مشاهدة النسخة كاملة : تفسير....
سيدرا
12 May 2009, 11:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوتي في الله بعد الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذه السورة هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب،وهي السبع المثاني والقرآن العظيم، وهي الشافية ،وهي الواجبة في الصلوات، لا صلاة إلا بها، وهي الكافية، تكفي من غيرها، ولا يكفي غيرها عنها، قال النبي صلى الله عليه وسلمفي الحديث الصحيح:{لم ينزل في التوراة ولا الإنجيل ولا الزبورولا القرآن مثلها،وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته.} وفضائلها كثيرة جدا.
وقد جاء مأثورا عن الحسن البصري، رواه ابن ماجه وغيره، أن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب، جمع علمها في الأربعة، وجمع علم الأربعة في القرآن، وجمع علم القرآن في المفصل، وجمع علم المفصل في أم القرآن، وجمع علم أم القرآن في هاتين الكلمتين الجامعتين { إياك نعبد وإياك نستعين} وإن علم الكتب المنزلة من السماء، اجتمع في هاتين الكلمتين الجامعتين .
ولهذاثبت في الحديث الصحيح حديث :{إن الله تعالى يقول : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين : نصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل . فإذا قال:{الحمد لله رب العالمين}قال الله : حمدني عبدي، وإذا قال : {الرحمن الرحيم }،قال الله أثنى علي عبدي، و إذا قال :{مالك يوم الدين } قال الله عز وجل : مجدني عبدي وفي رواية : فوض إلي عبدي، وإذا قال : { إياك نعبد وإياك نستعين } قال : فهذه الآية بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل فإذا قال : { اهدنا الصراط المستقيم }{ صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، قال : {فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل}".*
بســــمِ اللهِ الرحمنِ الرَّحيمِ
تَفْسِيرُ البَسْمَلَة: المعنى: أبدأ بتسمية الله وذكره قبل كل شيء، مستعيناً به جلَّ وعلا في جميع أموري، طالباً منه وحده العون، فإِنه الرب المعبود ذو الفضل والجود، واسع الرحمة كثير التفضل والإِحسان، الذي وسعت رحمته كل شيء، وعمَّ فضله جميع الأنام.
تـــنبيـــه:
{بسـمِ اللهِ الرحمنِ الرَّحيمِ} افتتح الله بهذه الآية سورة الفاتحة وكل سورة من سور القرآن - ما عدا سورة التوبة - ليرشد المسلمين إلى أن يبدءوا أعمالهم وأقوالهم باسم الله الرحمن الرحيم، التماساً لمعونته وتوفيقه، ومخالفةً للوثنيّين الذين يبدءون أعمالهم بأسماء آلهتهم أو طواغيتهم فيقولوا: باسم اللات، أو باسم العزى، أو باسم الشعب، أو باسم هُبَل.
قال الطبري: "إِن الله تعالى ذكره وتقدست أسماؤه، أدَّب نبيّه محمداً صلى الله عليه وسلم بتعليمه ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله، وجعل ذلك لجميع خلقه سنّةً يستنّون بها، وسبيلاً يتبعونه عليها فقول القائل: بسم الله الرحمن الرحيم إِذا افتتح تالياً سورة ينبئ عن أن مراده: أقرأ باسم الله، وكذلك سائر الأفعال
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2)الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(3)مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4)} (http://www.islampedia.com/MIE2/tafsir/..%5Caudio%5C1%5C1-2.asf)
علمنا الباري جلّ وعلا كيف ينبغي أن نحمده ونقدسه ونثني عليه بما هو أهله فقال {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي قولوا يا عبادي إِذا أردتم شكري وثنائي الحمد لله، اشكروني على إِحساني وجميلي إِليكم، فأنا الله ذو العظمة والمجد والسؤدد، المتفرد بالخلق والإِيجاد، رب الإِنس والجن والملائكة، ورب السماوات والأرضين، فالثناء والشكر لله رب العالمين دون ما يُعبد من دونه {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أي الذي وسعت رحمته كل شيء، وعمَّ فضله جميع الأنام، بما أنعم على عباده من الخَلْق والرَّزْق والهداية إِلى سعادة الدارين، فهو الرب الجليل عظيم الرحمة دائم الإِحسان {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أي هو سبحانه المالك للجزاء والحساب، المتصرف في يوم الدين تصرّف المالك في ملكه {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الإنفطار: 19].
طلب حقيقة العون والاستعانة والهداية من الله تعالى
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5)اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ(7)}. (http://www.islampedia.com/MIE2/audio/1/1-5.asf)
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي نخصُّك يا الله بالعبادة، ونخصك بطلب الإِعانة، فلا نعبد أحداً سواك، لك وحدك نذلُّ ونخضع ونستكين ونخشع، وإِيَّاك ربنا نستعين على طاعتك ومرضاتك، فإِنك المستحق لكل إِجلال وتعظيم، ولا يملك القدرة على عوننا أحدٌ سواك .
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أي دلنا وأرشدنا يا رب إِلى طريقك الحق ودينك المستقيم، وثبتنا على الإِسلام الذي بعثت به أنبياءك ورسلك، وأرسلت به خاتم المرسلين، واجعلنا ممن سلك طريق المقربين {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} أي طريق من تفضّلت عليهم بالجود والإِنعام، من النبييّن والصدّيقين والشهداء والصالحين، وَحَسُنَ أولئك رفيقاً {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} أي لا تجعلنا يا الله من زمرة أعدائك الحائدين عن الصراط المستقيم، السالكين غير المنهج القويم، من اليهود المغضوب عليهم أو النصارى الضالين، الذين ضلوا عن شريعتك القدسية، فاستحقوا الغضب واللعنة الأبدية، اللهم آمين.
خاتمــــــة :في بَيَان الأسرَار القُدْسِيّة في فاتِحَة الكِتاب العَزيز
لا شك أن من تدبَّر الفاتحة الكريمة رأى من غزارة المعاني وجمالها، وروعة التناسب وجلاله ما يأخذ بلبه، ويضيء جوانب قلبه، فهو يبتدئ ذاكراً تالياً متيمناً باسم الله، الموصوف بالرحمة التي تظهر آثارها رحمته متجددة في كل شيء، فإِذا استشعر هذا المعنى ووقر في نفسه انطلق لسانه بحمد هذا الإِله {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وذكّره الحمد بعظيم نعمه وكريم فضله، وجميل آلائه البادية في تربيته للعوالم جميعاً، فأجال بصيرته في هذا المحيط الذي لا ساحل له، ثمّ تذكر من جديد أن هذه النعم الجزيلة والتربية الجليلة، ليست عن رغبةٍ ولا رهبة، ولكنها عن تفضل ورحمة، فنطق لسانه مرة ثانية بـ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ومن كمال هذا الإِله العظيم أن يقرن الرحمن بـ "العدل" ويذكّر بالحساب بعد الفضل فهو مع رحمته السابغة المتجددة سيُدين عباده ويحاسب خلقه يوم الدين {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}.
فتربيته لخلقه قائمة على الترغيب بالرحمة، والترهيب بالعدالة والحساب {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وإِذا كان الأمر كذلك فقد أصبح العبد مكلفاً بتحري الخير،والبحث عن وسائل النجاة، وهو في هذا أشد ما يكون حاجة إِلى من يهديه سواء السبيل، ويرشده إِلى الصراط المستقيم، وليس أولى به في ذلك من خالقه ومولاه فليلجأ إِليه وليعتمد عليه وليخاطبه بقوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
وليسأله الهداية من فضله إِلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم بمعرفة الحق واتباعه، غير المغضوب عليهم بالسلب بعد العطاء، والنكوص بعد الاهتداء، وغير الضالين التائهين، الذين يضلون عن الحق أو يريدون الوصول إِليه فلا يوفقون للعثور عليه، آمين. ولا جرم أن "آمين" براعة مقطع في غاية الجمال والحسن، وأي شيء أولى بهذه البراعة من فاتحة الكتاب، والتوجه إِلى الله بالدعاء؟ فهل رأيت تناسقاً أدق، أو ارتباطاً أوثق، مما تراه بين معاني هذه الآية الكريمة؟
وتَذَكَّر وأنت تهيم في أودية هذا الجمال ما يرويه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الحديث القدسي : (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ..) الحديث وأدم هذا التدبير والإِنعام، واجتهد أن تقرأ في الصلاة وغيرها على مكث وتمهّل، وخشوع وتذلَل، وأن تقف على رؤوس الآيات، وتعطي التلاوة حقها من التجويد أو النغمات، من غير تكلف ولا تطريب، واشتغال بالألفاظ عن المعاني، فإِن ذلك يعين على الفهم، ويثير ما غاض من شآبيب الدمع، وما نفع القلب شيء أفضلُ من تلاوة في تدبرٍ وخشوعٍ".
اتمنى ان يكون هناك تعاون من الجميع لنبداء بتفسير كتاب الله ابتداء من سورة الناس الى سورة البقره باءذن الله طبعاً البدء بالفاتحه وما في شيء صعب بالتوكل على الله
بشرط مع ذكر المفسر
سورة الناس
http://quran.al-islam.com/GenGifImages/Normal/290X330-0/114/1/1.png
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)
هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل الربوبية والملك والإلهية فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة عبيد له فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات من شر الوسواس الخناس وهو الشيطان الموكل بالإنسان فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش ولا يألوه جهدا في الخيال .
