أبولؤى
28 May 2010, 10:13 AM
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فضلها وكيفيتها
بقلم فضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد
نائب رئيس الجامعة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم ارض عن الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:
فإنَّ نِعم الله –تعالى- على عباده كثيرة لا تحصى، وأعظم نعمة أنعم الله بها على الثقلين الجن والإنس أنْ بعث فيهم عبده ورسوله وخليله وحبيبه وخيرته من خلقه محمداً -صلى الله عليه وسلم- ليخرجهم به من الظلمات إلى النور وينقلهم من ذُلِّ العبودية للمخلوق إلى عز العبودية للخالق -سبحانه وتعالى- يرشدهم إلى سبيل النجاة والسعادة، ويحذرهم من سبل الهلاك والشقاوة، وقد نوه الله بهذه النعمة العظيمة والمنة الجسيمة في كتابه العزيز قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: 164]. وقال وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدا﴾ [الفتح:28] وقد قام عليه أفضل الصلاة والسلام بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة والنصح للأمة على التمام والكمال فبشَّر وأنذر، ودلَّ على كل خير وحذّر من كل شر، وأنزل الله تعالى عليه وهو واقف بعرفة قبل وفاته -صلى الله عليه وسلم- بمدة يسيرة قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينا﴾ [المائدة:3].
وكان -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على سعادة الأمة غاية الحرص كما قال تعالى منوهًا بما حباه الله به من صفات جليلة: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:138]
وهذا الذي قام به صلى الله عليه وسلم من إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة والنصح للأمة، هو حق الأمة عليه كما قال الله –تعالى-: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [العنكبوت:18]. وقال : ﴿ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [النحل:35]. وروى البخاري في صحيحه عن الزهري أنَّه قال: (من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم). انتهى.
وإنَّ علامة سعادة المسلم أن يستسلم وينقاد لما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما قال الله –تعالى-: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما﴾ [النساء:65] وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِين﴾ [الأحزاب:36]، وقال تعالى: ﴿لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:63]، وعبادة الله تكون مقبولة عند الله ونافعة لديه إذا اشتملت على أمرين أساسين :
أولهما: أن تكون العبادة لله خالصة لا شركة لغيره فيها كما أنه تعالى ليس له شريك في الملك فليس له شريك في العبادة كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدا﴾ [الجن:18] وقال: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام:162].
الثاني: أن تكون العبادة عل وفق الشريعة التي جاء بها رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر:7]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم﴾ [أل عمران:31] وقال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها-: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)، وفي رواية لمسلم (من عمل عمل ليس عليه أمرها فهو رد). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).
ولمَّا كانت نعمة الله –تعالى- على المؤمنين بإرسال رسوله -صلى الله عليه وسلم- إليهم عظيمة أمرهم الله تعالى في كتابه أن يصلوا عليه ويسلموا تسليما بعد أن أخبرهم أنه وملائكته يصلون عليه فقال تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما﴾ [الأحزاب:56]. وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة المطهرة فضل الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- وكيفيتها وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بها..
وسأتحدث عن فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وبيان كيفيتها ثم أشير إلى نماذج من الكتب المؤلفة في هذه العبادة العظيمة وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد.
معنى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وبيان كيفيتها
صلاة الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم- فسرت بثنائه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة عليه فسرت بدعائهم له فسرها بذلك أبو العالية كما ذكره عنه البخاري في صحيحه في مطلع باب ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما﴾ وقال البخاري في تفسير صلاة الملائكة عليه بعد ذكر تفسير أبي العالية قال ابن عباس: يصلون يُبَرِّكُون. أي يدعون له بالبركة.
وفسرت صلاة الله عليه بالمغفرة وبالرحمة كما نقله الحافظ ابن حجر في الفتح عن جماعة وتعقب تفسيرها بذلك ثم قال : وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية أنَّ معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه وصلاة الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من الله تعالى والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة وقال الحافظ: «وقال الحليمي في الشعب: معنى الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- تعظيمه فمعنى قولنا: اللهم صلى على محمد عظم محمداً المراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته، وإبداء فضيلته بالمقام المحمود، وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ ادعوا ربكم بالصلاة عليه».انتهى.
وقال العلامة ابن القيم في كتابه جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام في معرض الكلام على صلاة الله وملائكته على رسوله صلى الله عليه وسلم: وأمر عباده المؤمنين بأن يصلوا عليه بعد أن رد أن يكون المعنى الرحمة والاستغفار قال: بل الصلاة المأمور بها فيها -يعني: آية الأحزاب- هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته وصلاة ملائكته وهي ثناء عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه فهي تتضمن الخبر والطلب وسمى هذا السؤال والدعاء منا نحن صلاةً عليه لوجهين أحدهما أنه يتضمن ثناء المصلى عليه والإشادة بذكر شرفه وفضله والإرادة والمحبة لذلك من الله فقد تضمنت الخبر والطلب والوجه الثاني أنَّ ذلك سمى صلاة منا لسؤالنا من الله أن يصلي عليه فصلاة الله ثناؤه لرفع ذكره وتقريبه وصلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به انتهى.
وأمَّا معنى التسليم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد قال فيه المجد الفيروزآبادي في كتابه "الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر" ومعناه: السلام الذي هو اسم من أسماء الله تعالى عليك، وتأويله: لا خلوت من الخيرات والبركات، وسَلمت من المكاره والآفات، إذ كان اسم الله تعالى إنما يذكر على الأمور توقعا لاجتماع معاني الخير والبركة فيها، وانتفاء عوارض الخلل والفساد عنها، ويحتمل أن يكون السلام بمعنى السلامة أي: ليكن قضاء الله تعالى عليك السلامة، أي: سلمت من الملام والنقائص فإذا قلت اللهم سلم على محمد فإنما تريد منه اللهم اكتب لمحمد في دعوته وأمته وذكره السلامة من كل نقص فتزداد دعوته على ممر الأيام علواً وأمته تكثراً وذكره ارتفاعاً.
أمَّا كيفية الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد بينها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه حين سألوه عن ذلك, وقد وردت هذه الكيفية من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم, أذكر منها هنا ما كان في الصحيحين أو في أحدهما، روى البخاري في كتاب الأنبياء من صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ( ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت بلى فأهدها إلي فقال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإنَّ الله علمنا كيف نسلم قال قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد). وأخرج أيضا حديث كعب بن عجرة في كتاب التفسير من صحيحه في تفسير سورة الأحزاب ولفظه: (قيل يا رسول الله أمَّا السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة عليك قال: قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) . وأخرجه أيضا في كتاب الدعوات من صحيحه وقد أخرج هذا الحديث مسلم عن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- من طرق متعددة عنه.
وأخرج البخاري في كتاب الدعوات من صحيحه عن أبي سعيد الخدري (قال: قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف نصلي قال: قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم) وأخرجه عنه أيضا في تفسير سورة الأحزاب.
وأخرج البخاري في كتاب الأنبياء من صحيحه عن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد). وأخرج عنه أيضا في كتاب الدعوات بمثل هذا اللفظ، وأخرج هذا الحديث عن أبي حميد رضي الله عنه مسلم في صحيحه.
وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال. (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما علمتم)
هذه هي المواضع التي خرج فيها هذا الحديث في الصحيحين أو أحدهما وهي عن أربعة من الصحابة: كعب بن عجرة وأبي سعيد الخدري وأبي حميد الساعدي وأبي مسعود الأنصاري وقد اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث كعب وأبي حميد وانفرد البخاري بإخراجه من حديث أبي سعيد وانفرد مسلم بإخراجه من حديث أبي مسعود الأنصاري وقد أخرجه عن هؤلاء الأربعة غير الشيخين فرواه عن كعب بن عجرة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد والدارمي ورواه عن أبي سعيد الخدري النسائي وابن ماجه ورواه عن أبي حميد أبو داود والنسائي وابن ماجه ورواه عن أبي مسعود الأنصاري أبو داود والنسائي والدارمي.
وروى حديث كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة غير هؤلاء الأربعة منهم طلحة بن عبيد الله وأبو هريرة وبريدة بن الحصيب وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.
وهذه الكيفية التي علَّم صلى الله عليه وسلم أصحابه إياها عندما سألوه عن كيفية الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- هي أفضل كيفيات الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- وأكملها الصيغة التي فيها الجمع بين الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم وآله- والصلاة على إبراهيم -صلى الله عليه وسلم وآله- وممَّن استدل بتفصيل الكيفية التي أجاب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بها الحافظ ابن حجر في فتح الباري فقد قال فيه (11/166) قلت واستدل بتعليمه صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالكيفية بعد سؤالهم عنها بأنها أفضل كيفيات الصلاة عليه لأنه لا يختار لنفسه إلا الأشرف الأفضل ويترتب على ذلك لو حلف أن يصلي عليه أفضل الصلاة فطريق البر أن يأتي بذلك ثم ذكر أن النووي صوب ذلك في الروضة وذكر كيفيات أخرى يحصل بها بر الحلف ثم قال: والذي يرشد إليه الدليل أنَّ البر يحصل بما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- لقوله: من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا فليقل: اللهم صلى على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم.. الحديث والله أعلم انتهى.
وقد درج السلف الصالح ومنهم المحدثون بذكر الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكره بصيغتين مختصرتين إحداهما: (صلى الله عليه وسلم) والثانية: (عليه الصلاة والسلام) وهاتان الصيغتان قد امتلأت بهما ولله الحمد كتب الحديث بل إنهم يدونون في مؤلفاتهم الوصايا بالمحافظة على ذلك على الوجه الأكمل من الجمع بين الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم. يقول الإمام ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث: «ينبغي له -يعني كاتب الحديث- أن يحافظ على كتابة الصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذكره ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته، ومن أغفل ذلك حرم حظًا عظيمًا -إلى أن قال- : وليتجنب في إثباتها نقصين أحدهما: أن يكتبها منقوصة صورة رامزًا إليها بحرفين أو نحو ذلك والثاني: أن يكتبها منقوصة معنى بأن لا يكتب( وسلم ) وإن وجد ذلك في خط بعض المتقدمين» انتهى محل الغرض منه.
وقال النووي في كتاب الأذكار: «إذا صلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- فليجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما فلا يقل: (صلى الله عليه) فقط ولا (عليه السلام) فقط» انتهى.
وقد نقل هذا عنه ابن كثير في ختام تفسيره آية الأحزاب من كتاب التفسير ثم قال ابن كثير: وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية الكريمة وهي قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما﴾ فالأولى أن يقال: -صلى الله عليه وسلم تسليما-. انتهى.
وقال الفيروزبادي في كتابه الصلات والبشر: ولا ينبغي أن ترمز للصلاة كما يفعله بعض الكسالى والجهلة وعوام الطلبة فيكتبون صورة( صلعم ) بدلا من -صلى الله عليه وسلم-.
فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
قد ورد في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة جمعها الحافظ إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتاب أفرده لها وقد أشار الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرحه حديث كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الذي أورده البخاري في كتاب الدعوات من صحيحه إلى الجيد من أحاديث فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والحافظ ابن حجر من أهل الاستقراء التام والإطلاع الواسع على دواوين السنة النبوية فأنا أورد هنا ما ذكره في هذا الموضوع قال رحمه الله (11/ 167): واستدل به على فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من جهة ورود الأمر بها واعتناء الصحابة بالسؤال عن كيفيتها وقد ورد في التصريح بفضلها أحاديث قوية لم يخرج البخاري منها شيئا.
منها ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رفعه: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر) وله شاهد عن أنس عند أحمد والنسائي وصححه ابن حبان وعن أبي بردة بن نيار وأبي طلحة كلاهما عند النسائي ورواتهما ثقات ولفظ أبي بردة: (من صلى علي من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات وكتب له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات) ولفظ أبي طلحة عنده نحوه وصححه ابن حبان. ومنها حديث ابن مسعود رفعه: (إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة). وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان وله شاهد عند البيهقي عن أبي أمامة بلفظ: "صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة" ولا بأس بسنده، وورد الأمر بإكثار الصلاة عليه يوم الجمعة من حديث أوس بن أوس وهو عند أحمد وأبي داود وصححه ابن حبان والحاكم.
ومنها حديث (البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي) أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وإسماعيل القاضي وأطنب في تخريج طرقه وبيان الاختلاف فيه من حديث علي ومن حديث ابنه الحسين ولا يقصر عن درجة الحسن. ومنها (من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة) أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة وابن أبي حاتم من حديث جابر والطبراني من حديث حسين بن علي وهذه الطرق يشد بعضها بعضا.
وحديث (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ) أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ (من ذكرت عنده فلم يصل علي فمات فدخل النار فأبعده الله) وله شاهد عنده وصححه الحاكم وله شاهد من حديث أبي ذر في الطبراني وآخر عن أنس عند ابن أبي شيبة وآخر مرسل عن الحسن عند سعيد بن منصور وأخرجه ابن حبان من حديث أبي هريرة ومن حديث مالك بن الحويرث ومن حديث عبد الله بن عباس عند الطبراني ومن حديث عبد الله بن جعفر عند الفريابي وعند الحاكم من حديث كعب بن عجرة بلفظ (بعد من ذكرت عنده فلم يصل علي" وعند الطبراني من حديث جابر رفعه "شقي عبد ذكرت عنده فلم يصل علي) وعند عبد الرزاق من مرسل قتادة (من الجفاء أن أذكر عند رجل فلا يصلي علي).
ومنها حديث أبي بن كعب (أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله إني أكثر الصلاة فما أجعل لك من صلاتي قال: ما شئت قال: الثلث قال: ما شئت وإن زدت فهو خير -إلى أن قال- أجعل لك كل صلاتي قال "إذا تكفي همك" ) [الحديث أخرجه أحمد وغيره بسند حسن].
فهذا الجيد من الأحاديث الواردة في ذلك وفي الباب أحاديث كثيرة ضعيفة وواهية. وأمَّا ما وضعه القصاص في ذلك فلا يحصى كثرة، وفي الأحاديث القوية غنية عن ذلك انتهى كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله والمراد من الصلاة في حديث أبي بن كعب ( فما أجعل لك من صلاتي ) الدعاء.
ممَّا ألف في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
وقد اعتنى العلماء بهذه العبادة العظيمة فأفردوها بالتأليف وأول من علمته ألف في ذلك الإمام إسماعيل ابن إسحاق القاضي المتوفى سنة 282هـ واسم كتابه "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" وقد طبع بتحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني وهو يشتمل على مائة وسبعة أحاديث كلها مسندة ومن الكتب المطبوعة المتداولة في هذا الباب كتاب "جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام" للعلامة ابن القيم وكتاب "الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر" للفيروزبادي صاحب القاموس وكتاب "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع للسخاوي" المتوفى سنة 902هـ وقد ختم كتابه هذا ببيان الكتب المصنفة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر جملة كبيرة من هذه الكتب مرتبة وخامسها بالترتيب كتاب جلاء الأفهام لابن القيم وقد أشار إلى قيمة كل منها ثم قال: "وفي الجملة فأحسنها وأكثرها فوائد خامسها يعني كتاب ابن القيم أقول: وهو في الحقيقة كتاب قيم جمع مؤلفه فيه بين ذكر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة العظيمة والكلام عليها صحة وضعفًا فقهًا واستنباطًا وقد قال عنه في مقدمته: وهو كتاب فرد في معناه لم يسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها بينا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وصحيحها من حسنها ومعلولها وبينا ما في معلولها من العلل بيانا شافيا ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد ثم مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ومحالها ثم الكلام في مقدار الواجب منها واختلاف أهل العلم فيه وترجيح الراجح وتزييف الزائف، ومخبر الكتاب فوق وصفه والحمد لله رب العالمين. انتهى.
وممَّا ألف في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مبنياً على غير علم ومشتملاً على فضائل وكيفيات للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما أنزل بها من سلطان كتاب "دلائل الخيرات للجزولي" المتوفى سنة 854هـ وقد شاع وانتشر في كثير من أقطار الأرض قال عنه صاحب كشف الظنون(1/495):
«دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار عليه الصلاة والسلام أوله الحمد لله الذي هدانا للإيمان الخ للشيخ أبي عبد الله محمد بن سليمان بن أبي بكر الجزولي السملالي الشريف الحسني المتوفى سنة 854هـ وهذا الكتاب آية من آيات الله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يواظب بقراءته في المشارق والمغارب لا سيما في بلاد الروم» ثم أشار إلى بعض شروح هذا الكتاب:
أقول: ولم يكن إقبال الكثير من الناس على تلاوته مبنياً على أساس يعتمد عليه وإنَّما كان تقليداً عن جهل من بعضهم لبعض والأمر في ذلك كما قال الشيخ محمد الخضر بن مايابي الشنقيطي في كتابه مشتهى الخارف الجاني في رد زلقات التجاني الجاني قال في أثناء رده على التجاني: فإن الناس مولعة بحب الطارئ ولذلك تراهم يرغبون دائما في الصلوات المروية في دلائل الخيرات ونحوه وكثير منها لم يثبت له سند صحيح ويرغبون عن الصلوات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري فقل أن تجد أحداً من المشايخ أهل الفضل له وردٌ منها وما ذلك إلا للولوع بالطارئ وأمّا لو كان الفضل منظورا إليه لما عدل عاقل فضلا عن شيخ فاضل عن صلاة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد سؤاله كيف نصلي عليك يا رسول الله فقال: قولوا كذا وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى إلى صلاة لم يرد فيها حديث صحيح بل ربما كانت منامية من رجل صالح في الظاهر " انتهى.
ولا شك أنَّ ما جاءت به السنة وفعله الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان هو الطريق المستقيم والمنهج القويم والفائدة للآخذ به محققة والمضرة عنه منتفية وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق على صحته عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية لمسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).
وقد حذر عليه الصلاة والسلام أمته من الغلو فيه فقال في الحديث الصحيح: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) ولمَّا قال له رجل: ما شاء الله وشئت قال عليه الصلاة والسلام: (أجعلتني لله ندا؟ ما شاء الله وحده).
وكتاب دلائل الخيرات قد اشتمل على الغثِّ والسمين، وشيب فيه الجائز بالممنوع وفيه أحاديث موضوعة وأحاديث ضعيفة وفيه مجاوزة للحد ووقوع في المحذور الذي لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وهو طارئ لم يكن من نهج السابقين بإحسان.
وحسبي هنا أن أشير إلى بعض الأمثلة مما فيه من الكيفيات المبتدعة في الصلاة والتسليم على النبي الكريم صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أتبع ذلك بنماذج مما فيه من الأحاديث الموضوعة في فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم والتي يتنزه لسانه الشريف عن النطق بها فمن الكيفيات الواردة فيه:
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد حتى لا يبقى من الصلاة شيء وارحم محمدا وآل محمد حتى لا يبقى من الرحمة شيء وبارك على محمد وعلى آل محمد حتى لا يبقى من البركة شيء وسلم على محمد وعلى آل محمد حتى لا يبقى من السلام شيء.
وقال في ص71: اللهم صل على سيدنا محمد بحر أنوارك ومعدن أسرارك ولسان حجتك وعروس مملكتك وإمام حضرتك وطراز ملكك وخزائن رحمتك … إنسان عين الوجود والسبب في كل موجود…
وقال في ص64: اللهم صل على من تفتقت من نوره الأزهار …. اللهم صل على من اخضرت من بقية وضوئه الأشجار اللهم صل على من فاضت من نوره جميع الأنوار.
وقال في ص 144 و 145 : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ما سجعت الحمائم وحمت الحوائم وسرحت البهائم ونفعت التمائم وشدت العمائم ونمت النوائم.
نماذج ممَّا فيه من الأحاديث الموضوعة
وأذكر فيما يلي أمثلة لما فيه من أحاديث موضوعة أو ضعيفة جدا مع الإشارة إلى بعض ما قاله أهل العلم فيها وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر.
قال في ص15: وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من صل علي صلاة تعظيمًا لحقي خلق الله عز وجل من ذلك القول ملكًا له جناح بالمشرق والآخر بالمغرب ورجلاه مقرورتان في الأرض السابعة السفلى وعنقه ملتوية تحت العرش يقول الله عز وجل له: صل على عبدي كما صلى على نبيي فهو يصلي عليه إلى يوم القيامة.
وقال في ص16: وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد صلى علي إلا خرجت الصلاة مسرعة من فيه فلا يبقى بر ولا بحر ولا شرق ولا غرب إلا وتمر به وتقول أنا صلاة فلان بن فلان صلى على محمد المختار خير خلق الله فلا يبقى شيء إلا وصلى عليه ويخلق من تلك الصلاة طائر له سبعون ألف جناح في كل جناح سبعون ألف ريشة في كل ريشة سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف فم في كل فم سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بسبعين ألف لغة ويكتب الله له ثواب ذلك كله".
هذان حديثان من أحاديث دلائل الخيرات يصدق عليهما قول العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه المنار المنيف: والأحاديث الموضوعة عليها ظلمة وركاكة ومجازفات باردة تنادي على وضعها واختلاقها ثم ضرب لذلك بعض الأمثلة ثم قال:
فصل: ونحن ننبه على أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعا فمنها اشتماله على أمثال هذه المجازفات التي لا يقول مثلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي كثيرة جدا كقوله في الحديث المكذوب: من قال لا إله إلا الله خلق الله من تلك الكلمة طائرًا له سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يستغفرون الله له ومن فعل كذا وكذا أعطي في الجنة سبعين ألف مدينة في كل مدينة سبعون ألف قصر في كل قصر سبعين ألف حوراء وأمثال هذه المجازفات الباردة التي لا يخلو حال واضعها من أحد أمرين: إمَّا أن يكون في غاية الجهل والحمق وإمَّا أن يكون زنديقًا قصد التنقيص بالرسول -صلى الله عليه وسلم- بإضافة مثل هذه الكلمات إليه. انتهى.
وممَّن حكم على بطلان أمثال هذه الأحاديث من المعاصرين أبو الفضل عبد الله الصديق الغماري. قال في تعليقه على كتاب بشارة المحبوب بتكفير الذنوب للأذرعي ص 125:
تنبيه: جاء في كثير من الأحاديث من عمل كذا خلق الله من ذلك العمل ملكًا يسبح أو يحمد الله وكلها أحاديث باطلة. قال ذلك هنا, ومع هذا أثنى على كتاب دلائل الخيرات ثناءً عظيمًا في كتابه خواطر دينية, ووصفه بأنه سار مسير الشمس.
ويطيب لي أن أختم هذه المحاضرة بإثبات قطعة مما كتبته في شرح حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحديث التاسع عشر من الأحاديث العشرين التي اخترتها من صحيح مسلم والتي طبعت تحت عنوان: "عشرون حديثًا من صحيح مسلم دراسة أسانيدها وشرح متونها" وهذه القطعة هي:
قول كعب بن عجرة -رضي الله عنه- لابن أبي ليلى: ألا أهدي لك هدية .. يدل على أن أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة سنته -صلى الله عليه وسلم- وتطبيقها أنفس الأشياء عندهم وأحبها إلى نفوسهم ولهذا قال كعب ما قال منبها إلى أهمية ما سيلقيه على ابن أبي ليلى ليستعد لفهمه ويهيئ نفسه لتلقيه والإحاطة به، ولما كان السلف معنيين بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم حريصين عليها وهي أنفس هداياهم لما قام في قلوبهم من محبتها والحرص على تطبيقها كانوا سادة الأمم ومحط أنظار العالم وكان النصر على الأعداء حليفهم وكانت الشوكة والغلبة للإسلام وأهله كما قال الله تعالى: ﴿يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ وعلى العكس من ذلك ما نشاهده اليوم من واقع المسلمين المؤلم من التخاذل والتفكك والزهد في تعاليم الشريعة والبعد عنها إلا من رحمه الله وقليل ما هم، لما كانوا كذلك لم يحسب أعداؤهم لهم أي حساب ولم يقيموا لهم أدنى وزن وكانوا هائبين بعد أن كان أسلافهم مهيبين وغزوا في عقر دارهم من عدوهم وممن تربى على أيديه من أبنائهم، وإذا تأمل العاقل ما تضمنه هذا الحديث الشريف من بيان قيمة السنة النبوية في نفوس السلف الصالح وعظيم منزلتها في نفوسهم وأنها أنفس هداياهم ثم نظر إلى حالة الكثير من المنتسبين إلى الإسلام اليوم وما ابتلوا به من الزهد في الشريعة والتحاكم إلى غيرها أقول : إذا تأمل العاقل أحوال أولئك وأحوال هؤلاء عرف السر الذي من أجله كان أولئك ينتصرون على أعدائهم مع قلة عددهم وكان هؤلاء ينهزمون وهو كثيرون أمام الأعداء ولن يقوم للمسلمين قائمة إلا إذا رجعوا إلى الكتاب العزيز والسنة المطهرة ولفظوا القوانين الوضعية الوضيغة وغيرها من البضائع الرديئة المستوردة مما وراء البحار ونظفوا نفوسهم وأوطانهم منها.
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفق المسلمين جميعا حاكمين ومحكومين إلى الرجوع إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ليظفروا بالأسباب الحقيقية لحصول النصر والغلبة على الأعداء إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حكيم مجيد.
منقول
طريق القران
بقلم فضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد
نائب رئيس الجامعة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم ارض عن الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:
فإنَّ نِعم الله –تعالى- على عباده كثيرة لا تحصى، وأعظم نعمة أنعم الله بها على الثقلين الجن والإنس أنْ بعث فيهم عبده ورسوله وخليله وحبيبه وخيرته من خلقه محمداً -صلى الله عليه وسلم- ليخرجهم به من الظلمات إلى النور وينقلهم من ذُلِّ العبودية للمخلوق إلى عز العبودية للخالق -سبحانه وتعالى- يرشدهم إلى سبيل النجاة والسعادة، ويحذرهم من سبل الهلاك والشقاوة، وقد نوه الله بهذه النعمة العظيمة والمنة الجسيمة في كتابه العزيز قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: 164]. وقال وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدا﴾ [الفتح:28] وقد قام عليه أفضل الصلاة والسلام بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة والنصح للأمة على التمام والكمال فبشَّر وأنذر، ودلَّ على كل خير وحذّر من كل شر، وأنزل الله تعالى عليه وهو واقف بعرفة قبل وفاته -صلى الله عليه وسلم- بمدة يسيرة قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينا﴾ [المائدة:3].
وكان -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على سعادة الأمة غاية الحرص كما قال تعالى منوهًا بما حباه الله به من صفات جليلة: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:138]
وهذا الذي قام به صلى الله عليه وسلم من إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة والنصح للأمة، هو حق الأمة عليه كما قال الله –تعالى-: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [العنكبوت:18]. وقال : ﴿ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [النحل:35]. وروى البخاري في صحيحه عن الزهري أنَّه قال: (من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم). انتهى.
وإنَّ علامة سعادة المسلم أن يستسلم وينقاد لما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما قال الله –تعالى-: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما﴾ [النساء:65] وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِين﴾ [الأحزاب:36]، وقال تعالى: ﴿لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:63]، وعبادة الله تكون مقبولة عند الله ونافعة لديه إذا اشتملت على أمرين أساسين :
أولهما: أن تكون العبادة لله خالصة لا شركة لغيره فيها كما أنه تعالى ليس له شريك في الملك فليس له شريك في العبادة كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدا﴾ [الجن:18] وقال: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام:162].
الثاني: أن تكون العبادة عل وفق الشريعة التي جاء بها رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر:7]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم﴾ [أل عمران:31] وقال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها-: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)، وفي رواية لمسلم (من عمل عمل ليس عليه أمرها فهو رد). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).
ولمَّا كانت نعمة الله –تعالى- على المؤمنين بإرسال رسوله -صلى الله عليه وسلم- إليهم عظيمة أمرهم الله تعالى في كتابه أن يصلوا عليه ويسلموا تسليما بعد أن أخبرهم أنه وملائكته يصلون عليه فقال تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما﴾ [الأحزاب:56]. وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة المطهرة فضل الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- وكيفيتها وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بها..
وسأتحدث عن فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وبيان كيفيتها ثم أشير إلى نماذج من الكتب المؤلفة في هذه العبادة العظيمة وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد.
معنى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وبيان كيفيتها
صلاة الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم- فسرت بثنائه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة عليه فسرت بدعائهم له فسرها بذلك أبو العالية كما ذكره عنه البخاري في صحيحه في مطلع باب ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما﴾ وقال البخاري في تفسير صلاة الملائكة عليه بعد ذكر تفسير أبي العالية قال ابن عباس: يصلون يُبَرِّكُون. أي يدعون له بالبركة.
وفسرت صلاة الله عليه بالمغفرة وبالرحمة كما نقله الحافظ ابن حجر في الفتح عن جماعة وتعقب تفسيرها بذلك ثم قال : وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية أنَّ معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه وصلاة الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من الله تعالى والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة وقال الحافظ: «وقال الحليمي في الشعب: معنى الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- تعظيمه فمعنى قولنا: اللهم صلى على محمد عظم محمداً المراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته، وإبداء فضيلته بالمقام المحمود، وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ ادعوا ربكم بالصلاة عليه».انتهى.
وقال العلامة ابن القيم في كتابه جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام في معرض الكلام على صلاة الله وملائكته على رسوله صلى الله عليه وسلم: وأمر عباده المؤمنين بأن يصلوا عليه بعد أن رد أن يكون المعنى الرحمة والاستغفار قال: بل الصلاة المأمور بها فيها -يعني: آية الأحزاب- هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته وصلاة ملائكته وهي ثناء عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه فهي تتضمن الخبر والطلب وسمى هذا السؤال والدعاء منا نحن صلاةً عليه لوجهين أحدهما أنه يتضمن ثناء المصلى عليه والإشادة بذكر شرفه وفضله والإرادة والمحبة لذلك من الله فقد تضمنت الخبر والطلب والوجه الثاني أنَّ ذلك سمى صلاة منا لسؤالنا من الله أن يصلي عليه فصلاة الله ثناؤه لرفع ذكره وتقريبه وصلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به انتهى.
وأمَّا معنى التسليم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد قال فيه المجد الفيروزآبادي في كتابه "الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر" ومعناه: السلام الذي هو اسم من أسماء الله تعالى عليك، وتأويله: لا خلوت من الخيرات والبركات، وسَلمت من المكاره والآفات، إذ كان اسم الله تعالى إنما يذكر على الأمور توقعا لاجتماع معاني الخير والبركة فيها، وانتفاء عوارض الخلل والفساد عنها، ويحتمل أن يكون السلام بمعنى السلامة أي: ليكن قضاء الله تعالى عليك السلامة، أي: سلمت من الملام والنقائص فإذا قلت اللهم سلم على محمد فإنما تريد منه اللهم اكتب لمحمد في دعوته وأمته وذكره السلامة من كل نقص فتزداد دعوته على ممر الأيام علواً وأمته تكثراً وذكره ارتفاعاً.
أمَّا كيفية الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد بينها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه حين سألوه عن ذلك, وقد وردت هذه الكيفية من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم, أذكر منها هنا ما كان في الصحيحين أو في أحدهما، روى البخاري في كتاب الأنبياء من صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ( ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت بلى فأهدها إلي فقال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإنَّ الله علمنا كيف نسلم قال قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد). وأخرج أيضا حديث كعب بن عجرة في كتاب التفسير من صحيحه في تفسير سورة الأحزاب ولفظه: (قيل يا رسول الله أمَّا السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة عليك قال: قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) . وأخرجه أيضا في كتاب الدعوات من صحيحه وقد أخرج هذا الحديث مسلم عن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- من طرق متعددة عنه.
وأخرج البخاري في كتاب الدعوات من صحيحه عن أبي سعيد الخدري (قال: قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف نصلي قال: قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم) وأخرجه عنه أيضا في تفسير سورة الأحزاب.
وأخرج البخاري في كتاب الأنبياء من صحيحه عن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد). وأخرج عنه أيضا في كتاب الدعوات بمثل هذا اللفظ، وأخرج هذا الحديث عن أبي حميد رضي الله عنه مسلم في صحيحه.
وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال. (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما علمتم)
هذه هي المواضع التي خرج فيها هذا الحديث في الصحيحين أو أحدهما وهي عن أربعة من الصحابة: كعب بن عجرة وأبي سعيد الخدري وأبي حميد الساعدي وأبي مسعود الأنصاري وقد اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث كعب وأبي حميد وانفرد البخاري بإخراجه من حديث أبي سعيد وانفرد مسلم بإخراجه من حديث أبي مسعود الأنصاري وقد أخرجه عن هؤلاء الأربعة غير الشيخين فرواه عن كعب بن عجرة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد والدارمي ورواه عن أبي سعيد الخدري النسائي وابن ماجه ورواه عن أبي حميد أبو داود والنسائي وابن ماجه ورواه عن أبي مسعود الأنصاري أبو داود والنسائي والدارمي.
وروى حديث كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة غير هؤلاء الأربعة منهم طلحة بن عبيد الله وأبو هريرة وبريدة بن الحصيب وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.
وهذه الكيفية التي علَّم صلى الله عليه وسلم أصحابه إياها عندما سألوه عن كيفية الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- هي أفضل كيفيات الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- وأكملها الصيغة التي فيها الجمع بين الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم وآله- والصلاة على إبراهيم -صلى الله عليه وسلم وآله- وممَّن استدل بتفصيل الكيفية التي أجاب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بها الحافظ ابن حجر في فتح الباري فقد قال فيه (11/166) قلت واستدل بتعليمه صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالكيفية بعد سؤالهم عنها بأنها أفضل كيفيات الصلاة عليه لأنه لا يختار لنفسه إلا الأشرف الأفضل ويترتب على ذلك لو حلف أن يصلي عليه أفضل الصلاة فطريق البر أن يأتي بذلك ثم ذكر أن النووي صوب ذلك في الروضة وذكر كيفيات أخرى يحصل بها بر الحلف ثم قال: والذي يرشد إليه الدليل أنَّ البر يحصل بما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- لقوله: من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا فليقل: اللهم صلى على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم.. الحديث والله أعلم انتهى.
وقد درج السلف الصالح ومنهم المحدثون بذكر الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكره بصيغتين مختصرتين إحداهما: (صلى الله عليه وسلم) والثانية: (عليه الصلاة والسلام) وهاتان الصيغتان قد امتلأت بهما ولله الحمد كتب الحديث بل إنهم يدونون في مؤلفاتهم الوصايا بالمحافظة على ذلك على الوجه الأكمل من الجمع بين الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم. يقول الإمام ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث: «ينبغي له -يعني كاتب الحديث- أن يحافظ على كتابة الصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذكره ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته، ومن أغفل ذلك حرم حظًا عظيمًا -إلى أن قال- : وليتجنب في إثباتها نقصين أحدهما: أن يكتبها منقوصة صورة رامزًا إليها بحرفين أو نحو ذلك والثاني: أن يكتبها منقوصة معنى بأن لا يكتب( وسلم ) وإن وجد ذلك في خط بعض المتقدمين» انتهى محل الغرض منه.
وقال النووي في كتاب الأذكار: «إذا صلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- فليجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما فلا يقل: (صلى الله عليه) فقط ولا (عليه السلام) فقط» انتهى.
وقد نقل هذا عنه ابن كثير في ختام تفسيره آية الأحزاب من كتاب التفسير ثم قال ابن كثير: وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية الكريمة وهي قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما﴾ فالأولى أن يقال: -صلى الله عليه وسلم تسليما-. انتهى.
وقال الفيروزبادي في كتابه الصلات والبشر: ولا ينبغي أن ترمز للصلاة كما يفعله بعض الكسالى والجهلة وعوام الطلبة فيكتبون صورة( صلعم ) بدلا من -صلى الله عليه وسلم-.
فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
قد ورد في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة جمعها الحافظ إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتاب أفرده لها وقد أشار الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرحه حديث كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الذي أورده البخاري في كتاب الدعوات من صحيحه إلى الجيد من أحاديث فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والحافظ ابن حجر من أهل الاستقراء التام والإطلاع الواسع على دواوين السنة النبوية فأنا أورد هنا ما ذكره في هذا الموضوع قال رحمه الله (11/ 167): واستدل به على فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من جهة ورود الأمر بها واعتناء الصحابة بالسؤال عن كيفيتها وقد ورد في التصريح بفضلها أحاديث قوية لم يخرج البخاري منها شيئا.
منها ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رفعه: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر) وله شاهد عن أنس عند أحمد والنسائي وصححه ابن حبان وعن أبي بردة بن نيار وأبي طلحة كلاهما عند النسائي ورواتهما ثقات ولفظ أبي بردة: (من صلى علي من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات وكتب له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات) ولفظ أبي طلحة عنده نحوه وصححه ابن حبان. ومنها حديث ابن مسعود رفعه: (إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة). وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان وله شاهد عند البيهقي عن أبي أمامة بلفظ: "صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة" ولا بأس بسنده، وورد الأمر بإكثار الصلاة عليه يوم الجمعة من حديث أوس بن أوس وهو عند أحمد وأبي داود وصححه ابن حبان والحاكم.
ومنها حديث (البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي) أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وإسماعيل القاضي وأطنب في تخريج طرقه وبيان الاختلاف فيه من حديث علي ومن حديث ابنه الحسين ولا يقصر عن درجة الحسن. ومنها (من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة) أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة وابن أبي حاتم من حديث جابر والطبراني من حديث حسين بن علي وهذه الطرق يشد بعضها بعضا.
وحديث (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ) أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ (من ذكرت عنده فلم يصل علي فمات فدخل النار فأبعده الله) وله شاهد عنده وصححه الحاكم وله شاهد من حديث أبي ذر في الطبراني وآخر عن أنس عند ابن أبي شيبة وآخر مرسل عن الحسن عند سعيد بن منصور وأخرجه ابن حبان من حديث أبي هريرة ومن حديث مالك بن الحويرث ومن حديث عبد الله بن عباس عند الطبراني ومن حديث عبد الله بن جعفر عند الفريابي وعند الحاكم من حديث كعب بن عجرة بلفظ (بعد من ذكرت عنده فلم يصل علي" وعند الطبراني من حديث جابر رفعه "شقي عبد ذكرت عنده فلم يصل علي) وعند عبد الرزاق من مرسل قتادة (من الجفاء أن أذكر عند رجل فلا يصلي علي).
ومنها حديث أبي بن كعب (أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله إني أكثر الصلاة فما أجعل لك من صلاتي قال: ما شئت قال: الثلث قال: ما شئت وإن زدت فهو خير -إلى أن قال- أجعل لك كل صلاتي قال "إذا تكفي همك" ) [الحديث أخرجه أحمد وغيره بسند حسن].
فهذا الجيد من الأحاديث الواردة في ذلك وفي الباب أحاديث كثيرة ضعيفة وواهية. وأمَّا ما وضعه القصاص في ذلك فلا يحصى كثرة، وفي الأحاديث القوية غنية عن ذلك انتهى كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله والمراد من الصلاة في حديث أبي بن كعب ( فما أجعل لك من صلاتي ) الدعاء.
ممَّا ألف في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
وقد اعتنى العلماء بهذه العبادة العظيمة فأفردوها بالتأليف وأول من علمته ألف في ذلك الإمام إسماعيل ابن إسحاق القاضي المتوفى سنة 282هـ واسم كتابه "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" وقد طبع بتحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني وهو يشتمل على مائة وسبعة أحاديث كلها مسندة ومن الكتب المطبوعة المتداولة في هذا الباب كتاب "جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام" للعلامة ابن القيم وكتاب "الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر" للفيروزبادي صاحب القاموس وكتاب "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع للسخاوي" المتوفى سنة 902هـ وقد ختم كتابه هذا ببيان الكتب المصنفة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر جملة كبيرة من هذه الكتب مرتبة وخامسها بالترتيب كتاب جلاء الأفهام لابن القيم وقد أشار إلى قيمة كل منها ثم قال: "وفي الجملة فأحسنها وأكثرها فوائد خامسها يعني كتاب ابن القيم أقول: وهو في الحقيقة كتاب قيم جمع مؤلفه فيه بين ذكر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة العظيمة والكلام عليها صحة وضعفًا فقهًا واستنباطًا وقد قال عنه في مقدمته: وهو كتاب فرد في معناه لم يسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها بينا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وصحيحها من حسنها ومعلولها وبينا ما في معلولها من العلل بيانا شافيا ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد ثم مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ومحالها ثم الكلام في مقدار الواجب منها واختلاف أهل العلم فيه وترجيح الراجح وتزييف الزائف، ومخبر الكتاب فوق وصفه والحمد لله رب العالمين. انتهى.
وممَّا ألف في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مبنياً على غير علم ومشتملاً على فضائل وكيفيات للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما أنزل بها من سلطان كتاب "دلائل الخيرات للجزولي" المتوفى سنة 854هـ وقد شاع وانتشر في كثير من أقطار الأرض قال عنه صاحب كشف الظنون(1/495):
«دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار عليه الصلاة والسلام أوله الحمد لله الذي هدانا للإيمان الخ للشيخ أبي عبد الله محمد بن سليمان بن أبي بكر الجزولي السملالي الشريف الحسني المتوفى سنة 854هـ وهذا الكتاب آية من آيات الله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يواظب بقراءته في المشارق والمغارب لا سيما في بلاد الروم» ثم أشار إلى بعض شروح هذا الكتاب:
أقول: ولم يكن إقبال الكثير من الناس على تلاوته مبنياً على أساس يعتمد عليه وإنَّما كان تقليداً عن جهل من بعضهم لبعض والأمر في ذلك كما قال الشيخ محمد الخضر بن مايابي الشنقيطي في كتابه مشتهى الخارف الجاني في رد زلقات التجاني الجاني قال في أثناء رده على التجاني: فإن الناس مولعة بحب الطارئ ولذلك تراهم يرغبون دائما في الصلوات المروية في دلائل الخيرات ونحوه وكثير منها لم يثبت له سند صحيح ويرغبون عن الصلوات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري فقل أن تجد أحداً من المشايخ أهل الفضل له وردٌ منها وما ذلك إلا للولوع بالطارئ وأمّا لو كان الفضل منظورا إليه لما عدل عاقل فضلا عن شيخ فاضل عن صلاة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد سؤاله كيف نصلي عليك يا رسول الله فقال: قولوا كذا وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى إلى صلاة لم يرد فيها حديث صحيح بل ربما كانت منامية من رجل صالح في الظاهر " انتهى.
ولا شك أنَّ ما جاءت به السنة وفعله الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان هو الطريق المستقيم والمنهج القويم والفائدة للآخذ به محققة والمضرة عنه منتفية وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق على صحته عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية لمسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).
وقد حذر عليه الصلاة والسلام أمته من الغلو فيه فقال في الحديث الصحيح: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) ولمَّا قال له رجل: ما شاء الله وشئت قال عليه الصلاة والسلام: (أجعلتني لله ندا؟ ما شاء الله وحده).
وكتاب دلائل الخيرات قد اشتمل على الغثِّ والسمين، وشيب فيه الجائز بالممنوع وفيه أحاديث موضوعة وأحاديث ضعيفة وفيه مجاوزة للحد ووقوع في المحذور الذي لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وهو طارئ لم يكن من نهج السابقين بإحسان.
وحسبي هنا أن أشير إلى بعض الأمثلة مما فيه من الكيفيات المبتدعة في الصلاة والتسليم على النبي الكريم صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أتبع ذلك بنماذج مما فيه من الأحاديث الموضوعة في فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم والتي يتنزه لسانه الشريف عن النطق بها فمن الكيفيات الواردة فيه:
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد حتى لا يبقى من الصلاة شيء وارحم محمدا وآل محمد حتى لا يبقى من الرحمة شيء وبارك على محمد وعلى آل محمد حتى لا يبقى من البركة شيء وسلم على محمد وعلى آل محمد حتى لا يبقى من السلام شيء.
وقال في ص71: اللهم صل على سيدنا محمد بحر أنوارك ومعدن أسرارك ولسان حجتك وعروس مملكتك وإمام حضرتك وطراز ملكك وخزائن رحمتك … إنسان عين الوجود والسبب في كل موجود…
وقال في ص64: اللهم صل على من تفتقت من نوره الأزهار …. اللهم صل على من اخضرت من بقية وضوئه الأشجار اللهم صل على من فاضت من نوره جميع الأنوار.
وقال في ص 144 و 145 : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ما سجعت الحمائم وحمت الحوائم وسرحت البهائم ونفعت التمائم وشدت العمائم ونمت النوائم.
نماذج ممَّا فيه من الأحاديث الموضوعة
وأذكر فيما يلي أمثلة لما فيه من أحاديث موضوعة أو ضعيفة جدا مع الإشارة إلى بعض ما قاله أهل العلم فيها وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر.
قال في ص15: وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من صل علي صلاة تعظيمًا لحقي خلق الله عز وجل من ذلك القول ملكًا له جناح بالمشرق والآخر بالمغرب ورجلاه مقرورتان في الأرض السابعة السفلى وعنقه ملتوية تحت العرش يقول الله عز وجل له: صل على عبدي كما صلى على نبيي فهو يصلي عليه إلى يوم القيامة.
وقال في ص16: وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد صلى علي إلا خرجت الصلاة مسرعة من فيه فلا يبقى بر ولا بحر ولا شرق ولا غرب إلا وتمر به وتقول أنا صلاة فلان بن فلان صلى على محمد المختار خير خلق الله فلا يبقى شيء إلا وصلى عليه ويخلق من تلك الصلاة طائر له سبعون ألف جناح في كل جناح سبعون ألف ريشة في كل ريشة سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف فم في كل فم سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بسبعين ألف لغة ويكتب الله له ثواب ذلك كله".
هذان حديثان من أحاديث دلائل الخيرات يصدق عليهما قول العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه المنار المنيف: والأحاديث الموضوعة عليها ظلمة وركاكة ومجازفات باردة تنادي على وضعها واختلاقها ثم ضرب لذلك بعض الأمثلة ثم قال:
فصل: ونحن ننبه على أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعا فمنها اشتماله على أمثال هذه المجازفات التي لا يقول مثلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي كثيرة جدا كقوله في الحديث المكذوب: من قال لا إله إلا الله خلق الله من تلك الكلمة طائرًا له سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يستغفرون الله له ومن فعل كذا وكذا أعطي في الجنة سبعين ألف مدينة في كل مدينة سبعون ألف قصر في كل قصر سبعين ألف حوراء وأمثال هذه المجازفات الباردة التي لا يخلو حال واضعها من أحد أمرين: إمَّا أن يكون في غاية الجهل والحمق وإمَّا أن يكون زنديقًا قصد التنقيص بالرسول -صلى الله عليه وسلم- بإضافة مثل هذه الكلمات إليه. انتهى.
وممَّن حكم على بطلان أمثال هذه الأحاديث من المعاصرين أبو الفضل عبد الله الصديق الغماري. قال في تعليقه على كتاب بشارة المحبوب بتكفير الذنوب للأذرعي ص 125:
تنبيه: جاء في كثير من الأحاديث من عمل كذا خلق الله من ذلك العمل ملكًا يسبح أو يحمد الله وكلها أحاديث باطلة. قال ذلك هنا, ومع هذا أثنى على كتاب دلائل الخيرات ثناءً عظيمًا في كتابه خواطر دينية, ووصفه بأنه سار مسير الشمس.
ويطيب لي أن أختم هذه المحاضرة بإثبات قطعة مما كتبته في شرح حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحديث التاسع عشر من الأحاديث العشرين التي اخترتها من صحيح مسلم والتي طبعت تحت عنوان: "عشرون حديثًا من صحيح مسلم دراسة أسانيدها وشرح متونها" وهذه القطعة هي:
قول كعب بن عجرة -رضي الله عنه- لابن أبي ليلى: ألا أهدي لك هدية .. يدل على أن أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة سنته -صلى الله عليه وسلم- وتطبيقها أنفس الأشياء عندهم وأحبها إلى نفوسهم ولهذا قال كعب ما قال منبها إلى أهمية ما سيلقيه على ابن أبي ليلى ليستعد لفهمه ويهيئ نفسه لتلقيه والإحاطة به، ولما كان السلف معنيين بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم حريصين عليها وهي أنفس هداياهم لما قام في قلوبهم من محبتها والحرص على تطبيقها كانوا سادة الأمم ومحط أنظار العالم وكان النصر على الأعداء حليفهم وكانت الشوكة والغلبة للإسلام وأهله كما قال الله تعالى: ﴿يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ وعلى العكس من ذلك ما نشاهده اليوم من واقع المسلمين المؤلم من التخاذل والتفكك والزهد في تعاليم الشريعة والبعد عنها إلا من رحمه الله وقليل ما هم، لما كانوا كذلك لم يحسب أعداؤهم لهم أي حساب ولم يقيموا لهم أدنى وزن وكانوا هائبين بعد أن كان أسلافهم مهيبين وغزوا في عقر دارهم من عدوهم وممن تربى على أيديه من أبنائهم، وإذا تأمل العاقل ما تضمنه هذا الحديث الشريف من بيان قيمة السنة النبوية في نفوس السلف الصالح وعظيم منزلتها في نفوسهم وأنها أنفس هداياهم ثم نظر إلى حالة الكثير من المنتسبين إلى الإسلام اليوم وما ابتلوا به من الزهد في الشريعة والتحاكم إلى غيرها أقول : إذا تأمل العاقل أحوال أولئك وأحوال هؤلاء عرف السر الذي من أجله كان أولئك ينتصرون على أعدائهم مع قلة عددهم وكان هؤلاء ينهزمون وهو كثيرون أمام الأعداء ولن يقوم للمسلمين قائمة إلا إذا رجعوا إلى الكتاب العزيز والسنة المطهرة ولفظوا القوانين الوضعية الوضيغة وغيرها من البضائع الرديئة المستوردة مما وراء البحار ونظفوا نفوسهم وأوطانهم منها.
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفق المسلمين جميعا حاكمين ومحكومين إلى الرجوع إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ليظفروا بالأسباب الحقيقية لحصول النصر والغلبة على الأعداء إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حكيم مجيد.
منقول
طريق القران