طيف المدينة
24 Sep 2009, 08:38 AM
http://www.shamsqatar.com/up3/get-11-2007-v5i9fr0r.gif (http://www.shamsqatar.com/up3)
من مرويات الحريري صاحب المقامات
حتى إذا التمَعَ الفجرُ. وحقّ للمُتهَجِّدِ الأجْرُ. عقّبَ تهجّدَهُ بالتّسْبيحِ. ثمّ اضطَجَعَ ضِجْعَةَ المُستريحِ. وجعلَ يرجّعُ بصوْتٍ فَصيحٍ:
خلِّ ادّكـارَ الأرْبُــعِ
والمعْهَدِ المُـرتَـبَـعِ
والظّاعِـنِ الـمودِّعِ
وعـدِّ عـنْـهُ ودَعِ
وانْدُبْ زَماناً سـلَـفـا
سوّدْتَ فيهِ الصُّـحُفـا
ولمْ تزَلْ مُعـتـكِفـا
على القبيحِ الشّـنِــعِ
كمْ لـيلَةٍ أودَعْـتَـهـا
مآثِمـاً أبْـدَعْـتَـهـا
لشَهوَةٍ أطَـعْـتَـهـا
في مرْقَدٍ ومَضْجَــعِ
وكمْ خُطًى حثَثْـتَـهـا
في خِـزْيَةٍ أحْدَثْتَـهـا
وتوْبَةٍ نـكَـثْـتَـهـا
لمَلْـعَـبٍ ومـرْتَـعِ
وكمْ تجـرّأتَ عـلـى
ربّ السّمَواتِ العُلـى
ولـمْ تُـراقِـبْـهُ ولا
صدَقْتَ في ما تدّعـي
وكمْ غمَـصْـتَ بِـرّهُ
وكمْ أمِنْـتَ مـكْـرَهُ
وكـمْ نـبَـذْتَ أمـرَهُ
نبْذَ الحِذا الـمـرقَّــعِ
وكمْ ركَضْتَ في اللّـعِبْ
وفُهْتَ عمْـداً بالكَــذِبْ
ولـمْ تُـراعِ مـا يجِـبْ
منْ عـهْدِهِ الـمـتّـبَـعِ
فالْبَسْ شِـعـارَ الـنّـدمِ
واسكُبْ شـآبـيبَ الـدّمِ
قبـلَ زَوالِ الـقـــدَمِ
وقبلَ سـوء المـصْـرَعِ
واخضَعْ خُضوعَ المُعترِفْ
ولُذْ مَـلاذَ المُـقـتـرِفْ
واعْصِ هَواكَ وانحَـرِفْ
عنْهُ انحِرافَ المُقـلِــعِ
إلامَ تـسْـهـو وتَـنـي
ومُـعظَمُ العُمـرِ فَـنـي
في ما يضُرّ المُقْـتَـنـي
ولسْـتَ بـالـمُـرْتَـدِعِ
أمَا ترَى الشّـيبَ وخَـطْ
وخَطّ في الرّأسِ خِطَـطْ
ومنْ يلُحْ وخْطُ الشّمَـطْ
بفَـودِهِ فـقـدْ نُـعـي
ويْحَكِ يا نفسِ احْرِصي
على ارْتِيادِ المَخـلَصِ
وطاوِعي وأخْـلِصـي
واسْتَمِعي النُّصْحَ وعي
واعتَبِرِي بمَـنْ مضى
من القُرونِ وانْقَـضى
واخْشَيْ مُفاجاةَ القَضا
وحاذِري أنْ تُخْدَعـي
وانتَهِجي سُبْـلَ الهُدى
وادّكِري وشْكَ الـرّدى
وأنّ مـثْـواكِ غــدا
في قعْرِ لحْـدٍ بـلْـقَعِ
آهاً لـهُ بـيْتِ الـبِـلَى
والمنزِلِ القفْرِ الـخَـلا
وموْرِدِ السّـفْـرِ الأُلى
واللاّحِـقِ الـمُـتّـبِعِ
بيْتٌ يُرَى مَـنْ أُودِعَهْ
قد ضمّهُ واسْـتُـودِعَهْ
بعْدَ الفَضاء والـسّـعَهْ
قِيـدَ ثَـــلاثِ أذْرُعِ
لا فــرْقَ أنْ يحُـلّهُ
داهِـــيَةٌ أو أبْــلَهُ
أو مُعْسِرٌ أو مـنْ لـهُ
مُلكٌ كـمُـلْـكِ تُـبّعِ
وبعْدَهُ الـعَـرْضُ الذي
يحْوي الحَـييَّ والـبَذي
والمُبتَدي والمُـحـتَذي
ومَنْ رعى ومنْ رُعي
فَيا مَفـازَ الـمـتّقي
ورِبْحَ عبْـدٍ قد وُقِي
سوءَ الحِسابِ الموبِقِ
وهـوْلَ يومِ الـفزَعِ
ويا خَسـارَ مَنْ بغَى
ومنْ تعـدّى وطَغى
وشَبّ نيرانَ الوَغى
لمَطْعَـمٍ أو مطْمَعِ
يا مَنْ عليْـهِ المتّكَـلْ
قدْ زادَ ما بي منْ وجَلْ
لِما اجتَرَحْتُ مـن زلَلْ
في عُمْري الـمُـضَيَّعِ
فاغْفِرْ لعَبْـدٍ مُـجـتَـرِمْ
وارْحَمْ بُكاهُ المُنسـجِــمْ
فأنتَ أوْلـى مـنْ رَحِـمْ
وخـيْرُ مَـدْعُـوٍّ دُعِـي
قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فلمْ يزَلْ يرَدّدُها بصوتٍ رقيقٍ. ويصِلُها بزَفيرٍ وشَهيقٍ. حتى بكيتُ لبُكاء عينيهِ. كَما كُنتُ منْ قبلُ أبكي عليْهِ. ثمّ برزَ الى مسجِدِهِ. بوُضوء تهجّدِهِ. فانطلَقْتُ رِدْفَهُ. وصلّيتُ مع مَنْ صلّى خلفهُ. ولمّا انفَضّ مَنْ حضَرَ. وتفرّقوا شغَرَ بغَرَ. أخذَ يُهَينِمُ بدَرْسِهِ. ويسْبِكُ يومَهُ في قالِبِ أمْسِهِ. وفي ضِمْنِ ذلِكَ يُرِنّ إرْنانَ الرَّقوبِ. ويبْكي ولا بُكاءَ يعْقوبَ. حتى استَبَنْتُ أنهُ التحقَ بالأفْرادِ. وأُشرِبَ قلبُهُ هوى الانْفِرادِ. فأخطَرْتُ بقَلْبي عَزْمَةَ الارتِحالِ. وتخْلِيَتَهُ والتّخلّي بتِلكَ الحالِ. فكأنهُ تفرّسَ ما نويْتُ. أو كوشِفَ بما أخْفَيْتُ. فزفَرَ زَفيرَ الأوّاهِ. ثمّ قرأ: فإذا عزَمْتَ فتوكّلْ على اللهِ. فأسْجَلْتُ عندَ ذلِكَ بصِدْقِ المُحدّثينَ. وأيقَنْتُ أنّ في الأمّةِ محَدّثينَ. ثمّ دنَوْتُ إليْهِ كما يدْنو المُصافِحُ. وقلتُ: أوْصِني أيها العبْدُ النّاصِحُ. فقال: اجعَلِ الموتَ نُصْبَ عينِكَ. وهذا فِراقُ بيني وبينِكَ. فودّعْتُهُ وعبَراتي يتحدّرْنَ منَ المآقي. وزَفَراتي يتصَعّدْنَ منَ التّراقي. وكانتْ هذِهِ خاتِمَةَ التّلاقي.
