ابو الهيثم
30 Aug 2004, 07:03 PM
الاختلاط هو اجتماع الرجال بالنساء في حالة خلطة.
فلا بد ان يجتمع فيه امران : احدهما الاجتماع،
الثاني الخلطة .
فالاجتماع وحده لا يكون اختلاطا،
فركوب المرأة بجانب الرجل في سيارة عامة لا يكون اختلاطا .
والخلطة وحدها لا تكون اختلاطا،
فحديث المرأة مع الرجال بالتلفون لا يكون اختلاطا فلا بد ان يحصل الاجتماع وتكون في الاجتماع خلطة حتى يكون اختلاطا .
هذا هو واقع الاختلاط .
فالحكم الشرعي للاختلاط يجب ان يطبق على هذا الواقع، فان انطبق عليه كان حكمه وان لم ينطبق عليه لم يكن حكمه .
اما اجتماع الرجال بالنساء، اي اجتماع الرجل بالمرأة مجرد اجتماع فان الادلة الشرعية للاحكام الشرعية للمرأة تجاه الرجل تدل دلالة التزام على تحريمه تحريما عاما .
فقد حرم على الرجل النظر الى عورة المرأة الاجنبية ولو شعرها تحريما مطلقا سواء اكان بشهوة ام بغير شهوة، وحرم على المرأة ان تكشف عورتها ولو رقبتها للرجل الاجنبي غير المحرم تحريما عاما سواء نظر اليها ام لم ينظر .
واوجب على كل من المرأة والرجل غض البصر .
وحرم على المرأة الواحدة السفر ولو لاداء فريضة الحج دون محرم،وجعل صفوف النساء في الصلاة في المسجد العام خلف صفوف الرجال منفصلة عنهم، وقالت النساء للرسول عليه السلام قد غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما .
ولم يجز شهادة المرأة في الجنايات،وادلة هذه الاحكام تدل دلالة التزام على فصل النساء عن الرجال، وان الرجال لا يجتمعون بالنساء .
ثم ان واقع حياة المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هي فصل النساء عن الرجال، اي فصل المرأة عن الرجل،وهذا الفصل معناه منع اجتماع الرجال بالنساء، اي منع اجتماع الرجل بالمرأة .
فالادلة العامة للاحكام الشرعية المتعلق بالمرأة تجاه الرجل تدل دلالة قاطعة وليست ظنية على فصل النساء عن الرجال، لانها جاءت بادلة قطعية الثبوت قطعية الدلالة من ايات قرانية واحاديث متواترة،حتى اصبح فصل الرجال عن النساء عند المسلمين مما هو معلوم من الدين بالضرورة، لقوة ثبوته وبداهته .
على ان الشرع جعل للمسلمين حياة خاصة وحياة عامة، وحدد الحياة الخاصة وجعل ما عداها حياة عامة .
اما الحياة الخاصة فقد جاء بادلة عليها، وادلة على احكام خاصة بها .
اما الادلة عليها فانه جعل البيوت حياة خاصة، وجعل الاستئذان دليلا على كونها حياة خاصة،لذلك كانت الادلة التي جاءت بذكر البيوت ادلة على الحياة الخاصة .
لان المراد من البيوت هو سكانها وحالاتها وليس المراد نفس المبنى،كقوله تعالى ( واسأل القرية ) اي اهلها .
فكلمة بيوت في الادلة انما تعني السكان وحالات العيش فيها، اي تعني الحياة الخاصة، وكلمة بيوت جاءت في ايات متعددة، ﴿لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم ﴾ ﴿واحبسوهن في البيوت﴾ ﴿من بيوتكم او بيوت اخوانكم ﴾فكلمة بيوت في هذه الايات وامثالها تدل على الحياة الخاصة .
فالمسلمون لهم حياة خاصة جاء النص عليها في الكتاب كما جاء النص عليها في السنة في احاديث كثيرة .
هذه الحياة الخاصة لها اولا امارة دالة عليها تميزها عن غيرها ولها احكام خاصة بها .
اما الامارة فهي الاستئذان في دخولها ممن له صلاحية الاذن .
قال تعالى ﴿يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على اهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون، فان لم تجدوا فيها احدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم، وان قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو ازكى لكم والله بما تعملون عليم .ليس عليكم جناح ان تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ﴾ فالبيوت المسكونة لا يحل لاحد دخولها حتى يستأذن في الدخول، لا فرق بين اجنبي ومحرم،
ولم يستثن من ذلك الا صنفين :احدهما : مملوكين رجالا كانوا ام نساء وثانيهما : الاطفال الذين لم يبلغوا الحلم،
لعلة بينها الشرع هو كونهم طوافين على اهل البيت .
هذه هي علامة الحياة الخاصة،ان يكون دخولها في حاجة الى استئذان .
ولذلك كانت السيارات الخاصة، المدارس والجامعات، والنوادي الخاصة، وامثال ذلك مما يحتاج الى اذن هو من الحياة الخاصة .
فالقران والحديث وان ذكر البيوت على انها هي الحياة الخاصة، ولكن الية قد جعلت طلب الاستئذان امارة عليها فيدخل تحت ذلك كل ما يحتاج دخوله الى اذن .
واما الاحكام الخاصة بها فان منع الدخول ومنع كل ما يترتب على الدخول فالله تعالى يقول ﴿لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم﴾ وهذا يعني النهي عن الدخول، والنهي عن كل ما يترتب على الدخول نهيا عاما .
وذلك بدلالة الالتزام، لان منع الدخول يستلزم المنع من كل ما يترتب على الدخول، فالدخول يترتب عليه الاكل وشرب الماء وشرب القهوة والحديث واعطاء الدرس وغير ذلك مما يمكن الدخول منه . فما دام قد نهى عن الدخول فانه يكون قد نهى عن كل ما يترتب عليه .
لان النهي عن الشيء يستلزم النهي عما يترتب عليه .
فدلالة الالتزام تقضي بان حكم الحياة الخاصة هو تحريم كل شيء تحريم الدخول وكل ما يترتب عليه .
فقوله ﴿لا تدخلوا بيوتا﴾ يعني لا تدخلوها، ولا تأكلوا منها ولا تتحدثوا لاهلها ولا تشربوا ولا تعملوا اي شيء يترتب على الدخول لان المنع من الدخول منع لكل ما يترتب عليه .
فحتى يحل الدخول، ويحل ما يترتب عليه يحتاج الى نص من الشارع على الدخول، وعلى الشيء التي ترتب عليه بذاته .
لان دليل المنع عام، والعام يبقى على عمومه ما لم يرد دليل التخصيص .فلا بد من نص من الشارع على حل ذلك الشيء بذاته حتى يستثنى ويخرج من العموم .
وما لم يرد نص بخصوصه لا يمكن ان يستثنى من المنع وان يخرج من العموم .وما لم يرد نص بخصوصه لا يمكن ان يستثنى من المنع وان يخرج من عموم المنع .
والشارع نص على الدخول، ونص على الاكل لاشخاص عينهم،ونص على الزيارة لصلة الرحم، ونص على جواز النظر الى عورة المحارم، وعلى الحديث معهن، الى غير ذلك مما نص عليه في الحياة الخاصة .فهذه الاشياء التي نص الشارع على جوازها تجوز في الحياة الخاصة وتستثنى من المنع، وتدخل بالنص، وما لم ينص عليه لا يدخل ولا يستثنى من المنع .فالاذن بالدخول يبيح الدخول، لا للاذن بل لان الشارع نص على جوازه،فلا يشمل غيره مما يترتب على الدخول .
لان الشارع اجاز الدخول بالاذن ولم يجز غيره، فيكون خاصا بالدخول لان المنع يستلزم العموم، ولكن الاذن بالدخول لا يستلزم الاذن بالاكل . لذلك كان دليل المنع عاما، اما دليل الاذن بالدخول فهو خاص بالدخول وحده لوجود النص عليه، ونصه لا يستلزم غيره فلا يدخل، فدلالة الالتزام لا تنطبق عليه .
وكذلك نص الشارع على الاكل لاشخاص مخصوصين فقال تعالى ﴿ولا على انفسكم ان تأكلوا من بيوتكم او بيوت ابائكم او بيوت اخوانكم او بيوت اخواتكم، او بيوت اعمامكم، او بيوت عماتكم، او بيوت اخوالكم،او بيوت خالاتكم او ما ملكتم مفاتحه، او صديقكم،ليس عليكم جناح ان تأكلوا جميعا او اشتاتا﴾ فهذا النص على هؤلاء يجيز لهم بعد الاذن بالدخول ان يأكلوا فالنص قد استثنى هؤلاء للدخول، والاذن لهؤلاء بالاكل يجيز الاجتماع بالنساء في الاكل فهو خاص بالاكل وخاص بهؤلاء،ولا يشمل غيرهم ولا بدلالة من الدلالات .
وكذلك امر الشارع بصلة الرحم،فامره يدل على جواز الاجتماع بالنساء من ذوي ارحامهن اذا جاءوا لصلة الرحم ولو كانوا اعماما واولاد عم ما داموا ممن يشملهم الامر بصلة الارحام .
وكذلك اجاز الشارع للمحارم ان ينظروا الى عورات محارمهم، واجاز للمحارم ان يكشفن عوراتهن على محارمهن، وهذا يعني جواز الاجتماع بهن في الحياة الخاصة، فيجوز لهم بعد الاذن بالدخول ان يجتمعوا بالنساء .
وهكذا جميع من جاء نص اخر بجواز ان يفعلوا شيئا غير الدخول يجوز لهم في حدود النص لانه يكون مستثنى بالنص، وما لم يرد نص لا يجوز . واجتماع الرجال الاجانب بالنساء في الحياة الخاصة حرام مطلقا، لان النص يشمل منعه، ولم يرد نص باستثنائه ولذلك يكون حراما، وعليه فان الاختلاط في الحياة الخاصة،حرام مطلقا، ولا يحل الا لمن استثناهم الشرع في الحالات التي استثناها .
فالحياة الخاصة يحرم فيها اجتماع الرجل بالمرأة بدليل خاص بها فوق الدليل العـــــام الذي جاء بفصل الرجال عن النساء .
اما الحياة العامة فان الدليل العام لا يجيـــــــز الاجتماع بين الرجل والمرأة، بل ينفصلان عن بعضهما .
الا ان الشـــــارع جاء باحكام بشأن المرأة وحدها،وباحكام بشأن الرجل وحده، واحكــــام بشأنهما معا .
فالشارع اباح في العلاقات والتصرفات لكل من المرأة والرجل معا دون تمييز بينهما، فاباح لهما البيع والشراء والاجارة والوكالة والهبة والشفعة والوقف والشركة والوصاية والحوالة، وان يملك كل منهما ما يريد، وان ينمي ملكه، وان يتعلم العلم والصناعة، وان يعلم غيره .
واوجب على الرجل الجهاد واباحه للمرأة، وندب للرجل الجماعة واباحها للمرأة، وفرض على الرجل صلة الجمعة واباحها للمرأة، وفرض على الرجل كسب العيش، واباحه للمرأة . واوجب الحج على الرجل وشرط في وجوبه على المرأة وجود المحرم او جمع من النساء .
ومنع المرأة من ان تكون حاكما واباحه للرجل .
وامرها بلبس الجلباب ولم يأمر بذلك الرجل . وجعل عورتها غير عورة الرجل .
ولم يجز شهادة المرأة في الجنايات واجازها في الحقوق بجعل شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد .
واباح للمرأة كما اباح للرجل المشي والنظر والكلام والتحية واللعب والركض وكل ما دخل تحت العمومات مما يشمل المرأةوالرجل .
فهذه الاحكام في واقعها انما تكون في الحياة العامة فهي اذا اقتضت الاجتماع بالرجل كالبيع والشراء وسائر المعاملات يجوز ان تجتمع بالرجل من اجلها .
لان اباحتها تقضي اباحة الاجتماع، لان دليل اباحتها يشمل الاجتماع ما دامت اباحة مطلقة .وهذا لا يكـــــــون اختلاطا .
او يكون اختلاطا اجازه الشرع .
وعلى ذلك فان اجتماع الرجل بالمرأة في الحياة الخاصة حرام مطلقا سواء اكان اختلاطا ام لم يكن، الا ما جاء النص الشرعي على جوازه بجواز او ايجاب او ندب ما يقتضيه كصلة الرحم واجتماع المحارم .
واما في الحياة العامة، فان اجتماع الرجل بالمرأة لامر اجازه الشرع لها كالبيع والصناعة والزراعة وما شاكلها فله فانه يجوز ولو كان اختلاطا، اي ولو كان اجتماعا مع خلطة .
لان اباحة هذه الامور تستلزم اباحة الاجتماع بالرجل من اجلها،او انها لا يتأتى القيام بها الا باجتماعها بالرجل، لذلك كان دليل اباحتها دليلا على جواز الاجتماع.
اما اذا كان العمل محرما كالقمار،او كان لا يقتضي الاجتماع بالرجل كالمشي واللعب، فان الاجتماع في هاتين الحالتين، اثم، سواء اكان اختلاطا ام لم يكن .فان مجرد الاجتماع اثم، لان ادلة الانفصال العامة تعني وجوب الانفصال وعدم الاجتماع،فحصول الاجتماع اثم لعدم وجود دليل يستثنيه كما حصل في البيع والشراء فالاصل ان اجتماع الرجل بالمرأة اثم سواء اكان اختلاطا ام لم يكن، ونستثني من الدليل العام في الحياة العامة ما جاء من احكام شرعية تقتضي الاجتماع،اي ان القيام بذلك العمل الذي اباحه الشرع يقتضي وجود الاجتماع،فحينئذ يجوز الاجتماع ولو كان اختلاطا .
فالمسألة اذن ليست مسألة اختلاط، وانما هي مسألة اجتماع الرجال بالنساء سواء اكانت اختلاطا ام لا .
فاذا كان النص يجيز الاجتماع، كاجتماع الرجل بالمرأة يريد ان يخطبها، او كاجتماع الممرضة بالطبيب في العيادة او المستشفى، او كاجتماع المرأة بالرجل في محاضرة عامة او كاجتماع الرجل بالمرأة في البيع، فانه يجوز في الحياة العامة، ولا يجوز في الحياة الخاصة .
اما اذا كان الشرع لا يجيز الاجتماع، كأن يكون ما اجتمعوا عليه محرما كالقمار، او كانت اباحته والقيام به لا يقتضي الاجتماع كالجلوس في المقهى لشرب القهوة او في المطعم للاكل، او ما شاكل ذلك، فالموضوع هو ان الاصل هو وجوب فصل الرجال عن النساء، سواء في الحياة الخاصة او في الحياة العامة .
فكل اجتماع بينهما اثم لا شك فيه . الا اذا جاء الدليل على جواز الاجتماع فانه يجوز في الحياة العامة ولا يجوز في الحياة الخاصة مطلقا الا الحالات التي جاء النص الشرعي بها .
فلا بد ان يجتمع فيه امران : احدهما الاجتماع،
الثاني الخلطة .
فالاجتماع وحده لا يكون اختلاطا،
فركوب المرأة بجانب الرجل في سيارة عامة لا يكون اختلاطا .
والخلطة وحدها لا تكون اختلاطا،
فحديث المرأة مع الرجال بالتلفون لا يكون اختلاطا فلا بد ان يحصل الاجتماع وتكون في الاجتماع خلطة حتى يكون اختلاطا .
هذا هو واقع الاختلاط .
فالحكم الشرعي للاختلاط يجب ان يطبق على هذا الواقع، فان انطبق عليه كان حكمه وان لم ينطبق عليه لم يكن حكمه .
اما اجتماع الرجال بالنساء، اي اجتماع الرجل بالمرأة مجرد اجتماع فان الادلة الشرعية للاحكام الشرعية للمرأة تجاه الرجل تدل دلالة التزام على تحريمه تحريما عاما .
فقد حرم على الرجل النظر الى عورة المرأة الاجنبية ولو شعرها تحريما مطلقا سواء اكان بشهوة ام بغير شهوة، وحرم على المرأة ان تكشف عورتها ولو رقبتها للرجل الاجنبي غير المحرم تحريما عاما سواء نظر اليها ام لم ينظر .
واوجب على كل من المرأة والرجل غض البصر .
وحرم على المرأة الواحدة السفر ولو لاداء فريضة الحج دون محرم،وجعل صفوف النساء في الصلاة في المسجد العام خلف صفوف الرجال منفصلة عنهم، وقالت النساء للرسول عليه السلام قد غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما .
ولم يجز شهادة المرأة في الجنايات،وادلة هذه الاحكام تدل دلالة التزام على فصل النساء عن الرجال، وان الرجال لا يجتمعون بالنساء .
ثم ان واقع حياة المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هي فصل النساء عن الرجال، اي فصل المرأة عن الرجل،وهذا الفصل معناه منع اجتماع الرجال بالنساء، اي منع اجتماع الرجل بالمرأة .
فالادلة العامة للاحكام الشرعية المتعلق بالمرأة تجاه الرجل تدل دلالة قاطعة وليست ظنية على فصل النساء عن الرجال، لانها جاءت بادلة قطعية الثبوت قطعية الدلالة من ايات قرانية واحاديث متواترة،حتى اصبح فصل الرجال عن النساء عند المسلمين مما هو معلوم من الدين بالضرورة، لقوة ثبوته وبداهته .
على ان الشرع جعل للمسلمين حياة خاصة وحياة عامة، وحدد الحياة الخاصة وجعل ما عداها حياة عامة .
اما الحياة الخاصة فقد جاء بادلة عليها، وادلة على احكام خاصة بها .
اما الادلة عليها فانه جعل البيوت حياة خاصة، وجعل الاستئذان دليلا على كونها حياة خاصة،لذلك كانت الادلة التي جاءت بذكر البيوت ادلة على الحياة الخاصة .
لان المراد من البيوت هو سكانها وحالاتها وليس المراد نفس المبنى،كقوله تعالى ( واسأل القرية ) اي اهلها .
فكلمة بيوت في الادلة انما تعني السكان وحالات العيش فيها، اي تعني الحياة الخاصة، وكلمة بيوت جاءت في ايات متعددة، ﴿لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم ﴾ ﴿واحبسوهن في البيوت﴾ ﴿من بيوتكم او بيوت اخوانكم ﴾فكلمة بيوت في هذه الايات وامثالها تدل على الحياة الخاصة .
فالمسلمون لهم حياة خاصة جاء النص عليها في الكتاب كما جاء النص عليها في السنة في احاديث كثيرة .
هذه الحياة الخاصة لها اولا امارة دالة عليها تميزها عن غيرها ولها احكام خاصة بها .
اما الامارة فهي الاستئذان في دخولها ممن له صلاحية الاذن .
قال تعالى ﴿يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على اهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون، فان لم تجدوا فيها احدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم، وان قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو ازكى لكم والله بما تعملون عليم .ليس عليكم جناح ان تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ﴾ فالبيوت المسكونة لا يحل لاحد دخولها حتى يستأذن في الدخول، لا فرق بين اجنبي ومحرم،
ولم يستثن من ذلك الا صنفين :احدهما : مملوكين رجالا كانوا ام نساء وثانيهما : الاطفال الذين لم يبلغوا الحلم،
لعلة بينها الشرع هو كونهم طوافين على اهل البيت .
هذه هي علامة الحياة الخاصة،ان يكون دخولها في حاجة الى استئذان .
ولذلك كانت السيارات الخاصة، المدارس والجامعات، والنوادي الخاصة، وامثال ذلك مما يحتاج الى اذن هو من الحياة الخاصة .
فالقران والحديث وان ذكر البيوت على انها هي الحياة الخاصة، ولكن الية قد جعلت طلب الاستئذان امارة عليها فيدخل تحت ذلك كل ما يحتاج دخوله الى اذن .
واما الاحكام الخاصة بها فان منع الدخول ومنع كل ما يترتب على الدخول فالله تعالى يقول ﴿لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم﴾ وهذا يعني النهي عن الدخول، والنهي عن كل ما يترتب على الدخول نهيا عاما .
وذلك بدلالة الالتزام، لان منع الدخول يستلزم المنع من كل ما يترتب على الدخول، فالدخول يترتب عليه الاكل وشرب الماء وشرب القهوة والحديث واعطاء الدرس وغير ذلك مما يمكن الدخول منه . فما دام قد نهى عن الدخول فانه يكون قد نهى عن كل ما يترتب عليه .
لان النهي عن الشيء يستلزم النهي عما يترتب عليه .
فدلالة الالتزام تقضي بان حكم الحياة الخاصة هو تحريم كل شيء تحريم الدخول وكل ما يترتب عليه .
فقوله ﴿لا تدخلوا بيوتا﴾ يعني لا تدخلوها، ولا تأكلوا منها ولا تتحدثوا لاهلها ولا تشربوا ولا تعملوا اي شيء يترتب على الدخول لان المنع من الدخول منع لكل ما يترتب عليه .
فحتى يحل الدخول، ويحل ما يترتب عليه يحتاج الى نص من الشارع على الدخول، وعلى الشيء التي ترتب عليه بذاته .
لان دليل المنع عام، والعام يبقى على عمومه ما لم يرد دليل التخصيص .فلا بد من نص من الشارع على حل ذلك الشيء بذاته حتى يستثنى ويخرج من العموم .
وما لم يرد نص بخصوصه لا يمكن ان يستثنى من المنع وان يخرج من العموم .وما لم يرد نص بخصوصه لا يمكن ان يستثنى من المنع وان يخرج من عموم المنع .
والشارع نص على الدخول، ونص على الاكل لاشخاص عينهم،ونص على الزيارة لصلة الرحم، ونص على جواز النظر الى عورة المحارم، وعلى الحديث معهن، الى غير ذلك مما نص عليه في الحياة الخاصة .فهذه الاشياء التي نص الشارع على جوازها تجوز في الحياة الخاصة وتستثنى من المنع، وتدخل بالنص، وما لم ينص عليه لا يدخل ولا يستثنى من المنع .فالاذن بالدخول يبيح الدخول، لا للاذن بل لان الشارع نص على جوازه،فلا يشمل غيره مما يترتب على الدخول .
لان الشارع اجاز الدخول بالاذن ولم يجز غيره، فيكون خاصا بالدخول لان المنع يستلزم العموم، ولكن الاذن بالدخول لا يستلزم الاذن بالاكل . لذلك كان دليل المنع عاما، اما دليل الاذن بالدخول فهو خاص بالدخول وحده لوجود النص عليه، ونصه لا يستلزم غيره فلا يدخل، فدلالة الالتزام لا تنطبق عليه .
وكذلك نص الشارع على الاكل لاشخاص مخصوصين فقال تعالى ﴿ولا على انفسكم ان تأكلوا من بيوتكم او بيوت ابائكم او بيوت اخوانكم او بيوت اخواتكم، او بيوت اعمامكم، او بيوت عماتكم، او بيوت اخوالكم،او بيوت خالاتكم او ما ملكتم مفاتحه، او صديقكم،ليس عليكم جناح ان تأكلوا جميعا او اشتاتا﴾ فهذا النص على هؤلاء يجيز لهم بعد الاذن بالدخول ان يأكلوا فالنص قد استثنى هؤلاء للدخول، والاذن لهؤلاء بالاكل يجيز الاجتماع بالنساء في الاكل فهو خاص بالاكل وخاص بهؤلاء،ولا يشمل غيرهم ولا بدلالة من الدلالات .
وكذلك امر الشارع بصلة الرحم،فامره يدل على جواز الاجتماع بالنساء من ذوي ارحامهن اذا جاءوا لصلة الرحم ولو كانوا اعماما واولاد عم ما داموا ممن يشملهم الامر بصلة الارحام .
وكذلك اجاز الشارع للمحارم ان ينظروا الى عورات محارمهم، واجاز للمحارم ان يكشفن عوراتهن على محارمهن، وهذا يعني جواز الاجتماع بهن في الحياة الخاصة، فيجوز لهم بعد الاذن بالدخول ان يجتمعوا بالنساء .
وهكذا جميع من جاء نص اخر بجواز ان يفعلوا شيئا غير الدخول يجوز لهم في حدود النص لانه يكون مستثنى بالنص، وما لم يرد نص لا يجوز . واجتماع الرجال الاجانب بالنساء في الحياة الخاصة حرام مطلقا، لان النص يشمل منعه، ولم يرد نص باستثنائه ولذلك يكون حراما، وعليه فان الاختلاط في الحياة الخاصة،حرام مطلقا، ولا يحل الا لمن استثناهم الشرع في الحالات التي استثناها .
فالحياة الخاصة يحرم فيها اجتماع الرجل بالمرأة بدليل خاص بها فوق الدليل العـــــام الذي جاء بفصل الرجال عن النساء .
اما الحياة العامة فان الدليل العام لا يجيـــــــز الاجتماع بين الرجل والمرأة، بل ينفصلان عن بعضهما .
الا ان الشـــــارع جاء باحكام بشأن المرأة وحدها،وباحكام بشأن الرجل وحده، واحكــــام بشأنهما معا .
فالشارع اباح في العلاقات والتصرفات لكل من المرأة والرجل معا دون تمييز بينهما، فاباح لهما البيع والشراء والاجارة والوكالة والهبة والشفعة والوقف والشركة والوصاية والحوالة، وان يملك كل منهما ما يريد، وان ينمي ملكه، وان يتعلم العلم والصناعة، وان يعلم غيره .
واوجب على الرجل الجهاد واباحه للمرأة، وندب للرجل الجماعة واباحها للمرأة، وفرض على الرجل صلة الجمعة واباحها للمرأة، وفرض على الرجل كسب العيش، واباحه للمرأة . واوجب الحج على الرجل وشرط في وجوبه على المرأة وجود المحرم او جمع من النساء .
ومنع المرأة من ان تكون حاكما واباحه للرجل .
وامرها بلبس الجلباب ولم يأمر بذلك الرجل . وجعل عورتها غير عورة الرجل .
ولم يجز شهادة المرأة في الجنايات واجازها في الحقوق بجعل شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد .
واباح للمرأة كما اباح للرجل المشي والنظر والكلام والتحية واللعب والركض وكل ما دخل تحت العمومات مما يشمل المرأةوالرجل .
فهذه الاحكام في واقعها انما تكون في الحياة العامة فهي اذا اقتضت الاجتماع بالرجل كالبيع والشراء وسائر المعاملات يجوز ان تجتمع بالرجل من اجلها .
لان اباحتها تقضي اباحة الاجتماع، لان دليل اباحتها يشمل الاجتماع ما دامت اباحة مطلقة .وهذا لا يكـــــــون اختلاطا .
او يكون اختلاطا اجازه الشرع .
وعلى ذلك فان اجتماع الرجل بالمرأة في الحياة الخاصة حرام مطلقا سواء اكان اختلاطا ام لم يكن، الا ما جاء النص الشرعي على جوازه بجواز او ايجاب او ندب ما يقتضيه كصلة الرحم واجتماع المحارم .
واما في الحياة العامة، فان اجتماع الرجل بالمرأة لامر اجازه الشرع لها كالبيع والصناعة والزراعة وما شاكلها فله فانه يجوز ولو كان اختلاطا، اي ولو كان اجتماعا مع خلطة .
لان اباحة هذه الامور تستلزم اباحة الاجتماع بالرجل من اجلها،او انها لا يتأتى القيام بها الا باجتماعها بالرجل، لذلك كان دليل اباحتها دليلا على جواز الاجتماع.
اما اذا كان العمل محرما كالقمار،او كان لا يقتضي الاجتماع بالرجل كالمشي واللعب، فان الاجتماع في هاتين الحالتين، اثم، سواء اكان اختلاطا ام لم يكن .فان مجرد الاجتماع اثم، لان ادلة الانفصال العامة تعني وجوب الانفصال وعدم الاجتماع،فحصول الاجتماع اثم لعدم وجود دليل يستثنيه كما حصل في البيع والشراء فالاصل ان اجتماع الرجل بالمرأة اثم سواء اكان اختلاطا ام لم يكن، ونستثني من الدليل العام في الحياة العامة ما جاء من احكام شرعية تقتضي الاجتماع،اي ان القيام بذلك العمل الذي اباحه الشرع يقتضي وجود الاجتماع،فحينئذ يجوز الاجتماع ولو كان اختلاطا .
فالمسألة اذن ليست مسألة اختلاط، وانما هي مسألة اجتماع الرجال بالنساء سواء اكانت اختلاطا ام لا .
فاذا كان النص يجيز الاجتماع، كاجتماع الرجل بالمرأة يريد ان يخطبها، او كاجتماع الممرضة بالطبيب في العيادة او المستشفى، او كاجتماع المرأة بالرجل في محاضرة عامة او كاجتماع الرجل بالمرأة في البيع، فانه يجوز في الحياة العامة، ولا يجوز في الحياة الخاصة .
اما اذا كان الشرع لا يجيز الاجتماع، كأن يكون ما اجتمعوا عليه محرما كالقمار، او كانت اباحته والقيام به لا يقتضي الاجتماع كالجلوس في المقهى لشرب القهوة او في المطعم للاكل، او ما شاكل ذلك، فالموضوع هو ان الاصل هو وجوب فصل الرجال عن النساء، سواء في الحياة الخاصة او في الحياة العامة .
فكل اجتماع بينهما اثم لا شك فيه . الا اذا جاء الدليل على جواز الاجتماع فانه يجوز في الحياة العامة ولا يجوز في الحياة الخاصة مطلقا الا الحالات التي جاء النص الشرعي بها .