مشاهدة النسخة كاملة : الجهـــاد ومعـركة الشـبهات " ضمن سلسلة وحرض المؤمنيين "
قائد_الكتائب
14 Jun 2010, 12:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
{الجهاد}
ومـعـركـة الـشـبـهـات!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
كتب الله عز وجل على عباده المؤمنين عبادة الجهاد، وأخبرهم سبحانه بأنه كرهٌ لهم، فقال : {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}[البقرة/216]، فالمشقة، والنصب، ومنازعة رغبات النفس، ومغالبة ثقلة الأرض التي تشدّها، والجوع، والعطش، والخوف، وإنفاق الأموال ونقصانها، وكثرة القتل، وتحمُّل الجراح والآلام، ومفارقة الأهل والديار، وزلزلة القلوب وغيرها، كلها صفات لصيقة بهذه العبادة بل هي جزءٌ منها : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[البقرة/155]، وقال سبحانه : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[التوبة/120]
فبهذه وغيرها أصبح الجهاد (كرهاً) للنفوس التي جبلت على الجنوح إلى طلب السلامة، والركون إلى الدعة، والقنوع بالراحة، والبعد عن المخاطر، والميل إلى الإخلاد، فمقتضيات الجهاد ومتطلبات النفس غالباً ما تكون على طرفي نقيضٍ كما قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}[التوبة/38]، وقال سبحانه : {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة/24]، وقال سبحانه وتعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}[النساء/77]
فالجهاد يحتاج إلى التجرد له والنهوض بأعبائه، وتحمّل مشاقِّه، والمصابرة في أدائه، والنفس تأبى ذلك وتنحط إلى حضيض الأرض متشبثة بزخارفها، ومنكبة على متاعها، وراضيةً بزهرتها، ففي القتال أمامها الموت والأهوال، وفي الدنيا خلفها الولد والأموال، فإما أن تُرد إلى هذه أو تُشَد إلى تلك، فهي وإن كانت ما ستقدم عليه خير مما هي فيه إلا أن النفس مولعة بحب العاجل، فتريد كل شيء نقداً ولا تقبل النسيئة.
قائد_الكتائب
14 Jun 2010, 12:33 AM
إمّا جهادٌ وإمّا ذلٌ فاختر!
ومن هنا نعلم سرَّ قول نبينا صلى الله عليه وسلم : [إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم] رواه أبو داود، وقد يُفهم من هذا الحديث أن الجهادَ يجب أن يكون المقدَّم دائماً، وليس لأحدٍ أن يتعالَّ في تركه بالاشتغال بأمرٍ من أمور الدنيا، فإن أمكن القيام بعبادة الجهاد مع الاشتغال بالزرع وممارسة البيع فذاكَ، وإلا فإن الاشتغال بعبادة الجهاد التي بها بقاء الحياة والحفاظ على الدين وحياطة حوزته هو المقدّم، قال الإمام ابن رجب الحنبلي –رحمه الله- : [ولهذا كره الصحابة رضي الله عنهم الدخول في أرض الخراج للزراعة فإنها تشغل عن الجهاد.](الحكم الجديرة بالإذاعة :14).
وقال الإمام ابن النحاس الشهيد –رحمه الله- عن الحديث السابق: [ومعنى الحديث: أن الناس إذا تركوا الجهاد وأقبلوا على الزرع ونحوه تسلط عليهم العدو لعدم تأهبهم له واستعدادهم لنزوله ورضاهم بما هم فيه من الأسباب فأولاهم ذلا وهوانا لا يتخلصون منه حتى يرجعوا إلى ما هو واجب عليهم من جهاد الكفار والإغلاظ عليهم وإقامة الدين ونصرة الإسلام وأهله وإعلاء كلمة الله وإذلال الكفر وأهله.
ودل قوله صلى الله عليه وسلم " حتى ترجعوا إلى دينكم" على أن ترك الجهاد والإعراض عنه والسكون إلى الدنيا خروج عن الدين ومفارقة له وكفى به ذنباً وإثماً مبيناً](مشارع الأشواق : 106)
وليس المقصود من الخروج عن الدين – والله أعلم - هو الكفر المخرج من الملة كما قد يفهمه البعض فلا أحسب أن أحداً من أهل العلم يقول بأن المسلم التارك للجهاد عمداً والراكن إلى الدينا يكون كافراً بذلك، ولكن –والله أعلم- أن المعنى الإجمالي المراد هو بيان أن التخلي عن عبادة الجهاد والاشتغال بأمور الدنيا عنه يؤدي إلى تسلط العدو الكافر وتغلبهم على ديار المسلمين وإجراء أحكامهم عليهم مع محاربتهم للدين وشرائعه لما يضمرونه من الحسد والبغضاء والعداوة للحق وأهله وهذا يقود إلى شيوع الفساد وانتشار الكفر وضعف الدين وانحساره بين الناس وفي قلوبهم ومع توالي الأجيال التي لا تعرف حقاً ولا ديناً ينشأ نشءٌ على الضلال والكفر والعياذ بالله، وخير شاهدٍ على ذلك ما حصل في الأندلس التي صارت اليوم نسياً منسياً، وهذا يعني أن دفع الكفرة وحفظ ديار المسلمين ودينهم لا يتم إلا بالجهاد في سبيل الله، كما أن الحديث يدل على أن جهود الدعاة ينبغي أن تنصب على الدعوة إلى الرجوع لعبادة الجهاد وتحريض الناس عليها وأنها الباب الشرعي الذي ترجع به الأمور إلى نصابها فيعز الدين ويذل الكفر وينتشر الإسلام وينقمع الشرك، وسيأتي من كلام الإمام أبي عبد الله الحليمي ما يؤكد هذا المعنى، ومن هنا عدَّ بعض العلماء الجهاد ركناً من أركان الدين وهو حريٌّ بأن يكون كذلك كما قال الإمام ابن قاسم الحنبلي –رحمه الله- في حاشيته على الروض : [وعده بعضهم ركنًا سادسًا لدين الإسلام، فلذا أوردوه بعد أركان الإسلام الخمسة]اهـ.
قائد_الكتائب
14 Jun 2010, 12:37 AM
فبهداهم اقتده...
ويؤيد هذا ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم حينما اشتغلوا بالجهاد وفرَّغوا أنفسهم لأدائه فأدى ذلك إلى ضياع كثيرٍ من أمور دنياهم التي كانوا بها مشتغلين، فبعد أن تمكَّن الدين وقام عموده وخفقت بنوده وكثرت جنوده، وانتشر نوره ودخلت فيه جموع الناس طوعاً أو كرهاً تحدَّث بعضهم إلى بعضٍ فيما بينهم (سراً) بأن يفرِّغوا أنفسهم لإصلاح شؤونهم والاعتناء بأموالهم، ومع ذلك فلا يظهر أنهم حدثوا أنفسهم بترك عبادة الجهاد كليَّةً، فأنزل الله تعالى في ذلك قوله : {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة/195]، وقد قال الصحابي أبو أيوب الأنصاري –رضي الله عنه- : [إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا هلم نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله تعالى : "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد]رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن حبان وبوَّب عليه بقوله : [ذكر الإخبار عما يجب على المرء من ترك الاتكال على لزوم عمارة أرضه وصلاح أحواله دون التشمير للجهاد في سبيل الله وإن كان في المشمرين له كفاية](صحيح ابن حبان :11/9)، فكيف إذا لم يكن في المشمرين له كفاية؟!
ابو ريتاج
14 Jun 2010, 12:43 AM
بارك الله فيك ...،
ينقل للقسم الشرعي ...،
قائد_الكتائب
14 Jun 2010, 01:05 AM
حفظك الله اخي ابو ريتاج ، وبارك الله فيك
خطاب الشيشاني
14 Jun 2010, 02:44 PM
اشكرك من كل قلبي على الموضوع
اسال الله ان كمى جمعنا في المنتدى ان يجمعنا في ارض الجهاد
قائد_الكتائب
14 Jun 2010, 04:15 PM
اشكرك من كل قلبي على الموضوع
اسال الله كما جمعنا في المنتدى ان يجمعنا في ارض الجهاد
بارك الله فيك اخي الغالي خطاب .. اللهم آمـــين
وللموضوع بقية فتابع بارك الله فيك
قائد_الكتائب
15 Jun 2010, 02:17 AM
لا ملجأ ولا مغارة ولا مُدّخل عن الجهاد
إذاً فما دامت عبادة الجهاد قد تضمّنت كل هذه المشاق، وأداؤها بحاجة ملحة إلى منازعة النفس، وهو مركبٌ لأنواع المخاطر وضروب المغامرات، فلا غرو أن نجد كثيراً من آيات القرآن الكريم وهي ترد على سائر العلل وتفند الشبه التي تعلَّق بها كثيرون ممن أرادوا التملص والتخلص من أداء هذه العبادة، وكشفتها واحدة واحدة ببيان ناصع وبرهانٍ قاطعٍ، وحججٍ مُحكَمة، وتقريراتٍ مفحمة سُدَّت بها أبواب كل مموهٍ يود أن لو وجد "ملجأً أو مغاراتٍ أو مدَّخلاً" ليولي إليها وهو جَموح.
والعجيب أنك لا تكاد تجد – قديماً وحديثاً - فيما يتعلل به المتعللون في تفلتهم من أداء عبادة الجهاد قولاً صريحاً بأنَّ داعيه إلى ذلك هو الجُبن، أو الخوف من الموت، أو تهيّب المخاطر، أو الحرص على الدنيا، أو مشقة مفارقة الولد والأهل والأوطان، وإنما غالباً ما تكسى تلك العلل العليلة ثوبَ النصح، أو العجز المسقِط للتكليف (عدم الاستطاعة)، أو الحرص على أرواح المجاهدين، أو الخوف من مآلات الأمور السيئة، ونحو ذلك، وسبب هذا أن الجبن هو من أقبح ما يمكن أن يوصف به المرء وهو مذَمَّةٌ تنفر منها الطباع جِبلَّةً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منه.
وكثيراً ما تخدع المرءَ نفسُه فيظن فيها الشجاعة والإقدام والجرأة حتى إذا عاينَ الموت وباشر أسبابه ورأى أهواله خذلته وصار قلبه في جناحي طائر، وهذا أحد الأسباب التي ذكر العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى لأجلها عن تمني لقاء العدو إذ ليس الخبر كالمعاينة، وقد تُبدي النفس في ذلك الموطِن ما كانت تخفيه من قَبل، ولأن مثل هذه المواطن لا محل فيها للتصنّع والتمويه فإمِّا تصبّر وتجلُّدٌ ومجالدة وإما فرارٌ وتوليةٌ للدبر، كما قال الإمام ابن دقيق العيد –رحمه الله- : [ولما كان لقاء الموت من أشق الأشياء وأصعبها على النفوس من وجوه كثيرة وكانت الأمور المقدرة عند النفس ليست كالأمور المحققة لها: خشي أن لا تكون عند التحقيق كما ينبغي فكره تمني لقاء العدو لذلك]اهـ.
وهذا المعنى الذي أشار إليه قريبٌ منه قوله تعالى :{وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}[آل عمران/143]، كما روى ابن أبي حاتم فيها: [ أن رجالا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدر ونستشهد، أو ليت لنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين، ونبلي فيه خيرا ، ونلتمس الشهادة والجنة والحياة والرزق، فأشهدهم الله أحدا فلم يلبثوا إلا من شاء الله منهم]اهـ.
قائد_الكتائب
15 Jun 2010, 02:32 AM
الجبن جبنٌ وإن عددته عقلاً
هذا ولأن ساحات الوغى مظنة بروز تلك الصفة الذميمة (الجبن)، وظهور أعراضها على صفحات الوجوه كما قال تعالى : {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}[الأحزاب/19]، وقال : {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}[محمد/20] -احتاج الأمر إلى إيجاد واقٍ يدرأ بِه المرء عن نفسه ويتترس به لرد سهام التشنيع والتقريع التي ستنصب عليه من هنا وهناك، فكان ذلك الترس هو الحكمة المغلَّفة، والتعقّل المفتَعل، والاتّزان المموِّه، والرزانة المتصنّعة، والتفكير الهادئ المتكلَّف:
يرى الجُبناءُ أنّ الجُبْنَ عقلٌ ... وتلكَ خديعةُ الطّبْعِ اللّئيمِ
لا سيما إذا وافقت بعض أحداث الجهاد شيئاً مما ذكروه من قبل و (ناصحوا) به، فعندها سترى الشماتة سافرةً، والتضلُّع بالخِبرة التامة، والبصيرة النافذة، والاطِّلاع على عواقِب الأمور، فتنطق الألسن : {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}[آل عمران/168]، أو : {قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا}[النساء/72]، أو {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا}[آل عمران/156].
