مشاهدة النسخة كاملة : مع العلم ..سلسلة القضايا المنهجية في طلب العلم
زمزم
20 Jul 2009, 07:58 PM
لقد سألني أحد الفضلاء في مشاركة لي سابقة عن كتاب (مع العلم) للشيخ سلمان العودة, ومدى قيمته العلمية, وقد أحسن الظن بي, لكني كلما عزمت على الكتابة في الموضوع يأتيني ما يشغلني عنه, حتى عقدت النية هذه الليلة -ليلة السبت الرجبية- أن أشارك بجواب عام يستفيد منه الجميع, ومنهجية أنطلق منها في سرد أهم مؤلفات هذا الباب, وأرجو من الجميع أن يدلوا بدلوهم في الموضوع.
وقد قسمت هذا الجواب على قسمين, جواب عام, وجواب خاص. وأعني بالجواب الخاص: أن أتكلم في (كتاب مع العلم) الذي سألني عنه الأخ.
وأبدأ بسرد أهم المؤلفات المتقدمة في هذا الباب, فمنها:
- الجامع لأخلاق الرواي وآداب السامع للخطيب البغدادي بتحقيق محمود الطحان, أو بتحقيق محمد عجاج الخطيب.
- جامع بيان العلم وفضله, لابن عبدالبر, تحقيق أبو الأشبال الزهيري.
واختصره أبو الأشبال في كتاب سماه: صحيح جامع العلم وفضله, لكني أنصح بالأصل.
- تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، لابن جماعة الكناني، بتحقيق: محمد بن مهدي العجمي.
وللشيخ سلمان العودة محاضرتان في عرض هذا الكتاب, فاستمع له فإنه مفيد, وأظن أنه قد فُرّغ في الشبكة الإسلامية, فأرجو التأكد.
- الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي, تحقيق عبد الرزاق أبو البصل, وهي أطروحة لنيل درجة الدكتوراه, بجامعة أم القرى.
والذي أعرفه أنه لم يطبع بعد بتحقيق الشيخ, وإنما المتوفر طبعات أخرى.
ومن عنده فضل علم فليفدني.
ثم لما كانت العلوم تحتاج إلى وضعها على الميزان, جاء الإمام الذهبي - كما وزن أعلام الأمة - ليزن العلوم في كتابه المفيد: (زغل العلم), وهو نافع جدا مع صغره, وأنصح أي طالب علم أن يجعل قراءته لهذا الكتاب من بداية الطلب, وسيعرف القارئ بنفسه قيمة هذا الكتاب, وله طبعة محققة, تم تنزيلها على المكتبة الشاملة.
وعلى سبيل المثال: إذا جاء وتكلم الذهبي عن علم الفرائض. فإنك تجده يقول: بأنه فرع عن علم الفقه, ومسائله محصورة, والتعمق فيه لا يحسن لطالب العلم, فإن العلماء افترضوا مسائل لم تقع, بل قد لن تقع.
هذا يفيدك يا طالب العلم في الوقت الذي تبذله لكل علم, ومدى حاجتك له.
وقد جاء الإمام الشوكاني بعد جميع هؤلاء, وألف كتابه المشهور: أدب الطلب ومنتهى الأرب. وقسم طلاب العلم إلى أربعة أقسام, وما يحتاجه كل قسم.
إلا أن هذا الكتاب مع عناية العلماء به, ينبغي التنبه إلى أن الشوكاني له رأي شديد في التقليد, فأخشى من تقليده!
وللكتاب طبعات كثيرة منها بتعليق صبحي حلاق, وأما الطبعة التي حققها السريحي فهي أفضل الموجود إلى عهد قريب, وله تعليقات في الحواشي تحتاج إلى تصويب.
ولي وقفات سريعة مع هذه الكتب قبل أن أسرد المؤلفات المعاصرة في هذا الباب, وهي كثيرة جدا..
ما يصلح لزمن قد لا يصلح لزمن.
وعليه نقول: ما يصلح لمكان قد لا يصلح لمكان.
وما يصلح لحال قد لا يصلح لحال.
وما يصلح لشخص قد لا يصلح لآخر.
فعلى سبيل المثال: لو قرأت في هذه الكتب, أن فلانا من العلماء لازم دروس عالمٍ ما عشرين عامًا.
فلا تظن بأن هذه الملازمة مقصودة لذاتها؛ لأن طرق الوصول إلى العلم كانت محصورة لديهم في زمانهم, فإذا فات أحدهم حضور الدرس فلن يجد الكتاب مطبوعا كما هو الحال اليوم.
لكنك قد تستفيد من هذه الملازمة الهدي والسمت وغير ذلك من فوائد مصاحبة العلماء..
بل قد يُعدّ هذه الملازمة منقصة لطالب العلم أن يحضر طيلة هذه المدة في هذا الزمن الذي انتشر فيه العلم!!
وهذه الحقيقة كان ينبهني عليها الشيخ حاتم الشريف, وباختصار: رأي الشيخ حاتم في العلاقة بين التلميذ والشيخ كالآتي:
يقول الشيخ: تبدأ العلاقة بتقارب شديد من قِبَل الطالب, وعلى الشيخ أن يتحمله لأنه في فورة العلم ونهمته, ثم تبدأ العلاقة في الانفصال شيئا فشيئا, وهذا على حسب تمكّن الطالب من العلم نفسه, فكلما كان الطالب متمرسا لعلمه, ومستوعبا له كان ذلك أسرع, حتى يصل به الأمر إلى الاستغناء عن حضور دروسه, ولن يتبقى له بعد ذلك إلا الرجوع إلى الشيخ بالاتصال والاستفسار عن الأشياء المشكلة فقط من خلال بحثه.
ومثال آخر: لو قرأت في كتب السابقين: لابد من ثني الرُّكب في طلب العلم.
أقول هذا يختلف باختلاف المكان: فلو كنّا ندرس على الكراسي والماصات, فتكون الحكمة اليوم: لابد من مَدِّ الرُّكب في طلب العلم وهكذا.
الذي يهمني جدا أخي الفاضل وأنت تقرأ في هذه الكتب أن تُعمِل عقلك في الأمور الأربعة التي ذكرتها لك وغيرها, فإنك إن قرأتها على ظاهرها, ستكون ظاهريا في الفهم وهذا ما أخشاه.
ومثال آخر: ستجد بعض العلماء يذكر: ذُبح العلم بين أفخاذ النساء.
هذه العبارة لو حملتها على إطلاقها, لا يمكن أن تستقيم, وستصطدم بالواقع والتاريخ, ومنهج الأنبياء والمرسلين.
بل قيلت في زمن, بل ولشخص خاص كان يحضر حلقات العلم, ثم لما تزوج تكاسل عن طلب العلم, فقابله زميل له فسأله عن التغيب عن حلقات العلم, فوجد الأخ يحتج بالزواج وكثرة الالتزامات وإعطاء الأهل حقهم, فأطلق هذه العبارة المدوِّية: ذُبح العلم بين أفخاذ النساء.
فلو عرفت القرائن والزمن الذي قيلت فيه فإنك ستتورع عن إطلاقها في كل أحد, ولهذا لابد من مراعاة مثل هذه الأمور, ومن الطريف أن أقول: إنه قد جاء من يستفتي شيخا في هذه المسألة وسأله: هل تشجعني على الزواج أم أتأخر لأطلب العلم؟
فما كان من الشيخ إلا أن أجابه: ذُبح العلم بين أفخاذ النساء.
وبقي الطالب معذبا؛ لأنه كان يعشق امرأة يريد الزواج منها, بل ربما جرته تلك الفتوى إلى ... والله المستعان.
أكتفي بهذا القدر, وأرجو أن أكون قد أوصلت الفكرة, وتركت بعض المؤلفات المتخصصة لم أذكرها مثل: أدب الإملاء والاستملاء للسمعاني, وذلك لعدم جدواها في زماننا, وبعضها قد يكون له بُعد عن الموضوع في بعض جوانبه, وبقي أن أتكلم عن المؤلفات المعاصرة, وبعض ما يتعلق بها, وسأتبعها إن شاء الله بعد الانتهاء من الكتابة هذه الليلة.
كتبه:
الفطاني
عشاء الجمعة 3/7/1430هـ
منقول
(يتبع)
زمزم
21 Jul 2009, 01:54 AM
من أين أبدأ ؟ وكيف أبدأ في سرد الكتب المعاصرة المفيدة في مجال طلب العلم ؟ وذلك؛ لكثرة التأليف والتصنيف فيه, لكن حسبي أن أذكر المهم منها, وبأسلوب جديد في العرض, وأبتدئ بمسألة مهمة: لماذا كثر التصنيف والتأليف في هذا المجال من قِبَل المعاصرين ؟
الذي يظهر أن القول في هذه المسألة كالقول في مثيلاتها من العلوم, ألا ترى أخي الفاضل أن النوازل الفقهية قد كثرت, حتى إنك لتعجب إذا علمت أن في كل أسبوع نازلة! وفي الشهر نوازل!!
