مشاهدة النسخة كاملة : قواعد قرآنية ~
تاج الوقار
25 Mar 2010, 09:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
قواعد قرآنية
للدكتور / عمر بن عبد الله المقبل .
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً،
قيماً لينذر بأساً شديدا من لدنه، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إن ندًّا وإن وثنا، - جل في علاه
-ما رحم عباده بمثل إنزال القرآن، الذي أنزله تبياناً لكل شيء وهدىً وموعظةً وذكرى، وجعل لتاليه والعاملين من لدنه خيراً وأجراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
كانت حياته وأخلاقه للقرآن تفسيراً وشرحاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه،
ومن اهتدى بهديهم، واستن بسنتهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً،
أزكى صلاةٍ مع التسليم دائمةً *** ما إن لها أبداً حدٌ ولا أمدُ
فهاؤم لمحاتٌ جلية، ووقفاتٌ ندية، مع مقاطع من آيات من كتاب الله العزيز،
فيها حكم وعبر ودرر، عنونتهابـ (قواعد قرآنية)، نحاول فيها ـ إن شاء الله تعالى ـ
أن نقف على جملٍ قصيرة من الجمل التي بُثّت في ثنايا القرآن، وهي على قصرها،
حوت خيراً كثيراً، واشتملت على معانٍ جليلة، تمثل في حقيقتها قاعدة من القواعد،
ومنهجا ومنهاجا، سواءً في علاقة الإنسان مع ربه، أو في علاقته مع الخلق،
أو مع النفس.
إذا فهي قبس وضاء، وبدر منير، وسراج وهاج، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم
قد أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً، فيقول الجملة الواحدة من كلمتين
أو ثلاث، ثم تجد تحتها من المعاني ما يستغرق العلماء في شرحها صفحاتٍ كثيرة،
فما ظنك بكلام الله جل وعلا الذي يهب الفصاحة والبلاغة من يشاء؟!
إن من أعظم مزايا هذه القواعد، الأجر المتكرر عند قراءتها وشمولها،
وسعة معانيها، فليست هي خاصة بموضوع محدد كالتوحيد، أو العبادات مثلاً،
بل هي شاملة لهذا ولغيره من الأحوال التي يتقلب فيها العباد، فثمة قواعدُ تعالج
علاقة العبد بربه تعالى، وقواعدُ تصحح مقام العبودية، وسير المؤمن إلى الله
والدار الآخرة، وقواعدُ لترشيد السلوك بين الناس، وأخرى لتقويم وتصحيح
ما يقع من أخطاء في العلاقة الزوجية، إلى غير ذلك من المجالات،
بل لا أبالغ إذا قلتُ ـ وقد تتبعتُ أكثر من مائة قاعدة في كتاب الله ـ
: إن القواعد القرآنية لم تدع مجالاً إلا طرقته ولا موضوعا إلا ذكرته.
د.عمر بن عبد الله المقبل
المصدر ~
موقع المسلم بإشراف أ.د / ناصر بن سليمان العمر .
تاج الوقار
25 Mar 2010, 09:54 AM
http://hadaeeq.nqeia.com/vb303/images/smilies_s/hadaeeq_21.gif القاعدة الأولى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)
هي قاعدة من القواعد المهمة في باب التعامل بين الناس، وهي قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة: من الآية83].
إنها قاعدة تكرر ذكرها في القرآن في أكثر من موضع إما صراحة أو ضمنا ً:
فمن المواضع التي توافق هذا اللفظ تقريباً: قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: من الآية53].
وقريب من ذلك أمره سبحانه بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، فقال سبحانه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت/46].
أما التي توافقها من جهة المعنى فكثيرة كما سنشير إلى بعضها بعد قليل.
إذا تأمل في قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} جاءت في سياق أمر بني إسرائيل بجملة من الأوامر وهي في سورة مدنية ـ وهي سورة البقرة ـ وقال قبل ذلك في سورة مكية ـ وهي سورة الإسراء ـ: أمراً عاماً {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}.. إذاً فنحن أمام أوامر محكمة، ولا يستثنى منها شيء إلا في حال مجادلة أهل الكتاب ـ كما سبق ـ.
ومن اللطائف مع هذه الآية {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} أن هناك قراءة أخرى سبعية لحمزة والكسائي: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَناً}.
قال أهل العلم: (والقول الحسن يشمل: الحسن في هيئته؛ وفي معناه، ففي هيئته: أن يكون باللطف، واللين، وعدم الغلظة، والشدة، وفي معناه: بأن يكون خيراً؛ لأن كل قولٍ حسنٍ فهو خير؛ وكل قول خير فهو حسن)(1).
