دمـ تبتسم ـوع
25 Nov 2009, 09:35 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد بُعِثَ النبي-صلى الله عليه وسلم- بالحنيفية السمحة، ورُفِع عن أمته الحرجُ والآصار والأغلال.
وكان -عليه الصلاة والسلام- يمزح، وكان لا يقول إلاّ حقاً.
وما زال الأشراف والأكابر يمزحون، ويسمحون، ويحتسبون إدخال السرور على أنفسهم وعلى من حولهم بما لا يقدح في أديانهم، ولا يغض من مروءاتهم.
ثم إن الأكابر إذا مزحوا لم يجرحوا، ولم يُسِفّوا، ولم يسيئوا.
وإذا شعروا بشيء من ذلك بادروا إلى الاعتذار، وإذا ابتدروا أحداً بالمزاح تحملوا ما يُقال لهم، وما يُرَدُّ به عليهم؛ بل ربما قابلوا ذلك بالسرور والارتياح.
وسأنقل لكم أمثلة لأربعة من أكابر علمائنا رحمهم الله في العصر الحاضر ..
أولاً: سماحة العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي (1307-1376هـ) -رحمه الله-
فقد كان -رحمه الله- كثيراً ما يمازح الصغار، والكبار، والأغنياء، والفقراء، ويمازح طلابه، وأهل بيته كلٌّ بحسبه، كما كان يقبل المزاح، ولا يغضب ممن يمازحه،
وله في ذلك مواقف كثيرة، منها على سبيل المثال ما يلي:
1- يقول ابنه الأستاذ محمد: "كان للوالد الشيخ صديق عزيز اسمه: عبد العزيز الدامغ.
وفي يوم من الأيام كان الشيخ يمشي مع صاحبه هذا في جماعة من الناس، وكانوا يتحدثون عن الأعمار كما هي عادة كثير من الناس، وكان عُمُرُ الدامغ المذكور آنذاك إحدى وستين سنة، فقال له الشيخ عبدالرحمن: (يا أخ عبد العزيز يكفيك عمر النبي -صلى الله عليه وسلم-).
يعني ثلاثاً وستين سنة، ومعنى ذلك أنه بقي له سنتان فحسب.
فقال عبد العزيز الدامغ: (حَسَناً، ولكن نبتدئ يا شيخ من الآن).
ومعنى ذلك أن يكون عمره أربعاً وعشرين ومائة سنة، فضحك الشيخ، وأعجب بسرعة بديهة صاحبه".
2- يقول ابنه محمد: "كان الشيخ كثيراً ما يوافق على الدعوات التي تُوجّه إليه؛ كي يتناول القهوة، وفي أواخر شهر ذي الحجة من إحدى السنوات دعاه أحد أصدقائه، ولكن الشيخ اعتذر مازحاً، وقال لمن دعاه: أنا عندي مواعيد كثيرة؛ فألح عليه صاحبه، وبدا منه الغضب لرد الشيخ؛ فقال له الشيخ: إذاً يكون موعدك أول السنة القادمة، فغضب صاحبه وقال: أنت لا تريد دخول منزلي.
فقال له الشيخ: يا أخي يوم الثلاثاء القادم هو بداية السنة الجديدة -أي بعد يومين- أما علمت أننا في آخر هذه السنة.
فطابت حينئذٍ نفس صاحبه ، وأدرك أن الشيخ يمازحه".
3- يقول ابنه محمد: "كان الشيخ حاجاً على الإبل، ومعه جماعة منهم إبراهيم بن محمد البسام، وسليمان بن إبراهيم البسام.
وكان سليمان المذكور راكباً على الجمل الذي عليه قِرَبُ الماء.
ولما وصلوا مكة، وأدوا بعض المناسك، وحان وقت وصولهم إلى عرفات تفرقوا، وأضاع بعضهم بعضاً، فصار الجماعة ينتظرون سليمان البسام؛ لأن الماء معه، وهم يريدون الوضوء، والشرب، وعمل الشاي والقهوة، وليس عندهم ماء، ولم يلتقوا إلاّ في منى، وكان آخرهم وصولاً سليمان؛ فلما وصل قام إبراهيم البسام يعاتبه مازحاً، ويقول له: أين أنت، لماذا تأخرت؟ مُؤَكَّدٌ أنك ضائع؟
ولما علم سليمان أن الشيخ عبد الرحمن كان من ضمن الضائعين التفت إلى إبراهيم وقال: لماذا لا يقع اللوم إلاّ عليَّ؟ هذا كبيرهم الذي علمهم السحر -ويعني به الشيخ- ضاع قَبْلي؛ فلماذا لا يُعاتب؟
فقال له إبراهيم: نحن نريد الماء الذي معك؛ فضحك الشيخ لمقولة سليمان، فصار يرددها ويقول: هداك الله يا سليمان، شبهتنا بسحرة فرعون، وقال الشيخ: باللهجة الدارجة: هذه تبي حق(1)".
4- يقول ابنه محمد: "كانت الوالدة -رحمها الله- قادمة من الحج،
وفي ذلك اليوم كان عند الوالد في المنزل ابنٌ صغيرٌ لأخي أحمد عمره ثلاث سنوات، وإذا جاء الليل أرسلوه إلى أمه.
وفي الليلة الأولى لوصول الوالدة من الحج لعب الولد الصغير بساعة الوالد التي تنبهه للقيام في آخر الليل؛ فنام الوالد والساعة مقفلة، فلم يقم تلك الليلة، ولم يصلِّ الفجر بالجماعة.
ولما صلى عصر ذلك اليوم بالجماعة -وكانوا كثيرين في ذلك الوقت؛ لقرب المسجد من السوق- شرع عبد العزيز بن محمد البسام -أحد طلبة الوالد- يقرأ كالعادة، والوالد الشيخ يشرح.
وفي تلك الأثناء قام أحد الصغار وهو عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد المحسن البسام وكان عمره آنذاك اثنتي عشرة سنة، فقال بصوت مرتفع يخاطب الشيخ وهو يشرح، والناس يستمعون له: هَنَّاك الأول(2) يا أبا عبد الله -يعني الشيخ عبد الرحمن- قَرَّت عينك بأم عبد الله -يعني زوجة الشيخ- الحمد لله على السلامة، الفجر ما صليتَ بالجماعة، الظاهر أن أم عبدالله نايمة على رأسك، لا تَعُدْ لذلك مرة أخرى.
فما كان من الشيخ إلاّ أن ضحك، ولم يستطع إكمال الدرس من الضحك، وهكذا الجماعة؛ من طرافة ذلك الموقف، ثم قام الشيخ الوالد عبد الرحمن من مكانه إلى الصبي عبد الرحمن البسام، وأعطاه ريالين عربي فضة؛ لأنه سُرَّ من كلامه، وكان سبباً في سرور المصلين؛ فصارت تلك الحادثة مدار حديث المجالس في تلك الأيام".
فانظر إلى هذا الحلم، وتلك الحكمة، وانظر إلى حسن التصرف؛ حيث جعل من ذلك الموقف سبباً للسرور، والبسط؛ فماذا لو عنف ذلك الصبي؟ وما أثر ذلك عليه، وعلى والديه، وعلى جماعة المسجد؟
ولكنه الخلق، والأخذ بالرفق، الذي ما كان في شيء إلاّ زانه، وما نُزع من شيء إلاّ شانه.
5- وهذا موقف يدل على دعابة الشيخ عبد الرحمن السعدي، ومزاحه مع أحبابه وأصحابه:
يقول ابنه محمد: "كان لوالدي -رحمه الله- قريب اسمه محمد منصور بن إبراهيم السعدي، وهو صديق للوالد، وقد وُلدا في ليلة واحدة؛ حيث ولد محمد أول الليل تقريباً، والشيخ عبد الرحمن ولد عند الفجر؛ فصار محمد يكبر الشيخ بثمان ساعات.
ولما كَبِرا صارت لحية الشيخ عبد الرحمن بيضاء جداً، أما لحية محمد المنصور فكانت سوداء قليلة البياض؛ فإذا اجتمع الوالد مع محمد في مناسبة عند أحد الأصحاب قال الوالد: محمد المنصور أكبر مني بثمان، ويسكت -رحمه الله- دون أن يبين ما هذه الثمان؛ فيظن الظان أن محمداً أكبر من الشيخ بثمان سنوات؛ خصوصاً وأن محمداً لا يتكلم؛ احتراماً للشيخ، وهو يعلم أن الوالد يمزح.
وحين يبلغ بالحاضرين العجب يخبرهم الشيخ بأن محمداً أكبر منه بثمان ساعات".
6- وهذا موقف يبين لطافة الشيخ مع أهل بيته، ومزاحه وحرصه على إدخال السرور عليهم؛ حيث كان ذلك دأبه:
يقول ابنه محمد: "الوالد -كغيره- يدرك أن النساء يتضايقن من حديث أزواجهن عن الزواج عليهن؛ فكان -رحمه الله- يمزح مع الوالدة، ويقول لها: أريد أن أتزوج بثانية، ويسميها بـ: أم إبراهيم خصوصاً إذا رأى الوالدة متعبة من عمل المنزل.
وفي يوم من الأيام رآها كذلك، فقال: يا أم عبد الله ما رأيك أحضر لك أم إبراهيم تعينك على عمل المنزل، وتريحك؟
فإذا سمعت الوالدة ذلك غضبت على الوالد، وشرعت في عتابه، وأظهرت النشاط.
وفي يوم من الأيام دخل الوالد المجلس، وأشعل النار، وصنع القهوة والشاي، وأحضر وسادة كبيرة، وألبسها عباءة، فصار الذي يراها من الخلف يظنها امرأة، وسمّى هذه الوسادة المغطاة بالعباءة أمَّ إبراهيم.
ووافق ذلك وجود عماتي وهن أكبر من الوالد سناً، ووجود بعض القريبات من محارم الوالد؛ فأتى إليهن وهن جالسات مع الوالدة، وقال: تَفَضَّلْنَ؛ عندي بالمجلس أم إبراهيم تدعوكن؛ فأجيبوا، وسلموا عليها؛ هي تنتظركن في المجلس.
فَقُمْنَ كلُّهن والوالدة معهن، وعندما دخلن القهوة رأين ذلك أمامهن؛ فَظَننَّ أنها امرأة حقيقية، غير أن الوالدة كانت تعلم أنها ليست كذلك، وإنما هي مزحة من الوالد -كما هي عادته- فقامت وأخذت شيئاً من الأرض، وضربت الوسادة المغطاة بالعباءة، فسقطت العباءة، وتبين أن المغطى وسادة لا امرأة؛ فتعالت الضحكات، وصارت تلك الحادثة تُروى ولا تُنسى إلى يومنا هذا".
7- وهذا موقف قريب من الموقف السابق، يقول محمد ابن الشيخ عبدالرحمن: "للوالد مواقف كثيرة مع الوالدة؛ فهو يحب مداعبتها خصوصاً إذا كانت مجهدة، فإذا كنا على غداء أو عشاء أقول للوالدة: حبذا لو تأذنين لنا بإحضار خويدمة، تساعدك، وتخدم الوالد، ويتزوجها؛ حتى لا تحتجب عنه.
فإذا سمع ذلك الوالد فرح، وأخذ يمدحني، ويقول: هذا هو الولد الحبيب البار بأمه وأبيه، لكن أنتِ يا أم عبدالله ما رأيك، وماذا يضيرك؟
وحين تسمع أمي ذلك يذهب عنها التعب، وتبدأ بالتظاهر بالنشاط؛ لتري الوالد أنها ما زالت شابة، ثم تبدأ بالعتب عليّ، وتقول: أنت يا محمد ولدي، وتريد أن تحضر لي ضرة؟
والوالد يسر كثيراً من كلامي، ومن ردّ الوالدة".
يتبع~
لقد بُعِثَ النبي-صلى الله عليه وسلم- بالحنيفية السمحة، ورُفِع عن أمته الحرجُ والآصار والأغلال.
وكان -عليه الصلاة والسلام- يمزح، وكان لا يقول إلاّ حقاً.
وما زال الأشراف والأكابر يمزحون، ويسمحون، ويحتسبون إدخال السرور على أنفسهم وعلى من حولهم بما لا يقدح في أديانهم، ولا يغض من مروءاتهم.
ثم إن الأكابر إذا مزحوا لم يجرحوا، ولم يُسِفّوا، ولم يسيئوا.
وإذا شعروا بشيء من ذلك بادروا إلى الاعتذار، وإذا ابتدروا أحداً بالمزاح تحملوا ما يُقال لهم، وما يُرَدُّ به عليهم؛ بل ربما قابلوا ذلك بالسرور والارتياح.
وسأنقل لكم أمثلة لأربعة من أكابر علمائنا رحمهم الله في العصر الحاضر ..
أولاً: سماحة العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي (1307-1376هـ) -رحمه الله-
فقد كان -رحمه الله- كثيراً ما يمازح الصغار، والكبار، والأغنياء، والفقراء، ويمازح طلابه، وأهل بيته كلٌّ بحسبه، كما كان يقبل المزاح، ولا يغضب ممن يمازحه،
وله في ذلك مواقف كثيرة، منها على سبيل المثال ما يلي:
1- يقول ابنه الأستاذ محمد: "كان للوالد الشيخ صديق عزيز اسمه: عبد العزيز الدامغ.
وفي يوم من الأيام كان الشيخ يمشي مع صاحبه هذا في جماعة من الناس، وكانوا يتحدثون عن الأعمار كما هي عادة كثير من الناس، وكان عُمُرُ الدامغ المذكور آنذاك إحدى وستين سنة، فقال له الشيخ عبدالرحمن: (يا أخ عبد العزيز يكفيك عمر النبي -صلى الله عليه وسلم-).
يعني ثلاثاً وستين سنة، ومعنى ذلك أنه بقي له سنتان فحسب.
فقال عبد العزيز الدامغ: (حَسَناً، ولكن نبتدئ يا شيخ من الآن).
ومعنى ذلك أن يكون عمره أربعاً وعشرين ومائة سنة، فضحك الشيخ، وأعجب بسرعة بديهة صاحبه".
2- يقول ابنه محمد: "كان الشيخ كثيراً ما يوافق على الدعوات التي تُوجّه إليه؛ كي يتناول القهوة، وفي أواخر شهر ذي الحجة من إحدى السنوات دعاه أحد أصدقائه، ولكن الشيخ اعتذر مازحاً، وقال لمن دعاه: أنا عندي مواعيد كثيرة؛ فألح عليه صاحبه، وبدا منه الغضب لرد الشيخ؛ فقال له الشيخ: إذاً يكون موعدك أول السنة القادمة، فغضب صاحبه وقال: أنت لا تريد دخول منزلي.
فقال له الشيخ: يا أخي يوم الثلاثاء القادم هو بداية السنة الجديدة -أي بعد يومين- أما علمت أننا في آخر هذه السنة.
فطابت حينئذٍ نفس صاحبه ، وأدرك أن الشيخ يمازحه".
3- يقول ابنه محمد: "كان الشيخ حاجاً على الإبل، ومعه جماعة منهم إبراهيم بن محمد البسام، وسليمان بن إبراهيم البسام.
وكان سليمان المذكور راكباً على الجمل الذي عليه قِرَبُ الماء.
ولما وصلوا مكة، وأدوا بعض المناسك، وحان وقت وصولهم إلى عرفات تفرقوا، وأضاع بعضهم بعضاً، فصار الجماعة ينتظرون سليمان البسام؛ لأن الماء معه، وهم يريدون الوضوء، والشرب، وعمل الشاي والقهوة، وليس عندهم ماء، ولم يلتقوا إلاّ في منى، وكان آخرهم وصولاً سليمان؛ فلما وصل قام إبراهيم البسام يعاتبه مازحاً، ويقول له: أين أنت، لماذا تأخرت؟ مُؤَكَّدٌ أنك ضائع؟
ولما علم سليمان أن الشيخ عبد الرحمن كان من ضمن الضائعين التفت إلى إبراهيم وقال: لماذا لا يقع اللوم إلاّ عليَّ؟ هذا كبيرهم الذي علمهم السحر -ويعني به الشيخ- ضاع قَبْلي؛ فلماذا لا يُعاتب؟
فقال له إبراهيم: نحن نريد الماء الذي معك؛ فضحك الشيخ لمقولة سليمان، فصار يرددها ويقول: هداك الله يا سليمان، شبهتنا بسحرة فرعون، وقال الشيخ: باللهجة الدارجة: هذه تبي حق(1)".
4- يقول ابنه محمد: "كانت الوالدة -رحمها الله- قادمة من الحج،
وفي ذلك اليوم كان عند الوالد في المنزل ابنٌ صغيرٌ لأخي أحمد عمره ثلاث سنوات، وإذا جاء الليل أرسلوه إلى أمه.
وفي الليلة الأولى لوصول الوالدة من الحج لعب الولد الصغير بساعة الوالد التي تنبهه للقيام في آخر الليل؛ فنام الوالد والساعة مقفلة، فلم يقم تلك الليلة، ولم يصلِّ الفجر بالجماعة.
ولما صلى عصر ذلك اليوم بالجماعة -وكانوا كثيرين في ذلك الوقت؛ لقرب المسجد من السوق- شرع عبد العزيز بن محمد البسام -أحد طلبة الوالد- يقرأ كالعادة، والوالد الشيخ يشرح.
وفي تلك الأثناء قام أحد الصغار وهو عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد المحسن البسام وكان عمره آنذاك اثنتي عشرة سنة، فقال بصوت مرتفع يخاطب الشيخ وهو يشرح، والناس يستمعون له: هَنَّاك الأول(2) يا أبا عبد الله -يعني الشيخ عبد الرحمن- قَرَّت عينك بأم عبد الله -يعني زوجة الشيخ- الحمد لله على السلامة، الفجر ما صليتَ بالجماعة، الظاهر أن أم عبدالله نايمة على رأسك، لا تَعُدْ لذلك مرة أخرى.
فما كان من الشيخ إلاّ أن ضحك، ولم يستطع إكمال الدرس من الضحك، وهكذا الجماعة؛ من طرافة ذلك الموقف، ثم قام الشيخ الوالد عبد الرحمن من مكانه إلى الصبي عبد الرحمن البسام، وأعطاه ريالين عربي فضة؛ لأنه سُرَّ من كلامه، وكان سبباً في سرور المصلين؛ فصارت تلك الحادثة مدار حديث المجالس في تلك الأيام".
فانظر إلى هذا الحلم، وتلك الحكمة، وانظر إلى حسن التصرف؛ حيث جعل من ذلك الموقف سبباً للسرور، والبسط؛ فماذا لو عنف ذلك الصبي؟ وما أثر ذلك عليه، وعلى والديه، وعلى جماعة المسجد؟
ولكنه الخلق، والأخذ بالرفق، الذي ما كان في شيء إلاّ زانه، وما نُزع من شيء إلاّ شانه.
5- وهذا موقف يدل على دعابة الشيخ عبد الرحمن السعدي، ومزاحه مع أحبابه وأصحابه:
يقول ابنه محمد: "كان لوالدي -رحمه الله- قريب اسمه محمد منصور بن إبراهيم السعدي، وهو صديق للوالد، وقد وُلدا في ليلة واحدة؛ حيث ولد محمد أول الليل تقريباً، والشيخ عبد الرحمن ولد عند الفجر؛ فصار محمد يكبر الشيخ بثمان ساعات.
ولما كَبِرا صارت لحية الشيخ عبد الرحمن بيضاء جداً، أما لحية محمد المنصور فكانت سوداء قليلة البياض؛ فإذا اجتمع الوالد مع محمد في مناسبة عند أحد الأصحاب قال الوالد: محمد المنصور أكبر مني بثمان، ويسكت -رحمه الله- دون أن يبين ما هذه الثمان؛ فيظن الظان أن محمداً أكبر من الشيخ بثمان سنوات؛ خصوصاً وأن محمداً لا يتكلم؛ احتراماً للشيخ، وهو يعلم أن الوالد يمزح.
وحين يبلغ بالحاضرين العجب يخبرهم الشيخ بأن محمداً أكبر منه بثمان ساعات".
6- وهذا موقف يبين لطافة الشيخ مع أهل بيته، ومزاحه وحرصه على إدخال السرور عليهم؛ حيث كان ذلك دأبه:
يقول ابنه محمد: "الوالد -كغيره- يدرك أن النساء يتضايقن من حديث أزواجهن عن الزواج عليهن؛ فكان -رحمه الله- يمزح مع الوالدة، ويقول لها: أريد أن أتزوج بثانية، ويسميها بـ: أم إبراهيم خصوصاً إذا رأى الوالدة متعبة من عمل المنزل.
وفي يوم من الأيام رآها كذلك، فقال: يا أم عبد الله ما رأيك أحضر لك أم إبراهيم تعينك على عمل المنزل، وتريحك؟
فإذا سمعت الوالدة ذلك غضبت على الوالد، وشرعت في عتابه، وأظهرت النشاط.
وفي يوم من الأيام دخل الوالد المجلس، وأشعل النار، وصنع القهوة والشاي، وأحضر وسادة كبيرة، وألبسها عباءة، فصار الذي يراها من الخلف يظنها امرأة، وسمّى هذه الوسادة المغطاة بالعباءة أمَّ إبراهيم.
ووافق ذلك وجود عماتي وهن أكبر من الوالد سناً، ووجود بعض القريبات من محارم الوالد؛ فأتى إليهن وهن جالسات مع الوالدة، وقال: تَفَضَّلْنَ؛ عندي بالمجلس أم إبراهيم تدعوكن؛ فأجيبوا، وسلموا عليها؛ هي تنتظركن في المجلس.
فَقُمْنَ كلُّهن والوالدة معهن، وعندما دخلن القهوة رأين ذلك أمامهن؛ فَظَننَّ أنها امرأة حقيقية، غير أن الوالدة كانت تعلم أنها ليست كذلك، وإنما هي مزحة من الوالد -كما هي عادته- فقامت وأخذت شيئاً من الأرض، وضربت الوسادة المغطاة بالعباءة، فسقطت العباءة، وتبين أن المغطى وسادة لا امرأة؛ فتعالت الضحكات، وصارت تلك الحادثة تُروى ولا تُنسى إلى يومنا هذا".
7- وهذا موقف قريب من الموقف السابق، يقول محمد ابن الشيخ عبدالرحمن: "للوالد مواقف كثيرة مع الوالدة؛ فهو يحب مداعبتها خصوصاً إذا كانت مجهدة، فإذا كنا على غداء أو عشاء أقول للوالدة: حبذا لو تأذنين لنا بإحضار خويدمة، تساعدك، وتخدم الوالد، ويتزوجها؛ حتى لا تحتجب عنه.
فإذا سمع ذلك الوالد فرح، وأخذ يمدحني، ويقول: هذا هو الولد الحبيب البار بأمه وأبيه، لكن أنتِ يا أم عبدالله ما رأيك، وماذا يضيرك؟
وحين تسمع أمي ذلك يذهب عنها التعب، وتبدأ بالتظاهر بالنشاط؛ لتري الوالد أنها ما زالت شابة، ثم تبدأ بالعتب عليّ، وتقول: أنت يا محمد ولدي، وتريد أن تحضر لي ضرة؟
والوالد يسر كثيراً من كلامي، ومن ردّ الوالدة".
يتبع~