والمعصوم من عصمه الله وقد ثبت في الصحيح أنه " ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه " قالوا وأنت يا رسول الله قال " نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير " .
وثبت في الصحيحين عن أنس في قصة زيارة صفية للنبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف وخروجه معها ليلا ليردها إلى منزلها فلقيه رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " على رسلكما إنها صفية بنت حيي " فقالا سبحان الله يا رسول الله فقال " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا - أو قال شرا . وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا محمد بن بحر حدثنا عدي بن أبي عمارة حدثنا زياد النميري عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس " غريب.
وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم حماره فقلت تعس الشيطان فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم وقال بقوتي صرعته وإذا قلت بسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب " تفرد به أحمد إسناده جيد قوي وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغلب وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب .
وقال الإمام أحمد حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا الضحاك بن عثمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أحدكم إن كان في المسجد جاء الشيطان فأبس به كما يأبس الرجل بدابته فإذا سكن له زنقه أو ألجمه" قال أبو هريرة وأنتم ترون ذلك أما المزنوق فتراه مائلا كذا لا يذكر الله وأما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله عز وجل تفرد به أحمد .
مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله " الوسواس الخناس " الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله خنس وكذا قال مجاهد وقتادة وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه ذكر لي أن الشيطان الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح فإذا ذكر الله خنس وقال العوفي عن ابن عباس في قوله" الوسواس " قال هو الشيطان يأمر فإذا أطيع خنس.
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ
هل يختص هذا ببني آدم كما هو الظاهر أو يعم بني آدم والجن ؟ فيه قولان ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليبا وقال ابن جرير وقد استعمل فيهم رجال من الجن فلا بدع في إطلاق الناس عليهم .
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ
وقوله تعالى " من الجنة والناس" هل هو تفصيل لقوله " الذي يوسوس في صدور الناس" من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى " وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا " .
وكما قال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا المسعودي حدثنا أبو عمرو الدمشقي حدثنا عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست فقال " يا أبا ذر هل صليت ؟ " قلت لا قال " قم فصل " قال فقمت فصليت ثم جلست فقال " يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن " قال : فقلت يا رسول الله وللإنس شياطين ؟ قال " نعم " قال : فقلت يا رسول الله الصلاة ؟ قال " خير موضوع من شاء أقل ومن شاء أكثر" قلت يا رسول الله فالصوم ؟ قال " فرض مجزئ وعند الله مزيد " قلت يا رسول الله فالصدقة ؟ قال " أضعاف مضاعفة " قلت يا رسول الله فأيها أفضل ؟ قال " جهد من مقل أو سر إلى فقير " قلت يا رسول الله أي الأنبياء كان أول ؟ قال " آدم " قلت يا رسول الله ونبيا كان ؟ قال " نعم نبي مكلم " قلت يا رسول الله كم المرسلون ؟ قال " ثلثمائة وبضعة عشر جما غفيرا " وقال مرة " خمسة عشر " قلت يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم قال " آية الكرسي " الله لا إله إلا هو الحي القيوم " ورواه النسائي من حديث أبي عمر الدمشقي به وقد أخرج هذا الحديث مطولا جدا أبو حاتم بن حبان في صحيحه بطريق آخر ولفظ آخر مطول جدا فالله اعلم .
وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن ذر بن عبد الله الهمداني عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم " الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة" ورواه أبو داود والنسائي من حديث منصور زاد النسائي والأعمش كلاهما عن ذر به آخر التفسير. ولله الحمد والمنة والحمد لله رب العالمين.
المقدمه شيخ الاسلام ابن تيميه
التفسير ابن كثير
سيدرا
13 May 2009, 10:14 PM
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
أي: {قُلْ} متعوذاً {أَعُوذُ} أي: ألجأ وألوذُ، وأعتصمُ {بِرَبِّ الْفَلَقِ} أي: فالِق الحبِّ والنَّوى، وفالِق الإصباحِ.
{مِن شَرِّ مَا خَلَقَ}وهذا يشملُ جميعَ مَا خلقَ اللهُ، منْ إنسٍ، وجنٍّ، وحيواناتٍ، فيستعاذُ بخالقهَا منَ الشَّرِّ الذي فيهَا، ثمَّ خصَّ بعدما عمَّ، فقالَ: {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} أي: من شرِّ مَا يكونُ في الليلِ حينَ يغشى الناسَ، وتنتشرُ فيهِ كثيرٌ منَ الأرواحِ الشّريرةِ، والحيواناتِ المؤذيةِ.
{وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} أي: ومنْ شرِّ السواحرِ، اللاتي يستعنَّ على سحرهنَّ بالنَّفثِ في العقدِ، التي يعقدْنهَا على السحرِ.
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} والحاسدُ: هوَ الذي يحبُّ زوالَ النعمةِ عنِ المحسود،ِ فيسعى في زوالهَا بما يقدرُ عليهِ منَ الأسبابِ، فاحتيجَ إلى الاستعاذةِ باللهِ منْ شرهِ، وإبطالِ كيدهِ، ويدخلُ في الحاسد العاينُ، لأنَّهُ لا تصدرُ العينُ إلاَّ منْ حاسدٍ شريرِ الطبعِ، خبيثِ النفسِ، فهذهِ السورةُ تضمنتِ الاستعاذةَ من جميعِ أنواعِ الشرِّ، عموماً وخصوصاً.
ودلتْ على أنَّ السحرَ لهُ حقيقةٌ يخشى من ضررهِ، ويستعاذُ باللهِ منهُ [ومنْ أهلهِ]
لابن كثير
سيدرا
14 May 2009, 09:12 PM
بـــسم الله الرحـمن الرحـــــــيم
{ سـورة الإخـــــلاص }
الأيـــــــــات :
-1 - قل هو الله أحد
- 2 - الله الصمد
- 3 - لم يلد ولم يولد
- 4 - ولم يكن له كفوا أحد
التفسير: قال عكرمة: لما قالت اليهود: نحن نعبد عزير بن اللّه، وقالت النصارى: نحن نعبد المسيح بن اللّه، وقالت المجوس: نحن نعبد الشمس والقمر، وقالت المشركون: نحن نعبد الأوثان أنزل اللّه على رسوله صلى اللّه عليه وسلم: {قل هو اللّه أحد} يعني هو الواحد الأحد، الذي لا نظير له ولا وزير، ولا شبيه ولا عديل، لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله، وقوله تعالى: {اللّه الصمد} يعني الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، قال ابن العباس: هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو اللّه سبحانه، ليس له كفء وليس كمثله شيء، سبحان اللّه الواحد القهار، وقال الأعمش {الصمد} السيد الذي قد انتهى سؤدده، وقال الحسن وقتادة: هو الباقي بعد خلقه، وقال الحسن أيضاً {الصمد} الحي القيوم الذي لا زوال له، وقال الربيع بن أنَس: هو الذي لم يلد ولم يولد كأنه جعل ما بعده تفسيراً له، وهو قوله: {لم يلد ولم يولد} وهو تفسير جيد، وقال ابن مسعود والضحّاك
والسدي: {الصمد} الذي لا جوف له، وقال مجاهد { الصمد} المصمت
الذي لا جوف له، وقال الشعبي: هو الذي لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب. وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة بعد إيراده كثيراً من هذه الأقوال في تفسير الصمد: وكل هذه صحيحة وهي صفات ربنا عزَّ وجلَّ، هو الذي يصمد إليه في الحوائج، وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه، وقال البيهقي نحو ذلك، وقوله تعالى: {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد} أي ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة، قال مجاهد: {ولم يكن له كفواً أحد} يعني لا صاحبة له، وهذا كما قال تعالى: {بديع السماوات والأرض أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء} أي هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه، أو قريب يدانيه؟ تعالى وتقدس وتنزه، قال تعالى: {وقالوا: اتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إدّاً}، وقال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون}. وفي صحيح البخاري: "لا أحد أصبر على أذى سمعه من اللّه، إنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم" (أخرجه البخاري). وفي الحديث القدسي: "كذبني ابن آدم ولم يكن له
ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته. وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ اللّه ولداً وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد" (أخرجه البخاري أيضاً).
سيدرا
15 May 2009, 11:07 PM
سورة المسد:
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}
* سبب النزول:
روى البخاري عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى: "يا صباحاه". فاجتمعت إليه قريش، فقال: "أرأيتم إن حَدثتكم أن العدوّ مُصبحكم أو مُمْسيكم، أكنتم تصدقوني؟ ". قالوا: نعم. قال: "فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد". فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟ تبًّا لك. فأنزل الله تعالى: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } إلى آخرها. .
وفي رواية: فقام ينفض يديه، وهو يقول: تبًّا لك سائر اليوم. ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله تعالى: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }.
* التفسير:
{ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) }
خسرت يدا أبي لهب وهلك بإيذائه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تحقق خسران أبي لهب.
ومعنى {تَبَّتْ} : خسرت , { وتَبَّ } أي : وخسر هو . فالفعل الأول : دعاء ، والثاني : خبر . كما يقول الرجل : أهلكه الله وقد هلك . والتباب: هو الخسران والهلاك.
