alraia
05 Sep 2009, 04:38 AM
قال - تعالى -(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) (185) البقرة
لا بد أولا أن نعلم أن الله - تعالى -له الحكم وحده، وأحكامه - سبحانه - في غاية الحكمة والكمال و الإتقان قال - تعالى -(أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) (115) المؤمنون والله - عز وجل - ما شرع الصيام من اجل مس الجوع والظمأ نعذب به أنفسنا قال - تعالى -(ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما) (147)النساء. إن الله - تعالى -لم يشرع حكما من الأحكام إلا وله فيه حكم عظيمة، قد نعلمها، وقد لا تهتدي عقولنا إليها، وقد نعلم بعضها ويخفى علينا الكثير فمن الحكم المعلومة:
أولا: تربية العبد على الإخلاص لله - تعالى -الذي لا تقبل الأعمال عند الله إلا به قال تعالى(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) (5)البينة وكما جاء في الحديث الصحيح كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به [رواه الإمام البخاري
لآن الصوم هو العبادة الخفية التي لا يعلمها أحد إلا الله يستطيع العبد أن يأكل ويشرب ملىء بطنه في الخفاء ثم يخرج على الناس يقول إني صائم. الصيام فيه تقديم رضا الله على النفس، وتضحية بالوجود الشخصي بالامتناع عن الطعام والشراب، وبالوجود النوعي بالإمساك عن الشهوة الجنسية التي هي سبب تكاثر البشر وعدم فنائهم، وذلك ابتغاء وجه الله وحده، الذي لا يتقرب لغيره من الناس بمثل هذا الأسلوب من القربات، ومن هنا كان ثوابه عظيما، يوضحه ويبين علته قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها على سبعمائة ضعف. قال الله - عز وجل -: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي..الحديث [رواه البخاري ومسلم].
وفي الصوم إحساس بمقدار نعمة الطعام والشراب والمتعة الجنسية عندما يحرم منها ونفسه تائقة إليها، فيكون شكره عليها بالإطعام المتمثل في كثرة الصدقات في فترة الصيام.وفي توقيت الصيام بشهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن تذكير للإنسان بنعمة الرسالة المحمدية التي هي خير نعمة الإسلام قال - تعالى -(قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) (58) يونس، ونعمة الهداية القرآنية التي يكون الشكر عليها بالاستمساك بها لعلكم تشكرون، وفي فترة إشراق الروح بالصيام وتلاوة القرآن تتوجه القلوب إلى الله بالدعاء الذي لا يرد لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر -أو حين يفطر- والإمام العادل، ودعوة المظلوم رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، وحسنه الترمذي ولعل مما يشير إلى الإغراء في الصيام توسط قوله - تعالى -(إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) بين آيات الصيام سورة البقرة فلا ننسى الإكثار من الدعاء أثناء الصيام.
تحقيق معنى العبودية لله تبارك وتعالى، والاستسلام له، ولهذا كان الصيام أحد أركان الإسلام بالاتفاق، فالإسلام لا يتم إلا بالصيام، والصيام فيه تدريب العبد على الطاعة والامتثال، وتذكيره بأنه عبد لله- تبارك وتعالى -لا لغيره، ولهذا الله - سبحانه وتعالى - يأمر العبد في وقت أن يأكل، فلو صام لكان عاصيا كما في العيد أو الوصال على الخلاف، وفي أحوال أخرى يأمره - سبحانه - بالصوم حتى لو أنه أفطر لكان عاصيا، وهكذا تجد هذا يتحقق في الإحرام؛ لأن العبد يمنع من أشياء في الإحرام ويؤمر بها في غيره؛ ليتحقق فيه أشياء كثيرة يتذكر فيها أنه عبد لله - سبحانه وتعالى - يأتمر بأمره ويقف عند حده، وهذا معنى عظيم لو أن الناس أدركوه وتفطنوا له في عباداتهم، لكان أثره ليس مقصورا على الأركان المعروفة، بل جعل المسلم في أحواله كلها مثل الجندي الملتزم وهو واقف ومستعد إذا أمر أن يقدم أقدم وإذا أمر أن يحجم أحجم، ومعنى العبودية لله جل جلاله من أعظم مقاصد الصوم ومقاصد العبادات، وكثير من المسلمين يخلون بهذا المعنى، فقد يلتزمون ببعض العبادات، لكنها فقدت روحها عندهم فأصبحت لا تؤثر فيهم الأثر المطلوب في تحقيق معنى العبودية لله- تبارك وتعالى -من الحكم كذلك.
