سنا البرق
26 Aug 2004, 08:20 AM
<span style='color:darkblue'><div align="center">السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نقلته لأهميته ..
السؤال
أنا خريج كلية شرعية، تركت الدعوة إلى الله بسبب وقوعي في المعصية كشاب، وأخشى أن أقع تحت طائلة الآية الكريمة "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" أو أكون منافقا، فتهربت من التصدي لهذه المهمة (وعظ الناس) بسبب كوني لست أهلاً لهذا الأمر ، وهناك أيضا سبب آخر لتركي الدعوة هو الرياء، فإذا عزمت على أمر ما يأتيني الشيطان بوساوس الرياء فينصرف حماسي ، ويحدث ذلك لي خاصة إذا حضر أحد الدعاة الكبار أو من له شأن الدرس أو الخطبة التي ألقيها، فأنشغل به وبدفع الرياء أثناء الخطبة، فتخرج الخطبة هزيلة لا قيمة لها، مع العلم أنه إذا لم يحضر هذا الأخ، فإن تأثير الخطبة أو الدرس على الناس يكون كبيراً ـ بفضل الله وحوله ومدده ـ، فلذلك وللخروج من هذه الوساوس قررت ترك إلقاء الخطب والدروس خشية الوقوع في الرياء أو النفاق أو…إلخ، أنا محتار ومضطرب، وأطلب النصيحة.
الرد
أخي الداعية الكريم..
دعني أبدأ حديثي معك بقول الإمام حسن البصري رحمه الله: "لا يزال العبد بخير ما علم الذي يفسد عليه عمله"، لأن أول طرق العلاج العلم بأسباب المشكلة، بل تعدى ذلك إلى أن يكون نوعًا من العلاج، كما قال زاهد مكة وهيب بن ورد: "إن من صلاح نفسي علمي بفسادها" المهم أنني ما دمت وضعت يدي على المشكلة فقد وصلت إلى طريق العلاج.. ولذلك فحديثي إليك يتجه في اتجاهين.. اتجاه العلاج حتى الشفاء إن شاء الله.. واتجاه ممارسة الدعوة خلال فترة العلاج.. ودعني أبدأ معك بالاتجاه الثاني.. نظرًا لأنه أساس استشارتك.. يقول لك الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس: "أنصحك أن تستمر في الخطابة والتدريس، لأن ترك العمل من أجل الناس شرك، والعمل من أجل الناس رياء، والشرك والرياء محرمان شرعًا، ويبطلان العمل، ويحرمان الأجر عليه".
إذن فلنتفق أولاً على ألا تترك ما تقوم به من دعوة تحت أي سبب أو ظرف، لأن "من ترك العمل للدعوة فقد أبعد الخير عن نفسه"، كما يقول عبد القادر عودة رحمه الله، ولعلي لا أُذَكِّركَ بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك مما طلعت عليه الشمس" ومن يدري لعل الله يفتح بك قلوب الناس للهداية، فتنال تلك المكانة السامية، ولعلك هنا تقول: "أَأُدْخِلِ الناس الجنة وأدخل أنا بريائي النار؟!"، فأقول لك: دعنا نتفق على ما سبق بدايةً، ولننتقل بعد ذلك إلى سؤالك، وهو الاتجاه الأول: كيف يكون العلاج؛ علاج الرياء، وعلاج المعاصي؟ أما الرياء –ولنكن صرحاء مع أنفسنا- فلكنا يعاني منه، وكلنا ذلك الرجل، والعلاج يكون كما يقول لك الدكتور أبو فارس: "أن تجاهد نفسك وتحملها على الإخلاص في ذلك، وتحارب الرياء في خطبتك وتدريسك، فلا تطلب مدح الناس وثناءهم، ولا تقصد ذلك، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان صوابًا خالصًا، ويساعد على ذلك تزكية النفس، لأن الإخلاص يقوم على مراقبة النفس مراقبةً تامة، وهو دوام المراقبة لله تعالى ونسيان حظوظ النفس كلها، فالمخلص لا يطيع نفسه بل يتمرد عليها".
ولنكن قومًا عمليين ولنتبع النقاط التالية:
1- عليك أولاً من الإكثار من القراءة في الإخلاص وصفات المخلصين محاولة منك للتشبه بهم.
2- أكثر من الأعمال التي لا يعلمها إلا الله تعالى كالصيام، وقيام الليل، والصدقة، ولا تحدث بها أحدًا، بل اجعلها بينك وبين ربك فقط، "حتى لا تعلم شمالك ما تنفق يمينك".
3- احرص على عدم طلب مدح الناس وثنائهم، وليكن في داخلك وازع ينبهك حين يبدأ قلبك بالتغير، وابدأ حينها الجهاد، واستمع معي إلى الإمام سفيان الثوري رحمه الله وهو يقول: "إن لم تكن معجباً بنفسك، فإياك أن تحبّ محمدة الناس، ومحمدتهم أن تحبّ أن يكرموك بعملك، ويروا لك به شرفاً ومنزلةً في صدورهم"، فكيف وحالنا فيه الأمران: الإعجاب بالنفس وحبّ محمدة الناس؟ فأبعد نفسك عن هذه المواطن يرحمك الله، ولكن تبقى هنا نقطة جديرة بالانتباه: ماذا لو وقع المحظور، وحَمَدَك الناس دون أن تطلب منهم ذلك ؟ الإجابة وضعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا سئل فيما رواه الإمام مسلم عن أبي ذرّ رضي الله عنه: أرأيتَ الرجلَ يعمل العمل من الخير ويحْمَدُه الناس عليه؟ فأجاب:" تلك عاجل بشرى المؤمن"، ونصّ رواية الإمام ابن ماجة للحديث أكثر وضوحاً، فعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قلت للرسول صلى الله عليه وسلم: الرجل يعمل العمل لله، فيحبه الناس عليه؟، قال: "ذلك عاجل بشرى المؤمن"، فالأصل إذن أنه عملُ خيرٍ خالصٌ لله، ثم مدحه الناس دون طلب، فلا تخف –يا أخي- ولا تقلق من ذلك إن حدث، بل لتكن مسرورا ببشرى الإيمان تلك، بشرط؛ أن تحافظ على إخلاصك الذي بدأت فيه العمل، فإن جاءتك المحمدة دون أن تطلبها فببشرى المؤمن ونعمت، وإن لم تأت فأنت على ما أنت عليه من الأجر والفضل العظيم من الكريم جلّ وعلا.
4- استعمل السلاح السريَّ المنجِزَ الذي لا رادَّ له، الدعاء، أكثر من الدعاء بأن ينقي الله قلبك، وأن يرزقك الإخلاص.
5- ذكِّر نفسَك دائمًا بقول ابن الجوزي: "ينبغي أن يكون العمل لله ومن أجله، فقد كفاك كلَّ مخلوق وجلب لك كلَّ خير، وإياك أن تميل عنه بموافقة هوى وإرضاء مخلوق، فإنه يعكس عليك الحال ويفوتك المقصود"، فمقصودك هو الله سبحانه وتعالى، فلا تترك الله الخالق الواسع ذا الجلال والإكرام الذي بيده ملكوت كل شيء، لتذهب إلى مخلوق لا يقدم ولا يؤخر ولا يضر ولا ينفع.
6- وأخيراً الزم الصحبة الصالحة التي تعينك على الخير وتدلك عليه، وحبذا لو اخترت منهم أخاً تحس بالقرب نحوه والتوافق معه، واجعله مرآتك، و"المؤمن مرآة أخيه" كما يقول صلى الله عليه وسلم، فاجعل أخاك مرآتك التي تنبهك وتساعدك وتذكرك، ودفعاً للحرج منه، اتفقا على أن يكون كل واحد منكما مرآةً لأخيه، فلا يُحْرَجُ واحدٌ من الأخر منكما، ولله ما أبدع الحسن البصري التابعي حين قال يصف المؤمن: "هو مرآة أخيه، إن رأى منه ما لا يعجبه؛ سدّده وقوّمه ووجّهه، وحاطه في السرِّ والعلن"، فاختر من يحوطك في السرّ والعلن.
وأما علاج المعاصي، فلا يكون إلا بالابتعاد عنها، وتَذَكُّر عِظَمَ من عصيتَ، وما رأيك لو وضعت لنفسك نظامَ عقوبةٍ تعاقب به نفسك عند أية معصية، وبقدر المعصية تكون العقوبة، سواء كانت مالية أو بدنية أو غير ذلك، المهم أن تنفذ العقوبة ولا تتكاسل عنها، كما نفذت الذنب ولم تتكاسل عنه، وأظنك مرة بعد مرة ستتخلص –قدر المستطاع- من الذنوب، وتذَكَّر دائمًا أن الإنسان قد جُبِل على الخطأ، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"، فما دمنا خطائين فلنكن خير الخطائين، واستعن بالله ولا تعجز.
ولكن احذر –يرحمك الله- من أن تأخذ نفسك بالشدة أكثر من اللازم، وتكثر اللوم والتأنيب المحبِط، فتصل -بدلاً من إصلاح نفسك- إلى القعود وزيادة اليأس والإحباط.
التوسط في كل شيء خير، وديننا هو دين الوسطية، والرسول صلى الله عليه وسلم –كما في الحديث- ما خُيِّرَ بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ولذلك أنكر صلى الله عليه وسلم على الثلاثة الذين تشددوا وتقالّوا عمله في الحديث المعروف، بل نفى عنهم الانتماء إليه: "فمن رغب عن سنتي فليس مني"، وقال في حديث آخر: "إن هذا الدين متين، فأَوْغِلوا فيه برفق، وما شادّ الدينَ أحدٌ إلا غلبَه"، والأدلة الشرعية في هذا الأمر أكثر من أن تُحصَى، ولكن حسبنا من الاستشهاد الإثبات، فارحم نفسك، على أنْ لا تطلق لها العنان، وتترك الحبل على غاربه، ولكن:"سدِّد وقارِب"، وتوسَّط، وخذ نفسك باللوم حيناً، وبالتشجيع أحياناً أخرى، ومِثْلُك لا يحتاج مَن يدلّه طريقَ نفسه.
أخي الحبيب: إنه من الرائع فيك أن تكتشف عيبك، وبذلك تكون قد اجتزت نصف الطريق، ويبقى النصف الآخر؛ العلاج وتغيير ما في النفس، وتَذَكَّرْ دائماً أن من عجز عن تغيير نفسه فهو عن تغيير غيره أعجز، أليس كذلك؟
وفقنا الله جميعًا للإخلاص وللعمل... المحرر.</div></span>
نقلته لأهميته ..
السؤال
أنا خريج كلية شرعية، تركت الدعوة إلى الله بسبب وقوعي في المعصية كشاب، وأخشى أن أقع تحت طائلة الآية الكريمة "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" أو أكون منافقا، فتهربت من التصدي لهذه المهمة (وعظ الناس) بسبب كوني لست أهلاً لهذا الأمر ، وهناك أيضا سبب آخر لتركي الدعوة هو الرياء، فإذا عزمت على أمر ما يأتيني الشيطان بوساوس الرياء فينصرف حماسي ، ويحدث ذلك لي خاصة إذا حضر أحد الدعاة الكبار أو من له شأن الدرس أو الخطبة التي ألقيها، فأنشغل به وبدفع الرياء أثناء الخطبة، فتخرج الخطبة هزيلة لا قيمة لها، مع العلم أنه إذا لم يحضر هذا الأخ، فإن تأثير الخطبة أو الدرس على الناس يكون كبيراً ـ بفضل الله وحوله ومدده ـ، فلذلك وللخروج من هذه الوساوس قررت ترك إلقاء الخطب والدروس خشية الوقوع في الرياء أو النفاق أو…إلخ، أنا محتار ومضطرب، وأطلب النصيحة.
الرد
أخي الداعية الكريم..
دعني أبدأ حديثي معك بقول الإمام حسن البصري رحمه الله: "لا يزال العبد بخير ما علم الذي يفسد عليه عمله"، لأن أول طرق العلاج العلم بأسباب المشكلة، بل تعدى ذلك إلى أن يكون نوعًا من العلاج، كما قال زاهد مكة وهيب بن ورد: "إن من صلاح نفسي علمي بفسادها" المهم أنني ما دمت وضعت يدي على المشكلة فقد وصلت إلى طريق العلاج.. ولذلك فحديثي إليك يتجه في اتجاهين.. اتجاه العلاج حتى الشفاء إن شاء الله.. واتجاه ممارسة الدعوة خلال فترة العلاج.. ودعني أبدأ معك بالاتجاه الثاني.. نظرًا لأنه أساس استشارتك.. يقول لك الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس: "أنصحك أن تستمر في الخطابة والتدريس، لأن ترك العمل من أجل الناس شرك، والعمل من أجل الناس رياء، والشرك والرياء محرمان شرعًا، ويبطلان العمل، ويحرمان الأجر عليه".
إذن فلنتفق أولاً على ألا تترك ما تقوم به من دعوة تحت أي سبب أو ظرف، لأن "من ترك العمل للدعوة فقد أبعد الخير عن نفسه"، كما يقول عبد القادر عودة رحمه الله، ولعلي لا أُذَكِّركَ بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك مما طلعت عليه الشمس" ومن يدري لعل الله يفتح بك قلوب الناس للهداية، فتنال تلك المكانة السامية، ولعلك هنا تقول: "أَأُدْخِلِ الناس الجنة وأدخل أنا بريائي النار؟!"، فأقول لك: دعنا نتفق على ما سبق بدايةً، ولننتقل بعد ذلك إلى سؤالك، وهو الاتجاه الأول: كيف يكون العلاج؛ علاج الرياء، وعلاج المعاصي؟ أما الرياء –ولنكن صرحاء مع أنفسنا- فلكنا يعاني منه، وكلنا ذلك الرجل، والعلاج يكون كما يقول لك الدكتور أبو فارس: "أن تجاهد نفسك وتحملها على الإخلاص في ذلك، وتحارب الرياء في خطبتك وتدريسك، فلا تطلب مدح الناس وثناءهم، ولا تقصد ذلك، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان صوابًا خالصًا، ويساعد على ذلك تزكية النفس، لأن الإخلاص يقوم على مراقبة النفس مراقبةً تامة، وهو دوام المراقبة لله تعالى ونسيان حظوظ النفس كلها، فالمخلص لا يطيع نفسه بل يتمرد عليها".
ولنكن قومًا عمليين ولنتبع النقاط التالية:
1- عليك أولاً من الإكثار من القراءة في الإخلاص وصفات المخلصين محاولة منك للتشبه بهم.
2- أكثر من الأعمال التي لا يعلمها إلا الله تعالى كالصيام، وقيام الليل، والصدقة، ولا تحدث بها أحدًا، بل اجعلها بينك وبين ربك فقط، "حتى لا تعلم شمالك ما تنفق يمينك".
3- احرص على عدم طلب مدح الناس وثنائهم، وليكن في داخلك وازع ينبهك حين يبدأ قلبك بالتغير، وابدأ حينها الجهاد، واستمع معي إلى الإمام سفيان الثوري رحمه الله وهو يقول: "إن لم تكن معجباً بنفسك، فإياك أن تحبّ محمدة الناس، ومحمدتهم أن تحبّ أن يكرموك بعملك، ويروا لك به شرفاً ومنزلةً في صدورهم"، فكيف وحالنا فيه الأمران: الإعجاب بالنفس وحبّ محمدة الناس؟ فأبعد نفسك عن هذه المواطن يرحمك الله، ولكن تبقى هنا نقطة جديرة بالانتباه: ماذا لو وقع المحظور، وحَمَدَك الناس دون أن تطلب منهم ذلك ؟ الإجابة وضعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا سئل فيما رواه الإمام مسلم عن أبي ذرّ رضي الله عنه: أرأيتَ الرجلَ يعمل العمل من الخير ويحْمَدُه الناس عليه؟ فأجاب:" تلك عاجل بشرى المؤمن"، ونصّ رواية الإمام ابن ماجة للحديث أكثر وضوحاً، فعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قلت للرسول صلى الله عليه وسلم: الرجل يعمل العمل لله، فيحبه الناس عليه؟، قال: "ذلك عاجل بشرى المؤمن"، فالأصل إذن أنه عملُ خيرٍ خالصٌ لله، ثم مدحه الناس دون طلب، فلا تخف –يا أخي- ولا تقلق من ذلك إن حدث، بل لتكن مسرورا ببشرى الإيمان تلك، بشرط؛ أن تحافظ على إخلاصك الذي بدأت فيه العمل، فإن جاءتك المحمدة دون أن تطلبها فببشرى المؤمن ونعمت، وإن لم تأت فأنت على ما أنت عليه من الأجر والفضل العظيم من الكريم جلّ وعلا.
4- استعمل السلاح السريَّ المنجِزَ الذي لا رادَّ له، الدعاء، أكثر من الدعاء بأن ينقي الله قلبك، وأن يرزقك الإخلاص.
5- ذكِّر نفسَك دائمًا بقول ابن الجوزي: "ينبغي أن يكون العمل لله ومن أجله، فقد كفاك كلَّ مخلوق وجلب لك كلَّ خير، وإياك أن تميل عنه بموافقة هوى وإرضاء مخلوق، فإنه يعكس عليك الحال ويفوتك المقصود"، فمقصودك هو الله سبحانه وتعالى، فلا تترك الله الخالق الواسع ذا الجلال والإكرام الذي بيده ملكوت كل شيء، لتذهب إلى مخلوق لا يقدم ولا يؤخر ولا يضر ولا ينفع.
6- وأخيراً الزم الصحبة الصالحة التي تعينك على الخير وتدلك عليه، وحبذا لو اخترت منهم أخاً تحس بالقرب نحوه والتوافق معه، واجعله مرآتك، و"المؤمن مرآة أخيه" كما يقول صلى الله عليه وسلم، فاجعل أخاك مرآتك التي تنبهك وتساعدك وتذكرك، ودفعاً للحرج منه، اتفقا على أن يكون كل واحد منكما مرآةً لأخيه، فلا يُحْرَجُ واحدٌ من الأخر منكما، ولله ما أبدع الحسن البصري التابعي حين قال يصف المؤمن: "هو مرآة أخيه، إن رأى منه ما لا يعجبه؛ سدّده وقوّمه ووجّهه، وحاطه في السرِّ والعلن"، فاختر من يحوطك في السرّ والعلن.
وأما علاج المعاصي، فلا يكون إلا بالابتعاد عنها، وتَذَكُّر عِظَمَ من عصيتَ، وما رأيك لو وضعت لنفسك نظامَ عقوبةٍ تعاقب به نفسك عند أية معصية، وبقدر المعصية تكون العقوبة، سواء كانت مالية أو بدنية أو غير ذلك، المهم أن تنفذ العقوبة ولا تتكاسل عنها، كما نفذت الذنب ولم تتكاسل عنه، وأظنك مرة بعد مرة ستتخلص –قدر المستطاع- من الذنوب، وتذَكَّر دائمًا أن الإنسان قد جُبِل على الخطأ، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"، فما دمنا خطائين فلنكن خير الخطائين، واستعن بالله ولا تعجز.
ولكن احذر –يرحمك الله- من أن تأخذ نفسك بالشدة أكثر من اللازم، وتكثر اللوم والتأنيب المحبِط، فتصل -بدلاً من إصلاح نفسك- إلى القعود وزيادة اليأس والإحباط.
التوسط في كل شيء خير، وديننا هو دين الوسطية، والرسول صلى الله عليه وسلم –كما في الحديث- ما خُيِّرَ بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ولذلك أنكر صلى الله عليه وسلم على الثلاثة الذين تشددوا وتقالّوا عمله في الحديث المعروف، بل نفى عنهم الانتماء إليه: "فمن رغب عن سنتي فليس مني"، وقال في حديث آخر: "إن هذا الدين متين، فأَوْغِلوا فيه برفق، وما شادّ الدينَ أحدٌ إلا غلبَه"، والأدلة الشرعية في هذا الأمر أكثر من أن تُحصَى، ولكن حسبنا من الاستشهاد الإثبات، فارحم نفسك، على أنْ لا تطلق لها العنان، وتترك الحبل على غاربه، ولكن:"سدِّد وقارِب"، وتوسَّط، وخذ نفسك باللوم حيناً، وبالتشجيع أحياناً أخرى، ومِثْلُك لا يحتاج مَن يدلّه طريقَ نفسه.
أخي الحبيب: إنه من الرائع فيك أن تكتشف عيبك، وبذلك تكون قد اجتزت نصف الطريق، ويبقى النصف الآخر؛ العلاج وتغيير ما في النفس، وتَذَكَّرْ دائماً أن من عجز عن تغيير نفسه فهو عن تغيير غيره أعجز، أليس كذلك؟
وفقنا الله جميعًا للإخلاص وللعمل... المحرر.</div></span>