وقيل : ذَكَر يديه ، والمراد: جميعه- وعَبَّر عنها باليدين مجاز لأن أكثر الأفعال تُزاول بهما،وذلك على عادة العرب إذ يُعبِّرون ببعض الشيء عن جميعه ، كقوله تعالى : { ذلك بما قدَّمت يداك } [ الحج : 10 ]{ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) }
أي :لم يغن عنه ماله وولده وسائر ما كَسَبه شيئًا حين حل به الهلاك والعذاب .وذلك على اعتبار ( ما) نافية .
وقيل : المراد بكسبه هاهنا : ولده . ولا شك أن الولد من كسب أبيه.كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِه,ِ وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ ".
وجوّز البعض أن تكون(ما) استفهامية. ويكون المعنى:أي شيءٍ أغنى عنه؟ وأي شيءٍ كسب؟.
{ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) }
سيدخل نارًا متأججة، هو وامرأته التي كانت تحمل الشوك، فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأذيَّته.
وللعلماء في قوله تعالى : { حمَّالة الحطب } أقوال :
أحدهما : أنها كانت تمشي بالنميمة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي ، والفراء . والعرب تقول : فلان يحطب على فلان : إذا نَمَّ به ، ومنه قول الشاعر :
إن بني الأدرم حمالوا الحطب ... هم الوشاة في الرضا والغضب.
وقال ابن قتيبة : فشبَّهوا النميمة بالحطب ، والعداوة والشحناء بالنار ، لأنهما يقعان بالنميمة ، كما تلتهب النار بالحطب .
والثاني : أنها كانت تحتطب الشوك ، فتلقيه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً ، رواه عطية عن ابن عباس . وبه قال الضحاك ، وابن زيد .
والثالث : أن المراد بالحطب : الخطايا ، قاله سعيد بن جبير .
والرابع : أنها كانت تُعيِّرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر ، وكانت تحتطب فَعُيِّرتْ بذلك ، قاله قتادة . وليس بالقوي ، لأن الله تعالى وصفه بالمال .
فائدة: قوله تعالى:{ سيصلى ناراً ذات لهب } :يدل على أن أبا لهب- وهو أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم واسمه عبد العزى- سيصلى نارًا ذات شرر ولهيب وإحراق شديد , هو وزوجته ، وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان . وفي هذا دلالة على صحة نُبوَّة نبينا عليه الصلاة والسلام ، لأنه أخبر بهذا المعنى أنَّ أبا لهب وزوجته يموتان على الكفر ، فكان كذلك . إذ لو قالا بألسنتهما : قد أسلمنا ، لوجد الكفار مطعنًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غير أن الله علم أنهما لا يسلمان باطناً ولا ظاهراً ، فأخبره بذلك .
{ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) }
في عُنقها حَبلٌ محكم الفَتْلِ مِن ليفٍ شديدٍ خشن، تُرْفَع به في نار جهنم، ثم تُرْمى إلى أسفلها.
والجيد : العُنُق . والمَسَدُ في لغة العرب : الحَبْل إذا كان من ليف المُقْل .
وقال ابن قُتيبة : المَسَد عند كثير من الناس : اللِّيف دون غيره ، وليس كذلك ، إنما المسد : كُلُّ ما ضُفِرَ وفُتِل من اللِّيف وغيره.
وقيل المراد بهذا الحبل : السلسلة التي ذكرها الله تعالى في النار ، طولها سبعون ذراعاً ، والمعنى : أن تلك السلسلة قد فتلت فتلاً مُحْكَماً ، فهي في عنقها تعذَّب بها في النار.
وقال سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة فقالت: لأنفقنها في عداوة محمد، يعني: فأعقبها الله بها حبلاً في جِيدها من مَسَد النار.
سيدرا
16 May 2009, 07:17 PM
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ(1)وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا(2)فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا(3) }. (http://www.islampedia.com/mie2/audio/110/110-1.asf)
سبب النزول:
أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال: "كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُدْخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وَجَد في نفسه، فدعاهم ذات يوم، فأدخله معهم. قال ابن عباس: فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم، فقال: ما تقولون في قول الله عز وجل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نَصَرنا وفتَح علينا، وسكت بعضهم، فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس ؟ فقلت: لا. فقال: ما تقول ؟ فقلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له، قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فذلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} فقال عمر: لا أعلم منها إلا ما تقول".
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكّره ربه بالنعمة والفضل عليه وعلى سائر المؤمنين، والمعنى: إِذا نصرك الله يا محمد على أعدائك، وفتح عليك مكة أم القرى قال المفسرون: الإِخبارُ بفتح مكة قبل وقوعه إِخبارٌ بالغيب، فهو من أعلام النبوَّة {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} أي ورأيت العرب يدخلون في الإِسلام جماعاتٍ جماعات من غير حربٍ ولا قتال، وذلك بعد فتح مكة صارت العرب تأتي من أقطار الأرض طائعة قال ابن كثير: إِنَّ أحياء العرب كانت تنتظر فتح مكة، يقولون: إن ظهر على قومه فهو نبيٌّ، فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجاً فلم تمض سنتان حتى استوثقت جزيرة العرب إِيماناً، ولم يبق في سائر قبائل العرب إِلا مظهرٌ للإِسلام {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي فسبّح ربك وعظمه ملتبساً بحمده على هذه النعم، واشكره على ما أولاك من النصر على الأعداء، وفتح البلاد، وإِسلام العباد {وَاسْتَغْفِرْهُ} أي اطلب منه المغفرة لك ولأُمتك {إِنَّهُ كانَ تَوَّابًا} أي إِنه جلّ وعلا كثير التوبة، عظيم الرحمة لعباده المؤمنين.
لابن كثيروسورة المسد كمان لابن كثير
سيدرا
17 May 2009, 10:13 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، وهي آمرة بالإخلاص فيه، فقوله: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) شمل كل كافر على وجه الأرض، ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفارُ قريش.
وقيل: إنهم من جهلهم دَعَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنـزل الله هذه السورة، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية، فقال: (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) يعني: من الأصنام والأنداد، (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) وهو الله وحده لا شريك له. ف "ما" هاهنا بمعنى "من".
ثم قال: (وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) أي: ولا أعبد عبادتكم، أي: لا أسلكها ولا أقتدي بها، وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه؛ ولهذا قال: (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) أي: لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته، بل قد اخترعتم شيئًا من تلقاء أنفسكم، كما قال: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم : 23] فتبرأ منهم في جميع ما هم فيه، فإن العابد لا بد له من معبود يعبده، وعبادة "< 8-508 > "يسلكها إليه، فالرسول وأتباعه يعبدون الله بما شرعه؛ ولهذا كان كلمة الإسلام "لا إله إلا الله محمد رسول الله" أي: لا معبود إلا الله ولا طريق إليه إلا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن بها الله؛ ولهذا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) كما قال تعالى: وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [يونس:41] وقال: لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ [القصص: 55].
وقال البخاري: يقال: (لَكُمْ دِينَكُمْ ) الكفر، (وَلِيَ دِينِ ) الإسلام. ولم يقل: "ديني" لأن الآيات بالنون، فحذف الياء، كما قال: فَهُوَ يَهْدِينِ [الشعراء: 78] و يَشْفِينِ [الشعراء:80] وقال غيره: لا أعبد ما تعبدون الآن، ولا أجيبكم فيما بقي من عمري، ولا أنتم عابدون ما أعبد، وهم الذين قال: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا [المائدة: 64].
انتهى ما ذكره.
ونقل ابن جرير عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التأكيد، كقوله: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح: 5 ، 6 ] وكقوله: لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [التكاثر: 6، 7] وحكاه بعضهم -كابن الجوزي، وغيره-عن ابن قتيبة، فالله أعلم. فهذه ثلاثة أقوال: أولها ما ذكرناه أولا. الثاني: ما حكاه البخاري وغيره من المفسرين أن المراد: (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) في الماضي، (وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) في المستقبل. الثالث: أن ذلك تأكيد محض.
وثم قول رابع، نصره أبو العباس بن تَيمية في بعض كتبه، وهو أن المراد بقوله: (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) نفى الفعل لأنها جملة فعلية، (وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ) نفى قبوله لذلك بالكلية؛ لأن النفي بالجملة الاسمية آكد فكأنه نفى الفعل، وكونه قابلا لذلك ومعناه نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضا. وهو قول حسن أيضا، والله أعلم.
وقد استدل الإمام أبو عبد الله الشافعي وغيره بهذه الآية الكريمة: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) على أن الكفر كله ملة واحدة تورثه اليهود من النصارى، وبالعكس؛ إذا كان بينهما نسب أو سبب يتوارث به؛ لأن الأديان -ما عدا الإسلام-كلها كالشيء الواحد في البطلان. وذهب أحمد بن حنبل ومن وافقه إلى عدم توريث النصارى من اليهود وبالعكس؛ لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتوارث أهل ملتين شتى"
لابن كثير.
سيدرا
18 May 2009, 10:23 AM
تفسير سورة الكوثر
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ (3)
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، عن المختار بن فُلْفُل، عن أنس بن مالك قال: أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، فرفع رأسه مبتسما، إما قال لهم وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه أنـزلت عليَّ آنفا سورة". فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) حتى ختمها، قال: "هل تدرون ما الكوثر؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "هو نهر أعطانيه ربي، عز وجل، في الجنة، عليه خير كثير، تردُ عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يُخْتَلَج العبد منهم فأقول: يا رب، إنه من أمتي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".