ويرجع السبب في كل ذلك؛ إلى تفجر عالم الصناعات والتقنية المعاصرة الذي أحدث دويًّا هائلا في تغيير جوانب من الحياة المعاصرة, فكان لزاما أن يواكب هذا التغيير تغييرا في سلوكيات الناس وأخلاقهم ومعاملاتهم, وهلمّ جرّا.
فأصبح الفقيه الواحد مع كثرة التخصصات لا يستطيع الإحاطة بكل نازلة تنزل بالناس, بل ولا يسعه الوقت لذلك, فكان لزاما أن يكون في الأمة خبير في المعاملات المالية, والمعاملات, وما أدراك ما المعاملات؟ وخبير في الشؤون القضائية, لاسيما مع كثرة وسائل وأدوات الجريمة, وخبير في نوازل العبادات.
وانفتحت آفاق جديدة في التفسير, في علم أصبح له أركانه وأساسياته, ومراكزه البحثية, ألا وهو الإعجاز العلمي للقرآن الكريم, وهو موضوع آخر شائك, يحتاج إلى متخصص بالقرآن وعلومه جامع فيه بين فهم السلف للقرآن وعلوم تجريبية, ولغة قوم آخرين يسهّل عليه فهم المصطلحات العلمية بدقة متناهية؛ لينزل الآية عليها, وقلّ أن يجتمع في الفقيه الواحد كل ذلك, فمن هنا أصبح قضايا التأصيل في طلب العلم قد انعطف منعطفا كبيرا هائلا مع كل هذه التغييرات, ومن أراد أن يعتمد على كتب السابقين في كل شيء, فسيرى نفسه يعيش بعيدًا عن واقعه, وأنّى لمثله أن يوجِد مشروعًا علميًّا مناسبًا له في هذا العصر؟!
(فلا تلوموا العلم ولوموا أنفسكم)
ثمّ لمّا كان الهدف متعددًا, والوسائل أكثر تعددًا, صار الكلام عن المنهجية أشد إلحاحًا من ذي قبل, فجاء العلماء – أعني - المعاصرين ليصنفوا في هذا الباب, كلٌّ يحكي تجربته في الطلب, وهذا لا ينفك عنه الإنسان مهما حاول, ومن الإنصاف أن يعترف الإنسان بضعفه, لكن الإشكال أن يقحم الإنسان رأيه على الناس ليفرضه عليهم, وسأشرح هذه العبارة, مع وضوحها عند بعض القرّاء لتمام الفائدة:
لو كان الكاتب في المنهجية لا يجيد علم الحديث, ويجيد الفقه فقط, فإنه سيقول لك: اعتن بالفقه, وقد قال الخطيب البغدادي: العلوم كلها أبازير للفقه.
ثم يأتي ليشرح هذه العبارة, ويقول: كل علوم الشريعة مؤداها ومنتهاها أن تعرف حكم الله في المسألة, وهذا هو الفقه, فخذ من كل علم ما يخدم معرفتك للفقه.
ثم يسرد منهجية طالب العلم بناء على توجهه.
ويأتي المحدث الذي لا يجيد في الفقه كثيرا, ويقول: العلم قال الله قال رسوله.
وما من علم أتى بعدهما من فقه أو تفسير أو عقيدة إلا واستند إليهما, فعليكم بالحديث, ثم يبدأ يسرد منهجيته في الحديث.
ما موقف طالب العلم تجاه هذين المنهجين؟
حقيقة لا تعارض بين هذين المنهجين, فكلٌّ منهما يحكي منهجية التخصص, وهذه المنهجية هي أنفع المناهج على الإطلاق في زماننا, دع عنك منهج الجمل وما حمل إذا لم تستطعه!!
وقبل أن أشرح منهج الجمل وما حمل, أريد أن أجلي هذه الحقيقة بوضوح, وهي: (أن الأهداف متعددة, والوسائل أكثر تعددا).
لو فرضنا أن جماعة كانوا في المطار والرحلة متجهة إلى لبنان, دعُونا نركب الطائرة معهم ونسأل كل واحد منهم: لماذا أنت ذاهب إلى لبنان؟
سيقول لك الأول: لأجل التجارة.
ويقول لك الثاني: لأجل السباحة.
ويقول لك الثالث: لأجل الصيد.
ويقول لك الرابع: لأجل تسلق الجبال.
ويقول لك الخامس: لأجل الجو.
ويقول لك السادس: لأجل... لأجل ..
سبحان الله! مع أن وجهتهم واحدة وهي لبنان, لكن اختلفت أهدافهم.
وكلٌّ قد حمل أمتعته للوصول إلى هدفه, فالذاهب لتسلق الجبال قد حمل معه معدات التسلق, والذاهب للسباحة قد حمل معه ملابس السباحة, والذاهب للصيد قد حمل معه الشبك والصنارة.
لكن لو فرضنا أن الجميع قد حملوا الصنارة, فمن المستفيد منها ؟
أكيد أن الذي ذهب للصيد وحده هو المستفيد منها, أما غيره فإن العقلاء سيقولون: حمل أمتعة لا حاجة له بها.
هكذا العلم يا أحبابي, كلنا وجهتنا واحدة, وهي علوم الشريعة, لكن منا المفسر, ومنا المحدث, ومنا الفقيه, ومنا العقدي, وهكذا.
فكل واحد منا لا بد له أن يعرف أولًا ماذا يريد أن يكون حتى يعرف ما يحتاجه من وسائل العلم لتحقيق هذا الهدف, فقد يدرس الواحد منا علمًا لا يحتاج إليه إلى أن يموت, فيكون قد أخذ شيئا كبيرا من وقته بلا فائدة تُذكر.
وهذا لا ينافي الهدف الأكبر, فقد يكون للشخص همة عالية, ويريد التفنن, كشيخ الإسلام ابن تيمية, وابن القيم, والسيوطي, وأضرابهم.
لكننا نقول له: كلما كانت همتك أكبر كان صرف وقتك وجهدك لطلب العلم أكبر.
فلا يكفي من يريد أن يكون متفننا أن يقرأ في اليوم ساعتين أو ثلاث, فإذا كان لا يقدر أن يعطي من وقته المقدار الكافي, فليتخصص, وهذا أسلم وأنفع له.
إذن لعلك أخي عرفتَ ماذا أعني بمنهج الجمل وما حمل ؟
منهج أن تقول المرحلة الأولى: ادرس الآجرومية في النحو, والتوحيد في العقيدة, والعمدة في الفقه, والبيقونية في المصطلح.
ثم المرحلة الثانية: القطر لابن هشام في النحو, والواسطية في العقيدة, والزاد في الفقه, واختصار علوم الحديث في المصطلح.
ثم المرحلة الثالثة: الألفية في النحو, والتدمرية في العقيدة, والكافي في الفقه, وعلوم الحديث لابن الصلاح في المصطلح.. وهكذا.
فالمرحلة الأولى والثانية قد يحتاجهما الجميع المتخصص والمتفنن.
لكن..ماذا يستفيد من دراسة مقدمة ابن الصلاح لمن أراد أن يتخصص في التفسير؟!
وماذا يستفيد من دراسة الألفية لمن أراد التعمق في علم مصطلح الحديث؟!
وقد اعترف بهذه الفكرة العلماء الكبار من المفسرين والمحدثين وغيرهم.
فهذا الواحدي أشغل نفسه بحفظ القرآن, ودراسة القراءات, ثم علوم اللغة؛ وذلك ليكون مفسِّرا.
وهذا الشيخ مساعد الطيار المتخصص في القرآن وعلومه يرى أن الطالب يكتفي ليكون متخصصا في التفسير أن يدرس في النحو الآجرومية ومتممتها!!
ولي في ذلك أمثلة كثيرة من المتخصصين المعاصرين, لعل الوقت يسمح لأنقل كلامهم في الموضوع.
(يتبع)
أبو الجوري الشرقي
21 Jul 2009, 02:19 AM
بحث وافي وتأصيل بديع
بارك الله فيك يا أبا عبدالرحمن ونفع بك
يثبت
((خلف الكواليس))
هلا
وغلا
ومرااااااااااااااااااحب بالحبيب
منووووووووووووووور المنتدى
وننتظر المزيد من المشاركات الثمينة
زمزم
23 Jul 2009, 04:38 PM
طالب العلم وتناول المنشطات !
ثم إنه لمّا فترت همتي, وضعف عزمي على المواصلة في الكتابة, كان لزاما أن أتعاطى بعض المنشطات, لكن ... من النوع المباح.
