سنا البرق
23 Sep 2004, 10:58 PM
<span style='color:teal'><div align="center">
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
آخر الدواء الكي
وصلنا إلى طريق مسدود فلا بد من .. الطلاق
هناك وراء كل الأبواب المغلقة توجد هموم بين الرجل والمرأة، تصل هذه الهموم في بعض الأحيان إلى النقاش الحاد والذي يؤدي إلى مشاحنة أو مشاجرة، ويضطر أحد الطرفين في بعض الأحيان إلى فقدان أعصابه، ويتفوه بكلمات لا يقصدها لأنه في ساعة غضب، وفي ساعة الغضب تعمى البصيرة، ويفقد العقل اتزانه، وفي هذه اللحظة على الطرف الآخر أن يكون متزنًا مستقيمًا؛ لأن تلك اللحظة هي خيط رفيع إذا شد من طرفين تقطع.
ولدينا عزيزي القارئ القاعدة الأصل في العلاقة بين الزوجين ليس من وهي خيالنا، بل من لدن حكيم خبير، وهذه القاعدة هي قول المولى عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19].
وفي هذا أمر بحسن معاشرة الزوجات والصبر على طباعهن، وهذه لمسة قرآنية لطيفة تهدئ من فورة الغضب، وحتى يعاود الإنسان نفسه في هدوء، وحتى لا تكون العلاقة الزوجية ريشة في مهب الرياح.
والإسلام الذي ينظر إلى البيت بوصفه سكنًا وأمنًا، وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودة ورحمة وأنسًا ويقيم هذه الآصرة على الاختيار المطلق، كي تقوم على التجاوب والتعاطف والتجارب .. هو الإسلام ذاته الذي يقول للأزواج: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19].
كي يستأنى بعقدة الزوجية فلا تنفصم لأول خاطر، وكي يستمسك بعقدة الزوجية فلا تنفك لأول نزوة، وكي يحفظ لهذه المؤسسة الإنسانية الكبرى جديتها فلا يجعلها عرضة لنزوة العاطفة المتقلبة، وحماقة الميل الطائر هنا وهناك.
ـ فإذا تبين بعد الصبر والتجمل والمحاولة والرجاء أن الحياة غير مستطاعة فلابد من الانفصال.
الطلاق:
ومن رحمة الله بعباده أن أباح لهم في الشريعة الإسلامية الطلاق، ودين الإسلام دين اليسر وليس دين العسر، وقد أبيح الطلاق عند انسداد جميع أبواب الأخرى، وانغلاق كافة طرق الإصلاح بين الزوجين، وحين تستحيل الحياة بينهما ويصلا إلى طريق مسدود. فإباحة الإسلام للطلاق جاءت لرفع الحرج عن المسلمين وجاءت كدواء لما ليس له دواء من المشكلات الزوجية المستمرة والمتفاقمة وكما يقال: 'آخر الدواء الكي'. ولقد قال الشاعر:
والعيش ليس يطيب من إلفين من غير اتفاق
{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان} [البقرة:229].
يقول صاحب كتاب 'في ظلال القرآن':
إن الطلقة الأولى محك وتجربة، فأما الثانية فهي تجربة وامتحان أخير، فإن صلحت الحياة بعدها فذاك، وإلا فالطلقة الثالثة دليل على فساد أصيل في حياة الزوجية لا تصلح معه حياة. وعلى أية حال فما يجوز أن يكون الطلاق إلا علاجًا أخيرًا لعلة لا يجدي فيما سواه، فإذا وقعت الطلقتان فإما إمساك للزوجة بالمعروف، واستئناف حياة رضية رخية، وإما تسريح لها بإحسان لا عنت فيه ولا إيذاء، وهو الطلقة الثالثة التي تمضي بعدها الزوجة إلى خط في الحياة جديد.
وهذا هو التشريع الواقعي الذي يواجه الحالات الواقعة بالحلول العملية، ولا يستنكرها حيث لا يجدي الاستنكار، ولا يعيد خلق بني الإنسان على نحو آخر غير الذي فطرهم الله عليه ولا يهملها كذلك حيث لا يجدي الإهمال.
ـ إن المعروف والجميل والحسنى يجب أن تسود جو هذه الحياة سواء اتصلت حبالها أو انفصمت عراها .. ولا يجوز أن تكون نية الإيذاء والإعنات عنصرًا من عناصرها .. ولا يحقق هذا المستوى الرفيع من السماحة في حالة الانفصال والطلاق التي تتأزم فيها النفوس إلا عنصر أعلى من ملابسات الحياة الأرضية، عنصر يرفع النفوس من الضعف، ويوسع من آفاق الحياة ويمدها وراء الحاضر الواقع الصغير .. هو عنصر الإيمان بالله واليوم الآخر .. وتذكر نعمة الله في شتى صورها ابتداء من نعمة الإيمان ـ أرفع النعم ـ إلى نعمة الصحة والرزق واستحضار تقوى الله والرجاء في العوض منه عن الزوجية الفاشلة والنفقة الضائعة.
ـ وهذا العنصر الذي تستحضره الآيتان اللتان تتحدثان عن إيثار المعروف والجميل والحسنى سواء اتصلت حبال الزوجية أو انفصمت عراها.
إذن فهمنا من ظلال هذه الآية أن المعاملة بالمعروف هي الإمساك بالمعروف، والتسريح بالإحسان أي بدون إيذاء أو تجريح، وهذا ما نرجوه من كل زوجين قررا الانفصال وفك عرى الزوجية.
واقعية الإسلام:
وبعين فاحصة نجد واقعية الإسلام في تشريع الطلاق.
وفي ذلك يقول الدكتور عبد الستار حامد في كتابه 'واقعية الإسلام بين العزوبة والطلاق': 'إن الإسلام لما كان دينًا واقعيًا فإن أسس نظام الطلاق على أنه علاج لا عقوبة، وإصلاح لا تخريب؛ لأن الغاية التي يهدف إليها من الزواج في تشريع ضمان بقاء الحياة الزوجية بعيدة عن رياح الفرقة ما أمكن، بغية التناسل وبقاء النوع الإنساني، فإن استحال ذلك كان الفراق هو العلاج الوحيد، حيث لا علاج بسواه، ولا إصلاح يتم بدونه عند استحكام النفرة ـ أي بين الزوجين ـ حيث لم يكن بد أمام هذه المشكلة الاجتماعية ـ إذا تحدد موطن الداء ـ إلا أن يصف له الدواء، فيصبح الطلاق في هذه الحالة ضرورة لا بد منها.
ومن المعلوم لدينا أن حالة الضرورة إذا قيست بالحالات الاعتيادية كانت نسبتها ضئيلة جدًا لا تساوي 1% وهكذا فالطلاق في واقعية الإسلام ـ إذن ـ ضرورة توجبها الحياة الزوجية إن لم يستقم أمرها وغدت نقمة بعد أن كانت نعمة، وتأكد الزوجان وذووا الإصلاح أنه لا سبيل لاستمرارها لاستحكام الشقاق، وتنافر القلوب إلا بارتكاب الآثام، ومعصية أوامر الله، والخروج عن نواهيه'.
دواء مر المذاق:
ويبقى الطلاق دواء مر المذاق وجراحه موجعة ولكن من الذي يلغي التداوي كراهة المرارة؟
أو يحرم الجراحات كراهة الآلام؟
لا بد في شريعة العقل من الدواء ومن الجراحة، وما دمنا نعيش في عالم فيه فساد وصواب وخطأ، وصحة ومرض، وحكمة وحماقة، وحيث لا عصمة لبشر، فكان لا بد في الإسلام ـ بمنهجه التوافقي ـ من وسيلة لتدارك الأخطاء، وإعطاء الفرصة لبني آدم وبنات حواء كي يبدأو من جديد بناء سعادتهم في الدنيا فإقامة أركان أسرات سليمة الصرح، يعمرها الأمن والمودة والرحمة.
والإسلام يضع رخصة الطلاق في موضع الدواء الكريه المذاق أو مشرط الجراح، ثم إن الطلاق ـ بعد كل شيء ـ أبغض الحلال عند الله.
منقول من مفكرة الإسلام
</div></span>
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
آخر الدواء الكي
وصلنا إلى طريق مسدود فلا بد من .. الطلاق
هناك وراء كل الأبواب المغلقة توجد هموم بين الرجل والمرأة، تصل هذه الهموم في بعض الأحيان إلى النقاش الحاد والذي يؤدي إلى مشاحنة أو مشاجرة، ويضطر أحد الطرفين في بعض الأحيان إلى فقدان أعصابه، ويتفوه بكلمات لا يقصدها لأنه في ساعة غضب، وفي ساعة الغضب تعمى البصيرة، ويفقد العقل اتزانه، وفي هذه اللحظة على الطرف الآخر أن يكون متزنًا مستقيمًا؛ لأن تلك اللحظة هي خيط رفيع إذا شد من طرفين تقطع.
ولدينا عزيزي القارئ القاعدة الأصل في العلاقة بين الزوجين ليس من وهي خيالنا، بل من لدن حكيم خبير، وهذه القاعدة هي قول المولى عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19].
وفي هذا أمر بحسن معاشرة الزوجات والصبر على طباعهن، وهذه لمسة قرآنية لطيفة تهدئ من فورة الغضب، وحتى يعاود الإنسان نفسه في هدوء، وحتى لا تكون العلاقة الزوجية ريشة في مهب الرياح.
والإسلام الذي ينظر إلى البيت بوصفه سكنًا وأمنًا، وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودة ورحمة وأنسًا ويقيم هذه الآصرة على الاختيار المطلق، كي تقوم على التجاوب والتعاطف والتجارب .. هو الإسلام ذاته الذي يقول للأزواج: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19].
كي يستأنى بعقدة الزوجية فلا تنفصم لأول خاطر، وكي يستمسك بعقدة الزوجية فلا تنفك لأول نزوة، وكي يحفظ لهذه المؤسسة الإنسانية الكبرى جديتها فلا يجعلها عرضة لنزوة العاطفة المتقلبة، وحماقة الميل الطائر هنا وهناك.
ـ فإذا تبين بعد الصبر والتجمل والمحاولة والرجاء أن الحياة غير مستطاعة فلابد من الانفصال.
الطلاق:
ومن رحمة الله بعباده أن أباح لهم في الشريعة الإسلامية الطلاق، ودين الإسلام دين اليسر وليس دين العسر، وقد أبيح الطلاق عند انسداد جميع أبواب الأخرى، وانغلاق كافة طرق الإصلاح بين الزوجين، وحين تستحيل الحياة بينهما ويصلا إلى طريق مسدود. فإباحة الإسلام للطلاق جاءت لرفع الحرج عن المسلمين وجاءت كدواء لما ليس له دواء من المشكلات الزوجية المستمرة والمتفاقمة وكما يقال: 'آخر الدواء الكي'. ولقد قال الشاعر:
والعيش ليس يطيب من إلفين من غير اتفاق
{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان} [البقرة:229].
يقول صاحب كتاب 'في ظلال القرآن':
إن الطلقة الأولى محك وتجربة، فأما الثانية فهي تجربة وامتحان أخير، فإن صلحت الحياة بعدها فذاك، وإلا فالطلقة الثالثة دليل على فساد أصيل في حياة الزوجية لا تصلح معه حياة. وعلى أية حال فما يجوز أن يكون الطلاق إلا علاجًا أخيرًا لعلة لا يجدي فيما سواه، فإذا وقعت الطلقتان فإما إمساك للزوجة بالمعروف، واستئناف حياة رضية رخية، وإما تسريح لها بإحسان لا عنت فيه ولا إيذاء، وهو الطلقة الثالثة التي تمضي بعدها الزوجة إلى خط في الحياة جديد.
وهذا هو التشريع الواقعي الذي يواجه الحالات الواقعة بالحلول العملية، ولا يستنكرها حيث لا يجدي الاستنكار، ولا يعيد خلق بني الإنسان على نحو آخر غير الذي فطرهم الله عليه ولا يهملها كذلك حيث لا يجدي الإهمال.
ـ إن المعروف والجميل والحسنى يجب أن تسود جو هذه الحياة سواء اتصلت حبالها أو انفصمت عراها .. ولا يجوز أن تكون نية الإيذاء والإعنات عنصرًا من عناصرها .. ولا يحقق هذا المستوى الرفيع من السماحة في حالة الانفصال والطلاق التي تتأزم فيها النفوس إلا عنصر أعلى من ملابسات الحياة الأرضية، عنصر يرفع النفوس من الضعف، ويوسع من آفاق الحياة ويمدها وراء الحاضر الواقع الصغير .. هو عنصر الإيمان بالله واليوم الآخر .. وتذكر نعمة الله في شتى صورها ابتداء من نعمة الإيمان ـ أرفع النعم ـ إلى نعمة الصحة والرزق واستحضار تقوى الله والرجاء في العوض منه عن الزوجية الفاشلة والنفقة الضائعة.
ـ وهذا العنصر الذي تستحضره الآيتان اللتان تتحدثان عن إيثار المعروف والجميل والحسنى سواء اتصلت حبال الزوجية أو انفصمت عراها.
إذن فهمنا من ظلال هذه الآية أن المعاملة بالمعروف هي الإمساك بالمعروف، والتسريح بالإحسان أي بدون إيذاء أو تجريح، وهذا ما نرجوه من كل زوجين قررا الانفصال وفك عرى الزوجية.
واقعية الإسلام:
وبعين فاحصة نجد واقعية الإسلام في تشريع الطلاق.
وفي ذلك يقول الدكتور عبد الستار حامد في كتابه 'واقعية الإسلام بين العزوبة والطلاق': 'إن الإسلام لما كان دينًا واقعيًا فإن أسس نظام الطلاق على أنه علاج لا عقوبة، وإصلاح لا تخريب؛ لأن الغاية التي يهدف إليها من الزواج في تشريع ضمان بقاء الحياة الزوجية بعيدة عن رياح الفرقة ما أمكن، بغية التناسل وبقاء النوع الإنساني، فإن استحال ذلك كان الفراق هو العلاج الوحيد، حيث لا علاج بسواه، ولا إصلاح يتم بدونه عند استحكام النفرة ـ أي بين الزوجين ـ حيث لم يكن بد أمام هذه المشكلة الاجتماعية ـ إذا تحدد موطن الداء ـ إلا أن يصف له الدواء، فيصبح الطلاق في هذه الحالة ضرورة لا بد منها.
ومن المعلوم لدينا أن حالة الضرورة إذا قيست بالحالات الاعتيادية كانت نسبتها ضئيلة جدًا لا تساوي 1% وهكذا فالطلاق في واقعية الإسلام ـ إذن ـ ضرورة توجبها الحياة الزوجية إن لم يستقم أمرها وغدت نقمة بعد أن كانت نعمة، وتأكد الزوجان وذووا الإصلاح أنه لا سبيل لاستمرارها لاستحكام الشقاق، وتنافر القلوب إلا بارتكاب الآثام، ومعصية أوامر الله، والخروج عن نواهيه'.
دواء مر المذاق:
ويبقى الطلاق دواء مر المذاق وجراحه موجعة ولكن من الذي يلغي التداوي كراهة المرارة؟
أو يحرم الجراحات كراهة الآلام؟
لا بد في شريعة العقل من الدواء ومن الجراحة، وما دمنا نعيش في عالم فيه فساد وصواب وخطأ، وصحة ومرض، وحكمة وحماقة، وحيث لا عصمة لبشر، فكان لا بد في الإسلام ـ بمنهجه التوافقي ـ من وسيلة لتدارك الأخطاء، وإعطاء الفرصة لبني آدم وبنات حواء كي يبدأو من جديد بناء سعادتهم في الدنيا فإقامة أركان أسرات سليمة الصرح، يعمرها الأمن والمودة والرحمة.
والإسلام يضع رخصة الطلاق في موضع الدواء الكريه المذاق أو مشرط الجراح، ثم إن الطلاق ـ بعد كل شيء ـ أبغض الحلال عند الله.
منقول من مفكرة الإسلام
</div></span>