هكذا رواه الإمام أحمد بهذا الإسناد الثلاثي، وهذا السياق.
وقد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يَشْخَب فيه ميزابان من السماء عن نهر الكوثر، وأن عليه آنية عددَ نجوم السماء. وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والنسائي، من طريق محمد بن فضيل، وعلي بن مُسْهِر، كلاهما عن المختار بن فُلْفُل، عن أنس. ولفظ مسلم قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد، إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما، قلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: "أنـزلت علي آنفا سورة"، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) ثم قال: "أتدرون ما الكوثر؟" قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنه نهر وَعَدنيه ربي، عز وجل، عليه خير كثير، هو حوض تَرِدُ عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم فَيختلجُ العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي. فيقول: إنك لا تدري ما أحدث بعدك".
فأما قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) فقد تقدم في هذا الحديث أنه نهر في الجنة. وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى، عن أنس فقال: حدثنا عفان، حدثنا حماد، أخبرنا ثابت، < 8-499 > عن أنس أنه قرأ هذه الآية (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيتُ الكوثر، فإذا هو نهر يجري، ولم يُشق شقًا، وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ، فضربت بيدي في تربته، فإذا مسكه ذَفَرة، وإذا حصاه اللؤلؤ"
وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فإذا أنا بنهر، حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء، فإذا مسك أذفر. قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله، عز وجل".
وقال ابن جرير: حدثنا الربيع، أخبرنا ابن وهب، عن سليمان بن هلال، عن شريك بن أبي نمر، قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، مضى به جبريل في السماء الدنيا، فإذا هو بنهر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فذهب يُشمَ تُرَابه، فإذا هو مسك. قال: "يا جبريل، ما هذا النهر؟ قال: هو الكوثر الذي خَبَأ لك ربك".
وقال سعيد، عن قتادة، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر، حافتاه قباب اللؤلؤ مُجَوف، فقال الملك الذي معه: أتدري ما هذا؟ هذا الكوثر الذي أعطاك الله. وضرب بيده إلى أرضه، فأخرج من طينه المسك" وكذا رواه سليمان بن طِرْخان، ومعمر وهَمَام وغيرهم، عن قتادة، به.
وقال أحمد: حدثنا أبو سلمة الخزاعي، حدثنا الليث، عن يزيد بن الهاد، عن عبد الوهاب، عن عبد الله بن مسلم بن شهاب، عن أنس، أن رجلا قال: يا رسول الله، ما الكوثر؟ قال: "نهر في الجنة أعطانيه ربي، لهو أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر". قال عمر: يا رسول الله، إنها لناعمة؟ قال: "أكلها أنعم منها يا عمر".
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيب، حدثنا وَكِيع، عن سفيان، وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة قالت: الكوثر نهر في الجنة، شاطئاه در مُجَوف. وقال إسرائيل: نهر في الجنة عليه من الآنية عدد نجوم السماء
قال السهيلي: ورواه الدارقطني مرفوعا، من طريق مالك بن مِغْوَل عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هُشَيم، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإن ناسًا يَزْعُمون أنه نهر في الجنة؟ فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله
وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضا، فقال ابن جرير:
حدثنا أبو كُرَيب، حدثنا عمر بن عبيد، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: الكوثر: نهر في الجنة، حافتاه ذهب وفضة، يجري على الياقوت والدر، ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل.
حدثنا علي بن حفص، حدثنا ورقاء قال... وقال عطاء [بن السائب] عن محارب بن دِثار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب، والماء يجري على اللؤلؤ، وماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل".
وهكذا رواه الترمذي، وابن ماجة، وابن أبي حاتم، وابن جرير، من طريق محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، به مرفوعا وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال ابن جرير: حدثني ابن البرقي، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، أخبرني حَرَام بن عثمان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أسامة بن زيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوما فلم يجده، فسأل امرأته عنه -وكانت من بني النجار-فقالت: خرج يا نبي الله آنفا عامدًا نحوك، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار، أولا تدخلُ يا رسول الله؟ فدخل، فقدمت إليه حيسا، فأكل منه، فقالت: يا رسول الله، هنيئا لك ومريئا، لقد جئتَ وأنا أريد أن آتيك فأهْنيك وأمْريك؛ أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر. فقال: "أجل، وعرضه -يعني أرضه-ياقوت ومرجان، وزبرجد ولؤلؤ".
وقوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) أي: كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة، ومن ذلك < 8-503 > النهرُ الذي تقدم صفته -فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونَحْرَك، فاعبده وحده لا شريك له، وانحر على اسمه وحده لا شريك له. كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام: 162 ، 163] قال ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، والحسن: يعني بذلك نحر البُدْن ونحوها. وكذا قال قتادة، ومحمد بن كعب القرظي، والضحاك، والربيع، وعطاء الخراساني، والحكم، وإسماعيل بن أبي خالد، وغير واحد من السلف. وهذا بخلاف ما كان المشركون عليه من السجود لغير الله، والذبح على غير اسمه، كما قال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ الآية [الأنعام:121].
وقيل: المراد بقوله: (وَانْحَرْ ) وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت النحر. يروى هذا عن علي، ولا يصح. وعن الشعبي مثله.
وعن أبي جعفر الباقر: (وَانْحَرْ ) يعني: ارفع اليدين عند افتتاح الصلاة.
وقيل: (وَانْحَرْ ) أي: استقبل بنحرك القبلة. ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير.
وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثا منكرا جدا فقال: حدثنا وهب بن إبراهيم الفامي -سنة خمس وخمسين ومائتين-حدثنا إسرائيل بن حاتم المروزي، حدثنا مقاتل بن حيان، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي بن أبي طالب قال: لما نـزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) قال رسول الله: "يا جبريل، ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ " فقال: ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة، ارفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السموات السبع، وإن لكل شيء زينة، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة.
وهكذا رواه الحاكم في المستدرك، من حديث إسرائيل بن حاتم، به.
وقوله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) أي: إن مبغضك -يا محمد-ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين، هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكْرُه.
قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة: نـزلت في العاص بن وائل.
وقال محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره. فأنـزل الله هذه السورة.
وقال شَمِر بن عطية: نـزلت في عقبة بن أبي مُعَيط.
وقال ابن عباس أيضا، وعكرمة: نـزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من كفار قريش.
وقال البزار: حدثنا زياد بن يحيى الحَسَّاني، حدثنا بن أبي عدي، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش: أنت سيدهم ألا ترى إلى هذا المُصَنْبر المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة وأهل السقاية؟ فقال: أنتم خير منه. قال: فنـزلت: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ )
هكذا رواه البزار وهو إسناد صحيح.
وعن عطاء: نـزلت في أبي لهب، وذلك حين مات ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب أبو لهب إلى المشركين وقال: بُتِرَ محمد الليلة. فأنـزل الله في ذلك: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ )
وعن ابن عباس: نـزلت في أبي جهل. وعنه: (إِنَّ شَانِئَكَ ) يعني: عدوك. وهذا يَعُمُّ جميعَ من اتصفَ بذلك ممن ذكر، وغيرهم.
وقال عكرمة: الأبتر: الفرد. وقال السُّدِّي: كانوا إذا مات ذكورُ الرجل قالوا: بُتر. فلما مات أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: بتر محمد. فأنـزل الله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ )
سيدرا
19 May 2009, 01:50 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
يقول تعالى: أرأيت -يا محمد- الذي يكذب بالدين؟ وهو: المعاد والجزاء والثواب، (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ) أي: هو الذي يقهر اليتيم ويظلمه حقه، ولا يطعمه ولا يحسن إليه، (وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) كما قال تعالى: كَلا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الفجر: 17 ، 18] يعني: الفقير الذي لا شيء له يقوم بأوده وكفايته.
ثم قال: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ) قال ابن عباس، وغيره: يعني المنافقين، الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر.
ولهذا قال: (لِلْمُصَلِّينَ ) أي: الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها، ثم هم عنها ساهون، إما عن فعلها بالكلية، كما قاله ابن عباس، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعا، فيخرجها عن وقتها بالكلية، كما قاله مسروق، وأبو الضحى.
وقال عطاء بن دينار: والحمد لله الذي قال: (عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ) ولم يقل: في صلاتهم ساهون.
وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا. وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به. وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل هذا كله، ولكن من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية. ومن اتصف بجميع ذلك، فقد تم نصيبه منها، وكمل له النفاق العملي. كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يَرْقُب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا" فهذا آخر صلاة العصر التي هي الوسطى، كما ثبت به النص إلى آخر وقتها، وهو وقت كراهة، ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب، لم يطمئن ولا خشع فيها أيضا؛ ولهذا قال: "لا يذكر الله فيها إلا قليلا ". ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس، لا ابتغاء وجه " < 8-494 > " الله، فهو إذًا لم يصل بالكلية. قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا [النساء: 142] . وقال هاهنا: (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ )
وقال الطبراني: حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبدويه البغدادي، حدثني أبي، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن يونس، عن الحسن، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في جهنم لواديا تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة، أعد ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد: لحامل كتاب الله. وللمصدق في غير ذات الله، وللحاج إلى بيت الله، وللخارج في سبيل الله".