وكما أن الله عز وجل يختبر عباده المؤمنين بأنواعٍ شتى من الابتلاءات ليستخرج منهم عباداتٍ ما كانت لتظهر لولا ذلك كزيادة الخضوع والتذلل والتضرع والتواضع والافتقار وكثرة الدعاء والانكسار والصبر والتبرؤ من الحول والقوة وغير ذلك، فإن تلك الابتلاءات تكون سبباً أيضاً في هتك أستار أهل النفاق والذين في قلوبهم مرضٌ ممن لا يكاد المسلمون يعرفون أحوالهم ويطَّلعون على خباياهم إلا بنزول أمثال تلك المحن، فتنطق الألسنة بما استكن في القلوب شاءت أم أبت، وتقذف على الأسماع بكلماتٍ سافلة قاتلة كانت مدفونة في أعماق النفس لا يعلمها إلا علاَّم الغيوب، فتخرج منسابةً مفصِحةً عن المكنون مثيرةً للمدفون، أو تبرز تصّرفات وأفعال عجيبة غريبة لا تليق بِمن رسخ الإيمان في قلبه :{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}[الأحزاب/12]، : {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا}[آل عمران/154]، وقال سبحانه : {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}[المائدة/53]
أبولؤى
15 Jun 2010, 02:56 AM
جزاكم الله من كل خيره
قائد_الكتائب
16 Jun 2010, 12:00 AM
جزاكم الله من كل خيره
واياكم
قائد_الكتائب
16 Jun 2010, 12:12 AM
إن الله يدافع عن الذين آمنوا
ومن هنا فإن الله عز وجل قد تولى بنفسه الدفاع عن الجهاد والمجاهدين، وردَّ كل ما يتشبث به القاعدون الخالفون المبطّئون المعوِّقون المعتذرون من الحجج في تخلّيهم عن أداء هذه العبادة، وطعنهم في القائمين عليها، واستخفافهم بهم وبقتالهم ومصابرتهم وحتى نفقاتهم، وذلك لنعلم أن عبادة الجهاد هي معركةٌ شرسةٌ ضروسٌ لا ضد الأعداء الكفرة في ساحة الحرب بالسلاح فحسب، بل كذلك ضد مثيري الشبهات في طريقها، وناصبي أنواع العراقيل لمنعها والصدِّ عنها، والمتعلقين بأدنى الأوهام للتنصل منها والاسترواح إليها، هذا من جهةٍ، ومن جهة أخرى كي نُدرك خطر تلك الشبهات التي قد تعظم وتَفخُم حتى تؤدي إلى إسقاط هذه العبادة أو التهوين من شأنها والتقليل من مكانتها في الشرع وفضفضة معناها، وهو ما يقودُ إلى هدمِ أركان الدين التي تحاط بالجهاد، وحلول الذلة والمهانة بخير أمةٍ أخرجت للناس، فيسقط الناس في الفتنة العامة العمياء من حيث أرادوا الفرار منها والنجاة من حبائلها، قال تعالى : {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة/251]، وقال عز وجل : {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج/40]،
قال الإمام ابن النحاس –رحمه الله-: [قال الإمام أبو عبد الله الحَلِيمي في شعب الإيمان : أبان سبحانه أنه لولا دفع الله المشركين بالمؤمنين، وتسليط المؤمنين على دفعهم عن بيضة الإسلام، وكسر شوكتهم وتفريق جمعهم، لغلب الشرك على الأرض، وارتفعت الديانة، فثبت بهذا أن سبب بقاء الدين واتساع أهله للعبادة إنما هو الجهاد، وما كان بهذه المنزلة فحقيق أن يكون من أركان الإيمان، وأن يكون المؤمنون من الحرص عليه في أقصى الحدود والنهايات.](مشارع الأشواق : 80)
وقال سبحانه : {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[التوبة/39].
ولما كان هذا التعلل لن ينقطع عند الأحداث العارضة التي نزل فيها القرآن بل سيستمر تولد نظائرها وتنوعها وتفرعها ويستشري شرها ويتفنن الناس في استحداثِ غيرها وابتكار أمثالها عصراً بعد عصرٍ ومعركة إثر معركة -جاء القرآن بردوده الصارمة وتفنيداته الحاسمة ليقطع دابرها ويستأصل شأفتها ويشنّ عليها وعلى مروِّجيها ومزخرفيها والمتعلِّقين بها حربَ فضحٍ لا هوادةَ فيها؛ حتى لا تبقى حجة لمحتجٍ ولا أمنية لقاعدٍ ولا مستَندٌ لخالف، فإن ما تكرهه النفس ويشق عليها فعله ويناقِض رغباتها ستجتهد في دفعه بكل وسيلة، وستنقب عن دقائق المعاذير لِتجنّبِه، وتسلك ضروب الحِيل للحيلولة دون تحمُّله، وما الجهاد إلا محلّ الابتلاء والصبر، وموطن التمحيص والتمييز كما قال عز وجل :{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد/31]، قال الإمام ابن جريرٍ في هذه الآية : [يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ" أيها المؤمنون بالقتل، وجهاد أعداء الله "حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ" يقول: حتى يعلم حزبي وأوليائي أهل الجهاد في الله منكم، وأهل الصبر على قتال أعدائه، فيظهر ذلك لهم، ويعرف ذوو البصائر منكم في دينه من ذوي الشكّ والحيرة فيه وأهل الإيمان من أهل النفاق ونبلو أخباركم، فنعرف الصادق منكم من الكاذب]اهـ وقال تعالى : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران/142] ونحوها من الآيات نسأل الله الستر والعافية، والموفَّق من وفّقه الله : {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[هود/88]
قائد_الكتائب
16 Jun 2010, 12:24 AM
ألا في الفتنة سقطوا
وإلا فقلي بربكَ! ماذا سيضير تخلُّف رجلٍ واحدٍ عن معركةٍ قوام جيشها ثلاثون ألفاً حتى يتولى القرآن الرد على شبهةٍ هزيلةٍ رذيلةٍ تعلَّق بها رجلٌ مغمورٌ مغموز:{ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي}[التوبة/49]، فيأتي الردُ الحاسم القاصم :{أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}[التوبة/49]، مع أنه لم يثر شبهته ليثني بها غيره عن الجهاد، ولا هي من قبيل ما يقبل الرواج، وإنما فقط بحث لنفسه عن مخرجٍ ينجو به من تكاليف النفير ويريحها من وعثاء السفر فلم يجد أهوَن مما تعلق به، فاتّخذ دعوى الحفاظ على دينه والبعد عن الفتنة ملاذاً آمناً يركن إليه فراراً من أداء هذه العبادةِ الممحِّصة.
فكيف بِمن يملأ الصفحات بل ويصنِّف الكتب ويسهر الليالي منقباً عن الشبهات التي يتعلل بها لنفسه ويُقعِد بها غيرَه محاولاً جهده إحكامها وإتقانها ومروجاً لها بزخرف القول ليحمِل وزر قعوده كاملاً ومن أوزار الذين يثبطهم ويزهِّدهم في الجهاد ويقطع عليهم طريق الجنّة الذي لا شك فيه؟!، وهذا –والله- من الحرمان والخذلان العظيم للعبد إن لم يتب ويرجع وينتبه من غفلته، فكما أن جزاء الحسنة حسنةٌ بعدها، فكذلك عقوبة السيئة سيئةٌ بعدها، ومن أعظم العقوبات في ذلك أن يستحسن المرء ذنبه فيراه حسناً كما قال تعالى : {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا}[فاطر/8].
فهذا المرء الذي رضي بالنكول عن القيام بعبادة الجهاد وقنع بذلك واستطابته نفسه عوقب بأن فُتِح عليه باب سيئةٍ فوقها وهي تسويغ ما هو فيه واستجلاب أنواع الأعذار وتسليكها، والأشنع من ذلك الاستدلال لها تكلُّفاً بأدلة الشرع وتلفيقاً لكلامٍ ملتقطٍ لعلماء، فلما تمادى في ذلك وأعجبه واستحلاه حلَّت به سيئة بعدها وهي تثبيط غيره وإشراكه في إثمه ودعوته لما تلبَّس به، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عَمِل بها، فبَدل أن يكون نافراً للجهاد أصبح نافراً عنه منفِّراً منه، وبدل أن يحرِّض عليه غدا مثبِّطاً مبطِّئاً من أراده، وبدل أن يدفع عنه أنواع الشبهات تولى بنفسه اختلاقها وإشاعتها والترويج لها وتزيينها: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور/63]
وما أحسن ما قاله الإمام المجاهد شيخ الإسلام –رحمه الله- : [ولما كان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله من الابتلاء والمحن ما يعرض به المرء للفتنة، صار في الناس من يتعلل لترك ما وجب عليه من ذلك بأنه يطلب السلامة من الفتنة، كما قال عن المنافقين : "وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا" الآية ... إنه طلب القعود ليسلم من فتنة النساء، فلا يفتتن بهن،... قال الله تعالى: " ألا في الفتنة سقطوا" ، يقول نفس إعراضه عن الجهاد الواجب ونكوله عنه وضعف إيمانه ومرض قلبه الذي زين له ترك الجهاد : فتنة عظيمة قد سقط فيها، فكيف يطلب التخلص من فتنة صغيرة لم تصبه بوقوعه في فتنة عظيمة قد أصابته؟ والله يقول : "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله"، فمن ترك القتال الذي أمر الله به لئلا تكون فتنة: فهو في الفتنة ساقط بما وقع فيه من ريب قلبه ومرض فؤاده، وتركه ما أمر الله به من الجهاد.]اهـ.
فلا عجب إذاً أن تسمى سورة التوبة بالفاضحة، والمقشقشة، والبَحوث، والحافرة، والمنقِّرة، والمثيرة، والمبعثرة وغير ذلك من الأسماء التي تدل على الخلوص إلى أعماق قلوب المنافقين واستخراج ما فيها ليراه الناس مجسّداً في أقوالهم وأفعالهم ومرواغاتهم وحيلهم التي استسلموا لها وانساقوا لقيادها في معركة عسيرةٍ حاولوا جهدهم التخلّص منها والتملص من تحمّل مشاقِّها : {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[التوبة/42].
قائد_الكتائب
18 Jun 2010, 01:52 AM
معركة فانظر موقفك منها!
هذا وليس عصرُنا بمعزلٍ عن معركة الشبهات التي خاضها القرآن ضِّدَّ المنافقين وضعاف الإيمان فكشف زيفها، وفضح أهلها، وأبطل دعواها، وكَبت طغواها، وفنّد حججها، وقطَّع لَجَجها، بل أصبحت اليوم متجددة متولّدةً في صورٍ شتى، ويُسَوَّق لها بوسائل متعددة، وتُنفَّق سلعتها بطرائقَ متنوعة، وتُبثُّ في الناس وتنشر ويبدى فيها ويعاد حتى تثبَّت في النفوس وترسَّخ في القلوب فتصبح من المسلَّمات التي هي عين العقل والحِكمة والرأي-الذي هو قبل شجاعة الشجعان- وتحاط بزخارف الأقاويل، وتُدثَّرُ بالتفخيم والتهاويل، مع أن القرآن قد دحضَ نظائرها مما تعلق به المتعلقون، وللمعاصرين أمثالها.
فالشبهة هي الشبهة روّج لها مَن روَّج ونشرها من نشر، والتثبيط هو التثبيط مارسه مَن مارسه وأداه من أدى، حتى وإن خلصت نيته وصدقت طويته؛ لأن ضرر رواجها عائدٌ على الإسلامِ وأهله ولا بد، فرب مفسدٍ بأفعاله وهو مريدٌ للإصلاح بقلبه.
ولقد كانت آيات القرآن تأتي بتفنيد الشبه وقطع حجج المعتذرين ثم تخلُص إلى أعماق قلوبهم لتظهر الدوافع الحقيقية وراء ما يبثونه وتجلِّيها غاية التجلية حتى ينظر المؤمنون في كل زمان إلى أمثال تلك الأعذار والتعللات بعين الريبة وعدم المبادرة في الاستقبال والقبول، ولا يفتنهم زخرفها أو يسبيهم بهرجها فتقع الكارثة على الدين وأهله، سواء كانت تلك الدوافع القلبية الخفية نفاقاً أو مرضَ قلبٍ، أو ضعف إيمانٍ، أو جبناً، أو تعلّقاً بالدنيا، أو خوفاً من الموت وحرصاً على الحياة، أو مراعاةً لمنصبٍ وجاهٍ أو غير ذلك مما يستكنُّ في القلوب ولا يعلمه إلا العليم الخبير : {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[التوبة/78].
فمثلاً تأمل قوله تعالى : {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا}[الأحزاب/13] كيف ذكروا حجتهم (المقبولة) لينسلوا بها من ساحة المعركة فإذا بالقرآن يفضحهم ويظهر ما وراء زخرف القول من الداء الدفين وهو إرادة الفرار، ليس هذا فحسب بل بين حقيقة حالهم وتذبذب إيمانهم وأنهم : {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا}[الأحزاب/14] ونحو ذلك من الآيات التي تذكر ما يحتج به المحتجون –وغالباً ما تكون بظاهرها مستحسنةً- ثم يكشف الله عن حقيقة ما يحرّكهم ويدفعهم للتسلل والتخلي عن عبادة الجهاد، كما قال عز وجل : {يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ}[آل عمران/154]، وقال عز وجل : {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ}[آل عمران/167]، وقال سبحانه : {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}[الفتح/11]، فليكن هذا الأمر نصب الأعين، فسبحان من خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد، ونعوذ بالله من حال الذين {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}[البقرة/9].
وانظر إلى الفرق الكبير بين الباحثين عن الأعذار المنقبين عنها ولو كانت أدق من رؤوس الإبر وبين الحريصين على الجهاد البكَّائين لفواته الذين وصفهم الله بقوله : {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ}[التوبة/92]، هذا مع أنهم مشاركين للنافرين في أجرهم رغم قعودهم بسبب عذرهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم فيه قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة قال وهم بالمدينة حبسهم العذر]رواه البخاري ومسلم.
وقد بين الله سبحانه وتعالى حال الفريقين : الحريصين على الجهاد الجادِّين في القيام به وغيرهم ممن يفتش لنفسه عن أي شيءٍ يتعلَّق به كي لا ينفر إلى ساحاته فقال سبحانه : {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}[التوبة/44، 45]، قال الإمام ابن جرير –رحمه الله- : [وهذا إعلامٌ من الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم سِيمَا المنافقين: أن من علاماتهم التي يُعرفون بها تخلُّفهم عن الجهاد في سبيل الله، باستئذانهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تركهم الخروجَ معه إذا استنفروا بالمعاذير الكاذبة.]اهـ.
ولا أقصد بذلك أن نجعل كل ما يقال عن المجاهدين مدعاةً للطعن في نيات الأشخاص وتكلُّف معرفة الغيوب، فليس هذا من شأننا ولا نحن بطالبين له أو مطالبين به، وإنما علينا أن نضع تلك الشبهات التي تدعو إلى الكفِّ عن الجهاد وتقيم العقبات تلو العقبات لمنع النفير إلى ساحاته في دائرة (التهمة) والتشكيك والحذر ليضعُف أو يبطل أثرها اتباعاً لمسلك القرآن الكريم في رد تلك الشبه التي صاحبت الغزوات ولاصقت مسيرة الجهاد زمَنَ النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ظهر أن أغلب –إن لم يكن كل- تلك المتعلقات التي تشبَّث بها مَن أراد التنصل عن الجهاد كان دافعها داءً مكنوناً ومرضاً دفيناً وسقماً غائراً وليس هو النصح للحق، ولا الحرص على أهله، ولا طلب الأصلح لهم، ولا الخبرة بالعواقب (لو نعلم قتالا لاتبعانكم)، فلا يُبهَر المرء بزينة ما يُقدّم له من الاحتجاجات والمسوِّغات مهما كانت رائقةً تَسر للناظرين.
قائد_الكتائب
18 Jun 2010, 02:01 AM
تحلَّ بحلية الرجال...وخض غمرات القتال
ومِن مصائب عصرنا – وما أكثر مصائبه – أن القيام بعبادة الجهاد، وخوض غمار المخاطر والمغامرات، والتمرد على الواقع المُكبِّل للأيدي والأرجل، والغالّ للأعناق بأنواع الأطواق، والمميت للقلوب، وعدمَ التقيد (بالرسميات) -أصبح في عرف الكثيرين سمةً من سمات التهور والطيش والخفة والشبابية!، حتى إن كثيراً من العلماء كاد ينغرس في قلوبهم أن حمل السلاح واستنشاق النقع والمرابطة في الثغور والإقامة في معسكرات الجهاد وتحمُّل شظَفها وبذاذة عيشها والاختلاط بالمجاهدين فيها كُل ذلك يناقض الوقار والسكينة والرزانة والرصانة وحُسن السمت والحِلم والأناة ونحوها من الصفات التي ينبغي للعالم أن يتحلَّى بها، فلوكان هذا الأمر حقاً لما كان لصاحبه عذراً، فكل تكملة من حيث هي تكملة إذا عادت على أصلها بالبطلان فهي باطلة، وما ذلك إلا ضربٌ من ضروب التعلق بالدنيا والركون إلى مظاهرها والمبالغة في تعظيمها، بل هو من وساوس الشيطان وحبائله التي يصيد بها مَن اتبع خطواته فيصده عن الطاعة، والقناعةُ بها هي استسلامٌ للشيطان، وإلا فتكفي غزوة ذات الرِّقاع لتزيل هذه الشبهات المرقَّعة والتي لا تقي حَّراً ولا تدفع قُراً، ولا تنقذ أمَّةً أو تعلي همّةً، ولله درُّ سيد بيان الغرب محمد البشير الإبراهيمي –رحمه الله- حيث يقول : [ومن الكيد الكُبّار الذي رمى به الأمراءُ المستبدون هؤلاء العلماء الضعفاء في العصور الأخيرة أنهم يعفونهم من الجندية التي هي حلية الرجال .
وإن في قبول العلماء لهذا الإعفاء، وسعيهم له لشهادة يسجلونها على أنفسهم بفقد الرجولة؛ وقد استطابوا هذا الإعفاء، وأصبحوا يعدونه تشريفاً لهم، وتنويهاً بمكانتهم ، ومعجزة خصوا بها، ودليلاً تقيمه الحكومات الإسلامية على احترامها للعلماء!!!
فهل يعلمون أن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من الملوك الصالحين ما كانوا ليُعفوا عالماً من بعوث الجهاد والفتح؟ وما كان مسلم فضلاً عن عالم ليطلب الإعفاء أو يتسبب له أو يرضى به لو عرض عليه، بل كانوا يتسابقون إلى ميادين الجهاد، والعالم الديني – دائماً- في المقدمة لا في الساقة، ولقد كانوا يعدون الاعتذار عن الخروج من سمات المنافقين.]اهـ.
ومن تأمل سيرة الصحابة رضوان الله عليه رأى عجباً في تنافسهم على الجهاد ونفورهم عن البقاء مع الخالفين،وربما لم يكن مطلب أحدهم إلا أن يقتل فيدخل الجنة، بل حتى شهداؤهم رضي الله عنهم حرصوا –وهم في الجنة- أن يبلغوا رسالتهم إلى إخوانهم ليدفعوا عنهم النكول عن القتال والزهد في الجهاد، فعن ابن عباس –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [لما أصيب إخوانكم بأُحُد جعل الله أرواحهم فى جوف طير خضر ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة فى ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء فى الجنة نرزق لئلا يزهدوا فى الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب؟ فقال الله سبحانه : أنا أبلغهم عنكم. قال : فأنزل الله (ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا) ». إلى آخر الآية]رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم.
قائد_الكتائب
19 Jun 2010, 12:19 AM
لا تكن سمسار أهواء
ولذلك فإن على العلماء الصادقين العاملين -إن كانوا يريدون التغيير حقاً- أن يتمرّدوا على هذا الواقع، ويقطِّعوا حِبال شَرَكه، ويخرجوا عن سكة القاطرة التي رسمها لهم الطغاة المتجبرون المستبدون الذين يريدون منهم أن يجعلوا الجهاد عضين، فتراهم يسمحون لهم بالحديث عن جهادٍ يوافق أهواءهم ويلبي رغباتهم ويحقق مصالحهم أياماً معدوداتٍ، حتى إذا انقضت المهمة وتحصل المقصود قلبوا لهم ظهر المجن وأولغوا فيهم المدى، وألجموا أفواههم وسفهوا فتاويهم فتصبح في عداد المنسوخات التي ترفع حكماً وذكراً، وفي الوقت نفسه تجدهم يحاربون جهاداً ربما كان أوضح راية وأجلى غايةً ويحاولون إلجاء أولئك العلماء ليكونوا لهم في قلب الحقائق سنداً وعضداً، فينزلق معهم في هاوية الأهواء مَن لم يحصِّن نفسه بالورع والخشية لله، وبهذا أصبحت الأمة في كثيرٍ من الأحيان ليست متبعة في الحقيقة للعلم وأهله ولا متقيدة بأحكام النوازل وضوابطها، وإنما هي خاضعة لتقلبات أهواء السفهاء السفلة من الحكام الذين لا يرجون لله وقاراً وضائعة وراء شهواتهم التي يميلون بها عن الحق ميلاً عظيماً، وإنما سخَّروا بعض المنتسبين للعلم ليُخرجوا تلك الأهواء المرذولة العفنة في قالب العلم والفتوى فعلَ من يطلي العذرة بالمسك تطييبا لها، ليكون العامي المسكين ضحيّة تلك الفتاوى وأسيرَها، وما كان لمتّبع هوى نفسِه أن يسلك جادَّة الحق ويسلمَ من الانحراف والضلال فكيف بمن استسلم لأهواء غيره من عُبَّاد الشهوات الصم البكم الذين لا يعقلون، فيجمع شراً على شرٍّ فيصدق فيه المثل "أَحشَفاً وسوءَ كِيلة"؟، قال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}[ص/26]، وقال عز وجل : {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[القصص/50]
فيا لها من جنايةٍ عظيمة تجترح في حق الدين وأهله، وإن شئت المثال فقارن كلام كثير من العلماء المعاصرين بين الجهاد في فلسطين والجهاد في العراق، أو الجهاد في أفغانستان إبان احتلال الروس لها ثم بعد تغلُّبِ النصارى الأمريكان وأعوانهم عليها، وهذه أمثلة واضحة لا تفتقر إلى استنطاق، وتَشابُهُ حالِتها بل تطابُقُها من حيث التوصيف الشرعي لا يغيب عن منصف متجرّدٍ للحق، فلا يحتاج الأمر إلى كثرة الفلسفات ولا الإغراق في التحليلات، ولا محاولة استلال دقائق الفروق التي لا تغني من الحق شيئاً، والتي إن أمعنت النظر فيها تجدها لا تعدو أن تكون اتباعاً لسياسات الدول وتقلب مصالحها وهي لا تشذ عن أهواء حاكميها الساقطة الهابطة، ظلمات بعضها فوق بعض، فَمِن حق العقلاء إذاً أن يصونوا دينهم ويمتثلوا قول القائل : أَوَ كلَما جاءنا رجل هو أجدل من رجل تركنا ديننا لقول فلان؟ لا والله! لَلحق أحقُّ أن يتبع ولَلصدق حقيقٌ بأن يُستمع.
فدع عنك قيل وقال فلن...تجرَّ على المرء غير الندم
ولا تجعل الحقَّ منك على...شفا جرفٍ ساقطٍ منهدم
تقسِّمه بين ربٍ كريمٍ...وبين طغاةٍ عتاةٍ نَعَم
تدنس إشراقه بالضلال... وتهوي به من أعالي القمم
فلا تركننَّ لباغٍ عتى...فتمسسك نارٌ بها مَن ظلَم
وقل قال ربي فَغُصُّوا بها...فما النّور في شرعنا كالظُّلَم
وسر ثابت القلب لا تخشهم...وقل صدق الله ثم استقِِِم
قائد_الكتائب
19 Jun 2010, 12:32 AM
وتستمر معركة الشبهات
هذا وكلما اشتدت جذوة الجهاد توهجاً، وكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، وأصبحت أفئدة عامة المسلمين تهوي إليه، ونَفَر إليه النافرون من كل فجٍّ عميق- ازداد صخب الشبهات التي يراد بها التهويش عليه، وبث الاضطراب بين أهله والقائمين بأدائه، واتخذ كثير من القاعدين لأنفسهم حجة يدفعون بها عن أنفسهم ويلقنونها غيرَهم ويلقونها في طريقهم، لا سيما وأن تلك الشبهات هي في أغلبها مما يستحسنه الطغاة الذين تضعضت عروشهم وبليت نُظمهم وسئمها القريب والبعيد، ومع أن بعض ما يثار منها ليس جديداً إلا أن الجديد هو إحياؤها والنفخ فيها وتدعيمها بأنواع المحسِّنات والمرغّبات والمزينات التي تجتذب الناظر إليها وتأخذ بلُبِّ مستمعها، ورواج مثلها ليس بغريب ولا عجيب كما قال تعالى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لهم}[التوبة/47]، وقد قال تعالى عن المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}[المنافقون/4].
وما دامت تلك الشبهات المعوِّقة متجددة متولدة ومتطورة كل حينٍ، فلا يمكن للمرء أن يتتبعها ويستقصيها كلَّها أو يأتي عليها جميعها ولو كان عالماً راسخاً كما قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- : (ولا يجب على العالم حل كلِّ شبهة تعرض لكل أحد فإن هذا لا آخر له)اهـ.
ولكن حتى يبقى الحق ناصعاً بيناً أحببت تدوين هذه الكلمات تثبيتاً للمجاهدين، ودحراً لتخرصاتٍ تحاول أن تحجب النور المبين، وتجمعَ كل شاذٍّ نادٍّ من الأقوال وتؤلف بينه بطرق سقيمة ليحسب الظمآن سرابه ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، وتستحدِث دخائل تُلبِس الحق بالباطل، ثم قبل ذلك اتباعاً لمسلك القرآن الكريم الذي صان عبادة الجهاد بدفاعٍ قلَّ نظيره في أكثر العبادات، بحيث لا تكاد تجد غزوة من الغزوات – لا سيما التي يكون فيها تعبٌ ظاهرٌ وجروحٌ داميةٌ - إلا ويصاحبها ذبٌّ عن الجهاد والمجاهدين، وإبطالٌ صارمٌ لمتعلِّقات القاعدين والمنافقين، ويشنُّ عليهم هجماتٍ ماحقةٍ لا تبقي ولا تذر حتى يُرجِع حجتهم داحضةً وهم داخرون.
ولكن مما ينبغي التنبه له والتنبيه عليه أن الاستنفار لرد جراد الشبهات المنتشر يجب أن يكون مصاحباً لدحر جيوش الكفرة وقتالهم وليس بمشغلٍ عنه، فإن ذلك مطلبٌ مهم بالنسبة للكفرة الذين لا يريدون أكثر من الحفاظ على أنفسهم وأمنهم حتى ولو احتدمت معركة الشبهات لتصل إلى عَنان السماء، فالقلم يصاحب السيف ولا يحل محلَّه، والبيان والسنان قرينان لا يفترقان ولا يتدافعان، وهذا هو المسلك القرآني الذي يزيل ما يحدثه أهل النفاق والشقاق وأرباب القلوب المريضة من العقبات في طريق الجهاد والحجج الواهية التي يحاولون الاتكاء عليها في التنصل منه، فإن الآيات التي تدحض شبههم تكون متخللة للآيات التي تتحدث عن وقائع المعركة وتفصِّل أحداثها، بل بعضها يتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم عند تهيئه للغزوة أو في طريقه إليها أو أثناء قفوله منها، فعلى المجاهدين المقاتلين في سائر الساحات أن يتفطنوا لهذا المكر الكبار الذي يريد أعداء الله عز وجل أن يقحموهم في حماه، وهو أن يُشغَلوا بالرد على الشبهات عن ضرب الهامات، ويقيموا القَلم مكان السيف، ويقتصروا بالحبر عن الدم، ويستغنوا بالأوراق عن الرِّقاق، وليحذروا أن تستنفد الردود طاقتهم لتكون على حساب النزول إلى ساحات النزال، وليتولَّ الرد على شطحاتهم الشيطانية مَن بسط الله له في العلم وليبقَ السيف يحصد رؤوس أئمة الكفر الذين يوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم، فيتحقق فيكم قوله تعالى : {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة/122].
قائد_الكتائب
20 Jun 2010, 01:43 AM
حآجُّوهم بالإجماعات
كي لا تتفرع الشبهات ويتولد بعضها من بعضٍ ويضيع المرء في متاهات المناقشات الطويلة فينبغي الاستمساك أولاً بالمسائل المجمع عليها والتي نص عليها العلماء بعبارات واضحة فصيحة صريحة بحيث تبقى هي قطب الرحى التي عليها المدار، فمهما طرح بعد ذلك من الإشكالات والاعتراضات فإنما هي مكمِّلات لا تنقض الأصل ولا تُبطِله، وذلك لأن بعض من يتولى كبر اختلاق الشبهات وإثارتها يعمَد إلى بعض أخطاء المجاهدين الحقيقية أو الموهومة فيضخمها ويدندن حولها ويحاول جهده أن يعطِف كل أعمالهم عليها ويغمرها فيها، ويظهرهم للناس في صورة سوداء قاتمة لا خير فيها بل هي الشرُّ كلّه والفساد كله، ومرامه من ذلك الاعتراض بكل وسيلة لإبطال القيام بعبادة الجهاد تحت دعوى عدم الجدوى، أو أن إثمها أكبر من نفعها، ثم أصبح الاتجاه العام للشبهات أخيراً هو التركيز على عدم الشرعية أصلاً، خاصة فيما يتعلق بقتال الحكومات المرتدة المتسلطة على بلدان المسلمين، لا سيما مع موجة شعارات الانفتاح والمصالحة والمصارحة والحوار وهي إحدى ثمرات الضربات التي تلقتها تلك الأنظمة المستبدة التي لم تكن تعرف إلا سياسة واحدة {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر/29]، ومثلها: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}[الشعراء/29] ولكن يأبى القوم إلا أن يجعلوا هذه (الحسنة) هي من خالص هبات وعطيات أولئك الطغاة العتاة التي أتحفوهم بها وأكرموهم بنوالها، ونحن نقول لهم إن مجاملاتهم لكم لن تدوم ومسايراتهم لن تستمر، فإنما هي طفرة عابرة اقتضتها ظروف طارئة فتكيفوا معها لطلب مصلحتهم هم لا مصالحكم، فهؤلاء المجرمون قد رضعوا النذالة والطغيان والبغي وتوارثوها فيما بينهم، وشبت أنظمتهم وشابت على سياسات العتو والقهر والكبت، والشجرة الخبيثة لا يقطع خبثها إلا اجتثاثها من الأرض فلا يبقى لها قرار ومحاولة تحسينها وتطييبها ضرب من العبث : {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}[إبراهيم/26]، فالحقيقة الكامنة في صدورهم والتي لا يجدون عنها فكاكاً هي ما ذكرها الله لنا في حق أمثالهم حيث يقول جل وعلا :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[آل عمران/118، 119].
فعلى الناصح لنفسه ولأمته أن يضع هذا الأمر نصب عينيه ولا ينخدع بدعاوى زائفة، أو مظاهر خادعة، أو سياسات كاذبة، ولا يغريه انسياقهم وراء ظرفٍ عابرٍ لا يتوافق أبداً مع ما طبعت عليه نفوسهم، فيتّخذه ملاذاً ويعدّه مفازاً فيتشبث به تشبث الغريق بالقشَّة التي لن يزداد بها إلا رهقاً وغرقاً : {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ}[الممتحنة/2].
الإجماع الأول: اتفق العلماء قاطبةً على أنَّ مَن اتخذ له مرجعاً غير كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، يحلل به الحرام المجمع عليه، أو يحرم به الحلال المجمع عليه، فهو كافرٌ يجب قتاله حتى يرجع إلى الحق ويستسلم وينقاد ويذعن للدين الذي لا يقبل الله من المرء سواه، وسواء سُمي ذلك المرجعُ قانوناً، أو دستوراً، أو نظاماً، أو عرفاً، أو عادةً، أو مرسوماً، أو ياسقاً، أو غيرها، فكلُ ذلك في الحُكم سواء، فالعبرة في شرعنا بالحقائق والمسميات لا بالرسوم والأسماء، وسواء كان ذلك المرجعُ عالمياً أو إقليمياً أو محلياً أو قبلياً، ففي كل هذه الحالات لا يخرج عن كونه حكماً جاهلياً بنص القرآن ووصفه كما قال أحكم الحاكمين: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[المائدة/50]، فلا طريق إلى التلفيق والتوفيق فإما حكم الله الذي أوحاه لنبيه صلى الله عليه وسلم وإما حكم الجاهلية الجهلاء مهما ازَّينت وتبخترت وتطوَّرت.
قال العلامة الإمام ابن كثيرٍ رحمه الله : [ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحْكَم المشتمل على كل خيرٍ، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستندٍ من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليَساق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير]( تفسير ابن كثير : 3 / 131).
وقال -رحمه الله- بعدما نقل نُتفاً مما جاء في ياسق جنكزخان من القوانين : [وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين.](البداية والنهاية: 13 / 139).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- : [والإنسان متى حلل الحرام - المجمع عليه - أو حرم الحلال - المجمع عليه - أو بدل الشرع - المجمع عليه - كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء]( مجموع الفتاوى:3 / 267).
ولا شك أن الدساتير (المحلية والعالمية) التي تساس بها الدول وتتحاكم إليها وتتخذها مرجعاً لفض منازعاتها قد وضعها الواضعون بمجرد نظرهم وأهوائهم فصارت فيما بينهم شرعاً متبعاً حتى سمَّوه هم أنفسهم (بالشرعية الدولية)، وأصبحت تلك الشرعية معياراً على الالتزام والتمسك والانقياد لقوانينهم فتراهم يصفون بعض الدول بأنها خارجة عن الشرعية الدولية، أو مناقضة للشرعية الدولية، أو مخالفة للشرعية الدولية وهلم جرا من الأوصاف التي تدل على أن تلك الشرعية صارت هي الميزان والأصل الذي تُقوَّم به سياسات الدول، ومع ذلك فتراهم بين الحين والحين يغيّرون ويبدلون، ويؤصِّلون وينقضون، وتسمع من داخلهم أيضاً صيحاتٍ تنادي بتغيير الدستور أو إصلاحه، ولو كان شرعاً مُحكماً و ديناً قيماً لما تجرأ أحدٌ –مهما كان- بأن يدعو إلى تغييره أو تبديله أو همزه ولمزه، فلهم دينهم ولنا ديننا، ولهم دستورهم ولنا كتابنا الذي :{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت/42]، ولهم شرائعهم وأهواؤهم ولنا شريعتنا التي أوحاها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وقال له فيها : {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}[الجاثية/18، 19].
ومِن عجائب القوم التي تكشف لك هشاشة الأفهام واستحسانها الباطل بمجرد الأوهام، كما أنها تُظهر مدى تأثير الأسماء في ترويج الباطل وتسويقه وعدم الشعور بشناعته بل ربما تقود إلى استملاحه والدعوة إليه: أنك لو افترضت لهم دولةً من (الدول الإسلامية) القائمة اليوم قد ارتضت صراحةً بأن يكون قانونها (دستورها) هو التوراة أو الإنجيل أوالزبور لمَادت الأرض بمن فيها استنكاراً واستعظاماً واستعاذةً من شر هذا الكفر الأكبر المستبين!، ولأطبق الناس أجمعون أكتعون أبتعون عالمهم وجاهلهم خواصُّهم وعوامهم على كفر الداعي لذلك والراضي به والمدافع عنه من غير ترددٍ، هذا مع أن التوراة والإنجيل في أصلها كتبٌ منزلةٌ من عند الله على رسولين من أولي العزم من الرسل عليهم الصلاة والسلام وإنما حرَّفها المحرِّفون (بمجرد نظرهم وأهوائهم) ليشتروا به ثمناً قليلاً، ولا يزال فيها شيءٌ مما أقره القرآن أو صدَّقه، هذا في الوقت الذي تجد فيه كثيراً من الدعاة المرموقين وحركات إسلامية تنادي بتحكيم الدساتير الوضعية أو التحاكم إليها عند الخصام والتي لا يشك شاكٌّ أن قوانينها وبنودها قد وُضعت تبعاً للأهواء وتلبية للشهوات، ومِن إناسٍ لا علم لهم لا بدينٍ ولا شريعةٍ ولا حلالٍ ولا حرامٍ فهم لم يستحقوا حتى صفة الأحبار والرهبان بل تجدهم أجهل الجهلاء وأسفه السفهاء، وما يتشدقون به من المعارف والعلوم فإنه لا يغني من الحق شيئاً : {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}[الروم/7].
فقطعاً لا تمت تلك الدساتير إلى الشرع والدين بصلةٍ، وما مزجت به من بعض أحكام الملة الإسلامية فهو على طريقة الياسق التي سبقهم إليها عبقري الياسقات ومبتكرها جنكيزخان!، فهم وإن كانوا في القرن الحادي والعشرين إلا أنهم لم يأتوا بجديدٍ سوى تطور المزج والخلط تبعاً لتشعّب الأهواء وسُعار الشهوات، وقد أشار الإمام ابن كثيرٍ رحمه الله إلى هذا المعنى فيما نقلته أعلاه بقوله :(وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه)أهـ. ونحن نقول فكيف بمن تحاكم إلى الدساتير الوضعية وقدّمها على شريعة الرحمن؟!
والمجاهدون حينما يتكلمون عن كفر هذه الدول المحللة للحرام المجمع عليه والمحرمة للحلال المجمع عليه ليسوا هم أولَ من يطرق هذه المسألة كما أنهم لم يختصوا بالحديث عنها فما زالت كتب العلماء المعاصرين شاهدةً ناطقةً بما يسيرون عليه، إلا أن البعض لمَّا طال عليهم الأمد، ورأوا أن هذه الدول قد استحكم أمرها وتمكَّن شرُّها، وألف الناس حالها، بدأوا يبحثون عن مخارجَ (شرعية) تعيد لهذه الأنظمة شرعيتها حتى يُعفوا أنفسهم من قول كلمة الحق المُرَّة التي تواجه الباطلَ بما فيه فبدأ جيش الشبهات يزحف على هذا الأمر المقطوع به المجمع عليه ليُدْخَل دائرة التشكيك والمناقشات والأخذ والرد:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها ...فلم يضرها وأوهى قرنه الوعِلُ.
قال العلامة أحمد شاكر –رحمه الله- معلقاً على كلام الإمام ابن كثير –رحمه الله- :[أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير –في القرن الثامن- لذاك القانون الوضعي الذي صنعه عدو الإسلام جنكزخان؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر، وفي القرن الرابع عشر؟ إلا في فرق واحد أشرنا إليه آنفا: أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام. أتى عليها الزمن سريعا، فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ما صنعت.
ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالا وأشد ظلما وظلاما منهم. لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة، والتي هي أشبه شيء بذاك "الياسق" الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر. هذه القوانين التي يصطنعها ناس ينتسبون للإسلام، ثم يتعلمها أبناء المسلمين ويفخرون بذلك آباء وأبناء، ثم يجعلون مرد أمرهم إلى معتنقي هذا "الياسق العصري"! ويحقرون من يخالفهم في ذلك، ويسمون من يدعوهم إلى الاستمساك بدينهم وشريعتهم "رجعياً" و "جامداً" إلى مثل ذلك من الألفاظ البذيئة.
بل إنهم أدخلوا أيديهم فيما بقي من الحكم من التشريع الإسلامي، يريدون تحويله إلى "ياسقهم الجديد"، بالهوينا واللين تارة، وبالمكر والخديعة تارة، وبما ملكت أيديهم من السلطات تارات، ويصرحون – ولا يستحيون- بأنهم يعملون على فصل الدين عن الدولة!!
....إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كفر بواح، لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عذر لأحد ممن ينتسبون للإسلام –كائنا من كان- في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها. فليحذر امرؤ لنفسه و "كل امرئ حسيب نفسه"](عمدة التفسير: 1/697).
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله - : [فليعلم كل إنسان أن للشيطان مذهبا وقانونا وشرعا وضعه على ألسنة أوليائه من مردة الإنس، ولخالق السماوات والأرض نظاما وشرعا: نورا منزلا من السماء شرعه على على ألسنة أوليائه، فالذين يعدلون عن نور الله الذي شرعه على ألسنة أوليائه إلى تشريع الشيطان الذي شرعه على ألسنة أوليائه داخلون في قوله : "قد استكثرتم من الإنس"، وداخلون في قوله " ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون" سواء سموا ذلك قانونا، أو سموه نظاما، أو تشريعا؛ لأن خالق السماوات والأرض لا يقبل أن يعبد إلا بما شرع؛ لأنه ملك الملوك لا يقبل غير شرعه وتشريعه كما قال: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" ، "قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون"، فالحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، والدين ما شرعه الله، وكل من يتبع نظاما شيطانيا وضعه الشيطان على مردة شياطين الإنس من أوليائه فإنه يوم القيامة صائر إلى النار داخل في قوله: "ولقد أضل منكم جبلا كثيرا"، وفي قوله : "يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس"...فكل تشريع غير تشريع الله، وكل نظام غير نظام السماء الذي يمشي عليه كأنه يقول: تشريع خالق السماوات والأرض أفضل منه تشريع غيره!! فهو ينزل درجة الخالق –جل وعلا، سبحانه عن ذلك وتعالى علوا كبيرا- إلى أن أوضاعا ملفقة من أذهان الكفرة الفجرة الخنازير أنه أحسن من تشريع الله!! ولذا يعدلون عن نور القرآن والسنة النبوية الصحيحة إلى ما يسمونه قانونا ونظاما وضعه أبناء الكلاب القردة الخنازير من اجتهاداتهم، تارة يحرمون ما أحل الله صريحا، ويحللون ما حرم الله صريحا، يزعمون أن الهدى في هذا!! هذا –والعياذ بالله- من أشنع الكفر والطغيان على الله، والتمرد على نظام السماء، واحتقار الخالق- جلا وعلا- حيث كان تشريعه لا ينفع، وتشريع غيره من سفلة الخنازير أحسن من تشريعه!! وهذا إنما وقع والعياذ بالله- بسبب طمس البصيرة؛ لأن نور البصيرة إذا طمس من قلب الإنسان صار يرى الباطل حقا، والحق باطلا، والحسن قبيحاً، والقبيح حسناً، والذين يعدلون عن نور الله يطلبون النور في تشريع المخلوقين هم في الحقيقة –بالكلمة التي هي بمعنى الحرف الصحيح- هم خفافيش البصائر، أعماهم ضوء القرآن فصاروا يطلبون الضياء في ظلام أفكار الكفرة الفجرة](العذب النمير : 2/637).
وقال العلامة أحمد شاكر –رحمه الله- بعدما ذكر صورا من مناقضة القوانين الوضعية لبعض قطعيات الإسلام مناقضة باتة: [وكل هذه الأشياء وأمثالها تحليل لما حرم الله، واستهانة بحدود الله، وإنفلات من الإسلام، وكلها حرب على عقائد المسلمين، وكله تعطيل لفروض الدين]اهـ.
وكلام العلماء في هذه المسألة المقطوع بها كثيرٌ وفيرٌ.
فهل يستطيع أحدٌ القول بأن دستور ليبيا، أو الجزائر، أو تونس، أو موريتانيا، أو المغرب، أو مصر، أو اليمن وغيرها هو دستورٌ قائمٌ على كتاب الله وسنة نبيه الصحيحة، فيجب على العباد اتباعه والاستسلام له والإقرار به؟ أم أن جميعها (ياسقات عصرية) استحسنتها عقولٌ فاسدة كاسدة، واستوردتها من أفكار الكلاب القردة الخنازير –كما وصفهم الشنقيطي- ثم فرضوها على العباد فحللوا بها الحرام، وحرموا بها الحلال وبدَّلوا بها الدين ونقضوا بها الشرائع؟!!
