يستطيع بإذن الله، حتى تقوم بمهامها على أحسن ما يرام في حفظ الله ورعايته.
هناك نوع آخر من الأنصار، لم يلتحقوا بعد بساحات القتال، سواء من أجل ممارسة عبادة جهاد الطلب على أراضي العدو أو ممارسة عبادة جهاد الدفع والقيام بواجب النصرة عل أراضي المسلمين المحتلة من قبل الكفار الأصليين كأفغانستان والبلقان والقوقاز وغيرها من البلدان، وذلك نظراً للقيود التي تمنعهم وللحدود التي تحول بينهم وبين تحقيق هذه المهام، هؤلاء يتواجدون في كل مكان وبالأخص في البلاد الاسلامية تحت حكم أنظمة الردة، وهم في أشد الشوق إلى ممارسة عبادة الجهاد، ولكن ينقصهم الإعداد الجيد والمطلوب، وفي انتظار تحصيل هذا، نجدهم يقومون بأعمال كثيرة تصب في نصرة المجاهدين، سواء في ميادين الدعوة أو الإعلام أو الميدان الاقتصادي والأمني ويسعون في الوقت ذاته إلى الإعداد لجهاد الدفع داخل بلدانهم المحتلة من قبل المرتدين، وقد فهموا جيداً أن لا فرق بين الكفار الأصليين وبين الحكام المرتدين على مستوى ضرورة جهادهم، فهم وجهان لعملة واحدة، بل إنهم فقهوا أن قتال المرتد الأقرب أولى من قتال الكافر الأبعد.
فغزوات قاعدة الجهاد قد علمتهم أن يكونوا في الصف الثاني وفي أهبة دائمة لمواجهة الحرب الصليبية، وغرست فيهم الإحساس بالعلو والقوة مع الحذر والحيطة، وذلك حينما رأوا انبطاح الأعداء وتوليهم وعجزهم المخزي في تتبع المجاهدين أو إيقاف تحركاتهم، فقد دفعهم هذا إلى المزيد من العمل والتوكل على الله لمواصلة الطريق من أجل النكاية في العدو. ولسان حالهم يقول {وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً}[الأحزاب 22].
إنهم جنود أخفياء لهم قدرة كبيرة على تغيير مجريات الأحداث، وصبر كبير وطويل على الرباط في مواقعهم انتظاراً للأوامر وتحيناً للفرص قبل تنفيذ المهام الموكلة لهم، يكتفون بأزهد الزاد وأقل العتاد، إنهم جنود من نوع جديد لم يعهده العدو من قبل ولا يستطيع كشفه، فضلاً عن القضاء عليه، وإذا ما سقطوا في أيدي الأعداء فلا يستطيع أن يُخرج من صدورهم سوى السراب، ويجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم.
هذه النماذج تذكرنا بأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العقبة ويوم بدر ويوم بيعة الرضوان ويوم غزوة الأحزاب وغيرها من المواقع الخالدة، بيعة على الموت وغاية البذل والعطاء والفداء،وبهذه النماذج يمكننا تحقيق النصر ودحر الأعداء ولا معنى لجهاد بدون أنصار،الظاهرون منهم والأخفياء.
طائفة النفاق والخذلان
لا تخلو ساحة الصراع منها عبر التاريخ كله، وقد كانت السند الرئيس لفسطاط الباطل، حتى مع وجود الأنبياء والمرسلين، فتواجدهم يكاد أن يكون جزءاً لايتجزأ من بنية هذا الصراع وهيكله، وطرفاً أساسياً يعتمد عليه الباطل، وبدونه لا يمكن أن يثبت كثيراً في وجه الحق. لذا وجب على أصحاب الحق أن لا يغفلوا عن هذا الصنف و يتحركوا في ساحات المعارك وقد أخذوهم بعين الاعتبار، وعليهم أن يوجدوا ويجددوا الأسلحة المناسبة للتعامل معهم وكبح جماحهم.
