EBN 7JR
05 Sep 2004, 09:38 PM
الكتاب: فكر سيد قطب في ميزان الشرع
الكاتب: المستشار سالم البهنساوي
الصفحات: 148 صفحة من القطع المتوسط
الناشر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع- المنصورة- ج.م.ع
تمثل كتابات الأستاذ سيد قطب علامةً بارزةً في الفكر الإسلامي المعاصر، تأثر بها الكثيرون من شباب الصحوة الإسلامية، وكان لها في مسار الحركات الإسلامية المعاصرة تأثير كبير.
ولكن بعض شباب الصحوة المعاصرة فهموا منها أفكارًا ومفاهيم خاطئة لم يُرِدها سيد قطب رحمه الله أو يهدف إليها، وتأولوا عبارات وألفاظ في كتاباته تأويلاً متعسفًا متكلفًا، واستنبطوا منها جملةً من المفاهيم والأفكار، بل والأحكام الشرعية توافق فهمهم القاصر أو المغلوط للإسلام ولأساليب الدعوة والحركة ومناهج التغيير.. وعلى الجانب الآخر تناولها بعض العلمانيين من الكتاب والباحثين، وتأولوها تأويلاً خاطئًا يتناسب مع أهدافهم التي يسعون إليها من تشويه صورة الحركة الإسلامية ودعاتها ومفكريها، وإظهارها بصورة سوداء يحوطها التطرف والإرهاب.
وكلا الطرفين اعتمد على منهج خاطئ في تناول كتابات الأستاذ سيد قطب وتفسيرها واستنباط المعاني والمفاهيم منها، شوَّه به كتابات الكاتب الكريم، واستغلها استغلالاً سيئًا في خدمة أفكاره واتجاهه وأهدافه.. من هنا جاءت أهمية كتاب المستشار سالم البهنساوي "فكر سيد قطب في ميزان الشرع" كبحث دقيق وإن كان موجزًا، فقد تناول الكتاب:
1- تقييم فكر سيد قطب تقييمًا منصفًا وموضوعيًّا، بعيدًا عن الانفعالات والعواطف والأغراض الخاصة والنتائج المسبقة.
2- وضع هذا الفكر في موضعه الصحيح من الفكر الإسلامي، ووزنه بميزان الشرع ومبادئ الإسلام وأحكام الشريعة.
3- مناقشة الشبهات التي أُثيرت حول هذا الفكر والاتهامات التي وجهت لصاحبه.
ويتكون الكتاب من خمسة فصول:
الفصل الأول: المنهج الإسلامي بين العاطفة والموضوعية
تناول فيه المؤلف عدة نقاط، كان أولها: تطور فكر سيد قطب، وكيف بدأ حياته أديبًا صرفًا، ومن خلال دراسته الأدبية تناول النواحي الجمالية والفنية في القرآن الكريم، فأصدر كتابيه "التصوير الفني في القرآن" و"مشاهد القيامة في القرآن"، ثم بدأ اهتمامه بالنواحي الفكرية والإصلاحية للمجتمع مع نهاية الأربعينيات، فأصدر كتابية "العدالة الاجتماعية في الإسلام" و"معركة الإسلام والرأسمالية"، ثم ارتبط بحركة الإخوان المسلمين ونشاطها، وبدأ إصداره لكتاب "في ظلال القرآن".
ثم مروره بتجربة السجن والاعتقال مع الإخوان المسلمين بعد حادث المنشية في عام 1954م، ومعايشته للمحنة الرهيبة التي مرت بها الحركة الإسلامية في حقبة الخمسينيات والستينيات، وما لاقاه رجالها من تنكيل على أيدي الأنظمة الحاكمة، وتأثير ذلك على فكر سيد قطب وكتاباته، فأعاد تنقيح "الظلال" وأصدر بعض الكتب التي تتناول الصراع بين الإسلام وخصومه، ومنهج التغيير ووسائله وأساليبه، وكان أهم هذه الكتب كتابه الشهير "معالم في الطريق".
المنهج الغائب
وتحت هذا العنوان تناول المؤلف الأخطاء المنهجية التي وقع فيها الباحثون والنقاد في تناولهم لكتابات سيد قطب، وأهمها:
- تعمد البحث عن الأخطاء وتسجيل العيوب.
- عدم التفرقة بين الخطأ في المنهج- كخطأ الخوارج- والخطأ في الفروع والآراء، والذي هو من طبيعة البشر.
- قياس فكر الكاتب على ما يحمله الناقد من معتقد أو مذهب.
- وإغفال المنهج الإسلامي في الحكم على الفكر عند تعارضه.
- وعدم جمع أقواله في الموضوع الواحد، ثم التركيز على موضوع واحد وتفسيره طبقًا لانطباع الباحث وهواه.
وينتقل الكاتب إلى المنهج الإسلامي الصحيح في الحكم على الأقوال والأفكار، ويشمل عدة قواعد أصولية:
القاعدة الأولى: عدم اتباع المتشابه
فإذا كان الموضوع قد ورد بشأنه عدة أقوال فلا يتم تصيد القول الذي يثير الفتنة، بل يجب جمع الأقوال في الموضوع الواحد؛ لنصل إلى الحكم الصحيح.. ويفند الكاتب هنا ما نُسب إلى سيد قطب من القول بتكفير المسلمين، ويدلل على ذلك بما ورد عنه حول المصطلحات والمفاهيم التالية:
أولاً: المجتمع الجاهلي
ثانيًا: الجماعة والكفر
ومن تجاهلوا هذه القاعدة تلمسوا أقوالاً لسيد قطب ظاهرها يفيد الكفر ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث في مؤلفاته لإثبات هذه الافتراضات أو نفيها، فيزعمون أنه يكفِّر من ليس في جماعته، وخير ما يرد على ذلك قوله حين سئل في تحقيقات النيابة: هل ترى أن هناك فرقًا بين المسلم المنتمي لجماعة الإخوان وغير المنتمي لتلك الجماعة؟! فقال: "الذي يميز الإخوان أن لهم برنامجًا محددًا في تحقيق الإسلام، فيكونون مقدمين في نظري على من ليس لهم برنامج محدد".
ثالثًا: دار الحرب
وبالأدلة والبراهين من كتابات سيد قطب، ينفي ما نسب إليه من اعتبار غير المسلمين دار حرب، ويجب استخدام السيف معهم حتى ولو لم يكن منهم اعتداء على المسلمين، وينتهي الكاتب إلى أن هذا كذب صراح عليه.
القاعدة الثانية: الاحتكام إلى القرآن والسنة
وهذه القاعدة تعني أنه عند الاختلاف والتنازع يجب الاحتكام إلى القرآن والسنة، وليس العكس.. ومن أمثلة ذلك: نسبوا إليه فكرة المرحلية في عصرنا، ومقتضاها أن المجتمعات المعاصرة تشبه المجتمع المكي قبل الهجرة وتأخذ حكمه، من حيث وجوب الهجرة منها واعتزالها، والكف عن القتال (في حين أن المرحلية عند سيد قطب تتعلَّق بالحركة الجهادية، ولا تشير من قريب أو بعيد إلى القول بالمرحلية في الأحكام الشرعية في عصرنا).
والأعجب ادعاء البعض أن هذه المرحلية تفيد حِلَّ زواج المسلم بالمشركات في عصرنا بدعوَى أننا في العصر المكي، رغم قوله صراحةً في تفسير الظلال (الحكم الأول يتضمن النهي عن زواج المسلم بمشركة وعن تزوج المشرك من مسلمة).
القاعدة الثالثة: التفرقة بين القضاة والدعاة
وهنا يشير المؤلف إلى خطأٍ جسيم يقع فيه من يقرأ كتب الدعاة، مثل سيد قطب وغيره، هذا الخطأ هو اعتبار أقوال هؤلاء أحكامًا شرعيةً.. وهؤلاء الدعاة لم يقصدوا إصدار أحكام على المسلمين.. بل إن سيد قطب صرَّح أكثر من مرة وفي أكثر من موضع أن من رغب في معرفة الحكم الشرعي في المسألة فليرجع إلى كتب الفقه، وأعلن أكثر من مرة أننا دعاةٌ ولسنا قضاةً.
القاعدة الأخيرة: المنهج الإسلامي في التوفيق بين النصوص التي ظاهرها التعارض
ومنهج الإسلام في التعامل مع النصوص الشرعية التي ظاهرها التعارض يضع القواعد التالية:
1- جمع كل النصوص الواردة بالموضوع، ثم التوفيق بين النصوص التي ظاهرها التعارض.
2- الترجيح بين النصوص إذا تعذَّر التوفيق بينها.
3- عند تعذُّر الترجِيح يلجأُ إلى الاستثناء بالنسخ والتخصيص.
وهذا المنهج الذي طبقه العلماء على نصوص الكتاب والسنة يأبَى البعض تطبيقَه على كتابات الأستاذ سيد قطب وغيره، ويصرُّون على اعتبار هذه الأقوال غيرَ قابلة للتأويل والترجيح بما يتوافق مع الكتاب والسنة.
الفصل الثاني: بين الكفر ولزوم الجماعة
ويبدأ هذا الفصل بتساؤل استنكاري من المؤلف: إذا كان التخلُّف عن بيعة الخليفة أو الإمام ليس كفرًا، فهل التخلف عن البيعة للجماعة كفر؟!
والذين يزعمون أن المسلم غير المنخرط في جماعتهم قد كفر يسندون مزاعمهم بمقتطفات من كتابات سيد قطب حول آيات سورة الأنفال.. يتحدث فيها عن نفي الولاية عن المؤمنين الذين آمنوا وظلُّوا بمكة ولم يهاجروا، وهو إذ ينفي الولاية عنهم إنما يريد نفي ولاء النصرة لا نفي ولاء العقيدة.
وفات هؤلاء أن تَحقُّقَ الولاء أو انعدامه شيء والكفر شيء آخر، فهؤلاء الأفراد ليسوا أعضاءً في المجتمع المسلم، ومن ثم لا تكون بينهم وبينه ولاية، ولكن هناك رابطة العقيدة.
وليس أدل على براءة سيد قطب من هذه الانحرافات من أنه كان يصلي في سجن ليمان طرة خلف إمام من غير الإخوان؛ لأنه كان أكثر حفظًا".
سيد قطب والخروج على الحاكم
يتعرض الكاتب لهذا الموضوع وينقل عن مذكرات سيد قطب قبيل إعدامه قوله: "واتفقنا على مبدأ عدم استخدام القوة لقلب نظام الحكم، وفرض النظام الإسلامي من أعلى منطقة البدء، وهي نقل المجتمعات ذاتها إلى المفهومات الإسلامية الصحيحة"، وهو في هذا يتَّفق مع رأي جُمهور أهل السنة من العلماء والفقهاء، كما بينه الكاتب بالتفصيل.
الفصل الثالث: المجتمع بين المفاصلة والاتصال
يقرر الكاتب أن إطلاق وصف الجاهلية على أشخاص معينين يراد به جاهلية الاعتقاد إن كانوا كفارًا، وجاهلية المعصية إن كانوا مسلمين؛ ولهذا قال النبي لأبي ذر: "إنك امرؤ فيك جاهلية".
وإذا أُطلق وصف الجاهلية على المجتمع ككل قد يراد به جاهلية الكفر أو المعصية، حسب نوع العمل الذي وُصِف المجتمع من أجله بهذا الوصف، وبهذا التقرير نستطيع أن نفهم أقوال سيد قطب عن الجاهلية والمجتمع الجاهلي، دون لبسٍ أو تجنٍّ.
بين المساجد ومعابد الجاهلية
أخذ بعض الشباب من أقوال سيد قطب قاعدةً عامةً هي أن اعتزال معابد الجاهلية ليس خاصًّا ببني إسرائيل في زمن نبي الله موسى، بل هو موجَّهٌ إلى المؤمنين في عصرنا؛ باعتزال المساجد لأنها معابد جاهلية.
وسيد قطب لم يطلق القول حين تحدث عن "اعتزال معابد الجاهلية واتخاذ بيوت العصبة المؤمنة مساجد"، بل وضَّح المناسبة وهي قوله: "وقد يجد المسلمون أنفسهم ذات يوم مطارَدِين في المجتمع الجاهلي، وقد عمَّت الفتنة وتجبَّر الطاغوت، وفسَد الناس وأنتنت البيئة، وهنا يرشدهم الله إلى أمور، منها اعتزال معابد الجاهلية".
وينتهي المؤلف إلى نتيجة هامة وهي حتمية تأويل أقوال سيد قطب، ويشير إلى الخطاب الذي نشره محمد قطب- شقيق سيد قطب- ويقول فيه: "ولقد سمعته بنفسي أكثر من مرة يقول: نحن دعاة ولسنا قضاةً.. إن مهمتنا ليست إصدار الأحكام على الناس، ولكنَّ مهمتنا تعريفهم بحقيقة لا إله إلا الله".
الفصل الرابع: اعتزال المجتمع وتحطيمه
وردت عبارات لسيد قطب قد يؤولها من أراد على أنه يربط الهجرة بالعقيدة، وليس لديهم أي سند بهذا الادعاء، فهل في كلمات سيد قطب استنتاج هؤلاء؟! وبمراجعة أقوال سيد قطب نرى أنه في إيجابِه الهجرة من جديد إنما يريد الهجرة إلى الإسلام وجماعته وكيانه الحركي، ولا يقصد بها الهجرة إلى الكهوف والجبال وهجرة المعاهد والجامعات.
ويطيل الكاتب في مناقشة أفكار اعتزال المجتمع وتحطيمه، واستحلال أموال الأفراد وممتلكاتهم في مناقشة فقهية جيدة، وإن كانت بعيدةً عن مناقشة أفكار سيد قطب وآرائه.
الفصل الخامس: أنواع الكفر
يناقش الكاتب في هذا الفصل موضوع الكفر، وهل يتحقق بمجرد المعصية والكبيرة أم لا؟! وموضوع الحكم بغير ما أنزل الله وما ورد فيه من آيات سورة المائدة، ومحاولة تحديد المقصود من الظلم والفسق والكفر الوارد بالآيات.
وفي رأينا أن هذا الموضوع لم يأخذ حقه من العرض والدراسة ربما لطبيعة البحث الموجزة.
الخاتمة: سيد قطب بين الأصحاب والخصوم
عرض فيها الكاتب لبعض آراء الباحثين ونقدهم وتقييمهم لفكر سيد قطب عرضًا سريعًا، وردَّ عليهم أيضًا ردًّا سريعًا، كرر فيه ما سبق أن بينه في الفصول الأولى من الكتاب.
وبعد.. فالكتاب في مجمله جيِّدٌ على إيجازه، وخصوصًا الفصول الأولى منه، وإن كان لنا عليه ملاحظات نجملها فيما يلي:
1- عدم استقصاء كل أفكار سيد قطب محلَّ الخلاف والنقاش، وجمع ما ورد فيها من نصوص، وتطبيق منهج النقد الإسلامي وقواعده عليها، وإن كان ذلك قد تمَّ بصورة جزئية.
2- الاستطراد لمناقشة أفكار اتجاهات التكفير والعزلة والهجرة وغيرهم ذاتها، والرد عليها دون ربط لذلك بفكر سيد قطب؛ مما حول البحث في كثيرٍ من الأحيان إلى "فكر التكفير والهجرة في ميزان الشرع"، وكان الأولى الاقتصار على ما يستندون إليه من أقوال وكتابات سيد قطب.
3- تكرار نقاط في البحث، وتكرار ما ورد فيها بنفس الألفاظ تقريبًا.
ولمن اراد اكمال الموضوع يرجع للكتاب نفسه والذي وقفت عليه بنفسي فهو من اروع الكتب في تبسيط فكر سيد قطب
الكاتب: المستشار سالم البهنساوي
الصفحات: 148 صفحة من القطع المتوسط
الناشر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع- المنصورة- ج.م.ع
تمثل كتابات الأستاذ سيد قطب علامةً بارزةً في الفكر الإسلامي المعاصر، تأثر بها الكثيرون من شباب الصحوة الإسلامية، وكان لها في مسار الحركات الإسلامية المعاصرة تأثير كبير.
ولكن بعض شباب الصحوة المعاصرة فهموا منها أفكارًا ومفاهيم خاطئة لم يُرِدها سيد قطب رحمه الله أو يهدف إليها، وتأولوا عبارات وألفاظ في كتاباته تأويلاً متعسفًا متكلفًا، واستنبطوا منها جملةً من المفاهيم والأفكار، بل والأحكام الشرعية توافق فهمهم القاصر أو المغلوط للإسلام ولأساليب الدعوة والحركة ومناهج التغيير.. وعلى الجانب الآخر تناولها بعض العلمانيين من الكتاب والباحثين، وتأولوها تأويلاً خاطئًا يتناسب مع أهدافهم التي يسعون إليها من تشويه صورة الحركة الإسلامية ودعاتها ومفكريها، وإظهارها بصورة سوداء يحوطها التطرف والإرهاب.
وكلا الطرفين اعتمد على منهج خاطئ في تناول كتابات الأستاذ سيد قطب وتفسيرها واستنباط المعاني والمفاهيم منها، شوَّه به كتابات الكاتب الكريم، واستغلها استغلالاً سيئًا في خدمة أفكاره واتجاهه وأهدافه.. من هنا جاءت أهمية كتاب المستشار سالم البهنساوي "فكر سيد قطب في ميزان الشرع" كبحث دقيق وإن كان موجزًا، فقد تناول الكتاب:
1- تقييم فكر سيد قطب تقييمًا منصفًا وموضوعيًّا، بعيدًا عن الانفعالات والعواطف والأغراض الخاصة والنتائج المسبقة.
2- وضع هذا الفكر في موضعه الصحيح من الفكر الإسلامي، ووزنه بميزان الشرع ومبادئ الإسلام وأحكام الشريعة.
3- مناقشة الشبهات التي أُثيرت حول هذا الفكر والاتهامات التي وجهت لصاحبه.
ويتكون الكتاب من خمسة فصول:
الفصل الأول: المنهج الإسلامي بين العاطفة والموضوعية
تناول فيه المؤلف عدة نقاط، كان أولها: تطور فكر سيد قطب، وكيف بدأ حياته أديبًا صرفًا، ومن خلال دراسته الأدبية تناول النواحي الجمالية والفنية في القرآن الكريم، فأصدر كتابيه "التصوير الفني في القرآن" و"مشاهد القيامة في القرآن"، ثم بدأ اهتمامه بالنواحي الفكرية والإصلاحية للمجتمع مع نهاية الأربعينيات، فأصدر كتابية "العدالة الاجتماعية في الإسلام" و"معركة الإسلام والرأسمالية"، ثم ارتبط بحركة الإخوان المسلمين ونشاطها، وبدأ إصداره لكتاب "في ظلال القرآن".
ثم مروره بتجربة السجن والاعتقال مع الإخوان المسلمين بعد حادث المنشية في عام 1954م، ومعايشته للمحنة الرهيبة التي مرت بها الحركة الإسلامية في حقبة الخمسينيات والستينيات، وما لاقاه رجالها من تنكيل على أيدي الأنظمة الحاكمة، وتأثير ذلك على فكر سيد قطب وكتاباته، فأعاد تنقيح "الظلال" وأصدر بعض الكتب التي تتناول الصراع بين الإسلام وخصومه، ومنهج التغيير ووسائله وأساليبه، وكان أهم هذه الكتب كتابه الشهير "معالم في الطريق".
المنهج الغائب
وتحت هذا العنوان تناول المؤلف الأخطاء المنهجية التي وقع فيها الباحثون والنقاد في تناولهم لكتابات سيد قطب، وأهمها:
- تعمد البحث عن الأخطاء وتسجيل العيوب.
- عدم التفرقة بين الخطأ في المنهج- كخطأ الخوارج- والخطأ في الفروع والآراء، والذي هو من طبيعة البشر.
- قياس فكر الكاتب على ما يحمله الناقد من معتقد أو مذهب.
- وإغفال المنهج الإسلامي في الحكم على الفكر عند تعارضه.
- وعدم جمع أقواله في الموضوع الواحد، ثم التركيز على موضوع واحد وتفسيره طبقًا لانطباع الباحث وهواه.
وينتقل الكاتب إلى المنهج الإسلامي الصحيح في الحكم على الأقوال والأفكار، ويشمل عدة قواعد أصولية:
القاعدة الأولى: عدم اتباع المتشابه
فإذا كان الموضوع قد ورد بشأنه عدة أقوال فلا يتم تصيد القول الذي يثير الفتنة، بل يجب جمع الأقوال في الموضوع الواحد؛ لنصل إلى الحكم الصحيح.. ويفند الكاتب هنا ما نُسب إلى سيد قطب من القول بتكفير المسلمين، ويدلل على ذلك بما ورد عنه حول المصطلحات والمفاهيم التالية:
أولاً: المجتمع الجاهلي
ثانيًا: الجماعة والكفر
ومن تجاهلوا هذه القاعدة تلمسوا أقوالاً لسيد قطب ظاهرها يفيد الكفر ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث في مؤلفاته لإثبات هذه الافتراضات أو نفيها، فيزعمون أنه يكفِّر من ليس في جماعته، وخير ما يرد على ذلك قوله حين سئل في تحقيقات النيابة: هل ترى أن هناك فرقًا بين المسلم المنتمي لجماعة الإخوان وغير المنتمي لتلك الجماعة؟! فقال: "الذي يميز الإخوان أن لهم برنامجًا محددًا في تحقيق الإسلام، فيكونون مقدمين في نظري على من ليس لهم برنامج محدد".
ثالثًا: دار الحرب
وبالأدلة والبراهين من كتابات سيد قطب، ينفي ما نسب إليه من اعتبار غير المسلمين دار حرب، ويجب استخدام السيف معهم حتى ولو لم يكن منهم اعتداء على المسلمين، وينتهي الكاتب إلى أن هذا كذب صراح عليه.
القاعدة الثانية: الاحتكام إلى القرآن والسنة
وهذه القاعدة تعني أنه عند الاختلاف والتنازع يجب الاحتكام إلى القرآن والسنة، وليس العكس.. ومن أمثلة ذلك: نسبوا إليه فكرة المرحلية في عصرنا، ومقتضاها أن المجتمعات المعاصرة تشبه المجتمع المكي قبل الهجرة وتأخذ حكمه، من حيث وجوب الهجرة منها واعتزالها، والكف عن القتال (في حين أن المرحلية عند سيد قطب تتعلَّق بالحركة الجهادية، ولا تشير من قريب أو بعيد إلى القول بالمرحلية في الأحكام الشرعية في عصرنا).
والأعجب ادعاء البعض أن هذه المرحلية تفيد حِلَّ زواج المسلم بالمشركات في عصرنا بدعوَى أننا في العصر المكي، رغم قوله صراحةً في تفسير الظلال (الحكم الأول يتضمن النهي عن زواج المسلم بمشركة وعن تزوج المشرك من مسلمة).
القاعدة الثالثة: التفرقة بين القضاة والدعاة
وهنا يشير المؤلف إلى خطأٍ جسيم يقع فيه من يقرأ كتب الدعاة، مثل سيد قطب وغيره، هذا الخطأ هو اعتبار أقوال هؤلاء أحكامًا شرعيةً.. وهؤلاء الدعاة لم يقصدوا إصدار أحكام على المسلمين.. بل إن سيد قطب صرَّح أكثر من مرة وفي أكثر من موضع أن من رغب في معرفة الحكم الشرعي في المسألة فليرجع إلى كتب الفقه، وأعلن أكثر من مرة أننا دعاةٌ ولسنا قضاةً.
القاعدة الأخيرة: المنهج الإسلامي في التوفيق بين النصوص التي ظاهرها التعارض
ومنهج الإسلام في التعامل مع النصوص الشرعية التي ظاهرها التعارض يضع القواعد التالية:
1- جمع كل النصوص الواردة بالموضوع، ثم التوفيق بين النصوص التي ظاهرها التعارض.
2- الترجيح بين النصوص إذا تعذَّر التوفيق بينها.
3- عند تعذُّر الترجِيح يلجأُ إلى الاستثناء بالنسخ والتخصيص.
وهذا المنهج الذي طبقه العلماء على نصوص الكتاب والسنة يأبَى البعض تطبيقَه على كتابات الأستاذ سيد قطب وغيره، ويصرُّون على اعتبار هذه الأقوال غيرَ قابلة للتأويل والترجيح بما يتوافق مع الكتاب والسنة.
الفصل الثاني: بين الكفر ولزوم الجماعة
ويبدأ هذا الفصل بتساؤل استنكاري من المؤلف: إذا كان التخلُّف عن بيعة الخليفة أو الإمام ليس كفرًا، فهل التخلف عن البيعة للجماعة كفر؟!
والذين يزعمون أن المسلم غير المنخرط في جماعتهم قد كفر يسندون مزاعمهم بمقتطفات من كتابات سيد قطب حول آيات سورة الأنفال.. يتحدث فيها عن نفي الولاية عن المؤمنين الذين آمنوا وظلُّوا بمكة ولم يهاجروا، وهو إذ ينفي الولاية عنهم إنما يريد نفي ولاء النصرة لا نفي ولاء العقيدة.
وفات هؤلاء أن تَحقُّقَ الولاء أو انعدامه شيء والكفر شيء آخر، فهؤلاء الأفراد ليسوا أعضاءً في المجتمع المسلم، ومن ثم لا تكون بينهم وبينه ولاية، ولكن هناك رابطة العقيدة.
وليس أدل على براءة سيد قطب من هذه الانحرافات من أنه كان يصلي في سجن ليمان طرة خلف إمام من غير الإخوان؛ لأنه كان أكثر حفظًا".
سيد قطب والخروج على الحاكم
يتعرض الكاتب لهذا الموضوع وينقل عن مذكرات سيد قطب قبيل إعدامه قوله: "واتفقنا على مبدأ عدم استخدام القوة لقلب نظام الحكم، وفرض النظام الإسلامي من أعلى منطقة البدء، وهي نقل المجتمعات ذاتها إلى المفهومات الإسلامية الصحيحة"، وهو في هذا يتَّفق مع رأي جُمهور أهل السنة من العلماء والفقهاء، كما بينه الكاتب بالتفصيل.
الفصل الثالث: المجتمع بين المفاصلة والاتصال
يقرر الكاتب أن إطلاق وصف الجاهلية على أشخاص معينين يراد به جاهلية الاعتقاد إن كانوا كفارًا، وجاهلية المعصية إن كانوا مسلمين؛ ولهذا قال النبي لأبي ذر: "إنك امرؤ فيك جاهلية".
وإذا أُطلق وصف الجاهلية على المجتمع ككل قد يراد به جاهلية الكفر أو المعصية، حسب نوع العمل الذي وُصِف المجتمع من أجله بهذا الوصف، وبهذا التقرير نستطيع أن نفهم أقوال سيد قطب عن الجاهلية والمجتمع الجاهلي، دون لبسٍ أو تجنٍّ.
بين المساجد ومعابد الجاهلية
أخذ بعض الشباب من أقوال سيد قطب قاعدةً عامةً هي أن اعتزال معابد الجاهلية ليس خاصًّا ببني إسرائيل في زمن نبي الله موسى، بل هو موجَّهٌ إلى المؤمنين في عصرنا؛ باعتزال المساجد لأنها معابد جاهلية.
وسيد قطب لم يطلق القول حين تحدث عن "اعتزال معابد الجاهلية واتخاذ بيوت العصبة المؤمنة مساجد"، بل وضَّح المناسبة وهي قوله: "وقد يجد المسلمون أنفسهم ذات يوم مطارَدِين في المجتمع الجاهلي، وقد عمَّت الفتنة وتجبَّر الطاغوت، وفسَد الناس وأنتنت البيئة، وهنا يرشدهم الله إلى أمور، منها اعتزال معابد الجاهلية".
وينتهي المؤلف إلى نتيجة هامة وهي حتمية تأويل أقوال سيد قطب، ويشير إلى الخطاب الذي نشره محمد قطب- شقيق سيد قطب- ويقول فيه: "ولقد سمعته بنفسي أكثر من مرة يقول: نحن دعاة ولسنا قضاةً.. إن مهمتنا ليست إصدار الأحكام على الناس، ولكنَّ مهمتنا تعريفهم بحقيقة لا إله إلا الله".
الفصل الرابع: اعتزال المجتمع وتحطيمه
وردت عبارات لسيد قطب قد يؤولها من أراد على أنه يربط الهجرة بالعقيدة، وليس لديهم أي سند بهذا الادعاء، فهل في كلمات سيد قطب استنتاج هؤلاء؟! وبمراجعة أقوال سيد قطب نرى أنه في إيجابِه الهجرة من جديد إنما يريد الهجرة إلى الإسلام وجماعته وكيانه الحركي، ولا يقصد بها الهجرة إلى الكهوف والجبال وهجرة المعاهد والجامعات.
ويطيل الكاتب في مناقشة أفكار اعتزال المجتمع وتحطيمه، واستحلال أموال الأفراد وممتلكاتهم في مناقشة فقهية جيدة، وإن كانت بعيدةً عن مناقشة أفكار سيد قطب وآرائه.
الفصل الخامس: أنواع الكفر
يناقش الكاتب في هذا الفصل موضوع الكفر، وهل يتحقق بمجرد المعصية والكبيرة أم لا؟! وموضوع الحكم بغير ما أنزل الله وما ورد فيه من آيات سورة المائدة، ومحاولة تحديد المقصود من الظلم والفسق والكفر الوارد بالآيات.
وفي رأينا أن هذا الموضوع لم يأخذ حقه من العرض والدراسة ربما لطبيعة البحث الموجزة.
الخاتمة: سيد قطب بين الأصحاب والخصوم
عرض فيها الكاتب لبعض آراء الباحثين ونقدهم وتقييمهم لفكر سيد قطب عرضًا سريعًا، وردَّ عليهم أيضًا ردًّا سريعًا، كرر فيه ما سبق أن بينه في الفصول الأولى من الكتاب.
وبعد.. فالكتاب في مجمله جيِّدٌ على إيجازه، وخصوصًا الفصول الأولى منه، وإن كان لنا عليه ملاحظات نجملها فيما يلي:
1- عدم استقصاء كل أفكار سيد قطب محلَّ الخلاف والنقاش، وجمع ما ورد فيها من نصوص، وتطبيق منهج النقد الإسلامي وقواعده عليها، وإن كان ذلك قد تمَّ بصورة جزئية.
2- الاستطراد لمناقشة أفكار اتجاهات التكفير والعزلة والهجرة وغيرهم ذاتها، والرد عليها دون ربط لذلك بفكر سيد قطب؛ مما حول البحث في كثيرٍ من الأحيان إلى "فكر التكفير والهجرة في ميزان الشرع"، وكان الأولى الاقتصار على ما يستندون إليه من أقوال وكتابات سيد قطب.
3- تكرار نقاط في البحث، وتكرار ما ورد فيها بنفس الألفاظ تقريبًا.
ولمن اراد اكمال الموضوع يرجع للكتاب نفسه والذي وقفت عليه بنفسي فهو من اروع الكتب في تبسيط فكر سيد قطب