الفراتي
12 Dec 2009, 12:59 PM
الفرمونات وفياجرا الحشرات
بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى
أستاذ علوم النبات في الجامعات المصرية
من أكثر من عشرسنوات كتبت موضوعاً عن الفرمونات الحشرية Pheromones , ووزعت ورقة العمل الخاصة بذلك على المتدربين , وفجأة وجدت كل واحد منهم يخرج قلمه ويعدل كلمة الفرمونات إلى الهرمونات فسألتهم لماذا فعلتم ذلك ؟ فقالوا ظنناها خطأً طباعياً, فقلت لهم ألم تقرءوا المصطلح الافرنجي Pheromones قالوا عدلناه أيضاً ليصبح Hormones , حمدت الله ساعتها أنني اخترت هذا الموضوع للحديث عنه وطباعة ورقة إثرائية فيه لتوزيعها على الدارسين.
واليوم راودتني نفسي أن أضع نفس الموضوع ضمن موضوعات الاعجاز العلمي التي أكتبها للشباب ولغير المختصين, فأحضرت المصادر وبدأت في مراجعة الموضوع من جديد , وبعد مدة وجدت عنوان المقال يقفز إلى بؤرة شعوري, الفرمونات Pheromones وفياجراء الحشرات, لأن العمل الرئيس للفرمونات هو الإثارة الجنسية, والجذب الجنسي, والمساعدة على المسافدة للحشرات منتجة الفرمونات.
وقد كنت قرأت كتاباً من عشرات السنين أن الانسان كائن كيميائي يحب بالكيمياء, ويضحك بالكيمياء, ويغضب بالكيمياء, ويهدأ بالكيمياء, وتتم جميع عملياته الحيوية بالكيمياء, وقد أصبحت هذه حقيقة علمية يعلمها القاصي والداني. فالجهاز العصبي في الانسان يعمل بالمواد الكيميائية الناقلة للسيالات العصبية, وفي الجسم البشري نوع من التكامل العصبي ونوع من التكامل الكيميائي, ويجب أن نتذكر أن التكامل العصبي الكيميائي في تفاعل مستمر لكي يتحقق التكامل العضوي الفسيولوجي العام وثبات البيئة العضوية الداخلية, فالجهاز الغدي يتلقى التأثير من الجهاز العصبي كما أنه يؤثر فيه بدوره لدرجة أن بعض العلماء يضعون الغدد الصماء كأحد مكونات الجهاز العصبي.
ففي حالات التوتر الانفعالي يحدث التنبيه الكيميائي الاستجابة نفسها التي يحدثها التنبيه العصبي, فيتضاعف أثر التنبيهين في صورة دائرية (1).
وتتحكم الكيمياء في النبات, فالهرمونات النباتية تجعل الجذر يتجه نحو الأرض والماء, والساق تتجه نحو الضوء والهواء, وهرمون الإزهار يجعل النبات يزهر, وهرمون التسقيط يسقط الأوراق والثمار(2). وانتاج الثمار والبذور, وإنتاج ثمار بدون بذور, وتحسين جنس الزهرة, وكمون البذور وانباتها, واستطالة الخلايا والنبات, وإنتاج الجذور والأزهار, وتأخير الشيخوخة في النبات ونضج الثمار كلها تأثيرات هرمونية.
ونفس الشيء معالحيوان ومنها الحشرات , وقد زود الله الحشرات بمنتجات ومستقبلات ومثيرات كيميائية والتي تسمى بالفرمونات سابقة بذلك مكتشفي الفياجرا البشرية التي هلل لها الناس وكأنهم وجدوا ما يسعد الانسان ويجعله يعيش في رضا وأمان, وإن كنا لاننكر أهمية الدواء في علاج المرضى والضعفاء.
وتعمل الفرمونات في عدد كبير من الحشرات على جذب أفراد الجنسين لبعضهم وتسمى هذه الفرمونات بالجاذبات الجنسية.
وتتكون الغدد المنتجة للفرمونات بواسطة الاناث ( لجذب الذكور ) في الحلقات الأخيرة للبطن أو سحب الحلقات البطنية وإدخالها ببعض أو فردها, وتنطلق الفرمونات في أوقات محدده من اليوم وهذا ما يميز كل نوع من الحشرات فكل نوع من الحشرات ينتج فرمونات تجذب إليه الحشرات من نفس النوع (3).
والرائحة التي تستقبل على المستقبلات الشمية الموجودة على قرون الاستشعار في ذكور العديد من الحشرات لها أهميتها حيث أن هذه الذكور التي تنجذب إلى الرائحة تكون حساسة جداً, وتنبه الأعضاء الحسية المتصلة بقرن الاستشعار بواسطة الرائحة المفرزة من الأنثى له نظام مميز من العصب القرني الشعري حتى في التركيزات متناهية الصغر, وتأثير الرائحة هي عملية إثارة للذكر وتحفيزه على الاقلاع والانجذاب نحو الأنثى, وفي بعض الأحيان تصل هذه الرائحة وعملية الجذب للذكر على بعد (11 ) كم.
وبذلك تقوم الفرمونات بعملية إثارة للطرف الآخر, وتنبيهه إلى مكان رفيقه ودفعه للقيام بعملية التزاوج والتلقيح لاستمرار النوع والحياة, وهي تجعل أعضاء التكاثر الذكرية صالحة لإتمام هذه العملية كما تفعل الفياجرا في الأعضاء البشرية.
وتستخدم الفرمونات في النمل لرسم طريق سير المجموعة المستمر غير المتقطع, كما تستخدم في بيان مسار ملكة النحل أثناء التلقيح وجذب الذكور نحو الملكة.
وإذا قمنا بوضع هذه المواد في طريق آخر فإن الحشرات تتشتت, وإذا قمت بقتل النمل ورسم خط سير آخر بالنمل المقتول فإن المجموعة تتشتت وتضل الطريق لوجود الطريق الجديد.
من هنا نفهم أهمية الكيمياء في حياة الكائنات الحية وفي تحديد سلوك تلك الكائنات, فسبحان من خلق تلك الكائنات وزودها بتلك المركبات ذات التركيب المميز والدقيق والمتخصص لكل نوع من الحشرات, وجعل لها المستقبلات والمستجيبات ولذلك نقول كما قال الله تعالى ( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين ) لقمان 11.
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) – علم النفس الفسيولوجي , أحمد عكاشة , القاهرة : دار المعارف (ص123 ).
(2) – انظر كتاب الهرمونات النباتية والتطبيقات الزراعية , الشحات نصر أبوزيد , القاهرة : مكتبة مدبولي
(3)- الحشرات ( التركيب والوظيفة ) , د.ف. شابمان ( مترجم ). القاهرة : الدار العربية للنشر والتوزيع ( 1987م ) الجزء الثاني (ص 422 ).
بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى
أستاذ علوم النبات في الجامعات المصرية
من أكثر من عشرسنوات كتبت موضوعاً عن الفرمونات الحشرية Pheromones , ووزعت ورقة العمل الخاصة بذلك على المتدربين , وفجأة وجدت كل واحد منهم يخرج قلمه ويعدل كلمة الفرمونات إلى الهرمونات فسألتهم لماذا فعلتم ذلك ؟ فقالوا ظنناها خطأً طباعياً, فقلت لهم ألم تقرءوا المصطلح الافرنجي Pheromones قالوا عدلناه أيضاً ليصبح Hormones , حمدت الله ساعتها أنني اخترت هذا الموضوع للحديث عنه وطباعة ورقة إثرائية فيه لتوزيعها على الدارسين.
واليوم راودتني نفسي أن أضع نفس الموضوع ضمن موضوعات الاعجاز العلمي التي أكتبها للشباب ولغير المختصين, فأحضرت المصادر وبدأت في مراجعة الموضوع من جديد , وبعد مدة وجدت عنوان المقال يقفز إلى بؤرة شعوري, الفرمونات Pheromones وفياجراء الحشرات, لأن العمل الرئيس للفرمونات هو الإثارة الجنسية, والجذب الجنسي, والمساعدة على المسافدة للحشرات منتجة الفرمونات.
وقد كنت قرأت كتاباً من عشرات السنين أن الانسان كائن كيميائي يحب بالكيمياء, ويضحك بالكيمياء, ويغضب بالكيمياء, ويهدأ بالكيمياء, وتتم جميع عملياته الحيوية بالكيمياء, وقد أصبحت هذه حقيقة علمية يعلمها القاصي والداني. فالجهاز العصبي في الانسان يعمل بالمواد الكيميائية الناقلة للسيالات العصبية, وفي الجسم البشري نوع من التكامل العصبي ونوع من التكامل الكيميائي, ويجب أن نتذكر أن التكامل العصبي الكيميائي في تفاعل مستمر لكي يتحقق التكامل العضوي الفسيولوجي العام وثبات البيئة العضوية الداخلية, فالجهاز الغدي يتلقى التأثير من الجهاز العصبي كما أنه يؤثر فيه بدوره لدرجة أن بعض العلماء يضعون الغدد الصماء كأحد مكونات الجهاز العصبي.
ففي حالات التوتر الانفعالي يحدث التنبيه الكيميائي الاستجابة نفسها التي يحدثها التنبيه العصبي, فيتضاعف أثر التنبيهين في صورة دائرية (1).
وتتحكم الكيمياء في النبات, فالهرمونات النباتية تجعل الجذر يتجه نحو الأرض والماء, والساق تتجه نحو الضوء والهواء, وهرمون الإزهار يجعل النبات يزهر, وهرمون التسقيط يسقط الأوراق والثمار(2). وانتاج الثمار والبذور, وإنتاج ثمار بدون بذور, وتحسين جنس الزهرة, وكمون البذور وانباتها, واستطالة الخلايا والنبات, وإنتاج الجذور والأزهار, وتأخير الشيخوخة في النبات ونضج الثمار كلها تأثيرات هرمونية.
ونفس الشيء معالحيوان ومنها الحشرات , وقد زود الله الحشرات بمنتجات ومستقبلات ومثيرات كيميائية والتي تسمى بالفرمونات سابقة بذلك مكتشفي الفياجرا البشرية التي هلل لها الناس وكأنهم وجدوا ما يسعد الانسان ويجعله يعيش في رضا وأمان, وإن كنا لاننكر أهمية الدواء في علاج المرضى والضعفاء.
وتعمل الفرمونات في عدد كبير من الحشرات على جذب أفراد الجنسين لبعضهم وتسمى هذه الفرمونات بالجاذبات الجنسية.
وتتكون الغدد المنتجة للفرمونات بواسطة الاناث ( لجذب الذكور ) في الحلقات الأخيرة للبطن أو سحب الحلقات البطنية وإدخالها ببعض أو فردها, وتنطلق الفرمونات في أوقات محدده من اليوم وهذا ما يميز كل نوع من الحشرات فكل نوع من الحشرات ينتج فرمونات تجذب إليه الحشرات من نفس النوع (3).
والرائحة التي تستقبل على المستقبلات الشمية الموجودة على قرون الاستشعار في ذكور العديد من الحشرات لها أهميتها حيث أن هذه الذكور التي تنجذب إلى الرائحة تكون حساسة جداً, وتنبه الأعضاء الحسية المتصلة بقرن الاستشعار بواسطة الرائحة المفرزة من الأنثى له نظام مميز من العصب القرني الشعري حتى في التركيزات متناهية الصغر, وتأثير الرائحة هي عملية إثارة للذكر وتحفيزه على الاقلاع والانجذاب نحو الأنثى, وفي بعض الأحيان تصل هذه الرائحة وعملية الجذب للذكر على بعد (11 ) كم.
وبذلك تقوم الفرمونات بعملية إثارة للطرف الآخر, وتنبيهه إلى مكان رفيقه ودفعه للقيام بعملية التزاوج والتلقيح لاستمرار النوع والحياة, وهي تجعل أعضاء التكاثر الذكرية صالحة لإتمام هذه العملية كما تفعل الفياجرا في الأعضاء البشرية.
وتستخدم الفرمونات في النمل لرسم طريق سير المجموعة المستمر غير المتقطع, كما تستخدم في بيان مسار ملكة النحل أثناء التلقيح وجذب الذكور نحو الملكة.
وإذا قمنا بوضع هذه المواد في طريق آخر فإن الحشرات تتشتت, وإذا قمت بقتل النمل ورسم خط سير آخر بالنمل المقتول فإن المجموعة تتشتت وتضل الطريق لوجود الطريق الجديد.
من هنا نفهم أهمية الكيمياء في حياة الكائنات الحية وفي تحديد سلوك تلك الكائنات, فسبحان من خلق تلك الكائنات وزودها بتلك المركبات ذات التركيب المميز والدقيق والمتخصص لكل نوع من الحشرات, وجعل لها المستقبلات والمستجيبات ولذلك نقول كما قال الله تعالى ( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين ) لقمان 11.
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) – علم النفس الفسيولوجي , أحمد عكاشة , القاهرة : دار المعارف (ص123 ).
(2) – انظر كتاب الهرمونات النباتية والتطبيقات الزراعية , الشحات نصر أبوزيد , القاهرة : مكتبة مدبولي
(3)- الحشرات ( التركيب والوظيفة ) , د.ف. شابمان ( مترجم ). القاهرة : الدار العربية للنشر والتوزيع ( 1987م ) الجزء الثاني (ص 422 ).