ففائدة هذه المنشطات لطالب العلم أنها تثير الهمم والعزائم, وتحيي فيه روح المعالي.
فطالب العلم لا يرضى بالدون, فهمته لابد أن تبلغ الجوزاء.
إذا غامرت في شرفٍ مرومِ ** فلا تقنع بما دون النجومِ
ويقول الآخر:
وإذا كانت النفوس كبارا ** تعبت في مرادها الأجساد
لكن لمّا كان الفتور من طبيعة البشر, وقد يؤدي للعجز والكسل - نعوذ بالله منهما - تنبه العلماء لمثل هذا الداء, وأعطوا الجرعات المنشطة المناسبة, حسب ما يقتضيه نوع المرض وطبيعته, فأولى هذه الجرعات:
1- صفحات من صبر العلماء.
وهو كتاب قيم, ألفه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله المتوفى سنة 1417هـ , طبعة دار البشائر, الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية.
أورد فيه المئات من القصص, والقول فيه كالقول في مثيلاته من الكتب, قد تجد ما تستنكر من القصص, فعليك أن تضعه على موازين الشرع, وسنن الكون.
وهناك قصة أحب أن أنبه إليها, ذكرها الشيخ, وهي معروفة مشتهرة, وهي للعالم الشهير بقي بن مخلد, في رحلته للإمام أحمد.
حقيقة هذه القصة تتجاذبها الغرابة والاستنكار, لهذا أنكرها الإمام الذهبي, لكن من العلماء من يرون أنها جارية على سنن الكون, ولا غرابة ولا مطعن فيها, وأذكر من المعاصرين: د.أكرم ضياء العمري.
2- قيمة الزمن عند العلماء.
لمؤلفه السابق, طبعة: دار البشائر.
وهو كتاب نفيس, وصدّر فيه مؤلفه أبيات الوزير ابن هبيرة:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه ** وأراه أسهل ما عليك يضيع!
وقد استل الدعاة والمحاضرون من القصص والأبيات في هذا الكتاب وما قبله, دون نسبة – للأسف - للمؤلف, وقد أغضب هذا العمل المؤلف كثيرا, وممن اتهمهم المؤلف صراحة؛ جاسم المطوع في كتابه: الوقت عمار أو دمار, وهو من مطبوعات مكتبة المنار بالكويت.
3- عُشاق الكتب.
وهو من تأليف عبد الرحمن يوسف الفرحان.
وهو من مطبوعات دار البشائر, وقد أثنى على هذا الكتاب مجموعة من المشايخ الفضلاء, وفيه من القصص ما يخجل منه القارئ الذي لا يستطيع أن يشتري كراسة لنفسه!
4- المشوق إلى القراءة وطلب العلم.
من تأليف الشيخ المحقق علي بن محمد العمران.
نشر وتوزيع: دار عالم الفوائد
وهو مفيد جدا, وأنصح بقراءة مقدمته, من الآن! وهو متوفر على شبكة الإنترنت في المواقع الإسلامية.
5- علو الهمة.
من تأليف: محمد إسماعيل المقدم.
من مطبوعات المكتبة التوقيفية
وقد عنون المؤلف لبعض القصص, بعناوين أشبه ما تكون قاعدة في بابها, وقد أحسن وأجاد.
وطريقة استعمال هذه المنشطات لطالب العلم تكون كاسمها.
فلا تراجع الطبيب وأنت طبيب نفسك.
متى ما شعرت بالفتور في جانب من الجوانب فاقرأ ما يناسبك, ألست إذا مرضت في بطنك, لا تستخدم إلا أدوية البطن؟!
فكذلك هنا.
متى شعرت أن همتك في القراءة ضعفت فارجع إلى دواء المشوق إلى القراءة للعمران.
هذه وصفتي الطبية, وأظنها شعبية بدائية, وأرجو أن توصلنا جميعا إلى الربانية.
تحياتي لكم جميعا.
(يتبع)
العزة للاسلام
23 Jul 2009, 09:30 PM
بارك الله فيك اخونا الفاضل
تابع
نحن هنا
زمزم
24 Jul 2009, 03:42 PM
طالب العلم والقراءة
ثم إنه لمَّا قوي عزمي على القراءة, صرت أجرد ما أجده أمامي, رغبة في الاستزادة, ولم أدر كم مضى من الوقت والعمر؟ وأنا أقرأ, لكني أجد حصيلتي العلمية هزيلة, غير قادرة على القيام في أرضية العلم الراسخة, ولم أنتبه إلا بعد حين!
هنا علمت أن ثمة مشكلة في الأمر, فتناول المنشطات وحدها لا يكفي للوصول إلى الهدف, فكم من قراءة أخذت من الجهد والوقت مأخذا كبيرا, لكن النتيجة لم تكن مرضية, ظللت أقلب ذات اليمين وذات الشمال, رجاء أن أجد حلاًّ سريعًا لمشكلتي, فصارت قضية المنهج محل اهتمامي, وعنايتي.
فقد وجدت آخرين قرؤوا من بعدي, وفاقوني أيما تفوق, بينما لا زال البعض في بداية المشوار, وقد مضى في القراءة ما لا يقل عن عشر سنوات !!
المنهجية أيها الإخوة أعز ما يفقدها طالب العلم المبتدئ, وقلّ من يتكلّم عنها؛ وذلك لقلة من يحسنها.
ومن المحاضرات النافعة في القراءة:
- المنهجية في قراءة الكتب وجرد المطولات للشيخ عبد الكريم الخضير.
- والمنهجية في قراءة كتب أهل العلم للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ.
ومن الكتب النافعة في هذا الباب:
- القراءة المثمرة د.عبد الكريم بكار. ط.دار القلم.
- الطرق الجامعة للقراءة النافعة د.محمد موسى الشريف. ط. دار الأندلس الخضراء.
وأظن أن من يجمع بين المحاضرتين والكتابين= يخرج بإضاءات مفيدة, يعرفها من جربها.
وأقترح لمن يقرأ في هذه الكتابات, أن يبدأ مباشرة في مشوار القراءة, فليس الكلام عن المنهج بمثمر بدون عمل وكد, وهذا ما أعتبه على المدربين الذين يقيمون الدورات في القراءة الضوئية, ولا أنصح بالمشاركة فيها, فقد حضرت عند أحد المتخصصين ممن يحملون شهادة معتمدة فيها لبضعة أيام, ووجدت أن فيها من المبالغات الشيء الكثير, ولا أكتمكم سرًّا قاله المدرب, يقول: تستطيع أن تقرأ في الدقيقة ثلاثين ألف كلمة!!!
فحقيقتهم أنهم يعجنون ولا يخبزون, ويقولون ما لا يفعلون, فصار تدريبهم لأجل التدريب, ومن يحضر دوراتهم إنما يحضرها - غالبا - ليصير مدربًا لا متدربًا ! فالكل مدرب ! فأين الطالب؟!
ضَعُف الطالب والمطلوب !!
(يتبع)
زمزم
24 Jul 2009, 10:54 PM
هل نبدأ في القراءة بدون معلّم ؟
سؤال مهم, وبدهي أن يكون؛ لأننا تعوّدنا أن نقرأ كلامًا – للأسف - بدون تحميص لمضمونه.
قال العلماء: مَن دخل العلم وحده خرج وحده !
وقال بعض السلف: لا تأخذ القرآن من مصحفي, ولا العلم من صحفي.
وقالوا كذلك: من كان شيخه كتابه كان خطأه أكثر من صوابه !
سبق ونبّهت إلى أنّنا إذا قرأنا في الكتب التي تتحدث عن المناهج, فلابد لنا أن نراعي اختلاف الأحوال, والأشخاص, والأزمنة, والأمكنة, فما أعز هذه المعرفة, وما أسهلها!!
العلماء رحمهم الله, عندما أطلقوا مثل هذه الكلمات, كانت الكتب وقتها لم تشكّل ولم تضبط كلماتها, ولم تعجم حروفها, فلا يفرّق القارئ بين سعيد, وبشير, ونسير؛ لتقارب أشكالها, أما وقد ضبطت الكتب, وشُكّلت, بل ولُوِّنت, فأين الإشكال؟!
وهناك تخريج آخر لعبارة: من كان شيخه كتابه, كان خطأه أكثر من صوابه!
أنه يُحمل على الطالب المبتدئ, هكذا قالوا لنا مشايخنا, ولكنه كذلك ليس فيصلًا في الموضوع..
أقول: صحيح هذا التخريج, لكن يمكن حمله على بعض الكتب وبعض العلوم.
لماذا أقول هذا الكلام؟
حتى نتجرد مع أنفسنا, أسأل هذا السؤال.
ما رأيكم لو أتيتكم بكتاب في الفقه للمبتدئين مشروحًا بالصور, بحيث لا يتجاوز القارئ مصطلحًا واحدًا إلا والصورة أمامه. مع سهولة في العبارة والعرض.
هل نقول: إن هذا الكتاب لو ابتدأ به طالب العلم, يكون خطأه أكثر من صوابه؟!
طالب العلم لا يمكن أن يستغني عن شيخٍ أو طالب علمٍ متمكنٍ يرجع إليه متى أشكل عليه المسألة, لكن كذلك, لا يمكن أن يأخذ كل شيء من الشيخ, فلابد من الموازنة بين منهج القراءة والتلقي.
واليوم - ولله الحمد - لم يعد التلقي يحتاج إلى كبير عناء, فباستطاعة أي طالب علم أن يدخل المواقع العلمية ويختار من شروح العلماء, وينتقي أفضلها, وينهل من معينها الصافي.
فليس الأخذ عن العلماء قاصرًا على حضور الدروس في المساجد – مع ما فيها من بركة -.
فلقد استفاد المشايخ أنفسهم اليوم من هذه الدروس الصوتية أيما استفادة, والموفَّق من وفقه الله.
لكنني أريد أن أنبه إلى قضية مهمة لها علاقة بالمشايخ وأساليب التعليم, فقد يسمع أحدنا اليوم عن المنهجية في طرق التدريس, فيبحث عن بعض الكتب التي اقتصرت على النصوص النبوية في الباب, ويتعامل معها كجلمود صخر, ويظن أنها سنة مهجورة!!
فسنة النبي صلى الله عليه وسلم على العين والرأس, وفوق كل أحد من المعلمين, ولن يوازيه أحد من التربويين, هذا كله مما لا شك فيه, لكن ما هي سنته المقتدى بها؟
سنته المقتدى بها كما قاله الأصوليون: أن تفعل مثل الذي فعل, على الوجه الذي فعل؛ لأنه فعل.
ولا مجال للدخول في قضايا ونقاشات حول هذه المسألة مع وضوحها إلا لمن يتعامل مع الظواهر, ويمكن الرجوع إلى كتابين مفيدين في ذلك:
أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتور محمد العروسي.
وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتور محمد الأشقر.
أعود وأقول: مشكلة من يتكلم في المنهج النبوي تكمن في النصية والحرفية في الفهم, وإلا لو عرضت بعض ما ورد فيه على العقلاء, لعلموا أن المراد منه أصل الفكرة.
على سبيل المثال: في الكتب التي تحدثت عن المنهج النبوي في التعليم, ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطوطًا في الأرض, وخط خطًا مستقيمًا, ثم قال: وأن هذا صراطي مستقيمًا...
وتذكر أنه فعل ذلك؛ لأجل التوضيح والتنويع في الأسلوب التعليمي.
فيأتي الظاهري ويقول: عندنا سنة مهجورة, وهي: الخط على الرمل في التدريس.
ولاشك أن هذه مدرسة ظاهرية في فهم النصوص.
فمع وجود التقنية الحديثة, واختلاف أمكنة التعليم, صار تطبيق مثل هذه الوسائل غير مجدية, والمقصود كما هو معلوم: أصل الفكرة.
ما أصل الفكرة هنا؟
أصل الفكرة: استخدام وسيلة غير الكلام في التعليم, ويكون قريبا لفهم المعنى المراد.
فيمكن اليوم إذن, أن نستخدم البورجكتر, والحاسوب, .. إلخ من وسائل التقنية الحديثة مما يشجع على العلم والفهم.
ومن الكتب التي جمعت النصوص في طريقة تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
- الرسول المعلم وأساليبه في التعليم.
للشيخ عبد الفتاح أبو غدة.
وهو متوفر في المنتديات, مثل قصيمي نت.
- الرسول والعلم.
للشيخ يوسف القرضاوي.
وكلا الكتابين منهجهما متقارب, إلا أن كلاًّ منهما ينتمي إلى مدرسة فقهية مغايرة.
لكن الكتابين لا يعطيان الوسائل المعاصرة التي تتجدد يومًا بعد يوم, وإنما يعطيان أصل الفكرة, فلا تبخل على نفسك بحصر المؤلفات في كتابين, بل جميع الكتب المعاصرة التي ألّفها التربويون يؤدي الغرض المنشود, ولو كان أصحابها من أساتذة الغرب, مادامت في حدود المباح, والوسائل لها أحكام المقاصد.
رزقني الله وإياكم حسن القول والعمل.
ابو اسيد
26 Jul 2009, 02:54 PM
بارك الله فيك ..
ونفع بك ..
مااقل الاقلام التي تكتب مثل قلمك .. وفقك الله اخوي ..
تقبل مروري الهش ..
ابو اسيد ~
زمزم
26 Jul 2009, 05:23 PM
أشكر مشاركتكم جميعا إخواني - الإكليل ، العزة للإسلام , أبو أسيد , وجميع القراء - وأتمنى أن تناقشوا بعض القضايا المطروحة, فهي ليست نصوص ربانية, ولا قداسة لها, والنقد الهادف البنّاء هو سبيل الوصول لتحقيق المراد, والله الموفق.
(يتبع)
العزة للاسلام
26 Jul 2009, 06:21 PM
تناقشوا بعض القضايا المطروحة, فهي ليست نصوص ربانية, ولا قداسة لها, والنقد الهادف البنّاء هو سبيل الوصول لتحقيق المراد, والله الموفق.
صدقت اخونا الكريم
فقد شد انتباهى بعض الفقرات بشدة
وحقيقاً البحث ممتع
واصل بارك الله فيك
خالد0
27 Jul 2009, 04:11 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
زمزم
28 Jul 2009, 04:53 PM
أشكرك أخي خالد والعزة للإسلام وجميع المشاركين, ولاغنى لي عن ملاحظاتكم ووجهات نظركم تجاه المواضيع المطروقة
نظرة طالب العلم تجاه الكتب الشرعية
وبعد أن انتفض الغبار, وآن وقت الجد للقراءة, همس في أذني أحدهم همسة, ما فائدة جمع الكتب؟ والمطابع تفرز كل أسبوع عشرات الكتب, هل نحن بحاجة إلى كل هذه الكتب؟
أم أن هناك كتبا محددة لا ينبغي تجاوزها؟
وهل صحيح أن العلم يزداد بالاستزادة من الكتب؟!
ما المقصود الأكبر من جمع الكتب؟
وهل في كِبَر المكتبة أو صغرها دلالة على غزارة العلم واتساعه؟
تحرير هذه النقاط مهم جدًّا كي لا يُخلط الحابل بالنابل, ويستبدل شعبان برمضان!!
نبدأ - بعون الله وتوفيقه - القول: إن الأمة منظومة تكاملية شمولية, تحتاج لإقامة الدين إلى آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر, ينشرون الدين للناس أجمعين, وتحتاج في حياتها إلى أطباء ومهندسين, يعالجون ويطبطبون, يرسمون ويخططون..
الآمرون بالمعروف: يأمرون الناس على شتى أصنافهم, فالناس منهم المتعلم, ومنهم الجاهل, ومنهم المثقف, والمثقف درجات..
كما أن الطب علم, لكنه تخصصات..
هذه هي الحقيقة الأولى.
أما الحقيقة الثانية, فتقول: إن تنوع رغبات الناس واتجاهاتهم سنة جارية في المخلوقات, فسعي الناس شتى, والذي يحدد كل ذلك؛ القدرات والمواهب والظروف التي تحيط بالإنسان, فالذي يعلّم الناس في البادية, لاشك أنه لن يدرّسهم علم الجرح والتعديل, ولا العلل للترمذي, وإنما يعلمهم ما يحتاجونه أولاً من الضروريات في الدين.
وكذلك من نشأ في بيئة وفي زمن لا تتواجد فيها الكتب أو يصعب فيها الحصول على الكتب, فمن الظلم أن يقال عنه: قليل الاطلاع؛ لأنه كسولٌ!! بل عذره معلوم.
الحقيقة الثالثة: الوسائل لها أحكام المقاصد, والوسائل متنوعة في أغلب الأحيان, ومتى كانت الوسيلة الموصلة إلى المقصود متنوعة, ومحققة للغرض بنسبة أكبر كان لها الأثر البالغ في تحقيق هذا الغرض, فمثلا: السكين وسيلة للقطع, فمتى كان السكين حادًّا وسهلَ الاستخدام, كان له أكبر الأثر على جودة المقطوع مضمونًا وشكلاً.
بل إن بعض الوسائل قد يجب إصلاحها إذا تعطلت أو ضعُفت..
فهلاّ حدَدْتَها قبل أن تضجِعَها؟!
نعود ونُضجِعَها فنقول:
ما رأيكم في شخصٍ ورِثَ مكتبةَ والدِه الضخمة, والتي تقدَّر بحجم المنزل وهو لم يقلّب حتى عُشْرها ؟!
ما الفرق بينه وبين شخصٍ اشترى مكتبةً ضخمةً تقدَّر بحجم السابق, ولم يقلّب حتى عُشْرها ؟!
ما الفرق بينه وبين شخصٍ لم يشترِ مكتبةً ضخمةً تقدَّر بحجم السابق, ولم يقلّب حتى عُشْرها ؟! بل رأى مكتبةً بهذا الحجم فقط؟!
ما الفرق بين هذه الصور؟
نجد أنه لا فرق جوهريٌّ يُذكَر..
إذن نخلُص من هذا المثال؛ أن وجود الكتب في حدّ ذاته, لا يسمنُ ولا يغني من جوعٍ, فهذه الصورة ينبغي استبعادُها تمامًا, فليست محلَّ نقاش..
لكن هل محلُّ النقاش يتصور فيما لو اقتُنيت كل هذه الكتب, وفرضنا! - وهو الفرض المحال! - أن يقرأ كل هذه الكتب صفحة.. صفحة ؟!
لا أعتقد ذلك جزمًا؛ إذ طبيعة الحياة بما فيها من مشاغل وأعباء, لا تمكّن الإنسان من قراءة كل هذه الكتب صفحة.. صفحة!! بل حتى لو أُعطي عمرُ قومِ نوح!!
بهذا يتحدد النطاق, وينحسر في صورٍ قليلة, كل صورة منها, تحتاج إلى جرعات من الكتب, تقل وتكثر حسب ما يتطرق إليه الحديث, فالعالَم الموسوعي من الكتب, يتصور وجوده في المكاتب العامة التي يرتادها جميع فئات طبقة المثقفين؛ لأن ما يصلُح لخالدٍ قد لا يصلُح لعمرٍو..
وإذا أردنا التأكد من هذه الحقيقة؛ ينبغي عدم إغفال علماء الزمان الذي يعيش فيه المرء, فهم خير دليل على أرض الواقع, ونصائحهم وتوجيهاتهم ينبغي أن تنال النصيب الأوفر من الاستماع والاقتداء..
فمثلاً: الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله, مَنْ لا يعرف هذا الرجل في علمه, وتبحره؟ لكن كم حجم مكتبة الشيخ؟ (كان صغيرًا جدًّا)!!
هذا السؤال؛ الكثير عنه في غفلة, وينبغي ترداده في كل مناسبة نتكلم فيها عن العظماء المحققين..
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام - وكان أحد المجتهدين -: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل " المحلى " لابن حزم، وكتاب " المغني " للشيخ موفق الدين.
يقول الذهبي: لقد صدق الشيخ عز الدين.
وثالثهما: " السنن الكبير " للبيهقي.
ورابعها: " التمهيد " لابن عبد البر.
فمن حصّل هذه الدواوين، وكان من أذكياء المفتين، وأدمن المطالعة فيها، فهو العالم حقا.
وأضاف بعض المتأخرين: فتح الباري لابن حجر, وكتب ورسائل شيخ الإسلام ابن تيمية..
وحولها تدور الرحى, وتسمع همهمةً وترى علمًا..
بقي أن يقال: هناك حالات استثنائية, كالوِرَش؛ فالسيارة المعطلة لابد لها من حاذق يعرف خباياها, ويكشف عيوبها, ويقيم معوجّها..
فكُتُب العلم ما لم يصنْها أهل العلم بالتحقيق والإخراج, فإنها لا تردُّ يدَ لامس!!
فالمحقق يحتاج لإخراج هذا المخطوط للأمة على وجهه الذي كتبه مؤلفه أو ما يقاربه= إلى كتب كثيرة؛ كالورشة إذا كثر فيها شتى أنواع العطل= احتيجت إلى كثير من أدوات الإصلاح!!
فالمكتبة الموسوعية, والقراءة الشاملة في أصناف الفنون, ومعرفة المظان= يحتاجها من يشتغل بالتحقيق أكثر, وهي لا تدل على تحقيقٍ في ذات العلم لزومًا على قدر ما تدل على سعةِ اطلاعٍ!! ومعرفةٍ بالمظان!! وثقافةٍ للباحث..
ولي في ذلك نماذج, لولا الستر على أهلها لذكرتهم..
وهنا نقطة يحصل عندها الالتباس لدى البعض, حينما يرون عالًما اجتمع فيه الأمران: التحقيق في العلم, وسعة الاطلاع في المصادر والمراجع, فيظنون أن في المسألة اطرادًا, بمعنى: إذا كثر الاطلاع, وكثرت الكتب= ازداد العلم كالسيل المنهمر..
وإذا قلّت المصادر وشحّت= نقص العلم واضمحل..
والذي ينبغي أن يُفهم: أنه متى اجتمع التحقيق والإبداع العلمي مع كثرة الاطلاع والبحث كان ذلك نورًا على نور..
اللهم اهدنا لنورك, إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم
زمزم
02 Aug 2009, 02:20 AM
أشكر جميع من ساهم لإثراء الموضوع وقراءته, وأدعو الله للجميع بالتوفيق والسداد.
وعندي وقفة قبل أن أكمل في الموضوع:
لعلكم لاحظتم أني شرَّقتُ وغربتُ في الكلام, وقد كان ذلك عن قصد؛ وذلك لأحث من يسأل عن المنهج, ألا يتعجل في الأمر, وأن يعرف أن المشوار طويل وشائك, وسأظل أشرِّقُ وأغرِّبُ حتى نصل معًا إلى المقصود بإذن الله.
فالكلام عن المنهج ينبغي أن يكون شموليًّا, هذه هي الفكرة التي أريد أن أوصلها, ولعلها وصلت, فطالب العلم الذي يأخذ من المنهج بطرف, يكون مقصوص الجناح, فقل لي بربك كيف يطير طير بجناح؟!
فطالب العلم يحتاج إلى المنهج في التعامل مع أهل العلم والفضل.
ويحتاج إلى المنهج في التعامل مع الكتب.
ويحتاج إلى المنهج في التعامل مع الأقران.
ويحتاج إلى المنهج في إلقاء الدروس.
ويحتاج إلى المنهج في التعامل مع المخالف.
ويحتاج إلى المنهج في مجالس المذاكرة.
ويحتاج إلى المنهج في الحفظ.
ويحتاج إلى المنهج في الفهم.
ويحتاج إلى المنهج في معرفة أنواع العلوم والتعامل معها.
ويحتاج إلى المنهج في العبادة.
ويحتاج إلى المنهج في القراءة.
ويحتاج إلى المنهج في البحث العلمي.
... إلخ.
ومن الطريف أن أحد الزملاء قد اتصل هاتفيًّا بأحد المشايخ ليسأله عن المنهج, فكان سؤاله كالتالي:
فضيلة الشيخ: أريد أن أطلب العلم, ماذا تنصحني أن أبدأ غدًا, في تفسير السعدي؟ أم في الآجرومية؟!!!
انظر إلى السؤال, تأمل فيه, إنك لتجد العجب, كيف وهو طالب مبتدئ يريد أن يبدأ كما يشاء, ويضع الشيخ أمام خيارين!!
ومن طريف القول أن أحدهم ذات مرة, قد خرج من السجن وهو في الثلاثينات من العمر, ومشاغل الدنيا كلها فوق رأسه, جاء ليستشير طالب علم, هل بإمكاني أن أطلب العلم الآن, وفيم أبدأ؟
فأجابه الطالب النبيه: نعم تبدأ بعلم الصرف!!!
فعليك بفعول, وفعيل, ومصدر صناعي, والقلب, والإدغام, و....إلخ.
فما كان من السجين المسكين إلا أن فر من العلم فراره من الأسد!!!
هكذا أيها الإخوة يصنع البعد عن المنهج.
كذلك من الأمثلة التي أعتب الإخوة عليها كثيرًا, لأني أعرف أنهم ينقرون في صخر!
ويحفرون في قفر!
وهذا عتاب لزملائي من الدعاة الذين بلغوا من السن مبلغا, ألا يشغلوا أنفسهم بعلومٍ هم في غنى عنها, أعرف بعضهم ينشغلون بعلم أصول الفقه والنحو والصرف والبلاغة والمصطلح لمدة تزيد عن خمس سنوات كلها عجاف!
فأقول لهم: رويدكم, ماذا تريدون من النحو والأصول والمصطلح ؟
وأنتم لا طاقة لكم بأدوات الاجتهاد.
فالذي يحتاج إلى علوم الآلة بالدرجة الأولى هم من يرغبون في الوصول إلى درجة الاجتهاد, وهكذا مَن أراد التعمق في علم المصطلح, وعلم أصول الفقه.
أما آن لكم أن تدرسوا الفقه بجميع أبوابه؟!
أليس المدعُوُّون بحاجة إلى الفقه أكثر من غيره؟!
فهذه حاجة الناس بين أيديكم, انظروا إليها جيدا أيها الدعاة, هل هم بحاجة إلى علم المصطلح؟ أو علم الأصول؟
هذا عتاب محب, وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت, وما توفيقي إلا بالله.
ابو ايمن
07 Aug 2009, 02:08 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
ابو ايمن
07 Aug 2009, 02:10 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
زمزم
14 Aug 2009, 06:12 AM
التزكية وأثرها على طالب العلم
قديمًا قيل: العبرة بالأعمال وليست بالأقوال.
وقيل: العبرة بالمضمون لا بالشكل.
ولا يخرج موضوعنا عن هذا المعنى, فاللب غير القشور, والتزكية عند علمائنا تأتي بمعنى التربية, وهي تربية النفس وتطهيرها من الأدناس والأرجاس بكل ما تحمله من معنى, كالتخلص من الذنوب والمعاصي, فهي تخلية وتحلية, ويقول محمد الغزالي: كل أمة لا تربى لا خير فيها.
والتزكية بهذا المعنى كلُّنا نحتاجها, وقد قال تعالى: {قد أفلح من زكاها}.
وعودًا على بدء, فإنه لمّا كانت إبداعات الناس تقوم على الكفاءة والإتقان, وهذا الإتقان يتعذّر – في غير الصناعات في العلوم التجريبية - على كلِّ الناس أن يدركوه, فإن علماءنا كانوا يعتمدون أسلوبًا آخر قائمًا على الأمانة, وهذا الأسلوب هو التزكية, فلم تكن لديهم جامعات لتعطي الشهادات, فمتى رأوا زيدًا من الناس تأهّل للتدريس أو الفتوى= قاموا بتزكيته, وهي تقوم مقام الشهادات اليوم, وهي نوعُ شهادة, لهذا يتورعُ بعض مشايخنا من تزكية أي أحد لا يعرفوه؛ وذلك لأنَّ المزكِّي قد يشمله قوله تعالى: {ستكتب شهادتهم ويسألون}.
ويؤسفني أن أقول بأن التزكية مع خطورتها, ورفيع شأنها, بل أحيانًا قد تكون أعلا رتبةً من منزلة الشهادة, فالقاضي قد يطعن في الشاهد, ويطلب من يزكّيه= إلا أنها فقدت هيبتها في هذا العصر.
فالتزكية طريقة من طرق معرفة الكفاءات, وقد تنوَّعت الطرق, فأصبح للشهادات الدراسية أثرها البالغ في معرفة الكفاءات لاسيما في العلوم التجريبية.
هذا من وجه.
ومن وجهٍ آخر فالمشايخ أنفسهم تضطرب عندهم شروط التزكية, وأنواعها, فلهذا خفّت قيمتها.
وهنا نحتاج إلى ما قلناه سابقا: العبرة بالمضمون لا بالشكل.
في الحقيقة موضوع التزكية, مهم التطرق إليه لأننا أمام واقع متأزِّم حقيقة.
فقد يأتيني طالب علم, ويقول: الشيخ العلاّمة فلان زكّاني, ونراه أبعد ما يكون عن تخصصه.
فهل كلُّ تزكية تقبل؟ أو ترفض؟
لا هذا ولا هذا..
فالغلو في قبول كلِّ التزكيات مرفوض, وكذا الغلو في رفضها كلِّها.
فالتزكية أنواع:
- هناك تزكية عامة: وهي كالشهادة على صلاح الإنسان, واستقامته على أوامر الله, كحضوره لصلاة الجماعة, ودراسته القرآن في التحفيظ.
وهذه غالبًا ما تكون للتقديم في طلب القبول طالبًا في المدراس أو الجامعات.
- وهناك تزكية خاصة: وهي الشهادة على تفوقه في مجال من المجالات كالتزكية بأن فلانًا طالبُ علم, ويحضر دروس المشايخ, ويقرأ الكتب.
- وهناك تزكية أخص: كالشهادة على أهليته للتدريس, والتأليف, والدعوة.
فهذه الثلاثة تزكيات منصوصة, ولهذا يكتنفها ما يكتنفها من الإشكالات, فقد يُحرَجُ الشيخ مِن طَلَبِ أحد طلابه الملازمين له, ولا يجد له الشيخُ بدًّا إلا أن يزكّيه بناءً على طلبه, وقد حصل كثيرٌ من ذلك, ويحضرني من هذه القصص أنَّ أحد طلبة الشيخ حاتم الشريف قد ألَّف كتابًا في ...., وطلب من الشيخ أن يقدم له, فكان الشيخ يتهرَّب منه, إلا أنَّ الأخ لمّا كان ذا خُلق، أُحرج منه الشيخ, فقدَّم له, وهو لا يدري ما يقول!!
لكن هناك تزكية - غير ما ذُكر -, وهي أقواها عندي على الإطلاق, وقلَّ أن يتنبّه لها الناس, وهي التزكية الضِمنيَّة.
وسبب قولي بأنها أقواها؛ لأنه لا يدخلها المجاملات, فهي ليست مكتوبة حتى تُرى.
وطريقتها: أن يأتي بعض طلبة العلم إلى الشيخ ليطلبوا منه درسًا خاصًّا, وليكنْ: علم الحديث.
فيقول الشيخ: اذهبوا إلى فلان.
ماذا يعني هذا, يعني أنَّ فلانًا – المحال إليه – أهلٌ للتدريس في علم الحديث.
هنا مربط الفرس, فليست ملازمة الشيخ المحدِّث دليلاً على أنَّ الطالب يلزم منه أن يكون محدثًا, وهذا الكلام ينجرُّ معنا إلى باقي الفنون, فما قلناه في الحديث نقوله في الفقه, وهكذا.
وهذه التزكية الضمنيَّة قسمان:
قسم عام: يعني أن يحيل الشيخ طلبة العلم المبتدئين, أو العوام للاستفادة من الداعية فلان.
قسم خاص: وهو أن يحيل الشيخ طلبة العلم المتخصصين للاستفادة من أحد طلبة العلم.
وبهذه الحقائق والتقسيمات يتبيَّن لنا أنَّ التزكية الحقيقية هي معرفة الإنسان لمقدار نفسه, فالشيوخ عرضة للخطأ حتى في التزكية الضمنيَّة فقد يحيلون إلى شخص يعرفونه, ويجد في المجتمع من هو أقوى منه لكنه لم يَبرز, أو لم يُعرف.
ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه..
فائدة:
بقي أن أشير إشارة إلى أن الذي يبحث عن التزكية في كتاباته هو الضعيف.
ودليل صحة هذه النتيجة هو التتبع والاستقراء.
فإننا نجد أن العلماء الأفذاذ أمثال محمود شاكر, وعبد السلام هارون, وبكر أبو زيد, وحاتم الشريف, وغيرهم من المؤلفين المبدعين لا يحتاجون إلى من يقدِّم لكتاباتهم.
وأما مَن كان يشعر بنقصٍ في نفسه, وفي تأليفه= فهذا الذي يجري خلف من يقدِّم له.
زمزم
14 Aug 2009, 06:13 AM
وأشكر لأبي أيمن مداخلته
وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد
ابوالبراء السلفي
12 Sep 2009, 12:34 AM
اللهم اجعل سعي اخي مشكور وذنبه مغفور
الله يوفقك اخي الفطاني
اكمل
اكمل
اكمل
الله يحفظك
زمزم
14 Sep 2009, 03:41 AM
والشكر موصول لأخي أبي البراء السلفي، وأشكره على حسن الظن
طالب العلم والعبادة
لن أتحدث معكم عن قيام الليل، أو صيام النهار، أو صدقة السر، فمثل هذه الأمور – في الأصل – لا يخاطَب بها طالب العلم، لا لأجل ريشة فوق رأسه، وإنما لأنه من المعلوم لديه بالضرورة.
لكنني سأتطرق إلى الموضوع من زاوية أخرى؛ وهي القسوة والجفوة عند طالب العلم.
هذه الزاوية كان بعض الناس يقولون: مَن لم يربِّه الشيوخ خرج عن المألوف.
وبعبارة أدق: تربية الشيوخ هو الحل الأمثل لمشكلة القسوة والجفوة لدى طالب العلم.
ولا شك أن من يقول مثل هذا الكلام لا يقصد الحصر؛ وذلك أنه بالتتبع والاستقراء تجد أن الذين يتحاملون على أهل العلم، وينالون من عرضهم، ويتهكَّمون فيهم= هم كذلك من تربية الشيوخ، وليسوا من تربية الخروف!
إذن أين المشكلة؟
المشكلة تكمن - في نظري – في مفهوم العبادة لدى طالب العلم، وأمور أخرى.
أما مفهوم العبادة؛ فعندما يقوم طالب العلم بالقراءة في الكتب، والبحث في المسائل، والمناظرة مع أهل الباطل فإنه في قرارة نفسه يرى أنه يخدم الأمة وأنه يتعبَّد الله بذلك.
أقول: وهو كذلك - إن شاء الله -، ولكن..
هذا جزءٌ من العبادة وليس كل العبادة، فكل عبادة شرعها الشارع كان له فيها مقصودٌ في تهذيب النفس وتربيتها، فها هي عبادة الحج تقوِّي أواصر المحبة بين المسلمين، وتذكّر المسلمين بدعوة التوحيد من إبراهيم الخليل إلى النبي الخاتم صلى الله عليهم وسلم، وعبادة الصيام تزيد في التقوى وتعين على تحقيقه، وغيرها من المقاصد.
ومن أفضل من تكلّم عن هذا الموضوع الإمام ابن القيم في مدارج السالكين، حيث يقول (1/109): العبودية منقسمة على القلب واللسان والجوارح وعلى كل منها عبودية تخصه.
فشمولية العبادة ليس القصد منها فقط أن بعض مَن لا يستطيع الإكثار من الصلاة فإنه قد يكثر من الصيام، ومن لا يقوى على الصيام فإنه يتصدق، هذا وإن كان مقصودًا أن الناس لا يستطيعون أن يفعلوا كل العبادات، لكنني أستطيع أن أقول جزمًا: إنه ليس هو المقصد الأساس؛ وذلك لأنه ورد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه يُدعى من أبواب الجنة الثمانية، وكان السبب في ذلك هو تنوّع العبادات التي قام بها.
ولهذا نجد أثر هذه العبادات عليه رضي الله عنه.
ففي قصة الإفك، كشف الله لنا شيئا مما يفعله الصدِّيق وهو النفقة على الفقير - مسطح -، ولكنه همَّ بقطع النفقة عنه للحادثة المعروفة.
فعاتب الله الصديق بقوله: {ألا تحبون أن يغفر الله لكم}
وقد ورد في البخاري عن أبي بكر رضي الله عنه وصفًا، وهو نتيجة طبيعية للراحمين أن تكون قلوبهم ودموعهم على مستوى قريب، ففي قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم نجد أن عائشة رضي الله عنها تقول: (إن أبا بكر رجل أسيف)، وفي رواية: (رجل رقيق).
فرقَّة القلب نتيجة طبيعية لمن هذا عمله.
يقول ابن القيم – كما في الفوائد (ص142)-: إذا قسا القلبُ قَحَطتِ العينُ.
قلت: ومفهومه واضح. (إذا لان القلبُ غزَرَتِ العينُ).
ومن المهم أن أنبه بأن هذه العبادات متى ما أداها الإنسان مستحضرا لمعانيها فإنها ستؤتي أكلها بإذن الله.
الشاهد أن القراءة في الفقه والحديث والمناظرة لإظهار الحق= غير كافية لطالب العلم في تعبده ليكون رقيق القلب.
وفي هذا يقول ابن الجوزي – في صيد الخاطر -: رأيتُ الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب إلا أن يمزج بالرقائق والنظر في سير السلف الصالحين.
لأنهم تناولوا مقصود النقل وخرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها.
وما أخبرتك بهذا إلا بعد معالجة وذوق؛ لأني وجدت جمهورَ المحدثين وطلاب الحديث همة أحدهم في الحديث العالي وتكثير الأجزاء.
وجمهور الفقهاء في علوم الجدل وما يغالب به الخصم.
وكيف يرق القلب مع هذه الأشياء؟!
وقد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر إلى سمته وهديه.
لا لاقتباس علمه، وذلك أن ثمرة علمه هديه وسمته.
فافهم هذا وامزج طلب الفقه والحديث بمطالعة سير السلف والزهاد في الدنيا ليكون سبباً لرقة قلبك.
وقد جمعت لكل واحد من مشاهير الأخيار كتاباً فيه أخباره وآدابه.
فجمعت كتاباً في أخبار الحسن وكتاباً في أخبار سفيان الثوري وإبراهيم بن أدهم وبشر الحافي وأحمد بن حنبل ومعروف وغيرهم من العلماء والزهاد والله الموفق للمقصود.
قلت: وهذا ما ذكره ابن الجوزي هو جزء من الحل وليس كل الحل، فنحن بحاجة ماسة إلى فقه العبادة لا علم العبادة.
وأعني بذلك: الفقه الذي يرقق القلوب، ويطهر النفوس، ويذكّر بالآخرة، لا أن نجعل العبادة مراسم وقوالب وأشكال.
وأنصح طالب العلم في هذا المجال القراءة في حِكَم التشريع وأسرار العبودية، ويجدها بإذن الله في الكتب الآتية:
- إحياء علوم الدين للغزالي، مع المآخذ على بعض المبالغات التي قد يقع فيها.
- مدارج السالكين لابن القيم.
- حجة الله البالغة للدهلوي.
- روح الدين الإسلامي لعفيف طبارة.
- العبادة في الإسلام ليوسف القرضاوي.
- من حِكَم الشريعة وأسرارها للعبادي، لكنه مختصر جدا.
وأنهي هذا المقال، بما ذكره ابن الجوزي في صيد الخاطر (557): نعوذ بالله من سبيلٍ رعاع، يتسمون بالعلماء، لا ينهاهم ما يحملون، ويعلمون ولا يعملون، ويتكبرون على الناس بما لا يعلمون، ويأخذون عرَض الأدنى، وقد نُهوا عما يأخذون. غلبتهم طباعهم، وما راضتهم علومهم التي يدرسون، فهم أخس حالاً من العوام الذين يجهلون {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}
زمزم
30 Sep 2009, 03:01 PM
تنبيه مهم
الرسالة المسماة "بيان زغل العلم والطلب" أو "النصيحة الذهبية" المنسوبة للإمام الذهبي، في نسبتها إلى الإمام الذهبي خلاف، وأود أن أنبه بأنني قد ذكرتها في أول مقال لي.
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في مقدمة التوضيح الجلي ص7: والإمام الذهبي في دينه وورعه وخلقه يرتفع قدره عن مثل هذه الرسالة التي تنادي عباراتها على بطلانها.
وقد ألف محمد بن إبراهيم الشيباني رسالة في إبطال نسبة هذه الرسالة إلى الإمام الذهبي سماها "التوضيح الجلي في الرد على النصيحة الذهبية المنحولة على الإمام الذهبي، " ومما جاء فيها "أقول إن هذه النصيحة لا تصح نسبتها إلى الإمام الذهبي لاعتبارات عدة:
أولاً: لم يذكرها أحد ممن اعتنى بمؤلفات الذهبي رحمه الله تعالى.
ثانياً: الذهبي تلميذ طالت ملازمته للشيخ ابن تيمية وحتى آخر أيامه إلى وفاته رحمه الله تعالى.
ثالثاً: جميع أقوال الذهبي في كتبه المعتمدة أو أقواله المنتشرة في الثناء على ابن تيمية والحفاوة به تنكث هذه الرسالة وتنادي ببطلان نسبتها إليه بل وتزويرها عليه.
رابعاً: هذه الرسالة بخط خصم ملد لابن تيمية رماه بسهم من القول مفزع، وهي شهادة مرفوضة شرعاً.
خامساً: حتى الساعة لم نر دليلاً من دلائل التوثيق المعتبر يسند صحة نسبتها إليه، وهذا دونه خرط القتاد.
سادساً: لم نر من نسبها للذهبي رحمه الله تعالى بعد ابن قاضي شهبة إلا عصريه الحافظ السخاوي رحمه الله، وفي الوقت الذي لم يذكر فيه مستنداً للتوثيق لا نشك أن اعتماده على هذه النسخة لا يتجاوز زمنه، ومن مضلات عصريه ابن قاضي شهبة، ولهما التقاء في المشرب المناهض لدعوة ابن تيمية رحمه الله تعالى.
سابعاً: أما المعاصرون المثبتون لنسبتها إلى الذهبي فهم بين رجل يلتقي مع ابن قاضي شهبة مذهباً ومشرباً، وآخر لم يأت بدليل، وأنى يكون القبول لقول عري عن الدليل.
ثامناً: الشدة غير اللائقة بأهل العلم ومنهم الإمام الذهبي مع شيخه الإمام ابن تيمية.
انتهى. عن كتاب "كتب حذر منها العلماء" 2/309.
منقول بتصرف
محب رسول الله
15 Feb 2010, 11:15 AM
جزاكم الله كل خير
زمزم
15 Feb 2010, 08:56 PM
طالب العلم وأحاديث الأحكام
أحاديث الأحكام هي: الأحاديث التي تستنبط منها الأحكام الفقهية التي يحتج بها الفقهاء. وكذا القول في تعريف آيات الأحكام.
وقدمت الكلام عن الأحاديث عليها إشارة إلى أنها ستكون الأصل في الموضوع.
ليس بالضرورة أن المؤلف عندما يؤلف كتابا في أحاديث الأحكام أنها تكون كلها أدلة لمذهبه هو، إنما يذكر ما يمكن أن يحتج به الفقهاء سواء كان للقول الذي يرجحه أو القول الآخر.
كما أن هناك آيات للأحكام فكذلك هناك أحاديث للأحكام
فآيات الأحكام سميت كتبها بـ(أحكام القرآن)
كل مذهب لهم كتاب في أحكام القرآن
مثل: أحكام القرآن للجصاص ت 370 هـ، وهو من تفاسير الأحناف، (مطبوع) ليس تفسيرا لكل القرآن، إنما يأتي للآيات التي يمكن أن يستدل بها على الأحكام ويترك ما عداها.
فهي – كتب أحكام القرآن - أشبه ما تكون بكتب الفقه.
ومن عيوب كتاب الجصاص التعصب لمذهب الحنفية، ورمي المذاهب الأخرى بأقذع العبارات، وخص الشافعي بالاتهام. انظر على سبيل المثال: (2/143).
وهناك كتاب عظيم قبله للطحاوي (أحكام القرآن) طبع مؤخرا وكان يظن أنه مفقود، لهذا لم يُذكر في فهارس المخطوطات، وطبع نصف الكتاب، والنصف الثاني لم يطبع بعد، والظاهر أنه لم يعثر عليه.
وللشافعية: أحكام القرآن للشافعي
لم يؤلفه الشافعي، وإنما جمعه البيهقي؛ أي جمع كلام الشافعي في آيات الأحكام.
ثم من بعده كتاب أحكام القرآن لـ(إِلْكِيا الهَراسي) ت 504هـ ، مطبوع في مجلدين.
وللمالكية: أحكام القرآن لابن العربي. (مطبوع في أربعة أجزاء)
[فائدة: هناك من يفرق بين ابن العربي الذي معنا وابن عربي الصوفي بالتنكير والتعريف، ولكن هذا مما لا ينضبط في استعمال العلماء كما قاله د.حاتم الشريف] ومن ميزة تفسيره أنه اشترط الاحتجاج بالأحاديث الصحيحة، والتنبيه والابتعاد عن الأحاديث الضعيفة، فيكون كتابه بذلك خاليا من الأحاديث الضعيفة عنده.
وأحكام القرآن لابن الفَرَس ت 597هـ، وقد طبع منه أجزاء.
وهناك كتاب الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت 671هـ وله طبعتان جيدتان:
الأولى: نشر دار الكتاب العربي. وهي القديمة.
والثانية: بإشراف د.عبد الله التركي.
وكتاب القرطبي شامل لكل القرآن، لكنه يعتني عناية خاصة بآيات الأحكام، فجاز إدخاله في هذا الباب من باب التسمح والتوسع، وإلا في الحقيقة ليس على نهج هذه الكتب.
[تنبيه: القرطبي وقع كما وقع غيره من العلماء في التأويل في الصفات، وذلك في كتبه (الجامع لأحكام القرآن، والتذكرة، والأسنى في شرح أسماء الله الحسنى)، إلا أنه مع ذلك له دفاعٌ عن عقيدة السلف حتى في الصفات، وردٌّ على كثير من الطوائف كالصوفية والرافضة وغيرهم، وله كلام محير في هذه المسألة مما جعل بعض المعاصرين يتوقف فيه؛ لمزيد من البحث والتأمل]
ومن الكتب التي يمكن أن نضيفها من باب التسمُّح: أضواء البيان للشنقيطي. فالشيخ الأمين الشنقيطي لم يقصد أن يكون كتابه في آيات الأحكام، بل قصد أن يذكر في تفسيره الآيات التي يمكن أن تفسرها آية أخرى "تفسير القرآن بالقرآن" فهو لا يفسر كل الآيات.
فإذا كانت الآية لا تفسَّر إلا بالسنة مثلا لا يذكرها.
أو كانت آية لا تفسَّر إلا من جهة اللغة فقط لا يذكرها.
أو كانت آية لا تفسر إلا بقول الصحابي فقط لا يذكرها.
وقد ذكر في المقدمة أنه يعتني بالأحكام الفقهية إذا وردت في الآيات، ولهذا توسّع كثيرا في الأحكام الفقهية.
ولا أدل من اعتناء العلماء من بعده في إفراد أحكام المناسك من تفسيره على ما ذكر.
ومن المعلوم أن الشيخ الأمين رحمه الله وافته المنية ولم يكمل الكتاب، وإنما أكمله تلميذه الشيخ عطية سالم.
والكتاب طبع في حياة الشيخ على نفقة محمد بن لا دن –والد أسامة-.
وأفضل طبعاته: الطبعة التي أخرجتها دار عالم الفوائد، مع جميع مؤلفاته.
[فوائد متعلقة بأضواء البيان:
- الكتاب أخرجه المحققون بدار عالم الفوائد دون إضافة حواش جديدة من التخريج ونحوه؛ وذلك تحقيقا لرغبة الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله القائم على المشروع آن ذاك، وكانت وجهة نظر الشيخ بكر: أن الكتاب قد طُبع منه أجزاء في حياة مؤلفه، وارتضاه على ذلك، فأي إضافة زائدة عليه، يعتبر تعدٍّ عليه.
- دار عالم الفوائد اكتفت بالجزء الذي توقف فيه الشيخ، ولم يطبعوا الملحق لعطية سالم.
- دار عالم الفوائد انتهت من فهرسة جميع كتب الشيخ الشنقيطي فهرسة موضوعية شاملة نافعة، وسترى النور قريبا إن شاء الله].
الحنابلة ليس لهم كتبٌ كثيرة في هذا الباب، لهم كتاب طبع قريبا في مجلدين، هكذا قيل لي وإلى الآن لم أعثر عليه.
وهناك كتب لم يعثر عليها، وبعضها مفقود.
الزيدية لهم كتاب، وأغلب الطوائف لهم كتاب في الأحكام.
أهمية معرفة آيات الأحكام:
الأصوليون عندما يتكلمون عن شروط الاجتهاد نجدهم يقولون: المجتهد لابد أن يعرف آيات الأحكام وأحاديثها. ولا يشترطون في المجتهد أن يكون حافظا للقرآن ولا أن يحفظ السنة، وإنما آيات الأحكام وأحاديث الأحكام.
ولهذا صنفوا في آيات الأحكام؛ لأنها التي يكون فيها الاجتهاد.
ولا شك أن حفظ القرآن كله مما يعين العالم على علمه، وقد كان عدم حفظ القرآن مما يقلل من قدر العالم.
وقفات مع كتب آيات الأحكام:
- أغلب مَن كَتب من المعاصرين في هذا الباب لم يأت بجديد، وإنما هو تكرار لما سبق، مع حسن ترتيب وتنظيم.
وهذا نقد واضح في المنهج، فالقرآن الكريم الكتاب الخاتم الذي يسع الناس زمانا ومكانا، لا يذكر في أحكامه إلا ما انتهى إليه الأوائل!
- كتب المتقدمين من أصحاب المذاهب المتبعة يقع فيها ما يقع من ضعف البشر، فالتعصب للمذهب والانتصار له، ورمي المخالف بشيء من سوء العبارة، ظاهرة غير صحية في هذه الكتب، وقد مثلت بالجصاص سابقا، وليس هو الوحيد في الحقيقة من وقع في هذا الباب، لكن.. لأن إظهار مساوئ العلماء مذموم لدى الفضلاء أحببت ألا أذكر أمثلة أخرى في الباب.
- التوسع والاستطراد في المسائل الفقهية التي لا صلة لها بالآية جعلت هذه الكتب أقرب ما تكون للكتب الفقهية منها للتفسير.
خـــالــــد
02 Mar 2010, 11:59 AM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
جزاك الله خيرا
أبولؤى
09 Mar 2010, 02:28 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تففصيلات جميلة جدا
او ملخصات او ملاحضات جزاكم الله خير
على الجهد اللذي بذلتموه وشكراً
أبوسعود المكي
07 Jul 2010, 12:06 PM
جزيت خيرا .
نفع الله بك.
جهد مبارك.
واصل المسيرة العلمية.
قصواء
07 Oct 2010, 09:45 AM
موضوع قيم
ما شاء الله
بارك الله فيك
وجزاك الله خيرا
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir