همي الدعوه
22 Jul 2009, 03:42 PM
وقفات حول جنازة الإمام ابن جبرين
هذه هي الحياة، لا بد من الفراق فهي دار ممر لا دار مقر (( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ))[الرحمن:26 - 27].
رحيل الأشخاص عن الحياة يختلف بحسب مالهم من الاتصال بالله في الحياة، وبحسب بصمتهم لدين الله في الحياة.
العلماء ورثة الأنبياء، ومن تأمل سير الأنبياء ثم نظر في حياة بعض العلماء الذين ورثوا ميراث الأنبياء يجد التشابه في حمل الهم، وصدق العمل للدين وخدمة المسلمين والسعي للدعوة لهذا الدين.
وهذا يتضح في سيرة الإمام ابن جبرين فقد أخذ بالميراث العلمي فهو الفقيه والمفسر والأصولي..
وهو أيضاً صاحب الدعوة والتدريس والتعليم والإفتاء والرحلة في القرى والهجر لأجل تبليغ الدين كما رحل الأنبياء.
كانت جنازة ابن جبرين غريبة من ناحية الحضور الهائل الذي لا أشك أنه تجاوز الخمسين ألف؛ فأي حُب سكن في القلوب حتى حضر هؤلاء؟!. إنه القبول الذي يضعه الله لمن يشاء من عباده.
وإذا وضع الله القبول فمن الذي يرفعه، ولقد رأيتها فيها ألوان الجنسيات العربية وغير العربية، فيا عجباً كيف يسري الحب في القلوب بلا استئذان.
ركبتُ مع سائق تاكسي لأجل البعد والزحام فكان مندهشاً ويسأل لماذا كل هؤلاء الناس؟!.
رأيت الصغير والكبير الذين حضروا في شدة الحر في وقت الظهيرة ومع ذلك فإن الحب يقود الأرواح فتقود الأجساد.
تأملت في أصناف المصلين على الجنازة؛ فرأيت الشيخ والعالم والإمام والشاب والأعمى وطالب العلم والبائع وأنواعاً شتى، فما هو السر؟! إنه القبول.
وبدأت الصلاة وبدأت الدموع وسُمعت أصوات المحبين وهم يجهشون ببكاء الفراق على الإمام الذي عرفوه بالعلم والعمل والدعوة والصبر والتواضع فسالت على الخدود الدموع.
وما أحلى تلك الدموع؛ إنها دموع الوفاء والحب والصفاء، إنها دموع رحيل العلماء الذين حققوا فعلاً وراثة الأنبياء.
ومضت تكبيرات الجنازة والكل بجانبي يبكي، فتأثرت بالجوار فبكيت، ولعل الدموع أخبرتني بذكريات دروس الإمام ووقته الذي قضاه في نفع الأنام فيا حلاوة تلك الدموع.
وانتهت الصلاة على الإمام ورفعوا جنازته فلم تكد ترى رجالاً يحملونها وكأنها لوحدها تسير، فما أعجب القبول إذا فاز به المرء الضعيف.
وخرجنا من الجامع والزحام يذكرك بصلاة العيد أو زحام الحجاج في أرض عرفات، وخرجنا نمشي وخرجت الجنازة تسير بالشوق على أكتاف المحبين.
ذهب الإمام ابن جبرين إلى المنزل الذي سيسكنه كل حي " القبر " ولكن نشهد بالله أن كان من أهل الله وخاصة أوليائه و " أنتم شهود الله في أرضه " .
ذهب الإمام ولكنه ترك الذكر الجميل له، والذكر للإنسان عمر ثان.
ذهب الإمام وقد ترك طلاباً يتجاوزون المئات، ومنهم حملة الماجستير والدكتوراه فهنيئاً له ما ترك، وهنيئاً لهم تتلمذهم عليه.
ذهب الإمام وقد ترك علماً كبيراً وكثيراً، وفي الصحيح: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.. وعلم ينتفع به ) رواه مسلم] .
فها هو ترك علماً ينتفع به من مؤلفات ودروس صوتية، وله موقع على الإنترنت فيه جميع المواد المكتوبة والصوتية.
لقد ذهب وأعطاني درساً في علو الهمة في تبليغ العلم ونفع الناس وتعليم الجاهل، فقد كان رحمه الله تعالى له دروس شبه يومية بعد الفجر والمغرب والعشاء.
وكان يرحل لتعليم الناس في الإجازات يبدأ من الجنوب من قرى تهامة وجيزان وينتهي بالشمال في تبوك ومحافظاتها.
هذا وهو في عمر الستين والسبعين، فما أعجب همته وطموحه، ويا حسرتاه على بعض طلاب العلم الذين لزموا أرضهم ووطنهم ومكتباتهم وتركوا الارتحال وتبليغ الدين بحجة زيادة التحصيل أو القراءة أو غير تلك الأعذار، ولو أنهم تشبهوا بالإمام ابن جبرين الداعية الرحالة لا نتفع بهم خلق كثير.
رحل الإمام وقد وضع بصمة في الزهد والتواضع وعدم الالتفات للمناصب والكراسي، ووضع نصب عينيه " الآخرة " فكان من أبنائها.
نعم.. لقد رحل الإمام وقد ترك أثراً على حياة الفقراء والمساكين وأصحاب الشفاعات، وهذا يعرفه كل من اقترب من الشيخ وعرف ازدحام عامة الناس في بيته لطلب الحاجات والشفاعات.
رحل الإمام الذي كانت الهمة العالية رداءه وإزاره، فكان بهمته نافعاً لأمته، وهكذا فليفهم كل صادق أنه بهمته سيكون أعظم هدية لأمته.
لقد ترك الإمام ابن جبرين أثراً في الجد والاجتهاد، وترك الكسل والفتور والتراخي.
نعم.. لقد كانت حياته عامرة بالأعمال الصالحة وكان يجتهد فيها مع أنه في السبعين من العمر ولكن طلاب المجد هكذا هم.
وأخيراً: علمتني الجنازة أن الثبات على المبدأ الحق والسير في نصرة الحق وتحقيق مبدأ (( وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))[الأنعام:162] هو سبيل يحتاج إلى مجاهدة وصبر ومصابرة.
لقد مضى ابن جبرين وهو هو لم يتغير في منهجه ولا رأيه فسلم من فتن التغيير التي عصفت ببعض من التصق بأهل العلم.
نعم.. ذهب الشيخ فكان ممن قال الله فيهم (( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ))[الأحزاب:23].
وإذا كان الإمام تحت التراب فليعلم محبيه أنهم مع من أحبوا ( والمرء مع من أحب ) رواه البخاري .
وليعلم أعداء الشيخ من المنافقين والعلمانيين والرافضة أن الشيخ ذهب ولكنه ترك طلابه ليكملوا مسيرة العلم والتعليم ونصرة الحق والدفاع عنه، وسيكونوا كما كان شيخهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان الحق بدليله والرد على أهل الباطل بالحجة والبيان.
وهذا الدين له أهله الذين سيذودون عنه حتى آخر رمق.
توصيات مهمة لأبناء وطلاب الإمام:
- ضرورة العناية بتراث الإمام ابن جبرين العلمي عبر: إخراج مؤسسة علمية خاصة بالشيخ ابن جبرين لتتبنى:
1- المؤلفات وطباعتها طباعة متميزة.
2- إخراج المواد الصوتية في كتب بتحقيق مناسب.
3- إخراج فتاوى الشيخ في سيدي دقيق البرمجة وسهل التصفح والبحث والطباعة.
4- إخراج قناة تحمل اسم الشيخ لتعرض جميع محتويات تراثه العلمي المكتوب والمقروء، ويمكن الاستفادة من بعض القنوات الإسلامية في معرفة دراسة ذلك وجدواها ونفعها.
5- جمع تعليقات الشيخ على الكتب التي كان يشرحها لطلابه حسب الاستطاعة وجمعها في كتب تصدر تباعاً.
من قلب: اللهم ارحم شيخنا وأسكنه الفردوس الأعلى.
بقلم : الشيخ سلطان العمري
ياله من دين
هذه هي الحياة، لا بد من الفراق فهي دار ممر لا دار مقر (( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ))[الرحمن:26 - 27].
رحيل الأشخاص عن الحياة يختلف بحسب مالهم من الاتصال بالله في الحياة، وبحسب بصمتهم لدين الله في الحياة.
العلماء ورثة الأنبياء، ومن تأمل سير الأنبياء ثم نظر في حياة بعض العلماء الذين ورثوا ميراث الأنبياء يجد التشابه في حمل الهم، وصدق العمل للدين وخدمة المسلمين والسعي للدعوة لهذا الدين.
وهذا يتضح في سيرة الإمام ابن جبرين فقد أخذ بالميراث العلمي فهو الفقيه والمفسر والأصولي..
وهو أيضاً صاحب الدعوة والتدريس والتعليم والإفتاء والرحلة في القرى والهجر لأجل تبليغ الدين كما رحل الأنبياء.
كانت جنازة ابن جبرين غريبة من ناحية الحضور الهائل الذي لا أشك أنه تجاوز الخمسين ألف؛ فأي حُب سكن في القلوب حتى حضر هؤلاء؟!. إنه القبول الذي يضعه الله لمن يشاء من عباده.
وإذا وضع الله القبول فمن الذي يرفعه، ولقد رأيتها فيها ألوان الجنسيات العربية وغير العربية، فيا عجباً كيف يسري الحب في القلوب بلا استئذان.
ركبتُ مع سائق تاكسي لأجل البعد والزحام فكان مندهشاً ويسأل لماذا كل هؤلاء الناس؟!.
رأيت الصغير والكبير الذين حضروا في شدة الحر في وقت الظهيرة ومع ذلك فإن الحب يقود الأرواح فتقود الأجساد.
تأملت في أصناف المصلين على الجنازة؛ فرأيت الشيخ والعالم والإمام والشاب والأعمى وطالب العلم والبائع وأنواعاً شتى، فما هو السر؟! إنه القبول.
وبدأت الصلاة وبدأت الدموع وسُمعت أصوات المحبين وهم يجهشون ببكاء الفراق على الإمام الذي عرفوه بالعلم والعمل والدعوة والصبر والتواضع فسالت على الخدود الدموع.
وما أحلى تلك الدموع؛ إنها دموع الوفاء والحب والصفاء، إنها دموع رحيل العلماء الذين حققوا فعلاً وراثة الأنبياء.
ومضت تكبيرات الجنازة والكل بجانبي يبكي، فتأثرت بالجوار فبكيت، ولعل الدموع أخبرتني بذكريات دروس الإمام ووقته الذي قضاه في نفع الأنام فيا حلاوة تلك الدموع.
وانتهت الصلاة على الإمام ورفعوا جنازته فلم تكد ترى رجالاً يحملونها وكأنها لوحدها تسير، فما أعجب القبول إذا فاز به المرء الضعيف.
وخرجنا من الجامع والزحام يذكرك بصلاة العيد أو زحام الحجاج في أرض عرفات، وخرجنا نمشي وخرجت الجنازة تسير بالشوق على أكتاف المحبين.
ذهب الإمام ابن جبرين إلى المنزل الذي سيسكنه كل حي " القبر " ولكن نشهد بالله أن كان من أهل الله وخاصة أوليائه و " أنتم شهود الله في أرضه " .
ذهب الإمام ولكنه ترك الذكر الجميل له، والذكر للإنسان عمر ثان.
ذهب الإمام وقد ترك طلاباً يتجاوزون المئات، ومنهم حملة الماجستير والدكتوراه فهنيئاً له ما ترك، وهنيئاً لهم تتلمذهم عليه.
ذهب الإمام وقد ترك علماً كبيراً وكثيراً، وفي الصحيح: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.. وعلم ينتفع به ) رواه مسلم] .
فها هو ترك علماً ينتفع به من مؤلفات ودروس صوتية، وله موقع على الإنترنت فيه جميع المواد المكتوبة والصوتية.