وقد أحسن أحمد الكيواني حيث قال:
من يغرس الإحسان يجنِ محبة *** دون المسيء المبعد المصروم
أقل العثار تفز، ولا تحسد، ولا *** تحقد، فليس المرء بالمعصوم
أيها القارئ الموفق:
إننا نحتاج إلى هذه القاعدة بكثرة، خاصةً وأننا ـ في حياتنا ـ نتعامل مع أصناف مختلفة من البشر، فيهم المسلم وفيهم الكافر،
وفيهم الصالح والطالح، وفيهم الصغير والكبير، بل ونحتاجها للتعامل مع أخص الناس بنا: الوالدان، والزوج والزوجة والأولاد، بل ونحتاجها للتعامل بها مع من تحت أيدينا من الخدم ومن في حكمهم.
وأنت ـ أيها المؤمن ـ إذا تأملتَ القرآن، ألفيت أحوالاً نص عليها القرآن كتطبيق عملي لهذه القاعدة، فمثلاً:
1 ـ تأمل قول الله تعالى ـ عن الوالدين ـ: {وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء: من الآية23] إنه أمرٌ بعدم النهر، وهو متضمن للأمر بضده، وهو الأمر بالقول الكريم، الذي لا تعنيف فيه، ولا تقريع ولا توبيخ.
2ـ وكذلك ـ أيضاً ـ فيما يخص مخاطبة السائل المحتاج: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:10] بل بعض العلماء يرى عمومها في كل سائل: سواء كان سائلاً للمال أو للعلم، قال بعض العلماء: "أي: فلا تزجره ولكن تفضل عليه بشيء أورده بقول جميل"(2).
3ـ ومن التطبيقات العملية لهذه القاعدة القرآنية، ما أثنى الله به على عباد الرحمن، بقوله: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان: من الآية63]: يقول ابن جرير ـ رحمه الله ـ في بيان معنى هذه الآية: "وإذا خاطبهم الجاهلون بالله بما يكرهونه من القول، أجابوهم بالمعروف من القول، والسداد من الخطاب"(3).
وهم يقولون ذلك "لا عن ضعف ولكن عن ترفع؛ ولا عن عجز إنما عن استعلاء، وعن صيانة للوقت والجهد أن ينفقا فيما لا يليق بالرجل الكريم المشغول عن المهاترة بما هو أهم وأكرم وأرفع"(4).
ومن المؤسف أن يرى الإنسان كثرة الخرق والتجاوز لهذه القاعدة في واقع أمة القرآن، وذلك في أحوال كثيرة منها:
1 ـ أنك ترى من يدعون إلى النصرانية يحرصون على تطبيق هذه القاعدة، من أجل كسب الناس إلى دينهم المنسوخ بالإسلام، أفليس أهلُ الإسلام أحق بتطبيق هذه القاعدة، من أجل كسب الخلق إلى هذا الدين العظيم الذي ارتضاه الله لعباده.
2 ـ في التعامل مع الوالدين.
3 ـ في تعامل الزوج مع زوجه.
4 ـ مع الأولاد.
5 ـ مع العمالة والخدم.
وقد نبهت آية الإسراء إلى خطورة ترك تطبيق هذه القاعدة، فقال سبحانه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء: من الآية53]!
وعلى من ابتلي بسماع ما يكره أن يحاول أن يحتمل أذى من سمع، ويعفو ويصفح، وأن يقول خيراً، وأن يقابل السفه بالحلم، والقولَ البذيء بالحسن، وإلا فإن السفه والرد بالقول الردئ يحسنه كل أحد.
وهذه واقعة لأحد دهاقنة العلم وهو الإمام مالك رحمه الله مع الشاعر الذي قضى عليه بحكم لم يرق له، فتهدده بالهجاء، فقال له مالك:
(إنما وصفتَ نفسك بالسفه والدناءة، وهما اللذان لا يعجز عنهما أي أحد، فإن استطعت أن تأتي الذي تنقطع دونه الرقاب فافعل: الكرم والمروءة!(5)).
وما أجمل قول المتنبي:
وكل امرئ يولي الجميل محبب *** وكل مكان ينبت العز طيب
الهوآمش
(1) ينظر: تفسير العثيمين 3/196.
(2) تفسير الألوسي 23/15.
(3) تفسير الطبري 19/295.
(4) ينظر: الظلال 5/330.
(5) انظر: ترتيب المدارك 1/59.
تاج الوقار
25 Mar 2010, 09:55 AM
http://hadaeeq.nqeia.com/vb303/images/smilies_s/hadaeeq_21.gif القاعدة الثانية: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ...)
قاعدة عظيمة لها أثرٌ بالغ في حياة الذين وعوها وعقلوها، واهتدوا بهداها،
قاعدة لها صلة بأحد أصول الإيمان العظيمة: ألا وهو: الإيمان بالقضاء والقدر،
وتلكم القاعدة هي قوله سبحانه وتعالى ـ في سورة البقرة في سياق الكلام على
فرض الجهاد في سبيل الله ـ: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]}.
وهذا الخير المجمل، فسره قوله تعالى في سورة النساء ـ في سياق الحديث عن
مفارقة النساء ـ: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
فقوله (خيراً كثيراً) مفسر وموضح للخير الذي ذكر في آية البقرة، وهي الآية الأولى التي استفتحنا بهذا هذا الحديث.
ومعنى القاعدة بإيجاز:
أن الإنسان قد يقع له شيء من الأقدار المؤلمة، والمصائب الموجعة،
التي تكرهها نفسه، فربما جزع، أو أصابه الحزن، وظن أن ذلك المقدور هو
الضربة القاضية، والفاجعة المهلكة، لآماله وحياته، فإذا بذلك المقدور منحة في
ثوب محنة، وعطية في رداء بلية، وفوائد لأقوام ظنوها مصائب، وكم أتى نفع ا
لإنسان من حيث لا يحتسب!.
والعكس صحيح: فكم من إنسان سعى في شيءٍ ظاهره خيرٌ، وأهطع إليه،
واستمات في سبيل الحصول عليه، وبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليه،
فإذا بالأمر يأتي على خلاف ما يريد،
و هذا هو معنى القاعدة القرآنية التي تضمنتها هذه الآية باختصار.
أيها القارئ الموفق:
ما إن تمعن بناظريك، وترجع البصر كرتين، متأملاً الآيتين الكريمتين الأولى والثانية،
إلا وتجد الآية الأولى ـ التي تحدثت عن فرض الجهاد ـ تتحدث عن ألم بدني وجسميًّ
قد يلحق المجاهدين في سبيل الله، كما هو الغالب، وإذا تأملت الآية الثانية ـ آية مفارقة النساء ـ ألفيتها تتحدث عن ألم نفسي يلحق أحد الزوجين بسب فراقه لزوجه!
وإذا بصرت في آية الجهاد وجدتها تتحدث عن عبادة من العبادات، وإذا تمعنت آية النساء، وجدتها تتحدث عن علاقات دنيوية.
إذن فنحن أمام قاعدة تناولت أحوالاً شتى: دينية ودنيوية، بدنية ونفسية،
وهي أحوال لا يكاد ينفك عنها أحد في هذه الحياة التي:
جبلت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأقذاء والأقذار
وقول الله أبلغ وأوجز وأعجز، وأبهى مطلعا وأحكم مقطعا: {لقد خلقنا الإنسان في كبد}.
إذا تبين هذا ـ أيها المؤمن بكتاب ربه ـ فأدرك أن إعمال هذه القاعدة القرآنية: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
من أعظم ما يملأ القلب طمأنينة وراحةً، ومن أهم أسباب دفع القلق
الذي عصف بحياة كثير من الناس، بسبب موقف من المواقف، أو بسبب قدر
من الأقدار المؤلمة ـ في الظاهر ـ جرى عليه في يوم من الأيام!
ولو قلبنا قصص القرآن، وصفحات التاريخ، أو نظرنا في الواقع لوجدنا من ذلك
عبراً وشواهدَ كثيرة، لعلنا نذكر ببعض منها، عسى أن يكون في ذلك سلوةً لكل
محزون، وعزاء لكل مهموم:
1ـ قصة إلقاء أم موسى لولده في البحر!
فأنت ـ إذا تأملتَ ـ وجدتَ أنه لا أكره لأم موسى من وقوع ابنها بيد آل فرعون، ومع ذلك ظهرت عواقبه الحميدة، وآثاره الطيبة في مستقبل الأيام، وصدق ربنا: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
2ـ وتأمل في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام تجد أن هذه الآية منطبقة تمام
الانطباق على ما جرى ليوسف وأبيه يعقوب عليهما الصلاة والسلام.
3ـ تأمل في قصة الغلام الذي قتله الخضر بأمر الله تعالى، فإنه علل قتله
بقوله: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 80، 81]!
توقف ـ أيها المؤمن ويا أيتها المؤمنة عندها قليلاً ـ!
كم من إنسان لم يقدر الله تعالى أن يرزقه بالولد، فضاق ذرعا بذلك،
واهتم واغتم وصار ضيقا صدره ـ وهذه طبيعة البشر ـ لكن الذي لا ينبغي أن
يحدث هو الحزن الدائم، والشعور بالحرمان الذي يقضي على بقية مشاريعه في الحياة!
وليت من حرم نعمة الولد أن يتأمل هذه الآية لا ليذهب حزنه فحسب،
بل ليطمئن قلبه، وينشرح صدره، ويرتاح خاطره، وليته ينظر إلى هذا القدر بعين النعمة،وبصر الرحمة، وأن الله تعالى رُبَما صرف هذه النعمة رحمةً به! وما يدريه؟
لعله إذا رزق بولد صار - هذا الولد - سبباً في شقاء والديه، وتعاستهما،
وتنغيص عيشهما! أو تشويه سمعته، حتى لو نطق لكاد أن يقول:؟؟؟
4 ـ وفي السنة النبوية نجد هذا لما ماتت زوج أم سلمة: أبو سلمة رضي الله
عنهم جميعاً، تقول أم سلمة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها. إلا أخلف الله له خيرا منها».
قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبى سلمة؟
أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه؟ ثم إني قلتها،
فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه!
فتأمل هذا الشعور الذي انتاب أم سلمة ـ وهو بلا شك ينتاب بعض النساء اللاتي
يبتلين بفقد أزواجهن ويتعرض لهن الخُطاب ـ ولسان حالهن: ومن خير من أبي فلان؟! فلما فعلتْ أم سلمة ما أمرها الشرع به من الصبر والاسترجاع وقول المأثور،
أعقبها الله خيراً لم تكن تحلمُ به، ولا يجول في خلدها.
وهكذا المؤمنة.. يجب عليها أن لا تختصر سعادتها، أو تحصرها في باب
واحد من أبواب الحياة، نعم.. الحزن العارض شيء لم يسلم منه
ولا الأنبياء والمرسلون! بل المراد أن لا نحصر الحياة أو السعادة في شيء واحد، أو رجل، أو امرأة، أو شيخٍ!
5ـ وفي الواقع قصص كثيرة جداً، أذكر منها ما ذكره الطنطاوي رحمه الله عن
صاحب له: أن رجلاً قدم إلى المطار، وكان حريصا على رحلته، وهو
مجهد بعض الشيء، فأخذته نومةٌ ترتب عليها أن أقلعت الطائرة،
وفيها ركاب كثيرون يزيدون على ثلاث مئة راكب، فلما أفاق إذا بالطائرة
قد أقلعت قبل قليل، وفاتته الرحلة، فضاق صدره، وندم ندماً شديداً،
ولم تمض دقائق على هذه الحال التي هو عليها حتى أعلن عن سقوط الطائرة، واحتراق من فيها بالكامل!
والسؤال أخي: ألم يكن فوات الرحلة خيراً لهذاالرجل؟! ولكن أين المعتبرون والمتعظون؟
6- وهذا طالب ذهب للدراسة في بلد آخر، وفي أيام الاختبارات ذهب لجزيرة
مجاورة للمذاكرة والدراسة، وهو سائر في الجزيرة قطف بعض الورود،
فرآه رجال الأمن فحبسوه يوماً وليلة عقاباً لصنيعه مع النبات، وهو يطلب منهم
بإلحاح إخراجه ليختبر غدا، وهم يرفضون، ثم ماذا حصل!؟ لقد غرقت السفينة
التي كانت تقل الركاب من الجزيرة ذلك اليوم، غرقت بمن فيها، ونجا هو بإذن الواحد الأحد!
والخلاصة ـ :
أن المؤمن عليه:
أن يسعى إلى الخير جهده *** وليس عليه أن تتم المقاصد
وأن يتوكل على الله، ويبذل ما يستطيع من الأسباب المشروعة، فإذا وقع شيءٌ
على خلاف ما يحب،فليتذكر هذه القاعدة القرآنية العظيمة: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]}.
وليتذكر أن (من لطف الله بعباده أنه يقدر عليهم أنواع المصائب،
وضروب المحن، و الابتلاء بالأمر والنهي الشاق رحمة بهم، ولطفاً، وسوقا إلى كمالهم، وكمال نعيمهم)(1).
ومن ألطاف الله العظيمة أنه لم يجعل حياة الناس وسعادتهم مرتبطة ارتباطاً تاماً
إلا به سبحانه وتعالى، وبقية الأشياء يمكن تعويضها، أو تعويض بعضها:
من كل شيء إذا ضيعته عوضٌ *** وما من الله إن ضيعتهُ عوضُ
(1) تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي: (74).
الرحال99
25 Mar 2010, 10:34 AM
جزاكم الله خير وبارك فيكم
طيف المدينة
01 Jun 2010, 06:55 PM
جزاكِ الله خير ..
أختكم في الله مها
01 Jun 2010, 08:36 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
أبولؤى
01 Jun 2010, 11:39 PM
جزاك الله من كل خيره
وبارك الله فيك
وشكراً للجميع
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir