لحن الخلود
23 Feb 2010, 07:31 AM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرورأنفسنا وسيئات أعمالنا وأشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أراد ما العبادفاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه وسع الخلائق خيره ولم يسع الناس غيره ، وأشهد أن سيدناونبينا محمداً عبده ورسوله نبي الأميين ورسول رب العالمين أخر الأنبياء في الدنياعصرا وأرفعهم وأجّلهم يوم القيامة شأنا وذكرا صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه وعلىسائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فإن الأيام لابد لها أن تقضى وأن الليالي لا بد لها أن تنتهي وأن الأعمار لا بد لها أن تطوىوالله جل وعلا أراد بنا أشياء وأمرنا بأشياء وليس من الحكمة أن ننشغل بما أرادهبنا عما أمرنا به والله تبارك وتعالى إذا أخبر أن الدنيا فانية وأن الأعمار ذاهبةفإن أيام العبد ولياليه ما شغلت بشيء أعظم من تدبرها لكلام ربها جل جلاله وتأملها فيآيات القرآن العظيم إما أن تتلوه وإما أن تتدبره وإما أن يمن الله عليها بالجمع بينالاثنين قال جل ثناؤه وتباركت أسماءه { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَالْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّاقُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِين َقالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّاسَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِيَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوادَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْعَذَابٍ أَلِيمٍ} فإذا أراد الله بعبد خيرا ألزمه كتابه المبين يتلوه ويتدبره يقرأهفي النهار ويقوم به يّدي ربه في الليل قال جل ثناؤه وتباركت أسماءه { أَمَّنْ هُوَقَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُورَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَايَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} وذكر الله جل وعلا نتفاًمن أخبار أهل طاعته وأولياؤه أنهم يجتمعون يوم القيامة في الجنة كما يجتمعون فيالدنيا قال الله جل وعلا عنهم { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَقَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَاوَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَالْبَرُّ الرَّحِيمُ} فمنن الله جل وعلا على بعض خلقه أو على خلقه عامه فيما سخرهلهم أو على أفراد من عباده كل ذلك تضمنه بعض آيات الكتاب العزيز قبل الشروعوالازدلاف إلى ذلك فنقول والله المستعان:
إن وجود المنن يدل على وجود المنان جل جلاله كما أن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق وعظمة المصنوع تدل على عظمة الصانعفإن وجود المنن على العباد دلالة على أن هناك رب لا رب غيره ولا إله سواه ، واللهتبارك وتعالى له على عباده المنة السابغة والحكمة البالغة وهو تبارك وتعالى لا يسألعما يفعل وهم يسألون لا شريك معه ولا رب غيره ولا وزير له تنزه وتقدس عن الصاحبةوالولد لا يتعاظم شيئاً أعطاه يده سحاء الليل والنهار { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُاللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُمَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء } فهو تبارك وتعالى رب ذو فضل كريم العطاءواسع السخاء ولا يمكن أن تكون هناك منن حتى يكون هناك رب عظيم جليل كريم رحمن رحيميهب ويعطي يخلق ما يشاء ويختار ، والعلم بأن الله جل وعلا هو وحده المنان القادر علىأن يهب من أعظم ما يجعل العبد عرضة لرحمة الله ونفحاته وعطاياه ومننه تبارك وتعالىقال الله جل وعلا { قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُوَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْفَأَنَّى تُسْحَرُون َبَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ مَااتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّإِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّايَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
الأمرالثاني الذي ينبغي أن يعلم أن الله كما أنه رب ذو فضل فإنه جل جلاله حكم ذو عدل أنالله لا يظلم الناس مثقال ذره وإن تكُ حسنه يضاعفها ويأتي خيراً مما أُخذ من العبدفهو جل وعلا حكم عدل قبل أن تشرع في فهم منن الله جل وعلا على عباده يجب أن تفقهأنه لا يضيع عند الله شيئا قال يوسف عليه السلام يمدح ربه ويثني عليه كما حكى اللهعنه في كتابه { إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } وربنا يقول {وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ } من يعلم أن القرآن العظيم فيهمن البلاغة وفيه من الإعجاز ما يحتوي على الإعجاز في لفظه والإعجاز في معناه فكمايخبر الله عن المنن إظهاراً أحيانا يخبر عنها جل وعلا من باب الإضمار أحيانا، فالإظهار يكاد يعرفه كل أحد وما أضمره الله جل وعلا من منن على بعض عباده هذه التيينبه لها العلماء ويسابق فيها الأخيار الذين منّ الله عليهم بالقدرة والعطاء على أنيتدبروا كلام ربهم تبارك وتعالى ، نقول من دلائل إعجازه القرآن مثلا أن الله ذكر فيكتابه المشرق والمغرب ذكرهما مفردين وذكرهما على هيئة التثنية وذكرهما على صيغةالجمع وكل ذكر لهما كان يوازي السياق العام الذي جاء فيه ، لما ذكر الله جل وعلاعبادته والتوجه إليه في الصلاة وهو حق له مطلق تبارك وتعالى لا يشاركه فيه أحد قالسبحانه { وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّوَجْهُ اللّهِ} فأفرد الله ذكر المشرق وأفرد ذكر المغرب ولما ذكر جل وعلا الانقطاعإليه والتبتل إليه وذكر وحدانيته وأنه لا رب غيره ولا إله سواه قال سبحانه لنبيه{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِوَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} فذكرهما الله جلوعلا على هيئة الأفراد لأن السياق والمنح العام للآيات يتطلب هذا ولا ملزم على الله، فلما خاطب الله الثقلين الجن والأنس وقال جل ذكره { خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنصَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّار ٍفَبِأَيِّآلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} وكان الخطاب للاثنين ثناء جل وعلا المشرق والمغربولم يذكرهما مفردين كما فعل في الأولين قال جل ذكره { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِوَرَبُّ الْمَغْرِبَيْن فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ولما ذكر سبحانهتفرق الناس على نبينا (صلى الله عليه وسلم ) واختلافهم فيه - أي القرشيين - هذا يصدقهوهذا يكذبه والمكذبون له هذا يقول أنه مجنون وهذا يقول أنه ساحر وهذا يقول أنه كاهنوهذا متوقف فيه قال جل ثناؤه وتبارك أسمه { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَمُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِين أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍمِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّايَعْلَمُونَ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّالَقَادِرُونَ} فجمع جل وعلا حتى يناسب اللفظ القرآني يناسب السياق العام والمنحالذي جاء فيه الأيه لما كان كفار قريش متفرقين في فهم القرآن في فهم الرسالة جاءالخطاب القرآني متفرقاً { فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِإِنَّا لَقَادِرُون} وما يقال عن هذا السياق يقال كذلك عن التقديم والتأخير في كلامرب العزة جل جلاله ، ذكر الله جل وعلا أولي العزم من الرسل في سورتين من كتابه ،ذكرهما في الأحزاب وذكرهما في الشورى قال في الأحزاب { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَالنَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَىابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا } فلما ذكر الله جل وعلافضيلة الرسل بدأ بنبينا ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه أشرف الرسل صلوات الله وسلامهعليه فقدمه ثم ذكر الأنبياء حسب ظهورهم التاريخي { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَالنَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَىابْنِ مَرْيَمَ } على هذا كان ظهورهم التاريخي عليهم الصلاة والسلام فلما أراد اللهذكر الدين وأن الدين قديم قبل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لم يبدأ الله بنبيناعليه الصلاة والسلام وإنما بدأ بنوح لأنه أول من بعث بالرسالة وأول رسل الله إلىأهل الأرض فقال جل ثناؤه { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًاوَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىوَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} فذكر الله جل وعلاأول الرسل ولم يذكر أشرفهم وسيدهم لأن الكلام عن الدين فالمقام الأول وليس الكلامعن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ذكر الله جل وعلا في كتابه الوصيةوالدين والفقهاء متفقون على أن الدين مقدم في إنجازه على الوصية ومع ذلك قال اللهتبارك أسمه وجل ثناؤه { مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } فقدمالوصية على الدين لأن الدين يوجد من يطالب به أما الوصية فالغالب لا يعلمها الفقراءفلا يطالبون بها فقدم الله جل وعلا ما حقه الاهتمام على ما يمكن تأجيله وإرجاؤهوهذا كله أيها الأخ المبارك مندرج في بلاغة القرآن وإعجازه اللفظي كما هو معجز فيمعناه ولا ريب أنه كتاب من عند رب العالمين فلا غرر ولا عجب أنه يكون بهذا الأمر .
الأمر الرابع أن يعلم العبد أن الله تبارك وتعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسبفإن العطايا والمنن إنما تكون إذا كانت عطايا دينيه إنما تكون على قدر ما للرب جلوعلا من عظمه وإجلال في قلب ذلك العبد والأنبياء والمرسلون يدركون مقامهم عند اللهلأنهم يعلمون مقام الله في قلوبهم فهذا والد الأنبياء إبراهيم الخليل عليه الصلاةوالسلام مرة عليه أيام لم يكن أحد على الأرض يعبد الله غيره فكان يعرف ما له عندالله جل وعلا من رفيع المقام فلما ابتلي بأبيه قال لأبيه { سَلَامٌ عَلَيْكَسَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} ثم قال يبين مقامه عند الله { إِنَّهُ كَانَ بِيحَفِيًّا } أي أنني أعلم من ربي أنه يحتفي بي وله عنده مقام عظيم لأن إبراهيم يعلمما في قلبه من تعظيم وإجلال ومحبه وخوف من الله جل وعلا ، فمن أراد المقام الرفيععند الرب تبارك وتعالى والعطايا الدينية فإن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحبولا يعطي الدين إلا لمن يحب ، فمن أراد أن يكون له عند الله جل وعلا المقام الرفيعفليكون لله جل وعلا العظمة في قلبه والمحبة والإجلال والخوف والعبادة والتقوى وكلما أمر الله به تبارك وتعالى وهذا من أعظم ما تستدر به نعم الله وتستدفع به النقمأعطانا الله ووهبنا وإياكم من نعمه ودفع الله عنا وإياكم من النقم أكثر مما نخافونحذر.
.. .. .. .. ..
{ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُيُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَآمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَتَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقهمْ عَذَابَ الْجَحِيم}
العرش أيها المؤمنون سقف المخلوقات والله جل وعلا مستوي عليهاستوى يليق بجلاله وعظمته ومع استوى الله جلا وعلا على العرش فإن للعرش حملهيحملونه قال سبحانه{ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ } هذه طائفة ثم قال { وَمَنْحَوْلَهُ } هذه واو عطف والعطف يقتضي المغايرة أي من حول العرش غير حملة العرشفحملة العرش يحملون العرش ومن حول العرش يطوفون حول العرش والذين يحملون العرش ومنحول العرش كلهم مخلوقون عبّيد مقهورون لرب العالمين جل جلاله يسبحون بحمده ويكثرونمن ذكره قال الله عنهم { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُيُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَآمَنُوا }
عظُم علمهم بالله فعظم فرقهم من الرب تبارك وتعالى عظم علمهم بالخالقسبحانه وتعالى فعظم إجلالهم له جل وعلا عرفوا ربهم فخافوا منه والعبد كلما كانبالله أعرف كان لله أتقى ومن الله أخوف قال ( صلى الله عليه وسلم ) : مررت ليلةأعرج بيّ وجبريل كالحلس البالي من خشية الله تبارك وتعالى ، فهو ( صلى الله عليهوسلم ) يقول: أما وأني أعلمكم بالله وأشدكم لله خشيه ) فما دام ( عليه الصلاةوالسلام ) أعلم الخلق بالله فهو قطعاً ( صلوات الله وسلامه عليه ) أشد الخلق للهخشيه يقول سبحانه { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } نقول كماقال الله إن حملة العرش ومن حول العرش والعرش الله جلا وعلا مستغني عن ذلك كله،وحملة العرش وسائر الخلق فقراء كل الفقر إلى الرب تبارك وتعالى والله جل وعلا وحدهله الكبرياء والعلو فكتب على عباده أن يسجدوا له ، والسجود أعظم ذلة من حيث الموطنوالموقع ، وكلما ذل الإنسان لربه وعرف أنه ما من نعمه إلا والله وليوها وما من نقمةإلا والله قادراً على أن يدفعها ، كلما علم أن الله وحده { لَيْسَ كَمِثْلِهِشَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } كلما تيقن أن الله يخلق ويرزق ويعطي ويمنعويخفض و يرفع وأنه لا يستحق أن يعبد أحداً بحق إلا هو سبحانه وأن الله جل وعلاوحده له رداء العزة والكبرياء وأنه لا يطلب شيئاً إلا بالله ولا تدفع نقمه إلابالله ولا ينال مرغوب إلا به سبحانه وتعالى ، كل من تيقن بذلك دل ذلك على علمه بربهتبارك وتعالى وهو الذي فيه وعليه قضى أنبياء الله حياتهم ( صلوات الله وسلامه عليهمأجمعين ) قال نوح {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْأَطْوَارًا} وقال أخرهم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) { قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْعَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِيوَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَأُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }
ثم بين جل وعلا في هذه الأيه أن هولاءالملائكة يحملون العرش وما حملة العرش إلا طائفة من الملائكة ، والملائكة خلق منخلق الله خلقهم الله جلا وعلا من نور ليسو شركاء لله ولا أندادا ولا بنات لله ولاأولادا إنما هم عبيد من عباده وخلق من خلقه يأتمرون بأمره ويقفون عند نهيه لا يعصونالله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون منهم من أوكل الله جل وعلا إليه إنزال الوحي وهوجبريل ومنهم من أوكل الله جل وعلا عليه جريان السحاب وتوزيع الأمطار على الأقطاروهو ميكال ومنهم من أوكل الله إليه النفخ في الصور وهو إسرافيل ومنهم من أوكل اللهإليه قبض الأرواح وهو ملك الموت وغيرهم آخرون كُثر قال الله جل وعلا عنهم { وَمَايَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُو } منازلهم الأولى هي السماء وعبادتهم التي لايفترون عنها أنهم يقولون (( سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم )) وجاء في بعضالآثار أنا منهم من هو ساجد لله منذ أن خلقه الله ومهم من هو راكع لله منذ أن خلقهالله ، فإذا كان يوم القيامة يقبضون على هذه الهيئة ويحيون على هذه الهيئة فإذارفعوا رؤوسهم رأو وجهه ربهم تبارك وتعالى فيقولون عند رؤية وجهه العلي الأعلىسبحانك ما عبدنك حق عبادتك .