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو نُعَيم، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة قال: كنا جلوسا عند أبي عبيدة فذكروا الرياء، فقال رجل يكنى بأبي يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سَمَّع الناس بعمله، سَمَّع الله به سامعَ خلقه، وحَقَّره وصَغَّره".
ورواه أيضا عن غُنْدَر ويحيى القطان، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن رجل، عن عبد الله ابن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره.
ومما يتعلق بقوله تعالى: (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ) أن من عمل عملا لله فاطلع عليه الناس، فأعجبه ذلك، أن هذا لا يعد رياء، والدليل على ذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا هارون بن معروف، حدثنا مخلد بن يزيد، حدثنا سعيد بن بشير، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كنت أصلي، فدخل علي رجل، فأعجبني ذلك، فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "كتب لك أجران: أجر السر، وأجر العلانية".
قال أبو علي هارون بن معروف: بلغني أن ابن المبارك قال: نعم الحديثُ للمرائين.
وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وسعيد بن بشير متوسط، وروايته عن الأعمش عزيزة وقد رواه غيره عنه.
قال أبو يعلى أيضا: حدثنا محمد بن المثنى بن موسى، حدثنا أبو داود، حدثنا أبو سِنان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل يَسُرُّه، فإذا اطُّلعَ عليه أعجبه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "له أجران: أجر السر " < 8-495 > " وأجر العلانية".
وقد رواه الترمذي عن محمد بن المثنى، وابن ماجة عن بُنْدَار، كلاهما عن أبي داود الطيالسي عن أبي سنان الشيباني – واسمه: ضرار بن مرة. ثم قال الترمذي: غريب، وقد رواه الأعمش وغيره. عن حبيب عن [النبي صلى الله عليه وسلم] مرسلا.
وقد قال أبو جعفر بن جرير: حدثني أبو كُرَيْب، حدثنا معاوية بن هشام، عن شيبان النحوي عن جابر الجعفي، حدثني رجل، عن أبي برزة الأسلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نـزلت هذه الآية: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ) قال: "الله أكبر، هذا خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا، هو الذي إن صلى لم يَرْجُ خير صلاته، وإن تركها لم يخف ربه".
فيه جابر الجعفي، وهو ضعيف، وشيخه مبهم لم يُسَم، والله أعلم.
وقال ابن جرير أيضا: حدثني زكريا بن أبان المصري، حدثنا عمرو بن طارق، حدثنا عِكْرمِة بن إبراهيم، حدثني عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ) قال: "هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها".
وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية، أو صلاتها بعد وقتها شرعا، أو تأخيرها عن أول الوقت [سهوا حتى ضاع] الوقت.
وكذا رواه الحافظ أبو يعلى عن شيبان بن فَرُّوخ، عن عكرمة بن إبراهيم، به. ثم رواه عن أبي الربيع، عن جابر، عن عاصم، عن مصعب، عن أبيه موقوفًا وهذا أصح إسنادًا، وقد ضعف البيهقي رفعه، وصحح وقفه، وكذلك الحاكم.
وقوله: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) أي: لا أحسنوا عبادة ربهم، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم. فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القُرُبات أولى وأولى. وقد قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: قال علي: الماعون: الزكاة. وكذا رواه السدي، عن أبي صالح، عن علي. وكذا روي من غير وجه عن ابن عمر. وبه يقول محمد بن الحنفية، وسعيد بن جبير، وعِكْرِمة، ومجاهد، وعطاء، وعطية العوفي، والزهري، والحسن، وقتادة، والضحاك، وابن زيد.
" < 8-496 > "
وقال الحسن البصري: إن صلى راءى، وإن فاتته لم يأس عليها، ويمنع زكاة ماله وفي لفظ: صدقة ماله.
وقال زيد بن أسلم: هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلوها، وضَمنَت الزكاة فمنعوها.
وقال الأعمش وشعبة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار: أن أبا العبيدين سأل عبد الله بن مسعود عن الماعون، فقال: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس، والقدر، [والدلو].
[وقال المسعودي، عن سلمة بن كُهَيْل، عن أبي العُبَيدين: أنه سُئِل ابنُ مسعود عن الماعون، فقال: هو ما يتعاطاه الناس بينهم، من الفأس والقدر] والدلو، وأشباه ذلك.
وقال ابن جرير: حدثني محمد بن عبيد المحاربي، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي العُبَيدين وسعد بن عياض، عن عبد الله قال: كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الماعون الدلو، والفأس، والقدر، لا يستغنى عنهن.
وحدثنا خلاد بن أسلم، أخبرنا النضر بن شُمَيْل، أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت سعد بن عياض يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن الحارث بن سويد، عن عبد الله أنه سئل عن الماعون، فقال: ما يتعاوره الناس بينهم: الفأس والدلو وشبهه.
وقال ابن جرير: حدثنا عمرو بن علي الفلاس، حدثنا أبو داود –هو الطيالسي-حدثنا أبو عَوانَة، عن عاصم بن بَهْدَلة، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نقول: الماعون: منع الدلو وأشباه ذلك.
وقد رواه أبو داود والنسائي، عن قتيبة، عن أبي عوانة بإسناده، نحوه ولفظ النسائي عن عبد الله قال: كل معروف صدقة، وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاريَّة الدلو والقدر.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: الماعون: العَواري: القدر، والميزان، والدلو.
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) يعني: متاع البيت. وكذا قال مجاهد وإبراهيم النَّخعي، وسعيد بن جبير، وأبو مالك، وغير واحد: إنها العاريَّة للأمتعة.
وقال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد عن ابن عباس: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) قال: لم يجئ أهلها بعد.
" < 8-497 > "
وقال العوفي عن ابن عباس: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) قال: اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال: يمنعون الزكاة. ومنهم من قال: يمنعون الطاعة. ومنهم من قال: يمنعون العارية. رواه ابن جرير. ثم روي عن يعقوب بن إبراهيم، عن ابن عُلَيَة، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي: الماعون: منع الناس الفأس، والقدر، والدلو.
وقال عكرمة: رأس الماعون زكاة المال، وأدناه.
المنخل والدلو، والإبرة. رواه ابن أبى حاتم.
وهذا الذي قاله عكرمة حسن؛ فإنه يشمل الأقوال كلها، وترجع كلها إلى شيء واحد. وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة. ولهذا قال محمد بن كعب: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) قال: المعروف. ولهذا جاء في الحديث: " كل معروف صدقة".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) قال: بلسان قريش: المال.
وروى هاهنا حديثا غريبا عجيبا في إسناده ومتنه فقال:
حدثنا أبي، وأبو زُرْعَة قالا حدثنا قيس ابن حفص الدارمي، حدثنا دلهم بن دهثم العجلي، حدثنا عائذ بن ربيعة النَميري، حدثني قرة بن دعموص النميري: أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، ما تعهد إلينا؟ قال: "لا تمنعون الماعون". قالوا: يا رسول الله، وما الماعون؟ قال: "في الحَجَر، وفي الحديدة، وفي الماء". قالوا: فأي حديدة؟ قال: "قدوركم النحاس، وحديد الفأس الذي تمتهنون به". قالوا: وما الحجر؟ قال: "قدوركم الحجارة".
آخر تفسير سورة "الماعون".
غريب جدا، ورفعه منكر، وفي إسناده من لا يعرف، والله أعلم.
وقد ذكر ابنُ الأثير في الصحابة ترجمة "علي النميري"، فقال: روى ابن قانع بسنده إلى عائذ ابن ربيعة بن قيس النميري، عن علي بن فلان النميري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم. إذا لقيه حَيَّاه بالسلام، ويرد عليه ما هو خير منه، لا يمنع الماعون". قلت: يا رسول الله، ما الماعون؟ قال: "الحَجَر، والحديد، وشباه ذلك"
طيف المدينة
21 May 2009, 06:30 AM
جزاكِ الله خير أختي سيدرا وبارك فيك وكتب أجرك .
سيدرا
23 May 2009, 08:14 PM
{لإِيلافِ قُرَيْشٍ(1)إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ(2)فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ(3)الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ(4)}. (http://www.islampedia.com/mie2/audio/106/106-1.asf)
سبب النزول:
نزول الآية (1):
روى البيهقي في كتاب الخلافيات عن أم هانئ بنت أبي طالب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضّل الله قريشاً بسبع خلال: أني منهم، وأن النبوة فيهم، والحجابة والسقاية فيهم، وأن الله نصرهم على الفيل، وأنهم عبدوا الله عز وجل عشر سنين لا يعبده غيرهم، وأن الله أنزل فيهم سورة من القرآن، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . لإيلافِ قُرَيْشٍ* إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ*}" قال ابن كثير: وهو حديث غريب.
{لإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ } هذه اللام متعلقة بالفعل الذي بعدها {فَلْيَعْبُدُوا} ومعنى {الإِيلاف} الإِلفُ والاعتياد يقال: ألف الرجل الأمر إلفاً وإِلافاً، وآلفه غيره إيلافاً والمعنى: من أجل تسهيل الله على قريش وتيسيره لهم ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء إِلى اليمن، وفي الصيف إِلى الشام كما قال تعالى {رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} أي في رحلتي الشتاء والصيف، حيث كانوا يسافرون للتجارة، ويأتون بالأطعمة والثياب، ويربحون في الذهاب والإِياب، وهم آمنون مطمئنون لا يتعرض لهم أحد بسوء، لأن الناس كانوا يقولون: هؤلاء جيرانُ بيت الله وسُكان حرمه، وهم أهل الله لأنهم ولاة الكعبة، فلا تؤذوهم ولا تظلموهم، ولما أهلك الله أصحاب الفيل، وردَّ كيدهم في نحورهم، ازداد وقع أهل مكة في القلوب، وازداد تعظيم الأمراء والملوك لهم، فازدادت تلك المنافع والمتاجر، فلذلك جاء الامتنان على قريش، وتذكيرهم بنعم الله ليوحدوه ويشكروه {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} أي فليعبدوا الله العظيم الجليل، ربَّ هذا البيت العتيق، وليجعلوا عبادتهم شكراً لهذه النعمة الجليلة التي خصَّهم بها قال المفسرون: وإِنما دخلت الفاء {فَلْيَعْبُدُوا} لما في الكلام من معنى الشرط كأنه قال: إِن لم يعبدوه لسائر نعمه، فليعبدوه من أجل إِيلافهم الرحلتين، التي هي من أظهر نعمه عليهم، لأنهم في بلادٍ لا زرع ولا ضرع، ولهذا قال بعده {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} أي هذا الإِله الذي أطعمهم بعد شدة جوع، وآمنهم بعد شدة خوف، فقد كانوا يسافرون آمنين لا يتعرض لهم أحد، ولا يُغير عليهم أحد لا في سفرهم ولا في حضرهم كما قال تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} وذلك ببركة دعوة أبيهم الخليل إِبراهيم عليه السلام حيث قال {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} وقوله {وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ} أفلا يجب على قريش أن يفردوا بالعبادة هذا الإله الجليل، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ؟!
سيدرا
01 Jun 2009, 09:53 PM
بسم اللّه الرحمن الرحيم.
{ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل . ألم يجعل كيدهم في تضليل . وأرسل عليهم طيرا أبابيل . ترميهم بحجارة من سجيل . فجعلهم كعصف مأكول } (javascript:openquran(104,1,5))
هذه من النعم التي امتن اللّه بها على قريش، فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود، فأبادهم اللّه، وأرغم آنافهم، وخيب سعيهم، وأضل عملهم، وردهم بشر خيبة، هذه قصة أصحاب الفيل على وجه الإيجاز والاختصار. يروى أن أبرهة الأشرم بنى كنيسة هائلة بصنعاء، رفيعة البناء عالية الفِناء مزخرفة الأرجاء، سمتها العرب القليس لارتفاعها، لأن الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها، وعزم أبرهة على أن يصرف حج العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة، ونادى بذلك في مملكته، فكرهت العرب ذلك، وغضبت قريش، لذلك غضباً شديداً، حتى قصدها بعضهم وتوصل إلى أن دخلها، فأحدث فيها وكرّ راجعاً، فلما رأى السدنة ذلك الحدث رفعوا أمرهم إلى ملكهم أبرهة وقالوا له: إنما صنع هذا بعض قريش غضباً لبيتهم الذي ضاهيت هذا به، فأقسم أبرهة ليسيرن إلى بيت مكة وليخربنه حجراً حجراً، ذكر مقاتل أن فتية من قريش دخلوها، فأججوا فيها ناراً، وكان يوماً فيه هواء شديد فاحترقت، فتأهب أبرهة لذلك، وصار في جيش كثيف عرمرم لئلا يصده أحد عنه، واستصحب معه فيلاً عظيماً كبير الجثة لم ير مثله، يقال له محمود ويقال: كان معه اثنا عشر فيلاً غيره، فلما سمعت العرب بمسيره أعظموا ذلك جداً، ورأوا أن حقاً عليهم المحاجبة دون البيت، ورد من أراده بكيد، فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر فدعا قومه إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت اللّه، فأجابوه وقاتلوا أبرهة فهزمهم، ثم مضى لوجهه حتى إذا كان بأرض خثعم اعترض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قومه فقاتلوه، فهزمهم أبرهة وأسر نفيل بن حبيب، فأراد قتله ثم عفا عنه، واستصحبه معه ليدله في بلاد الحجاز، فلما اقترب من أرض الطائف خرج إليه أهلها ثقيف وصانعوه خيفة على بيتهم الذي عندهم الذي يسمونه اللات، فأكرمهم وبعثوا معه أبا رغال دليلاً، فلما انتهى أبرهة إلى المغمس وهو قريب من مكة نزل به، وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها، فأخذوه، وكان في السرح مائتا بعير لعبد المطلب، وبعث أبرهة حناطة الحِمْيَري إلى مكة، وأمره أن يأتيه بأشرف قريش، وأن يخبره أن الملك لم يجئ لقتالكم إلا أن تصدُّوه عن البيت، فجاء حناطة فدل على عبد المطلب بن هاشم وبلغه عن أبرهة ما قال، فقال له عبد المطلب: واللّه ما نريد حربه، ومالنا بذلك من طاقة، هذا بيت اللّه الحرام وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخلي بينه وبينه، فواللّه ما عندنا دفع عنه. فقال له حناطة: فاذهب معي إليه، فذهب معه، فلما رآه أبرهة أجلّه - وكان عبد المطلب رجلاً جسيماً حسن المنظر - ونزل أبرهة عن سريره وجلس معه على البساط، وقال لترجمانه: قل له ما حاجتك؟ فقال للترجمان: إن حاجتي أن يرد عليّ الملك مائتي بعير أصابها لي، فقال أبرهة لترجمانه: قل له: لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟ فقال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل، وإن للبيت رباً سيمنعه، قال: ما كان ليمتنع مني، قال: أنت وذاك، ويقال: إنه ذهب مع عبد المطلب جماعة من أشراف العرب، فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت، فأبى عليهم، ورد أبرهة على عبد المطلب إبله، ورجع عبد المطلب إلى قريش، فأمرهم بالخروج من مكة، والتحصن في رؤوس الجبال تخوفاً عليهم من معرة الجيش، ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون اللّه، ويستنصرون على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:
اللهم إن المرء يمنع * رحله فامنع رحاك
وانصر على آل الصليب * وعابديه اليوم آلك
لا يغلبنّ صليبهم * ومحالهم أبداً محالك
ثم خرجوا إلى رؤوس الجبال. وذكر مقاتل أنهم تركوا عند البيت مائة بدنة مقلدة، لعل بعض الجيش ينال منها شيئاً بغير حق فينتقم اللّه منهم، فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ جيشه، فلما وجهوا الفيل نحو مكة، برك الفيل، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى صعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم، فأبى، فضربوا في رأسه بالطبرزين وأدخلوا محاجن لهم في مراقه، فنزعوه بها ليقوم، فأبى، فوجهوه راجعاً إلى اليمن، فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام، ففعل مثل ذلك،
ووجهوه إلى المشرق، ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك، وأرسل اللّه عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس، لا يصيب منهم أحداً إلا هلك، وليس كلهم أصابت، وخرجوا
هاربين يبتدرون الطريق، ويسألون عن نفيل ليدلّهم على الطريق، هذا ونفيل على رأس الجبل مع قريش، وعرب الحجاز ينظرون ماذا أنزل اللّه بأصحاب الفيل من النقمة، وجعل نفيل يقول:
أين المفر والإله الطالب * والأشرم المغلوب ليس الغالب
وذكر الواقدي بإسناده: أنهم لما تعبأوا لدخول الحرم، وهيأوا الفيل جعلوا لا يصرفونه إلى جهة من سائر الجهات إلا ذهب فيها، فإذا وجهوه إلى الحرم ربض وصاح، وجعل أبرهة يحمل على سائس الفيل وينهره ويضربه ليقهر الفيل على دخول الحرم، وعبد المطلب وجماعة من أشراف مكة على حراء ينظرون ما الحبشة يصنعون، وماذا يلقون من أمر الفيل وهو العجب العجاب، فبينما هم كذلك إذ بعث اللّه عليهم {طيراً أبابيل} أي قطعاً قطعاً صفراً دون الحمام وأرجلها حمر، ومع كل طائر ثلاثة أحجار، وجاءت فحلّقت عليهم، وأرسلت تلك الأحجار عليهم فهلكوا، قال عطاء: ليس كلهم أصابه العذاب في الساعة الراهنة، بل منهم من هلك سريعاً، ومنهم من جعل يتساقط عضواً عضواً، وهم هاربون، وكان أبرهة ممن تساقط عضواً عضواً حتى مات ببلاد خثعم، قال ابن إسحاق: فلما بعث اللّه محمداً صلى اللّه عليه وسلم، كان فيما يعد به على قريش من نعمته عليهم وفضله، ما رد عليهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم فقال: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} إلى قوله: {فجعلهم كعصف مأكول}،
سيدرا
01 Jun 2009, 09:56 PM
جزاكِ الله خير أختي سيدرا وبارك فيك وكتب أجرك .