هي التي تشتهر بالقيل والقال وطلب المعركة والنزال في أيام الرخاء {قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِيسَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمُُ بِالظَّالِمِيْن}[البقرة]، ويا ليتهم وقفوا عند حد التقاعس والفرار من القتال، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، وهو أنهم راحوا يسلقون المجاهدين بألسنة حداد، ويتهمونهم بصفات صنعها لهم الأعداء لتشويههم وإبعاد الناس عنهم، ولكي يحافظوا هم على مواقعهم ومناصبهم في ساحات القيل والقال البعيدة عن التطبيق والأفعال.
قبل غزوات القاعدة المباركة، كانت لدى هؤلاء المنافقين والمتخاذلين بعض أوراق التوت التي تستر عوراتهم وحقيقة خبثهم، حيث كانوا يملئون الدنيا بخطبهم الرنانة وبفتاواهم العجيبة، وكان الناس يقصدونهم للتوجيه وإيجاد الحلول لمشاكلهم - وهي في الغالب مشاكل تتعلق بالحفاظ على الدنيا ومتاعها -، ولكن بعد الغزوة سقطت كل هذه الأوراق، وظهرت عورات هؤلاء الأدعياء وانكمشوا ثم أزبدوا وحملوا سلاح الفتوى والبيان للتنديد بالعمليات الجهادية المباركة، واعتبارها أعمالاً وحشية لا تمتُّ إلى الاسلام بصلة ولا يمكن أن يكون أصحابها سوى وحوشاً لا تعرف الرحمة، فقدموا أصدق التعازي للأعداء، ومنهم من كاد يحسب قتلاهم شهداء من فرط تأثره بما حدث ورحمته على هؤلاء "الأبرياء".
إنهم يندفعون بدافع الحسد والبغضاء للدعاة المخلصين والمجاهدين الأخيار، لأن هذا الجهاد يفضحهم ويبين حقيقتهم للناس، على أنهم مجرد جبناء مستسلمون لضغوط الواقع، يرضون بالفتات ويعملون في الإطار الضيق من الحرية الذي تعطيهم إياه هذه الأنظمة المرتدة، دين مجزأ ومشوه، يوافق أهواء وسياسات الحكام ولا يوقظ همم المسلمين ويوجهها نحو أوجب الواجبات المنوطة بأعناقهم، من دعوة وحسبة وجهاد.
لم تكتف هذه الطائفة بالتقاعس عن الجهاد وخذلان المجاهدين، بل راحت تثبِّط الناس عن ذلك وتنشر الأباطيل والإشاعات المغرضة لصد الناس عن طريق الجهاد أو نصرة المجاهدين ،(6) (http://www.geocities.com/aloswa/adab/wakafat11sep.html#6)ومن هنا يكمن خطرهم ويتعين على جماعات الحق أن تتنبه لدورهم الخبيث والمخزي وتسعى إلى التعامل معهم بكل حزم وشدة، لأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولن يكون من الحكمة ترك الفرصة لهؤلاء الخبثاء أن يلعبوا هذا الدور الخطير في مأمن وفي منأى من رد الفعل الصارم الذي يُقزِّمهم ويفضحهم أمام الملأ، ويقلب سحرهم عليهم.
طائفة الوسط: السمَّاعون لهم
هم الذين يمسكون العصا من الوسط، أو يقفون موقفاً وسطاً بين طائفة الحق وأنصارهم وبين طائفة النفاق والخذلان، وهم الذين يحتاجون دوماً وفي كل لحظة إلى من يذكِّرهم بواجباتهم تجاه دينهم، وبمجرد أن تغفل عنهم لفترة ولو قصيرة فإنك ستجدهم قد غيروا مسارهم وتخلَّوا عن الصف والتحقوا بالمُخذِلين {وفيكم سَمَّاعُونَ لَهُمْ}[التوبة]، وتجدهم يرددون شبهات هؤلاء بغير فهم ولا وعي، بعيداً عن سنن الله في الدعوات والصراعات مع الباطل.
لسان حالهم يقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام {قالوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}[الأعراف]، إنه موقف متشابه ومتكرر وكأن هذا النوع من النفوس قد شربت من نفس النبع وجبلت على التذمر والشكوى وعدم التحمل فيسبيل الله، تود لو أن الله تعالى يمنحها الجنة في الدنيا وفي الآخرة دون أن تقدّم أدنى ثمن في سبيلها.
قبل الغزوات المباركة كان هؤلاء القوم يلقون بعض الأذى من طرف الطغاة من المرتدين والكفار الأصليين، سواء داخل بلداننا المحتلة أو داخل بلدان الكفر الأصلية، ويتمثل هذا الأذى في المضايقات المتكررة والمتواصلة على بعض الأنشطة والأعمال التي يريدون أن يتميزوا بها على الأعداء خاصة على مستوى الهدي الظاهر،وبعد الغزوات تضاعف هذا الأذى وتنوعت هذه المضايقات حتى طالت هذه الفئات في بعض مصالحهم الدنيوية، وعندئذ ثار غضبهم وألقوا اللوم على المجاهدين الأبرار واعتبروهم السبب المباشر والوحيد فيما يلاقونه.
لقد أوذينا من قبل الغزوات وها نحن نلقى أذى أكبر ومضايقات أوسع بعد الغزوات، ها نحن نخسر مواقع كثيرة ومكاسب عديدة وتُسد في وجوهنا أبواب للخير متعددة، فلا بارك الله في هذه الغزوة ومن كان وراءها.
وهكذا تظل هذه الفئات تردد هذه اللعنات ما دامت الابتلاءات والمحن تنزل عليها، وهي مرشحة للمزيد والتصعيد والاستمرارية ما دامت الحرب دائرة بين معسكر المجاهدين وبين أعدائهم من حلف الصليبيين واليهود والمرتدين.
ستظل هذه الفئة مستاءة من الوضع القائم، حتى تغير ما بداخلها، وتقرر الانتقال إلى مستوى أعلى من الالتزام وتَحَمُّلِ المسؤوليات، وستظل ظاهرة الوسطية أو "السمَّاعون لهم" موجودة في الساحة ولا يمكننا القضاء عليها بصورة نهائية، ولكنه باستطاعتنا تحويل أسماعهم إلى خطابات وبيانات الحق ليتحولوا إلى "سمَّاعون لنا" ريثما يلتحقوا بالصف المجاهد ولو في موقع النصرة والتأييد بدلاً من هذا الموقف المعادي والمثبط.
ولاشك أن المجاهدين- سواء في تنظيم قاعدة الجهاد أو من يناصرهم- قد أصبح لخطاباتهم دويُُّ وتأثير حسن لدى الكثيرين، وأصبح باستطاعتهم أن يؤثروا إيجاباً ويصنعوا لأنفسهم مكانة مرموقة ومحترمة حتى بشهادة الأعداء أنفسهم، وخير دليل على صدق هذا الكلام هو الخوف الكبير الذي أحدثته خطابات وبيانات المجاهدين في أوساط العدو ومسارعة هذا الأخير إلى إغلاق كل المنابر الإعلامية للمجاهدين ومناصريهم لمنع هذا التأثير الخطير على نفوس الناس،وتحولت أسماع هذه الطائفة/ الوسط - شيئاً فشيئاً - إلى خطاب المجاهدين بعد أن ظلت حبيسة الخطاب الطاغوتي ردحاً من الزمن.
طائفة المتفرجين
يشكلون نسبة لا بأس بها في الساحة، لا ينتمون للطوائف سالفة الذكر، أهم سماتهم أن لديهم القابلية للانتماء لطائفة الحق أكثر من غيرها،ويفضلون - خلال فترة الحرب - أن يبقوا بعيدين عن الخنادق ينتظرون النتائج، وربما يصفقون ويفرحون لانتصارات المجاهدين، لكنهم لا يشاركون أبداً باليد أو اللسان، إماخوفاً من الأعداء أو لعدم قناعتهم الكاملة بخط المواجهة، يكتفون بالتفرج، لا يخذلون الباطل ولا ينصرون الحق، ينطبق عليهم قول ربنا عز وجل {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَء}[النساء].
فما دامت حرارة المعارك لاتمسهم فإنهم يقفون هذا الموقف المحايد، والذي يعتبر إيجابياً نوعاً ما بالنسبة للمجاهدين ، وهو خير من أن يكونوا مع جبهة الباطل يكثِّرون سوادها وينصرونها،فيسقطون في دائرة: "السَّمَّاعُونَ لَهُمْ".
إن موقع هؤلاء وموقفهم من الصراع مرتبط بموقف الأعداء منهم، بمعنى أنه غير ثابت، فكلما زاد ضغط العدو عليهم كلما زاد اقترابهم منهم وأدى بهم هذا إلى الدخول في معسكر هذا الأخير وأصبحوا طرفاً غير مباشر في الصراع الدائر.
وفي الجهة المقابلة،كلما حقق المجاهدون انتصاراً أو تقدماً واقتربوا من النصر النهائي،كلما رأينا هؤلاء يلتفون حولهم ويعبِّرون عن فرحهم والكثير منهم ينضم إلى الصف الإسلامي ويوسع دائرة الإسلام، كما يشير إلى ذلك قوله تبارك وتعالى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}[النصر].
والناظر إلى الصراع القائم اليوم بين أهل الحق والإيمان بقيادة تنظيم "قاعدة الجهاد" وحركة "طالبان" وبين أهل الباطل والكفر بقيادة أمريكا، يجد نماذج كثيرة من هذه الطائفة تتمثل في أفراد وجماعات محسوبة على الإسلام ويدّعي الكثير منهم أنه من أقطاب العمل الإسلامي، نراهمفي قاعة الانتظار يتفرجون على المعركة ولا يقومون بأي شيء في سبيل نصرة الحق، رغم وضوح طبيعة المعركة وتميز الصفوف، وتراهم أحياناً يقومون بدور التثبيط وتشويه سمعة المجاهدين، بحجة أن الوقت غير مناسب للدخول في معارك مع العدو، أو أن هذا من شأنه أن يعرقل مسيرة الدعوة ويشوهها في عيون غير المسلمين. ويا ليتهم وقفوا موقف الحياد واكتفوا بالتفرج لكان خيراً لهم، ولكفوا المجاهدين عناء الرد عليهم وكشف شبهاتهم وفتح معارك هامشية ستُهدر فيها الكثير من الجهود نحن في حاجة إليها لمقارعة شبهات الأعداء والإعداد لهدم ما تبقى من كياناتهم وهالاتهم المنتفشة.
وكأني بلسان حال هؤلاء المتفرجين يقول: " قلوبنا من الآن معكم، أما ألْسِنَتُنَا فَتنتظر ما ستسفر عنها المعارك لتقول كلمتها، وأما جوارحنا فهي مكبلة فاعذرونا"، وهذا هو حال غالبية المسلمين اليوم تجاه الأحداث.
صمت وترقب، لامبالاة وجمود، حسرة وأسى، ولا شيء يُتَرجَمُ فعلاً على أرض الواقع، بل إن الكثير من هؤلاء قد فقَدَ حتى ذلك التفاعل السلبي، ولم يعد يملك الوقت للتفرج أو الترقب، فتراه لاهياً يحرق ساعاته في اللهو واللعب أو في الركض وراء لقمة العيش الملوثة بالذل والصغار في ظل أنظمة الكفر والردة.
إن تأثير الغزوات المباركة على نفوس هؤلاء كبير، لكنهم وضعوا رؤوسهم في رمال اللامبالاة، يحاولون إشغال أنفسهم في متطلبات الحياة اليومية للابتعاد عن متطلبات النصرة والتأييد للمجاهدين الأخيار.