ثم لو فرضنا جدلاً أن تلك الدساتير المكتوبة قد دوِّنت جميع حروفها وسطِّرت أسطرها بما يتطابق مع الشرع الإسلامي الحنيف ثم غلِّف ذلك الدستور بأفخر أردية الحرير، وصِينَ في صناديق من ذهبٍ، وبخِّر وطيب آناء الليل وأطراف النهار بأجود أنواع الطيب، ولا يمسه إلا المتطهرون، وبقيت الدولة تفتخر به وتظهر قداسته وفخامتَه، إلا أن الواقع الذي يراه الناس ويعيشونه ويتعاملون معه في حياتهم العامة منسلخٌ انسلاخاً تاماً عن دين الإسلام ومناقضٌ مناقضةً جليةً لبنود (الدستور المقدَّس)، وسياسة الحكومات المتعاقبة على تلك الدول المقدِّسة لذلك الدستور جارية على الأهواء ومحاربة الدين وتدمير عقائد المسلمين وهدم أخلاقهم عبر وسائل الإعلام ومناهج التعليم وجنود القمع، وتسليط الكفرة الفجرة على أهل الحق يسومونهم سوء العذاب، وتعلن صراحة ولاءها لدول الكفر وتمارس ذلك الولاء عملياً بصورٍ شتى، ولا تجدها عند المواقف إلا في عدوة أعداء الله تعالى، فماذا يغني بعد هذا كله التفاخر بذلك الدستور، وماذا سيستفيد المسلمون المقهورن المشردون من تقديس ذلك الدستور، وهل يخرج ذلك عن كونه استهزاء بالشرع واستخفافاً بعقول الناس وإهداراً لجهود المخلصين ليقضوا أعمارهم النفيسة في المطالبة بتطبيق الدستور، فتدهمهم وتدهم جماعاتهم الشيخوخةُ والهرم ويكونون حَرَضاً وهم لا يزالون يطالبون بتطبيق الدستور!!، وأكبر مكسبٍ يفتخرون به ويعدونه النصر المؤزر وفتح الفتوح يومَ أن يثبتوا (عبر القنوات الرسمية) أن الحكومة في موقف من مواقفها أو سياسة من سياساتها قد خالفت ما نصَّ عليه الدستور، ولسان حال تلك الحكومة يقول لهم: فليكن ذلك ثم كان ماذا؟
ولا تجدهم يتجرأون ليقولوا إن الحكومة في سياساتها ومواقفها وعلاقاتها قد خالفت نصوص القرآن القطعية، أو ناقضت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة الصريحة، وهذا مما يبين لك أن الدعوة صارت في كثير من أحايينها دعوة دستورية وليست دعوة ربانية تريد إخراج الناس من الظلمات إلى النور ومن الضلال إلى الهدى، وإلا فَلِمَ سلوك هذه الطريق الطويلة العوجاء في دعوة الناس، ولِمَ لا ندعوهم صراحة إلى تحكيم الشرع والرجوع إلى مصادره المعروفة بأسمائها عند جميع المسلمين (كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم) وقد قال تعالى : {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}[الإسراء/9].
ومنذ قرابة القرن كتب العلامة أحمد شاكر –رحمه الله- رسالته المعروفة (الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر) وذكر تسلسل تسلل تلك القوانين اللعينة إلى بلاد المسلمين وكيف مسخت العقول وطمست الهوية وأنتكست معها الفطرة، وحذر أشد التحذير من مغبة استمرار استيرادها وفرضها، وأن ذلك مدعاة إلى اقتلاع الإسلام من بلاد المسلمين، ومع هذا فلم تجد دعواته وصرخاته آذانا صاغية ولا قلوبا واعية، فما ازداد عباد تلك القوانين والمفتونون بها إلا صَلفاً حتى أغرقوا بها البلاد وصلوا بجحيمها العباد، فكان مما قاله في رسالته :[إن هذه القوانين الأجنبية كادت تقضي على ما بقي في أمتكم من دين وخلق، فأبيحت الأعراض، وسفكت الدماء. لم تنه فاسقا، ولم تزجر مجرما، حتى اكتظت السجون، وصارت مدارس لإخراج زعماء المجرمين .ونزعت من الناس الغيرة والرجولة ، وأمتلأ البلد بالمراقص والمواخير، وشاع الاختلاط بين الرجال والنساء، حتى لا مزدجر .وصرتم ترون ما ترون، وتقرؤون ما تقرؤون في الصحف والمجلات والكتب بما يسرت من سبل الشهوات وبما حمت من الإباحية السافرة المستهترة وبما نزعت من القلوب الإيمان حتى صار المنكر معروفاً والمعروف منكرا]اهـ فكيف لو رأى ما وصلت إليه بلاد المسلمين اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أبو الجوري الشرقي
21 Jun 2010, 02:24 PM
ينقل
ابوالبراء السلفي
23 Jun 2010, 12:25 PM
جزاك الله خيرا اخي في الله قائد_الكتائب
اللهم ابرم لهذه الأمة امر رشد يعز فيه اهل طاعتك ويذل فيه اهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر
واعيد لأمة الاسلام عزها ومجدها تعبدالله لاتشرك به شيئاً وتجاهد في سبيل الله كانها بنيان مرصوص لاتخشى في الله لومة لائم
آمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ين
قائد_الكتائب
29 Jun 2010, 01:05 AM
الإجماع الثاني : اتفق العلماء قاطبةً على أن الولاية لا تنعقد لكافرٍ، وأنه لو طرأ على الإمام كفرٌ انعزل به ووجب الخروج عليه وخلعه عند الاستطاعة.
قال الإمام ابن المنذر -رحمه الله- : [أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الكافر لا ولاية له على مسلم بحال](أحكام أهل الذمة : 2/ 414)
وقال الإمام النووي –رحمه الله- : [قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْإِمَامَة لَا تَنْعَقِد لِكَافِرٍ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْكُفْر اِنْعَزَلَ، قَالَ : وَكَذَا لَوْ تَرَكَ إِقَامَة الصَّلَوَات وَالدُّعَاء إِلَيْهَا ... قَالَ الْقَاضِي : فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ كُفْر وَتَغْيِير لِلشَّرْعِ أَوْ بِدْعَة خَرَجَ عَنْ حُكْم الْوِلَايَة، وَسَقَطَتْ طَاعَته، وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَام عَلَيْهِ وَخَلْعه وَنَصْب إِمَام عَادِل إِنْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَقَع ذَلِكَ إِلَّا لِطَائِفَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْقِيَام بِخَلْعِ الْكَافِر، وَلَا يَجِب فِي الْمُبْتَدِع إِلَّا إِذَا ظَنُّوا الْقُدْرَة عَلَيْهِ، فَإِنْ تَحَقَّقُوا الْعَجْز لَمْ يَجِب الْقِيَام، وَلْيُهَاجِرْ الْمُسْلِم عَنْ أَرْضه إِلَى غَيْرهَا ، وَيَفِرّ بِدِينِهِ](شرح النووي على مسلم : 6 / 314).
وقال العلامة الملا علي القاري –رحمه الله- : [وأجمعوا على أن الإمامة لا تنعقد لكافر ولو طرأ عليه الكفر انعزل وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها وكذا البدعة..]( مرقاة المفاتيح : 11 / 303)، ثم نقل كلام القاضي المذكور آنفاً.
وكلام هؤلاء الأئمة يتضمن أمرين :
الأول : أن انعزال الحاكم عن ولايته يحصل بمجرد طروء الكفر عليه، بمعنى أن صفة الولاية الشرعية تنتزع منه مباشرة بمجرد اتصافه بالكفر البواح وتلبسه به، ومن آثار ذلك الانعزال أن لا يبقى في أعناق الناس شيءٌ من حقوق الولاة عليهم، فلا ولاية، ولا بيعة، ولا سمع ولا طاعة، ولا يمضي له عقد، ولا يُلزِم الناسَ بعهدٍ، فيكون في وادٍ والناس في واد، فيتعامل المسلمون فيما بينهم وكأنه معدومٌ، وعليه فوجود الشوكة والقوة والتمكين وتقادم العهد وتسيير الأمور واستقرار الأحوال وبسط اليد وإدارة البلاد من قِبل الحاكم الكافر لا يجعله بذلك والياً شرعياً؛ والعلماء متفقون على أن الإسلام من شروط الإمامة العظمى، فمن خلعه انخلع؛ لأن ثوب الولاية المعتبرة قد نُزع منه بوقوعه في الكفر البين، وهذا ما يدل عليه تعبير الأئمة السابق بقولهم (انعزل) وبقولهم (خرج عن حكم الولاية ، وسقطت طاعته)، فالولاية الشرعية والكفر لا يجتمعان في شخص، وكما قال إمام الحرمين –رحمه الله- : [الإسلام هو الأصل والعصام فلو فرض انسلال الإمام عن الدين لم يخفَ انخلاعه وارتفاع منصبه وانقطاعه]( غياث الأمم : 1 /75)، والإسلام يأمر بمقاتلة الكفَّار والبراءة منهم ويحث على إبداء العداوة والبغضاء لهم وينهى عن طاعتهم ويحض على تحقيرهم والغلظة عليهم، فكيف يأمر بعد هذا كله بقبولهم أولياء يأمرون وينهون، ويوقرون ويعظمون؟!!!
وهذا يبين لك ما يزل فيه كثيرٌ من الناس المفتونين بثقافة الغرب والمتضلعين من أفكاره والمقتفين لآثاره وبعض ما جاراهم من الإسلاميين من وصفهم لِمن خلع ربقة الإسلام من عنقه من الحكام الكفرة بأنهم الرؤساء الشرعيون، أو أنهم وصلوا إلى الحكم بطريقة شرعية، أو هم ولاة الأمر المعتبرون، أو أنهم استحقوا هذا المنصب باختيار الشعب، أو لاعتراف (المجتمع الدولي) بهم، وغير ذلك من الأوصاف التي تدل على إثبات صفة الشرعية لهم وهي التي نزعت منهم ورفعت عنهم من حين وقوعهم في الكفر الأكبر المستبين.
ففرقٌ بين العزل والانعزال، فالأول يقتضي تكلفاً وعملاً واجتهاداً من قبل المسلمين لإزاحة الحاكم الكافر من منصبه وإقصائه عن ولايته فلا تبقى له يدٌ في إدارتها وتسييرها وفعله متعدٍ، وأما الانعزال فمن معانيه عدم بقاء الصفة الشرعية للولاية في حق الكافر المتغلب، بمعنى أنه لم يعد والياً –ولو مع وجوده وقوته وتمكنه- يستحق شيئاً من حقوق الولاية، لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً وفعله فعل مطاوعة لازم.
الثاني : وهو ما يترتب على هذا (الانعدام الشرعي) أو الانعزال الذي حصل للمتولي الكافر، وذلك وجوب القيام عليه وخلعه وتنصيب إمامٍ للمسلمين يقوم مقامه وهو ما عبر عنه الأئمة بقولهم فيما نقلناه آنفاً : (وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَام عَلَيْهِ ، وَخَلْعه وَنَصْب إِمَام عَادِل)، فهذا الحكم الشرعي مبنيٌ ومعلَّلٌ بالأمر الأول وهو وقوع الحاكم في الكفر.
ومعلومٌ أن الأئمة متفقون على وجوب تنصيب إمام للمسلمين يأمن سبلهم ويحفظ بيضتهم ويقيم فيهم أحكام الملة، كما قال الإمام القرطبي –رحمه الله- عند قول الله تعالى : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة/30] قال :[هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع، لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة. ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة إلا ما روي عن الأصم حيث كان عن الشريعة أصم، وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيه ومذهبه](تفسير القرطبي : 1 / 264).
وهذا الحكم يتأكد إن كان منصب الإمامة قد تغلب عليه حاكمٌ كافرٌ وذلك لعظم المفسدة التي تترتب على بقائه وتحكمه، ففرقٌ بين شغور منصب الإمامة شغوراً حقيقياً لعدم مَن يقوم عليه وبين أن يسدَّه رجلٌ كافرٌ محادٌّ لله ولرسوله، فإن ضرر الثاني على المسلمين أشد وفساده أكبر لدعوته الناس إلى الكفر ترغيباً وترهيباً، وحسده للمؤمنين على ما آتاهم الله من فضله كما قال تعالى : {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة/105]، وقال عز وجل : {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ}[البقرة/109]، وقال سبحانه وتعالى : {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}[النساء/89]، وقال عز من قائل : {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ}[الممتحنة/2].
ويزداد الحكم تأكداً حينما يكون هذا الحاكم الكافر مرتداً، وذلك لأن المرتد أعظم كفراً من الكافر الأصلي بإجماع العلماء، ولذلك تغلظت العقوبة في حقه.
ومبنى إجماع وجوب خلع الحاكم الكافر هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : [بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم]رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما.
قال الإمام ابن حجر –رحمه الله- : [وملخصه أنه ينعزل بالكفر إجماعاً، فيجب على كل مسلم القيام في ذلك، فمن قوي على ذلك فله الثواب، ومن داهن فعليه الإثم، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض]( فتح الباري : 13/123).
هذا هو إذاً حكمُ الشرع في حق الحاكم إذا كفر، أو الكافر إذا تغلَّب وصارت مقاليد بلاد المسلمين بيده، ولينظر المنصف في حال الحكام المتغلبين على ديار الإسلام، والذين طالت محنة الإسلام والمسلمين بسيطرتهم، وهم الذين جعلوا أنفسهم أرباباً يشرِّعون ويحللون ويحرمون، هذا مع انسلاخهم عن كل أو أغلب الصفات التي اشترطها العلماء في حق إمام المسلمين.
ثم ماذا يستفيد الإسلام والمسلمون من رجلٍ تسمى باسم ###############وهو صَلْعَمَةُ بنُ قَلْعَمَة (أي مجهول لا يعرف) لُكَع أحمق أخرق مجرم سفاحٌ غشومٌ ظلومٌ يصبح ويمسي وهو للكفرة خاشع خاضعٌ راكعٌ ولأهل الدين ممقتٌ مقتِّل منكِّلٌ مشرد، وللدين مبغضٌ مفسدٌ محاربٌ معطِّلٌ مُهِينٌ؟!!
وهل كُتب على الأجيال أن تفني أعمارها وهي بين الانتظار والاحتضار والتربص والتصبر؟ وأن تعيش تحت كبت الجاهلية، وجحيم القوانين الإجرامية، والاستسلام للمتجبرين الذي لم يدخروا وسيلة من وسائل الاستذلال والإخضاع إلا جربوها؟ ومَن الذي قال إن أبناء أمة الإسلام المعتزّين بالله قد ضربت عليهم الذلة والمسكنة أينما ثقفوا، وأن يتسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة، وأن عليهم أن يتهيوا في الأرض كلَّ أعمارهم ليبحثوا لهم عن ملجأ ومأمن يمُن به عليهم أعداؤهم في بلاد الغرب الكافر ويذروا بلادهم الإسلامية تصطلي بسعير الخوف والرعب والإجرام والتنكيل الذي يمارسه بدقة وعناية وإتقان وإصرار وحقد (ولاة الأمر!!).
