همي الدعوه
31 Dec 2009, 12:53 AM
الإعلام الإسلامي
مشكلات في خط المواجهة !
خبَّاب بن مروان الحمد
بسم الله الرحمن الرحيم
يواجه الإعلام الإسلامي مشكلات خطيرة في طريق عمله الشاق في توعية العقول، وصياغة الأفكار، وأساليب البناء العقائدي والثقافي والحضاري للأمَّة المسلمة، ويمكن القول:إنََّ هذه المشاكل أو الإشكاليات أو المشكلات بعموم ألفاظها اللغوية الجائزة، ليست عامة على وجه الإطلاق في إعلامنا الإسلامي بل قد تكون هنالك مشاكل لدى بعض الوسائل الإعلامية المتاحة فتختلف هذه المشاكل من وسيلة إعلامية إلى غيرها من ضروب الإعلام باختلاف أنواعه.
والإعلام بعامة سلاح خطير للغاية، وقد سمَّاه كثير من أهل الشأن بالسلطة الرابعة، بل كان (هيغل) يقول معظِّماً لشأن الإعلام الصحيفة هي الصلاة العلمانية الصباحية للإنسان الحديث!)؛ وهو حديث شخص ملحد، إلاَّ أننا نلحظ أنَّ غالبية المسلمين يقومون في الصباح الباكر وبعد أداء صلاة الفجر؛ بمطالعة الصحف والجرائد، أو مشاهدة مواقع الإنترنت، أو متابعة القنوات الفضائيَّة لسماع الأخبار، والاهتمام بجديد اليوم من خلال هذه الوسائل الإعلامية.
ولأنَّ الإعلام فتح كبير في زمن العولمة؛ فإنَّ على روَّاده من المسلمين استغلاله للتأثير على الناس ومواجهة التحديات المعاصرة، وعليهم أن يستصحبوا معنى كلمةالإعلام الإسلامي) لكي يفلحوا وينجحوا، ولكي لا يكونوا عرضة للتنازلات والضغوط التي تهوي بهم إلى جرف هار!
وبما أنَّ الأصل في الإعلام الإسلامي أن يستقي جميع أموره وتعاليمه من الشرع الإسلامي، ومقاصد الشريعة، مع فقه الواقع الحياتي وخبرات الناس وتجاربهم بما لا يتناقض و ثوابت الإسلامي عقيدة وقيما؛ فإذا كان ذلك كذلك لزم صناعة بديل حيوي وفعَّال وإيجابي يجذب الأبصار لمشاهدته ومتابعته.
إنَّ من الممكن أن نقول من خلال متابعتنا للمسيرة الإعلامية للإعلام الإسلامي بأنّهَ يتطور يوماً بعد يوم، ويكتسب الخبرات، ولنتحدث على مستوى الفضائيات والإذاعات والصحف، فقبل ثلاث عقود من الزمان، كانت المجلات الإسلاميَّة تعد على الأصابع، وكذا الإذاعات الإسلاميَّة، وأمًّا الفضائيات فلم يكن هنالك إعلام فضائي إسلامي ملتزم ومحافظ!
ومع هذا كله فإنَّ مسيرة الإعلام الإسلامي محفوفة بالمخاطر، وأمامها عقبة كؤود، فالإعلام الإسلامي يمشي في طريق مؤلم وشاق مع تعرضه للمخاطر، لكن بجهود الصالحين، وعمل المخلصين من أبناء الأمَّة، وملازمة الرقي والإبداع وصناعة الأفكار الجميلة والرائعة يتحسن الحال، ويصلح الوضع وترتقي المنظومات الإعلاميَّة الإسلامية بكينونتها الفكريَّة.
لقد قال (بيل جيتس) رئيس شركة مايكروسوفت وأحد كبار المشتغلين بالتقنية في مجال الحاسب الآلي : (من يسيطر على الصورة، يسيطر على العقول)، وما دام أنَّ الإعلام الإسلامي يريد التأثير على العقول وجذب الناس إليه، فعليه أن يكون على مستوى التحديات التي تواجهه، ويصنع من الأزمة مخرجا، ومن الصعائب حلولاً.
لنضرب مثالاً واقعياً على ذلك فقد كشفت صحيفة(كريستيان ساينس مونيتور)الأمريكيَّة في مقال لكاتبها (هوارد لافرانشي) وذلك في يوم الخميس الموافق 6/8/1429هـ أنَّ إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش أغلقت ملف تحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكيَّة في الخارج) وبدأت في تبني سياسة جديدة تعتمد على إبراز صورة المسلمين في صورة "المتطرفين" كمحاولة من الإدارة لتبرير حروبها ضد المسلمين في العالم، مع استخدام ألفاظ أكثر تشدداً تجاه المسلمين وتصويرهم دائمًا في صورة "المتطرفين" كمحاولة من إدارة بوش لتبرير حروبها ضد المسلمين في العالم، وتقضي الخطة البديلة بالإعلاء من شأن محاربة ما يسمى بالتطرف الديني على حساب الحوار.
وبغض النظر عن صحَّة هذه الدعوى من عدمها، مع ميولي لصحتها؛ وذلك لأننا نرى تشديداً إعلامياً في محاربة الرموز الدينية والمقدسات الإسلاميَّة والمصطلحات الشرعيَّة الإسلامية من قبيل(الجهاد ـ الولاء والبراء ـ قوامة الرجال على النساء) وغيرها ، ولكنَّنا في حالة كهذه ينبغي أن نفترض أنَّه سيكون هنالك توجه إعلامي بناء على هذه الخطة بحرب إعلاميَّة كبيرة من المؤسسات الإعلامية الغربيَّة والمستغربة ضدَّ المسلمين علماء ومجاهدين ودعاة، وإبراز السقطات والأخطاء وما إلى ذلك، والمبتغى الأكيد تجاه هذه الحرب الإعلاميَّة الكبرى أن يكون هنالك خطَّة إعلاميَّة إسلاميَّة متبادلة بين المؤسسات الإعلامية لمواجهتها لأن تكون على مستوى التحدي والمواجهة، وإلاَّ فلنعزِ أنفسنا بضعف إمكانياتنا وهذا ما لا نتغيَّاه ولا نتوخاه من إعلام إسلامي صادق!
ينبغي أن ندرك في واقع الأمر أنَّ الإعلام فتنة وذلك لالتباس ما يعرض فيه بين الحق بالباطل، ولعلَّ تفسير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوارد في صحيح الإمام البخاري عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أنَّه قال: أَتَيْتُ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ اَلسَّاعَةِ، مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ، ثُمَّ مَوْتَانِ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ اَلْغَنَمِ، ثُمَّ اِسْتِفَاضَةُ اَلْمَالِ، حَتَّى يُعْطَى اَلرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ اَلْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي اَلْأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اِثْنَا عَشَرَ أَلْفًا).
فلعلَّ ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ( ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ اَلْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ) أن يكون تفسيرها : هذه الأقمار الصناعية التي تلتقط منها القنوات الفضائية جميع المحطات في العالم أجمع، وتنقل للناس في أصقاع الدنيا وأقطار المعمورة ما يحدث في كل مكان، وهي بحقيقتها تحمل الكثير من الشر وبعض الخير، فتكون فتنا للكثير من المسلمين، ولعلَّ ما يزيد ذلك ترجيحاً ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه : (7/482) بسند صحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قوله: ( ليوشكن أن يصب عليكم الشر من السماء حتى يبلغ الفيافي، قيل : وما الفيافي ؟ يا أبا عبد الله قال : ( الأرض القفر).
ولهذا قد نجد أناساً في البادية يعلمون عن أخبار أمم الشرق والغرب من خلال الأطباق اللاقطة للفضائيات والتي تجلب الخير والشر، فكان من اللازم لقادة العمل الإعلامي الإسلامي أن يحفظوا عقول وأذهان المسلمين من أن تلتقط أفكاراً مخالفة، ويحاولوا قدر الإمكان بث الأفكار الإسلامية ونشرها؛ لإعطاء الناس حصانة فكرية وشرعية لكل ما يخشى أن يتأثروا به من إعلام القنوات المخالفة وغير المحافظة والتي تبث الفتن بنوعيها إن كان ذلك من قبيل الشبهات أو الشهوات، ومن ضمن ما يمكن المناداة له لصناعة إعلام إسلامي قوي متين، أن تكون هنالك باقة خاصة للقنوات الإسلامية أو المحافظة على الأقل، لكي يكون فيها استبعاد للقنوات السيئة والرذيلة، ولكي يستطيع المشاهد العربي المسلم مشاهدتها دون تشفير لقنوات أخرى تعكر باله يفوق عددها عن ألف قناة.
ألا يمكن التحادث في هذا الشأن بهذه اللقاءات الدورية بين الإعلاميين الإسلاميين، ومحاولة إيجاد قمر يستقبل هذه القنوات فقط أو يكون خاصاً بها.
لقد قال أحد أعلام الفلسفة كن رجلاً ولا تتبع خطواتي) ونحن نقول للمؤسسات الإعلامية كوني على قدر المسؤولية وحاولي قدر الإمكان أن تسايري هذا العصر بروح التكامل والتوازن، وأدوات الجودة التي لا يمكن الاستغناء عنها في ظل ما يمكن أن نسميه صراع إعلامي) بين الحق والباطل.
هذا الإعلام الإسلامي يواجه الآن وسيواجه كذلك عدَّة عراقيل تضاده وعقابيل تحجزه أو تمنعه عن مواصلة سيره في دربه الذي اختطه ويعمل لأجله؛ ولأجل ذلك فقد أحصيت بعضاً من المشكلات التي تواجه القائمين على المؤسسات الإعلامية، لكي نعرفها على الأقل في البداية ونحصرها، حتى نفكر في الحلول المجدية التي يمكن تلافيها في المستقبل القريب أو الحد من هذه المشكلات التي تواجهنا، ولقد قال تشارلز ليزنج إنَّ المشكلة حين ندوِّن تفاصيلها نكون قد حصلنا على نصف حلِّها).
والمشاكل التي تواجه المؤسسات الإعلامية الإسلامية تنحصر في مشكلتين رئيستين وهما:
1) مشاكل داخلية.
2) مشاكل خارجية.
مشاكل داخلية تواجه المؤسسات الإعلامية الإسلامية
ومن تلك المشاكل الداخلية ما يلي ذكره:
• ضعف المنهج الإسلامي عند بعض العاملين في المؤسسات الإعلامية الإسلامية.
فهنالك مؤسسات إعلامية يقوم عليها إسلاميون، جعلوا هدفهم ونصب أعينهم ـ كما يقولون ـ الانطلاق من ثوابت الإسلام وعقيدته، ولكنَّ النظرية لا تغني عن التطبيق، والقول لا ينفع دون الفعل، والكلمة المزخرفة لا تقنع العاقل ما دام أنَّها لم تظهر عبر منهج فعلي سلوكي.
فنشاهد مجازفات ومخالفات واضحة في خط بعض المؤسسات الإعلامية الإسلامية ، من ظهور شخصيات لا تمت للمنهج الإسلامي بصلة؛ مع إعطائهم هالة إعلاميَّة لا يستحقونها، والأنكى من ذلك أن يطلق عليهم مفكرون إسلاميون، وهم إلى الليبرالية ومنهجها أقرب منهم إلى الإسلام وشرعته، ويحاولون أن يبثوا سماً وفتنا وشبهات في آذان المستمعين!!
كما نجد ظهور النساء سافرات متبرجات كاشفات عن شعورهنَّ وشيء من جسدهنَّ، ويظهرن في مقابلات فضائيَّة عبر القنوات الإسلامية، وبصورهنَّ في بعض الجرائد والمجلات الإسلاميَّة، أو عن نساء متحجبات ولكن حجاب آخر موضة أو تقليعة من الألوان الزاهية المثيرة، والمكياج والكحل، وأنوع الزينة، وكل هذا داخل في باب الحرمة الشرعية.
وفي مجال الإعلانات والدعايات من الانحراف عن المنهج الإسلامي وعرض ما لا يجوز، ومن الكذب والمبالغة في تسويق بعض المنتجات عبر هذه (المؤسسات الإعلامية).
ونجد المبالغة الشديدة في استخدام المعازف المحرَّمة، وأدوات الطرب، التي لا يجوز استخدامها في غير الإعلام فما بالنا بالإعلام القائم على النشر والتسويق.
زد على ذلك؛ القيام باستفتاءات لجمهور من الطلبة والطالبات المتبرجات وجلوسهم مع بعضهم البعض بشكل مختلط، وسؤالهم عن قضايا شرعيَّة لا يحق أصلا الاستفتاء فيها وأخذ رأي الشباب والفتيات فيها مع قصور علمهم، وضعف التوجه الإسلامي لديهم.
كذلك نلحظ ضعف ارتباط بعض المؤسسات الإعلامية بأهل العلم الثقات الربانيين بتكوين هيئات شرعيَّة تشرف على مثل هذه المؤسسات الإعلامية أكان ذلك فضائية أو مجلَّة وما نحا نحوها، وذلك ما يسبِّب سيطرة رؤوس الإعلام على العمل الإعلامي الإسلامي والدخول ببعض الأفكار الغريبة أو الممارسات المستغربة لأن تظهر في قنوات أو مجلات إسلاميَّة!
• ضمور الطاقات الإدارية الفعَّالة والفاعلة في إدارة المؤسسات الإعلامية.
نجد في كثير من الأحيان أنَّ العمل في بعض هذه المؤسسات الإعلاميَّة، تحت إدارة بعض المشايخ الثقات، ولكنَّ بضاعتهم في علوم الإدارة والتخطيط للمشاريع مزجاة وضعيفة، فضلاً عن العمل في كثير من الأحيان بروح الفوضويَّة والتكاسل والتواكل، وقلَّة الخبرة مع اشتغال الوساطات والمحسوبيات في بعض الوظائف الإعلامية، والتي لا تحسن الإدارة في هذه المؤسسات، مع أنَّها تظن أنها تحسن صنعاً، ( وكم من مريد للخير لم يصبه)، بل نجد بعضهم حين يخفق في مشروع الإعلامي يدندن بالعبارة المشهورة علينا العمل دون النظر إلى النتائج) وهي عبارة تحتمل الصواب والخطأ وإنَّ كانت بنظري بحاجة لمراجعة فكرية إذ الدوغمائيَّة ـ كما يقولون ـ والعشوائَّية في بعض المشاريع الإسلامية تطفو على السطح الفكري، والأصل أن يكون التخطيط سليماً لكي يكون الوصول للهدف سليماً.
في بعض وسائل الإعلام الفضائيَّة ـ كمثال ـ نجد مقدِّم البرنامج أقرب إلى الروح الخطابيَّة منه إلى الروح الإعلاميَّة التي تستخدم جميع أدوات التأثير الإعلامي على عقل المشاهد، وأظن أنَّ قلَّة قليلة منهم من تخرجت في مدرسة إعلاميَّة وقامت على نفسها بالممارسة المستدامة حتَّى تبلغ الدرجة المرجوَّة من القبول الإعلامي في التقديم للبرامج.
• العنصرية والحزبية المقيتة.
ما أسوأ العنصرية والحزبية الضيقة التي تكرِّس المفهوم القاضي بالقول من لم يكن معنا فهو ضدنا)، فلو وَجَدَت بعض المؤسسات الإعلامية شخصا يحمل منهجاً إسلامياً نقياً وخبرة إعلامية واعية ، لكنَّه اختلف معهم في بعض التصورات والمفاهيم، فبدلاً من أن يبقوه معهم ويكتسبوا شيئاً من خبراته، أو يحصل بينهم وبينه نوع من الحديث التفاعلي مع مطارحة الآراء سواء أثَّر فيهم أو أثَّروا فيه، لكان في ذلك نفع للجميع، وليتهم يأخذون بمبدأ الشورى وعرض ذلك من خلال هيئة معلوم عنها النزاهة والحياديَّة مع الأخذ بالحق والموضوعية، ولو أنَّهم فعلوا لكان في ذلك الخير والنفع ولكن هكذا يحصل من بعض المؤسسات الإعلامية (الإسلامية) الحزبية والمتعصِّبة لحزبها في الوقت نفسه!
ولست أقصد بالحزب هنا هي مجموعة الأحزاب الإسلامية، فهذا جزء منها، ولكن من الأحزاب ما لا يعدوا أنفسهم حزباً وهم حزبيون أشد من بعض الأحزاب، وكذلك ما نجده لدى بعض العاملين في الحقل الإعلامي الإسلامي من تقديم الجنسيات التي نشأت في تلك الدولة تلك المؤسسة الإعلامية، وتقديم من يكون من جنسية تلك البلدة على أهل الخبرات والمهارات والطاقات التي تكون لدى آخرين، لأنَّ الداعم لهذه القناة أو تلك محسوب على جنسيَّة محددة، ولهذا فسيكون غالب العاملين من تلك الجنسية وأكثر المستضافين من تلك الجنسية، ولا شكَّ أنَّ هذا يضر بالعمل الإسلامي العام.
• سطحيَّة التفكير الاستراتيجي.
الإعلام الإسلامي بحاجة ماسة إلى من يضع الأهداف ويرسم الحلول ويهدف لذكر البدائل المتاحة في حالة وقوع أية معضلة تحل بهذه المؤسسة الإعلامية.
(البارادايم) والمقصود به: صناعة المنظور الشامل لدى هذه الوسيلة الإعلامية الإسلامية، والتي تطمح للارتقاء والنمو زمنا بعد زمن، أراه غائباً لدى بعض المؤسسات الإعلامية الإسلامية، فكم من قناة ظهرت خلال خمس سنوات أخيرة، ثم اختفت فجأة دون ذكر أسماء لهذه القنوات، والتي كانت تهدف إلى البقاء والاستمرار، ولكن ضعف البنية الاستراتيجية، واستراتيجية الإدراك للحراك ـ كما يقوله الدكتور جاسم سلطان في كتبه؛ كل هذا أدَّى إلى السطحيَّة في التعامل مع هذه الأشياء بروح التوازن والتكامل والتخطيط القويم.
ولهذا فما أن تحيق بهذه المؤسسة أو تدور عليها دائرة، فما أسهل أن تراها أعلنت وقفها أو إغلاقها بحجة ضعف الدعم المالي، أو حصول خلافات في المؤسسة، وما شابه ذلك، والمشكلة الأكبر أن نرى تكرر مثل هذه الأحداث فينة بعد أخرى، دون استفادة من تجارب الآخرين، و(التجربة فيها موعظة) كما يقول الصحابي الجليل علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وهذه القرارات المتسرعة هي في الحقيقة معضلة تحتاج لقرار صائب في المعالجة والتقويم.
ومن خلال عدَّة تجارب إعلاميَّة من هذا القبيل ، ندرك أنَّ بعض هذه المواقع والمؤسسات الإعلامية كانت نتيجة حديث أخوي ، ما لبث أن أطلق سريعاً في عصر السرعة ، دون سابق تفكير منهجي وتأملي لمسار هذا الموقع ، والخطط الجارية عليه حين الإطلاق ، ولذا فلم يبقَ طويلاً لأنه أطلق سريعاً ، وأغلق بعدها سريعاً ، ومن هنا يقول أحد المفكرين : (لدينا أفكار كثيرة لا تجد سبيلها إلى التطبيق، وأعمال كثيرة لم تسبق بأي تفكير).
• العرض في الظروف الطارئة.
بعض وسائل الإعلام تتناول الحديث عن المقدسات الإسلامية في وقت الأزمات وهذا حسن، لكن أن نمضي قدماً لصناعة برامج خاصة في هذا الإطار وحول هذه الدائرة المهمة، فإنَّ هنالك تقصير واضح حول هذه الأحداث.
ولنتحدث حول أزمات سياسية تمر بالأمة فإعلامنا الإسلامي كثيراً ما يغفل عن الحديث حول وضع المسلمين في الشيشان ومستقبل القضية القوقازية، وقضية كشمير والاتفاقيات التي تجري من مدة وأخرى حيالها وقلَّما تشير إليها الأضواء، فنرى أنَّ وسائل إعلامنا الإسلامية مقصرة في الإشارة لها، فلا تعرض الحديث عن ذلك إلا في وقت الطوارئ، وساعة الأزمات، وهذا أمر معلوم لدى الكثير من رواد الإعلام ومؤسسيه، ولكنهم لا زالوا يراوحون مكانهم بهذا الخصوص إلا لماما!!
ولا أنسى حينما استدعت المملكة العربية السعودية سفيرها في الدنمارك، حيث قالت رئيسة حزب الائتلاف مع الحزب الحاكم الدنماركي اتركوه فإنَّه سيعود بعد أسبوع ... هكذا شأن العرب!!) وأذكر بعدها حين نطقت هذه المجرمة بهذه الكلمة، حيث سمعها وعلم بها الكثير من المسلمين، فحفَّزتهم في إشعال جذوة الوقود في الدفاع عن رسول البشرية عليه الصلاة والسلام، وحرَّكتهم في الذب عنه صلى الله عليه وسلم أكثر فأكثر.
المهم أن يكون هنالك عرض للقضايا الإسلاميةَّ عموما، وأن يكون هنالك صحفيون أشبه بالباحثين عن الحقائق المختفية، لكي يقدموا برامج ذات انتشار وصيت ومفعمة بروح التجديد والنشاط والمعرفة المستمرة.
• ضعف الاختراق الإعلامي لغير المسلمين.
ندرك أنَّ الحديث حول هذا يحتاج لجهود كبيرة لكي تكون هنالك وسائل إعلاميَّة إسلامية هادفة تصل لغير المسلمين، وتؤثر في مستوى تفكيرهم وطبيعة نظرتهم للعالم الإسلامي، ولا أشك أنَّ الإعلاميين الإسلاميين يدركون مدى ضرورة الخبرة بإعلام الآخرين ووسائلهم الخبيثة للغزو الفكري، والسطو على العقول، والاختراق القيمي والثقافي للأمة المسلمة.
لقد تحدث الباحث الإعلامي الأمريكي(هربرت شيلر) في كتابه وسائل الإعلام والامبراطورية الأمريكية) كما نقله عنه الدكتور عبد القادر طاش ـ رحمه الله ـ في كتابه الإعلام وقضايا الواقع الإسلامي،ص15) حيث قال:"إن صنّاع القرار السياسي الغربيين انشغلوا بالبحث عن بدائل تضمن استمرار السيطرة الغربية- وعلى وجه التحديد الأمريكية- على الأوضاع الثقافية والاقتصادية الدولية، فاستقر رأيهم على التكنولوجيا كبديل.
وتتضمن هذه التكنولوجيا شبكات الكمبيوتر، ونظم الأقمار الصناعية.
وتقوم هذه الشبكات ببث كميات هائلة من الأخبار والمعلومات عبر دوائر عابرة للحدود القومية، وأكثر من ذلك فإنها سوف تصبـح في منأى عن الرقابة المحلية، ولذلك فإن هذا التوسع في الاستخدام العالمي للمعلومات بواسطة البث الالكتروني وشبكات بنوك المعلومات سوف تكون له آثاره الخطيرة على الثقافات القومية في الأعوام القادمة"
بالطبع! العالم الغربي لديه اتجاهات واضحة تجاه وسائل الإعلام، لاستغلالها لصالح فكرهم وأغراضهم الاستراتيجية، وكثيراً ما تحدَّث المفكرون الإسلاميون عن ذلك، وعن تلكم الخطط الاستراتيجية التي يسعى لها الغرب في واقع العالم العربي والإسلامي.
كثرة لومنا للغربيين المعتدين على حرمات الإسلام، وتبيان مآربهم لا يكفينا في نصرة العقيدة الإسلامية والمشروع الإسلامي، ولا يعذرنا أمام الله تعالى، وكثيراً ما أتذكر الكلمة التي طالما تراودني حين أرى مواقف الكفرة المعتدين وعدوانهم تجاه الواقع الإسلامي، حيث قال الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله حيث قال لا تقل كيف حضر إبليس ولكن قل كيف غاب القديس).
إنَّ المشاريع الإبليسيَّة والمخططات الغربية أو الشرقية المعادية للإسلام، تحتاج لخطوات ثابتة ومخطَّط لها من قبل المدافعين عن الإسلام عقيدة ومنهج حياة.
ولا راد لتلك الخطط الغربية في محاولة الاستلاب الثقافي والعقائدي للأمة المسلمة؛ إلا بصناعة إعلامي إسلامي بديل يصل لجميع الكفرة أو المعرضين عن الإسلام لعلَّ هداية من الله تعالى تنالهم؛ لأنَّهم يعلمون أنَّه لو ظهرت الحقائق الإسلامية الناصعة ، على مرأى من هذا العالم ، لشهدوا للمسلمين بأنَّهم الأمَّة الحقَّة والخيرة من دون الأمم ، لكنَّ التعتيم على الحقيقة، والغزو الإعلامي للأمة المسلمة يذكِّرني كثيراً ، بالأساليب العمليَّة التي يستخدمها الطغاة والكفرة بالتحذير من سماع منطق الحق والقوَّة بقصَّة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ حيث كان كفَّار قريش يغبِّشون عليه الحقائق، ويخفونها عليه، بعدَّة قوالب وأساليب ، ولنتأمَّل ما قاله الطفيل قبل إسلامه فوالله ما زالوا بي يقصُّون عليَّ من غرائب أخباره و يخوِّفونني على نفسي وقومي بعجائب أفعاله ، حتى أجمعتُ أمري على أن ألا أقترب منه وألا أكلمه أو أسمع منه شيئاً ، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفَاً فَرَقَاً من أن يبلغني شيء من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه) كما في كتاب الروض الأنف للسهيلي.
وفيه هذا أبلغ دلاله على ما لدى أهل الكفر والزندقة، من محاولة لتضليل شعوبهم، ولي أعناقهم وصرفهم عن حقائق الدين الإسلامي، وإذكاء جذوة العداوة في قلوبهم للكيد للإسلام وأهله.
• ضمور جانب التخصص النوعي في الخطاب الإعلامي الإسلامي.
نجد كثيراً من المؤسسات الإعلامية تخاطب جميع الشرائح بشتَّى أنواعها وهذا حسن بحد ذاته، ولكن أن تقتصر هذه المؤسسات على مخاطبة شتَّى الشرائح والتخصصات، دون تقديم شيء تخصصي فإنَّه نوع من القصور، فالوسائل الإعلامية الإسلامية بحاجة لتنمية خططها ومحاولة تجديد الخطاب النوعي، ومن خير ما نجده الآن تلك المواقع التي تتخصص في (الإعلام المقاوم، التربية الأسرية، شؤون المرأة) وما إلى ذلك، فتنمية العمل الإعلامي بشكل متخصص يفيد العمق في المعالجة، واتضاح الرؤية، وتصحيح أي خلل قد ينحرف عن مسار الهدف الذي تصبو إليه تلك المؤسسات الإعلامية.
التخصص ينبغي ألاَّ يسبِّب تحيزا كاملاً له وعدم معالجة بعض الأمور الهامة على مستوى الوضع العالمي الإسلامي، فمن الضروري بمكان أن تكون هنالك قواسم مشتركة بين أيَّة جهة إعلاميَّة، فيما لو حصل أي أمر طارئ فتتقدم هذه المؤسسات الإعلامية وتنطق بأهميَّة ما جرى، ومن الوقفات الخيِّرة التي رأيتها قد اندمجت في مؤسساتنا الإسلامية بشكل طويل ولا زال إلى الآن ، الهجمة الصهيونية على غزة، فقد وجدنا نوعاً من التلاحم والتراص في كشف حقيقة الأمة اليهودية الكافرة، والهمجية الوحشية ضد أهل العزة والجهاد في غزة الصمود، وهذا وإن كان ليس قائماً على تنسيق فعَّال، إلاَّ أننا وجدنا كيف أنَّه قد آتي ثماره يانعة خصبة في التأثير على الأمَّة المسلمة، وكذلك حينما قام أهل الكفر والإلحاد في الدنمارك بنشر الرسوم المسيئة لشخص رسولنا وحبيبنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فقامت تلك المحطات الإعلاميَّة قومتها والكل أدلى بدلوه مدافعاً وذاباً عن رسولنا صلى الله عليه وسلم.
صحيح أنَّ اليقظة الدفاعيَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن منظَّمة أو مخطط لها، وهذه مشكلة بحدِّ ذاتها، ولكن يا حبذا لو كان هنالك منظومة تجمع هذه المؤسسات الإعلاميَّة الإسلاميَّة والمحافظة في إطار واحد ليكون هنالك قواسم مشتركة تهم الجميع للحديث عنها، وحينها يمكن لكل جهة أن تتحدَّث فيها بكل جرأة وقوة، ومن هذه الموضوعات( المسجد الأقصى، الحرب على رموز الإسلام وثوابته وشرائعه، حماية الأخلاق، وحدة الأمة المسلمة، حرمات المسلمين في فلسطين والعراق والشيشان) فهذه أمور مقدَّسة لدى المسلمين، فحبذا لو كانت هنالك قواسم مشتركة تخدم هذا الدين عبر مؤسساتنا الإعلامية الضخمة.
• ندرة عقد اللقاءات الدورية بين المؤسسات والوسائل الإعلامية .
يد الله مع الجماعة، والأمر بالتعاون على البر والتقوى جاءت به نصوص الشريعة، وكلما اشتدت الأيادي تماسكاً والصفوف تراصاً ؛ قويت المسيرة، لكنَّ من النادر أن نجد عقد اللقاءات الدورية النافعة بين المؤسسات الإعلامية بكافة أشكالها وألوان الطيف فيها، للإفادة والاستفادة، ولا أقل من أن يكون هنالك مؤتمر سنوي تجتمع فيه جميع القوى الإعلامية الإسلامية، لتتباحث في شؤون أمتها وما يمكنها أن تقدمه من خدمات لها وبرامج مفيدة لها، وعقد ندوات التقويم والمراجعة والنقد الإيجابي الذي يدفعها للاستفادة من كل التجارب الممتازة وتطويرها، وتحاشي التجارب السيئة والبعد عنها.
ومن خير ما رأيته مناسباً في ذلك قيام (رابطة الصحافة الإسلاميَّة) التي جمعت أكثر من مجلة وصحيفة وجريدة وأقامت مؤتمراً وندوة بثَّت جزءاً كبيراً منها قناة الجزيرة مباشر، ولها إسهاماتها الجيدة والطيبة، لكنَّها لا زالت ضعيفة في رأيي إلى الآن، ولعلَّ ذلك بسبب بداية العمل والانطلاق فيه فلا زالت هذه الرابطة في طور التأسيس والتقويم، وأتمنَّى أن تبقى متوهجة في العمل والنشاط التنظيمي والعملي.
• كثرة الاستهلاك والإنتاج المكرر.
إعلامنا العربي الإسلامي في الغالب منه يميل للتطرق إلى الجوانب الوعظيَّة فحسب، أو الجوانب العلميَّة الشرعيَّة، وكل هذا حسن جميل، لكنَّه يستهلك نفسه، بالشكل الممل والمخل، فلا تجديد ولا إبداع، ولا طريقة جديدة للعرض الذي يغري المرء بالمتابعة.
قليلاً ما نجد في إعلامنا جوانب الإبداع والابتكار في الطرق والأساليب التي تعرض الأفكار، من خلال (مسلسلات هادفة إسلامية ومنضبطة بأصول الشرع) ومن قبيل الأفلام الوثائقية التسجيليَّة) ومن مثل عرض القصص المصورة بدراما ممنهجة ومثيرة) ترسخ الفكرة في الأذهان أكثر من الكلام فقط.
نحتاج إلى الكثير من ذلك لكي يكون إعلامنا الإسلامي سبَّاقا ومتجددا بأفكاره.
مشاكل خارجية تواجه المؤسسات الإعلامية الإسلامية
هنالك مشاكل خارجية كذلك تواجه الإعلام الإسلامي، ويمكن إجمالها بالشكل التالي:
• تراجع الاستقلاليَّة الفكريَّة وسيطرة الحكومات) على بعض المؤسسات الإعلامية.
بعض المؤسسات الإعلامية الإسلامية تستطيع أن تقول إنَّها المؤسسة أو القناة الخفيَّة التي تدعم ذلك النظام الحاكم العربي، وتسوغ بعض أفعاله الخاطئة أو المنحرفة، وذلك بسبب مسارعة بعض العاملين فيها بإرضاء هوى الحاكم الفلاني أو تحاشي ضرره للقناة، أو شراء بعض الحكومات لذمم بعض العاملين في تلك المؤسسات لكي تتحدث بالروح الإسلامية التسويغية لتحركات ذلك النظام.
كما أنَّا نجد أنَّ هنالك قنوات فضائية إسلامية كان لها دور جيد في كشف بعض الحقائق وإماطة اللثام في تصحيح بعض المفاهيم، وتعرية التصورات الفاسدة، وتكون قلباً وقالباً نبضاً لقلب هذه الأمة المحترق على وضعها العقائدي والسياسي، ما أدَّى لأن تأتي بعض الحكومات وتأمر بإغلاق هذه القنوات الفضائيَّة ومحاربتها باسم مكافحة الإرهاب)!
• الهجمة الشرسة الإعلامية الغربية على الإعلام الإسلامي.
الإعلام الإسلامي من مواقع الإنترنت أو قنوات فضائية وغيرها، يعاني بشتَّى مؤسساته هجمة شرسة من المؤسسات الإعلامية الغربية والمستغربة÷ هذا أمر لا محيد عن ذكره ...
لكن هنالك نقطة جوهريَّة، وهي أنَّ الإعلام الإسلامي عليه رقابة شديدة تحاول قدر الإمكان أن تصده وتمنعه وتحجزه عن أي عمل يقوم على التكتل والوحدة، حتى لا تتفاعل مع قضايا الجماهير، بل هنالك احتكار واضح واستعمار(استخراب فكري) في شتَّى الوسائل الإعلاميَّة الإسلامية للتضييق عليها، وإذا كان الأمر قد وصل إلى أن يقول وزير العدل الفرنسي (Jack tobon) إنَّ الإنترنت بالوضع الحالي شكل جديد من أشكال الاستعمار، وإذا لم نتحرك فأسلوب حياتنا في خطر) وهذا يقوله كافر غربي ومن الدول الكبرى المسيطرة على العالم أجمع والتي تسمَّى بدول المركز، فما البال إذا كنَّا في ظل دول عربية تعدُّ من دول المركز والدول المتخلفة والعالم الثالث، وحسبنا أن نعلم أنَّ نسبة 70 ـ 80% من الأخبار والتقارير العالميَّة المبثوثة في أخبارنا ووسائل إعلامنا مستقاة من وكالات الأنباء الغربية، ومع هذا فإنَّ الكثير من وسائل إعلامنا حتَّى الإسلامية تتلقف هذه الأخبار أحياناً دون تثبت أو تبيُّن، ويمكننا حصر هذه الوسائل الإعلاميَّة وذكرها لمعرض التذكير والتنبيه على خطورتها في صياغة الأخبار التي تسيطر على العالم وتحتكر المعلومات بما يتناسب ومصالحها، وهي وكالة الأنباء الفرنسية (AFB)، وكالة الأنباء الانجليزية (رويترز)، وكالة الأنباء الأمريكية اسوشيتدبرس (AP)، وكالة الأنباء الأمريكية يونايتد برس انترناشيونال (UPI).
ومن الواجب علينا أن ندرك بأنَّ من يتربَّصون بنا الدوائر وعلى رأسهم بني صهيون يلحظون تأثير إعلامنا الإسلامي، ولهذا فإنَّهم يسعون جاهدين لمحاربته، وتقطيع أواصر الوشيجة والعلاقة بينه وبين الجمهور المسلم وخصوصا فئة الشباب منهم، ولا أدلَّ على ذلك من دراسة أعدتها جامعة تل أبيب ونشرت صحيفة "لوبون" الفرنسية مقتطفات منها، ذاكرة أنَّ ((هناك نموًا دينيًا وتربويًا للشباب المصري أصبح ظاهرا للعيان خلال الفترة الأخيرة، ما اعتبرته يشكل "خطرًا كبيرًا" على ما يسمَّى بـ: (إسرائيل).
وذكرت أن الشباب في الفترة العمرية ما بين 16 إلى 25 عامًا يكونون في مرحلة تكوين عقلي وتتسم عقولهم بالانفتاح ويتأثرون بالعاطفة، ومن هنا رأت الدراسة خطورة تأثرهم بالفضائيات الدينية التي استطاعت التأثير عليهم بشكل كبير.
وأوضحت أن تلك الفضائيات لعبت دورًا مؤثرًا في نفوس الشباب بدعوتها إياهم إلى التحلي بمكارم الأخلاق والعبادة والتقرب إلى دينهم وتصفح القرآن وتناول الآيات التي تتحدث عن اليهود وحياتهم وطبائعهم، وهو ما يعني زيادة العداء لإسرائيل الذي ربما يصل إلى حد العنف، وفق الدراسة.
ولفتت الدراسة إلى أن هناك عددًا من القنوات الإسلامية التي استطاعت جذب الشباب إليها وأهمها "الناس" و"المجد" و"الرسالة" و"اقرأ"، بالإضافة إلى اسطوانات دينية تباع بأسعار زهيدة ويتبادلها الشباب.
وقالت إن الشباب أقبل على هذه القنوات، لأن وعاظها تقربوا للشباب بعقولهم وتحدثوا لغتهم وارتدوا زيا معاصرا بعيدا عن الزي الإسلامي التقليدي، كما أصبحت لغة الخطاب الديني في تناول القضايا بها الكثير من المرونة.
وأوضحت الدراسة أن أكثر من 85 من الفتيات المصريات أصبحن يرتدين غطاء الرأس، و60% من الشباب يحمل في أمتعته القرآن وتتسم تصرفاتهم بقدر كبير من العقلانية والتروي بخلاف ما كان عليه الشباب قبل عشر سنوات حيث كان يظهر عليه التوحش الجنسي والإقدام على الخطايا وحب الذنوب.
وأوصت الدراسة، الشباب الإسرائيلي المستخدم لشبكة الإنترنت بأن يؤدي واجبه ويعمل ما يقدر عليه لإلهاء الشباب المصري عن حياته الجديدة الدينية، واقترحت قيام الفتيات والشواذ بإرسال صورهم وهم في أوضاع مخلة على الإنترنت وطلب التعارف والصداقة على مصريين شباب عسى أن يكون لهذا نتيجة "إيجابية")) ما بين القوسين نقلا عن جريدة المصريون الالكترونية.
أحببت أن أذكر هذا لأبين مدى خطورة ما تواجهه مؤسساتنا الإعلامية من مشكلات تواجهها، والدواعي التي تجعلنا ندرك مدى خطورة هذه العقبات والعراقيل التي تعترض سبيلها، أو التي تريد إيقاف عملها وإنتاجها.
• حقد الليبراليين والعلمانيين على المؤسسات الإعلامية الإسلامية.
ومحاولة تحجيمها وتجفيف منابعها المالية، ومن المعلوم أنَّ الدول العربية تمكَّنت من التوصل لما أطلق عليه اتفاقية البث الفضائي التي يمكن بموجبها محاصرة القنوات الفضائية الداعمة للمقاومة وينتظر أن يتم التوصل إلى ما يمكن به محاصرة المواقع الإلكترونية كذلك.
وفي قبالة ذلك نجد أخباراً قد ضخِّمت حتى تكون في واجهة الأخبار، أو محل الصدارة في التقارير الإخبارية، ومحاولة النيل من المؤسسات الإسلامية الإعلامية ورميها بالتطرف والإرهاب والرجعية.
بل وصل الحال لاستدعاء بعض الأنظمة العربية الحاكمة للاستدعاء لبعض الصحفيين وكبت حريتهم، فضلاً عن اعتقالهم وحبسهم ظلماً وعدوانا.
• سيطرة رؤوس الأموال المالكة للقنوات ومحاولة التدخل في شؤونها.
وخلق (إيجاد) كبت الحرية، وخنق الكلمة، أو التشكل بحسب النمطية التي يتسم بها الشخص المالك أو صاحب رأس المال، وذلك بسبب انعدام الاستقلالية في الموارد المالية والدخل المادي، فتكون بعض المؤسسات الإسلامية عرضة للمزايدات والتدخلات من أصحاب رؤوس الأموال، والتأثير عليها بإدخال نما لا يرضي الله تعالى، أو إعاقة مسيرتها الإعلامية الهادفة بأي شكل من الأشكال الملتوية، فإذا نشب خلاف أو اختلاف في الرؤى توقف الدعم المالي لهذه المؤسسة الإعلامية (فضائية كانت أو مجلة أو جريدة) فإمَّا أن تكون هذه المؤسسة سائرة في هوى الداعم المالي لها ، أن تتوقف عن الصدور، وكلا الأمرين أمر من المر!
هذه نبذ من الإشكالات والعقبات التي تواجه الإعلام الإسلامي، والتي نرجو أن تدرك هذه المؤسسات الإعلامية مدى خطورة هذه المشكلات في تعويق مسيرتها الإعلامية الهادفة، فضلاً عن الاستفادة من تجاربها السابقة، ويكون لها نظام عام يحكمها بشكل دقيق ومخطط له، وينظر للمستقبل بنظرة أوضح صورة وأجلى بصيرة.
• تساؤل مشروع:
هذه المشكلات التي عرضناها تحتاج لحلول واقعية بمجموعة عمليات تقوم بها المؤسسات الإعلامية مستخدمة المعلومات والمعارف التي سبق تعلمها، والمهارات التي اكتسبت في التغلب على أي موقف خطر بشكل جديد، وغير مألوف له في السيطرة عليه، والوصول إلى حل له.
فالمؤسسات الإسلامية الإعلامية حقيق بها أن تضع في حسبانها مراجعة ذاتها مرة بعد أخرى، وأن يخلص أصحابها نياتهم لله تعالى، وأن يكون عملهم مشروعاً ومتجدداً وتتجسَّد فيه حقيقة المهارة الإعلامية، والمعالجة المستدامة ، تجاه المشكلات التي تواجه الإعلام الإسلامي ومؤسساته.
ومع هذا فنحن لو عذرنا مؤسساتنا الإعلاميَّة على ما تعانيه من محاصرة وعقبات وعراقيل، إلاَّ أنَّ من حاول شيئاً وعالجه بالمجاهدة والصبر ووضع الحلول والخطط والطرق لمواجهة هذه العقبات فحتماًَ، سيكون هنالك شعور بالانتصار ...
إني رأيت وفي الأيـام تجربة *** للصبر عاقبة محمودة الأثــر
وقل من جد في أمر يُطالبـه *** واستصحبَ الصبر إلا فاز بالظفر
لعلي في مقال آخر وقادم أحاول تقديم بعض الحلول لهذه المشكلات التي تطرقنا إليها، ولغيرها ممَّا يواجه الإعلام الإسلامي، والموفق من وفَّقه الله تعالى، والله يأجر كل العاملين لهذا الدين، ويقينا وإياهم سبل الانحراف أو الانجراف عن سنن الهدى، ويوفقنا وإياهم ويهدينا لسبل التقى، والسلام.
صيد الفوائد
مشكلات في خط المواجهة !
خبَّاب بن مروان الحمد
بسم الله الرحمن الرحيم
يواجه الإعلام الإسلامي مشكلات خطيرة في طريق عمله الشاق في توعية العقول، وصياغة الأفكار، وأساليب البناء العقائدي والثقافي والحضاري للأمَّة المسلمة، ويمكن القول:إنََّ هذه المشاكل أو الإشكاليات أو المشكلات بعموم ألفاظها اللغوية الجائزة، ليست عامة على وجه الإطلاق في إعلامنا الإسلامي بل قد تكون هنالك مشاكل لدى بعض الوسائل الإعلامية المتاحة فتختلف هذه المشاكل من وسيلة إعلامية إلى غيرها من ضروب الإعلام باختلاف أنواعه.
والإعلام بعامة سلاح خطير للغاية، وقد سمَّاه كثير من أهل الشأن بالسلطة الرابعة، بل كان (هيغل) يقول معظِّماً لشأن الإعلام الصحيفة هي الصلاة العلمانية الصباحية للإنسان الحديث!)؛ وهو حديث شخص ملحد، إلاَّ أننا نلحظ أنَّ غالبية المسلمين يقومون في الصباح الباكر وبعد أداء صلاة الفجر؛ بمطالعة الصحف والجرائد، أو مشاهدة مواقع الإنترنت، أو متابعة القنوات الفضائيَّة لسماع الأخبار، والاهتمام بجديد اليوم من خلال هذه الوسائل الإعلامية.
ولأنَّ الإعلام فتح كبير في زمن العولمة؛ فإنَّ على روَّاده من المسلمين استغلاله للتأثير على الناس ومواجهة التحديات المعاصرة، وعليهم أن يستصحبوا معنى كلمةالإعلام الإسلامي) لكي يفلحوا وينجحوا، ولكي لا يكونوا عرضة للتنازلات والضغوط التي تهوي بهم إلى جرف هار!
وبما أنَّ الأصل في الإعلام الإسلامي أن يستقي جميع أموره وتعاليمه من الشرع الإسلامي، ومقاصد الشريعة، مع فقه الواقع الحياتي وخبرات الناس وتجاربهم بما لا يتناقض و ثوابت الإسلامي عقيدة وقيما؛ فإذا كان ذلك كذلك لزم صناعة بديل حيوي وفعَّال وإيجابي يجذب الأبصار لمشاهدته ومتابعته.
إنَّ من الممكن أن نقول من خلال متابعتنا للمسيرة الإعلامية للإعلام الإسلامي بأنّهَ يتطور يوماً بعد يوم، ويكتسب الخبرات، ولنتحدث على مستوى الفضائيات والإذاعات والصحف، فقبل ثلاث عقود من الزمان، كانت المجلات الإسلاميَّة تعد على الأصابع، وكذا الإذاعات الإسلاميَّة، وأمًّا الفضائيات فلم يكن هنالك إعلام فضائي إسلامي ملتزم ومحافظ!
ومع هذا كله فإنَّ مسيرة الإعلام الإسلامي محفوفة بالمخاطر، وأمامها عقبة كؤود، فالإعلام الإسلامي يمشي في طريق مؤلم وشاق مع تعرضه للمخاطر، لكن بجهود الصالحين، وعمل المخلصين من أبناء الأمَّة، وملازمة الرقي والإبداع وصناعة الأفكار الجميلة والرائعة يتحسن الحال، ويصلح الوضع وترتقي المنظومات الإعلاميَّة الإسلامية بكينونتها الفكريَّة.
لقد قال (بيل جيتس) رئيس شركة مايكروسوفت وأحد كبار المشتغلين بالتقنية في مجال الحاسب الآلي : (من يسيطر على الصورة، يسيطر على العقول)، وما دام أنَّ الإعلام الإسلامي يريد التأثير على العقول وجذب الناس إليه، فعليه أن يكون على مستوى التحديات التي تواجهه، ويصنع من الأزمة مخرجا، ومن الصعائب حلولاً.
لنضرب مثالاً واقعياً على ذلك فقد كشفت صحيفة(كريستيان ساينس مونيتور)الأمريكيَّة في مقال لكاتبها (هوارد لافرانشي) وذلك في يوم الخميس الموافق 6/8/1429هـ أنَّ إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش أغلقت ملف تحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكيَّة في الخارج) وبدأت في تبني سياسة جديدة تعتمد على إبراز صورة المسلمين في صورة "المتطرفين" كمحاولة من الإدارة لتبرير حروبها ضد المسلمين في العالم، مع استخدام ألفاظ أكثر تشدداً تجاه المسلمين وتصويرهم دائمًا في صورة "المتطرفين" كمحاولة من إدارة بوش لتبرير حروبها ضد المسلمين في العالم، وتقضي الخطة البديلة بالإعلاء من شأن محاربة ما يسمى بالتطرف الديني على حساب الحوار.
وبغض النظر عن صحَّة هذه الدعوى من عدمها، مع ميولي لصحتها؛ وذلك لأننا نرى تشديداً إعلامياً في محاربة الرموز الدينية والمقدسات الإسلاميَّة والمصطلحات الشرعيَّة الإسلامية من قبيل(الجهاد ـ الولاء والبراء ـ قوامة الرجال على النساء) وغيرها ، ولكنَّنا في حالة كهذه ينبغي أن نفترض أنَّه سيكون هنالك توجه إعلامي بناء على هذه الخطة بحرب إعلاميَّة كبيرة من المؤسسات الإعلامية الغربيَّة والمستغربة ضدَّ المسلمين علماء ومجاهدين ودعاة، وإبراز السقطات والأخطاء وما إلى ذلك، والمبتغى الأكيد تجاه هذه الحرب الإعلاميَّة الكبرى أن يكون هنالك خطَّة إعلاميَّة إسلاميَّة متبادلة بين المؤسسات الإعلامية لمواجهتها لأن تكون على مستوى التحدي والمواجهة، وإلاَّ فلنعزِ أنفسنا بضعف إمكانياتنا وهذا ما لا نتغيَّاه ولا نتوخاه من إعلام إسلامي صادق!
ينبغي أن ندرك في واقع الأمر أنَّ الإعلام فتنة وذلك لالتباس ما يعرض فيه بين الحق بالباطل، ولعلَّ تفسير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوارد في صحيح الإمام البخاري عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أنَّه قال: أَتَيْتُ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ اَلسَّاعَةِ، مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ، ثُمَّ مَوْتَانِ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ اَلْغَنَمِ، ثُمَّ اِسْتِفَاضَةُ اَلْمَالِ، حَتَّى يُعْطَى اَلرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ اَلْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي اَلْأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اِثْنَا عَشَرَ أَلْفًا).
فلعلَّ ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ( ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ اَلْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ) أن يكون تفسيرها : هذه الأقمار الصناعية التي تلتقط منها القنوات الفضائية جميع المحطات في العالم أجمع، وتنقل للناس في أصقاع الدنيا وأقطار المعمورة ما يحدث في كل مكان، وهي بحقيقتها تحمل الكثير من الشر وبعض الخير، فتكون فتنا للكثير من المسلمين، ولعلَّ ما يزيد ذلك ترجيحاً ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه : (7/482) بسند صحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قوله: ( ليوشكن أن يصب عليكم الشر من السماء حتى يبلغ الفيافي، قيل : وما الفيافي ؟ يا أبا عبد الله قال : ( الأرض القفر).
ولهذا قد نجد أناساً في البادية يعلمون عن أخبار أمم الشرق والغرب من خلال الأطباق اللاقطة للفضائيات والتي تجلب الخير والشر، فكان من اللازم لقادة العمل الإعلامي الإسلامي أن يحفظوا عقول وأذهان المسلمين من أن تلتقط أفكاراً مخالفة، ويحاولوا قدر الإمكان بث الأفكار الإسلامية ونشرها؛ لإعطاء الناس حصانة فكرية وشرعية لكل ما يخشى أن يتأثروا به من إعلام القنوات المخالفة وغير المحافظة والتي تبث الفتن بنوعيها إن كان ذلك من قبيل الشبهات أو الشهوات، ومن ضمن ما يمكن المناداة له لصناعة إعلام إسلامي قوي متين، أن تكون هنالك باقة خاصة للقنوات الإسلامية أو المحافظة على الأقل، لكي يكون فيها استبعاد للقنوات السيئة والرذيلة، ولكي يستطيع المشاهد العربي المسلم مشاهدتها دون تشفير لقنوات أخرى تعكر باله يفوق عددها عن ألف قناة.
ألا يمكن التحادث في هذا الشأن بهذه اللقاءات الدورية بين الإعلاميين الإسلاميين، ومحاولة إيجاد قمر يستقبل هذه القنوات فقط أو يكون خاصاً بها.
لقد قال أحد أعلام الفلسفة كن رجلاً ولا تتبع خطواتي) ونحن نقول للمؤسسات الإعلامية كوني على قدر المسؤولية وحاولي قدر الإمكان أن تسايري هذا العصر بروح التكامل والتوازن، وأدوات الجودة التي لا يمكن الاستغناء عنها في ظل ما يمكن أن نسميه صراع إعلامي) بين الحق والباطل.
هذا الإعلام الإسلامي يواجه الآن وسيواجه كذلك عدَّة عراقيل تضاده وعقابيل تحجزه أو تمنعه عن مواصلة سيره في دربه الذي اختطه ويعمل لأجله؛ ولأجل ذلك فقد أحصيت بعضاً من المشكلات التي تواجه القائمين على المؤسسات الإعلامية، لكي نعرفها على الأقل في البداية ونحصرها، حتى نفكر في الحلول المجدية التي يمكن تلافيها في المستقبل القريب أو الحد من هذه المشكلات التي تواجهنا، ولقد قال تشارلز ليزنج إنَّ المشكلة حين ندوِّن تفاصيلها نكون قد حصلنا على نصف حلِّها).
والمشاكل التي تواجه المؤسسات الإعلامية الإسلامية تنحصر في مشكلتين رئيستين وهما:
1) مشاكل داخلية.
2) مشاكل خارجية.
مشاكل داخلية تواجه المؤسسات الإعلامية الإسلامية
ومن تلك المشاكل الداخلية ما يلي ذكره:
• ضعف المنهج الإسلامي عند بعض العاملين في المؤسسات الإعلامية الإسلامية.
فهنالك مؤسسات إعلامية يقوم عليها إسلاميون، جعلوا هدفهم ونصب أعينهم ـ كما يقولون ـ الانطلاق من ثوابت الإسلام وعقيدته، ولكنَّ النظرية لا تغني عن التطبيق، والقول لا ينفع دون الفعل، والكلمة المزخرفة لا تقنع العاقل ما دام أنَّها لم تظهر عبر منهج فعلي سلوكي.
فنشاهد مجازفات ومخالفات واضحة في خط بعض المؤسسات الإعلامية الإسلامية ، من ظهور شخصيات لا تمت للمنهج الإسلامي بصلة؛ مع إعطائهم هالة إعلاميَّة لا يستحقونها، والأنكى من ذلك أن يطلق عليهم مفكرون إسلاميون، وهم إلى الليبرالية ومنهجها أقرب منهم إلى الإسلام وشرعته، ويحاولون أن يبثوا سماً وفتنا وشبهات في آذان المستمعين!!
كما نجد ظهور النساء سافرات متبرجات كاشفات عن شعورهنَّ وشيء من جسدهنَّ، ويظهرن في مقابلات فضائيَّة عبر القنوات الإسلامية، وبصورهنَّ في بعض الجرائد والمجلات الإسلاميَّة، أو عن نساء متحجبات ولكن حجاب آخر موضة أو تقليعة من الألوان الزاهية المثيرة، والمكياج والكحل، وأنوع الزينة، وكل هذا داخل في باب الحرمة الشرعية.
وفي مجال الإعلانات والدعايات من الانحراف عن المنهج الإسلامي وعرض ما لا يجوز، ومن الكذب والمبالغة في تسويق بعض المنتجات عبر هذه (المؤسسات الإعلامية).
ونجد المبالغة الشديدة في استخدام المعازف المحرَّمة، وأدوات الطرب، التي لا يجوز استخدامها في غير الإعلام فما بالنا بالإعلام القائم على النشر والتسويق.
زد على ذلك؛ القيام باستفتاءات لجمهور من الطلبة والطالبات المتبرجات وجلوسهم مع بعضهم البعض بشكل مختلط، وسؤالهم عن قضايا شرعيَّة لا يحق أصلا الاستفتاء فيها وأخذ رأي الشباب والفتيات فيها مع قصور علمهم، وضعف التوجه الإسلامي لديهم.
كذلك نلحظ ضعف ارتباط بعض المؤسسات الإعلامية بأهل العلم الثقات الربانيين بتكوين هيئات شرعيَّة تشرف على مثل هذه المؤسسات الإعلامية أكان ذلك فضائية أو مجلَّة وما نحا نحوها، وذلك ما يسبِّب سيطرة رؤوس الإعلام على العمل الإعلامي الإسلامي والدخول ببعض الأفكار الغريبة أو الممارسات المستغربة لأن تظهر في قنوات أو مجلات إسلاميَّة!
• ضمور الطاقات الإدارية الفعَّالة والفاعلة في إدارة المؤسسات الإعلامية.
نجد في كثير من الأحيان أنَّ العمل في بعض هذه المؤسسات الإعلاميَّة، تحت إدارة بعض المشايخ الثقات، ولكنَّ بضاعتهم في علوم الإدارة والتخطيط للمشاريع مزجاة وضعيفة، فضلاً عن العمل في كثير من الأحيان بروح الفوضويَّة والتكاسل والتواكل، وقلَّة الخبرة مع اشتغال الوساطات والمحسوبيات في بعض الوظائف الإعلامية، والتي لا تحسن الإدارة في هذه المؤسسات، مع أنَّها تظن أنها تحسن صنعاً، ( وكم من مريد للخير لم يصبه)، بل نجد بعضهم حين يخفق في مشروع الإعلامي يدندن بالعبارة المشهورة علينا العمل دون النظر إلى النتائج) وهي عبارة تحتمل الصواب والخطأ وإنَّ كانت بنظري بحاجة لمراجعة فكرية إذ الدوغمائيَّة ـ كما يقولون ـ والعشوائَّية في بعض المشاريع الإسلامية تطفو على السطح الفكري، والأصل أن يكون التخطيط سليماً لكي يكون الوصول للهدف سليماً.
في بعض وسائل الإعلام الفضائيَّة ـ كمثال ـ نجد مقدِّم البرنامج أقرب إلى الروح الخطابيَّة منه إلى الروح الإعلاميَّة التي تستخدم جميع أدوات التأثير الإعلامي على عقل المشاهد، وأظن أنَّ قلَّة قليلة منهم من تخرجت في مدرسة إعلاميَّة وقامت على نفسها بالممارسة المستدامة حتَّى تبلغ الدرجة المرجوَّة من القبول الإعلامي في التقديم للبرامج.
• العنصرية والحزبية المقيتة.
ما أسوأ العنصرية والحزبية الضيقة التي تكرِّس المفهوم القاضي بالقول من لم يكن معنا فهو ضدنا)، فلو وَجَدَت بعض المؤسسات الإعلامية شخصا يحمل منهجاً إسلامياً نقياً وخبرة إعلامية واعية ، لكنَّه اختلف معهم في بعض التصورات والمفاهيم، فبدلاً من أن يبقوه معهم ويكتسبوا شيئاً من خبراته، أو يحصل بينهم وبينه نوع من الحديث التفاعلي مع مطارحة الآراء سواء أثَّر فيهم أو أثَّروا فيه، لكان في ذلك نفع للجميع، وليتهم يأخذون بمبدأ الشورى وعرض ذلك من خلال هيئة معلوم عنها النزاهة والحياديَّة مع الأخذ بالحق والموضوعية، ولو أنَّهم فعلوا لكان في ذلك الخير والنفع ولكن هكذا يحصل من بعض المؤسسات الإعلامية (الإسلامية) الحزبية والمتعصِّبة لحزبها في الوقت نفسه!
ولست أقصد بالحزب هنا هي مجموعة الأحزاب الإسلامية، فهذا جزء منها، ولكن من الأحزاب ما لا يعدوا أنفسهم حزباً وهم حزبيون أشد من بعض الأحزاب، وكذلك ما نجده لدى بعض العاملين في الحقل الإعلامي الإسلامي من تقديم الجنسيات التي نشأت في تلك الدولة تلك المؤسسة الإعلامية، وتقديم من يكون من جنسية تلك البلدة على أهل الخبرات والمهارات والطاقات التي تكون لدى آخرين، لأنَّ الداعم لهذه القناة أو تلك محسوب على جنسيَّة محددة، ولهذا فسيكون غالب العاملين من تلك الجنسية وأكثر المستضافين من تلك الجنسية، ولا شكَّ أنَّ هذا يضر بالعمل الإسلامي العام.
• سطحيَّة التفكير الاستراتيجي.
الإعلام الإسلامي بحاجة ماسة إلى من يضع الأهداف ويرسم الحلول ويهدف لذكر البدائل المتاحة في حالة وقوع أية معضلة تحل بهذه المؤسسة الإعلامية.
(البارادايم) والمقصود به: صناعة المنظور الشامل لدى هذه الوسيلة الإعلامية الإسلامية، والتي تطمح للارتقاء والنمو زمنا بعد زمن، أراه غائباً لدى بعض المؤسسات الإعلامية الإسلامية، فكم من قناة ظهرت خلال خمس سنوات أخيرة، ثم اختفت فجأة دون ذكر أسماء لهذه القنوات، والتي كانت تهدف إلى البقاء والاستمرار، ولكن ضعف البنية الاستراتيجية، واستراتيجية الإدراك للحراك ـ كما يقوله الدكتور جاسم سلطان في كتبه؛ كل هذا أدَّى إلى السطحيَّة في التعامل مع هذه الأشياء بروح التوازن والتكامل والتخطيط القويم.
ولهذا فما أن تحيق بهذه المؤسسة أو تدور عليها دائرة، فما أسهل أن تراها أعلنت وقفها أو إغلاقها بحجة ضعف الدعم المالي، أو حصول خلافات في المؤسسة، وما شابه ذلك، والمشكلة الأكبر أن نرى تكرر مثل هذه الأحداث فينة بعد أخرى، دون استفادة من تجارب الآخرين، و(التجربة فيها موعظة) كما يقول الصحابي الجليل علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وهذه القرارات المتسرعة هي في الحقيقة معضلة تحتاج لقرار صائب في المعالجة والتقويم.
ومن خلال عدَّة تجارب إعلاميَّة من هذا القبيل ، ندرك أنَّ بعض هذه المواقع والمؤسسات الإعلامية كانت نتيجة حديث أخوي ، ما لبث أن أطلق سريعاً في عصر السرعة ، دون سابق تفكير منهجي وتأملي لمسار هذا الموقع ، والخطط الجارية عليه حين الإطلاق ، ولذا فلم يبقَ طويلاً لأنه أطلق سريعاً ، وأغلق بعدها سريعاً ، ومن هنا يقول أحد المفكرين : (لدينا أفكار كثيرة لا تجد سبيلها إلى التطبيق، وأعمال كثيرة لم تسبق بأي تفكير).
• العرض في الظروف الطارئة.
بعض وسائل الإعلام تتناول الحديث عن المقدسات الإسلامية في وقت الأزمات وهذا حسن، لكن أن نمضي قدماً لصناعة برامج خاصة في هذا الإطار وحول هذه الدائرة المهمة، فإنَّ هنالك تقصير واضح حول هذه الأحداث.
ولنتحدث حول أزمات سياسية تمر بالأمة فإعلامنا الإسلامي كثيراً ما يغفل عن الحديث حول وضع المسلمين في الشيشان ومستقبل القضية القوقازية، وقضية كشمير والاتفاقيات التي تجري من مدة وأخرى حيالها وقلَّما تشير إليها الأضواء، فنرى أنَّ وسائل إعلامنا الإسلامية مقصرة في الإشارة لها، فلا تعرض الحديث عن ذلك إلا في وقت الطوارئ، وساعة الأزمات، وهذا أمر معلوم لدى الكثير من رواد الإعلام ومؤسسيه، ولكنهم لا زالوا يراوحون مكانهم بهذا الخصوص إلا لماما!!
ولا أنسى حينما استدعت المملكة العربية السعودية سفيرها في الدنمارك، حيث قالت رئيسة حزب الائتلاف مع الحزب الحاكم الدنماركي اتركوه فإنَّه سيعود بعد أسبوع ... هكذا شأن العرب!!) وأذكر بعدها حين نطقت هذه المجرمة بهذه الكلمة، حيث سمعها وعلم بها الكثير من المسلمين، فحفَّزتهم في إشعال جذوة الوقود في الدفاع عن رسول البشرية عليه الصلاة والسلام، وحرَّكتهم في الذب عنه صلى الله عليه وسلم أكثر فأكثر.
المهم أن يكون هنالك عرض للقضايا الإسلاميةَّ عموما، وأن يكون هنالك صحفيون أشبه بالباحثين عن الحقائق المختفية، لكي يقدموا برامج ذات انتشار وصيت ومفعمة بروح التجديد والنشاط والمعرفة المستمرة.
• ضعف الاختراق الإعلامي لغير المسلمين.
ندرك أنَّ الحديث حول هذا يحتاج لجهود كبيرة لكي تكون هنالك وسائل إعلاميَّة إسلامية هادفة تصل لغير المسلمين، وتؤثر في مستوى تفكيرهم وطبيعة نظرتهم للعالم الإسلامي، ولا أشك أنَّ الإعلاميين الإسلاميين يدركون مدى ضرورة الخبرة بإعلام الآخرين ووسائلهم الخبيثة للغزو الفكري، والسطو على العقول، والاختراق القيمي والثقافي للأمة المسلمة.
لقد تحدث الباحث الإعلامي الأمريكي(هربرت شيلر) في كتابه وسائل الإعلام والامبراطورية الأمريكية) كما نقله عنه الدكتور عبد القادر طاش ـ رحمه الله ـ في كتابه الإعلام وقضايا الواقع الإسلامي،ص15) حيث قال:"إن صنّاع القرار السياسي الغربيين انشغلوا بالبحث عن بدائل تضمن استمرار السيطرة الغربية- وعلى وجه التحديد الأمريكية- على الأوضاع الثقافية والاقتصادية الدولية، فاستقر رأيهم على التكنولوجيا كبديل.
وتتضمن هذه التكنولوجيا شبكات الكمبيوتر، ونظم الأقمار الصناعية.
وتقوم هذه الشبكات ببث كميات هائلة من الأخبار والمعلومات عبر دوائر عابرة للحدود القومية، وأكثر من ذلك فإنها سوف تصبـح في منأى عن الرقابة المحلية، ولذلك فإن هذا التوسع في الاستخدام العالمي للمعلومات بواسطة البث الالكتروني وشبكات بنوك المعلومات سوف تكون له آثاره الخطيرة على الثقافات القومية في الأعوام القادمة"
بالطبع! العالم الغربي لديه اتجاهات واضحة تجاه وسائل الإعلام، لاستغلالها لصالح فكرهم وأغراضهم الاستراتيجية، وكثيراً ما تحدَّث المفكرون الإسلاميون عن ذلك، وعن تلكم الخطط الاستراتيجية التي يسعى لها الغرب في واقع العالم العربي والإسلامي.
كثرة لومنا للغربيين المعتدين على حرمات الإسلام، وتبيان مآربهم لا يكفينا في نصرة العقيدة الإسلامية والمشروع الإسلامي، ولا يعذرنا أمام الله تعالى، وكثيراً ما أتذكر الكلمة التي طالما تراودني حين أرى مواقف الكفرة المعتدين وعدوانهم تجاه الواقع الإسلامي، حيث قال الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله حيث قال لا تقل كيف حضر إبليس ولكن قل كيف غاب القديس).
إنَّ المشاريع الإبليسيَّة والمخططات الغربية أو الشرقية المعادية للإسلام، تحتاج لخطوات ثابتة ومخطَّط لها من قبل المدافعين عن الإسلام عقيدة ومنهج حياة.
ولا راد لتلك الخطط الغربية في محاولة الاستلاب الثقافي والعقائدي للأمة المسلمة؛ إلا بصناعة إعلامي إسلامي بديل يصل لجميع الكفرة أو المعرضين عن الإسلام لعلَّ هداية من الله تعالى تنالهم؛ لأنَّهم يعلمون أنَّه لو ظهرت الحقائق الإسلامية الناصعة ، على مرأى من هذا العالم ، لشهدوا للمسلمين بأنَّهم الأمَّة الحقَّة والخيرة من دون الأمم ، لكنَّ التعتيم على الحقيقة، والغزو الإعلامي للأمة المسلمة يذكِّرني كثيراً ، بالأساليب العمليَّة التي يستخدمها الطغاة والكفرة بالتحذير من سماع منطق الحق والقوَّة بقصَّة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ حيث كان كفَّار قريش يغبِّشون عليه الحقائق، ويخفونها عليه، بعدَّة قوالب وأساليب ، ولنتأمَّل ما قاله الطفيل قبل إسلامه فوالله ما زالوا بي يقصُّون عليَّ من غرائب أخباره و يخوِّفونني على نفسي وقومي بعجائب أفعاله ، حتى أجمعتُ أمري على أن ألا أقترب منه وألا أكلمه أو أسمع منه شيئاً ، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفَاً فَرَقَاً من أن يبلغني شيء من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه) كما في كتاب الروض الأنف للسهيلي.
وفيه هذا أبلغ دلاله على ما لدى أهل الكفر والزندقة، من محاولة لتضليل شعوبهم، ولي أعناقهم وصرفهم عن حقائق الدين الإسلامي، وإذكاء جذوة العداوة في قلوبهم للكيد للإسلام وأهله.
• ضمور جانب التخصص النوعي في الخطاب الإعلامي الإسلامي.
نجد كثيراً من المؤسسات الإعلامية تخاطب جميع الشرائح بشتَّى أنواعها وهذا حسن بحد ذاته، ولكن أن تقتصر هذه المؤسسات على مخاطبة شتَّى الشرائح والتخصصات، دون تقديم شيء تخصصي فإنَّه نوع من القصور، فالوسائل الإعلامية الإسلامية بحاجة لتنمية خططها ومحاولة تجديد الخطاب النوعي، ومن خير ما نجده الآن تلك المواقع التي تتخصص في (الإعلام المقاوم، التربية الأسرية، شؤون المرأة) وما إلى ذلك، فتنمية العمل الإعلامي بشكل متخصص يفيد العمق في المعالجة، واتضاح الرؤية، وتصحيح أي خلل قد ينحرف عن مسار الهدف الذي تصبو إليه تلك المؤسسات الإعلامية.
التخصص ينبغي ألاَّ يسبِّب تحيزا كاملاً له وعدم معالجة بعض الأمور الهامة على مستوى الوضع العالمي الإسلامي، فمن الضروري بمكان أن تكون هنالك قواسم مشتركة بين أيَّة جهة إعلاميَّة، فيما لو حصل أي أمر طارئ فتتقدم هذه المؤسسات الإعلامية وتنطق بأهميَّة ما جرى، ومن الوقفات الخيِّرة التي رأيتها قد اندمجت في مؤسساتنا الإسلامية بشكل طويل ولا زال إلى الآن ، الهجمة الصهيونية على غزة، فقد وجدنا نوعاً من التلاحم والتراص في كشف حقيقة الأمة اليهودية الكافرة، والهمجية الوحشية ضد أهل العزة والجهاد في غزة الصمود، وهذا وإن كان ليس قائماً على تنسيق فعَّال، إلاَّ أننا وجدنا كيف أنَّه قد آتي ثماره يانعة خصبة في التأثير على الأمَّة المسلمة، وكذلك حينما قام أهل الكفر والإلحاد في الدنمارك بنشر الرسوم المسيئة لشخص رسولنا وحبيبنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فقامت تلك المحطات الإعلاميَّة قومتها والكل أدلى بدلوه مدافعاً وذاباً عن رسولنا صلى الله عليه وسلم.
صحيح أنَّ اليقظة الدفاعيَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن منظَّمة أو مخطط لها، وهذه مشكلة بحدِّ ذاتها، ولكن يا حبذا لو كان هنالك منظومة تجمع هذه المؤسسات الإعلاميَّة الإسلاميَّة والمحافظة في إطار واحد ليكون هنالك قواسم مشتركة تهم الجميع للحديث عنها، وحينها يمكن لكل جهة أن تتحدَّث فيها بكل جرأة وقوة، ومن هذه الموضوعات( المسجد الأقصى، الحرب على رموز الإسلام وثوابته وشرائعه، حماية الأخلاق، وحدة الأمة المسلمة، حرمات المسلمين في فلسطين والعراق والشيشان) فهذه أمور مقدَّسة لدى المسلمين، فحبذا لو كانت هنالك قواسم مشتركة تخدم هذا الدين عبر مؤسساتنا الإعلامية الضخمة.
• ندرة عقد اللقاءات الدورية بين المؤسسات والوسائل الإعلامية .
يد الله مع الجماعة، والأمر بالتعاون على البر والتقوى جاءت به نصوص الشريعة، وكلما اشتدت الأيادي تماسكاً والصفوف تراصاً ؛ قويت المسيرة، لكنَّ من النادر أن نجد عقد اللقاءات الدورية النافعة بين المؤسسات الإعلامية بكافة أشكالها وألوان الطيف فيها، للإفادة والاستفادة، ولا أقل من أن يكون هنالك مؤتمر سنوي تجتمع فيه جميع القوى الإعلامية الإسلامية، لتتباحث في شؤون أمتها وما يمكنها أن تقدمه من خدمات لها وبرامج مفيدة لها، وعقد ندوات التقويم والمراجعة والنقد الإيجابي الذي يدفعها للاستفادة من كل التجارب الممتازة وتطويرها، وتحاشي التجارب السيئة والبعد عنها.
ومن خير ما رأيته مناسباً في ذلك قيام (رابطة الصحافة الإسلاميَّة) التي جمعت أكثر من مجلة وصحيفة وجريدة وأقامت مؤتمراً وندوة بثَّت جزءاً كبيراً منها قناة الجزيرة مباشر، ولها إسهاماتها الجيدة والطيبة، لكنَّها لا زالت ضعيفة في رأيي إلى الآن، ولعلَّ ذلك بسبب بداية العمل والانطلاق فيه فلا زالت هذه الرابطة في طور التأسيس والتقويم، وأتمنَّى أن تبقى متوهجة في العمل والنشاط التنظيمي والعملي.
• كثرة الاستهلاك والإنتاج المكرر.
إعلامنا العربي الإسلامي في الغالب منه يميل للتطرق إلى الجوانب الوعظيَّة فحسب، أو الجوانب العلميَّة الشرعيَّة، وكل هذا حسن جميل، لكنَّه يستهلك نفسه، بالشكل الممل والمخل، فلا تجديد ولا إبداع، ولا طريقة جديدة للعرض الذي يغري المرء بالمتابعة.
قليلاً ما نجد في إعلامنا جوانب الإبداع والابتكار في الطرق والأساليب التي تعرض الأفكار، من خلال (مسلسلات هادفة إسلامية ومنضبطة بأصول الشرع) ومن قبيل الأفلام الوثائقية التسجيليَّة) ومن مثل عرض القصص المصورة بدراما ممنهجة ومثيرة) ترسخ الفكرة في الأذهان أكثر من الكلام فقط.
نحتاج إلى الكثير من ذلك لكي يكون إعلامنا الإسلامي سبَّاقا ومتجددا بأفكاره.
مشاكل خارجية تواجه المؤسسات الإعلامية الإسلامية
هنالك مشاكل خارجية كذلك تواجه الإعلام الإسلامي، ويمكن إجمالها بالشكل التالي:
• تراجع الاستقلاليَّة الفكريَّة وسيطرة الحكومات) على بعض المؤسسات الإعلامية.
بعض المؤسسات الإعلامية الإسلامية تستطيع أن تقول إنَّها المؤسسة أو القناة الخفيَّة التي تدعم ذلك النظام الحاكم العربي، وتسوغ بعض أفعاله الخاطئة أو المنحرفة، وذلك بسبب مسارعة بعض العاملين فيها بإرضاء هوى الحاكم الفلاني أو تحاشي ضرره للقناة، أو شراء بعض الحكومات لذمم بعض العاملين في تلك المؤسسات لكي تتحدث بالروح الإسلامية التسويغية لتحركات ذلك النظام.
كما أنَّا نجد أنَّ هنالك قنوات فضائية إسلامية كان لها دور جيد في كشف بعض الحقائق وإماطة اللثام في تصحيح بعض المفاهيم، وتعرية التصورات الفاسدة، وتكون قلباً وقالباً نبضاً لقلب هذه الأمة المحترق على وضعها العقائدي والسياسي، ما أدَّى لأن تأتي بعض الحكومات وتأمر بإغلاق هذه القنوات الفضائيَّة ومحاربتها باسم مكافحة الإرهاب)!
• الهجمة الشرسة الإعلامية الغربية على الإعلام الإسلامي.
الإعلام الإسلامي من مواقع الإنترنت أو قنوات فضائية وغيرها، يعاني بشتَّى مؤسساته هجمة شرسة من المؤسسات الإعلامية الغربية والمستغربة÷ هذا أمر لا محيد عن ذكره ...
لكن هنالك نقطة جوهريَّة، وهي أنَّ الإعلام الإسلامي عليه رقابة شديدة تحاول قدر الإمكان أن تصده وتمنعه وتحجزه عن أي عمل يقوم على التكتل والوحدة، حتى لا تتفاعل مع قضايا الجماهير، بل هنالك احتكار واضح واستعمار(استخراب فكري) في شتَّى الوسائل الإعلاميَّة الإسلامية للتضييق عليها، وإذا كان الأمر قد وصل إلى أن يقول وزير العدل الفرنسي (Jack tobon) إنَّ الإنترنت بالوضع الحالي شكل جديد من أشكال الاستعمار، وإذا لم نتحرك فأسلوب حياتنا في خطر) وهذا يقوله كافر غربي ومن الدول الكبرى المسيطرة على العالم أجمع والتي تسمَّى بدول المركز، فما البال إذا كنَّا في ظل دول عربية تعدُّ من دول المركز والدول المتخلفة والعالم الثالث، وحسبنا أن نعلم أنَّ نسبة 70 ـ 80% من الأخبار والتقارير العالميَّة المبثوثة في أخبارنا ووسائل إعلامنا مستقاة من وكالات الأنباء الغربية، ومع هذا فإنَّ الكثير من وسائل إعلامنا حتَّى الإسلامية تتلقف هذه الأخبار أحياناً دون تثبت أو تبيُّن، ويمكننا حصر هذه الوسائل الإعلاميَّة وذكرها لمعرض التذكير والتنبيه على خطورتها في صياغة الأخبار التي تسيطر على العالم وتحتكر المعلومات بما يتناسب ومصالحها، وهي وكالة الأنباء الفرنسية (AFB)، وكالة الأنباء الانجليزية (رويترز)، وكالة الأنباء الأمريكية اسوشيتدبرس (AP)، وكالة الأنباء الأمريكية يونايتد برس انترناشيونال (UPI).
ومن الواجب علينا أن ندرك بأنَّ من يتربَّصون بنا الدوائر وعلى رأسهم بني صهيون يلحظون تأثير إعلامنا الإسلامي، ولهذا فإنَّهم يسعون جاهدين لمحاربته، وتقطيع أواصر الوشيجة والعلاقة بينه وبين الجمهور المسلم وخصوصا فئة الشباب منهم، ولا أدلَّ على ذلك من دراسة أعدتها جامعة تل أبيب ونشرت صحيفة "لوبون" الفرنسية مقتطفات منها، ذاكرة أنَّ ((هناك نموًا دينيًا وتربويًا للشباب المصري أصبح ظاهرا للعيان خلال الفترة الأخيرة، ما اعتبرته يشكل "خطرًا كبيرًا" على ما يسمَّى بـ: (إسرائيل).
وذكرت أن الشباب في الفترة العمرية ما بين 16 إلى 25 عامًا يكونون في مرحلة تكوين عقلي وتتسم عقولهم بالانفتاح ويتأثرون بالعاطفة، ومن هنا رأت الدراسة خطورة تأثرهم بالفضائيات الدينية التي استطاعت التأثير عليهم بشكل كبير.
وأوضحت أن تلك الفضائيات لعبت دورًا مؤثرًا في نفوس الشباب بدعوتها إياهم إلى التحلي بمكارم الأخلاق والعبادة والتقرب إلى دينهم وتصفح القرآن وتناول الآيات التي تتحدث عن اليهود وحياتهم وطبائعهم، وهو ما يعني زيادة العداء لإسرائيل الذي ربما يصل إلى حد العنف، وفق الدراسة.
ولفتت الدراسة إلى أن هناك عددًا من القنوات الإسلامية التي استطاعت جذب الشباب إليها وأهمها "الناس" و"المجد" و"الرسالة" و"اقرأ"، بالإضافة إلى اسطوانات دينية تباع بأسعار زهيدة ويتبادلها الشباب.
وقالت إن الشباب أقبل على هذه القنوات، لأن وعاظها تقربوا للشباب بعقولهم وتحدثوا لغتهم وارتدوا زيا معاصرا بعيدا عن الزي الإسلامي التقليدي، كما أصبحت لغة الخطاب الديني في تناول القضايا بها الكثير من المرونة.
وأوضحت الدراسة أن أكثر من 85 من الفتيات المصريات أصبحن يرتدين غطاء الرأس، و60% من الشباب يحمل في أمتعته القرآن وتتسم تصرفاتهم بقدر كبير من العقلانية والتروي بخلاف ما كان عليه الشباب قبل عشر سنوات حيث كان يظهر عليه التوحش الجنسي والإقدام على الخطايا وحب الذنوب.
وأوصت الدراسة، الشباب الإسرائيلي المستخدم لشبكة الإنترنت بأن يؤدي واجبه ويعمل ما يقدر عليه لإلهاء الشباب المصري عن حياته الجديدة الدينية، واقترحت قيام الفتيات والشواذ بإرسال صورهم وهم في أوضاع مخلة على الإنترنت وطلب التعارف والصداقة على مصريين شباب عسى أن يكون لهذا نتيجة "إيجابية")) ما بين القوسين نقلا عن جريدة المصريون الالكترونية.
أحببت أن أذكر هذا لأبين مدى خطورة ما تواجهه مؤسساتنا الإعلامية من مشكلات تواجهها، والدواعي التي تجعلنا ندرك مدى خطورة هذه العقبات والعراقيل التي تعترض سبيلها، أو التي تريد إيقاف عملها وإنتاجها.
• حقد الليبراليين والعلمانيين على المؤسسات الإعلامية الإسلامية.
ومحاولة تحجيمها وتجفيف منابعها المالية، ومن المعلوم أنَّ الدول العربية تمكَّنت من التوصل لما أطلق عليه اتفاقية البث الفضائي التي يمكن بموجبها محاصرة القنوات الفضائية الداعمة للمقاومة وينتظر أن يتم التوصل إلى ما يمكن به محاصرة المواقع الإلكترونية كذلك.
وفي قبالة ذلك نجد أخباراً قد ضخِّمت حتى تكون في واجهة الأخبار، أو محل الصدارة في التقارير الإخبارية، ومحاولة النيل من المؤسسات الإسلامية الإعلامية ورميها بالتطرف والإرهاب والرجعية.
بل وصل الحال لاستدعاء بعض الأنظمة العربية الحاكمة للاستدعاء لبعض الصحفيين وكبت حريتهم، فضلاً عن اعتقالهم وحبسهم ظلماً وعدوانا.
• سيطرة رؤوس الأموال المالكة للقنوات ومحاولة التدخل في شؤونها.
وخلق (إيجاد) كبت الحرية، وخنق الكلمة، أو التشكل بحسب النمطية التي يتسم بها الشخص المالك أو صاحب رأس المال، وذلك بسبب انعدام الاستقلالية في الموارد المالية والدخل المادي، فتكون بعض المؤسسات الإسلامية عرضة للمزايدات والتدخلات من أصحاب رؤوس الأموال، والتأثير عليها بإدخال نما لا يرضي الله تعالى، أو إعاقة مسيرتها الإعلامية الهادفة بأي شكل من الأشكال الملتوية، فإذا نشب خلاف أو اختلاف في الرؤى توقف الدعم المالي لهذه المؤسسة الإعلامية (فضائية كانت أو مجلة أو جريدة) فإمَّا أن تكون هذه المؤسسة سائرة في هوى الداعم المالي لها ، أن تتوقف عن الصدور، وكلا الأمرين أمر من المر!
هذه نبذ من الإشكالات والعقبات التي تواجه الإعلام الإسلامي، والتي نرجو أن تدرك هذه المؤسسات الإعلامية مدى خطورة هذه المشكلات في تعويق مسيرتها الإعلامية الهادفة، فضلاً عن الاستفادة من تجاربها السابقة، ويكون لها نظام عام يحكمها بشكل دقيق ومخطط له، وينظر للمستقبل بنظرة أوضح صورة وأجلى بصيرة.
• تساؤل مشروع:
هذه المشكلات التي عرضناها تحتاج لحلول واقعية بمجموعة عمليات تقوم بها المؤسسات الإعلامية مستخدمة المعلومات والمعارف التي سبق تعلمها، والمهارات التي اكتسبت في التغلب على أي موقف خطر بشكل جديد، وغير مألوف له في السيطرة عليه، والوصول إلى حل له.
فالمؤسسات الإسلامية الإعلامية حقيق بها أن تضع في حسبانها مراجعة ذاتها مرة بعد أخرى، وأن يخلص أصحابها نياتهم لله تعالى، وأن يكون عملهم مشروعاً ومتجدداً وتتجسَّد فيه حقيقة المهارة الإعلامية، والمعالجة المستدامة ، تجاه المشكلات التي تواجه الإعلام الإسلامي ومؤسساته.
ومع هذا فنحن لو عذرنا مؤسساتنا الإعلاميَّة على ما تعانيه من محاصرة وعقبات وعراقيل، إلاَّ أنَّ من حاول شيئاً وعالجه بالمجاهدة والصبر ووضع الحلول والخطط والطرق لمواجهة هذه العقبات فحتماًَ، سيكون هنالك شعور بالانتصار ...
إني رأيت وفي الأيـام تجربة *** للصبر عاقبة محمودة الأثــر
وقل من جد في أمر يُطالبـه *** واستصحبَ الصبر إلا فاز بالظفر
لعلي في مقال آخر وقادم أحاول تقديم بعض الحلول لهذه المشكلات التي تطرقنا إليها، ولغيرها ممَّا يواجه الإعلام الإسلامي، والموفق من وفَّقه الله تعالى، والله يأجر كل العاملين لهذا الدين، ويقينا وإياهم سبل الانحراف أو الانجراف عن سنن الهدى، ويوفقنا وإياهم ويهدينا لسبل التقى، والسلام.
صيد الفوائد