م/ن
http://www.shamsqatar.com/up3/get-11-2007-8prsh3dc.gif (http://www.shamsqatar.com/up3)
من مرويات الحريري صاحب المقامات
حتى إذا التمَعَ الفجرُ. وحقّ للمُتهَجِّدِ الأجْرُ. عقّبَ تهجّدَهُ بالتّسْبيحِ. ثمّ اضطَجَعَ ضِجْعَةَ المُستريحِ. وجعلَ يرجّعُ بصوْتٍ فَصيحٍ:
خلِّ ادّكـارَ الأرْبُــعِ
والمعْهَدِ المُـرتَـبَـعِ
والظّاعِـنِ الـمودِّعِ
وعـدِّ عـنْـهُ ودَعِ
وانْدُبْ زَماناً سـلَـفـا
سوّدْتَ فيهِ الصُّـحُفـا
ولمْ تزَلْ مُعـتـكِفـا
على القبيحِ الشّـنِــعِ
كمْ لـيلَةٍ أودَعْـتَـهـا
مآثِمـاً أبْـدَعْـتَـهـا
لشَهوَةٍ أطَـعْـتَـهـا
في مرْقَدٍ ومَضْجَــعِ
وكمْ خُطًى حثَثْـتَـهـا
في خِـزْيَةٍ أحْدَثْتَـهـا
وتوْبَةٍ نـكَـثْـتَـهـا
لمَلْـعَـبٍ ومـرْتَـعِ
وكمْ تجـرّأتَ عـلـى
ربّ السّمَواتِ العُلـى
ولـمْ تُـراقِـبْـهُ ولا
صدَقْتَ في ما تدّعـي
وكمْ غمَـصْـتَ بِـرّهُ
وكمْ أمِنْـتَ مـكْـرَهُ
وكـمْ نـبَـذْتَ أمـرَهُ
نبْذَ الحِذا الـمـرقَّــعِ
وكمْ ركَضْتَ في اللّـعِبْ
وفُهْتَ عمْـداً بالكَــذِبْ
ولـمْ تُـراعِ مـا يجِـبْ
منْ عـهْدِهِ الـمـتّـبَـعِ
فالْبَسْ شِـعـارَ الـنّـدمِ
واسكُبْ شـآبـيبَ الـدّمِ
قبـلَ زَوالِ الـقـــدَمِ
وقبلَ سـوء المـصْـرَعِ
واخضَعْ خُضوعَ المُعترِفْ
ولُذْ مَـلاذَ المُـقـتـرِفْ
واعْصِ هَواكَ وانحَـرِفْ
عنْهُ انحِرافَ المُقـلِــعِ
إلامَ تـسْـهـو وتَـنـي
ومُـعظَمُ العُمـرِ فَـنـي
في ما يضُرّ المُقْـتَـنـي
ولسْـتَ بـالـمُـرْتَـدِعِ
أمَا ترَى الشّـيبَ وخَـطْ
وخَطّ في الرّأسِ خِطَـطْ
ومنْ يلُحْ وخْطُ الشّمَـطْ
بفَـودِهِ فـقـدْ نُـعـي
ويْحَكِ يا نفسِ احْرِصي
على ارْتِيادِ المَخـلَصِ
وطاوِعي وأخْـلِصـي
واسْتَمِعي النُّصْحَ وعي
واعتَبِرِي بمَـنْ مضى
من القُرونِ وانْقَـضى
واخْشَيْ مُفاجاةَ القَضا
وحاذِري أنْ تُخْدَعـي
وانتَهِجي سُبْـلَ الهُدى
وادّكِري وشْكَ الـرّدى
وأنّ مـثْـواكِ غــدا
في قعْرِ لحْـدٍ بـلْـقَعِ
آهاً لـهُ بـيْتِ الـبِـلَى
والمنزِلِ القفْرِ الـخَـلا
وموْرِدِ السّـفْـرِ الأُلى
واللاّحِـقِ الـمُـتّـبِعِ
بيْتٌ يُرَى مَـنْ أُودِعَهْ
قد ضمّهُ واسْـتُـودِعَهْ
بعْدَ الفَضاء والـسّـعَهْ
قِيـدَ ثَـــلاثِ أذْرُعِ
لا فــرْقَ أنْ يحُـلّهُ
داهِـــيَةٌ أو أبْــلَهُ
أو مُعْسِرٌ أو مـنْ لـهُ
مُلكٌ كـمُـلْـكِ تُـبّعِ
وبعْدَهُ الـعَـرْضُ الذي
يحْوي الحَـييَّ والـبَذي
والمُبتَدي والمُـحـتَذي
ومَنْ رعى ومنْ رُعي
فَيا مَفـازَ الـمـتّقي
ورِبْحَ عبْـدٍ قد وُقِي
سوءَ الحِسابِ الموبِقِ
وهـوْلَ يومِ الـفزَعِ
ويا خَسـارَ مَنْ بغَى
ومنْ تعـدّى وطَغى
وشَبّ نيرانَ الوَغى
لمَطْعَـمٍ أو مطْمَعِ
يا مَنْ عليْـهِ المتّكَـلْ
قدْ زادَ ما بي منْ وجَلْ
لِما اجتَرَحْتُ مـن زلَلْ
في عُمْري الـمُـضَيَّعِ
فاغْفِرْ لعَبْـدٍ مُـجـتَـرِمْ
وارْحَمْ بُكاهُ المُنسـجِــمْ
فأنتَ أوْلـى مـنْ رَحِـمْ
وخـيْرُ مَـدْعُـوٍّ دُعِـي
قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فلمْ يزَلْ يرَدّدُها بصوتٍ رقيقٍ. ويصِلُها بزَفيرٍ وشَهيقٍ. حتى بكيتُ لبُكاء عينيهِ. كَما كُنتُ منْ قبلُ أبكي عليْهِ. ثمّ برزَ الى مسجِدِهِ. بوُضوء تهجّدِهِ. فانطلَقْتُ رِدْفَهُ. وصلّيتُ مع مَنْ صلّى خلفهُ. ولمّا انفَضّ مَنْ حضَرَ. وتفرّقوا شغَرَ بغَرَ. أخذَ يُهَينِمُ بدَرْسِهِ. ويسْبِكُ يومَهُ في قالِبِ أمْسِهِ. وفي ضِمْنِ ذلِكَ يُرِنّ إرْنانَ الرَّقوبِ. ويبْكي ولا بُكاءَ يعْقوبَ. حتى استَبَنْتُ أنهُ التحقَ بالأفْرادِ. وأُشرِبَ قلبُهُ هوى الانْفِرادِ. فأخطَرْتُ بقَلْبي عَزْمَةَ الارتِحالِ. وتخْلِيَتَهُ والتّخلّي بتِلكَ الحالِ. فكأنهُ تفرّسَ ما نويْتُ. أو كوشِفَ بما أخْفَيْتُ. فزفَرَ زَفيرَ الأوّاهِ. ثمّ قرأ: فإذا عزَمْتَ فتوكّلْ على اللهِ. فأسْجَلْتُ عندَ ذلِكَ بصِدْقِ المُحدّثينَ. وأيقَنْتُ أنّ في الأمّةِ محَدّثينَ. ثمّ دنَوْتُ إليْهِ كما يدْنو المُصافِحُ. وقلتُ: أوْصِني أيها العبْدُ النّاصِحُ. فقال: اجعَلِ الموتَ نُصْبَ عينِكَ. وهذا فِراقُ بيني وبينِكَ. فودّعْتُهُ وعبَراتي يتحدّرْنَ منَ المآقي. وزَفَراتي يتصَعّدْنَ منَ التّراقي. وكانتْ هذِهِ خاتِمَةَ التّلاقي.
م/ن
http://www.shamsqatar.com/up3/get-11-2007-8prsh3dc.gif (http://www.shamsqatar.com/up3)