أنس المحبة
10 May 2009, 03:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
المعنى اللطيف للحب الشريف
الحب معنىً شريف ومقصود عفيف، لا تدركه الحواس الظاهرة، بل موطنه الأعماق الغائرة. به أتمّت الخلائق نقصها، واشتاقت بنسبته لخلاصها. هو السعادة الأبدية، والفرحة السرمدية، من لبسه أمِن الحرَّ والقرَّ، وهان عليه امتثال النهي والأمر، إذ المحب لمن يحب مطيع.. هو الطريق اليسيرة، لبلوغ الغايات الكبيرة...
عن أنس بن مالك رضي الله عنه "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ قال: ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، لكني أحب الله ورسوله، قال: أنت مع من أحببت. قال أنس: فما فرِحنا بشيء فرَحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم.. فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل أعمالهم" [ رواه مسلم].
فما أسرع اللحاق بالأكابر، والسير في ركابهم، بشرط محبتهم بصدق، والوفاء لهم ونصرتهم، لأن المرء مع من أحب، كما صرح بذلك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
كذلك كان دأب الصحابة الأطهار والآل الأبرار والتابعين الأخيار، عرفوا سر الحب الجميل، فطلبوا مورده السلسبيل، لعلهم يظفروا ولو بالقليل... فمن اتخذ الحب زادا، سهل عليه المسير، وتكفل محبوبه بتذليل العسير، ورفعه من مهانة الحقير إلى مهابة الأمير.
وكان فؤادي خاليا قبل حبكم *** وكان بذكر الخلق يلهو ويمـرح
فلما دعا قلـبي هواك أجابـه *** فلست أراه عن فنــاءك يبرح
فالحب زهرة غرسها المولى عز وجل في قلب كل فرد، وعلى هذا الأخير أن يعتني بها ويتعهدها ويحفظها من الذبول، وكل فرد مسئول عن هذه الأمانة التي حبانا الله بها. أما ما نراه في مجتمعنا من اختلاف في تَمَثّل معنى الحب، فذلك راجع إلى الكيفية التي يتعهد كل واحد منا زهرة حبه، وإلى مدى التزامه بلوازم الحب..
فمن سقى هذه الزهرة بماء مدنس بالشهوات البهيمية، فقد انصرف إلى حب الأبدان والمتعة الفارغة التي تودي بصاحبها إلى المهالك، وقد نصحنا الباري جل في علاه منذ الأزل فقال: " ولا تقربوا الزنا". فهؤلاء الصنف ممن زاغوا وظلموا الحب، وارتكبوا تحت ستار الغرام أقبح الفواحش وأرذل الجرائم، وفضلوا لذة دقيقة مقابل الخسران المبين.
وأما من سقى تلك الزهرة المسكينة بحب الصور الجميلة وعشق الحسناوات، وأفنى عمره في ندب الربوع الدارسة، أمثال قيس وجميل، فهؤلاء غلب عليهم الوهم، رغم صدق حبهم، وطلبوا السعادة من غير مكانها، فأتلفوا أنفسهم، حتى صار الحال بواحد منهم أن قال:
أراني إذا صليت يممت نحوها ** أمامي وإن كان المصلى ورائيا
أصلي فما أدري إذا ما ذكرتها ** أاثنتين صليت الضحى أم ثمانيا
أما مراد المؤمنين المحبين، وبيت القصيد، هم الصنف الذين سقوا زهرتهم بماء "يحبهم ويحبونه"، و وقلبوا أرض قلوبهم بمحراث الخشية والشوق، ووحدوا هدفهم، واستجمعوا هممهم لبلوغ مقام الحبيب الغالي، فاستوى عندهم الذل والعز في طلب مبتغاهم، وارتفعوا عن اللذات السفلية، وأملوا في إدراك اللذات العلوية.. حتى وافقت صفاتهم صفات الصديقين، ونالوا درجة "أنت مع من أحببت". فهؤلاء الذين عرفوا الحب حق المعرفة، وشربوا من ماءه العذب، ووطئت أقدام قلوبهم الجنة وهم لا يزالون في الدنيا، بل وأكلوا وشربوا منها أيضا.. والقائل منهم يقول:
ونهلت من بحر الحنان بحبكم *** ولم ألق إلا منة ودلالا
وقال آخر:
أنت الحبيب وأنت الحب يا أملي *** من لي سواك ومن أرجوه يا ذخري
لهم الحق.. فقد حددوا أدق الأهداف: حب الله ورسوله. وامتطوا أسرع مركوب: الحب بالإتباع. وصحبوا خير رفيق: المؤمن الصالح المرشد المعين. وحملوا زادا لا ينفذ: صالح الأعمال. وتجنبوا الحفر: حفر الشيطان والهوى.. حتى وصلوا إلى برّ الأمان.
روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَتَدْرُونَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ قَائِلٌ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَقَالَ قَائِلٌ الْجِهَادُ قَالَ إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ".
فهنيئا لهم، "أولئك حزب الله"، ويا فرحتهم، "ألا إن حزب الله هم المفلحون". جعلنا الله من المحبين المحبوبين، الذين طلبوا معالي الأمور، وتركوا الغفلة والفتور، ولزموا الاستقامة والحضور، وانتظروا النصر والظهور، ظهور الحب الشريف المبرور.. إنه رءوف شكور.
أنت الهناء لقلبي حين أذكــره ** أنت الضياء لعيني حين ألقاه
أنت الأمان لنفسي من قلاقـــلها ** وأنت لروح أنسي لست أنساه
وأنت يا سيد البشرى بأكمـلهــا ** وأنت فرحة قلبي حين تغشاه
وأنت نور لمن قـد طال لـيلهـم ** وأنت هدي لمن ضلوا و من تاهوا
وأنت عين جمال الكون إن نظرت ** عـين جمالا رأتك العين معناه
والصلاة والسلام على قدوة المحبين ومحبوب الخلائق أجمعين.
كتبه الفقير إلى عطف مولاه أبو العرفان أنس
المعنى اللطيف للحب الشريف
الحب معنىً شريف ومقصود عفيف، لا تدركه الحواس الظاهرة، بل موطنه الأعماق الغائرة. به أتمّت الخلائق نقصها، واشتاقت بنسبته لخلاصها. هو السعادة الأبدية، والفرحة السرمدية، من لبسه أمِن الحرَّ والقرَّ، وهان عليه امتثال النهي والأمر، إذ المحب لمن يحب مطيع.. هو الطريق اليسيرة، لبلوغ الغايات الكبيرة...
عن أنس بن مالك رضي الله عنه "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ قال: ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، لكني أحب الله ورسوله، قال: أنت مع من أحببت. قال أنس: فما فرِحنا بشيء فرَحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم.. فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل أعمالهم" [ رواه مسلم].
فما أسرع اللحاق بالأكابر، والسير في ركابهم، بشرط محبتهم بصدق، والوفاء لهم ونصرتهم، لأن المرء مع من أحب، كما صرح بذلك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
كذلك كان دأب الصحابة الأطهار والآل الأبرار والتابعين الأخيار، عرفوا سر الحب الجميل، فطلبوا مورده السلسبيل، لعلهم يظفروا ولو بالقليل... فمن اتخذ الحب زادا، سهل عليه المسير، وتكفل محبوبه بتذليل العسير، ورفعه من مهانة الحقير إلى مهابة الأمير.
وكان فؤادي خاليا قبل حبكم *** وكان بذكر الخلق يلهو ويمـرح
فلما دعا قلـبي هواك أجابـه *** فلست أراه عن فنــاءك يبرح
فالحب زهرة غرسها المولى عز وجل في قلب كل فرد، وعلى هذا الأخير أن يعتني بها ويتعهدها ويحفظها من الذبول، وكل فرد مسئول عن هذه الأمانة التي حبانا الله بها. أما ما نراه في مجتمعنا من اختلاف في تَمَثّل معنى الحب، فذلك راجع إلى الكيفية التي يتعهد كل واحد منا زهرة حبه، وإلى مدى التزامه بلوازم الحب..
فمن سقى هذه الزهرة بماء مدنس بالشهوات البهيمية، فقد انصرف إلى حب الأبدان والمتعة الفارغة التي تودي بصاحبها إلى المهالك، وقد نصحنا الباري جل في علاه منذ الأزل فقال: " ولا تقربوا الزنا". فهؤلاء الصنف ممن زاغوا وظلموا الحب، وارتكبوا تحت ستار الغرام أقبح الفواحش وأرذل الجرائم، وفضلوا لذة دقيقة مقابل الخسران المبين.
وأما من سقى تلك الزهرة المسكينة بحب الصور الجميلة وعشق الحسناوات، وأفنى عمره في ندب الربوع الدارسة، أمثال قيس وجميل، فهؤلاء غلب عليهم الوهم، رغم صدق حبهم، وطلبوا السعادة من غير مكانها، فأتلفوا أنفسهم، حتى صار الحال بواحد منهم أن قال:
أراني إذا صليت يممت نحوها ** أمامي وإن كان المصلى ورائيا
أصلي فما أدري إذا ما ذكرتها ** أاثنتين صليت الضحى أم ثمانيا
أما مراد المؤمنين المحبين، وبيت القصيد، هم الصنف الذين سقوا زهرتهم بماء "يحبهم ويحبونه"، و وقلبوا أرض قلوبهم بمحراث الخشية والشوق، ووحدوا هدفهم، واستجمعوا هممهم لبلوغ مقام الحبيب الغالي، فاستوى عندهم الذل والعز في طلب مبتغاهم، وارتفعوا عن اللذات السفلية، وأملوا في إدراك اللذات العلوية.. حتى وافقت صفاتهم صفات الصديقين، ونالوا درجة "أنت مع من أحببت". فهؤلاء الذين عرفوا الحب حق المعرفة، وشربوا من ماءه العذب، ووطئت أقدام قلوبهم الجنة وهم لا يزالون في الدنيا، بل وأكلوا وشربوا منها أيضا.. والقائل منهم يقول:
ونهلت من بحر الحنان بحبكم *** ولم ألق إلا منة ودلالا
وقال آخر:
أنت الحبيب وأنت الحب يا أملي *** من لي سواك ومن أرجوه يا ذخري
لهم الحق.. فقد حددوا أدق الأهداف: حب الله ورسوله. وامتطوا أسرع مركوب: الحب بالإتباع. وصحبوا خير رفيق: المؤمن الصالح المرشد المعين. وحملوا زادا لا ينفذ: صالح الأعمال. وتجنبوا الحفر: حفر الشيطان والهوى.. حتى وصلوا إلى برّ الأمان.
روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَتَدْرُونَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ قَائِلٌ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَقَالَ قَائِلٌ الْجِهَادُ قَالَ إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ".
فهنيئا لهم، "أولئك حزب الله"، ويا فرحتهم، "ألا إن حزب الله هم المفلحون". جعلنا الله من المحبين المحبوبين، الذين طلبوا معالي الأمور، وتركوا الغفلة والفتور، ولزموا الاستقامة والحضور، وانتظروا النصر والظهور، ظهور الحب الشريف المبرور.. إنه رءوف شكور.
أنت الهناء لقلبي حين أذكــره ** أنت الضياء لعيني حين ألقاه
أنت الأمان لنفسي من قلاقـــلها ** وأنت لروح أنسي لست أنساه
وأنت يا سيد البشرى بأكمـلهــا ** وأنت فرحة قلبي حين تغشاه
وأنت نور لمن قـد طال لـيلهـم ** وأنت هدي لمن ضلوا و من تاهوا
وأنت عين جمال الكون إن نظرت ** عـين جمالا رأتك العين معناه
والصلاة والسلام على قدوة المحبين ومحبوب الخلائق أجمعين.
كتبه الفقير إلى عطف مولاه أبو العرفان أنس