انا بنت الاسلام
30 Apr 2010, 04:42 PM
الاستفادة من الأطفال في الدعوة إلى الله _تعالى_
موقع (المسلم)
قدمت الطفلة ذات الأربع سنوات إلى منزل جدها في إحدى الدول العربية، في إجازة مع والديها بعد سنة عمل في المملكة العربية السعودية.
كان الجميع مهتماً بها، الكل يلاعبها ويحرص على سعادتها وتقديم كل ما ترغب به، وعلى الاستمتاع بوجودها بينهم، خاصة وأن الإجازة قصيرة، وهي ستعود مجدداً مع والديها إلى السعودية.
في البداية، وجدت الطفلة الصغيرة صعوبة في التأقلم السريع مع أهل والدها ووالدتها، ولكن ما هي إلا أيام معدودة، حتى عادت إلى طبيعتها من مرح وحركة وترديد ما تعلمته خلال المدة الماضية.
وعندما بدأ بعض أقاربها بتحيتها الصباحية "صباح الخير" أو المسائية "مساء الخير" كانت تصمت ولا ترد عليهم بالتحية، بل كانت تقول لهم: "السلام عليكم ورحمة الله".
وعندما تدخل إلى المنزل بعد زيارة خارجه، أو بعد أن تكون قد ذهبت إلى إحدى المحلات بصحبة أحد أقاربها لشراء سكاكر وحلويات، بدأت تردد في كل مرة دعاء الدخول إلى المنزل "بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله توكلنا".
لاحظ الجميع ما تردده هذه الطفلة الصغيرة (التي ألحقها والداها بدار تحفيظ قرآن في السعودية) من أذكار وأدعية في كل مناسبة تمر بها خلال يومها العادي، وقارن أقاربها بين ما تعودوا أن يرددوه من جمل دخيلة على الدين الإسلامي وبين ما تردده هذه الصغيرة من أذكار أوصى بها نبي الأمة محمد _صلى الله عليه وسلم_، فما كان منهم إلا أن بدؤوا يتعلموا منها ترديد هذه الأذكار في كل مناسبة.
هذه القصة حقيقية، وقد وقعت بالفعل، وهي تعبير واقعي وصادق عن إمكانية تحويل الطفل إلى داعية لله _عز وجل_ حتى وإن كان هو لا يعلم بهذا الشيء.
ويروي أحد الأخوة قصة حقيقية أخرى، فيقول: " إن طفلاً ذهب مع أقاربه لإلقاء كلمات في قرية مجاورة، وذهب كل منهم إلى شارع ليطرق باب الناس وليعلمهم عن محاضرة، وعندما طرق الطفل باب أحدهم، خرج صاحب البيت مغضباً، فقال له الطفل: "نحن ضيوف أتينا من مدينة مجاورة، وبعد المغرب سنلقي محاضرة، ونتمنى أن تحضر"، فغضب الرجل وبصق في وجه الطفل، فما كان من الطفل إلا أن مسح البصاق من وجهه، وقال: "الحمد لله الذي ابتليت في سبيله".
اهتز الرجل وتأثر تأثراً كبيراً بموقف الطفل، واعتذر منه كثيراً، وذهب معه للمسجد واستضاف الطفل ومن معه في بيته.
أهمية الاستفادة من الطفل في الدعوة:
لا تنحصر أهمية أن يكون الطفل داعياً إلى الله في استفادة المجتمع منه، بل يحصل الطفل قبل غيره على الاستفادة من هذه التربية.
لذلك، فإن أهمية الاستفادة من الطفل في الدعوة إلى الله، تنقسم قسمين:
1- تربية الطفل تربية إسلامية صحيحة.
فعندما نربي أطفالنا على قيم الدين الإسلامي الحنيف، نكون قد شكلنا اللبنة الأساسية الصالحة –بإذن الله- التي ستؤثر على حياته القادمة كاملة.
فعن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "علموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع" الحديث.
وما ذلك إلا لأن تعلميهم الصلاة وهم أطفال، سيسهل عليهم المواظبة عليها عند الكبر.
وقيل: "العلم في الصغر كالنقش في الحجر"، وهو أساس ما يمكن أن يربى عليه الأطفال، فإن تعلم الطفل في صغره أمور دينه من صلاة وصدقة وصدق وحب الخير وبغض الحرام وقراءة القرآن والذكر، نما وكبر على ذلك، وسهل عليه فيما بعد المواظبة على معظم تعاليم الدين الإسلامي، ولكن إن تعلم في صغره الغش والكذب وترديد الأغاني والألحان ومشاهدة الحرام في المنزل أو في التلفاز، نما وكبر على ذلك، وبات من الصعب جداً تغيير أصل ما حدث في نفس، وما رسخ في ذاكرته ووجدانه.
2- إبلاغ الدعوة إلى الآخرين.
الفائدة الثانية التي يحققها الاستفادة من الطفل في الدعوة، هو إيصال الرسائل الدعوية إلى الأطفال من جيله، وإلى المجتمع الذي يكبره، بسهولة ويسر، يصبح تأثيرها -في بعض الأحيان- أكبر من تأثير الكتب والأشرطة والوسائل الدعوية الأخرى.
إذ يمتلك الطفل العديد من الخصائص والمميزات التي تساعده على أن يكون داعياً فاعلاً في المجتمع المحيط فيه، وهو ما يحقق للمجتمع فائدة عظيمة.
ميزات الطفل في الدعوة إلى الله:
يرتكز أساس مشروع الاستفادة من الطفل في الدعوة إلى الله على المميزات التي يمتلكها الطفل دون غيره، والتي تمكنه من إيصال الرسالة الدعوية بكل سهولة ويسر إلى المجتمع.
من هذه المميزات ما يذكره الأستاذ بدر بن عبد الله الصبي (مدرس مادة التربية الإسلامية والمدرس في دور تحفيظ القرآن الكريم)، وهي:
- الطلاقة في الحديث وحسن التعبير.
- قوة الشخصية وحب القيادة.
- القدوة الحسنة.
- جمال المظهر ونظافة الملبس، ودماثة الخلق.
- شيء من الثقافة والاطلاع.
فيما تذكر السيدة أم عبد الرحمن (الدارسة في دار أم سلمة لتحفيظ القرآن) بعض الميزات الأخرى ، وهي:
أ – في الأطفال حماسة لفعل ما يُشعرهم أنهم مثل الكبار.
ب – جرأتهم في إنكار ما عُلّموا أنه منكر دون محاباة أو حرج.
جـ - ميلهم لتقليد الآباء والمربين، فإن صادفوا أسوة حسنة اصطبغوا بصبغتها منذ صغرهم.
د – ميلهم للتنافس مع من هم في مثل سنهم، ويمكن أن يدفعهم ذلك لحفظ القرآن والحرص على السمت الإسلامي وتوجيه الآخرين وما إلى ذلك.
هـ - قدرتهم العالية على اختزان المشاهد وشدة تأثرهم لأوقات طويلة بما يرون، يمكن الاستفادة من ذلك في تعريفهم بما يجري لإخواننا المسلمين وتبغيض الكفار لهم وتعريفهم بحقيقة عدوهم وشغلهم بقضايا الأمة وتعويدهم الدعاء للمسلمين ونحو ذلك.
و – سعة خيالهم وميلهم لاكتساب المهارات، ويمكن توظيف ذلك بحسب كل طفل.
ز – عمق إحساسهم بالامتنان لمن يحسن إليهم: يمكن أن نغرس في نفوسهم حب الله ورسوله وصحابته وأهل العلم.
وتضيف السيدة أم عبد الرحمن قصة تشير إلى ما ذكرته من صفات خاصة بالأطفال في الدعوة، فتقول: " أعرف طفلاً في المرحلة التمهيدية، وكان شديد التعلق بمعلمته – لمعرفتها بطبيعة الأطفال وحسن التعامل معهم – لذلك، فقد كان يرفض الخروج مع أمه المتبرجة ما لم تستتر مثلما تفعل معلمته".
كما يضيف الأستاذ عبد الله الصغير بعض هذه المميزات بالقول: " الطفل يتميز بتلقائيته وطاقته العالية وسلامة فطرته وعاطفته وحبه للتقليد والمحاكاة ففي كل مزية من هذه إذا أُحسن استثمارها وهُيّئ الجو المناسب تجعل الطفل قادراً على الدعوة إلى الله، وأبسط مثال لذلك أن الطفل إذا سمع أو تعلم في منزله أن الدخان حرام مثلاً نجده بتلقائية يقول: إن الدخان حرام في مجتمعات أخرى محيطة به حتى بدون أن يطلب منه ذلك، كذلك إذا أحب الطفل أحداً من مجتمعه المحيط به بدأ يقلده فيدفع الصدقة للفقير إذا رأى والده يكرر ذلك دائماً ويوزع الشريط إذا رأى أن هذا ديدن والده أو معلمه".
نماذج واقعية:
من الأمثلة الواقعية التي نعيشها في وقتنا الحالي، الطفل الداعية عبد الله بن محمد جبر، والذي كتبت الكثير من وسائل الإعلام العربية عنه، وكرمه العديد من المشائخ، وأثنى عليها أئمة العلم الشرعي، منهم الشيخ عبد العزيز ابن باز _رحمه الله_، والشيخ عبد الله التركي، وشيخ الأزهر جاد الله، والشيخ محمد بن صالح العثيمين _رحمه الله_، وغيرهم، كل ذلك، وهو لم يكن قد تجاوز عمره التسع سنوات.
وقد لد الشيخ الطفل عبد الله جبر بمدينة الوادي الجديد في مصر في التاسع عشر من شهر شوال عام 1405 هـ الموافق 7/7/1985 م .
• حفظ القرآن الكريم في 10 / 9 / 1992 م، حيث كان عمره سبع سنين وشهرين و 3أيام.
• ثم انتقل لحفظ الحديث الشريف فبدأ بحفظ الأربعين النووية.
• ثم أتم حفظ كتاب (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان)، وكان ذلك في 6 / 7 / 1994م.
• وبعد ذلك حفظ (مختصر صحيح البخاري) للزبيدي.
• و(مختصر صحيح مسلم) للمنذري.
• و(متن البيقونية في علم الحديث).
• و(منظومة سلم الوصول إلى علم الأصول).
• وهو يحفظ الآن متن الشاطبية في القراءات السبع، حيث وصل فيه إلى ثلثيه.
تعلم عبد الله ارتقاء المنابر للخطابة منذ كان عمره ثمانية أعوام على يد شيخه محمود غريب.
وكان يحضر دروس الشيخ محمد العثيمين _رحمه الله_ التي تعقد في الحرم في رمضان.
كما التقى بسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وعرض عليه علمه فدعا له الشيخ وأوصى به والده.
ومن النماذج التي نعيشها في واقعنا أيضاً، الأطفال الذين تشاركهم دور الإنشاد وبعض الوسائل الإعلامية في الدعوة إلى الله.
ففي قناة المجد الفضائية -على سبيل المثال- يوجد العديد من الأطفال (أولاد وفتيات) ممن يمتهنون الدعوة إلى الله في حياتهم اليومية، ويوظفون طاقاتهم وقدراتهم الإبداعية في تقديم صورة صحيحة وجميلة عن الإسلام.
وتزخر القناة بوجود برامج تستهدف بالدرجة الأولى الأطفال، وأبطالها كلهم من الأطفال، من حفظة القرآن، أو من مقدمي البرامج، أو من المنشدين والمنشدات الذين يقدمون أناشيد تلامس أحاسيس الطفل، مليئة بالمعاني الإسلامية، وبالقيم النبيلة، وبالأخلاق الحميدة.
كيف يمكننا الاستفادة من الطفل في الدعوة إلى الله؟
رغم بساطة الطفل، وإمكانية تعلمه بسرعة ويسر، وإمكانية تطويعه للخير، إلا أن التعامل مع الطفل يجب أن ينحصر ضمن نطاق معين من الأساليب والتوجهات الناجحة، فلكل بيت باب يطرقه، ولكل مسألة مدخل لها.
والاستفادة من الطفل في الدعوة إلى الله يجب أن تبنى على قواعد وأسس متينة منذ البداية، وتبقى بعيدة -قدر المستطاع- عن السلبيات التي يمكن أن تواجه هذا السبيل.
يحدد الأستاذ عادل العبد المنعم (المدرّس في ابتدائية الوليد بن عبد الملك في الحرس الوطني) بعض الطرق التي تمكننا من الاستفادة من الطفل في الدعوة، فيقول: " في البداية لا بد من تأسيس الطفل وتربيته تربية إسلامية راسخة كي نستفيد منه مستقبلاً في الدعوة إلى الله، وهناك مجالات يستطيع الطفل أن يمارسها في الدعوة إلى الله، مثل: دعوة زملائه وأصدقائه إلى فعل الفضائل وترك الرذائل، فإذا رأى هذا الطفل زميلاً له قد كذب مثلاً، فإنه ينصحه ويقول له: إن الكذب حرام، وهكذا...".
فيما يقول الأستاذ عبد الله الصغير: " يمكننا ذلك بغرس الإيمان في نفسه، وذلك بتهيئة الجو الإيماني في محيطه، كذلك بزرع الثقة به وتنمية ثقته بنفسه بحيث يشعر بقدرته على القيام بالمهام والتكاليف الدعوية، ثم بتأهيله لبعض الصفات والخصائص المطلوب توافرها في الداعية كالقدرة على الحديث أمام الناس وحسن الخلق واللطف (التلطف) مع الآخرين وغيرها، أخيراً وجود القدوة الصالحة المحببة إلى نفسه".
ويعدد الأستاذ بدر عبد الله الصبي بعض النقاط الهامة في هذا المجال بما يلي:
- تربية الطفل على الأخلاق الحسنة، وحب تقديم الخير للآخرين.
- تدريب الطفل على حسن التعبير عن أفكاره.
- تنمية مهارة الإلقاء ومواجهة الجمهور.
- تعويد الطفل على المبادرة واتخاذ القرار، وتقوية شخصيته.
أما الأستاذ خالد بن محمد بن خليفة آل عمر (المدرس في حلقات تحفيظ القرآن الكريم بالرياض) فيرى في كتاب الله -عز وجل- خير معين للطفل على اكتساب معظم المهارات في الدعوة إلى الله، حيث يقول: " إن الحرص على تحفيظ الطفل كتاب الله، يعد من أجَلّ الأعمال التي يمكن عملها بتوفيق الله _عز وجل_ للاستفادة حالياً ومستقبلاً في مجال الدعوة، فكتاب الله فيه كل الوسائل الممكنة في الدعوة إلى الله، فيتعلم الطفل أحكام الصلاة وتنفيذها على الوجه الصحيح، وذهابه وإيابه للمسجد جماعة مع المسلمين يجعله قدوة حسنة ويجعله متمكناً من الدعوة إلى الله بحثِّ زملائه على الصلاة في المسجد".
سلبيات يجب ألا نقع فيها:
لكل عمل -مهما صغر أو كبر- إيجابيات وسلبيات، ويقول البعض: " إن الخطأ يأتي مع العمل"، فإن لم تكن تعمل، فلا أخطاء لديك.
لذلك، فإننا نعي أن رسم خطة ناجحة للاستفادة من الأطفال في مجال الدعوة، وتطبيق هذه الخطة، ستتأثر بسلبيات عديدة، وقد تواجه مشاكل طارئة، يجب أن نكون متنبهين ويقضين لها، كي لا تفاجئنا وتحبط أعمالنا، وكي لا تؤدي بالعمل الدؤوب إلى طريق سلبي، بعيد عما نتمناه.
من تلك السلبيات التي يجب ألا نقع فيها في مجال الاستفادة من الطفل في الدعوة، ما يعددها الأستاذ بدر الصبي، وهي:
- تعريض الطفل لاستجداء الناس وإراقة ماء الوجه، وذلك من خلال جمع التبرعات، أو ترك الأموال وإهمالها معه مما يغريه بالاختلاس.
- القذف بالطفل في المواقف الدعوية الصعبة، مثل: إنكار بعض أنواع المعاصي لدى من هو أكبر منه، مما قد يعرضه للتراجع عن الدعوة في الكبر.
وهذا الحرص على تلافي السلبيات يؤكد على أهمية كرامة الطفل ومشاعره، وعدم تعريضه لمواقف قد تؤدي به إلى إركاسات سلبية في شخصيته، قد ترافقه مدة طويلة من حياته.
كذلك يحدد الأستاذ عادل العبد المنعم بعض الصفات التي تركز على أهمية خلق فرص إبداعية للطفل، فيقول: " يجب علينا ألا نستهين بقدرات أطفالنا، فهذا الطفل لديه قدرات ومواهب يجب أن نستغلها في الدعوة إلى الله، فمثلاً لا نفرض على الطفل شيئاً معيناً، بل نترك له الحرية في الإبداع، وابتكار بعض الأساليب التي تفيد في الدعوة إلى الله، ويبقى واجبنا نحن في الإشراف والمتابعة والتصحيح".
وفي ذلك إتاحة الفرصة أمام الأطفال للتعبير عن أنفسهم بطريقتهم الخاصة، وإبداع أفكار جديدة، قد تصبح أساساً جديداً في مجال الدعوة.
فيما يذكر الأستاذ عبد الله الصغير بعضاً من هذه السلبيات، فيقول: " من أهم السلبيات ألا نحرج الطفل بعمل لا يندفع إليه ولا يرغب به؛ لأنه يولد عنده نفوراً ولو بعد حين كذلك لا يكلف بعمل يفوق مستوى تفكيره أو يعرض لمواقف صعبة لا يستطيع التصرف فيها، ومن السلبيات تعويده على الماديات بحيث لا يقوم بعمل إلا ويكافأ عليه مادياً بل لا بد من مكافآت معنوية أحياناً".
وتعدد السيدة أم عبد الرحمن بعضاً من السلبيات التي تلاحظها من خلال تجربتها الشخصية، وهي:
أ – التعامل معهم على أنهم صغار قليلو القدرات، ليسوا أهلاً لتحمل المسؤوليات.
ب – استعمال الألفاظ الشرعية مع صغار السن مما يدفعهم لاستعمالها في غير مواضعها، وبخاصة المنطوية على فتاوى تصدر عن علم كلفظ الحلال والحرام.
جـ - السلوك الذي يبدو متناقضاً يربك الطفل وربما صدّه عن التأسي بمربيه – حسب سنه-.
ومعرفة هذه السلبيات تشكل ضمانة مساندة لتأسيس صحيح لطفل دعوي قادر على تحمل مسؤولية من نوع جديد، لم يكن بالحسبان -أحياناً- الاستفادة منها.
حتى لا نقف عند حد معين:
العمل الدعوي عمل كله بركة، والدعوة إلى الله هي عمل الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يحدث فيها الأجر العظيم من العمل القليل، وكلما استطاع الداعي إلى الخير أن يؤثر أكثر في نفوس الناس، حصل على أعظم الأجور، ذلك أنه وكما قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً" أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة.
لذلك، فمن المفيد أن نحاول تطوير العمل الدعوي لدى الأطفال، كي لا نقف عند حد معين، قد يموت عنده التطوير والاستمرار، وقد يحدث فيه الملل والفتور.
وكلما استطعنا أن نطور عمل الأطفال في الدعوة إلى الله، أصبح الأجر أعظم والعمل أدوم.
يرى الأستاذ عادل العبد المنعم أن اكتشاف المواهب في الطفل، هي أساس تطوير عمله، فيقول: " نستطيع أن نطور الاستفادة من الطفل في مجال الدعوة عن طريق اكتشاف المواهب والقدرات التي يتميز بها كل طفل، ونقوم بتنمية هذه المواهب وتطويرها عن طريق بعض البرامج والدورات المصغرة للأطفال، فهذه تساعد الطفل في تنمية موهبته وتطويرها، وبالتالي نستفيد من هذه الموهبة في مجال الدعوة إلى الله".
فيما يركز الأستاذ عبد الله الصغير على مسألة تنمية ومتابعة الأطفال؛ لرفع مستوى عملهم، وتطوير أساليبهم ، فيقول: " كلما ارتقينا بالطفل إيمانياً واجتماعياً وثقافياً استطعنا أن نطور الاستفادة منه، ولذلك لا بد من حب غرس القراءة في قلبه وتعويده حب الخير ومساعدة الآخرين، وعدم إبداء التناقضات أمامه بحيث أوامر اليوم تكون نواهي بالغد، وأخيراً عدم التقليل من شأنه بل إعطاؤه المجال دائماً للتعبير عن نفسه وإبداء ما فيها مع التوجيه وتقويم الخطأ _إن وجد_ أيضاً التأليف القصصي الموجه للطفل".
أما الأستاذ بدر الصبي، فيركز على دور المجتمع والجهات المختصة في ذلك، ويذكر بعض الأساليب التي تساعد في تطوير عمل الطفل الداعية، وهي:
- تكوين مؤسسات أو لجان لتربية الأطفال تربيةً إسلامية متكاملة.
- نشر مجموعة من الأفكار الدعوية التي يمكن للأطفال المساهمة فيها.
- بث هذه الفكرة لدى المعنيين بتربية الطفل.
ويذكر الأستاذ خالد آل عمر بعض الأساليب الأخرى، منها:
- استشارة الطفل وأخذ رأيه في بعض الأمور المتعلقة بالدين والدعوة ومعرفة كيفية رده وتصرفه وموقفه حيال ذلك.
- تعويدهم على القيام بعدد من المسؤوليات.
- تعويده على المشاركة الاجتماعية كالتعاون مع جمعيات البر ومساعدة الفقراء والمحتاجين وإغاثة اللهفان، وكذلك تعويده على إلقاء الكلمات بعد الصلاة في المدرسة.
- تعويده على اتخاذ قراره دينياً واجتماعياً ونفسياً وفي كل مواقف حياته قدر المستطاع .
كما توجد بعض الأساليب الأخرى، وهي:
- وجود محاضن تربوية لتنمية قدرات الطفل الداعية.
- الاهتمام بالبيئة والبيت والمدرسة في حياة الطفل، وتحمل كل منهم مسؤوليته.
- التشجيع والمكافأة للأطفال، ما ينمي لديهم روح التطوير والعمل الدؤوب.
- لا بد له من أن يأخذ حقه من الطفولة كاللعب والمرح والنوم والأكل، وإن لم يأخذها في صغره فيخشى أن يأخذها إذا كبر بطريقة خاطئة.
القصص التي يرويها الناس حول تأثير أحد الأطفال على أقرانه أو أقربائه أو مجتمعه، كثيرة ومتعددة، والأسباب التي أدت إلى ذلك متنوعة ومشاهدة بشكل شبه يومي.
بقي علينا فقط أن نخلص النية لله _عز وجل_ ونعمل ما بوسعنا لكسب تلك القدرة الصادقة والبريئة والمفعمة بالحيوية والنشاط، لإدخالها إلى العمل الإسلامي الدعوي، أملاً بالأجر والمثوبة من الله _تعالى_، وعملاً بسنة نبيه محمد _صلى الله عليه وسلم_، ونشراً للعمل الصالح بين الناس، علّ الله أن يجعل من الجيل الجديد، جيلاً صالحاً يستطيع أن يحقق للأمة الإسلامية ما عجزت عنه أجيال كثيرة حتى الآن.
موقع (المسلم)
قدمت الطفلة ذات الأربع سنوات إلى منزل جدها في إحدى الدول العربية، في إجازة مع والديها بعد سنة عمل في المملكة العربية السعودية.
كان الجميع مهتماً بها، الكل يلاعبها ويحرص على سعادتها وتقديم كل ما ترغب به، وعلى الاستمتاع بوجودها بينهم، خاصة وأن الإجازة قصيرة، وهي ستعود مجدداً مع والديها إلى السعودية.
في البداية، وجدت الطفلة الصغيرة صعوبة في التأقلم السريع مع أهل والدها ووالدتها، ولكن ما هي إلا أيام معدودة، حتى عادت إلى طبيعتها من مرح وحركة وترديد ما تعلمته خلال المدة الماضية.
وعندما بدأ بعض أقاربها بتحيتها الصباحية "صباح الخير" أو المسائية "مساء الخير" كانت تصمت ولا ترد عليهم بالتحية، بل كانت تقول لهم: "السلام عليكم ورحمة الله".
وعندما تدخل إلى المنزل بعد زيارة خارجه، أو بعد أن تكون قد ذهبت إلى إحدى المحلات بصحبة أحد أقاربها لشراء سكاكر وحلويات، بدأت تردد في كل مرة دعاء الدخول إلى المنزل "بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله توكلنا".
لاحظ الجميع ما تردده هذه الطفلة الصغيرة (التي ألحقها والداها بدار تحفيظ قرآن في السعودية) من أذكار وأدعية في كل مناسبة تمر بها خلال يومها العادي، وقارن أقاربها بين ما تعودوا أن يرددوه من جمل دخيلة على الدين الإسلامي وبين ما تردده هذه الصغيرة من أذكار أوصى بها نبي الأمة محمد _صلى الله عليه وسلم_، فما كان منهم إلا أن بدؤوا يتعلموا منها ترديد هذه الأذكار في كل مناسبة.
هذه القصة حقيقية، وقد وقعت بالفعل، وهي تعبير واقعي وصادق عن إمكانية تحويل الطفل إلى داعية لله _عز وجل_ حتى وإن كان هو لا يعلم بهذا الشيء.
ويروي أحد الأخوة قصة حقيقية أخرى، فيقول: " إن طفلاً ذهب مع أقاربه لإلقاء كلمات في قرية مجاورة، وذهب كل منهم إلى شارع ليطرق باب الناس وليعلمهم عن محاضرة، وعندما طرق الطفل باب أحدهم، خرج صاحب البيت مغضباً، فقال له الطفل: "نحن ضيوف أتينا من مدينة مجاورة، وبعد المغرب سنلقي محاضرة، ونتمنى أن تحضر"، فغضب الرجل وبصق في وجه الطفل، فما كان من الطفل إلا أن مسح البصاق من وجهه، وقال: "الحمد لله الذي ابتليت في سبيله".
اهتز الرجل وتأثر تأثراً كبيراً بموقف الطفل، واعتذر منه كثيراً، وذهب معه للمسجد واستضاف الطفل ومن معه في بيته.
أهمية الاستفادة من الطفل في الدعوة:
لا تنحصر أهمية أن يكون الطفل داعياً إلى الله في استفادة المجتمع منه، بل يحصل الطفل قبل غيره على الاستفادة من هذه التربية.
لذلك، فإن أهمية الاستفادة من الطفل في الدعوة إلى الله، تنقسم قسمين:
1- تربية الطفل تربية إسلامية صحيحة.
فعندما نربي أطفالنا على قيم الدين الإسلامي الحنيف، نكون قد شكلنا اللبنة الأساسية الصالحة –بإذن الله- التي ستؤثر على حياته القادمة كاملة.
فعن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "علموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع" الحديث.
وما ذلك إلا لأن تعلميهم الصلاة وهم أطفال، سيسهل عليهم المواظبة عليها عند الكبر.
وقيل: "العلم في الصغر كالنقش في الحجر"، وهو أساس ما يمكن أن يربى عليه الأطفال، فإن تعلم الطفل في صغره أمور دينه من صلاة وصدقة وصدق وحب الخير وبغض الحرام وقراءة القرآن والذكر، نما وكبر على ذلك، وسهل عليه فيما بعد المواظبة على معظم تعاليم الدين الإسلامي، ولكن إن تعلم في صغره الغش والكذب وترديد الأغاني والألحان ومشاهدة الحرام في المنزل أو في التلفاز، نما وكبر على ذلك، وبات من الصعب جداً تغيير أصل ما حدث في نفس، وما رسخ في ذاكرته ووجدانه.
2- إبلاغ الدعوة إلى الآخرين.
الفائدة الثانية التي يحققها الاستفادة من الطفل في الدعوة، هو إيصال الرسائل الدعوية إلى الأطفال من جيله، وإلى المجتمع الذي يكبره، بسهولة ويسر، يصبح تأثيرها -في بعض الأحيان- أكبر من تأثير الكتب والأشرطة والوسائل الدعوية الأخرى.
إذ يمتلك الطفل العديد من الخصائص والمميزات التي تساعده على أن يكون داعياً فاعلاً في المجتمع المحيط فيه، وهو ما يحقق للمجتمع فائدة عظيمة.
ميزات الطفل في الدعوة إلى الله:
يرتكز أساس مشروع الاستفادة من الطفل في الدعوة إلى الله على المميزات التي يمتلكها الطفل دون غيره، والتي تمكنه من إيصال الرسالة الدعوية بكل سهولة ويسر إلى المجتمع.
من هذه المميزات ما يذكره الأستاذ بدر بن عبد الله الصبي (مدرس مادة التربية الإسلامية والمدرس في دور تحفيظ القرآن الكريم)، وهي:
- الطلاقة في الحديث وحسن التعبير.
- قوة الشخصية وحب القيادة.
- القدوة الحسنة.
- جمال المظهر ونظافة الملبس، ودماثة الخلق.
- شيء من الثقافة والاطلاع.
فيما تذكر السيدة أم عبد الرحمن (الدارسة في دار أم سلمة لتحفيظ القرآن) بعض الميزات الأخرى ، وهي:
أ – في الأطفال حماسة لفعل ما يُشعرهم أنهم مثل الكبار.
ب – جرأتهم في إنكار ما عُلّموا أنه منكر دون محاباة أو حرج.
جـ - ميلهم لتقليد الآباء والمربين، فإن صادفوا أسوة حسنة اصطبغوا بصبغتها منذ صغرهم.
د – ميلهم للتنافس مع من هم في مثل سنهم، ويمكن أن يدفعهم ذلك لحفظ القرآن والحرص على السمت الإسلامي وتوجيه الآخرين وما إلى ذلك.
هـ - قدرتهم العالية على اختزان المشاهد وشدة تأثرهم لأوقات طويلة بما يرون، يمكن الاستفادة من ذلك في تعريفهم بما يجري لإخواننا المسلمين وتبغيض الكفار لهم وتعريفهم بحقيقة عدوهم وشغلهم بقضايا الأمة وتعويدهم الدعاء للمسلمين ونحو ذلك.
و – سعة خيالهم وميلهم لاكتساب المهارات، ويمكن توظيف ذلك بحسب كل طفل.
ز – عمق إحساسهم بالامتنان لمن يحسن إليهم: يمكن أن نغرس في نفوسهم حب الله ورسوله وصحابته وأهل العلم.
وتضيف السيدة أم عبد الرحمن قصة تشير إلى ما ذكرته من صفات خاصة بالأطفال في الدعوة، فتقول: " أعرف طفلاً في المرحلة التمهيدية، وكان شديد التعلق بمعلمته – لمعرفتها بطبيعة الأطفال وحسن التعامل معهم – لذلك، فقد كان يرفض الخروج مع أمه المتبرجة ما لم تستتر مثلما تفعل معلمته".
كما يضيف الأستاذ عبد الله الصغير بعض هذه المميزات بالقول: " الطفل يتميز بتلقائيته وطاقته العالية وسلامة فطرته وعاطفته وحبه للتقليد والمحاكاة ففي كل مزية من هذه إذا أُحسن استثمارها وهُيّئ الجو المناسب تجعل الطفل قادراً على الدعوة إلى الله، وأبسط مثال لذلك أن الطفل إذا سمع أو تعلم في منزله أن الدخان حرام مثلاً نجده بتلقائية يقول: إن الدخان حرام في مجتمعات أخرى محيطة به حتى بدون أن يطلب منه ذلك، كذلك إذا أحب الطفل أحداً من مجتمعه المحيط به بدأ يقلده فيدفع الصدقة للفقير إذا رأى والده يكرر ذلك دائماً ويوزع الشريط إذا رأى أن هذا ديدن والده أو معلمه".
نماذج واقعية:
من الأمثلة الواقعية التي نعيشها في وقتنا الحالي، الطفل الداعية عبد الله بن محمد جبر، والذي كتبت الكثير من وسائل الإعلام العربية عنه، وكرمه العديد من المشائخ، وأثنى عليها أئمة العلم الشرعي، منهم الشيخ عبد العزيز ابن باز _رحمه الله_، والشيخ عبد الله التركي، وشيخ الأزهر جاد الله، والشيخ محمد بن صالح العثيمين _رحمه الله_، وغيرهم، كل ذلك، وهو لم يكن قد تجاوز عمره التسع سنوات.
وقد لد الشيخ الطفل عبد الله جبر بمدينة الوادي الجديد في مصر في التاسع عشر من شهر شوال عام 1405 هـ الموافق 7/7/1985 م .
• حفظ القرآن الكريم في 10 / 9 / 1992 م، حيث كان عمره سبع سنين وشهرين و 3أيام.
• ثم انتقل لحفظ الحديث الشريف فبدأ بحفظ الأربعين النووية.
• ثم أتم حفظ كتاب (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان)، وكان ذلك في 6 / 7 / 1994م.
• وبعد ذلك حفظ (مختصر صحيح البخاري) للزبيدي.
• و(مختصر صحيح مسلم) للمنذري.
• و(متن البيقونية في علم الحديث).
• و(منظومة سلم الوصول إلى علم الأصول).
• وهو يحفظ الآن متن الشاطبية في القراءات السبع، حيث وصل فيه إلى ثلثيه.
تعلم عبد الله ارتقاء المنابر للخطابة منذ كان عمره ثمانية أعوام على يد شيخه محمود غريب.
وكان يحضر دروس الشيخ محمد العثيمين _رحمه الله_ التي تعقد في الحرم في رمضان.
كما التقى بسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وعرض عليه علمه فدعا له الشيخ وأوصى به والده.
ومن النماذج التي نعيشها في واقعنا أيضاً، الأطفال الذين تشاركهم دور الإنشاد وبعض الوسائل الإعلامية في الدعوة إلى الله.
ففي قناة المجد الفضائية -على سبيل المثال- يوجد العديد من الأطفال (أولاد وفتيات) ممن يمتهنون الدعوة إلى الله في حياتهم اليومية، ويوظفون طاقاتهم وقدراتهم الإبداعية في تقديم صورة صحيحة وجميلة عن الإسلام.
وتزخر القناة بوجود برامج تستهدف بالدرجة الأولى الأطفال، وأبطالها كلهم من الأطفال، من حفظة القرآن، أو من مقدمي البرامج، أو من المنشدين والمنشدات الذين يقدمون أناشيد تلامس أحاسيس الطفل، مليئة بالمعاني الإسلامية، وبالقيم النبيلة، وبالأخلاق الحميدة.
كيف يمكننا الاستفادة من الطفل في الدعوة إلى الله؟
رغم بساطة الطفل، وإمكانية تعلمه بسرعة ويسر، وإمكانية تطويعه للخير، إلا أن التعامل مع الطفل يجب أن ينحصر ضمن نطاق معين من الأساليب والتوجهات الناجحة، فلكل بيت باب يطرقه، ولكل مسألة مدخل لها.
والاستفادة من الطفل في الدعوة إلى الله يجب أن تبنى على قواعد وأسس متينة منذ البداية، وتبقى بعيدة -قدر المستطاع- عن السلبيات التي يمكن أن تواجه هذا السبيل.
يحدد الأستاذ عادل العبد المنعم (المدرّس في ابتدائية الوليد بن عبد الملك في الحرس الوطني) بعض الطرق التي تمكننا من الاستفادة من الطفل في الدعوة، فيقول: " في البداية لا بد من تأسيس الطفل وتربيته تربية إسلامية راسخة كي نستفيد منه مستقبلاً في الدعوة إلى الله، وهناك مجالات يستطيع الطفل أن يمارسها في الدعوة إلى الله، مثل: دعوة زملائه وأصدقائه إلى فعل الفضائل وترك الرذائل، فإذا رأى هذا الطفل زميلاً له قد كذب مثلاً، فإنه ينصحه ويقول له: إن الكذب حرام، وهكذا...".
فيما يقول الأستاذ عبد الله الصغير: " يمكننا ذلك بغرس الإيمان في نفسه، وذلك بتهيئة الجو الإيماني في محيطه، كذلك بزرع الثقة به وتنمية ثقته بنفسه بحيث يشعر بقدرته على القيام بالمهام والتكاليف الدعوية، ثم بتأهيله لبعض الصفات والخصائص المطلوب توافرها في الداعية كالقدرة على الحديث أمام الناس وحسن الخلق واللطف (التلطف) مع الآخرين وغيرها، أخيراً وجود القدوة الصالحة المحببة إلى نفسه".
ويعدد الأستاذ بدر عبد الله الصبي بعض النقاط الهامة في هذا المجال بما يلي:
- تربية الطفل على الأخلاق الحسنة، وحب تقديم الخير للآخرين.
- تدريب الطفل على حسن التعبير عن أفكاره.
- تنمية مهارة الإلقاء ومواجهة الجمهور.
- تعويد الطفل على المبادرة واتخاذ القرار، وتقوية شخصيته.
أما الأستاذ خالد بن محمد بن خليفة آل عمر (المدرس في حلقات تحفيظ القرآن الكريم بالرياض) فيرى في كتاب الله -عز وجل- خير معين للطفل على اكتساب معظم المهارات في الدعوة إلى الله، حيث يقول: " إن الحرص على تحفيظ الطفل كتاب الله، يعد من أجَلّ الأعمال التي يمكن عملها بتوفيق الله _عز وجل_ للاستفادة حالياً ومستقبلاً في مجال الدعوة، فكتاب الله فيه كل الوسائل الممكنة في الدعوة إلى الله، فيتعلم الطفل أحكام الصلاة وتنفيذها على الوجه الصحيح، وذهابه وإيابه للمسجد جماعة مع المسلمين يجعله قدوة حسنة ويجعله متمكناً من الدعوة إلى الله بحثِّ زملائه على الصلاة في المسجد".
سلبيات يجب ألا نقع فيها:
لكل عمل -مهما صغر أو كبر- إيجابيات وسلبيات، ويقول البعض: " إن الخطأ يأتي مع العمل"، فإن لم تكن تعمل، فلا أخطاء لديك.
لذلك، فإننا نعي أن رسم خطة ناجحة للاستفادة من الأطفال في مجال الدعوة، وتطبيق هذه الخطة، ستتأثر بسلبيات عديدة، وقد تواجه مشاكل طارئة، يجب أن نكون متنبهين ويقضين لها، كي لا تفاجئنا وتحبط أعمالنا، وكي لا تؤدي بالعمل الدؤوب إلى طريق سلبي، بعيد عما نتمناه.
من تلك السلبيات التي يجب ألا نقع فيها في مجال الاستفادة من الطفل في الدعوة، ما يعددها الأستاذ بدر الصبي، وهي:
- تعريض الطفل لاستجداء الناس وإراقة ماء الوجه، وذلك من خلال جمع التبرعات، أو ترك الأموال وإهمالها معه مما يغريه بالاختلاس.
- القذف بالطفل في المواقف الدعوية الصعبة، مثل: إنكار بعض أنواع المعاصي لدى من هو أكبر منه، مما قد يعرضه للتراجع عن الدعوة في الكبر.
وهذا الحرص على تلافي السلبيات يؤكد على أهمية كرامة الطفل ومشاعره، وعدم تعريضه لمواقف قد تؤدي به إلى إركاسات سلبية في شخصيته، قد ترافقه مدة طويلة من حياته.
كذلك يحدد الأستاذ عادل العبد المنعم بعض الصفات التي تركز على أهمية خلق فرص إبداعية للطفل، فيقول: " يجب علينا ألا نستهين بقدرات أطفالنا، فهذا الطفل لديه قدرات ومواهب يجب أن نستغلها في الدعوة إلى الله، فمثلاً لا نفرض على الطفل شيئاً معيناً، بل نترك له الحرية في الإبداع، وابتكار بعض الأساليب التي تفيد في الدعوة إلى الله، ويبقى واجبنا نحن في الإشراف والمتابعة والتصحيح".
وفي ذلك إتاحة الفرصة أمام الأطفال للتعبير عن أنفسهم بطريقتهم الخاصة، وإبداع أفكار جديدة، قد تصبح أساساً جديداً في مجال الدعوة.
فيما يذكر الأستاذ عبد الله الصغير بعضاً من هذه السلبيات، فيقول: " من أهم السلبيات ألا نحرج الطفل بعمل لا يندفع إليه ولا يرغب به؛ لأنه يولد عنده نفوراً ولو بعد حين كذلك لا يكلف بعمل يفوق مستوى تفكيره أو يعرض لمواقف صعبة لا يستطيع التصرف فيها، ومن السلبيات تعويده على الماديات بحيث لا يقوم بعمل إلا ويكافأ عليه مادياً بل لا بد من مكافآت معنوية أحياناً".
وتعدد السيدة أم عبد الرحمن بعضاً من السلبيات التي تلاحظها من خلال تجربتها الشخصية، وهي:
أ – التعامل معهم على أنهم صغار قليلو القدرات، ليسوا أهلاً لتحمل المسؤوليات.
ب – استعمال الألفاظ الشرعية مع صغار السن مما يدفعهم لاستعمالها في غير مواضعها، وبخاصة المنطوية على فتاوى تصدر عن علم كلفظ الحلال والحرام.
جـ - السلوك الذي يبدو متناقضاً يربك الطفل وربما صدّه عن التأسي بمربيه – حسب سنه-.
ومعرفة هذه السلبيات تشكل ضمانة مساندة لتأسيس صحيح لطفل دعوي قادر على تحمل مسؤولية من نوع جديد، لم يكن بالحسبان -أحياناً- الاستفادة منها.
حتى لا نقف عند حد معين:
العمل الدعوي عمل كله بركة، والدعوة إلى الله هي عمل الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يحدث فيها الأجر العظيم من العمل القليل، وكلما استطاع الداعي إلى الخير أن يؤثر أكثر في نفوس الناس، حصل على أعظم الأجور، ذلك أنه وكما قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً" أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة.
لذلك، فمن المفيد أن نحاول تطوير العمل الدعوي لدى الأطفال، كي لا نقف عند حد معين، قد يموت عنده التطوير والاستمرار، وقد يحدث فيه الملل والفتور.
وكلما استطعنا أن نطور عمل الأطفال في الدعوة إلى الله، أصبح الأجر أعظم والعمل أدوم.
يرى الأستاذ عادل العبد المنعم أن اكتشاف المواهب في الطفل، هي أساس تطوير عمله، فيقول: " نستطيع أن نطور الاستفادة من الطفل في مجال الدعوة عن طريق اكتشاف المواهب والقدرات التي يتميز بها كل طفل، ونقوم بتنمية هذه المواهب وتطويرها عن طريق بعض البرامج والدورات المصغرة للأطفال، فهذه تساعد الطفل في تنمية موهبته وتطويرها، وبالتالي نستفيد من هذه الموهبة في مجال الدعوة إلى الله".
فيما يركز الأستاذ عبد الله الصغير على مسألة تنمية ومتابعة الأطفال؛ لرفع مستوى عملهم، وتطوير أساليبهم ، فيقول: " كلما ارتقينا بالطفل إيمانياً واجتماعياً وثقافياً استطعنا أن نطور الاستفادة منه، ولذلك لا بد من حب غرس القراءة في قلبه وتعويده حب الخير ومساعدة الآخرين، وعدم إبداء التناقضات أمامه بحيث أوامر اليوم تكون نواهي بالغد، وأخيراً عدم التقليل من شأنه بل إعطاؤه المجال دائماً للتعبير عن نفسه وإبداء ما فيها مع التوجيه وتقويم الخطأ _إن وجد_ أيضاً التأليف القصصي الموجه للطفل".
أما الأستاذ بدر الصبي، فيركز على دور المجتمع والجهات المختصة في ذلك، ويذكر بعض الأساليب التي تساعد في تطوير عمل الطفل الداعية، وهي:
- تكوين مؤسسات أو لجان لتربية الأطفال تربيةً إسلامية متكاملة.
- نشر مجموعة من الأفكار الدعوية التي يمكن للأطفال المساهمة فيها.
- بث هذه الفكرة لدى المعنيين بتربية الطفل.
ويذكر الأستاذ خالد آل عمر بعض الأساليب الأخرى، منها:
- استشارة الطفل وأخذ رأيه في بعض الأمور المتعلقة بالدين والدعوة ومعرفة كيفية رده وتصرفه وموقفه حيال ذلك.
- تعويدهم على القيام بعدد من المسؤوليات.
- تعويده على المشاركة الاجتماعية كالتعاون مع جمعيات البر ومساعدة الفقراء والمحتاجين وإغاثة اللهفان، وكذلك تعويده على إلقاء الكلمات بعد الصلاة في المدرسة.
- تعويده على اتخاذ قراره دينياً واجتماعياً ونفسياً وفي كل مواقف حياته قدر المستطاع .
كما توجد بعض الأساليب الأخرى، وهي:
- وجود محاضن تربوية لتنمية قدرات الطفل الداعية.
- الاهتمام بالبيئة والبيت والمدرسة في حياة الطفل، وتحمل كل منهم مسؤوليته.
- التشجيع والمكافأة للأطفال، ما ينمي لديهم روح التطوير والعمل الدؤوب.
- لا بد له من أن يأخذ حقه من الطفولة كاللعب والمرح والنوم والأكل، وإن لم يأخذها في صغره فيخشى أن يأخذها إذا كبر بطريقة خاطئة.
القصص التي يرويها الناس حول تأثير أحد الأطفال على أقرانه أو أقربائه أو مجتمعه، كثيرة ومتعددة، والأسباب التي أدت إلى ذلك متنوعة ومشاهدة بشكل شبه يومي.
بقي علينا فقط أن نخلص النية لله _عز وجل_ ونعمل ما بوسعنا لكسب تلك القدرة الصادقة والبريئة والمفعمة بالحيوية والنشاط، لإدخالها إلى العمل الإسلامي الدعوي، أملاً بالأجر والمثوبة من الله _تعالى_، وعملاً بسنة نبيه محمد _صلى الله عليه وسلم_، ونشراً للعمل الصالح بين الناس، علّ الله أن يجعل من الجيل الجديد، جيلاً صالحاً يستطيع أن يحقق للأمة الإسلامية ما عجزت عنه أجيال كثيرة حتى الآن.