لقد ذهب وأعطاني درساً في علو الهمة في تبليغ العلم ونفع الناس وتعليم الجاهل، فقد كان رحمه الله تعالى له دروس شبه يومية بعد الفجر والمغرب والعشاء.
وكان يرحل لتعليم الناس في الإجازات يبدأ من الجنوب من قرى تهامة وجيزان وينتهي بالشمال في تبوك ومحافظاتها.
هذا وهو في عمر الستين والسبعين، فما أعجب همته وطموحه، ويا حسرتاه على بعض طلاب العلم الذين لزموا أرضهم ووطنهم ومكتباتهم وتركوا الارتحال وتبليغ الدين بحجة زيادة التحصيل أو القراءة أو غير تلك الأعذار، ولو أنهم تشبهوا بالإمام ابن جبرين الداعية الرحالة لا نتفع بهم خلق كثير.
رحل الإمام وقد وضع بصمة في الزهد والتواضع وعدم الالتفات للمناصب والكراسي، ووضع نصب عينيه " الآخرة " فكان من أبنائها.
نعم.. لقد رحل الإمام وقد ترك أثراً على حياة الفقراء والمساكين وأصحاب الشفاعات، وهذا يعرفه كل من اقترب من الشيخ وعرف ازدحام عامة الناس في بيته لطلب الحاجات والشفاعات.
رحل الإمام الذي كانت الهمة العالية رداءه وإزاره، فكان بهمته نافعاً لأمته، وهكذا فليفهم كل صادق أنه بهمته سيكون أعظم هدية لأمته.
لقد ترك الإمام ابن جبرين أثراً في الجد والاجتهاد، وترك الكسل والفتور والتراخي.
نعم.. لقد كانت حياته عامرة بالأعمال الصالحة وكان يجتهد فيها مع أنه في السبعين من العمر ولكن طلاب المجد هكذا هم.
وأخيراً: علمتني الجنازة أن الثبات على المبدأ الحق والسير في نصرة الحق وتحقيق مبدأ (( وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))[الأنعام:162] هو سبيل يحتاج إلى مجاهدة وصبر ومصابرة.
لقد مضى ابن جبرين وهو هو لم يتغير في منهجه ولا رأيه فسلم من فتن التغيير التي عصفت ببعض من التصق بأهل العلم.
نعم.. ذهب الشيخ فكان ممن قال الله فيهم (( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ))[الأحزاب:23].
وإذا كان الإمام تحت التراب فليعلم محبيه أنهم مع من أحبوا ( والمرء مع من أحب ) رواه البخاري .
وليعلم أعداء الشيخ من المنافقين والعلمانيين والرافضة أن الشيخ ذهب ولكنه ترك طلابه ليكملوا مسيرة العلم والتعليم ونصرة الحق والدفاع عنه، وسيكونوا كما كان شيخهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان الحق بدليله والرد على أهل الباطل بالحجة والبيان.
وهذا الدين له أهله الذين سيذودون عنه حتى آخر رمق.
توصيات مهمة لأبناء وطلاب الإمام:
- ضرورة العناية بتراث الإمام ابن جبرين العلمي عبر: إخراج مؤسسة علمية خاصة بالشيخ ابن جبرين لتتبنى:
1- المؤلفات وطباعتها طباعة متميزة.
2- إخراج المواد الصوتية في كتب بتحقيق مناسب.
3- إخراج فتاوى الشيخ في سيدي دقيق البرمجة وسهل التصفح والبحث والطباعة.
4- إخراج قناة تحمل اسم الشيخ لتعرض جميع محتويات تراثه العلمي المكتوب والمقروء، ويمكن الاستفادة من بعض القنوات الإسلامية في معرفة دراسة ذلك وجدواها ونفعها.
5- جمع تعليقات الشيخ على الكتب التي كان يشرحها لطلابه حسب الاستطاعة وجمعها في كتب تصدر تباعاً.
من قلب: اللهم ارحم شيخنا وأسكنه الفردوس الأعلى.
بقلم : الشيخ سلطان العمري
ياله من دين