إن الموقف الواجب اتخاذه تجاه هؤلاء هو المحافظة على بصيص الأمل لضمهم إلى صفوف الأنصار، والحفاظ على رابط العلاقة الطيبة بيننا وبينهم بالتعامل الحسن والكلمة الطيبة والعمل الدؤوب والتضحية المستمرة أمام أعينهم لعلَّ هذا سيؤدي في آخر المطاف إلى كسب قلوبهم واستمالتها إلى صف الحق من أجل البذل والعطاء، وهذا لعمري من أفضل الوسائل وأحكمها بدلاً من إعلان الحرب عليهم.
وبعد
فكانت هذه أهم الطوائف الموجودة داخل ساحة الصراع أو حولها، منها من يشارك مباشرة في هذه الحرب الصليبية، ومنها من يساهم بطريقة غير مباشرة، ومنها من يقف موقف الحياد يتفرج على المعركة وينتظر نتائجها، والقاسم المشترك بين هذه الطوائف هو تأثرها المتفاوت بهذه الغزوات المباركة، حيث تغيرت أوضاعها ووسائل عملها بل طالت حتى طرق تفكيرها ومناهجها، فكانت هذه الغزوات بمثابة زلزال عنيف أحدث تغييرات جذرية في النفوس والأفكار ومناهج العمل على حد سواء، وإذا صحَّ لنا أن نطلق عليها اسما فإن هذه الحرب الجديدة - مع انطلاقتها الموفقة في نيويورك وواشنطن وما تلاها من غزوات ناجحة سواء في عقر دار العدو أو في بلداننا الإسلامية تحت أنظمة الردة والنفاق- تستحق أن توصف بالحرب العالمية الثالثة، نظراً للتغييرات الكبيرة والتشققات العظيمة التي أحدثتها في جميع بنيات العدو ولا تزال مرشحة للارتفاع.
فالذي ينبغي أن نخلص إليه في نهاية هذه المقالة هو أن هذه الغزوات قد أيقظت الأمة وبصَّرتها بالمخاطر والمكائد التي كانت تحاك من أجل تركيعها واستغلالها وإفسادها وهي لا تعلم، كما أن تنظيم "قاعدة الجهاد" بقيادة الشيخ المبارك أسامة بن لادن وحركة طالبان بقيادة أمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد، والمجاهدين في دولة العراق الإسلامية تحت إمرة الشيخ أبو عمر البغدادي ، قد أحيوا فريضة الجهاد وأعادوا فقه الجهاد إلى ساحة التطبيق، كما واستطاعوا أن يجمعوا شتات المجاهدين في تنظيمات محكمة ووفق تخطيط موفق ودقيق، يراعي مصالح الإسلام أولاً ويضحي في سبيل ذلك بالملك والجاه والسلطان.
وعاد المسلمون - بفضل هذه الغزوات المباركة - إلى فهم نصوص الكتاب والسنة وكأنها تتنزل عليهم من جديد، كما وعادت الكثير من المفاهيم الشرعية المغيبة إلى واقع الناس لتحل محل المصطلحات الجاهلية والدخيلة على الأمة، وبدأ المسلمون يسترجعون شيئاً من عزتهم - وإن كانت مصاحبة لبعض الأذى والبطش من قبل الكفار والمرتدين - وأصبحوا مرهوبي الجانب، يحسب لهم العدو ألف حساب.
لقد تحقق قسط كبير من وعد الله تعالى بالنصر والتمكين لعباده، ولم يبق سوى القليل، ولكنه يتطلب منا - معشر المؤمنين ، مجاهدين وأنصار، - أن نواصل تشبثنا بديننا وقيمنا، ونواصل طاعتنا وانقيادنا لقياداتنا الرشيدة، ونواصل صبرنا وثباتنا على طريق الجهاد والاستشهاد، فإنه طريق النجاة والسؤدد لنا، والاندحار والهزيمة لأعدائنا.
وإن غداً لناظره قريب، {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً}