همي الدعوه
20 Feb 2010, 03:18 AM
البلديات وإزالة التعديات .
السبت 20, فبراير 2010
الشيخ سليمان بن أحمد الدويش
لجينيات ـ الحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
ففي يوم من الأيام , قابلني أحد الرجال , فقال لي : يا أخي أبشرك , الشعب السعودي كله في الجنة , لأنه إما مُنْعَمٌ عليه شاكر , أو مبتلى صابر , ثم صافحني وهو يبتسم , وودعني قائلاً : نلقاك في الجنة ....
ما أجمل أن تقوم البلديات بالنظر في التعديات , وحماية الحقوق العامة , وتغليب جانب المصلحة العامة , على المصالح الشخصية , وأن تقوم بدور بارز وفاعل في تجنيب الناس المخاطر المحتملة , من منعهم من البناء في مجاري السيول , أو بطون الأودية , أو ماشابه ذلك .
ويزداد جمال هذا العمل , وتكتمل صورته حسناً , حين تقوم البلديات , أو الجهات المشكلة , بتعويض الناس عن حقوقهم الخاصة بأسرع وقت , وأيسر سبيل , دون تعريضهم لإجراءات قاتلة , تمتد إلى سنوات طويلة , يفقدون معها الأمل بعودة الحقوق .
كلنا نسمع أن بعض الضعفاء وقع ضحية للاستغلاليين , ضعيفي النفوس , وبائعي الضمائر , وأنه بعد أن أمضى مدة ليست يسيرة من عمره , وهو يسعى ويكدح , ليجمع من عرق جبينه , وعصارة جهده , بعد فضل الله وتوفيقه , ما يحقق به حلمه في امتلاك قطعة أرض , ينتظر بعدها لسنوات , حتى يتحقق حلمه الآخر , بوصول دوره في صندوق التنمية العقاري , ثم يتفاجأ هذا المسكين , أن ذلك المخطط , أو تلك القطعة , محلَّ إشكال كبير , ليس هو سببا فيه , بل هو ضحيته , وحطب ناره , في حين يذهب مصدر الإشكال بالمال والغلَّة , ويسهر الخلق حول مخططه المشبوه ويختصمون .
ومثل ذلك أقوام لايجدون ما يحققون به أحلامهم , فيعمدون إلى مواقع قد تملكوها بصور شتى , أو ورثوها ممن سبقهم , ولأنهم يعجزون عن مصارعة حمى غلاء العقار , وجشع التجار , فيؤثرون السكنى بطريقة ترى الجهات المعنية عدم صلاحيتها , وضرورة إزالتها .
وصور أخرى متعددة ومتنوعة , لكن ليس هذا مقام حصرها , ولا الوقوف على نماذجها , بل الحديث هنا عن حقوق الناس , المقابلة لما عليهم من واجبات , فكما أن البلديات تطالب بمنع التعدي على المصالح العامة والحقوق , فهي مطالبة بالوقت ذاته , أن تكون متحملة لمسؤوليتها , في توزيع المخططات والأراضي , وحماية الضعفاء , من ضعاف النفوس , وأن تقوم بتعويض من وقع ضحية مختلس نصاب , بما يوازي حقه الذي تلف عليه , لأن ذلك المختلس النصاب , لم يخدع هؤلاء الضعفاء , إلا بما بين يديه من مستندات من الجهات الحكومية , التي تعتبر البلدية واحد منها , إن لم تكون محور الارتكاز بينها .
نحن نسمع كثيرا , ويكفي أننا أمام مصطلح ( كيف وقد قيل ) , أن هناك منحاً لبعض المحظوظين , يتم تطبيقها على حقوق انتزعت من أصحابها , تحت ذريعة المرافق العامة , كالحدائق ونحوها , وهذا إن ثبت فهو جناية , أبلغ من تعديات الضعفاء , التي تتولى البلديات إزالتها للمصلحة العامة .
كما نسمع كثيراً عن تطبيق منح بعشرات الآلاف من الأمتار , وهذا صار أمراً شائعاً بين الناس , وهو يقودنا للسؤال : لماذا لاتعتمد تلك المواقع التي تم التطبيق عليها لأولئك المغلوب على أمرهم , الذين يحلمون بتحقق أحلامهم , تغليبا لجانب المصلحة العامة ؟ .
لن أكثر في الحديث عن هذه القضية , ولن أغوص في أعماقها , لأني أرى أن ما سأنتقل إليه لا يمكن تبريره بحال , وهو من التعدي المقيت , والإساء البالغة المتعمدة , والاستهانة بحقوق الناس , وهو أمر يتكرر , ولا يوجد له من يردعه , مع أن الأنظمة كلها تدينه نظرياً , وتخول المتضرر منه وبسببه كامل الحق في المقاضاة والتعويض , ولكن تلك الحقوق تضيع وراء حجاب الروتين المقيت , وتدفن في كثبان رمال التعقيدات , وتندثر تحت ركام المماطلات , مما يدفع صاحب الحق لأن يلوذ باحتساب الأجر , تحت قاعدة " مكره أخاك لابطل " , لأنه يعلم أن دونه ودون نيل حقه خرط القتاد .
لست متأكداً هل تتضمن عقود البلديات مع الشركات , التي تقوم بأعمال الحفر والصيانة والمشاريع , أنه لايغلق ملف ذلك المشروع , حتى يتضرر منه , أو يذهب ضحيته , أو يتلف بسببه , عدد كذا وكذا من المركبات والبشر !!! .
في الشارع الرئيس المجاور لمنزلي , شهدت حالتين , وهما مثال حيَّ , لواقع سيء , أرى أنه يتكرر في مئات الشوارع والأحياء , وأجزم أنه راح ضحيته مالايحصى من الأنفس والممتلكات .
كان الشارع الرئيسي المجاور لنا , ينعم بالأمان لفترة يسيرة , قبل أن تتحرك جحافل البلدية , عن طريق واحدة من الشركات , بأعمال الحفر , التي امتدت على طول الطريق , وتأخرت كثيراً , رغم انتهاء العمل فيها , مما أبقاها مكشوفة , يحوطها حاجز نايلوني متهالك , وفي جهة منه يوجد بعض الحواجز الحديدية , التي يحركها الهواء , مما جعلها سببا في اصطدام بعض السيارات ببعضها , طمعاً في تلافيها , أو هروبا منها , ناهيك عمن وقع في الحفريات المكشوفة , أو انقلبت به سيارته , وكأن ذلك جزء من العقد , بمعنى أنه لايتم ردم تلك الحفريات , إلا بعد إتلافها للأنفس والممتلكات !! .
والحالة الثانية كانت عندما تعرض أحد أنابيب الماء في نفس الشارع لكسر مفاجىء , فتمَّ إصلاح الخلل , وترك المكان بلا سفلتة , مما أدى إلى انقلاب عدد من السيارات , واصطدام بعضها ببعض .
قد تحتج البلدية بتداخل أعمال بعض القطاعات الحكومية معها , كالاتصالات , والكهرباء , والماء , وربما جهات أخرى , لكن هذا ليس عذراً , فالبلدية هي المسؤول الأول , ولها القدرة على مراقبة تلك الأعمال , والرفع عمَّا تراه مخالفاً للنظام , أو مضرَّا بالناس , لكن كيف لها أن تفعل ذلك , ونحن معها كالمستجير من الرمضاء بالنار .
مما صار مألوفاً عندنا , وربما أصبحنا نحتكره في هذه البلاد , وله عندنا علامة الجودة والتميُّز , تداخل الأعمال وفوضويتها , فالبلدية تقوم بسفلتة الشارع مثلاً , ثم إذا شارفت على الانتهاء منه , وإذْ بشركة الكهرباء قد بدأت بنقل معداتها , والبدء في الحفر من جديد , حتى إذا استوى عملها على سوقه , وإذْ بشركة المياه وقد رفعت رايتها , وأعقدت عزمها , فلما بلغ سعيها أشدَّه , ووصل ذروته وحدَّه , شمَّرت شركة الاتصالات عن سواعدها الفتية , ومواهبها الفنية , فيكون حال ذلك الشارع , كحال التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً , وهذا تتحمل ما ينتج عنه البلدية , لأنه يجب عليها قبل اعتماد أي مخطط , أن تخاطب الجهات ذات العلاقة بإنشاء البنية التحتية له , وإلا فإننا لن نجني من فوضويتنا هذه إلا هدر الأموال , وضياع الحقوق , إلا إن كان ذلك مقصودا , لنفع بعض شركات المقاولات , من ذوي النفوذ , والدخل غير المحدود , فهنا والحالة هذه , فمالنا إلا أن نُكبر على الإصلاح والأمانة حتى نموت .
السؤال الذي يتكرر على ألسنتنا دائماً , وينتهي بصمت محرق , من يتحمل تجاوزات الشركات المنفذة للمشاريع ؟ , ومن يتولى عقابها ؟ , وماحجم الرقابة عليها ؟ , وهل تتذكرون أنه تمَّ الإعلان عنن معاقبة شركة من الشركات , لتفريطها في وسائل السلام ؟ , ومن المسؤول عن ذلك كله ؟ , وإلى من يتجه المتضرر من جراء الإهمال المتعمد ؟ , وعلى افتراض وجود الجهة التي تنظر في شكواه , فهل سيكون هناك إجراءات حاسمة ؟ , أم سيقال للمقاول : أبشر بطول سلامة يامربع ؟ , وهل سيتم إنصاف المظلوم من الظالم ؟ , أم سيموت المظلوم , وينتقل حقه للورثة , ومنهم إلى ورثتهم ؟ .
إن كان الأمر سيظل كذلك , وستنتهي شكاية المتضرر إلى أن تزهق نفسه حسرات , فلماذا لاتلزم البلدية شركات المقاولات , وضع لافتة " ولو جبر خاطر " , بعد كل كارثة يتسببون بها , وتتضمن عبارة ( معوضين ) , على أقل الأحوال لنشعر أن هناك من يُحس بإحساسنا , ولو كنا نعلم أنه كاذب , لكن على قاعدة " مالايدرك كله لايترك جله " .
قبل فراغي من كتابة مقالي هذا , أذِّن لصلاة العصر , وتوجهت لجامع الراجحي بالرياض , وتفاجأت بعدد لافت , من سيارات البلدية , وعلمت فيما بعد , أن ذلك لملاحقة الباعة المتجولين , الذين يستهويهم جموع المصلين في ذلك الجامع .
لست معترضاً على عمل تلك الفرق , ولن أتطرق له , ولن أخوض في آثاره وثماره , وسأكتفي بترداد العبارة الشهيرة " الشيوخ أبخص " , لكني أعتقد أنه من حقي أن أسأل : هل مخالفة هؤلاء في البيع أشد أثراً , وأعظم خطراً , من إهمال شركات المقاولات لوسائل السلامة ؟ .
ليت أن البلدية تتابع الأهم فالمهم , وترتقي عن بذل الجهد في التوافه من الأمور , وينصبُّ عمل مراقبيها إلى مافيه حماية للناس , بدل تلك المشاكسات التي لاتثمر إلا ضياع الجهود , واحتقان الأنفس .
وليت أنها وهي تتابع المظلات , التي يتخذها بعض السكان عند بيوتهم , وتقوم البلدية بإزالتها , لتعديها على الشارع العام , أو لكونها تمثل مظهراً غير حضاري , أن تمنحنا فرصة المرور في بعض الشوارع , أو على الأقل , أن نمرَّ بسلام , لأن بعض أعمال الحفريات , صارت تشبه أعمال القرصنة قبالة سواحل الصومال , فإن سلم منها الجسم , فلن تسلم منها المركبة .
ما ظنكم لو أن البلدية التي أضحت تنافس وزارة الثقافة والإعلام , وصارت تطالعنا بين الفينة والأخرى , بمسرحيات ومهرجانات , لاتسمن ولاتغني من جوع , بل إثمها أكبر من نفعها , توجهت لما يعود على أبناء هذه البلاد بالنفع والخير , واجتهدت بالقدر الذي تلاحق فيه تعديات المواطنين , إلى حماية الناس من تعدياتها , أو تعديات من تتعاقد معه على عمل من الأعمال , أليس هذا من الحكمة والعقل والرشد ؟ .
فهل سنرى مستقبلاً استدراكا لأخطاء الماضي , وتصحيحا لزلاته العظام , أم سيبقى ماكان على ماكان , إلى أن ننتظر نكبة جديدة , تبعث قرارَ محاسبةِ " كائنا من كان " , لنكون كما قيل : إذا أردت التصحيح فانتظر النكبة .
كما أطالب الإعلام الرخيص , الذي استطاع أن يرصد سيارة الهيئة وهي تقف موقفا خاطئا , أو تصطدم بشاب هارب , أو تصوير لافتة دعوية على شارع الحوامل , أو غير ذلك من اللقطات الاستفزازية , أن يتناول تلك التجاوزات الصارخة , وأن يكتب عنها بالقوة التي يكتب فيها عن ثوابت الدين , ويهاجمها بقدر مهاجمته للفضيلة , ذلك إن كان يزعم أنه يسعى للإصلاح – ولا إخاله - , وإلا فليعترف أن نقده لم يكن لغير الإفساد , وتماشياً مع مصالح العدو , في إفساد هذه البلاد .
أعلم أن من يقرأ كلامي هذا , ممن يعنيهم الأمر , أو من غيرهم , ممن ترتبط مصلحته بإهمالهم وتغاضيهم , قد يتهمني بالمبالغة , أو يغوص في سويداء قلبي , لكن العقل والمنطق , وقبل ذلك الديانة والأمانة , كلها توجب المحاسبة والمراجعة , والاعتراف بالخطأ , وتحمل المسؤولية , خاصة إذا علم المعني بالأمر , أن ما قلته , جزء يسير من الحقيقة , وأن ما أملكه , لايكاد يذكر عند ما يملكه غيري من تجاوزات .
نحتاج دائما إلى المصارحة , وإلى وضع اليد على الجرح , وإن كان في ذلك إيلاماً , لكن معرفة الداء , ووصف الدواء , هو ما يبحث عنه المحبون للعافية , أما من يقتات على الأمراض , ولا ينتشي إلا في الأزمات والنكبات , فهذا عضو فاسد يجب بتره , وتخليص المجتمع من شره , وإلا فسنبقى نحمل بيننا المرض , ولن نتطلع للعافية .
اللهم اهدِ ضال المسلمين , وعافِ مبتلاهم , وفكَّ أسراهم , وارحم موتاهم , واشفِ مريضهم , وأطعم جائعهم , واحمل حافيهم , واكسُ عاريهم , وانصرمجاهدهم , وردَّ غائبهم, وحقق أمانيهم .
اللهم أرنا الحق حقاوارزقنا اتباعه , والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه , ولاتجعله ملتبسا علينا فنضل .
اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك ردا جميلا .
اللهم أصلح الراعي والرعية .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا , واحفظ عليها دينها , وحماة دينها , وورثة نبيها , واجعل قادتها قدوة للخير , مفاتيح للفضيلة , وارزقهم البطانة الناصحة الصالحة التي تذكرهم إن نسوا , وتعينهم إن تذكروا , واجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له , ناهين عن المنكر مجتنبين له , ياسميع الدعاء .
هذا والله أعلى وأعلم , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
وكتبه
سليمان بن أحمد بن عبدالعزيزالدويش
أبومالك
السبت 20, فبراير 2010
الشيخ سليمان بن أحمد الدويش
لجينيات ـ الحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
ففي يوم من الأيام , قابلني أحد الرجال , فقال لي : يا أخي أبشرك , الشعب السعودي كله في الجنة , لأنه إما مُنْعَمٌ عليه شاكر , أو مبتلى صابر , ثم صافحني وهو يبتسم , وودعني قائلاً : نلقاك في الجنة ....
ما أجمل أن تقوم البلديات بالنظر في التعديات , وحماية الحقوق العامة , وتغليب جانب المصلحة العامة , على المصالح الشخصية , وأن تقوم بدور بارز وفاعل في تجنيب الناس المخاطر المحتملة , من منعهم من البناء في مجاري السيول , أو بطون الأودية , أو ماشابه ذلك .
ويزداد جمال هذا العمل , وتكتمل صورته حسناً , حين تقوم البلديات , أو الجهات المشكلة , بتعويض الناس عن حقوقهم الخاصة بأسرع وقت , وأيسر سبيل , دون تعريضهم لإجراءات قاتلة , تمتد إلى سنوات طويلة , يفقدون معها الأمل بعودة الحقوق .
كلنا نسمع أن بعض الضعفاء وقع ضحية للاستغلاليين , ضعيفي النفوس , وبائعي الضمائر , وأنه بعد أن أمضى مدة ليست يسيرة من عمره , وهو يسعى ويكدح , ليجمع من عرق جبينه , وعصارة جهده , بعد فضل الله وتوفيقه , ما يحقق به حلمه في امتلاك قطعة أرض , ينتظر بعدها لسنوات , حتى يتحقق حلمه الآخر , بوصول دوره في صندوق التنمية العقاري , ثم يتفاجأ هذا المسكين , أن ذلك المخطط , أو تلك القطعة , محلَّ إشكال كبير , ليس هو سببا فيه , بل هو ضحيته , وحطب ناره , في حين يذهب مصدر الإشكال بالمال والغلَّة , ويسهر الخلق حول مخططه المشبوه ويختصمون .
ومثل ذلك أقوام لايجدون ما يحققون به أحلامهم , فيعمدون إلى مواقع قد تملكوها بصور شتى , أو ورثوها ممن سبقهم , ولأنهم يعجزون عن مصارعة حمى غلاء العقار , وجشع التجار , فيؤثرون السكنى بطريقة ترى الجهات المعنية عدم صلاحيتها , وضرورة إزالتها .
وصور أخرى متعددة ومتنوعة , لكن ليس هذا مقام حصرها , ولا الوقوف على نماذجها , بل الحديث هنا عن حقوق الناس , المقابلة لما عليهم من واجبات , فكما أن البلديات تطالب بمنع التعدي على المصالح العامة والحقوق , فهي مطالبة بالوقت ذاته , أن تكون متحملة لمسؤوليتها , في توزيع المخططات والأراضي , وحماية الضعفاء , من ضعاف النفوس , وأن تقوم بتعويض من وقع ضحية مختلس نصاب , بما يوازي حقه الذي تلف عليه , لأن ذلك المختلس النصاب , لم يخدع هؤلاء الضعفاء , إلا بما بين يديه من مستندات من الجهات الحكومية , التي تعتبر البلدية واحد منها , إن لم تكون محور الارتكاز بينها .
نحن نسمع كثيرا , ويكفي أننا أمام مصطلح ( كيف وقد قيل ) , أن هناك منحاً لبعض المحظوظين , يتم تطبيقها على حقوق انتزعت من أصحابها , تحت ذريعة المرافق العامة , كالحدائق ونحوها , وهذا إن ثبت فهو جناية , أبلغ من تعديات الضعفاء , التي تتولى البلديات إزالتها للمصلحة العامة .
كما نسمع كثيراً عن تطبيق منح بعشرات الآلاف من الأمتار , وهذا صار أمراً شائعاً بين الناس , وهو يقودنا للسؤال : لماذا لاتعتمد تلك المواقع التي تم التطبيق عليها لأولئك المغلوب على أمرهم , الذين يحلمون بتحقق أحلامهم , تغليبا لجانب المصلحة العامة ؟ .
لن أكثر في الحديث عن هذه القضية , ولن أغوص في أعماقها , لأني أرى أن ما سأنتقل إليه لا يمكن تبريره بحال , وهو من التعدي المقيت , والإساء البالغة المتعمدة , والاستهانة بحقوق الناس , وهو أمر يتكرر , ولا يوجد له من يردعه , مع أن الأنظمة كلها تدينه نظرياً , وتخول المتضرر منه وبسببه كامل الحق في المقاضاة والتعويض , ولكن تلك الحقوق تضيع وراء حجاب الروتين المقيت , وتدفن في كثبان رمال التعقيدات , وتندثر تحت ركام المماطلات , مما يدفع صاحب الحق لأن يلوذ باحتساب الأجر , تحت قاعدة " مكره أخاك لابطل " , لأنه يعلم أن دونه ودون نيل حقه خرط القتاد .
لست متأكداً هل تتضمن عقود البلديات مع الشركات , التي تقوم بأعمال الحفر والصيانة والمشاريع , أنه لايغلق ملف ذلك المشروع , حتى يتضرر منه , أو يذهب ضحيته , أو يتلف بسببه , عدد كذا وكذا من المركبات والبشر !!! .
في الشارع الرئيس المجاور لمنزلي , شهدت حالتين , وهما مثال حيَّ , لواقع سيء , أرى أنه يتكرر في مئات الشوارع والأحياء , وأجزم أنه راح ضحيته مالايحصى من الأنفس والممتلكات .
كان الشارع الرئيسي المجاور لنا , ينعم بالأمان لفترة يسيرة , قبل أن تتحرك جحافل البلدية , عن طريق واحدة من الشركات , بأعمال الحفر , التي امتدت على طول الطريق , وتأخرت كثيراً , رغم انتهاء العمل فيها , مما أبقاها مكشوفة , يحوطها حاجز نايلوني متهالك , وفي جهة منه يوجد بعض الحواجز الحديدية , التي يحركها الهواء , مما جعلها سببا في اصطدام بعض السيارات ببعضها , طمعاً في تلافيها , أو هروبا منها , ناهيك عمن وقع في الحفريات المكشوفة , أو انقلبت به سيارته , وكأن ذلك جزء من العقد , بمعنى أنه لايتم ردم تلك الحفريات , إلا بعد إتلافها للأنفس والممتلكات !! .
والحالة الثانية كانت عندما تعرض أحد أنابيب الماء في نفس الشارع لكسر مفاجىء , فتمَّ إصلاح الخلل , وترك المكان بلا سفلتة , مما أدى إلى انقلاب عدد من السيارات , واصطدام بعضها ببعض .
قد تحتج البلدية بتداخل أعمال بعض القطاعات الحكومية معها , كالاتصالات , والكهرباء , والماء , وربما جهات أخرى , لكن هذا ليس عذراً , فالبلدية هي المسؤول الأول , ولها القدرة على مراقبة تلك الأعمال , والرفع عمَّا تراه مخالفاً للنظام , أو مضرَّا بالناس , لكن كيف لها أن تفعل ذلك , ونحن معها كالمستجير من الرمضاء بالنار .
مما صار مألوفاً عندنا , وربما أصبحنا نحتكره في هذه البلاد , وله عندنا علامة الجودة والتميُّز , تداخل الأعمال وفوضويتها , فالبلدية تقوم بسفلتة الشارع مثلاً , ثم إذا شارفت على الانتهاء منه , وإذْ بشركة الكهرباء قد بدأت بنقل معداتها , والبدء في الحفر من جديد , حتى إذا استوى عملها على سوقه , وإذْ بشركة المياه وقد رفعت رايتها , وأعقدت عزمها , فلما بلغ سعيها أشدَّه , ووصل ذروته وحدَّه , شمَّرت شركة الاتصالات عن سواعدها الفتية , ومواهبها الفنية , فيكون حال ذلك الشارع , كحال التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً , وهذا تتحمل ما ينتج عنه البلدية , لأنه يجب عليها قبل اعتماد أي مخطط , أن تخاطب الجهات ذات العلاقة بإنشاء البنية التحتية له , وإلا فإننا لن نجني من فوضويتنا هذه إلا هدر الأموال , وضياع الحقوق , إلا إن كان ذلك مقصودا , لنفع بعض شركات المقاولات , من ذوي النفوذ , والدخل غير المحدود , فهنا والحالة هذه , فمالنا إلا أن نُكبر على الإصلاح والأمانة حتى نموت .
السؤال الذي يتكرر على ألسنتنا دائماً , وينتهي بصمت محرق , من يتحمل تجاوزات الشركات المنفذة للمشاريع ؟ , ومن يتولى عقابها ؟ , وماحجم الرقابة عليها ؟ , وهل تتذكرون أنه تمَّ الإعلان عنن معاقبة شركة من الشركات , لتفريطها في وسائل السلام ؟ , ومن المسؤول عن ذلك كله ؟ , وإلى من يتجه المتضرر من جراء الإهمال المتعمد ؟ , وعلى افتراض وجود الجهة التي تنظر في شكواه , فهل سيكون هناك إجراءات حاسمة ؟ , أم سيقال للمقاول : أبشر بطول سلامة يامربع ؟ , وهل سيتم إنصاف المظلوم من الظالم ؟ , أم سيموت المظلوم , وينتقل حقه للورثة , ومنهم إلى ورثتهم ؟ .
إن كان الأمر سيظل كذلك , وستنتهي شكاية المتضرر إلى أن تزهق نفسه حسرات , فلماذا لاتلزم البلدية شركات المقاولات , وضع لافتة " ولو جبر خاطر " , بعد كل كارثة يتسببون بها , وتتضمن عبارة ( معوضين ) , على أقل الأحوال لنشعر أن هناك من يُحس بإحساسنا , ولو كنا نعلم أنه كاذب , لكن على قاعدة " مالايدرك كله لايترك جله " .
قبل فراغي من كتابة مقالي هذا , أذِّن لصلاة العصر , وتوجهت لجامع الراجحي بالرياض , وتفاجأت بعدد لافت , من سيارات البلدية , وعلمت فيما بعد , أن ذلك لملاحقة الباعة المتجولين , الذين يستهويهم جموع المصلين في ذلك الجامع .
لست معترضاً على عمل تلك الفرق , ولن أتطرق له , ولن أخوض في آثاره وثماره , وسأكتفي بترداد العبارة الشهيرة " الشيوخ أبخص " , لكني أعتقد أنه من حقي أن أسأل : هل مخالفة هؤلاء في البيع أشد أثراً , وأعظم خطراً , من إهمال شركات المقاولات لوسائل السلامة ؟ .
ليت أن البلدية تتابع الأهم فالمهم , وترتقي عن بذل الجهد في التوافه من الأمور , وينصبُّ عمل مراقبيها إلى مافيه حماية للناس , بدل تلك المشاكسات التي لاتثمر إلا ضياع الجهود , واحتقان الأنفس .
وليت أنها وهي تتابع المظلات , التي يتخذها بعض السكان عند بيوتهم , وتقوم البلدية بإزالتها , لتعديها على الشارع العام , أو لكونها تمثل مظهراً غير حضاري , أن تمنحنا فرصة المرور في بعض الشوارع , أو على الأقل , أن نمرَّ بسلام , لأن بعض أعمال الحفريات , صارت تشبه أعمال القرصنة قبالة سواحل الصومال , فإن سلم منها الجسم , فلن تسلم منها المركبة .
ما ظنكم لو أن البلدية التي أضحت تنافس وزارة الثقافة والإعلام , وصارت تطالعنا بين الفينة والأخرى , بمسرحيات ومهرجانات , لاتسمن ولاتغني من جوع , بل إثمها أكبر من نفعها , توجهت لما يعود على أبناء هذه البلاد بالنفع والخير , واجتهدت بالقدر الذي تلاحق فيه تعديات المواطنين , إلى حماية الناس من تعدياتها , أو تعديات من تتعاقد معه على عمل من الأعمال , أليس هذا من الحكمة والعقل والرشد ؟ .
فهل سنرى مستقبلاً استدراكا لأخطاء الماضي , وتصحيحا لزلاته العظام , أم سيبقى ماكان على ماكان , إلى أن ننتظر نكبة جديدة , تبعث قرارَ محاسبةِ " كائنا من كان " , لنكون كما قيل : إذا أردت التصحيح فانتظر النكبة .
كما أطالب الإعلام الرخيص , الذي استطاع أن يرصد سيارة الهيئة وهي تقف موقفا خاطئا , أو تصطدم بشاب هارب , أو تصوير لافتة دعوية على شارع الحوامل , أو غير ذلك من اللقطات الاستفزازية , أن يتناول تلك التجاوزات الصارخة , وأن يكتب عنها بالقوة التي يكتب فيها عن ثوابت الدين , ويهاجمها بقدر مهاجمته للفضيلة , ذلك إن كان يزعم أنه يسعى للإصلاح – ولا إخاله - , وإلا فليعترف أن نقده لم يكن لغير الإفساد , وتماشياً مع مصالح العدو , في إفساد هذه البلاد .
أعلم أن من يقرأ كلامي هذا , ممن يعنيهم الأمر , أو من غيرهم , ممن ترتبط مصلحته بإهمالهم وتغاضيهم , قد يتهمني بالمبالغة , أو يغوص في سويداء قلبي , لكن العقل والمنطق , وقبل ذلك الديانة والأمانة , كلها توجب المحاسبة والمراجعة , والاعتراف بالخطأ , وتحمل المسؤولية , خاصة إذا علم المعني بالأمر , أن ما قلته , جزء يسير من الحقيقة , وأن ما أملكه , لايكاد يذكر عند ما يملكه غيري من تجاوزات .
نحتاج دائما إلى المصارحة , وإلى وضع اليد على الجرح , وإن كان في ذلك إيلاماً , لكن معرفة الداء , ووصف الدواء , هو ما يبحث عنه المحبون للعافية , أما من يقتات على الأمراض , ولا ينتشي إلا في الأزمات والنكبات , فهذا عضو فاسد يجب بتره , وتخليص المجتمع من شره , وإلا فسنبقى نحمل بيننا المرض , ولن نتطلع للعافية .
اللهم اهدِ ضال المسلمين , وعافِ مبتلاهم , وفكَّ أسراهم , وارحم موتاهم , واشفِ مريضهم , وأطعم جائعهم , واحمل حافيهم , واكسُ عاريهم , وانصرمجاهدهم , وردَّ غائبهم, وحقق أمانيهم .
اللهم أرنا الحق حقاوارزقنا اتباعه , والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه , ولاتجعله ملتبسا علينا فنضل .
اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك ردا جميلا .
اللهم أصلح الراعي والرعية .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا , واحفظ عليها دينها , وحماة دينها , وورثة نبيها , واجعل قادتها قدوة للخير , مفاتيح للفضيلة , وارزقهم البطانة الناصحة الصالحة التي تذكرهم إن نسوا , وتعينهم إن تذكروا , واجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له , ناهين عن المنكر مجتنبين له , ياسميع الدعاء .
هذا والله أعلى وأعلم , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
وكتبه
سليمان بن أحمد بن عبدالعزيزالدويش
أبومالك