قائد_الكتائب
15 Oct 2009, 12:13 AM
الإعلام المضلل والكذب المجلجل
أبو يونس العباسي
الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذل الشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولا بعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين.
سبب المقال
وأكتب هذا المقال بسبب الإعلام المضلل والتشهير والتنفير الذي تقوم به حكومات الطواغيت على المنهج السلفي الجهادي وأتباعه , والذي رأيناه على المنابر وعلى الشبكة العالمية وفي الأحاديث الجانبية لأتباع هذة الحكومات , وأقول بأنه إعلام مضلل: لأنه قائم على الهوى ويفتقر إلى الأدلة والبراهين , قال الله تعالى:"إنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل : 105]" , وقال أيضا:" وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً [النساء : 112]" , ولكنهم يفعلون ذلك للحد من الانتشار المطرد لهذا المنهج المبارك , ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الإعلام ... معناه والمقصود به
الإعلام عامة وفي أبسط معانيه: تواصل بين مرسل ومستقبل ووسيلة اتصال ومضمون رسالة لإحداث أثر في قضية من قضايا الحياة التي تهم الناس.
بحيث تعتمد كل دولة في إعلامها على مجمل النظريات والمبادئ التي تؤمن بها وتمثل جزء من وعي جماهيرها.
والإعلام الإسلامي لا يخرج عن هذا السياق إلا بقدر ما يستمده من الدين الإسلامي من صفات وخصائص وتعاليم سماوية تميزه عن غيره فيها من الثوابت ما لا يمكن أن يحيد عنها.
الحرب الإعلامية أسلوب قديم حديث في مواجهة المنهج الحق
أسلوب محاربة الإسلام باستخدام وسائل الإعلام ؛ أسلوب قديم جدًا , أشار القرآن إلى نماذج منها؛ ولا سيما أنموذج فرعون في حربه الإعلامية ضد دعوة موسى ـ عليه السلام ـ ، ذلك أن فرعون كان يرسل المؤذنين في المدائن يحذرون الناسَ من اتباع موسى ـ عليه السلام ـ, بل كان يستخدم أسلوب الكذب الإعلامي ، بتدليس الحقائق واتهام موسى بما ليس فيه ، ومن ذلك قول الله تعالى على لسان فرعون: {...إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}غافر26
وشرَع فرعونُ في بناء صرح إعلامي كبير ؛ ليعلوه، وليثْبت للناس ـ بزعمه ـ كذب دعاوى موسى ـ عليه السلام ـ: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ}القصص38
أراد فرعون أن يبني صرحًا عاليًا يراه القاصي والداني ؛ وليقول الجميع: إن الملك قد ارتقى هذا الصرح ولم ير الإله الذي يتحدث عنه موسى.
دومًا كان فرعون يجمع الناس في الميادين ؛ يخطب فيهم ، يدلس ، يكذب ، يزور، يتهكم ، يَقلبُ الحقائق. .. اقرأ هذه الآية بعناية:{فَحَشَرَ فَنَادَى}النازعات23
إنها آيةٌ من لفظتين , الحشر والنداء ؛ أي أسلوب الحشر والحشد ، وأسلوب النداء والترديد وكلتاهما من أهم الأساليب الإعلامية.
أما في العصر الحديث فنحن نرى كيف سلط التحالف الصهيوصليبي وحلفاؤه الحرب على أهل التوحيد والجهاد , فها هي العربية والجزيرة والحرة وبي بي سي وغيرها.
الإعلام المضلل وإثره في تخويف الناس
{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} الزخرف51
وهي آيةٌ ـ أخرى ـ تشي بجو الصخب الإعلامي الذي يدور في فلك فرعون ، جو الاستعلاء ، والاستكبار ، والعلو ، والعتو، والشخصنة ، والعجرفة... حينما تكون الترسانة الإعلامية في يد الباطل ، بينما الحق لا حول له ولا قوة، ولا يملك وسيلةً قويةً تساعده في نشر رسالته، اللهم إلا الدعوة الفردية ـ سنةُ الأنبياء والدعاة في كل زمان.
وانظروا إلى الدول العربية كيف تجعل من أجهزتها الاستخبارية غولا أو وحشا مفترسا في أعين الناس ويستخدمون كل ما بأيديهم من وسائل إعلامية لترسيخ هذا الخوف من هذه الأجهزة وهذا ما لمسناه في غزة فيما يسمى بالأمن الوقائي , وما يلمسه الإخوة المصريون فيما يسمى بأمن الدولة .... إلخ.
ويبقى أن نقول بأن التوحيد الذي ربينا عليه يأبى علينا أن نخاف من غير الله – جل في علاه - , قال الله تعالى:" أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر : 36]"..
الإعلام المضلل وتنفير الناس من المنهج الحق
بل بث الفراعنةُ في نفوس الشعب المصري شعورَ التشائم من موسى ومن معه ، كلما حلت بالبلاد مصيبةٌ ، زعموا أن موسى والمؤمنين ؛ هم سببُ الأزمات ، قال الله تعالى:{فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}الأعراف131
وهذا أسلوب الكافرين مع كل رسول ومع خاتمهم وآخرهم محمد – صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن إسحاق : كان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) بها فمشى إليه رجال من قريش , وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا قالوا له: إنك قدمت بلادنا وإن هذا الرجل - وهو الذي بين أظهرنا - فرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين المرء وابنه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد حل علينا فلا تكلمه ولا تسمع منه قال : فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شئ من قوله.
قال : فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة فقمت قريبا منه فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله فسمعت كلاما حسنا فقلت في نفسي : واثكل أمياه والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ؟ فإن كان ما يقول حسنا قبلت وإن كان قبيحا تركت قال : فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت : يا محمد ! إن قومك قد قالوا لي : كذا وكذا فوالله ما برحوا يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه فسمعت قولا حسنا فاعرض علي أمرك فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلى علي القرآن فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه فأسلمت وشهدت شهادة الحق.
قال ابن القيم تعليق على هذه القصة: وفيها : أنه لا ينبغي للعاقل أن يقلد الناس في المدح والذم ولا سيما تقليد من يمدح بهوى ويذم بهوى فكم حال هذا التقليد بين القلوب وبين الهدى ولم ينج منه إلا من سبقت له من الله الحسنى.(أ.هـ)
وهذا التنفير والتشهير ما تفعله حكومات الطواغيت مع أصحاب المنهج الحق فيصفونهم بالغلو والتطرف والتنطع والتشدد وما شئت من الأوصاف الرذيلة , كما ويلصقون بهم أي عمل مشين يحدث في هذا الكون , كما حدث في غزة واتهموهم بتفجير الحفل الماجن , وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ولكن بقي بأن نقول بأن هذا هو دين الله والله لا يسلم دينه لأعدائه , قال الله تعالى:" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر : 9]" , وأخرج ابن ماجه في سننه من حديث أبيعنبة الخولاني وكان قد صلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته ).
المباريات الإعلامية بين الحق والباطل
ومن ممارسات أهل الباطل في الصد عن سبيل الله أيضًا أسلوب المباريات الإعلامية ، ومن الأمثلة عليها ما حدث بين موسى – عليه السلام – والسحرة , وكان فرعون قد واعد الناس على موعد إعلامي ومكان إعلامي ليري الناس بطلان ما عليه موسى قال الله تعالى على لسان فرعون:{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى}طه59
وقبلُ قد أرسل الفرعونُ ـ لعنه الله ـ مبعوثيه إلى المدن والقرى والنجوع في جميع أنحاء مصر ، وذلك لجَمع السحرة على اختلاف تخصصاتهم ومستوياتهم ، فجاءوا بالساحر العادي و"السَّحار" الماهر الخبير بالسحر، وكان موعدُ المبارة يومَ الزينة , وقد حُشر المصريون من كل حدب وصوب ، وانشغل الإعلام الفرعوني بقضية الساعةِ ، تلك المبارةُ المرتقبةُ بين موسى والسحرة ، والجماهيرُ المتفرجةُ الساذجةُ ترى أنها مبارةٌ بين موسى الذي يمثل فريق المستضعفين من بني إسرائيل ، وبين السحرةِ المصريين أصحابِ العرضِ والملك ، وكان لسان حال الإعلام الفرعوني كما وصف القرآن: {وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ. لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ}الشعراء، 39، 40
ولكنها سنة الله في هذا الكون يرد مكر الكافر عليه وينصر دينه ويؤيد أولياءه ولا يسلمهم لعدوهم فإن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله ولا يتضرر منه إلا أصحابه وأربابه , قال الله تعالى:" فجمع السحرة لميقات يوم معلوم (38) وقيل للناس هل أنتم مجتمعون (39) لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين (40) فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين (41) قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين (42) قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون (43) فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون (44) فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون (45) فألقي السحرة ساجدين (46) قالوا آمنا برب العالمين (47) رب موسى وهارون (48)"(الشعراء).
إنني كلما أقرأ هذه القصة أتذكر قول الشاعر:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت *** أتلح لها لسان حسود
ونحن في غزة لما قالت الحكومة لأنصارها أن يشهروا فينا فعلوا , فعلم بنا من لم يكن يعلم , وأخذ يبحث الناس عن دروسنا وعن منهجنا وعن مشائخنا , وبعد أن برأنا أنفسنا ونشرنا بيانات تنقي ساحتنا مما اتهمنا به حاسدونا أخذنا خير هذا الحدث وعلى من كذب علينا غرمه , فالحمد لله الذي يدبر لنصرة منهجه وعباده الصالحين ما لا يخطر على بال , قال الله تعالى:" وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال : 30]".
العاقبة والمصير لأصحاب لأرباب الإعلام المضلل
ولما أفرط الفرعون في استخدام السلاح الإعلامي بهذه الصورة الخسيسة ضد موسى ـ عليه السلام ـ ؛ كان العقاب من جنس العمل إعلاميًا أيضًا ، حيث أغرق اللهُ فرعونَ وأخرج بدنه من البحر ، ثم صار جسدًا محنطًا وآيةً خالدة في المتحف المصري بميدان التحرير بالقاهرة , قال الله تعالى:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}يونس92.
العجيب أيضًا أن تمثال فرعون موجودٌ حاليًا في أكبر ميادين مصر، وأجمل ما في الأمر أنك لو سألت طفلاً أو شيخًا يمر في الميدان: لمن هذا التمثال؟ لأجابك على التو: هذا الفرعون الملعون! , قال الله تعالى:{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ} الزخرف: 56.
ولم يكن العقاب الإعلامي مقصورًا عليه في الدنيا فحسب ، بل فى الآخرة أيضًا , قال الله تعالى:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}هود98 , ومن عاش على شيء مات عليه , ومن مات على شيء بُعث عليه.
هذا مات يحاربُ الإسلام بالإعلام ؛ فقتله اللهُ قتلةً إعلاميةً ، وبعثه ـ يوم القيامة ـ بعثةً إعلامية.
ونبشركم يا من تستخدمون الإعلام في مواجهة دين الله الواحد العلام بالخزي والعار في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة , والله يعلم المفسد من المصلح ولينصرن الله من أصلح وليخذلن من أفسد , قال الله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ" [الأنفال : 36].
الإعلام المضلل والحرب على الهوية الإسلامية
إن أبرز التحديات الذي يواجهها الإعلام الإسلامي الغزو الفكري بكل أشكاله والذي اتحدت غاياته وأهدافه قديماً وحديثاً وإن اختلفت مسمياته , فهو يهدف إلى طمس الهوية الإسلامية والعربية عبر ما يملكه من وسائل إعلامية مرئية أو مسموعة أو مقروءة ، ومن الأمثلة على هذا الغزو الفكري: التغريب والتنصير والاستشراق والدعوة إلى العامية بإحلال اللهجات العامية ورفض الفصحى والعولمة والصهيونية.
وأشهر ما يضلله الإعلام الصهيوني ويرافقه الغربي إدعاء أحقية اليهود في فلسطين وأن العرب والإسلام طارئين على أرضها أمام اليهودية الأصيلة!
ونقصد بهوية الإنسان أن يتميز عن غيره بفكره وثقافته وأسلوب حياته , ثم هو يثبت على ذلك رغم الضغوطات والمعوقات الخارجية , والغزو الفكري والذي يبثه الإعلام المضلل يستهدف بالدرجة هوية الإنسان المسلم وعقيدته ومبادئه وعاداته وتقاليده الإسلامية , فإياك أن تترك ما أنت عليه من الحق كما ترك الكثيرون , وخاصة بعدما جاء التحذير النبوي من ذلك , فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث شداد أن الرسول قال :"لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم قلنا يا رسول الله آليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟" , وبينت نصوص الكتاب والسنة أن من ترك هويته إلى غيرها من الهويات تأثرا بلإعلام المضلل , وتشبه بالمشركين أنه منهم , فقد أخرج أبو داوود من حديث ابن عمر أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال :"من تشبه بقوم فهو منهم" , وعند الطبراني في الكبير قال : قال الرسول الكريم :"ليس منا من عمل بسنة غيرنا" , وعند الطبراني :"حليف القوم منهم" وقوله - صلى الله عليه وسلم - كما عند أبي يعلى من حديث ابن مسعود :" من كثر سواد قوم فهو منهم " , فتميز يا أخا التوحيد مظهرا ومخبرا , وليظهر عليك الإسلام في الأقوال والأفعال , حتى إذا ما رآك الناس علموا انك مسلم لله حنيفا , فالتمايز عن الكافرين سنة سيد المرسلين , أخرج مسلم في صحيحه أن اليهود قالوا عن محمد – صلى الله عليه وسلم - :"مال هذا الرجل لا يريد أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه" , وها نحن ذا نوجه خطابا لأرباب الغزو الفكري قائلين ما قاله الرسول للمشركين في زمانه :" لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) "(يونس)
الإعلام المضلل وإسقاط الرموز
ومن ألوان الحرب الإعلامية إسقاط رموز المنهج الحق وإلصاق الإشاعات والاتهامات المغرضة بهم , فها هو فرعون ـ لعنه الله ـ يسيء إلى شخص النبي الكريم موسى ـ عليه السلام ـ ، فاستهزأ من لسان موسى ، وطريقته في الكلام ، وزعم أنه عييٌ لا يكاد يتكلم كلمةً واضحة كل ذلك من أجل إسقاطه حتى لا يثق الناس فيه قال الله تعالى على لسان فرعون:{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ}الزخرف52 .
وهذا ما فعله كفار قريش مع محمد – صلى الله عليه وسلم - فقد أورد البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما :أنه حين اجتمع الوليد بن المغيرة , و نفر من قريش , و قد حضر الموسم , ليجتمعوا على رأي واحد فيما يقولون في محمد - صلى الله عليه وسلم - لوفود العرب , فقالوا
فأنت يا أبا عبد شمس ! فقل و أقم رأيا نقوم به
فقال : بل أنتم فقولوا أسمع
فقالوا : نقول كاهن
فقال : ما هو بكاهن لقد رأيت الكهان , فما هو بزمزمة الكاهن , ولا سحره
فقالوا : نقول : هو مجنون
فقال : ما هو بمجنون , و لقد رأينا الجنون , وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه و لا وسوسته.
فقالوا : نقول : شاعر
قال : ما هو بشاعر , ولقد عرفنا الشعر برجزه و هزجه و قريضه
ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر
قالوا : فنقول : هو ساحر
قال : فما هو ساحر , لقد رأينا السحار و سحرهم فما هو بنفثه ولا عقده.
فقالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟
قال : و الله إن لقوله لحلاوة , وإن أصله لمغدق , وإن فرعه لجنى , فما أنتم بقائلين من هذا شيئا , إلا عرف أنه باطل , وإن أقرب القول أن تقولوا : ساحر يفرق بين المرء و أبيه , وبين المرء وبين أخيه , وبين المرء و بين زوجه , وبين المرء و بين عشيرته , فتفرقوا عنه بذلك , فأنزل الله عز وجل في الوليد بن المغيرة: "ذرني ومن خلقت وحيدا" إلى قوله:" سأصليه سقر"
وهذا ما رأيناه من الاتهامات التي توجه لقادة المجاهدين بين الفينة والأخرى , كالقول بأنهم صنيعة أمريكا , أو اتهامهم بأنهم ينتهجون مبدأ الخوارج , أو أن علاقات بالشيعة الروافض أو أنهم شوهوا الإسلام ... إلخ , وهذه الاتهامات نفسها التي وجهت لأهل التوحيد ولقادات المجاهدين قال الله تعالى:"كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [البقرة : 118]".
الدور المنشود للإعلام المضلل
للإعلام الدور الأول في تضليل الرأي العام في قضايانا السياسية وتستخدم أنظمة الاستكبار العالمي الإعلام أداة فعالة قوية في تضليل الرأي العام وتحريفه.
والإعلام اليوم علم يدرس في الدراسات العليا ، ومهمة هذا العلم في أنظمة الاستكبار العالمي: إبطال الحقوق وإحقاق الباطل، وتقريب البعيد وإبعاد القريب، وتشويه صورة الصديق حتى نراه عدواً، وتجميل صورة العدو حتى نراه صديقاً.
فالإعلام المضلل غايته وهدفه أن يقلب الحقائق ويبديل الثوابت. وهذا شيء نلمسه في واقعنا المعاصر , فأصبح الموحد في زمننا مشركا , والمجاهد إرهابيا , وراعي الكفر والشرك وليا للأمر , والتمسك بالقرآن والسنة تشددا وأصولية , والأمر تماما كما أخبرانا الصادق المصدوق كما عند ابن ماجه من حديث أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلّم قال :"إنها ستأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة قال السفيه يتكلم في أمر العامة", وعند أبي داوود في سننه من حديث أبي مالك الأشعري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها " , ولكم أن تنظروا إلى أهل الفساد والإفساد في العالم يخربون ويقتلون ويهلكون الحرث والنسل , ثم بعد هذا كله يظهرون أنفسهم على أنهم هم أهل الصلاح والإصلاح والتعمير , وأن الضحية التي افترسوها هي الظالمة الباغية , لا لشيء إلا لأنها حاولت الدفاع عن نفسها , قال الله تعالى :" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) " (البقرة).
وعلى ذلك يمكننا القول أن الإعلام يدخل في معركتنا الحاضرة في العالم الإسلامي عنصراً أساسياً، لا غنى لنا عنه، وجزءاً أساسياً في المعركة لا ينبغي أن نغفله.
بين الإعلام المضلل والناس
ولست أدري إن كان رجال الإعلام المضلل الذين يبثون هذا الكلام يُقدّرون أن الجمهور الذي يتلقىّ هذا الإعلام فيه من هو عاقل ولا يمكن خداعه ولا الضحك عليه؟
إن من أكبر أخطاء الإعلاميين احتقار عقول الناس بهذا الحد ، واعتقادهم بأن الناس يصدّقون بكل ما يصلهم من الإعلام.
إن الجمهور يفهم ويدرك ، وليس كما يعتقد رجال الإعلام موضعاً للاستهلاك الإعلامي فقط.
قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات : 6]", وقال أيضا:" لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ [النور : 12]" , وعن كميل بن زياد قال: أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان , فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال: يا كميل بن زياد ... القلوب أوعية فخيرها أوعاها , احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق ... يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق.
ومع ذلك فترى كثيرا من الناس قد سلم عقله وفكره للإعلام المضلل ولا يسمح لفكره أن يفكر فيما يسمع حتى , قال الله تعالى عن فرعون:"فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ [الزخرف : 54]
ما هو حكم امتلاك أصحاب المنهج الحق للوسائل الإعلامية؟
ويبقى أنت نقول إننا لا نملك إعلاما قوياً بقوة الإعلام المضاد حتى نكشف للرأي العام ما يحمله هذا الإعلام من التضليل السياسي والاحتقار لعقول الناس.
ومهما يكن من أمر، فإن علينا أن نُفكّر بجدّ في المسالة الإعلامية ، فأنها اليوم جزء لا يتجزأ من المعركة ، وما لم نمتلك إعلاماً قوياً يُقدّم إضاءات كاشفة للأحداث السياسية التي تمر على العالم الإسلامي لا نستطيع أن نزيل الظلمات الإعلامية التي تزحف علينا من الغرب.
الإعلام الحق في وجه الإعلام المضلل
وفي مقابل كل الصخب الإعلامي الضال والموجّه ضد روح الإنسان وعقيدته، نؤكد أن من مسؤولية هذا الإنسان أن يملك إرادته، ثم عليه العمل على إنجاز كل شيء من شأنه مواجهة سيل الإعلام المضلل والمعادي للدين والقيم الأخلاقية ، ومنها أنه يستطيع أن يُكوّن جهازاً إعلامياً بنّاءً ومقاوماً لإعلام الهدم والظلام، إنطلاقاً من تقنين قواعد العمل الإعلامي وصياغتها ضمن المتبنيات الفكرية للإسلام، وإشاعة الخير والدعوة إلى الحق دون انقطاع ، واستثمار الموارد المالية والإمكانات التقنية المناسبة بل والكفيلة بدحض الإكاذيب والإشاعات الباطلة والأساليب الشيطانية التي تعتمدها وسائل الإعلام الضالة والمضلة وتجاوزها , قال الله تعالى:" الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء : 76]".
وهنا نثمن ما تقوم به المواقع الجهادية والمؤسسات الإعلامية المناصرة للجهاد العالمي من نصرة لمنهج الله تبارك وتعالى في وجه إعلام التحالف الصهيوصليبي ووكلائه.
رسالة (حكيم الأمة حفظه الله) للعاملين في الاعلام الجهادي
جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء , فقد حطمتم صنم الإعلام الغربي وكشفتم كذبه وزيفه وتزويره للحقائق , وقدمتم المعلومات الصادقة من ميدان المعركة ... تلك الحقائق التي طالما أخفاها ذالك الإعلام المدعي للصدق والنزاهة زورا وبهتانا ,
فأبطلتم أهم أسلحة الحملة الصليبية في حربها الفكرية والإعلامية ضد المسلمين.
وأقول لكم:
اعلموا أنكم علي ثغر من ثغور الإسلام فلا يؤتين المسلمون من قبلكم , واعلموا أن ما تلقونه أو قد تلقونه من أذي ومطاردة وسجن وهجرة وخسارة إنما هو طريق الجهاد والنصر ... يقول الحق تبارك وتعالي (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )
فاثبتوا واصبروا وصابروا ورابطوا وابذلوا غاية وسعكم في خدمة الإسلام ونشر كلمته وفضح أكاذيب أعدائه , واسعوا إلي ترقية وتطوير أعمالكم والله ... يوفقكم ويرعاكم ويحفظكم ويسددكم ويتقبل منكم صالح أعمالكم.
دورنا نحو الإعلام المضلل
واجب المخلصين من أبناء الأمة نحو الإعلام المضلل
يجذبنا دائماً الإعلام لقضايا كثيرة تطفح على السطح ثم سرعان ما تومض وتختفي وكأن شيئاً لم يكن ..
وقبل أن تختفي يلاحظ أنها لا تختفي إلا بعد أن تثمر إثماراً معيناً لشيء معين .. و تخفت حينما يبدأ فضحها أو بيانها للناس .. وكل ما كانت هذه القضية أو تلك غامضة .. كلما عاشت على السطح وتلاعب بها المتلاعبون ليستفيدوا من جهل المتلقي بها .. أو غفوته عنها..
ولذلك فيجب علينا ألا نفوت أي قضية يطرحها الإعلام المضلل إلا وكشفنا زيف هذا الإعلام وأظهرنا القضية في هذه المسألة , قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف : 14].
دور النخبة في مواجهة اإعلام المضلل
هذه هي الحقيقة المؤكدة التي يتعامل بها الإعلام الموجه لتغييب العامة وخاصة الشرفاء .. لأن الشريف وهو الذي لا ينتظر من وراء عمله سوى إرضاء الله – سبحانه وتعالى - ... فيعمل بكل جهد على التفاعل والنشاط في فضح هذا المخطط الذي يؤثر على ثقافة المسلمين ويزرع بعقولهم أوهام تبعدهم عن القضية الأساسية لهم ... , وعند البيهقي في سننه الكبرى عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يرث هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وتحريف الغالين)) .
فإذا تغييب هذا الشريف أو ضل فسيسوق وراءه الكثيرين من المؤمنين بما عليه الواثقين به وهم ليسوا بالقلائل بل هم عامة الناس الذين لا يثقون بشخص فجأة ولا يلتفون حوله في غمضة عين.. بل إن ثقتهم برجل ما يأخذ فترات واختبارات و شكوك حتى يتبين لهم صدق هذا الرجل .
وعند عبد بن حميد في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله عز وجل عليه فيه مقال لا يقوم به فيلقى الله عز وجل فيقول ما منعك أن تقول يوم كذا وكذا قال يا رب خشية الناس قال إياي أحق أن تخشى. "
وبعد أن ينال شخصاً ما ثقة العامة .. ينحو بهم مناحيه دون أي مجهود .. فيكفيه أن يعلن عن رأيه فيوافقه العامة دون معارضة .. وهذه القريحة ليست وليدة عصر معين بل هي منذ بدء الخلق وستعيش إلى أن تفنى الأرض ومن عليها ويعود الجميع إلى بارئ السماوات والأرض للعرض والحساب .
وإذا وفق هذا الرجل في كشف زيف شئ .. أخمد نار فتنته و أنار الطريق للعامة كي لا يضلوا ..واستطاع أن يقف أمام الفتنة بجيش جرار فيقتلع الفتنة من جذورها ... قال الله تعالى:" وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان : 74]" , والإمام هو من جعله الله قدوة يقتدي به الناس في الخير , والإمام أحمد في فتنة خلق القرآن دليل جيد على ذلك , وعند ابن ماجه في سننه عن أنس بن مالك قال:-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر , وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير . فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه . وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه.)
الإعلام المضلل منكر لا بد من إزالته
إن مواجهة هذا الإعلام المضلل وردعه يبدأ من ضمير الإنسان وقلبه ، ذلك لأن الإنسان ينبغي أن ينكر المنكر بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ،قال الله تعالى:" كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران : 110]" , وفي مسند الإمام أحمد قال ثنا قيس قال قام أبو بكر رضي الله عنه فحمد الله عز وجل وأثنى عليه فقال : يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } إلى آخر الآية وإنكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقابه"
لا بد من الوقوف في وجه هذا الإعلام المضلل حتى لا يصبح ما يعرضه عقيدة راسخة ومبدأ لا يقبل المساومة عند الأجيال القادمة , قال الله تعالى:" أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد : 16]".
وحتى لا تمرر من خلاله مشاريع تعبيد الناس للحاكم المخلوق من دون الخالق سبحانه وتعالى , فيكون القول ومن خلال هذه الآلة الإعلامية المضللة ما يقوله الحاكم متلوفا كان أو متلوفا , قال الله على لسان فرعون وهو يخاطب قومه:" يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر : 29].
ذكر الله ودوره في مواجهة الإعلام المضلل
ولمقاومة هذا الإعلام وهذا السلاح الشيطاني الرهيب، علينا بادئ ذي بدء أن نذكر الله تعالى بقلوبنا ونستعين به ونتوكل عليه ، ومن ثم نستعيذ بالله من شرور الشيطان الذي يتجسد في هذه الصحيفة أو في تلك المحطة الفضائية ، والاستعاذة هي وسيلة ردع أسياسية ، كما تعني أولاً أسلوب رفض كل ما هو شر يستهدف روح الإنسان وعقله وعاطفته.
فالإنسان حينما يواجه مشكلة أو وضعاً استثنائياً ويخشى الوقوع في شرك الشيطان، فما عليه إلا الاستعاذة بالله أولاً، لأنه الوحيد القادر على إنقاذه من كيد الشيطان ومكره ، والأهم من ذلك أن يبقى الإنسان متوكلا دائماً على الله ـ سبحانه وتعالى ـ , قال الله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ [الأعراف : 201]" , قال الله تعالى:" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ [يونس : 71].
دور العقيدة في مواجهة الإعلام المضلل
فإن الرأي العام الإسلامي إذا أضحى متأثراً بالقرآن الكريم والعقيدة المنبثقة عنه وعن سنة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نجا من تأثير الإعلام المضاد وتحصن من عراقيله ؛ قال تعالى {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون ، حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين} ([11])
ومن الوظائف الإعلامية في القرآن المكي :
1ــ تحصين جمهور المؤمنين من شبه المعارضين التي تٌبث من خلال إعلامهم المضاد .
2ــ الرد على الهجوم الإعلامي ضد النبي صلى الله عليه وسلم وضد القرآن.
3ــ حماية رسالة الإسلام خارج المجتمع المكي والتأثير على من سمع القرآن ممن كان يفد مكة يقصد التعرف على النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام فإنه بالرغم من الشُبه التي كان الإعلام المضاد يبثها خارج الحرم.
أثر الإعلام الإسلامي على الناس
إلا أن القرآن بتأثيره كان يصل إلى نفوس هؤلاء ، وفيهم على سبيل المثال صاحب دوس وغيره كثير , وكان منهم النفر من الأنصار الذين كان اللقاء بهم بداية فتحٍ للإسلام من أرضهم لقد كان هؤلاء العائدون بعد تأثرهم بالإسلام ؛ وسائل إعلام متحركة تنقل الحقيقة كما هي ، وتُكَذِّبْ ادعاءات الإعلام المضاد من قبل المشركين بمكة ، فإن الكذب إلى انكشاف وزوال وهو من وسائل الإعلام المضلل الذي هو بمثابة السراب لايثبت إذا ما جوبه بالحقيقة الناصعة , قال الله تعالى:{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء : 18]}
وقد سلك المشركون من أهل مكة لصد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أساليب إعلامية شتى كالسخرية والتحقير والاستهزاء والتكذيب وتشويه تعاليمه وإثارة الشبهات وبث الدعايات ، ومعارضته بأساطير الأولين ومساومات عديدة حاولوا من خلالها أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق بأن يترك المشركون بعض ما هم عليه ويترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض ماهو عليه قال الله تعالى{ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم : 9]}
قالوا نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة فنزلت سورة الكافرون ترد على هذه المساومة وساوموه بالملك والثروة وأن يزوجوه بأجمل فتاة فيهم ، وعقدوا مجلساً استشارياً يتشاورون فيه كيفية الخطاب الإعلامي الذي ينبغي أن يوجهوه إلى الحجاج وطرحت الأكاذيب واحدة تلو الأخرى حتى استقر رأيهم على قول هو أقرب إلى ما يعقل وهو أن يقال للحجاج إنه ساحر لأنه يفرق بين الأقارب والاضطهادات لكثير من الأصحاب والمقاطعات وكلها أساليب إعلامية فاعله لولا التربية القرآنية التي كانت بمثابة الدرع الواقي من تلك الضربات الموجعة .
خطر الإعلام المضلل
من أخطر الوسائل الفتاكة التي تستخدمها القوى الاستكبارية لإحكام سيطرتها على الناس وإبعادهم عن سبيل الله وجادة الحق، هي الإعلام المضلل الذي يكوّن مشكلة مزدوجة أمام الإنسان، ذلك لأن سلاح الإعلام يستطيع إنزال أقوى الضربات على الإنسان في الوقت الذي يجعله يؤمن بشرعية عمل الطاغوت وقوى الضلال والظلام ، أي أن يضله ويقضي على عقله وعاطفته برضاه، كما أنه يؤثر على حياة الإنسان سواء في الدنيا أو الآخرة. إذ في الدنيا يسيطر الحكام على الناس بسببه، وفي الآخرة نار جهنم.
وحيث إن الإعلام الضال من أساليب شياطين الإنس والجن، فإن الله ـ تبارك وتعالى ـ يحذر في مواقع عدة من الوقوع في شرك الشياطين، لأنهم لا يشاركون الإنسان في الدنيا فحسب ، إذ يوجهون اقتصاده ويمنهجون سياسته ويبرمجون لاجتماعه ، وإنما يشاركونه في تحديد آخرته ويقودونه إلى سواء الجحيم ، لذلك ؛ اذا كان الإنسان يستخدم السلاح في حروبه التقليدية مرة واحدة ، عليه مواجهة الإعلام المضلل ألف مرة.
إننا نتعرض في كل لحظة وعلى مدار السنة إلى سيول من الإعلام المضلل والمجانب للحق والحقيقة.. ومعظم وكالات الأنباء والصحف ومحطات الإذاعة والقنوات الفضائية ومواقع الانترنيت تُعد وجوهاً للتضليل والانحراف ، ومن خلال هذه الوجوه التي كثيرا ما تحمل مسحة جذابة يقوم أصحاب تلك الوسائل الإعلامية بإعادة صياغة أذهان الشعوب المسلمة عبر برامج معينة ومدروسة من النواحي الفكرية والنفسية والفنية، ومن ثم يساعدون الحكام على تسيير الشعوب الى الوجهة التي يريدونها.
أبو يونس العباسي
الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذل الشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولا بعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين.
سبب المقال
وأكتب هذا المقال بسبب الإعلام المضلل والتشهير والتنفير الذي تقوم به حكومات الطواغيت على المنهج السلفي الجهادي وأتباعه , والذي رأيناه على المنابر وعلى الشبكة العالمية وفي الأحاديث الجانبية لأتباع هذة الحكومات , وأقول بأنه إعلام مضلل: لأنه قائم على الهوى ويفتقر إلى الأدلة والبراهين , قال الله تعالى:"إنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل : 105]" , وقال أيضا:" وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً [النساء : 112]" , ولكنهم يفعلون ذلك للحد من الانتشار المطرد لهذا المنهج المبارك , ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الإعلام ... معناه والمقصود به
الإعلام عامة وفي أبسط معانيه: تواصل بين مرسل ومستقبل ووسيلة اتصال ومضمون رسالة لإحداث أثر في قضية من قضايا الحياة التي تهم الناس.
بحيث تعتمد كل دولة في إعلامها على مجمل النظريات والمبادئ التي تؤمن بها وتمثل جزء من وعي جماهيرها.
والإعلام الإسلامي لا يخرج عن هذا السياق إلا بقدر ما يستمده من الدين الإسلامي من صفات وخصائص وتعاليم سماوية تميزه عن غيره فيها من الثوابت ما لا يمكن أن يحيد عنها.
الحرب الإعلامية أسلوب قديم حديث في مواجهة المنهج الحق
أسلوب محاربة الإسلام باستخدام وسائل الإعلام ؛ أسلوب قديم جدًا , أشار القرآن إلى نماذج منها؛ ولا سيما أنموذج فرعون في حربه الإعلامية ضد دعوة موسى ـ عليه السلام ـ ، ذلك أن فرعون كان يرسل المؤذنين في المدائن يحذرون الناسَ من اتباع موسى ـ عليه السلام ـ, بل كان يستخدم أسلوب الكذب الإعلامي ، بتدليس الحقائق واتهام موسى بما ليس فيه ، ومن ذلك قول الله تعالى على لسان فرعون: {...إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}غافر26
وشرَع فرعونُ في بناء صرح إعلامي كبير ؛ ليعلوه، وليثْبت للناس ـ بزعمه ـ كذب دعاوى موسى ـ عليه السلام ـ: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ}القصص38
أراد فرعون أن يبني صرحًا عاليًا يراه القاصي والداني ؛ وليقول الجميع: إن الملك قد ارتقى هذا الصرح ولم ير الإله الذي يتحدث عنه موسى.
دومًا كان فرعون يجمع الناس في الميادين ؛ يخطب فيهم ، يدلس ، يكذب ، يزور، يتهكم ، يَقلبُ الحقائق. .. اقرأ هذه الآية بعناية:{فَحَشَرَ فَنَادَى}النازعات23
إنها آيةٌ من لفظتين , الحشر والنداء ؛ أي أسلوب الحشر والحشد ، وأسلوب النداء والترديد وكلتاهما من أهم الأساليب الإعلامية.
أما في العصر الحديث فنحن نرى كيف سلط التحالف الصهيوصليبي وحلفاؤه الحرب على أهل التوحيد والجهاد , فها هي العربية والجزيرة والحرة وبي بي سي وغيرها.
الإعلام المضلل وإثره في تخويف الناس
{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} الزخرف51
وهي آيةٌ ـ أخرى ـ تشي بجو الصخب الإعلامي الذي يدور في فلك فرعون ، جو الاستعلاء ، والاستكبار ، والعلو ، والعتو، والشخصنة ، والعجرفة... حينما تكون الترسانة الإعلامية في يد الباطل ، بينما الحق لا حول له ولا قوة، ولا يملك وسيلةً قويةً تساعده في نشر رسالته، اللهم إلا الدعوة الفردية ـ سنةُ الأنبياء والدعاة في كل زمان.
وانظروا إلى الدول العربية كيف تجعل من أجهزتها الاستخبارية غولا أو وحشا مفترسا في أعين الناس ويستخدمون كل ما بأيديهم من وسائل إعلامية لترسيخ هذا الخوف من هذه الأجهزة وهذا ما لمسناه في غزة فيما يسمى بالأمن الوقائي , وما يلمسه الإخوة المصريون فيما يسمى بأمن الدولة .... إلخ.
ويبقى أن نقول بأن التوحيد الذي ربينا عليه يأبى علينا أن نخاف من غير الله – جل في علاه - , قال الله تعالى:" أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر : 36]"..
الإعلام المضلل وتنفير الناس من المنهج الحق
بل بث الفراعنةُ في نفوس الشعب المصري شعورَ التشائم من موسى ومن معه ، كلما حلت بالبلاد مصيبةٌ ، زعموا أن موسى والمؤمنين ؛ هم سببُ الأزمات ، قال الله تعالى:{فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}الأعراف131
وهذا أسلوب الكافرين مع كل رسول ومع خاتمهم وآخرهم محمد – صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن إسحاق : كان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) بها فمشى إليه رجال من قريش , وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا قالوا له: إنك قدمت بلادنا وإن هذا الرجل - وهو الذي بين أظهرنا - فرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين المرء وابنه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد حل علينا فلا تكلمه ولا تسمع منه قال : فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شئ من قوله.
قال : فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة فقمت قريبا منه فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله فسمعت كلاما حسنا فقلت في نفسي : واثكل أمياه والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ؟ فإن كان ما يقول حسنا قبلت وإن كان قبيحا تركت قال : فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت : يا محمد ! إن قومك قد قالوا لي : كذا وكذا فوالله ما برحوا يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه فسمعت قولا حسنا فاعرض علي أمرك فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلى علي القرآن فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه فأسلمت وشهدت شهادة الحق.
قال ابن القيم تعليق على هذه القصة: وفيها : أنه لا ينبغي للعاقل أن يقلد الناس في المدح والذم ولا سيما تقليد من يمدح بهوى ويذم بهوى فكم حال هذا التقليد بين القلوب وبين الهدى ولم ينج منه إلا من سبقت له من الله الحسنى.(أ.هـ)
وهذا التنفير والتشهير ما تفعله حكومات الطواغيت مع أصحاب المنهج الحق فيصفونهم بالغلو والتطرف والتنطع والتشدد وما شئت من الأوصاف الرذيلة , كما ويلصقون بهم أي عمل مشين يحدث في هذا الكون , كما حدث في غزة واتهموهم بتفجير الحفل الماجن , وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ولكن بقي بأن نقول بأن هذا هو دين الله والله لا يسلم دينه لأعدائه , قال الله تعالى:" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر : 9]" , وأخرج ابن ماجه في سننه من حديث أبيعنبة الخولاني وكان قد صلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته ).
المباريات الإعلامية بين الحق والباطل
ومن ممارسات أهل الباطل في الصد عن سبيل الله أيضًا أسلوب المباريات الإعلامية ، ومن الأمثلة عليها ما حدث بين موسى – عليه السلام – والسحرة , وكان فرعون قد واعد الناس على موعد إعلامي ومكان إعلامي ليري الناس بطلان ما عليه موسى قال الله تعالى على لسان فرعون:{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى}طه59
وقبلُ قد أرسل الفرعونُ ـ لعنه الله ـ مبعوثيه إلى المدن والقرى والنجوع في جميع أنحاء مصر ، وذلك لجَمع السحرة على اختلاف تخصصاتهم ومستوياتهم ، فجاءوا بالساحر العادي و"السَّحار" الماهر الخبير بالسحر، وكان موعدُ المبارة يومَ الزينة , وقد حُشر المصريون من كل حدب وصوب ، وانشغل الإعلام الفرعوني بقضية الساعةِ ، تلك المبارةُ المرتقبةُ بين موسى والسحرة ، والجماهيرُ المتفرجةُ الساذجةُ ترى أنها مبارةٌ بين موسى الذي يمثل فريق المستضعفين من بني إسرائيل ، وبين السحرةِ المصريين أصحابِ العرضِ والملك ، وكان لسان حال الإعلام الفرعوني كما وصف القرآن: {وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ. لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ}الشعراء، 39، 40
ولكنها سنة الله في هذا الكون يرد مكر الكافر عليه وينصر دينه ويؤيد أولياءه ولا يسلمهم لعدوهم فإن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله ولا يتضرر منه إلا أصحابه وأربابه , قال الله تعالى:" فجمع السحرة لميقات يوم معلوم (38) وقيل للناس هل أنتم مجتمعون (39) لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين (40) فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين (41) قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين (42) قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون (43) فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون (44) فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون (45) فألقي السحرة ساجدين (46) قالوا آمنا برب العالمين (47) رب موسى وهارون (48)"(الشعراء).
إنني كلما أقرأ هذه القصة أتذكر قول الشاعر:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت *** أتلح لها لسان حسود
ونحن في غزة لما قالت الحكومة لأنصارها أن يشهروا فينا فعلوا , فعلم بنا من لم يكن يعلم , وأخذ يبحث الناس عن دروسنا وعن منهجنا وعن مشائخنا , وبعد أن برأنا أنفسنا ونشرنا بيانات تنقي ساحتنا مما اتهمنا به حاسدونا أخذنا خير هذا الحدث وعلى من كذب علينا غرمه , فالحمد لله الذي يدبر لنصرة منهجه وعباده الصالحين ما لا يخطر على بال , قال الله تعالى:" وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال : 30]".
العاقبة والمصير لأصحاب لأرباب الإعلام المضلل
ولما أفرط الفرعون في استخدام السلاح الإعلامي بهذه الصورة الخسيسة ضد موسى ـ عليه السلام ـ ؛ كان العقاب من جنس العمل إعلاميًا أيضًا ، حيث أغرق اللهُ فرعونَ وأخرج بدنه من البحر ، ثم صار جسدًا محنطًا وآيةً خالدة في المتحف المصري بميدان التحرير بالقاهرة , قال الله تعالى:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}يونس92.
العجيب أيضًا أن تمثال فرعون موجودٌ حاليًا في أكبر ميادين مصر، وأجمل ما في الأمر أنك لو سألت طفلاً أو شيخًا يمر في الميدان: لمن هذا التمثال؟ لأجابك على التو: هذا الفرعون الملعون! , قال الله تعالى:{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ} الزخرف: 56.
ولم يكن العقاب الإعلامي مقصورًا عليه في الدنيا فحسب ، بل فى الآخرة أيضًا , قال الله تعالى:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}هود98 , ومن عاش على شيء مات عليه , ومن مات على شيء بُعث عليه.
هذا مات يحاربُ الإسلام بالإعلام ؛ فقتله اللهُ قتلةً إعلاميةً ، وبعثه ـ يوم القيامة ـ بعثةً إعلامية.
ونبشركم يا من تستخدمون الإعلام في مواجهة دين الله الواحد العلام بالخزي والعار في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة , والله يعلم المفسد من المصلح ولينصرن الله من أصلح وليخذلن من أفسد , قال الله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ" [الأنفال : 36].
الإعلام المضلل والحرب على الهوية الإسلامية
إن أبرز التحديات الذي يواجهها الإعلام الإسلامي الغزو الفكري بكل أشكاله والذي اتحدت غاياته وأهدافه قديماً وحديثاً وإن اختلفت مسمياته , فهو يهدف إلى طمس الهوية الإسلامية والعربية عبر ما يملكه من وسائل إعلامية مرئية أو مسموعة أو مقروءة ، ومن الأمثلة على هذا الغزو الفكري: التغريب والتنصير والاستشراق والدعوة إلى العامية بإحلال اللهجات العامية ورفض الفصحى والعولمة والصهيونية.
وأشهر ما يضلله الإعلام الصهيوني ويرافقه الغربي إدعاء أحقية اليهود في فلسطين وأن العرب والإسلام طارئين على أرضها أمام اليهودية الأصيلة!
ونقصد بهوية الإنسان أن يتميز عن غيره بفكره وثقافته وأسلوب حياته , ثم هو يثبت على ذلك رغم الضغوطات والمعوقات الخارجية , والغزو الفكري والذي يبثه الإعلام المضلل يستهدف بالدرجة هوية الإنسان المسلم وعقيدته ومبادئه وعاداته وتقاليده الإسلامية , فإياك أن تترك ما أنت عليه من الحق كما ترك الكثيرون , وخاصة بعدما جاء التحذير النبوي من ذلك , فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث شداد أن الرسول قال :"لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم قلنا يا رسول الله آليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟" , وبينت نصوص الكتاب والسنة أن من ترك هويته إلى غيرها من الهويات تأثرا بلإعلام المضلل , وتشبه بالمشركين أنه منهم , فقد أخرج أبو داوود من حديث ابن عمر أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال :"من تشبه بقوم فهو منهم" , وعند الطبراني في الكبير قال : قال الرسول الكريم :"ليس منا من عمل بسنة غيرنا" , وعند الطبراني :"حليف القوم منهم" وقوله - صلى الله عليه وسلم - كما عند أبي يعلى من حديث ابن مسعود :" من كثر سواد قوم فهو منهم " , فتميز يا أخا التوحيد مظهرا ومخبرا , وليظهر عليك الإسلام في الأقوال والأفعال , حتى إذا ما رآك الناس علموا انك مسلم لله حنيفا , فالتمايز عن الكافرين سنة سيد المرسلين , أخرج مسلم في صحيحه أن اليهود قالوا عن محمد – صلى الله عليه وسلم - :"مال هذا الرجل لا يريد أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه" , وها نحن ذا نوجه خطابا لأرباب الغزو الفكري قائلين ما قاله الرسول للمشركين في زمانه :" لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) "(يونس)
الإعلام المضلل وإسقاط الرموز
ومن ألوان الحرب الإعلامية إسقاط رموز المنهج الحق وإلصاق الإشاعات والاتهامات المغرضة بهم , فها هو فرعون ـ لعنه الله ـ يسيء إلى شخص النبي الكريم موسى ـ عليه السلام ـ ، فاستهزأ من لسان موسى ، وطريقته في الكلام ، وزعم أنه عييٌ لا يكاد يتكلم كلمةً واضحة كل ذلك من أجل إسقاطه حتى لا يثق الناس فيه قال الله تعالى على لسان فرعون:{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ}الزخرف52 .
وهذا ما فعله كفار قريش مع محمد – صلى الله عليه وسلم - فقد أورد البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما :أنه حين اجتمع الوليد بن المغيرة , و نفر من قريش , و قد حضر الموسم , ليجتمعوا على رأي واحد فيما يقولون في محمد - صلى الله عليه وسلم - لوفود العرب , فقالوا
فأنت يا أبا عبد شمس ! فقل و أقم رأيا نقوم به
فقال : بل أنتم فقولوا أسمع
فقالوا : نقول كاهن
فقال : ما هو بكاهن لقد رأيت الكهان , فما هو بزمزمة الكاهن , ولا سحره
فقالوا : نقول : هو مجنون
فقال : ما هو بمجنون , و لقد رأينا الجنون , وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه و لا وسوسته.
فقالوا : نقول : شاعر
قال : ما هو بشاعر , ولقد عرفنا الشعر برجزه و هزجه و قريضه
ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر
قالوا : فنقول : هو ساحر
قال : فما هو ساحر , لقد رأينا السحار و سحرهم فما هو بنفثه ولا عقده.
فقالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟
قال : و الله إن لقوله لحلاوة , وإن أصله لمغدق , وإن فرعه لجنى , فما أنتم بقائلين من هذا شيئا , إلا عرف أنه باطل , وإن أقرب القول أن تقولوا : ساحر يفرق بين المرء و أبيه , وبين المرء وبين أخيه , وبين المرء و بين زوجه , وبين المرء و بين عشيرته , فتفرقوا عنه بذلك , فأنزل الله عز وجل في الوليد بن المغيرة: "ذرني ومن خلقت وحيدا" إلى قوله:" سأصليه سقر"
وهذا ما رأيناه من الاتهامات التي توجه لقادة المجاهدين بين الفينة والأخرى , كالقول بأنهم صنيعة أمريكا , أو اتهامهم بأنهم ينتهجون مبدأ الخوارج , أو أن علاقات بالشيعة الروافض أو أنهم شوهوا الإسلام ... إلخ , وهذه الاتهامات نفسها التي وجهت لأهل التوحيد ولقادات المجاهدين قال الله تعالى:"كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [البقرة : 118]".
الدور المنشود للإعلام المضلل
للإعلام الدور الأول في تضليل الرأي العام في قضايانا السياسية وتستخدم أنظمة الاستكبار العالمي الإعلام أداة فعالة قوية في تضليل الرأي العام وتحريفه.
والإعلام اليوم علم يدرس في الدراسات العليا ، ومهمة هذا العلم في أنظمة الاستكبار العالمي: إبطال الحقوق وإحقاق الباطل، وتقريب البعيد وإبعاد القريب، وتشويه صورة الصديق حتى نراه عدواً، وتجميل صورة العدو حتى نراه صديقاً.
فالإعلام المضلل غايته وهدفه أن يقلب الحقائق ويبديل الثوابت. وهذا شيء نلمسه في واقعنا المعاصر , فأصبح الموحد في زمننا مشركا , والمجاهد إرهابيا , وراعي الكفر والشرك وليا للأمر , والتمسك بالقرآن والسنة تشددا وأصولية , والأمر تماما كما أخبرانا الصادق المصدوق كما عند ابن ماجه من حديث أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلّم قال :"إنها ستأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة قال السفيه يتكلم في أمر العامة", وعند أبي داوود في سننه من حديث أبي مالك الأشعري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها " , ولكم أن تنظروا إلى أهل الفساد والإفساد في العالم يخربون ويقتلون ويهلكون الحرث والنسل , ثم بعد هذا كله يظهرون أنفسهم على أنهم هم أهل الصلاح والإصلاح والتعمير , وأن الضحية التي افترسوها هي الظالمة الباغية , لا لشيء إلا لأنها حاولت الدفاع عن نفسها , قال الله تعالى :" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) " (البقرة).
وعلى ذلك يمكننا القول أن الإعلام يدخل في معركتنا الحاضرة في العالم الإسلامي عنصراً أساسياً، لا غنى لنا عنه، وجزءاً أساسياً في المعركة لا ينبغي أن نغفله.
بين الإعلام المضلل والناس
ولست أدري إن كان رجال الإعلام المضلل الذين يبثون هذا الكلام يُقدّرون أن الجمهور الذي يتلقىّ هذا الإعلام فيه من هو عاقل ولا يمكن خداعه ولا الضحك عليه؟
إن من أكبر أخطاء الإعلاميين احتقار عقول الناس بهذا الحد ، واعتقادهم بأن الناس يصدّقون بكل ما يصلهم من الإعلام.
إن الجمهور يفهم ويدرك ، وليس كما يعتقد رجال الإعلام موضعاً للاستهلاك الإعلامي فقط.
قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات : 6]", وقال أيضا:" لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ [النور : 12]" , وعن كميل بن زياد قال: أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان , فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال: يا كميل بن زياد ... القلوب أوعية فخيرها أوعاها , احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق ... يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق.
ومع ذلك فترى كثيرا من الناس قد سلم عقله وفكره للإعلام المضلل ولا يسمح لفكره أن يفكر فيما يسمع حتى , قال الله تعالى عن فرعون:"فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ [الزخرف : 54]
ما هو حكم امتلاك أصحاب المنهج الحق للوسائل الإعلامية؟
ويبقى أنت نقول إننا لا نملك إعلاما قوياً بقوة الإعلام المضاد حتى نكشف للرأي العام ما يحمله هذا الإعلام من التضليل السياسي والاحتقار لعقول الناس.
ومهما يكن من أمر، فإن علينا أن نُفكّر بجدّ في المسالة الإعلامية ، فأنها اليوم جزء لا يتجزأ من المعركة ، وما لم نمتلك إعلاماً قوياً يُقدّم إضاءات كاشفة للأحداث السياسية التي تمر على العالم الإسلامي لا نستطيع أن نزيل الظلمات الإعلامية التي تزحف علينا من الغرب.
الإعلام الحق في وجه الإعلام المضلل
وفي مقابل كل الصخب الإعلامي الضال والموجّه ضد روح الإنسان وعقيدته، نؤكد أن من مسؤولية هذا الإنسان أن يملك إرادته، ثم عليه العمل على إنجاز كل شيء من شأنه مواجهة سيل الإعلام المضلل والمعادي للدين والقيم الأخلاقية ، ومنها أنه يستطيع أن يُكوّن جهازاً إعلامياً بنّاءً ومقاوماً لإعلام الهدم والظلام، إنطلاقاً من تقنين قواعد العمل الإعلامي وصياغتها ضمن المتبنيات الفكرية للإسلام، وإشاعة الخير والدعوة إلى الحق دون انقطاع ، واستثمار الموارد المالية والإمكانات التقنية المناسبة بل والكفيلة بدحض الإكاذيب والإشاعات الباطلة والأساليب الشيطانية التي تعتمدها وسائل الإعلام الضالة والمضلة وتجاوزها , قال الله تعالى:" الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء : 76]".
وهنا نثمن ما تقوم به المواقع الجهادية والمؤسسات الإعلامية المناصرة للجهاد العالمي من نصرة لمنهج الله تبارك وتعالى في وجه إعلام التحالف الصهيوصليبي ووكلائه.
رسالة (حكيم الأمة حفظه الله) للعاملين في الاعلام الجهادي
جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء , فقد حطمتم صنم الإعلام الغربي وكشفتم كذبه وزيفه وتزويره للحقائق , وقدمتم المعلومات الصادقة من ميدان المعركة ... تلك الحقائق التي طالما أخفاها ذالك الإعلام المدعي للصدق والنزاهة زورا وبهتانا ,
فأبطلتم أهم أسلحة الحملة الصليبية في حربها الفكرية والإعلامية ضد المسلمين.
وأقول لكم:
اعلموا أنكم علي ثغر من ثغور الإسلام فلا يؤتين المسلمون من قبلكم , واعلموا أن ما تلقونه أو قد تلقونه من أذي ومطاردة وسجن وهجرة وخسارة إنما هو طريق الجهاد والنصر ... يقول الحق تبارك وتعالي (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )
فاثبتوا واصبروا وصابروا ورابطوا وابذلوا غاية وسعكم في خدمة الإسلام ونشر كلمته وفضح أكاذيب أعدائه , واسعوا إلي ترقية وتطوير أعمالكم والله ... يوفقكم ويرعاكم ويحفظكم ويسددكم ويتقبل منكم صالح أعمالكم.
دورنا نحو الإعلام المضلل
واجب المخلصين من أبناء الأمة نحو الإعلام المضلل
يجذبنا دائماً الإعلام لقضايا كثيرة تطفح على السطح ثم سرعان ما تومض وتختفي وكأن شيئاً لم يكن ..
وقبل أن تختفي يلاحظ أنها لا تختفي إلا بعد أن تثمر إثماراً معيناً لشيء معين .. و تخفت حينما يبدأ فضحها أو بيانها للناس .. وكل ما كانت هذه القضية أو تلك غامضة .. كلما عاشت على السطح وتلاعب بها المتلاعبون ليستفيدوا من جهل المتلقي بها .. أو غفوته عنها..
ولذلك فيجب علينا ألا نفوت أي قضية يطرحها الإعلام المضلل إلا وكشفنا زيف هذا الإعلام وأظهرنا القضية في هذه المسألة , قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف : 14].
دور النخبة في مواجهة اإعلام المضلل
هذه هي الحقيقة المؤكدة التي يتعامل بها الإعلام الموجه لتغييب العامة وخاصة الشرفاء .. لأن الشريف وهو الذي لا ينتظر من وراء عمله سوى إرضاء الله – سبحانه وتعالى - ... فيعمل بكل جهد على التفاعل والنشاط في فضح هذا المخطط الذي يؤثر على ثقافة المسلمين ويزرع بعقولهم أوهام تبعدهم عن القضية الأساسية لهم ... , وعند البيهقي في سننه الكبرى عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يرث هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وتحريف الغالين)) .
فإذا تغييب هذا الشريف أو ضل فسيسوق وراءه الكثيرين من المؤمنين بما عليه الواثقين به وهم ليسوا بالقلائل بل هم عامة الناس الذين لا يثقون بشخص فجأة ولا يلتفون حوله في غمضة عين.. بل إن ثقتهم برجل ما يأخذ فترات واختبارات و شكوك حتى يتبين لهم صدق هذا الرجل .
وعند عبد بن حميد في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله عز وجل عليه فيه مقال لا يقوم به فيلقى الله عز وجل فيقول ما منعك أن تقول يوم كذا وكذا قال يا رب خشية الناس قال إياي أحق أن تخشى. "
وبعد أن ينال شخصاً ما ثقة العامة .. ينحو بهم مناحيه دون أي مجهود .. فيكفيه أن يعلن عن رأيه فيوافقه العامة دون معارضة .. وهذه القريحة ليست وليدة عصر معين بل هي منذ بدء الخلق وستعيش إلى أن تفنى الأرض ومن عليها ويعود الجميع إلى بارئ السماوات والأرض للعرض والحساب .
وإذا وفق هذا الرجل في كشف زيف شئ .. أخمد نار فتنته و أنار الطريق للعامة كي لا يضلوا ..واستطاع أن يقف أمام الفتنة بجيش جرار فيقتلع الفتنة من جذورها ... قال الله تعالى:" وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان : 74]" , والإمام هو من جعله الله قدوة يقتدي به الناس في الخير , والإمام أحمد في فتنة خلق القرآن دليل جيد على ذلك , وعند ابن ماجه في سننه عن أنس بن مالك قال:-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر , وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير . فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه . وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه.)
الإعلام المضلل منكر لا بد من إزالته
إن مواجهة هذا الإعلام المضلل وردعه يبدأ من ضمير الإنسان وقلبه ، ذلك لأن الإنسان ينبغي أن ينكر المنكر بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ،قال الله تعالى:" كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران : 110]" , وفي مسند الإمام أحمد قال ثنا قيس قال قام أبو بكر رضي الله عنه فحمد الله عز وجل وأثنى عليه فقال : يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } إلى آخر الآية وإنكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقابه"
لا بد من الوقوف في وجه هذا الإعلام المضلل حتى لا يصبح ما يعرضه عقيدة راسخة ومبدأ لا يقبل المساومة عند الأجيال القادمة , قال الله تعالى:" أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد : 16]".
وحتى لا تمرر من خلاله مشاريع تعبيد الناس للحاكم المخلوق من دون الخالق سبحانه وتعالى , فيكون القول ومن خلال هذه الآلة الإعلامية المضللة ما يقوله الحاكم متلوفا كان أو متلوفا , قال الله على لسان فرعون وهو يخاطب قومه:" يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر : 29].
ذكر الله ودوره في مواجهة الإعلام المضلل
ولمقاومة هذا الإعلام وهذا السلاح الشيطاني الرهيب، علينا بادئ ذي بدء أن نذكر الله تعالى بقلوبنا ونستعين به ونتوكل عليه ، ومن ثم نستعيذ بالله من شرور الشيطان الذي يتجسد في هذه الصحيفة أو في تلك المحطة الفضائية ، والاستعاذة هي وسيلة ردع أسياسية ، كما تعني أولاً أسلوب رفض كل ما هو شر يستهدف روح الإنسان وعقله وعاطفته.
فالإنسان حينما يواجه مشكلة أو وضعاً استثنائياً ويخشى الوقوع في شرك الشيطان، فما عليه إلا الاستعاذة بالله أولاً، لأنه الوحيد القادر على إنقاذه من كيد الشيطان ومكره ، والأهم من ذلك أن يبقى الإنسان متوكلا دائماً على الله ـ سبحانه وتعالى ـ , قال الله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ [الأعراف : 201]" , قال الله تعالى:" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ [يونس : 71].
دور العقيدة في مواجهة الإعلام المضلل
فإن الرأي العام الإسلامي إذا أضحى متأثراً بالقرآن الكريم والعقيدة المنبثقة عنه وعن سنة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نجا من تأثير الإعلام المضاد وتحصن من عراقيله ؛ قال تعالى {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون ، حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين} ([11])
ومن الوظائف الإعلامية في القرآن المكي :
1ــ تحصين جمهور المؤمنين من شبه المعارضين التي تٌبث من خلال إعلامهم المضاد .
2ــ الرد على الهجوم الإعلامي ضد النبي صلى الله عليه وسلم وضد القرآن.
3ــ حماية رسالة الإسلام خارج المجتمع المكي والتأثير على من سمع القرآن ممن كان يفد مكة يقصد التعرف على النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام فإنه بالرغم من الشُبه التي كان الإعلام المضاد يبثها خارج الحرم.
أثر الإعلام الإسلامي على الناس
إلا أن القرآن بتأثيره كان يصل إلى نفوس هؤلاء ، وفيهم على سبيل المثال صاحب دوس وغيره كثير , وكان منهم النفر من الأنصار الذين كان اللقاء بهم بداية فتحٍ للإسلام من أرضهم لقد كان هؤلاء العائدون بعد تأثرهم بالإسلام ؛ وسائل إعلام متحركة تنقل الحقيقة كما هي ، وتُكَذِّبْ ادعاءات الإعلام المضاد من قبل المشركين بمكة ، فإن الكذب إلى انكشاف وزوال وهو من وسائل الإعلام المضلل الذي هو بمثابة السراب لايثبت إذا ما جوبه بالحقيقة الناصعة , قال الله تعالى:{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء : 18]}
وقد سلك المشركون من أهل مكة لصد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أساليب إعلامية شتى كالسخرية والتحقير والاستهزاء والتكذيب وتشويه تعاليمه وإثارة الشبهات وبث الدعايات ، ومعارضته بأساطير الأولين ومساومات عديدة حاولوا من خلالها أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق بأن يترك المشركون بعض ما هم عليه ويترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض ماهو عليه قال الله تعالى{ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم : 9]}
قالوا نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة فنزلت سورة الكافرون ترد على هذه المساومة وساوموه بالملك والثروة وأن يزوجوه بأجمل فتاة فيهم ، وعقدوا مجلساً استشارياً يتشاورون فيه كيفية الخطاب الإعلامي الذي ينبغي أن يوجهوه إلى الحجاج وطرحت الأكاذيب واحدة تلو الأخرى حتى استقر رأيهم على قول هو أقرب إلى ما يعقل وهو أن يقال للحجاج إنه ساحر لأنه يفرق بين الأقارب والاضطهادات لكثير من الأصحاب والمقاطعات وكلها أساليب إعلامية فاعله لولا التربية القرآنية التي كانت بمثابة الدرع الواقي من تلك الضربات الموجعة .
خطر الإعلام المضلل
من أخطر الوسائل الفتاكة التي تستخدمها القوى الاستكبارية لإحكام سيطرتها على الناس وإبعادهم عن سبيل الله وجادة الحق، هي الإعلام المضلل الذي يكوّن مشكلة مزدوجة أمام الإنسان، ذلك لأن سلاح الإعلام يستطيع إنزال أقوى الضربات على الإنسان في الوقت الذي يجعله يؤمن بشرعية عمل الطاغوت وقوى الضلال والظلام ، أي أن يضله ويقضي على عقله وعاطفته برضاه، كما أنه يؤثر على حياة الإنسان سواء في الدنيا أو الآخرة. إذ في الدنيا يسيطر الحكام على الناس بسببه، وفي الآخرة نار جهنم.
وحيث إن الإعلام الضال من أساليب شياطين الإنس والجن، فإن الله ـ تبارك وتعالى ـ يحذر في مواقع عدة من الوقوع في شرك الشياطين، لأنهم لا يشاركون الإنسان في الدنيا فحسب ، إذ يوجهون اقتصاده ويمنهجون سياسته ويبرمجون لاجتماعه ، وإنما يشاركونه في تحديد آخرته ويقودونه إلى سواء الجحيم ، لذلك ؛ اذا كان الإنسان يستخدم السلاح في حروبه التقليدية مرة واحدة ، عليه مواجهة الإعلام المضلل ألف مرة.
إننا نتعرض في كل لحظة وعلى مدار السنة إلى سيول من الإعلام المضلل والمجانب للحق والحقيقة.. ومعظم وكالات الأنباء والصحف ومحطات الإذاعة والقنوات الفضائية ومواقع الانترنيت تُعد وجوهاً للتضليل والانحراف ، ومن خلال هذه الوجوه التي كثيرا ما تحمل مسحة جذابة يقوم أصحاب تلك الوسائل الإعلامية بإعادة صياغة أذهان الشعوب المسلمة عبر برامج معينة ومدروسة من النواحي الفكرية والنفسية والفنية، ومن ثم يساعدون الحكام على تسيير الشعوب الى الوجهة التي يريدونها.