البيان
30 Aug 2004, 06:02 PM
<div align="center">عظمة السجود</div>
إذا تأمل المسلم فإنه سيجد أمر السجود أمراً عظيماً ، حيث يجد من آيات القرآن وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وهدي سلف الأمة رضوان الله عليهم ما يدل على عظمة السجود وما هو جديد بالتأمل والتدبر ، واستنباط المعاني ، وفهم هذا السجود فهماً إيمانياً قلبياً مع فهمه فهماً حُكْمياً وعملياً0
لقي سعيد بن جبير مسروقاً فقال له : يا أباسعيد ( ما من شيء يرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا في التراب ) – يعني السجود- إنها كلمات تبين أن كل مراده في الدنيا وأن كل لذته فيها إنما يجدها في تمريغ جبهته في التراب سجوداً وذلة لله سبحانه وتعالى ، وإذا تجاوب معه مسروق رحمة الله عليه فقال : ( ما من الدنيا شيء آسى عليه إلا السجود لله تعالى ) ، ومن خلال مثل هذه المقالات المأثورة عن سلف الأمة يظهر لنا جلياً أن السجود ليس أمراً هيناً ، وليس مجرد حركة عضوية بدنيه ، أو أقوالاً ترددها الألسنة دون أن يكون للعقول والقلوب من هذا السجود حظ وافر ، وأثر ظاهر فلا يتم السجود دون حضور القلب والخشوع ، دون إدراك العقل والخضوع فأمر السجود إذنً أوسع مدى ، وأعمق غوراً ، فلا بد والأمر كذلك أن نحسن فقه السجود 0
ورد في الصحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفسي بيده ، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الحرب ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها ) البخاري
هذا الحديث علق عليه الحافظ ابن حجر في الفتح فقال : ( وسبب كثرته- أي المال – نزول البركات وتوالي الخيرات بسبب العدل وعدم الظلم وحينئذ تخرج الأرض كنوزها وتقل الرغبات في اقتناء المال لعلمهم بقرب الساعة 0
ثم تابع قائلاً : أي أنهم حينئذ لا يتقربون إلى الله إلا بالعبادة ، لا بالتصديق بالمال ، وقيل معناه أن الناس يرغبون عن الدنيا حتى تكون السجدة الواحدة أحب إليهم من الدنيا وما فيها 0
ثم نقل عن القرطبي قوله : معنى الحديث أن الصلاة حينئذ تكون أفضل من الصدقة لكثرة المال إذ ذاك وعدم الانتفاع به حتى لا يقبله أحد ) فتح الباري
أي لا تكون هناك قربات في النفقات والصدقة يمكن أن يقترب بها الإنسان فيكون السجود لله سبحانه وتعالى هو العبادة العظيمة التي لا تزاحمها عبادة ، إذ ليس هناك مجال آخر كمجال الإنفاق الذي يحوز العبد رضي الله سبحانه وتعالى ويدفع به غضبه كما في الحديث ( أن الصدقة لتطفئ به غضبة الرب ، وتدفع ميتة السوء ) ، فلما انقطع هذا لم يبق إلا ذلك السجود ، وهذا مؤذن أيضاً بأن السجود في حقيقته عظيم ، وأنه من أعظم القربات لله سبحانه وتعالى ، لكنه قد يشغل عنه المسلم بأمور من أهمها – كما يستنبط من هذا الحديث – عدم ذكر الآخرة بسبب التعليق بالدنيا ، وكذلك مزاحمة الأعمال الأخرى وإن كانت من الخيرات إذ لو يكن للمسلم قدرة على العبادات الأخرى كالصدقة وإعانة المحتاج لكان حظ العبادة والسجود أكبر بحيث يتناسب مع أهميته وأوليته في العبادة الفاضلة 0
ولذلك جاء تعليق الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمة الله عليه على قوله سبحانه وتعالى ( وإذ قالت الملائكة يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) آل عمران 43
قال ( وعلى القول بأن معنى القنوت الطاعة ، فتكون الملائكة قد أوصوا مريم أولاً بوصية عامة ، وهي مداومة الطاعة بجميع أنواعها ، ثم أمروها بأفضل أنواع العبادة وأشرفها ، وهي الصلاة ، وخصوا من هيئاتها الركوع والسجود لشرفهما وعظيم أهميتهما ، وقدموا السجود على الركوع ، لأن المصلى أقرب ما يكون لله وهو ساجد ، فالسجود أفضل أركان الصلاة )
كما في الحديث عند مسلم ، ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) 0
فإذا تمخض من هذا المعنى في هذا الآية عظمة السجود إلى منتهى الحد ، إذ هو أخص الطاعات ، والمقدم والمعظم في الصلاة التي هي مقدمة على سائر الطاعة وهذه دلالة واضحة على شرف السجود وعظيم منزلته عند الله سبحانه وتعالى 0
قال المناوي في فيض القدر : ( وذلك لأن العبد في حالة السجود يكون في تمام الذلة والخضوع لله سبحانه وتعالى ، وإذا عرف العبد نفسه بالذلة والافتقار عرف أن ربه هو العلي الكبير المتكبر الجبار ، فالسجود لذلك مظنة الإجابة ) فيض القدير
وكل العبادة مدارها أن يتحقق الإنسان بمقام العبودية ، ويعرف قدر نفسه ، ويعرف عظمة الله جل وعلا ، ثم يعرف أنه مفتقر إلى الله سبحانه وتعالى وأن كل نقص فيه يقابله كمال مطلق للحق جل وعلا ، كما ذُكر : ( ركبت من العجز لتنظر إلى كمال قدرة الله سبحانه وتعالى ومن الفقر لتنظر إلى كمال غني الله سبحانه وتعالى ، ومن الضعيف لتنظر إلى كمال قوة الله سبحانه وتعالى ) ، فكل ضعيف ونقص في المخلوق يقابله عظمة مطلقة متناهية لا حد لها ولا يمكن أن يحاط بها بالنسبة للخالق سبحانه وتعالى ، وحينئذ لما كان السجود هو الأعظم في الدلالة على ذلة العبد وعظمة الرب ثم بيان الافتقار من هذا العبد لربه ومولاه كان له هذا المعنى العظيم 0
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،،،،
إذا تأمل المسلم فإنه سيجد أمر السجود أمراً عظيماً ، حيث يجد من آيات القرآن وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وهدي سلف الأمة رضوان الله عليهم ما يدل على عظمة السجود وما هو جديد بالتأمل والتدبر ، واستنباط المعاني ، وفهم هذا السجود فهماً إيمانياً قلبياً مع فهمه فهماً حُكْمياً وعملياً0
لقي سعيد بن جبير مسروقاً فقال له : يا أباسعيد ( ما من شيء يرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا في التراب ) – يعني السجود- إنها كلمات تبين أن كل مراده في الدنيا وأن كل لذته فيها إنما يجدها في تمريغ جبهته في التراب سجوداً وذلة لله سبحانه وتعالى ، وإذا تجاوب معه مسروق رحمة الله عليه فقال : ( ما من الدنيا شيء آسى عليه إلا السجود لله تعالى ) ، ومن خلال مثل هذه المقالات المأثورة عن سلف الأمة يظهر لنا جلياً أن السجود ليس أمراً هيناً ، وليس مجرد حركة عضوية بدنيه ، أو أقوالاً ترددها الألسنة دون أن يكون للعقول والقلوب من هذا السجود حظ وافر ، وأثر ظاهر فلا يتم السجود دون حضور القلب والخشوع ، دون إدراك العقل والخضوع فأمر السجود إذنً أوسع مدى ، وأعمق غوراً ، فلا بد والأمر كذلك أن نحسن فقه السجود 0
ورد في الصحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفسي بيده ، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الحرب ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها ) البخاري
هذا الحديث علق عليه الحافظ ابن حجر في الفتح فقال : ( وسبب كثرته- أي المال – نزول البركات وتوالي الخيرات بسبب العدل وعدم الظلم وحينئذ تخرج الأرض كنوزها وتقل الرغبات في اقتناء المال لعلمهم بقرب الساعة 0
ثم تابع قائلاً : أي أنهم حينئذ لا يتقربون إلى الله إلا بالعبادة ، لا بالتصديق بالمال ، وقيل معناه أن الناس يرغبون عن الدنيا حتى تكون السجدة الواحدة أحب إليهم من الدنيا وما فيها 0
ثم نقل عن القرطبي قوله : معنى الحديث أن الصلاة حينئذ تكون أفضل من الصدقة لكثرة المال إذ ذاك وعدم الانتفاع به حتى لا يقبله أحد ) فتح الباري
أي لا تكون هناك قربات في النفقات والصدقة يمكن أن يقترب بها الإنسان فيكون السجود لله سبحانه وتعالى هو العبادة العظيمة التي لا تزاحمها عبادة ، إذ ليس هناك مجال آخر كمجال الإنفاق الذي يحوز العبد رضي الله سبحانه وتعالى ويدفع به غضبه كما في الحديث ( أن الصدقة لتطفئ به غضبة الرب ، وتدفع ميتة السوء ) ، فلما انقطع هذا لم يبق إلا ذلك السجود ، وهذا مؤذن أيضاً بأن السجود في حقيقته عظيم ، وأنه من أعظم القربات لله سبحانه وتعالى ، لكنه قد يشغل عنه المسلم بأمور من أهمها – كما يستنبط من هذا الحديث – عدم ذكر الآخرة بسبب التعليق بالدنيا ، وكذلك مزاحمة الأعمال الأخرى وإن كانت من الخيرات إذ لو يكن للمسلم قدرة على العبادات الأخرى كالصدقة وإعانة المحتاج لكان حظ العبادة والسجود أكبر بحيث يتناسب مع أهميته وأوليته في العبادة الفاضلة 0
ولذلك جاء تعليق الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمة الله عليه على قوله سبحانه وتعالى ( وإذ قالت الملائكة يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) آل عمران 43
قال ( وعلى القول بأن معنى القنوت الطاعة ، فتكون الملائكة قد أوصوا مريم أولاً بوصية عامة ، وهي مداومة الطاعة بجميع أنواعها ، ثم أمروها بأفضل أنواع العبادة وأشرفها ، وهي الصلاة ، وخصوا من هيئاتها الركوع والسجود لشرفهما وعظيم أهميتهما ، وقدموا السجود على الركوع ، لأن المصلى أقرب ما يكون لله وهو ساجد ، فالسجود أفضل أركان الصلاة )
كما في الحديث عند مسلم ، ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) 0
فإذا تمخض من هذا المعنى في هذا الآية عظمة السجود إلى منتهى الحد ، إذ هو أخص الطاعات ، والمقدم والمعظم في الصلاة التي هي مقدمة على سائر الطاعة وهذه دلالة واضحة على شرف السجود وعظيم منزلته عند الله سبحانه وتعالى 0
قال المناوي في فيض القدر : ( وذلك لأن العبد في حالة السجود يكون في تمام الذلة والخضوع لله سبحانه وتعالى ، وإذا عرف العبد نفسه بالذلة والافتقار عرف أن ربه هو العلي الكبير المتكبر الجبار ، فالسجود لذلك مظنة الإجابة ) فيض القدير
وكل العبادة مدارها أن يتحقق الإنسان بمقام العبودية ، ويعرف قدر نفسه ، ويعرف عظمة الله جل وعلا ، ثم يعرف أنه مفتقر إلى الله سبحانه وتعالى وأن كل نقص فيه يقابله كمال مطلق للحق جل وعلا ، كما ذُكر : ( ركبت من العجز لتنظر إلى كمال قدرة الله سبحانه وتعالى ومن الفقر لتنظر إلى كمال غني الله سبحانه وتعالى ، ومن الضعيف لتنظر إلى كمال قوة الله سبحانه وتعالى ) ، فكل ضعيف ونقص في المخلوق يقابله عظمة مطلقة متناهية لا حد لها ولا يمكن أن يحاط بها بالنسبة للخالق سبحانه وتعالى ، وحينئذ لما كان السجود هو الأعظم في الدلالة على ذلة العبد وعظمة الرب ثم بيان الافتقار من هذا العبد لربه ومولاه كان له هذا المعنى العظيم 0
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،،،،