واياكِ أختي مشاعر صادقة
غانيا
05 Jun 2009, 06:29 PM
تفسير سورة ويل لكل همزة لمزة بسم الله الرحمن الرحيم سورة ويل لكل همزة لمزة وهي
مكية الهماز بالقول واللماز بالفعل يعني يزدري الناس وينتقص بهم وقد تقدم بيان ذلك في قوله تعالى ( هماز مشاء بنميم ) قال بن عباس همزة لمزة طعان معياب وقال الربيع بن أنس الهمزة يهمزه في وجهه واللمزة من خلفه وقال قتادة الهمزة واللمزة لسانه وعينه ويأكل لحوم الناس ويطعن عليهم وقال مجاهد الهمزة باليد والعين واللمزة باللسان وهكذا قال بن زيد وقال مالك عن زيد بن أسلم همزة لحوم الناس ثم قال بعضهم المراد بذلك الأخنس بن شريق وقيل غيره وقال مجاهد هي عامة وقوله تعالى ( الذي جمع مالا وعدده ) أي جمعه بعضه على بعض وأحصى عدده كقوله تعالى ( وجمع فأوعى ) قاله السدي وبن جرير وقال محمد بن كعب في قوله ( جمع مالا وعدده ) ألهاه ماله بالنهار هذا إلى هذا فإذا كان الليل نام كأنه جيفة منتنة وقوله تعالى ( يحسب أن ماله أخلده ) أي يظن أن جمعه المال يخلده في هذه الدار ( كلا ) أي ليس الأمر كما زعم ولا كما حسب ثم قال تعالى ( لينبذن في الحطمة ) أي ليلقين هذا الذي جمع مالا فعدده في الحطمة وهي اسم صفة من أسماء النار لأنها تحطم من فيها ولهذا قال ( وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ) قال ثابت البناني تحرقهم إلى الأفئدة وهم أحياء ثم يقول لقد بلغ منهم العذاب ثم يبكي وقال محمد بن كعب تأكل كل شيء من جسده حتى إذا بلغت فؤاده حذو حلقه ترجع على جسده وقوله تعالى ( إنها عليهم مؤصدة ) أي مطبقة كما تقدم تفسيره في سورة البلد وقال بن مردويه حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا علي بن سراج حدثنا حماد بن حرزاد حدثنا شجاع بن أشرس حدثنا شريك عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ( إنها عليهم مؤصدة ) قال مطبقة وقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن أسد عن إسماعيل بن خالد عن أبي صالح قوله ولم يرفعه وقوله تعالى ( في عمد ممددة ) قال عطية العوفي عمد من حديد وقال السدي من نار وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن بن عباس ( في عمد ممددة ) يعني الأبواب هي الممددة وقال قتادة في قراءة عبد الله بن مسعود إنها عليهم مؤصدة بعمد ممددة وقال العوفي عن بن عباس أدخلهم في عمد ممددة عليهم بعماد في أعناقهم السلاسل فسدت بها الأبواب وقال قتادة كنا نحدث أنهم يعذبون بعمد في النار واختاره بن جرير وقال أبو صالح ( في عمد ممددة ) يعني القيود الثقالآخر تفسير
لابن كثير
سيدرا
13 Jun 2009, 09:50 PM
http://www.shamsqatar.com/up/get.php?filename=1179099213.png
مقدمة تفسير سورة العصر
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة العصر وهي مكية ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب وذلك بعد ما بعث رسول الله وقبل أن يسلم عمرو فقال له مسيلمة ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة فقال لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة فقال وماهي فقال ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) ففكر مسيلمة هنيهة ثم قال وقد أنزل علي مثلها فقال له عمرو وما هو فقال يا وبر يا وبر إنما أنت أذنان وصدر وسائرك حفر نقر ثم قال كيف ترى ياعمرو فقال له عمرو والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب وقد رأيت أبا بكر الخرائطي أسند في كتابه المعروف بمساوي الأخلاق في الجزء الثاني منه شيئا من هذا أو قريبا منه والوبر دويبة تشبه الهر أعظم شيء فيه أذناه وصدره وباقيه دميم فأراد مسيلمة أن يركب من هذا الهذيان ما يعارض به القرآن فلم يرج ذلك على عابد الأوثان في ذلك الزمان وذكر الطبراني من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن عبيد الله بن حصن قال كان الرجلان من أصحاب رسول الله اذا إلتقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها ثم يسلم أحدهما على الآخر وقال الشافعي رحمه الله لو تدبر الناس هذه السورة
لوسعتهم بسم الله الرحمن الرحيم العصر الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خير وشر وقال مالك عن زيد بن أسلم هو العشي والمشهور الأول فأقسم تعالى بذلك على أن الإنسان لفي خسر أي في خسارة وهلاك ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم ( وتواصوا بالحق ) وهو أداء
الطاعات وترك المحرمات ( وتواصوا بالصبر ) أي على المصائب والأقدار وأذى من يؤذي ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر
لابن كثير
غانيا
16 Jun 2009, 05:37 PM
مقدمة تفسير سورة التكاثر بسم الله الرحمن الرحيم سورة التكاثر وهي
مكية يقول تعالى أشغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر وصرتم من أهلها قال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا زكريا بن يحيى الوقاد المصري حدثني خالد بن عبد الدائم عن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال قال رسول الله ( ألهاكم التكاثر ) عن الطاعة ( حتى زرتم المقابر ) حتى يأتيكم الموت وقال الحسن البصري ألهاكم التكاثر في الأموال والأولاد وفي صحيح البخاري في الرقاق 6440 منه وقال أخبرنا أبو الوليد حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك عن أبي بن كعب قال كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت ( ألهاكم التكاثر ) يعني لو كان لأبن آدم واد من ذهب وقال الإمام أحمد 424 حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت قتادة يحدث عن مطرف يعني بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال انتهيت إلى رسول الله وهو يقول ( ألهاكم التكاثر ) يقول بن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت ورواه مسلم 2958 والترمذي 2342 والنسائي 6238 من طريق شعبة به وقال مسلم في صحيحه 2959 حدثنا سويد بن سعيد حدثنا حفص بن ميسرة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله يقول العبد مالي مالي وإنما له من ماله ثلاث ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو تصدق فاقتنى وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس تفرد به مسلم وقال البخاري 6514 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم سمع أنس بن مالك يقول قال رسول الله يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله وكذا رواه مسلم 2960 والترمذي 2379 والنسائي 453 من حديث سفيان بن عيينة به وقال الإمام أحمد 3115 حدثنا يحيى عن شعبة حدثنا قتادة عن أنس أن النبي قال يهرم بن آدم ويبقى معه اثنتان الحرص والأمل أخرجاه في الصحيحين وذكر الحافظ بن عساكر في ترجمة الأحنف بن قيس واسمه الضحاك أنه رأى في يد رجل درهما فقال لمن هذا الدرهم فقال الرجل لي فقال إنما هو لك إذا أنفقته في أجر أو ابتغاء شكر ثم أنشد الأحنف متمثلا قول الشاعر
أنت للمال إذا أمسكته فإذا أنفقته فالمال لك
وقال بن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة قال صالح بن حيان حدثني عن بن بريدة في قوله ( ألهاكم التكاثر ) قال نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار في بني حارثة وبني الحارث تفاخروا وتكاثروا فقالت إحداهما
فيكم مثل فلان بن فلان وفلان وقال الآخرون مثل ذلك تفاخروا بالأحياء ثم قالوا إنطلقوا بنا إلى القبور فجعلت إحدى الطائفتين تقول فيكم مثل فلان يشيرون إلى القبور ومثل فلان وفعل الآخرون مثل ذلك فأنزل الله ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) لقد كان لكم فيما رأيتم عبرة وشغل وقال قتادة ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) كانوا يقولون نحن أكثر من بني فلان ونحن أعد من بني فلان وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم والله مازالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم والصحيح أن المراد بقوله زرتم المقابر أي صرتم إليها ودفنتم فيها كما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم دخل على رجل من الأعراب يعوده فقال لا بأس طهور إن شاء الله فقال قلت طهور بل هي حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور قال فنعم إذن وقال بن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني أخبرنا حكام بن سالم الرازي عن عمرو بن أبي قيس عن الحجاج عن المنهال عن زر بن حبيش عن علي قال ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) ورواه الترمذي 3355 عن أبي كريب عن حكام بن سالم به وقال غريب وقال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا سلمة بن داود العرضي حدثنا أبو المليح الرقي عن ميمون بن مهران قال كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز فقرأ ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) فلبث هنيهة ثم قال يا ميمون ما أرى المقابر إلا زيارة وما للزائر بد من أن يرجع إلى منزله قال أبو محمد يعني أن يرجع إلى منزله أي إلى جنة أو إلى نار وهكذا ذكر أن بعض الأعراب سمع رجلا يتلو هذه الآية ( حتى زرتم المقابر ) فقال بعث اليوم ورب الكعبة أي إن الزائر سيرحل من مقامه ذلك إلى غيره وقوله تعالى ( كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون ) قال الحسن البصري هذا وعيد بعد وعيد وقال الضحاك ( كلا سوف تعلمون ) يعني أيها الكفار ( ثم كلا سوف تعلمون ) يعني أيها المؤمنون وقوله تعالى ( كلا لو تعلمون علم اليقين ) أي لو علمتم حق العلم لما ألهاكم التكاثر عن طلب الدار الآخرة حتى صرتم إلى المقابر ثم قال ( لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ) هذا تفسير الوعيد المتقدم وهو قوله ( كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون ) توعدهم بهذا الحال وهو رؤية أهل النار التي إذا زفرت زفرة واحدة خر كل ملك مقرب ونبي مرسل على ركبتيه من المهابة والعظمة ومعاينة الأهوال على ما جاء به الأثر المروي في ذلك وقوله تعالى ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) أي ثم لتسألن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك ما إذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته وقال بن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا زكريا بن يحيى الجزار المقرئ حدثنا عبد الله بن عيسى أبو خالد الجزار حدثنا يونس بن عبيد عن عكرمة عن بن عباس أنه سمع عمر بن الخطاب يقول خرج رسول الله عند الظهيرة فوجد أبا بكر في المسجد فقال ما أخرجك هذه الساعة فقال أخرجني الذي أخرجك يا رسول الله قال وجاء عمر بن الخطاب فقال ما أخرجك يا بن الخطاب قال أخرجني الذي أخرجكما قال فقعد عمر وأقبل رسول الله يحدثهما ثم قال هل بكما من قوة تنطلقان إلى هذا النخل فتصيبان طعاما وشرابا وظلا قلنا نعم قال مروا بنا إلى منزل بن التيهان أبي الهيثم الأنصاري قال فتقدم رسول الله بين أيدينا فسلم واستأذن ثلاث مرات وأم الهيثم من وراء الباب تسمع الكلام تريد أن يزيدها رسول الله من السلام فلما أراد أن ينصرف خرجت أم الهيثم تسعى خلفهم فقالت يا رسول الله قد والله سمعت تسليمك ولكن أردت أن تزيدني من سلامك فقال لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خيرا ثم قال أين أبو الهيثم لا أراه قالت يا رسول الله هو قريب ذهب يستعذب الماء أدخلوا فإنه يأتي الساعة إن شاء الله فبسطت بساطا تحت شجرة فجاء أبو الهيثم ففرح بهم وقرت عيناه بهم فصعد على نخلة فصرم لهم أعذاقا فقال له رسول الله حسبك يا أبا الهيثم فقال يا رسول الله تأكلون من بسره ومن رطبه ومن تذنوبه ثم أتاهم بماء فشربوا عليه فقال رسول الله هذا من النعيم الذي تسألون عنه هذا غريب من هذا الوجه وقال بن جرير حدثني الحسين بن علي الصدائي حدثنا الوليد بن القاسم عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما أبو بكر وعمر جالسان إذ جاءهما النبي فقال ما أجلسكما قالا والذي
بعثك بالحق ما أخرجنا من بيوتنا إلا الجوع قال والذي بعثني بالحق ما أخرجني غيره فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار فاستقبلتهم المرأة فقال لها النبي أين فلان فقالت ذهب يستعذب لنا ماء فجاء صاحبهم يحمل قربته فقال مرحبا ما زار العباد شيء أفضل من نبي زارني اليوم فعلق قربته بكرب نخلة وانطلق فجاءهم بعذق فقال النبي ألا كنت اجتنيت فقال أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم ثم أخذ الشفرة فقال له النبي إياك والحلوب فذبح لهم يومئذ فأكلوا فقال له النبي لتسألن عن هذا يوم القيامة أخرجكم من بيوتكم الجوع فلم ترجعوا حتى أصبتم هذا فهذا من النعيم ورواه مسلم 2038 من حديث يزيد بن كيسان به ورواه أبو يعلى 78 وبن ماجة 3181 من حديث المحاربي عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بكر الصديق به وقد رواه أهل السنن الأربعة من حديث عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه بنحو من هذا السياق وهذه القصة وقال الإمام أحمد 581 حدثنا سريج حدثنا حشرج عن أبي نضرة عن أبي عسيب يعني مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلا فمر بي فدعاني فخرجت إليه ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج إليه ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه فانطلق حتى دخل حائطا لبعض الأنصار فقال لصاحب الحائط أطعمنا فجاء بعذق فوضعه فأكل رسول الله وأصحابه ثم دعا بماء بارد فشرب وقال لتسئلن عن هذا يوم القيامة قال فأخذ عمر العذق فضرب به الأرض حتى تناثر البسر قبل رسول الله ثم قال يا رسول الله إنا لمسؤلون عن هذا يوم القيامة قال نعم إلا من ثلاثة خرقة لف بها الرجل عورته أو كسرة سد بها جوعته أو جحر يدخل فيه من الحر والقر تفرد به أحمد وقال الإمام أحمد 3351 حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد حدثنا عمار سمعت جابر بن عبد الله يقول أكل رسول الله وأبو بكر وعمر رطبا وشربوا ماء فقال رسول الله هذا من النعيم الذي تسألون عنه ورواه النسائي 6246 من حديث حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن جابر به وقال الإمام أحمد حدثنا أحمد 5429 حدثنا يزيد حدثنا محمد بن عمرو عن صفوان بن سليم عن محمود بن الربيع قال لما نزلت ( ألهاكم التكاثر ) فقرأ حتى بلغ ( لتسئلن يومئذ عن النعيم ) قالوا يا رسول الله عن أي نعيم نسأل وإنما هما الأسودان الماء والتمر وسيوفنا على رقابنا والعدو حاضر فعن أي نعيم نسأل قال أما إن ذلك سيكون وقال أحمد 5372 حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا معاذ بن عبد الله بن حبيب عن أبيه عن عمه قال كنا في مجلس فطلع علينا النبي وعلى رأسه أثر ماء فقلنا يا رسول الله نراك طيب النفس قال أجل قال ثم خاض الناس في ذكر الغنى فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لا بأس بالغنى لمن اتقى الله والصحة لمن اتقى الله خير من الغنى وطيب النفس من النعيم ورواه بن ماجة 2141 عن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد عن عبد الله بن سليمان به وقال الترمذي 3358 حدثنا عبد بن حميد حدثنا شبابة عن عبد الله بن العلاء عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرب الأشعري قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال النبي إن أول ما يسئل عنه يعني يوم القيامة العبد من النعيم أن يقال له ألم نصح لك بدنك ونروك من الماء البارد تفرد به الترمذي ورواه بن حبان في صحيحه 7364 من طريق الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء بن زبير به وقال بن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن محمد بن عمرو عن يحيى بن حاطب عن عبد الله بن الزبير قال قال الزبير لما نزلت ( ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم ) قالوا يا رسول الله لأي نعيم نسئل عنه وإنما هما الأسودان التمر والماء قال إن ذلك سيكون وقد رواه الترمذي 3356 وبن ماجة 4158 من حديث سفيان هو بن عيينة به ورواه أحمد 1164 عنه وقال الترمذي حسن وقال بن أبي حاتم حدثنا أبو عبد الله الظهراني حدثنا حفص بن عمر العدني عن الحكم بن أبان عن عكرمة قال لما نزلت هذه الآية ( ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم ) قال الصحابة يا رسول الله وأي نعيم نحن فيه وإنما نأكل في أنصاف بطوننا خبز الشعير فأوحى الله إلى نبيه قل لهم أليس تحتذون النعال وتشربون الماء البارد فهذا من النعيم وقال بن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني عن بن أبي ليلى
أظنه عن عامر عن بن مسعود عن النبي في قوله ( ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم ) قال الأمن والصحة وقال زيد بن أسلم عن رسول الله ( ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم ) يعني شبع البطون وبارد الشراب وظلال المساكن واعتدال الخلق ولذة النوم رواه بن أبي حاتم بإسناده المتقدم عنه في أول السورة وقال سعيد بن جبير حتى عن شربة عسل وقال مجاهد عن كل لذة من لذات الدنيا وقال الحسن البصري من النعيم الغداء والعشاء وقال أبو قلابة من النعيم أكل السمن والعسل بالخبز النقي وقول مجاهد أشمل هذه الأقوال وقال علي بن أبي طلحة عن بن عباس ( ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم ) قال النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار يسأل الله العباد فيما استعملوها وهو أعلم بذلك منهم وهو قوله تعالى ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) وثبت في صحيح البخاري 6412 وسنن الترمذي 2304 والنسائي وبن ماجة 4170 من حديث عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن بن عباس قال قال رسول الله نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ومعنى هذا أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين لا يقومون بواجبهما ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه فهو مغبون وقال الحافظ أبو بكر البزار 3646 حدثنا القاسم بن محمد بن يحيى المروزي حدثنا علي بن الحسين بن شقيق حدثنا أبو حمزة عن ليث عن أبي فزارة عن يزيد بن الأصم عن بن عباس قال قال رسول الله ما فوق الإزار وظل الحائط وخبز يحاسب به العبد يوم القيامة أو يسأل عنه ثم قال لا نعرفه إلا بهذا الإسناد وقال الإمام أحمد 2492 حدثنا بهز وعفان قالا حدثنا حماد قال عفان في حديثه قال إسحاق بن عبد الله عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال يقول الله عز وجل قال عفان يوم القيامة يا بن آدم حملتك على الخيل والإبل وزوجتك النساء وجعلتك تربع وترأس فأين شكر ذلك تفرد به من هذا الوجه
لابن كثير
ولد الإمارات
16 Jun 2009, 05:42 PM
جزاكم الله الجنة
سيدرا
27 Sep 2009, 12:30 AM
واياكم بارك الله فيكم
سيدرا
27 Sep 2009, 12:36 AM
أخوتي في الله قد اكون اطلت عليكم
ولكن ضروفي قد لا تسمح لي بتكملته
ولكن احضرت لكم رابط فيه تفسير القرآن الكريم
كاملاً باكثر من تفسير ولغه
http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?l=arb&taf=KATHEER&nType=1&nSora=1&nAya=1
أرجو الاستفاده للجميع
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir