المنذر
18 Nov 2009, 10:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يحقر أحدكم نفسه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: ( ألا لا يمنعنَّ أحدكم رهبةُ الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده،
فإنه لا يقرب من أجلٍ ولا يباعد من رزق، أن يقول بحق، أو يذكر بعظيم ).
وعن أبى سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
لا يحقرن أحدكم نفسه، قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؛
قال: يرى أمرًا لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله - عز وجل - له يوم القيامة. ما منعك أن تقول في كذا وكذا؛ فيقول: خشية -الناس، فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى[2].
هذان الحديثان موضوعهما واحد، وهو موضوع جليل وخطير وأي شيء أجل وأخطر من قول كلمة الحق،
والشهادة به؟ وهما بمجموع معانيهما يحددان العلل والأسباب التي تجعل الناس يستنكفون عن قول كلمة الحق، ومعالجة هذه العلل بالدواء الذي ليس قبله ولا بعده دواء.
إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذ يخاطب أمته بهذين الحديثين فإنما يرمي إلى تربية هذه الأمة، وإعدادها إعدادًا ربانياً لمهمتها المنشودة في الأرض وفي التاريخ، ويبنيها بناء عقيديًا متماسكًا.
والمشكلة بالنسبة للأمة الإسلامية ليست في معرفة الحق والكشف عنه -حيث إن الله قد اقتضت حكمته
أن لا يخلي هذه الأمة من طائفة تعرف الحق، وتبينه للناس -
ولكن المشكلة الخطيرة هي السكوت في وجه الباطل، وعدم الجهر بالحق الواضح خوفًا من ضرر،
أو طمعاً في نفع شخصي.
إن هذين الأمرين: الخوف والطمع هما اللذان يحجبان كلمة الحق أن تصل إلى الآذان،
ويقفان حاجزًا أمام تواص الناس بالحق والصبر عليه.
ولم يزل الخوف هو العامل الأهم في القعود عن القيام بواجب الجهر بالحق، والرضا بالدون من الأهداف،
والسهل من الأعمال، وهذا الخوف يكون من بطش ظالم، أو طغيان طاغوت، أو خوفًا من انقطاع رزق، وتضييق في عيش.
فالشيطان عندما يأتي ليصرف العالم عن القيام بهذه المهمة المقدسة يبث في فؤاده الرعب
عن طريق تخويفه من عاقبة ذلك بإبرازه ما حدث لبعض من قام بهذه المهمة،
وتضخيمه لما نزل بهم من صنوف التنكيل والعسف، بل يذهب إلى أبعد من ذلك،
بأن يخوفه الموت نتيجة لذلك، حيث يصور له أن ما يحدث للمجاهدين في سبيل الله إنما هو من فعل أعدائهم بهم،
وأنهم هم المؤثرون بآجالهم إطالة أو تقصيرًا، وكذلك يستعرض له الذين يضيق عليهم بسبب عدم قدرتهم
على ضبط أنفسهم، وما هم عليه من هم وغم، وما في حياتهم من خشونة لا لزوم لها !
وكيف أن من يسمون أنفسهم بدعاة الحق مطاردون في كل أرض، مذادون عن كل حوض،
يتنكر لهم القريب، ويجفوهم الصديق.
ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يريد من المسلم دائماً أن يكون على ذكر من بدهيات عقيدته،
وعلى وعي لأحابيل الشيطان، فلا يغفل عن حقيقة أن الآجال مقدرة من الله تعالى،
وأن لا أحد يستطيع أن يتقدم أو يتأخر عن أجله الذي حدد له، وأنه ليس بمقدور أحد أن يزيد أو ينقص من أجل أحد،
وكذلك فإن الله إذا أراد نفع أو ضرر إنسان فليس هناك من يستطيع أن يغير تلك الإرادة.
داءان خطيران وقع فيهما الدعاة إلى الله، فتقاعسوا عن الإرشاد والتبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
و هما: التشبث بالحياة والحرص على حطامها.
* أما التشبث بالحياة، والبعد عن شبح التهديد،
وإيثار السلامة فدفعهم إما إلى السكوت عما لا يسكت عليه؛
وإما إلى قلب الحقائق، والدخول في التأويلات التي تزين الباطل، وتخفي دمامته وقبحه.
مع أن الله قد أخذ العهد على العلماء ببيان الحق، دون أن تأخذهم في الله لومة لائم،
وقد حذرهم من مصائر الذين كتموا الحق وأهملوه، قال تعالى:
[ وإذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ولا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ ورَاءَ ظُهُورِهِمْ واشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ] [آل عمران: 187].
ووصف الله المؤمنين بأنهم
[ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ][المائدة: 54].
* وأما الحرص على حطام الدنيا فقد كان له أثره المدمر في مسيرة المسلمين فكم من عالم عالم بالحلال والحرام
ألجمه حب المال عن قول كلمة حق في موقف يحتاج إليها فيه !
وكم من أناس تفضل الله عليهم بنعمة العلم والفقه يغضون الطرف عن كثير من المنكرات والمخالفات
خوفًا من انقطاع جرايةٍ أو مرتب، أو ذهاب امتيازات مادية يتمتعون بها،
وقد يخدعهم شيطانهم بإقناعهم أن هذه الامتيازات هي حقٌ يستحقونه، وأنهم أولى بها من غيرهم،
ويغفلون أو يتغافلون عن الجانب الآخر من القضية وهو أن هذه الامتيازات ما هي إلا رشوة لهم على سكوتهم،
وجائزة لهم لالتزامهم الأدب والسلوك الحسن أمام أعداء الله الذين تُحمد أمامهم الغلظة، لا رقة السلوك وحسنه.
إن مما يؤسف له أن الذين أخذوا على عاتقهم مسؤولية حرب الإسلام،
وندبوا أنفسهم لإخفات كل صوت يدعو إلى الله على بصيرة بصدقٍ وتجرد؛
قد تنبهوا إلى مقاتل الدعاة التي يصوبون إليها أسلحتهم،
واستثمروا نقاط الضعف هذه ليعبثوا بدين الله ودعاته كما يحلو لهم؛ فهم يداولون بين سلاح التخويف والإرهاب تارة،
وسلاح الوظائف والامتيازات والرشا تارة أخرى،
وقد تتخصص كل جهة من الجهات في استخدام واحد من هذين السلاحين على حسب مقتضيات الظروف والأحوال.
لقد جعل الله المال فتنة للناس، ومحكًا لتمييز المخلص في دعوته من غيره،
وكم رأينا من الناس من كان في حال العسر يرفع عقيرته بالشكوى من أوضاع باتت تلفه وتلف غيره،
ويشتهر بين الناس بالعمل في سبيل الإسلام، حتى إذا تحول إلى حيث جاء الرزق رغدًا، وطلَّق الفقر؛
خفت صوته بل تلاشى، ولفه ثوب الكسل، وأصبح النشاط الذي كان بالأمس أثرًا بعد عين. من يدري ؟!
فربما تكون نفسه قد أقنعته أنه الآن -في حالته الحاضرة- قد وجد ثمرة جهاده ونتيجة صبره !
مع أن أوضاع المسلمين في أغلب البقاع لا ترضي، ومشاكلهم متشابهة، وأينما اتجهنا وجدنا التهديدات التي تهدد مصيرهم، والأخطار التي تزيدهم ضعفًا؛ فموالاة أعداء الله؛
والتنصير الماحق الذي يتحيف بلاد المسلمين بل يهب عليها كالريح الصفراء؛ والدعوات الهدامة التي يروج لها في كل مكان؛ وتبديد ثروات المسلمين على ما لا يفيد؛ وإخضاع الإسلام في مجال الدعاية للأشخاص والأهواء؛...
كل ذلك وغيره كثير وكثير من المجالات التي يترتب على العلماء أن يقولوا فيها قولة واضحة لا غموض فيها ولا التواء.
وتبقى مسألة أخيرة وردت في الحديث الثاني،
في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحقر أحدكم نفسه)
هذه المسألة هي مسألة الثقة بالنفس التي أراد عليه الصلاة والسلام أن يغرسها في نفوس المسلمين،
فالثقة بالنفس هي الدافع إلى العمل، وهذه الثقة لا تكون إلا حيث تكون النفس على يقين من صحة ما تدعو إليه،
ومن بطلان ما عداه، ومن آثارها أن الشخص يتحول من عضو سلبي في المجتمع، ضائع في تيار الغفلة،
إلى شخص مؤثر إيجابي لا يهاب أحدًا إلا الله، يستهين بالباطل،
وتزداد استهانته به كلما انضم إليه بهذا الشعور أمثاله من الذين يتخذون من رسول الله أسوة حسنة.
فصلى الله على هذا النبي الأمي الذي آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب، فهدانا
- بهداية الله له -إلى أحسن السبل، وعرفنا مواطن الخير بأقصر عبارة وأجلاها، ونسأله تعالى أن يجعلنا من [ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ][الأحزاب: 39].
________________________
(1) رواه أحمد في (المسند) 11494 بإسناد صحيح.
(2) رواه ابن ماجه، حديث رقم: 4008.
منصورالأحمد
لا يحقر أحدكم نفسه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: ( ألا لا يمنعنَّ أحدكم رهبةُ الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده،
فإنه لا يقرب من أجلٍ ولا يباعد من رزق، أن يقول بحق، أو يذكر بعظيم ).
وعن أبى سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
لا يحقرن أحدكم نفسه، قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؛
قال: يرى أمرًا لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله - عز وجل - له يوم القيامة. ما منعك أن تقول في كذا وكذا؛ فيقول: خشية -الناس، فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى[2].
هذان الحديثان موضوعهما واحد، وهو موضوع جليل وخطير وأي شيء أجل وأخطر من قول كلمة الحق،
والشهادة به؟ وهما بمجموع معانيهما يحددان العلل والأسباب التي تجعل الناس يستنكفون عن قول كلمة الحق، ومعالجة هذه العلل بالدواء الذي ليس قبله ولا بعده دواء.
إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذ يخاطب أمته بهذين الحديثين فإنما يرمي إلى تربية هذه الأمة، وإعدادها إعدادًا ربانياً لمهمتها المنشودة في الأرض وفي التاريخ، ويبنيها بناء عقيديًا متماسكًا.
والمشكلة بالنسبة للأمة الإسلامية ليست في معرفة الحق والكشف عنه -حيث إن الله قد اقتضت حكمته
أن لا يخلي هذه الأمة من طائفة تعرف الحق، وتبينه للناس -
ولكن المشكلة الخطيرة هي السكوت في وجه الباطل، وعدم الجهر بالحق الواضح خوفًا من ضرر،
أو طمعاً في نفع شخصي.
إن هذين الأمرين: الخوف والطمع هما اللذان يحجبان كلمة الحق أن تصل إلى الآذان،
ويقفان حاجزًا أمام تواص الناس بالحق والصبر عليه.
ولم يزل الخوف هو العامل الأهم في القعود عن القيام بواجب الجهر بالحق، والرضا بالدون من الأهداف،
والسهل من الأعمال، وهذا الخوف يكون من بطش ظالم، أو طغيان طاغوت، أو خوفًا من انقطاع رزق، وتضييق في عيش.
فالشيطان عندما يأتي ليصرف العالم عن القيام بهذه المهمة المقدسة يبث في فؤاده الرعب
عن طريق تخويفه من عاقبة ذلك بإبرازه ما حدث لبعض من قام بهذه المهمة،
وتضخيمه لما نزل بهم من صنوف التنكيل والعسف، بل يذهب إلى أبعد من ذلك،
بأن يخوفه الموت نتيجة لذلك، حيث يصور له أن ما يحدث للمجاهدين في سبيل الله إنما هو من فعل أعدائهم بهم،
وأنهم هم المؤثرون بآجالهم إطالة أو تقصيرًا، وكذلك يستعرض له الذين يضيق عليهم بسبب عدم قدرتهم
على ضبط أنفسهم، وما هم عليه من هم وغم، وما في حياتهم من خشونة لا لزوم لها !
وكيف أن من يسمون أنفسهم بدعاة الحق مطاردون في كل أرض، مذادون عن كل حوض،
يتنكر لهم القريب، ويجفوهم الصديق.
ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يريد من المسلم دائماً أن يكون على ذكر من بدهيات عقيدته،
وعلى وعي لأحابيل الشيطان، فلا يغفل عن حقيقة أن الآجال مقدرة من الله تعالى،
وأن لا أحد يستطيع أن يتقدم أو يتأخر عن أجله الذي حدد له، وأنه ليس بمقدور أحد أن يزيد أو ينقص من أجل أحد،
وكذلك فإن الله إذا أراد نفع أو ضرر إنسان فليس هناك من يستطيع أن يغير تلك الإرادة.
داءان خطيران وقع فيهما الدعاة إلى الله، فتقاعسوا عن الإرشاد والتبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
و هما: التشبث بالحياة والحرص على حطامها.
* أما التشبث بالحياة، والبعد عن شبح التهديد،
وإيثار السلامة فدفعهم إما إلى السكوت عما لا يسكت عليه؛
وإما إلى قلب الحقائق، والدخول في التأويلات التي تزين الباطل، وتخفي دمامته وقبحه.
مع أن الله قد أخذ العهد على العلماء ببيان الحق، دون أن تأخذهم في الله لومة لائم،
وقد حذرهم من مصائر الذين كتموا الحق وأهملوه، قال تعالى:
[ وإذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ولا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ ورَاءَ ظُهُورِهِمْ واشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ] [آل عمران: 187].
ووصف الله المؤمنين بأنهم
[ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ][المائدة: 54].
* وأما الحرص على حطام الدنيا فقد كان له أثره المدمر في مسيرة المسلمين فكم من عالم عالم بالحلال والحرام
ألجمه حب المال عن قول كلمة حق في موقف يحتاج إليها فيه !
وكم من أناس تفضل الله عليهم بنعمة العلم والفقه يغضون الطرف عن كثير من المنكرات والمخالفات
خوفًا من انقطاع جرايةٍ أو مرتب، أو ذهاب امتيازات مادية يتمتعون بها،
وقد يخدعهم شيطانهم بإقناعهم أن هذه الامتيازات هي حقٌ يستحقونه، وأنهم أولى بها من غيرهم،
ويغفلون أو يتغافلون عن الجانب الآخر من القضية وهو أن هذه الامتيازات ما هي إلا رشوة لهم على سكوتهم،
وجائزة لهم لالتزامهم الأدب والسلوك الحسن أمام أعداء الله الذين تُحمد أمامهم الغلظة، لا رقة السلوك وحسنه.
إن مما يؤسف له أن الذين أخذوا على عاتقهم مسؤولية حرب الإسلام،
وندبوا أنفسهم لإخفات كل صوت يدعو إلى الله على بصيرة بصدقٍ وتجرد؛
قد تنبهوا إلى مقاتل الدعاة التي يصوبون إليها أسلحتهم،
واستثمروا نقاط الضعف هذه ليعبثوا بدين الله ودعاته كما يحلو لهم؛ فهم يداولون بين سلاح التخويف والإرهاب تارة،
وسلاح الوظائف والامتيازات والرشا تارة أخرى،
وقد تتخصص كل جهة من الجهات في استخدام واحد من هذين السلاحين على حسب مقتضيات الظروف والأحوال.
لقد جعل الله المال فتنة للناس، ومحكًا لتمييز المخلص في دعوته من غيره،
وكم رأينا من الناس من كان في حال العسر يرفع عقيرته بالشكوى من أوضاع باتت تلفه وتلف غيره،
ويشتهر بين الناس بالعمل في سبيل الإسلام، حتى إذا تحول إلى حيث جاء الرزق رغدًا، وطلَّق الفقر؛
خفت صوته بل تلاشى، ولفه ثوب الكسل، وأصبح النشاط الذي كان بالأمس أثرًا بعد عين. من يدري ؟!
فربما تكون نفسه قد أقنعته أنه الآن -في حالته الحاضرة- قد وجد ثمرة جهاده ونتيجة صبره !
مع أن أوضاع المسلمين في أغلب البقاع لا ترضي، ومشاكلهم متشابهة، وأينما اتجهنا وجدنا التهديدات التي تهدد مصيرهم، والأخطار التي تزيدهم ضعفًا؛ فموالاة أعداء الله؛
والتنصير الماحق الذي يتحيف بلاد المسلمين بل يهب عليها كالريح الصفراء؛ والدعوات الهدامة التي يروج لها في كل مكان؛ وتبديد ثروات المسلمين على ما لا يفيد؛ وإخضاع الإسلام في مجال الدعاية للأشخاص والأهواء؛...
كل ذلك وغيره كثير وكثير من المجالات التي يترتب على العلماء أن يقولوا فيها قولة واضحة لا غموض فيها ولا التواء.
وتبقى مسألة أخيرة وردت في الحديث الثاني،
في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحقر أحدكم نفسه)
هذه المسألة هي مسألة الثقة بالنفس التي أراد عليه الصلاة والسلام أن يغرسها في نفوس المسلمين،
فالثقة بالنفس هي الدافع إلى العمل، وهذه الثقة لا تكون إلا حيث تكون النفس على يقين من صحة ما تدعو إليه،
ومن بطلان ما عداه، ومن آثارها أن الشخص يتحول من عضو سلبي في المجتمع، ضائع في تيار الغفلة،
إلى شخص مؤثر إيجابي لا يهاب أحدًا إلا الله، يستهين بالباطل،
وتزداد استهانته به كلما انضم إليه بهذا الشعور أمثاله من الذين يتخذون من رسول الله أسوة حسنة.
فصلى الله على هذا النبي الأمي الذي آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب، فهدانا
- بهداية الله له -إلى أحسن السبل، وعرفنا مواطن الخير بأقصر عبارة وأجلاها، ونسأله تعالى أن يجعلنا من [ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ][الأحزاب: 39].
________________________
(1) رواه أحمد في (المسند) 11494 بإسناد صحيح.
(2) رواه ابن ماجه، حديث رقم: 4008.
منصورالأحمد