أنه يربي العبد على التقوى، ولهذا قال الله جل جلاله: لعلكم تتقون [البقرة: 183] لأن الإنسان إذا كان صائما فرضا أو نفلا تذكر أنه لا يشرب ولا يأكل مع أن هذه الأشياء في الأصل مباحة له؛ لأنه مرتبط مع الله - سبحانه وتعالى - بوعد، فهو ممسك ابتغاء ثواب الله - سبحانه -، فحينئذ من باب أولى أنه سيكف عن المعاصي التي يعرف أنها محرمة في كل الظروف، وهذا المعنى لو عقله المسلم أنه سر الصيام، ومعناه: أنه كيف يمسك عن الطعام والشراب مع أنهما مباحان في الأصل، ثم يقبل على الغيبة أو النميمة أو قول الزور أو شهادة الزور أو غير ذلك، ولهذا جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه من لم يدع قول الزور والعمل به، والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه فالذي لم يترك قول الزور و العمل به ليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه، وفى هذا تنبيه للصائمين الذي يسلون صيامهم أمام الأفلام والمسلسلات الهابطة فالصيام ليس صيام البطن فقط وإنما حفظ الرأس وما حوى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤول) (36)الإسراء وإنما معنى الحديث أن الله جل جلاله لم يشرع الصيام لحاجته إليكم أن تدعوا طعامكم وشرابكم، وإنما شرع الصيام من أجل أن تتدربوا على ترك قول الزور والعمل به، فإذا لم تتركوا قول الزور ولم تتركوا العمل به فأي معنى لصيامكم؟ فإذا لم يحدث الصيام فيكم هذا المعنى فصيامكم حينئذ غير ذي جدوى لهذه العلة، وهذا معنى لطيف جدا إذا تأملته تجده ظاهرا، فالصوم يربي الإنسان على التقوى وترك المحرمات كلها من الغيبة والنميمة والفحش والبهتان وغيرها من الأخلاق السيئة الرديئة المدمرة للفرد والمجتمع. في الصيام تخليص للإنسان من رق الشهوة والعبودية للمادة، وتربية عملية على ضبط الغرائز والسيطرة عليها، وإشعار للإنسان بأن الحريات مقيدة لخير الإنسان وخير الناس الذين يعيش معهم، هذا جهاد شاق يعود الصبر والتحمل، ويعلم قوة الإرادة ومضاء العزيمة، ويعد الإنسان لمواجهة جميع احتمالات الحياة بحلوها و مرها وسائر متقابلاتها ليجعل منه إنسانا كاملا في عقله ونفسه وجسمه يستطيع أن يتحمل تبعات النهوض بمجتمعه عن جدارة. وقد شرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - علاجا لقوة الشهوة لمن لا يستطيع الزواج، ففي الحديث: قال يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي قاطع. رواه البخاري ومسلم. وهذا علاج نبوي ناجح لضبط شهوة الفرج إذا أحس الإنسان بقرص الجوع ذهبت عنه الشهوة، والإنسان إذا تحرر من سلطان المادة اتخذ لنفسه جنة قوية تحصنه ضد الأخطار التي ينجم أكثرها عن الانطلاق والاستسلام للغرائز والأهواء. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -الصيام جنة فلا يرفث ولا يصخب. وفي رواية: ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم.. مرتين.. [رواه البخاري ومسلم]. والصائم الذي يمتنع عن المحرمات وعن الحلال الذي تدعو له الشهوة إنسان عزيز كريم، يشعر بآدميته وبامتيازه عن الحيوانات التي تسيرها الغرائز فالصيام علاج لأمراض خطيرة مثل التدخين وإدمان المخدرات التي هي عبارة عن عادات سيئة لا يستطيع المرء الإقلاع عنها ولذلك يعلاج المدمنون على المخدرات بالعزل والبعد عنها حتى يصفو الدم منها ويعود الإنسان طبيعيا في الصيام يقلع المرء طيلة النهار عن التدخين ولمدة شهر كامل بل يغير الكثير من عاداته ويتعود النظام الاستيقاظ مبكرا لتناول وجبة السحور وهذا الوقت من أفضل الأوقات البكور وكذلك وقت الإفطار فيعتاد النظام الذي هو سر النجاح في الحياة. والصيام أيضا يعود التواضع وخفض الجناح ولين الجانب، وبالتالي يعرف الإنسان قدره ويحس بضعفه، ومن عرف قدر نفسه تفتحت له أبواب الخير واستقام به الطريق. الجوع والعطش حين يحس بهما الصائم تتحرك يده فتمتد بالخير والبر للفقراء الذين عانوا مثل ما عانى من ألم الجوع وحر العطش، ومن هنا كانت السمة البارزة للصيام هي المواساة والصدقات وعمل البر، وكانت شعيرة يوم العيد هي زكاة الفطر للتوسعة على الفقراء، وهي بمثابة امتحان للصائم بعد الدروس الطويلة التي تلقاها في شهر رمضان، وبهذا كانت زكاة الفطر جواز المرور لقبول الصوم كما يقول الحديث: شهر رمضان معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر رواه أبو حفص بن شاهين حديث ضعيف ولكنه يقبل في فضائل الأعمال. الصيام بهذا المظهر يعد للحياة الاجتماعية القائمة على التعاون على البر، وعلى الرحمة الدافعة لعمل الخير عن طيب نفس وإيمان واحتساب، ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة رواه البخاري ومسلم. في الصوم قهر للشيطان، وإضعاف له، فتضعف وسوسته للإنسان، فتقل منه المعاصي، وذلك لأن (الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبالصيام تضيق مجاري الشيطان فيضعف، ويقل نفوذه. قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (25/246): ولا ريب أن الدم يتولد من الطعام والشراب، وإذا أكل أو شرب اتسعت مجاري الشياطين - الذي هو الدم - وإذا صام ضاقت مجاري الشياطين، فتنبعث القلوب إلى فعل الخيرات، وترك المنكرات. أنه يربي الإنسان على قوة الإرادة، وعلى الصبر كذلك، ولهذا من أسماء الصوم الصبر، ولذلك سمي شهر رمضان شهر الصبر، بل في قول الله جل جلاله: (واستعينوا بالصبر والصلاة)[البقرة: 45] قال بعض المفسرين: المقصود بالصبر هنا الصوم. أي: استعينوا بالصوم والصلاة، وذلك لأن الصوم يربي ملكة الصبر وقوة الإرادة، وكثير من الناس يحتاجون دائما إلى تقوية في إرادته فتقوية إرادة الإنسان من أعظم أسباب النجاح للإنسان في دنياه وفي آخرته، والصوم يمرن النفس على أن تمضي في عزمها وتنفذ إرادتها فالصائم يصمم كل ليلة على الإمساك يومها وينفذ ذلك العزم ولا يسمح لنفسه بنقضه. ويكرر هذه الظاهرة ثلاثين يوما. ولا شك في أن ذلك تقوية للإرادة وتربية للنفس على المضي في سبيلها والصوم يربي الإنسان على تحمل المشاق في أمور الحياة كلها، وهي لا توجد إلا عند الناجحين الذين استطاعوا أن يحققوا هذه الرغبات من خلال استخدام القوة الموجودة لديهم الصوم فيه صحة بدنية أسهب المختصون في بيانها وتأكيد آثارها الطيبة منها إراحة الجهاز الهضمي كذلك حمية للبدن فمن حكمة الله - تعالى -أن في الصيام حمية للبدن عن الفضلات ولا شك أن الحمية من أقوى أنواع العلاجات والأدوية فالصيام يكسب البدن المناعة والقوة ولا شك أن البدانة مرض العصر والمعدة هي بيت الداء ففي الحديث: صوموا تصحوا رواه الطبراني عن رواة ثقات، وإذا كان الصيام في أوله مرا فلذة النجاح ونشوة الظفر قاضية على مرارته. ألا ترى أن الصائمين ترقص قلوبهم فرحا وقت الغروب. فتراهم يلهجون بشكر الله على توفيقهم للقيام بالواجب فتكون صدورهم منشرحة ووجوههم باشة وليس ذلك لطعام وشراب يتناولونه ولكن ذلك سرور النصر على القوة الشهوية وإرغامها على ما أرادته القوة العقلية والحكمة النفسية. ولذلك جاء في الحديث: إن للصائم فرحتين: فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه. فالفرحة الأولى فرحة الفراغ من أداء الواجب والثانية فرحة المكافأة على القيام به. وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
لا بد أولا أن نعلم أن الله - تعالى -له الحكم وحده، وأحكامه - سبحانه - في غاية الحكمة والكمال و الإتقان قال - تعالى -(أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) (115) المؤمنون والله - عز وجل - ما شرع الصيام من اجل مس الجوع والظمأ نعذب به أنفسنا قال - تعالى -(ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما) (147)النساء. إن الله - تعالى -لم يشرع حكما من الأحكام إلا وله فيه حكم عظيمة، قد نعلمها، وقد لا تهتدي عقولنا إليها، وقد نعلم بعضها ويخفى علينا الكثير فمن الحكم المعلومة:
أولا: تربية العبد على الإخلاص لله - تعالى -الذي لا تقبل الأعمال عند الله إلا به قال تعالى(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) (5)البينة وكما جاء في الحديث الصحيح كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به [رواه الإمام البخاري
لآن الصوم هو العبادة الخفية التي لا يعلمها أحد إلا الله يستطيع العبد أن يأكل ويشرب ملىء بطنه في الخفاء ثم يخرج على الناس يقول إني صائم. الصيام فيه تقديم رضا الله على النفس، وتضحية بالوجود الشخصي بالامتناع عن الطعام والشراب، وبالوجود النوعي بالإمساك عن الشهوة الجنسية التي هي سبب تكاثر البشر وعدم فنائهم، وذلك ابتغاء وجه الله وحده، الذي لا يتقرب لغيره من الناس بمثل هذا الأسلوب من القربات، ومن هنا كان ثوابه عظيما، يوضحه ويبين علته قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها على سبعمائة ضعف. قال الله - عز وجل -: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي..الحديث [رواه البخاري ومسلم].
وفي الصوم إحساس بمقدار نعمة الطعام والشراب والمتعة الجنسية عندما يحرم منها ونفسه تائقة إليها، فيكون شكره عليها بالإطعام المتمثل في كثرة الصدقات في فترة الصيام.وفي توقيت الصيام بشهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن تذكير للإنسان بنعمة الرسالة المحمدية التي هي خير نعمة الإسلام قال - تعالى -(قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) (58) يونس، ونعمة الهداية القرآنية التي يكون الشكر عليها بالاستمساك بها لعلكم تشكرون، وفي فترة إشراق الروح بالصيام وتلاوة القرآن تتوجه القلوب إلى الله بالدعاء الذي لا يرد لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر -أو حين يفطر- والإمام العادل، ودعوة المظلوم رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، وحسنه الترمذي ولعل مما يشير إلى الإغراء في الصيام توسط قوله - تعالى -(إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) بين آيات الصيام سورة البقرة فلا ننسى الإكثار من الدعاء أثناء الصيام.
تحقيق معنى العبودية لله تبارك وتعالى، والاستسلام له، ولهذا كان الصيام أحد أركان الإسلام بالاتفاق، فالإسلام لا يتم إلا بالصيام، والصيام فيه تدريب العبد على الطاعة والامتثال، وتذكيره بأنه عبد لله- تبارك وتعالى -لا لغيره، ولهذا الله - سبحانه وتعالى - يأمر العبد في وقت أن يأكل، فلو صام لكان عاصيا كما في العيد أو الوصال على الخلاف، وفي أحوال أخرى يأمره - سبحانه - بالصوم حتى لو أنه أفطر لكان عاصيا، وهكذا تجد هذا يتحقق في الإحرام؛ لأن العبد يمنع من أشياء في الإحرام ويؤمر بها في غيره؛ ليتحقق فيه أشياء كثيرة يتذكر فيها أنه عبد لله - سبحانه وتعالى - يأتمر بأمره ويقف عند حده، وهذا معنى عظيم لو أن الناس أدركوه وتفطنوا له في عباداتهم، لكان أثره ليس مقصورا على الأركان المعروفة، بل جعل المسلم في أحواله كلها مثل الجندي الملتزم وهو واقف ومستعد إذا أمر أن يقدم أقدم وإذا أمر أن يحجم أحجم، ومعنى العبودية لله جل جلاله من أعظم مقاصد الصوم ومقاصد العبادات، وكثير من المسلمين يخلون بهذا المعنى، فقد يلتزمون ببعض العبادات، لكنها فقدت روحها عندهم فأصبحت لا تؤثر فيهم الأثر المطلوب في تحقيق معنى العبودية لله- تبارك وتعالى -من الحكم كذلك.
أنه يربي العبد على التقوى، ولهذا قال الله جل جلاله: لعلكم تتقون [البقرة: 183] لأن الإنسان إذا كان صائما فرضا أو نفلا تذكر أنه لا يشرب ولا يأكل مع أن هذه الأشياء في الأصل مباحة له؛ لأنه مرتبط مع الله - سبحانه وتعالى - بوعد، فهو ممسك ابتغاء ثواب الله - سبحانه -، فحينئذ من باب أولى أنه سيكف عن المعاصي التي يعرف أنها محرمة في كل الظروف، وهذا المعنى لو عقله المسلم أنه سر الصيام، ومعناه: أنه كيف يمسك عن الطعام والشراب مع أنهما مباحان في الأصل، ثم يقبل على الغيبة أو النميمة أو قول الزور أو شهادة الزور أو غير ذلك، ولهذا جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه من لم يدع قول الزور والعمل به، والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه فالذي لم يترك قول الزور و العمل به ليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه، وفى هذا تنبيه للصائمين الذي يسلون صيامهم أمام الأفلام والمسلسلات الهابطة فالصيام ليس صيام البطن فقط وإنما حفظ الرأس وما حوى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤول) (36)الإسراء وإنما معنى الحديث أن الله جل جلاله لم يشرع الصيام لحاجته إليكم أن تدعوا طعامكم وشرابكم، وإنما شرع الصيام من أجل أن تتدربوا على ترك قول الزور والعمل به، فإذا لم تتركوا قول الزور ولم تتركوا العمل به فأي معنى لصيامكم؟ فإذا لم يحدث الصيام فيكم هذا المعنى فصيامكم حينئذ غير ذي جدوى لهذه العلة، وهذا معنى لطيف جدا إذا تأملته تجده ظاهرا، فالصوم يربي الإنسان على التقوى وترك المحرمات كلها من الغيبة والنميمة والفحش والبهتان وغيرها من الأخلاق السيئة الرديئة المدمرة للفرد والمجتمع. في الصيام تخليص للإنسان من رق الشهوة والعبودية للمادة، وتربية عملية على ضبط الغرائز والسيطرة عليها، وإشعار للإنسان بأن الحريات مقيدة لخير الإنسان وخير الناس الذين يعيش معهم، هذا جهاد شاق يعود الصبر والتحمل، ويعلم قوة الإرادة ومضاء العزيمة، ويعد الإنسان لمواجهة جميع احتمالات الحياة بحلوها و مرها وسائر متقابلاتها ليجعل منه إنسانا كاملا في عقله ونفسه وجسمه يستطيع أن يتحمل تبعات النهوض بمجتمعه عن جدارة. وقد شرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - علاجا لقوة الشهوة لمن لا يستطيع الزواج، ففي الحديث: قال يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي قاطع. رواه البخاري ومسلم. وهذا علاج نبوي ناجح لضبط شهوة الفرج إذا أحس الإنسان بقرص الجوع ذهبت عنه الشهوة، والإنسان إذا تحرر من سلطان المادة اتخذ لنفسه جنة قوية تحصنه ضد الأخطار التي ينجم أكثرها عن الانطلاق والاستسلام للغرائز والأهواء. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -الصيام جنة فلا يرفث ولا يصخب. وفي رواية: ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم.. مرتين.. [رواه البخاري ومسلم]. والصائم الذي يمتنع عن المحرمات وعن الحلال الذي تدعو له الشهوة إنسان عزيز كريم، يشعر بآدميته وبامتيازه عن الحيوانات التي تسيرها الغرائز فالصيام علاج لأمراض خطيرة مثل التدخين وإدمان المخدرات التي هي عبارة عن عادات سيئة لا يستطيع المرء الإقلاع عنها ولذلك يعلاج المدمنون على المخدرات بالعزل والبعد عنها حتى يصفو الدم منها ويعود الإنسان طبيعيا في الصيام يقلع المرء طيلة النهار عن التدخين ولمدة شهر كامل بل يغير الكثير من عاداته ويتعود النظام الاستيقاظ مبكرا لتناول وجبة السحور وهذا الوقت من أفضل الأوقات البكور وكذلك وقت الإفطار فيعتاد النظام الذي هو سر النجاح في الحياة. والصيام أيضا يعود التواضع وخفض الجناح ولين الجانب، وبالتالي يعرف الإنسان قدره ويحس بضعفه، ومن عرف قدر نفسه تفتحت له أبواب الخير واستقام به الطريق. الجوع والعطش حين يحس بهما الصائم تتحرك يده فتمتد بالخير والبر للفقراء الذين عانوا مثل ما عانى من ألم الجوع وحر العطش، ومن هنا كانت السمة البارزة للصيام هي المواساة والصدقات وعمل البر، وكانت شعيرة يوم العيد هي زكاة الفطر للتوسعة على الفقراء، وهي بمثابة امتحان للصائم بعد الدروس الطويلة التي تلقاها في شهر رمضان، وبهذا كانت زكاة الفطر جواز المرور لقبول الصوم كما يقول الحديث: شهر رمضان معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر رواه أبو حفص بن شاهين حديث ضعيف ولكنه يقبل في فضائل الأعمال. الصيام بهذا المظهر يعد للحياة الاجتماعية القائمة على التعاون على البر، وعلى الرحمة الدافعة لعمل الخير عن طيب نفس وإيمان واحتساب، ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة رواه البخاري ومسلم. في الصوم قهر للشيطان، وإضعاف له، فتضعف وسوسته للإنسان، فتقل منه المعاصي، وذلك لأن (الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبالصيام تضيق مجاري الشيطان فيضعف، ويقل نفوذه. قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (25/246): ولا ريب أن الدم يتولد من الطعام والشراب، وإذا أكل أو شرب اتسعت مجاري الشياطين - الذي هو الدم - وإذا صام ضاقت مجاري الشياطين، فتنبعث القلوب إلى فعل الخيرات، وترك المنكرات. أنه يربي الإنسان على قوة الإرادة، وعلى الصبر كذلك، ولهذا من أسماء الصوم الصبر، ولذلك سمي شهر رمضان شهر الصبر، بل في قول الله جل جلاله: (واستعينوا بالصبر والصلاة)[البقرة: 45] قال بعض المفسرين: المقصود بالصبر هنا الصوم. أي: استعينوا بالصوم والصلاة، وذلك لأن الصوم يربي ملكة الصبر وقوة الإرادة، وكثير من الناس يحتاجون دائما إلى تقوية في إرادته فتقوية إرادة الإنسان من أعظم أسباب النجاح للإنسان في دنياه وفي آخرته، والصوم يمرن النفس على أن تمضي في عزمها وتنفذ إرادتها فالصائم يصمم كل ليلة على الإمساك يومها وينفذ ذلك العزم ولا يسمح لنفسه بنقضه. ويكرر هذه الظاهرة ثلاثين يوما. ولا شك في أن ذلك تقوية للإرادة وتربية للنفس على المضي في سبيلها والصوم يربي الإنسان على تحمل المشاق في أمور الحياة كلها، وهي لا توجد إلا عند الناجحين الذين استطاعوا أن يحققوا هذه الرغبات من خلال استخدام القوة الموجودة لديهم الصوم فيه صحة بدنية أسهب المختصون في بيانها وتأكيد آثارها الطيبة منها إراحة الجهاز الهضمي كذلك حمية للبدن فمن حكمة الله - تعالى -أن في الصيام حمية للبدن عن الفضلات ولا شك أن الحمية من أقوى أنواع العلاجات والأدوية فالصيام يكسب البدن المناعة والقوة ولا شك أن البدانة مرض العصر والمعدة هي بيت الداء ففي الحديث: صوموا تصحوا رواه الطبراني عن رواة ثقات، وإذا كان الصيام في أوله مرا فلذة النجاح ونشوة الظفر قاضية على مرارته. ألا ترى أن الصائمين ترقص قلوبهم فرحا وقت الغروب. فتراهم يلهجون بشكر الله على توفيقهم للقيام بالواجب فتكون صدورهم منشرحة ووجوههم باشة وليس ذلك لطعام وشراب يتناولونه ولكن ذلك سرور النصر على القوة الشهوية وإرغامها على ما أرادته القوة العقلية والحكمة النفسية. ولذلك جاء في الحديث: إن للصائم فرحتين: فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه. فالفرحة الأولى فرحة الفراغ من أداء الواجب والثانية فرحة المكافأة على القيام به. وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.