قال سبحانه يبين فضل الإيمان { الَّذِينَيَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْوَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } فأنت في هذا البيت فيبيت من بيوت الله لأنك أردت ما عند الله من الأجر وعقدت أناملك بالتسبيح ولهج لسانكبذكر الله ودخل الإيمان في قلبك وكل ذلك بفضل الله تستغفر لك ملائكة السماء يستغفرلك حملة العرش فالإيمان جمع بينك وبين سكان السموات العلى والكفر يفرق بينك وبينأقرب الناس إليك قال الله جل وعلا عن أبن نوح { فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْأَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَالَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وقد كان الخليل على كرامة عظيمة من الله { سَلَامٌعَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } فالخليل إبراهيمالمنزلة العالية والاحتفاء العظيم في الملكوت الأعلى ومع ذلك لما كان أبوه كافراًلم ينشئ أي علاقة ، علاقة نفع ما بين إبراهيم وأبيه ، ينتفع صغار المسلمين منموتاهم إلى قيام الساعة بدعاء إبراهيم لهم نقول في دعاءنا للأموات الصغار (( اللهمألحقهم بكفالة أبيهم إبراهيم في الصالحين )) فينتفع هؤلاء الصغار بكفالة أبيهمإبراهيم ولا ينتفع أبو إبراهيم نسباً بكرامة إبراهيم عند ربهم فالإيمان جمع بينناونحن في الأرض مع ملائكة السماء وهم في السموات العلى والكفر عياذاً بالله يفرق مابين المؤمن وأي كافر أخر حتى يعلم أنه لا وشائج ولا صله تربط بين المؤمن والأخرأعظم من رابطة الإيمان قال سبحانه { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْحَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَلِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْلِلَّذِينَ تَابُوا } إن الإنسان لا تحمل فوق ظهره شيئاً أنكى ولا أعظم من حملالذنوب قال جل وعلا { مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا}وقال جل وعلا { وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْوَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِوَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ } و بعد أن ذكر موسى قال { فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِفَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُالصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَاوَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} فماتُقرب إلى الله شيئاً بعد توحيده أعظم من استغفاره جل وعلا وملائكة السماء وحملةالعرش على وجهه الخصوص ومن حول العرش يستغفرون لكل مؤمن ومؤمنه – نسأل الله جل وعلا أن نكون ممن ينالهم بركة ذلك الاستغفار { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍرَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْعَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُموَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَالْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تقر عين المؤمن إذا أمسى يثوي إلى أهله والتف حوله والداهوزوجته وبنوه وبناته وحق له أن تقر عينه بهذا ، ولهذا يجد المغتربون من الناس كمداًفي صدورهم إذا أوو إلى منازلهم ولم يلتقوا بأهليهم ويسألون الله أن يطوي عنهم أيامالغربة ، لكن القرار الحق والفرح الكامل والبهجة التامة يوم أن يلتقي المؤمنبوالديه وزوجته وأبناءه وبناته في جنات النعيم قال الله عنهم { وَأَدْخِلْهُمْجَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْوَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ولن يقدم أحداً لوالديه أولولده من بعده شيئا ًهو ذخراً أعظم لهم من العمل الصالح فإن العبد إذا كان صالحاًنفع الله بصلاحه والديه وذريته من بعده ، ربما جعله الله جلوعلا ممن يشفعون فيعرصات يوم القيامة وهذا أمر مستقراً شرعاً له أدلته الظاهرة في الكتاب والسنة وإنمانمر به هنا ألماماً – نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من أهل ذلك النعيم- قالالله جل وعلا في هذه السورة المباركة يحدث عن أهل النار وهي الخزي الأعظم والخسرانالأكبر قال جل جلاله { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَااثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِتُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} أهل النار يقولون يومئذ{رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ } موته ونحن أجنه في بطون أمهاتنا فنفخت فيناالروح والموته الثانية يوم قبض الأرواح وهي الموته المكتوبة على كل أحد{وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} الحياة الأولى عندما نفخت فينا الروح فكنا أحياء فيبطون أمهاتنا الحياة الأولى حياة الدنيا والحياة الأخرى يوم بعثهم الله جل وعلا منمرقدهم كما قال الله في يس{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِإِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَاهَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} فإذا اعترفوا بهذا يقولونهل إلى خروج من سبيل خروج من النار وعودة للدنيا علهم يتقون ولن يتقوا قال الله جلوعلا في الأنعام { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْلَكَاذِبُونَ} فإذا قالوا ذلك ذكرهم الله جل وعلا بأعظم معصية لهم إلا وهي الإشراكبالله وأن نفوسهم والعياذ بالله كانت تبتهج وتفرح إذا ذكر مع الله غيره وإذا ذكرالله وحده اشمأزت قلوبهم الذين لا يؤمنون بالأخره فمن أراد أن يعرف أين قربه منالله فليرى كيف حاله إذا ذكر الله جل وعلا وحده . اللهم أنا نجئر إليك أن تعيذناأن تقر أعيننا أو تطمئن قلوبنا إلى أحد غيرك.
فإن الأيام لابد لها أن تقضى وأن الليالي لا بد لها أن تنتهي وأن الأعمار لا بد لها أن تطوىوالله جل وعلا أراد بنا أشياء وأمرنا بأشياء وليس من الحكمة أن ننشغل بما أرادهبنا عما أمرنا به والله تبارك وتعالى إذا أخبر أن الدنيا فانية وأن الأعمار ذاهبةفإن أيام العبد ولياليه ما شغلت بشيء أعظم من تدبرها لكلام ربها جل جلاله وتأملها فيآيات القرآن العظيم إما أن تتلوه وإما أن تتدبره وإما أن يمن الله عليها بالجمع بينالاثنين قال جل ثناؤه وتباركت أسماءه { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَالْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّاقُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِين َقالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّاسَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِيَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوادَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْعَذَابٍ أَلِيمٍ} فإذا أراد الله بعبد خيرا ألزمه كتابه المبين يتلوه ويتدبره يقرأهفي النهار ويقوم به يّدي ربه في الليل قال جل ثناؤه وتباركت أسماءه { أَمَّنْ هُوَقَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُورَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَايَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} وذكر الله جل وعلا نتفاًمن أخبار أهل طاعته وأولياؤه أنهم يجتمعون يوم القيامة في الجنة كما يجتمعون فيالدنيا قال الله جل وعلا عنهم { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَقَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَاوَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَالْبَرُّ الرَّحِيمُ} فمنن الله جل وعلا على بعض خلقه أو على خلقه عامه فيما سخرهلهم أو على أفراد من عباده كل ذلك تضمنه بعض آيات الكتاب العزيز قبل الشروعوالازدلاف إلى ذلك فنقول والله المستعان:
إن وجود المنن يدل على وجود المنان جل جلاله كما أن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق وعظمة المصنوع تدل على عظمة الصانعفإن وجود المنن على العباد دلالة على أن هناك رب لا رب غيره ولا إله سواه ، واللهتبارك وتعالى له على عباده المنة السابغة والحكمة البالغة وهو تبارك وتعالى لا يسألعما يفعل وهم يسألون لا شريك معه ولا رب غيره ولا وزير له تنزه وتقدس عن الصاحبةوالولد لا يتعاظم شيئاً أعطاه يده سحاء الليل والنهار { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُاللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُمَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء } فهو تبارك وتعالى رب ذو فضل كريم العطاءواسع السخاء ولا يمكن أن تكون هناك منن حتى يكون هناك رب عظيم جليل كريم رحمن رحيميهب ويعطي يخلق ما يشاء ويختار ، والعلم بأن الله جل وعلا هو وحده المنان القادر علىأن يهب من أعظم ما يجعل العبد عرضة لرحمة الله ونفحاته وعطاياه ومننه تبارك وتعالىقال الله جل وعلا { قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُوَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْفَأَنَّى تُسْحَرُون َبَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ مَااتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّإِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّايَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
الأمرالثاني الذي ينبغي أن يعلم أن الله كما أنه رب ذو فضل فإنه جل جلاله حكم ذو عدل أنالله لا يظلم الناس مثقال ذره وإن تكُ حسنه يضاعفها ويأتي خيراً مما أُخذ من العبدفهو جل وعلا حكم عدل قبل أن تشرع في فهم منن الله جل وعلا على عباده يجب أن تفقهأنه لا يضيع عند الله شيئا قال يوسف عليه السلام يمدح ربه ويثني عليه كما حكى اللهعنه في كتابه { إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } وربنا يقول {وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ } من يعلم أن القرآن العظيم فيهمن البلاغة وفيه من الإعجاز ما يحتوي على الإعجاز في لفظه والإعجاز في معناه فكمايخبر الله عن المنن إظهاراً أحيانا يخبر عنها جل وعلا من باب الإضمار أحيانا، فالإظهار يكاد يعرفه كل أحد وما أضمره الله جل وعلا من منن على بعض عباده هذه التيينبه لها العلماء ويسابق فيها الأخيار الذين منّ الله عليهم بالقدرة والعطاء على أنيتدبروا كلام ربهم تبارك وتعالى ، نقول من دلائل إعجازه القرآن مثلا أن الله ذكر فيكتابه المشرق والمغرب ذكرهما مفردين وذكرهما على هيئة التثنية وذكرهما على صيغةالجمع وكل ذكر لهما كان يوازي السياق العام الذي جاء فيه ، لما ذكر الله جل وعلاعبادته والتوجه إليه في الصلاة وهو حق له مطلق تبارك وتعالى لا يشاركه فيه أحد قالسبحانه { وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّوَجْهُ اللّهِ} فأفرد الله ذكر المشرق وأفرد ذكر المغرب ولما ذكر جل وعلا الانقطاعإليه والتبتل إليه وذكر وحدانيته وأنه لا رب غيره ولا إله سواه قال سبحانه لنبيه{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِوَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} فذكرهما الله جلوعلا على هيئة الأفراد لأن السياق والمنح العام للآيات يتطلب هذا ولا ملزم على الله، فلما خاطب الله الثقلين الجن والأنس وقال جل ذكره { خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنصَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّار ٍفَبِأَيِّآلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} وكان الخطاب للاثنين ثناء جل وعلا المشرق والمغربولم يذكرهما مفردين كما فعل في الأولين قال جل ذكره { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِوَرَبُّ الْمَغْرِبَيْن فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ولما ذكر سبحانهتفرق الناس على نبينا (صلى الله عليه وسلم ) واختلافهم فيه - أي القرشيين - هذا يصدقهوهذا يكذبه والمكذبون له هذا يقول أنه مجنون وهذا يقول أنه ساحر وهذا يقول أنه كاهنوهذا متوقف فيه قال جل ثناؤه وتبارك أسمه { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَمُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِين أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍمِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّايَعْلَمُونَ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّالَقَادِرُونَ} فجمع جل وعلا حتى يناسب اللفظ القرآني يناسب السياق العام والمنحالذي جاء فيه الأيه لما كان كفار قريش متفرقين في فهم القرآن في فهم الرسالة جاءالخطاب القرآني متفرقاً { فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِإِنَّا لَقَادِرُون} وما يقال عن هذا السياق يقال كذلك عن التقديم والتأخير في كلامرب العزة جل جلاله ، ذكر الله جل وعلا أولي العزم من الرسل في سورتين من كتابه ،ذكرهما في الأحزاب وذكرهما في الشورى قال في الأحزاب { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَالنَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَىابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا } فلما ذكر الله جل وعلافضيلة الرسل بدأ بنبينا ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه أشرف الرسل صلوات الله وسلامهعليه فقدمه ثم ذكر الأنبياء حسب ظهورهم التاريخي { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَالنَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَىابْنِ مَرْيَمَ } على هذا كان ظهورهم التاريخي عليهم الصلاة والسلام فلما أراد اللهذكر الدين وأن الدين قديم قبل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لم يبدأ الله بنبيناعليه الصلاة والسلام وإنما بدأ بنوح لأنه أول من بعث بالرسالة وأول رسل الله إلىأهل الأرض فقال جل ثناؤه { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًاوَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىوَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} فذكر الله جل وعلاأول الرسل ولم يذكر أشرفهم وسيدهم لأن الكلام عن الدين فالمقام الأول وليس الكلامعن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ذكر الله جل وعلا في كتابه الوصيةوالدين والفقهاء متفقون على أن الدين مقدم في إنجازه على الوصية ومع ذلك قال اللهتبارك أسمه وجل ثناؤه { مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } فقدمالوصية على الدين لأن الدين يوجد من يطالب به أما الوصية فالغالب لا يعلمها الفقراءفلا يطالبون بها فقدم الله جل وعلا ما حقه الاهتمام على ما يمكن تأجيله وإرجاؤهوهذا كله أيها الأخ المبارك مندرج في بلاغة القرآن وإعجازه اللفظي كما هو معجز فيمعناه ولا ريب أنه كتاب من عند رب العالمين فلا غرر ولا عجب أنه يكون بهذا الأمر .
الأمر الرابع أن يعلم العبد أن الله تبارك وتعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسبفإن العطايا والمنن إنما تكون إذا كانت عطايا دينيه إنما تكون على قدر ما للرب جلوعلا من عظمه وإجلال في قلب ذلك العبد والأنبياء والمرسلون يدركون مقامهم عند اللهلأنهم يعلمون مقام الله في قلوبهم فهذا والد الأنبياء إبراهيم الخليل عليه الصلاةوالسلام مرة عليه أيام لم يكن أحد على الأرض يعبد الله غيره فكان يعرف ما له عندالله جل وعلا من رفيع المقام فلما ابتلي بأبيه قال لأبيه { سَلَامٌ عَلَيْكَسَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} ثم قال يبين مقامه عند الله { إِنَّهُ كَانَ بِيحَفِيًّا } أي أنني أعلم من ربي أنه يحتفي بي وله عنده مقام عظيم لأن إبراهيم يعلمما في قلبه من تعظيم وإجلال ومحبه وخوف من الله جل وعلا ، فمن أراد المقام الرفيععند الرب تبارك وتعالى والعطايا الدينية فإن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحبولا يعطي الدين إلا لمن يحب ، فمن أراد أن يكون له عند الله جل وعلا المقام الرفيعفليكون لله جل وعلا العظمة في قلبه والمحبة والإجلال والخوف والعبادة والتقوى وكلما أمر الله به تبارك وتعالى وهذا من أعظم ما تستدر به نعم الله وتستدفع به النقمأعطانا الله ووهبنا وإياكم من نعمه ودفع الله عنا وإياكم من النقم أكثر مما نخافونحذر.
.. .. .. .. ..
{ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُيُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَآمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَتَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقهمْ عَذَابَ الْجَحِيم}
العرش أيها المؤمنون سقف المخلوقات والله جل وعلا مستوي عليهاستوى يليق بجلاله وعظمته ومع استوى الله جلا وعلا على العرش فإن للعرش حملهيحملونه قال سبحانه{ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ } هذه طائفة ثم قال { وَمَنْحَوْلَهُ } هذه واو عطف والعطف يقتضي المغايرة أي من حول العرش غير حملة العرشفحملة العرش يحملون العرش ومن حول العرش يطوفون حول العرش والذين يحملون العرش ومنحول العرش كلهم مخلوقون عبّيد مقهورون لرب العالمين جل جلاله يسبحون بحمده ويكثرونمن ذكره قال الله عنهم { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُيُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَآمَنُوا }
عظُم علمهم بالله فعظم فرقهم من الرب تبارك وتعالى عظم علمهم بالخالقسبحانه وتعالى فعظم إجلالهم له جل وعلا عرفوا ربهم فخافوا منه والعبد كلما كانبالله أعرف كان لله أتقى ومن الله أخوف قال ( صلى الله عليه وسلم ) : مررت ليلةأعرج بيّ وجبريل كالحلس البالي من خشية الله تبارك وتعالى ، فهو ( صلى الله عليهوسلم ) يقول: أما وأني أعلمكم بالله وأشدكم لله خشيه ) فما دام ( عليه الصلاةوالسلام ) أعلم الخلق بالله فهو قطعاً ( صلوات الله وسلامه عليه ) أشد الخلق للهخشيه يقول سبحانه { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } نقول كماقال الله إن حملة العرش ومن حول العرش والعرش الله جلا وعلا مستغني عن ذلك كله،وحملة العرش وسائر الخلق فقراء كل الفقر إلى الرب تبارك وتعالى والله جل وعلا وحدهله الكبرياء والعلو فكتب على عباده أن يسجدوا له ، والسجود أعظم ذلة من حيث الموطنوالموقع ، وكلما ذل الإنسان لربه وعرف أنه ما من نعمه إلا والله وليوها وما من نقمةإلا والله قادراً على أن يدفعها ، كلما علم أن الله وحده { لَيْسَ كَمِثْلِهِشَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } كلما تيقن أن الله يخلق ويرزق ويعطي ويمنعويخفض و يرفع وأنه لا يستحق أن يعبد أحداً بحق إلا هو سبحانه وأن الله جل وعلاوحده له رداء العزة والكبرياء وأنه لا يطلب شيئاً إلا بالله ولا تدفع نقمه إلابالله ولا ينال مرغوب إلا به سبحانه وتعالى ، كل من تيقن بذلك دل ذلك على علمه بربهتبارك وتعالى وهو الذي فيه وعليه قضى أنبياء الله حياتهم ( صلوات الله وسلامه عليهمأجمعين ) قال نوح {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْأَطْوَارًا} وقال أخرهم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) { قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْعَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِيوَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَأُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }
ثم بين جل وعلا في هذه الأيه أن هولاءالملائكة يحملون العرش وما حملة العرش إلا طائفة من الملائكة ، والملائكة خلق منخلق الله خلقهم الله جلا وعلا من نور ليسو شركاء لله ولا أندادا ولا بنات لله ولاأولادا إنما هم عبيد من عباده وخلق من خلقه يأتمرون بأمره ويقفون عند نهيه لا يعصونالله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون منهم من أوكل الله جل وعلا إليه إنزال الوحي وهوجبريل ومنهم من أوكل الله جل وعلا عليه جريان السحاب وتوزيع الأمطار على الأقطاروهو ميكال ومنهم من أوكل الله إليه النفخ في الصور وهو إسرافيل ومنهم من أوكل اللهإليه قبض الأرواح وهو ملك الموت وغيرهم آخرون كُثر قال الله جل وعلا عنهم { وَمَايَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُو } منازلهم الأولى هي السماء وعبادتهم التي لايفترون عنها أنهم يقولون (( سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم )) وجاء في بعضالآثار أنا منهم من هو ساجد لله منذ أن خلقه الله ومهم من هو راكع لله منذ أن خلقهالله ، فإذا كان يوم القيامة يقبضون على هذه الهيئة ويحيون على هذه الهيئة فإذارفعوا رؤوسهم رأو وجهه ربهم تبارك وتعالى فيقولون عند رؤية وجهه العلي الأعلىسبحانك ما عبدنك حق عبادتك .
قال سبحانه يبين فضل الإيمان { الَّذِينَيَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْوَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } فأنت في هذا البيت فيبيت من بيوت الله لأنك أردت ما عند الله من الأجر وعقدت أناملك بالتسبيح ولهج لسانكبذكر الله ودخل الإيمان في قلبك وكل ذلك بفضل الله تستغفر لك ملائكة السماء يستغفرلك حملة العرش فالإيمان جمع بينك وبين سكان السموات العلى والكفر يفرق بينك وبينأقرب الناس إليك قال الله جل وعلا عن أبن نوح { فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْأَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَالَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وقد كان الخليل على كرامة عظيمة من الله { سَلَامٌعَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } فالخليل إبراهيمالمنزلة العالية والاحتفاء العظيم في الملكوت الأعلى ومع ذلك لما كان أبوه كافراًلم ينشئ أي علاقة ، علاقة نفع ما بين إبراهيم وأبيه ، ينتفع صغار المسلمين منموتاهم إلى قيام الساعة بدعاء إبراهيم لهم نقول في دعاءنا للأموات الصغار (( اللهمألحقهم بكفالة أبيهم إبراهيم في الصالحين )) فينتفع هؤلاء الصغار بكفالة أبيهمإبراهيم ولا ينتفع أبو إبراهيم نسباً بكرامة إبراهيم عند ربهم فالإيمان جمع بينناونحن في الأرض مع ملائكة السماء وهم في السموات العلى والكفر عياذاً بالله يفرق مابين المؤمن وأي كافر أخر حتى يعلم أنه لا وشائج ولا صله تربط بين المؤمن والأخرأعظم من رابطة الإيمان قال سبحانه { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْحَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَلِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْلِلَّذِينَ تَابُوا } إن الإنسان لا تحمل فوق ظهره شيئاً أنكى ولا أعظم من حملالذنوب قال جل وعلا { مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا}وقال جل وعلا { وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْوَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِوَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ } و بعد أن ذكر موسى قال { فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِفَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُالصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَاوَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} فماتُقرب إلى الله شيئاً بعد توحيده أعظم من استغفاره جل وعلا وملائكة السماء وحملةالعرش على وجهه الخصوص ومن حول العرش يستغفرون لكل مؤمن ومؤمنه – نسأل الله جل وعلا أن نكون ممن ينالهم بركة ذلك الاستغفار { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍرَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْعَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُموَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَالْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تقر عين المؤمن إذا أمسى يثوي إلى أهله والتف حوله والداهوزوجته وبنوه وبناته وحق له أن تقر عينه بهذا ، ولهذا يجد المغتربون من الناس كمداًفي صدورهم إذا أوو إلى منازلهم ولم يلتقوا بأهليهم ويسألون الله أن يطوي عنهم أيامالغربة ، لكن القرار الحق والفرح الكامل والبهجة التامة يوم أن يلتقي المؤمنبوالديه وزوجته وأبناءه وبناته في جنات النعيم قال الله عنهم { وَأَدْخِلْهُمْجَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْوَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ولن يقدم أحداً لوالديه أولولده من بعده شيئا ًهو ذخراً أعظم لهم من العمل الصالح فإن العبد إذا كان صالحاًنفع الله بصلاحه والديه وذريته من بعده ، ربما جعله الله جلوعلا ممن يشفعون فيعرصات يوم القيامة وهذا أمر مستقراً شرعاً له أدلته الظاهرة في الكتاب والسنة وإنمانمر به هنا ألماماً – نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من أهل ذلك النعيم- قالالله جل وعلا في هذه السورة المباركة يحدث عن أهل النار وهي الخزي الأعظم والخسرانالأكبر قال جل جلاله { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَااثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِتُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} أهل النار يقولون يومئذ{رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ } موته ونحن أجنه في بطون أمهاتنا فنفخت فيناالروح والموته الثانية يوم قبض الأرواح وهي الموته المكتوبة على كل أحد{وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} الحياة الأولى عندما نفخت فينا الروح فكنا أحياء فيبطون أمهاتنا الحياة الأولى حياة الدنيا والحياة الأخرى يوم بعثهم الله جل وعلا منمرقدهم كما قال الله في يس{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِإِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَاهَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} فإذا اعترفوا بهذا يقولونهل إلى خروج من سبيل خروج من النار وعودة للدنيا علهم يتقون ولن يتقوا قال الله جلوعلا في الأنعام { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْلَكَاذِبُونَ} فإذا قالوا ذلك ذكرهم الله جل وعلا بأعظم معصية لهم إلا وهي الإشراكبالله وأن نفوسهم والعياذ بالله كانت تبتهج وتفرح إذا ذكر مع الله غيره وإذا ذكرالله وحده اشمأزت قلوبهم الذين لا يؤمنون بالأخره فمن أراد أن يعرف أين قربه منالله فليرى كيف حاله إذا ذكر الله جل وعلا وحده . اللهم أنا نجئر إليك أن تعيذناأن تقر أعيننا أو تطمئن قلوبنا إلى أحد غيرك.