ثم أعيد هنا ما ذكرته في بعض الأبحاث السابقة، وهو أن المعركة بين المجاهدين وبين هؤلاء المرتدين ليست محصورة في مسألة الخروج على الحاكم الكافر، فهذا –فيما أرى- تسطيح لهذه القضية المعاصرة الكبرى وحَيْدَةٌ بها إلى نقاشات جزئية تأكل الأوقات والأوراق دون أن تكون علاجاً حقيقياً للمسألة، فإن هؤلاء الحكام قد تبدّل كثير منهم أو مات أوقتل إلا أن حال أنظمتهم وسياساتهم باقية على أساس تمرِّدها على الله وشرعه ومحاربتها لدينه وعباده، بل لا يذهب طاغية إلا ويأتي من هو شرٌّ منه، وذلك لأن أصول تلك الدول وقواعدها وقوانينها راسخة في الكفر ضاربة في أعماقه وما على الحاكم الجديد الذي يلجها بانقلاب أو توريث أو انتخابات إلا أن يسير عليها ويلتزم بها، وإن حصل تغيير فهو شكليٌ يلبي طموحات الهوى الجديد، وتجديد الهوى، ولا علاقة للإسلام به، وعليه فإن المعركة الحقيقية عند النظر إنما هي ضد هذا الواقع المتمرد على الله القائم على المشاقة للحقِّ المبني أصلاً على أساس الكفر، فسواء جاء حاكمٌ أو ذهب آخر فإن هذا لا يغير شيئاً ما دامت تلك الأنظمة باقية حاكمةً، ومؤسساتها راسخةً قائمة، فالواجب هو الخروج على هذا الحكم الكافر واقتلاعه من جذوره واجتثاثه من أصوله وليس فقط الخروج على الحاكم الكافر، ومن هنا فلا أرى اليوم وبالنظر إلى واقع بلدان المسلمين كبير فائدة في نقاشات مسألة حكم الخروج على هؤلاء الحكام وهل هم كفروا أم لا، فإن ذلك لا ينفع المسلمين كثيراً؛ لأنهم ليسوا فقط محتاجين إلى حاكمٍ مسلمٍ وإنما هم بحاجة إلى حكم الإسلام والذي لا سبيل إليه إلا باستئصال شجرة الكفر الخبيثة التي تتغذى منها تلك الدول، وهؤلاء الحكام لم يكفروا بتلبسهم بناقضٍ واحدٍ من نواقض الإسلام ولم يرتكبوا ما ارتكبوا من الكفر عن تأويلٍ قاصدين الحق فخانهم الفهم بل هم أصلاً ما حكموا إلا ليكونوا حرباً على الإسلام وما أقاموا دولهم العلمانية إلا ليحولوا بها بين الشعوب ودولتهم الإسلامية، فهم في حقيقة أمرهم استعمارٌ متمكنٌ على رقاب العباد يمارس نفس ما كان يمارسه الاستعمار الغربي السافر حذو القذة بالقذة.
وإنه لمن الأجحاف حقاً بهذه المسألة العظيمة التي هي انقلابٌ تامٌ على الإسلام، واتباع سبل متقنة وسياسات مرسومة للقضاء عليه وإخراج أهله منه أن نختزلها في نقاشات فرعية نصبح معها كأننا نسبح في الهواء بعيدين كل البعد عن الواقع العاتي الذي ينطق لسانه في كل جهةٍ برفضه للدين وإبائه لأحكامه واعتراضه على شرائعه وقبوله واستبشاره واستماتته في اعتناق وترسيخ وتحكيم شرائع الكفر في ثوب (دين جديد) ثم نظن أننا بذلك نحسن صنعاً ونسير على (منهج السلف) الذين نظلمهم ونسيء إليهم بنسبة هذا التضليل الوبيل إليهم وهم منه براء، وقد أحسن العلامة الأديب المحققِّ محمود شاكر – طيب الله ثراه – حينما تنبه لهذه النكتة فقال : ( فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا ، من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام، بالاحتكام إلى حكم غير الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، فهذا الفعل إعراض عن حكم الله، ورغبة عن دينه وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه.
والذي نحن فيه اليوم هو هجر لأحكام الله عامة بلا استثناء، وإيثار حكم غير حكمه في كتابه وسنة نبيه، وتعطيل لكل ما في شريعة الله، بل بلغ الأمر مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله المنزلة، وإدعاء المحتجين بذلك بأن أحكام الشريعة إنما نزلت لزمان غير زماننا، ولعلل وأسباب انقضت فسقطت الأحكام كلها بانقضائها.)اهـ.
وتأمل قوله : (وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه)اهـ
فلم يطل العهد حتى انتُقِضت العُرى وخَرَقَ هذا الإجماعَ الذي يشمل جميع أهل القبلة رجال أتقنوا إرجاع المحكمات إلى المتشابهات وضرب الآيات بعضها ببعضٍ فأدخلوا هذه المسألة المقطوع بحكمها شرعاً في دائرة ما يسعُ فيه الخلاف ولم يقفوا عند هذا حتى شنوا حملة التشنيع على من خالفهم في زيغهم بل ربما تجرأ بعضهم وادّعى أن الإجماع على ما ذهب إليه من التخرصات الهابطة.
أبوسعود المكي
29 Jun 2010, 01:35 AM
نسأل الله أن يثبتنا على طاعته.
قائد_الكتائب
30 Jun 2010, 01:54 AM
جزاكم الله خيرا اخواني على مروركم .
وارجوا من الاخوة متابعة الموضوع بتجرد فإن وجدوا فيه ما يجانب الصواب فالينبهونا اليه ، دون ادراجه في قسم الرد على المخالف دون بيّنة .
اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
أختكم في الله مها
10 Sep 2010, 11:52 AM
بارك الله فيك أخي الكريم وجعله في ميزان حسناتك
قائد_الكتائب
10 Sep 2010, 08:11 PM
جزاك الله خيرا اخيتي على تفاعلك بارك الله فيك
قائد_الكتائب
10 Sep 2010, 10:45 PM
الإجماع الثالث : أجمع العلماء قاطبةً على أن أي طائفةٍ من الطوائف امتنعت عن شريعةٍ واحدةٍ من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، فإنه يجب قتالها، ولا يمنعُ من ذلك نطقها بالشهادتين.
وهي مسألة معروفة مشهورةٌ، وكلام العلماء فيها كثيرٌ، فمن ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- : [ويجوز بل يجب بإجماع المسلمين قتال كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة مثل الطائفة الممتنعة عن إقامة الصلوات الخمس، أو عن أداء الزكاة، أو عن الصيام المفروض، ومثل من لا يمتنع عن سفك دماء المسلمين، وأخذ أموالهم بالباطل، ومثل ذوي الشوكة المقيمين بأرض لا يصلون بها، ولا يتحاكمون بينهم بالشرع الذي بعث الله به رسوله، ولا عندهم مسجد، ولا يؤذنون ولا يزكون مع وجوبها عليهم، أو يقتل بعضهم بعضاً وينهب بعضهم مال بعض، ويقتلون الأطفال ويسبونهم، ويتبعون ما يسنه الإفرنج، وإذا دعي أحدهم إلى الشرع قال: جاءنا الشرع، فهؤلاء يجب قتالهم كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الخوارج مع كون الصحابة رضي الله عنهم كان أحدهم يحقر صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، فقاتلهم علي رضي الله عنه.
ويدعون قبل القتال إلى التزام شرائع الإسلام، فإن التزموها استوثق منهم ولم يكتف بمجرد قولهم، بل تنزع منهم الخيل والسلاح كما فعل أبو بكر رضي الله عنه بأهل الردة حتى يرى منهم السلم، ويرسل إليهم من يعلمهم الإسلام ويقيم بها الصلاة، ويستخدم بعض المطيعين منهم في جند المسلمين، ويجعلهم في جماعة المسلمين، ويمنعون من ركوب الخيل وأخذ السلاح حتى يستقيموا، فإن لم يستجيبوا لله ورسوله وإلا وجب قتالهم حتى يلتزموا شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة وهذا متفق عليه بين علماء الإسلام]( مختصر الفتاوى المصرية: 468)
وقال –رحمه الله - : [وقد اتفق علماء المسلمين على أن الطائفة الممتنعة إذا امتنعت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها، إذا تكلموا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلاة والزكاة أو صيام شهر رمضان، أو حج البيت العتيق، أو عن الحكم بينهم بالكتاب والسنة، أو عن تحريم الفواحش أو الخمر، أو نكاح ذوات المحارم، أو عن استحلال النفوس والأموال بغير حق، أو الربا أو الميسر، أو عن الجهاد للكفار، أو عن ضربهم الجزية على أهل الكتاب ونحو ذلك من شرائع الإسلام فإنهم يقاتلون عليها حتى يكون الدين كله لله]اهـ.
ومعلومٌ أن ما تمارسه وتقوم به أجهزة الدول من استخبارات وجيش وشُرَط ليس هو فقط حماية الحاكم الكافر المتغلِّب على بلدان المسلمين، بل هي الركن الركين لحماية أنظمة وقوانين ودساتير تلك الدول، ولا يتوقف شرُّها عند هذا الحد بل أضافت إليه إلزام الناس بقبول تلك الشرائع الكافرة وإجبارهم على التحاكم إليها، ومطاردة وملاحقة والتنكيل بكل من يعارضها ويعترض عليها، هذا مع مولاتها الظاهرة لكفرة الشرق والغرب واستنانها بسننهم في النقير والقطمير، وكل منصفٍ يقطع قطعاً جازماً أن تلك الأجهزة لم تؤسس وتدرب من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا ولا ليكون الدين كله لله، ولا يعنيها ذلك من قريب أو بعيد، فمَن الذي يحول بين الناس وبين أن يستظلوا بحكم الشرع وينعموا برحمته إن لم تكن هذه الطوائف الممتنعة الصادة عن سبيل الله؟!!.
فما من داعية ولا جماعة إسلامية اليوم إلا وتدعو للتحاكم إلى شرع الله، والرجوع إلى دينه، وتسعى لاسترداد حكمه، فهو إجماعٌ منهم على أن الشرع معطلٌ -وإن كان بدرجات متفاوتة- فَلِم نفر من الجواب الصريح حينما يسأل السائل بوضوح : مَن الذي يحول بين المسلمين وبين عيشهم تحت حكم الله تعالى؟! من الذي يتولى حماية منابع الهدم التي زعزعت عقائد المسلمين ودمَّرت أخلاقهم ومسخت أفكارهم؟ مَن الذي يقوم على حماية الشرائع الوضعية والأحكام الأرضية التي يُلزَم الناس بأن يكونوا تحتها ويرغمون على التقاضي إليها؟ مَن الذي يملأ الطرق بأسلحته و(هراواته) وغازاته ومياهه الساخنة إذا ما تحرَّك الناس معترضين على فقرة من فقرات الدستور الوضعي أو مطالبين بإقامة شريعة رب العالمين؟ مَن الذي ينتهض مباشرة ومن غير أدنى تردد أو اعتراض لينفِّذ أوامر الساسة المجرمين التي يذلون بها الشعوب كائنةً ما كانت تلك الأوامر سواء كانت سفكاً للدماء، أو تهديماً للمساجد، أو تحريقاً للمدارس، أو انتهاكاً للأعراض، أو تمزيقاً للحجاب والنقاب، والحجة في ذلك أن المنفذ (عبدٌ مأمورٌ) ويحرص أشد الحرص على تنفيذ تلك الأوامر بحذافيرها ويخشى تمام الخشية أن يفرط في شيءٍ منها؟
هل يستطيع أحدٌ –كائناً مَن كان- أن يبرِّء أجهزة الاستخبارت، أو الجيش، أو الشُرطة، أو الدرك من تبعة هذه الجرائم التي يختصرها شيء واحدٌ وهو (تعطيل شريعة الله ومحاربة دينه وأوليائه).؟
فإذا لم تكن هذه الأجهزة بمجموعها وهيئتها ونظمها وأهدافها طوائف ممتنعة ينطبق عليها إجماع أولئك العلماء فإن كلامهم ذاهبٌ في مهاب الريح، وليس له إلا أن يكون حبيس بطون الكتب.
هذا ولا علاقة لإجماع العلماء بقتال الطوائف الممتنعة عن شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة باختلافهم في مسألة تكفير هذه الطوائف من عدمها، حتى يحاول البعض أن يجعل الشيئين شيئاً واحداً، ويدخل بعضها في بعضٍ، بحيث يكون محل البحث والمناقشات عنده هو: هل هذه الطوائف مرتدة أم لا؟ فإذا توصل إلى عدم القول بردتها انتقل إلى النتيجة التي يريد الخلوص إليها وهي عدم جواز قتالها، فلا ارتباط بين الأمرين، فمناط وجوب قتالها ليس هو ردتها وكفرها، وإنما امتناعها عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة، فمتى حصل هذا الامتناع وكان منصباً على شريعة ظاهرة وجب القتال بإجماع العلماء سواء قيل بكفرها أم لا، كما قال الإمام أبو بكر الجصاص الحنفي –رحمه الله- : [... فالمقيم على أكل الربا إن كان مستحلا له فهو كافر، وإن كان ممتنعا بجماعة تعضده سار فيهم الإمام بسيرته في أهل الردة إن كانوا قبل ذلك من جملة أهل الملة، وإن اعترفوا بتحريمه وفعلوه غير مستحلين له قاتلهم الإمام إن كانوا ممتنعين حتى يتوبوا، وإن لم يكونوا ممتنعين ردعهم عن ذلك بالضرب والحبس حتى ينتهوا.](أحكام القرآن للجصاص :1 / 572).
ولهذا أزال شيخ الإسلام هذه الشبهة وذهب إلى أبعد من ذلك فقال في حق قتال التتار: [بل لو كان فيهم قوم صالحون من خيار الناس ولم يمكن قتالهم إلا بقتل هؤلاء لقتلوا أيضاً؛ فإن الأئمة متفقون على أن الكفار لو تترسوا بمسلمين وخيف على المسلمين إذا لم يقاتلوا؛ فإنه يجوز أن نرميهم ونقصد الكفار]اهـ.
قائد_الكتائب
01 Oct 2010, 09:28 AM
الإجماع الرابع : اتفق العلماء قاطبةً على أن العدو إذا داهم بلدةً من بلاد المسلمين وجب على أهلها قتالهم، فإن عجزوا أو قصَّروا وجب على مَن يليهم عونهم، وهكذا يتسع الأمر حتى ولو عمَّ الأرض كلها.
وهي مسألة معروفة مطروقة وكلام العلماء فيها شهيرٌ.
فمن ذلك : قال إمام الحرمين –رحمه الله- : [فأما إذا وطئ الكفار ديار الإسلام فقد اتفق حملة الشريعة قاطبة على أنه يتعين على المسلمين أن يخفوا ويطيروا إلى مدافعتهم زرافات ووحدانا حتى انتهوا إلى أن العبيد ينسلون عن ربقة طاعة السادة، ويبادرون الجهاد على الاستبداد، وإذا كان هذا دين الأمة ومذهب الأئمة فأي مقدار الأموال في هجوم أمثال هذه الاهوال لو مست إليها الحاجة وأموال الدنيا لو قوبلت بقطرة دم لم تعد لها ولم توازها]( غياث الأمم:191).
قال الإمام ابن عبد البر –رحمه الله- : [الغزو غزوان: غزو فرض، وغزو نافلة. والفرض في الجهاد ينقسم أيضا قسمين: أحدهما: فرضٌ عام متعين على كل أحدٍ ممن يستطيع المدافعة والقتال وحمل السلاح من البالغين الأحرار، وذلك أن يحل العدو بدار الإسلام محاربا لهم، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً وشباباً وشيوخاً ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر، وإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا قلوا أو كثروا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج اليهم، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين، ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضا الخروج إليه.]( الكافي في فقه أهل المدينة :463).
وتأمل تعليله معونة المسلمين ونفيرهم لنصرة إخوانهم بقوله (فالمسلمون كلهم يد على من سواهم) وانظر إلى الدعوات المعاصرة التي قسمت الأحكام وفصلتها تبعاً لتقسيمات سايكس بيكو التي جعلت المسلمين دولاً وأوزاعاً، وشيعاً وأحزاباً كل حزبٍ بما لديهم فرحون وبما هم فيه من العصبية المنتنة فخرون، قال شيخ الإسلام –رحمه الله- : [وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب؛ إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة]اهـ.
وقال العلامة أبو بكر الجصاص الحنفي –رحمه الله- : [ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو، ولم تكن فيهم مقاومة لهم فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم](أحكام القرآن : 4 /312).
وقال شيخ الإسلام –رحمه الله-: [وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين، فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط، بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم وبين طلبه في بلاده](الفتاوى الكبرى : 5 / 537).
وقال أيضاً بعد أن ذكر الخلاف في مسألة وجوب الجهاد بالمال لمن عجز عن الجهاد بالنفس وكان موسراً : [وينبغي أن يكون محل الروايتين في واجب الكفاية: فأما إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه، فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعاً]اهـ.
وهذا الحكم المجمع عليه والذي أوضحه العلماء غاية الإيضاح، دخل في هذا العصر دائرة التشكيك والتفكيك والأخذ والرد والاعتراض والنقض، فلم يسلم هو أيضاً من معاول التغيير وعوامل التحوير ولا حول ولا قوة إلا بالله، مع أن هجوم الكفار على ديار المسلمين واحتلالهم لها واضح وضوح الشمس بعد أن أجلبوا عليها بجيوشهم الجرارة وحشودهم الضخمة وفرضوا عليها أحكامهم وحكوماتهم وساموا سكانها من المسلمين سوء العذاب، وظهر في تلك البلدان من أنواع الفساد والإلحاد والفسوق والمروق في سنوات معدودات ما يشيب لهوله الولدان، فليس غريبا إذاًً أن يقول شيخ الإسلام إن دفع أمثال هؤلاء ليس شيء أوجب بعد الإيمان منه؛ لأن بقاءهم مستقرين متمكنين يعني مع طول الزمن وتقادم الإيام رفع الإيمان عن تلك الأرض أو أن يبقى مسخ من الناس لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكراً، ولهذا أدرك العلماء الأجلاء خطورة هذه المسألة فعظموها وفخموها وهولوا شأنها وعدوها أم المصائب ونائبة النوائب حتى يستعشر المسلمون خطرها ولا يتهاونون في أمرها فانظر مثلا ما يقوله إمام الحرمين الجويني –رحمه الله- عن مثل هذه الحالات : [فمن استمسك بالحق ولم يمل به مهوى الهوى عن الصدق تبين على البدار والسبق أن خزائن العالمين وذخائر الأمم الماضين وكنوز المنقرضين لو قوبلت بوطأة من الكفار لأطراف ديار الإسلام لكانت مستحقرة متسنزرة، فكيف لو تملكوا البلاد، وقتلوا العباد، وقرعوا الحصون والأسداد، وخرقوا عن ذوات الخدور حجب الرشاد، ومال إليهم من لا خلاق له من حثالة الناس بالارتداد، وتخلل الحرائر العلوج، وهتك حجابهن التبذل والبروج، وهدمت المساجد، ورفعت الشعائر والمشاهد، وانقطعت الجماعات والأذان، وشهرت النواقيس والصلبان، وتفاقمت دواعي الاختزاء والافتضاح، وصارت خطة الإسلام بحرا طافحا بالكفر الصراح](غياث الأمم:254)
ومعلومٌ أنه لا فرق في هذا الحكم بين أن يكون العدو قادماً على بلاد المسلمين من خارجها، وبين أن يكون متسلطاً عليها وهو من أهلها وسكّانها، وهو ما اصطلح المعاصرون على تسميته (بالعدو الخارجي والعدو الداخلي)، فإن الضرر المحدق بالإسلام والمسلمين من جراء تسلط الكفرة وتغلبهم لا يختلف في أصله بين الحالتين وإنما يتفاوت بقدر عتو الكفرة وطغيانهم ومكرهم وكيدهم وشدة ضغينتهم وعظم صيالهم، ولهذا قال شيخ الإسلام (فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه)، فعلق الأمر على صيال العدو وإفساده للدين والدنيا، وهي صفةٌ كاشفةٌ لا مقيِّدة فما من عدوٍ صائلٍ إلا وهو مفسدٌ للدين والدنيا مهلكٌ للحرث والنسل، فلا يختص أصل وجود هذا الوصف بعدوٍ خارجي كالأمريكان، أو اليهود، أو غيرهم.
بل من يتأمل مجريات التاريخ الإسلامي وما احتواه من مصائب وأهوال والتي اجتاح فيها الكفار بلاد المسلمين وابتلعها كاللقمة السائغة يجد في الغالب أن اعتمادهم في مداهمة بلدان المسلمين واستباحتهم لحرماتهم إنما يتم عبر الخونة المنسلخين من الدين والقيم والرحمة ممن يقيم بين ظهراني المسلمين وينتسب إليهم ويضمر الضغينة والحقد عليهم حتى إذا سنحت له فرصةُ بثِّها قتل ونكل وشرد وتمرد وطغى وعتى ورأى المسلمون على يديه من الخيانات والإجرام والتنكيل والانسلاخ من الرحمة ما لم يخطر على بالهم، فهم وإن كاشروا المسلمين حيناً فإن تحت ضلوعهم الداء الدوي، وإذا كان الأمر كذلك فليس غريباً إذاً أن يصف القرآن أهل النفاق ويحذر منهم حيث يقول الله فيه : {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[المنافقون/4]
ومن تأمل حال بلدان المسلمين اليوم سواء منها ما وقع تحت حكم النصارى أو اليهود أو المرتدين يدرك بسهولة معاناة المسلمين في الحالتين واصطلائهم بنار (تغلب الكفرة) في الصورتين سواء منها ما كانت فيها الغلبة للكفار الأصليين كما هو الحال في العراق وأفغانستان وفلسطين والشيشان وتركستان الشرقية وغيرها أو ما كانت الغلبة فيها للمرتدين كسائر بلاد المسلمين الأخرى، فالسجون مكتظة بأسارى المسلمين هنا وهناك، ومطاردة المجاهدين والتنكيل بهم جارية على قدم وساقٍ في الموضعين، وتهديم الأخلاق وإفساد العقائد ونشر الفاحشة في الذين آمنوا وفتح المجالات للمنسلخين من الدين والآداب والقيم وتقديمهم وإفساح سائر سبل التسهيل لهم والتضييق على أهل الحق ودعاة الصدق كل ذلك لا يخفى على أحدٍ، بل والله إن سجون طغاة العرب والعجم الذين تنتسب حكوماتهم للإسلام لهي أشد وأنكى وأخزى من سجون اليهود والنصارى ومع ذلك فكلهم في فلك الإجرام والشر يَسبَحون.
ومعلومٌ أن أبا بكرٍ الصديق رضي الله عنه إنما أمضى جيش أسامة رضي الله تعالى عنه لقتال الروم لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي عقد لواءه وأوصى بإنفاذه وهو على فراش الموت، أما بقية الصحابة رضي الله عنهم ممن لم يكن في ذلك الجيش فإنما استنفرهم أبو بكر ذلك الاستنفار العظيم لقتال (العدو الداخلي) ممن ارتدوا على أعقابهم بعد إذ هداهم الله، والذين كانوا تحت حكم الإسلام وفي مظلة دولته، وقام كل من ثبت على الإسلام من تلك الأقوام بمعونة جيوش المسلمين والقتال معهم لأقوامهم كما قال الإمام ابن حزمٍ -رحمه الله- بعد أن ذكر أحوال الناس وأصنافهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم : [إلا أن في كل قبيلة من المؤمنين من يقاوم المرتدين، فقد كان باليمامة ثمامة بن أثال الحنفي في طوائف من المسلمين محاربين لمسيلمة، وفي قوم الأسود أيضا كذلك، وفي بني تميم وبني أسد الجمهور من المسلمين، وطائفة رابعة توقفت فلم تدخل في أحد من الطوائف المذكورة وبقوا يتربصون لمن تكون الغلبة كمالك بن نويرة وغيره، فأخرج إليهم أبو بكر البعوث فقتل مسيلمة، وقد كان فيروز وذاذويه الفارسيان الفاضلان رضي الله عنهما قتلا الأسود العنسي فلم يمض عام واحد حتى راجع الجميع الإسلام أولهم عن آخرهم]اهـ.
وعليه فلا يجب على المسلمين إذا تهيأت لهم الأسباب وساعدتهم الأحوال والظروف أن ينتظروا في كل حينٍ أن يدخل بلادهم ويدهم أرضهم (عدو خارجي)، فعندها فقط ينتفضون للقتال، أما ذا لم يحصل ذلك فيوجَبُ عليهم كف الأيدي بلا دليل قائم من كتاب ولا سنة، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- : [وليس من شريعة الإسلام أن المسلمين ينتظرون عدوهم حتى يقدم عليهم، هذا لم يأمر الله به ولا رسوله ولا المسلمون، ولكن يجب على المسلمين أن يقصدوهم للجهاد في سبيل الله، وإن بدأوا هم بالحركة فلا يجوز تمكينهم حتى يعبروا ديار المسلمين، بل الواجب تقدم العساكر الإسلامية إلى ثغور المسلمين، فالله تعالى يختار للمسلمين في جميع الأمور ما فيه صلاح الدنيا والآخرة.]اهـ.
ولا أقصد هنا طرح المسألة المعروفة وهي بأيهما يكون البدء أبالعدو القريب أم بالعدو البعيد؟، فأصل هذا الطرح لا يخالف في مشروعية القتالين وإنما يناقش أي البدئين أجدى نفعاً وأعظم أثراً وهذا في أغلبه قضية ميدانية تتبع الظروف والأحوال التي يعيشها المجاهدون خصوصا والمسلمون عموماً، وليس على المجاهدين بعد النظر والمشاورة جناحٌ في اختيار العدو الذي يكون قتالهم له هو المقدَّم، وهذا كما جرى عمل غالب المجاهدين في هذه الأيام بمقاتلة الأمريكان وتتبعهم وتقصدهم باعتبارهم أشد الأعداء كلَباً وأعظمهم معونة لسائر الكفرة من اليهود والمرتدين، ولا تكاد تجد ساحة من ساحات الجهاد إلا ولهؤلاء المجرمين يد في إمداد الكفرة المحاربين للدين في تلك البقعة، وهذه الدولة الملفّقة لا تخفي ذلك ولا تستره بل تتبجح به وتبالغ في إشهاره وإظهاره، فلا ضير إذا أن يجعل المجاهدون في مقدمة أعمالهم قطع هذه اليد المعتدية الممتدة إلى بقاع المسلمين تخرب وتدمر وتفسد أو تعين المفسدين والمخربين من أوليائها ووكلائها، وهذا تقرير لا غبار عليه وإنما الكلام اليوم قد انتقل إلى مسألة مشروعية قتال هذه الأنظمة المرتدة واشتداد النكير على من يقول بذلك فضلا عمن يمارسه ويجتهد في أدائه، ثم إحلال الحوارات الوطنية وإصلاح البيت الداخلي وتقوية الجبهة الداخلية وتفهم وجهة نظر (الآخر) وغير ذلك من الخزعبلات محلَّ عبادة الجهاد التي يراد التفلت منها والتترس عنها بأي وسيلة، وما حال أولئك إلا كالظمآن الذي يروم الارتواء بالخمر الصرف فلا تزيده إلا عطشاً حتى ترديَه، قال تعالى : {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[التوبة/39].
ثم إن الكثيرين ممن يتحدثون عن الاقتصار على قتال العدو الخارجي، ولم يكتب لهم شرف ممارسة الجهاد في ساحاته، ومعاينة ومعاناة همومه وجراحاته، ويتعاملون معه بنظرة إجمالية عمومية عن بعدٍ دون الدخول إلى تفاصيل أعماله- يحسبون أن الانتصار على تلك القوة الخارجية المداهمة ودحرها إنما يقع بضربة لازبٍ، ويغريهم في ذلك مجرد تعاطف الناس الكبير عند أول شرارة الاحتلال حتى إذا طال عليهم الأمد واسترسل الاحتلال وامتد، وتمكّنت دولته، وتضعضت مسيرة الجهاد بين الانتصار والانكسار، والارتفاع والانخفاض وخالجتها المؤامرات والدسائس وإطلال رؤوس النفاق، رأيت وميض الحماسة بدأ يخفت، وهيجان التأييد يضعف فيكون المرء متعاملا مع قضايا المسلمين لا من منطلق الفهم الشرعي الراسخ والقيام بواجباته المضبوطة وإنما بالحماسة والعاطفة ومثل هذا التعامل يُستفاد منه شيء ما ولكن لا يمكن الاعتماد عليه ولا الوثوق به في إدارة عجلة الجهاد ولا في تقييم أوضاعه ومعرفة مآلاته؛ لأن أمر العواطف لا يُضبط ولو وكل أمر الشرع إليها لما قامت له قائمة ولا بقيت معه باقية، فالمطلوب من المرء المسلم أن يكون فعَّالاً لا منفعلاً فحسب، ومؤثِّراً لا متأثراً فقط، والشواهد على هذا الأمر من واقع ساحات الجهاد المعاصرة كثيرة، كالحالة في فلسطين أو الشيشان أو المرحلة الأخيرة من العراق وهكذا، ولهذا فقد تجد بعض مَن كانوا متحمسين للجهاد ومنفعلين مع قضية من قضاياه في مرحلة من المراحل غاية الانفعال قد يصلون في مسألة (قتال العدو الخارجي) إلى نفس ما استقر في نفوسهم وترسخ في صدورهم من عدم جدوى قتال (العدو الداخلي) لأنه يرى أن الأبواب موصدة، وأن ملامح النصر لا يظهر لها بصيص أمل، وأن جهود سنوات من القتال المحتدم والتضحيات الكبيرة لم تُجنَ ثمارها بعد، وأن المرحلة الذهبية من التفاعل الشعبي والتوجه الإعلامي المركز قد أعقبها فتورٌ وخمولٌ فيرجع القهقرى ليبحث بعدها عن بدائل (سلمية) لإخراج المحتل كما تحصَّل على وسائل (سلمية) وشرعية أيضاً! في معارضة أنظمة الحكم وبهذا يوصد باب الجهاد العملي كلية أو يحجّم ويقلص إلى أقصى حدٍّ لينحصر فقط في جهاد اليهود في فلسطين مع وضع عراقيل وإحاطته بمفاهيم لا يمكن معها تطبيقها إلى يوم التناد، وقد قال تعالى في آياتٍ بيناتٍ باقياتٍ لمن يطلب الدواء الشافي من غير تعنتٍ ولا مواربة : {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران/137، 142].
ولتراجَع أقوال أئمة السلف ومن بعدهم من العلماء في هذه الآيات فإنها بلسمٌ عذبٌ لكل من أجهده طول المسير وأرهقه قلة النصير ليستيقن بقلبٍ مطمئنٍ أن العاقبة للمتقين، وأن للكفر انتفاشة منتنة ستزول عمّا قريب، وأن معركة بهذه الجسامة والضخامة والعتاد والعناد والأعداد والإمداد لا يمكن حسمها إلا بجهدٍ عظيم وصبر طويل ومنهجٍ راسخ وعقيدة متمكنة وثقة بالله قاطعة لا تتقلب مع الظروف يمنة ويسرة، وهو ما يحتاج إليه كل من أراد الجهاد حتى ينال إحدى الحسنيين أما من بنى أمره على عاطفة هائجة أو تخيلات مائجة فهو محظوظ لو بلغ منتصف الطريق ونسأل الله العافية والثبات
قائد_الكتائب
22 Nov 2010, 02:15 AM
الإجماع الخامس : اتفق العلماء على كفر من ظاهر الكفار على المسلمين وأعانهم عليهم.
وبفضل الله فإن هذه المسألة من أوضح المسائل في كتاب الله تعالى والأيات في هذا المعنى كثيرة جداً، وقد أفاض علماء الدعوة النجدية خاصةً في حديثهم عنها، وذكر تفاصيلها، بل تخصيص الكتب والرسائل المتعلقة بها، ولم تزل كتبهم وأقوالهم تُدرَس وتنشر وتؤكَّد وتردَّد ويعدّها الناس من المسلّمات التي لا يجرؤ أحدٌ على مسِّها أو دسِّها أو الاقتراب منها حتى إذا وقعت حكومة في هذه الورطة وغرقت فيها من الأَخْمَصِ إلى النَّاصية وكان أمرها فيها مفضوحاً فُرطاً انتصبت الأقلام واندلعت الألسن فصالت وجالت من هنا وهناك للتشكيك في هذا الحكم، وسفّت عليه سوافي الشبهات، وقامت بإدخاله قسراً وقهراً دائرة الأخذ والرَّد وأقحمته في مجلبة الخلافات التي لم يكونوا يرتضون فيها مجرَّد التعريض بها، فعلمنا بعدها أن كثيراً من تلك التقريرات والتأصيلات لم تكن مبنية على التجرد في محاولة الوصول إلى الحق، وإنما سلكت مسلك الممارة لمجاراة أهواء الطغاة ومحاولة سدِّ أي بابٍ يمكن أن يثبت من خلاله كفرهم وردتهم حتى وإن كان ما يقترفون من الكفر أجلى من شمس الصائفة.
وعلى كل حالٍ فليسلِّم مَن شاء بالإجماع المحكي أو لا يسلِّم، وليعترف به أو يجادل، وليقر به أو يعترض، فإن التصريح بكفر مَن ظاهر الكفار على المسلمين ليس بدعاً من قول المجاهدين، ولا هو من تخرّصاتهم وابتكاراتهم، ولم تنتجه حماستهم ولا عواطفهم، فأقوال العلماء الثقات المؤتمنين واضحة جلية تنطق بالحق في ذلك وتصرِّح بهذا الحكم، والمجاهدون ليسوا ممن يقلِّبون أحكام الشرع وينقلبون عليها، ويشقِّقونها ويحوِّرونها كلما أزعجت الطغاة المتجبِّرين، كما أنهم لا يعتمدون في تقرير أحكام الشرع تبعاً لميولات الناس واستجابة لعواصف عواطفهم، فإن الحق يُتَّبع ولا يَتْبَع، فكلُّ من يسوِّد الصفحات ويستل بالمناقيش كوامن الشبهات لأجل خلخلة هذا الأمر فعليه أن يبدأ أولاً بما سطرته أنامل العلماء الأمناء الذين كتبوا ما كتبوا ولم يلتفتوا إلى رضا طاغية، ولم يدفعهم الجبن والخور (وحب الدنيا وكراهية الموت) إلى التلاعب بأحكام الشرع، وما دام المجاهدون لم يُحدِثوا هذا الحكم أو يبتكروه إذاً فما عليهم من سبيل : {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}[الشورى/42].
فمن المعلوم مدى شدة بغض عوام المسلمين لليهود، وكرههم لكل ما له علاقة بهم، ومجرّد إطلاق لفظ (يهودي) يعد عند المسلمين كافةً سبةً كفيلة بأن تستثير الكامِن وتغضب الحليم، فلذلك فلا تكاد تجد عالماً واحداً إلا وهو يشن عليهم الغارة –حتى هذه اللحظة – ويصرِّح بقبح التعامل معهم، كما حصل في البيان المتعلِّق بإغلاق ممر رفح إبَّان حرب غزة الأخيرة، والتي وقّع كثيرٌ من العلماء ومن سائر بقاع الأرض على كفر مَن يظاهر اليهود ويعينهم على ما يقومون به من جرائم، وأسهبوا في ذلك وأطنبوا، واستدلوا بأقوال العلماء ولم نسمع شيئاً من التخرّصات التي تولّدت في حق مسألة المظاهرة، والتي لو أراد المرء أن يطبّقها على ما فعل طاغية مصر من (مجرد) إغلاق ممر رفح لوجد له من الأعذار (المقنعة) أضعاف أضعاف ما يختلق ويُتكلّف في اصطناعه وإحداثه حينما يصل الأمر إلى مظاهرة الأمريكان الكفرة على المسلمين في أفغانستان أو العراق أو الصومال أو اليمن أو غيرها، حيث المظاهرة الجلية العلنية الفاضحة الواضحة التي لا تخفى على الأعمى وهي لا تتعلق بمجرد إغلاق ممر، فما لكم كيف تحكمون : {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ}[القمر/43]
قال الإمام أبو محمد بن حزمٍ : [فصح بهذا أن من لحق بدار الكفر والحرب مختاراً محارباً لمن يليه من المسلمين فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها، من وجوب القتل عليه، متى قدر عليه ومن إباحة ماله وانفساخ نكاحه وغير ذلك؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرأ من مسلم...وكذلك من سكن بأرض الهند والسند والصين والترك والسودان والروم من المسلمين، فإن كان لا يقدر على الخروج من هنالك لثقل ظهر، أو لقلة مال، أو لضعف جسم، أو لامتناع طريق فهو معذور، فإن كان هنالك محارباً للمسلمين معينا للكفار بخدمة أو كتابة فهو كافر]( المحلى:11 / 200).
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- وهو يعدد نواقض الإسلام : [الثامن : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى : {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } .]اهـ
وقال العلامة أحمد شاكر –رحمه الله- في رسالته المطوّلة والمفصلة للأمة المصرية خاصة والإسلامية عامة : [أما التعاون مع الإنجليز, بأي نوع من أنواع التعاون, قلّ أو كثر, فهو الردّة الجامحة, والكفر الصّراح, لا يقبل فيه اعتذار, ولا ينفع معه تأول, ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء, ولا سياسة خرقاء, ولا مجاملة هي النفاق, سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء. كلهم في الكفر والردة سواء, إلا من جهل وأخطأ, ثم استدرك أمره فتاب وأخذ سبيل المؤمنين, فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم, إن أخلصوا من قلوبهم لله لا للسياسة ولا للناس .
وأظنني قد استطعت الإبانة عن حكم قتال الإنجليز وعن حكم التعاون معهم بأي لون من ألوان التعاون أو المعاملة, حتى يستطيع أن يفقهه كل مسلم يقرأ العربية, من أي طبقات الناس كان, وفي أي بقعة من الأرض يكون .
وأظن أن كل قارئ لا يشك الآن, في أنه من البديهي الذي لا يحتاج إلى بيان أو دليل: أن شأن الفرنسيين في هذا المعنى شأن الإنجليز, بالنسبة لكل مسلم على وجه الأرض, فإن عداء الفرنسيين للمسلمين, وعصبيتهم الجامحة في العمل على محو الإسلام, وعلى حرب الإسلام, أضعاف عصبية الإنجليز وعدائهم, بل هم حمقى في العصبية والعداء, وهم يقتلون إخواننا المسلمين في كل بلد إسلامي لهم فيه حكم أو نفوذ, ويرتكبون من الجرائم والفظائع ما تصغر معه جرائم الإنجليز ووحشيتهم وتتضاءل, فهم والإنجليز في الحكم سواء, دماؤهم وأموالهم حلال في كل مكان, ولا يجوز لمسلم في أي بقعة من بقاع الأرض أن يتعاون معهم بأي نوع من أنواع التعاون, وإن التعاون معهم حكمه حكم التعاون مع الإنجليز: الردة والخروج من الإسلام جملة, أيا كان لون المتعاون معهم أو نوعه أو جنسه .]اهـ.
وكلام هذا الإمام في هذه الرسالة في غاية القوة والوضوح والصراحة والتفصيل وقد دوّنه بأسلوبٍ سهلٍ وطريقةٍ ميسرة يستوعبها العامي أحرى العالم، وقد نفى عن نفسه أن يكون أثناء كتابته هذه الفتوى المحكمة قد مسه شيء من الغبش أو الالتباس، فليس ما يدونه هنا سبق قلم، ولا عبارات تهييج عاطفية ولا ردة فعل حماسية بل كتب تلك الأحكام وهو في (كامل قواه العقلية والعلمية)، حيث يقول : [وقد قلنا : (يجب على كل مسلم في أي بقعة من بقاع الأرض أن يحاربهم وأن يقتلهم حيثما وجدوا، مدنيين أو عسكريين)، ونحن نقصد إلى كل حرف من معنى هذه الجملة]اهـ.
وهي فتوى ذاعت وشاعت من لدُن إصدارها وإلى يومنا فدواعي انتشارها كفلية بأن توصلها إلى أقصى المشرق وأقصى المغرب، وقد قرأها العلماء وأخرجتها المطابع وأفردت وألحقت فما رأينا منها امتعاضاً ولا عليها اعتراضاً يذكر، بل والله إنه لذكر فيها ما هو أشد من مجرد المظاهرة التي هي الإعانة، فأعطى الحكم عينه لِمَن سالمهم فلم يحاربهم!، وحقيقةً أنا لم أستوعب وجه هذه الفقرة استيعاباً تاماً حيث يقول –رحمه الله- : (ألا فليعلم كل مسلم في أي بقعة من بقاع الأرض أنه إذا تعاون مع أعداء الإسلام مستعبدي المسلمين, من الإنجيليز والفرنسيين وأحلافهم وأشباههم, بأي نوع من أنواع التعاون, أو سالمهم فلم يحاربهم بما استطاع, فضلا عن أن ينصرهم بالقول أو العمل على إخوانهم في الدين, إنه إن فعل شيئا من ذلك ثم صلى فصلاته باطلة...إلخ)اهـ.
فليشرق بذلك دعاة التطبيع والتمييع، فما هي من جعبتنا وإنما من كنوز الإمام المحقق المحدث الفقيه القاضي المفتي الأديب العلامة أحمد شاكر، أليس كذلك؟ شكر الله له صدعه بالحق، وأبقى كلامه شوكةً في حلوق المتميعين المتلاعبين بالشرع.
ومن المعلوم أن الشيخ كان يتحدث عن واقع شبيه بما يعيشه المسلمون اليوم في كثير من بقاع الأرض، وما عليك إلا أن تضع كلمة (الأمريكان) بدل قوله (الإنجليز) أو (الفرنسيين) لتجد محلّ الكلام متطابقاً ووصف الحال متوافقاً، وتأمل كلامه مثلا على الفرنسيين وقوله : (وهم يقتلون إخواننا المسلمين في كل بلد إسلامي لهم فيه حكم أو نفوذ, ويرتكبون من الجرائم والفظائع ما تصغر معه جرائم الإنجليز ووحشيتهم وتتضاءل, فهم والإنجليز في الحكم سواء, دماؤهم وأموالهم حلال في كل مكان)اهـ.
أليس هو حقيقة ما فعله ويفعله الأمريكان والإنجليز وأحلافهم في أفغانستان والعراق، واليهود في فلسطين وهلمَّ جرا، وما معنى كلامه –رحمه الله- دماؤهم وأموالهم حلال في كل مكان؟!!!، وليرجع كل منصف إلى ما كتبه هذا الإمام وليرَ هل تجاوز المجاهدون في هذه المسألة مما قاله شيئاً، أم أن هذا الكلام الجريء القوي كان خاصاً بحقبة الاجتياح الغربي لبلدان المسلمين (الاستعمار) حينما كان القتل همجياً عشوائياً وحشياً، أما الاستعمار الحالي الذي يستظل بقرارت مجلس الأمن، ويتدثر بدثار الأمم المتحدة، ويلتحف لحاف (حفظ السلام)، فلا تثريب عليه لأن قتله للمسلمين إنما يقع (بالصورايخ الذكية)، مع أن ما يرتكبه من الجرائم والعظائم يساوي أو يفوق ما تحدث عنه العلامة أحمد شاكر رحمه الله.
وقال الشيخ سليمان العلوان – فك الله أسره- : [وقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على أن مظاهرة الكفار على المسلمين ومعاونتهم بالنفس والمال والذب عنهم بالسنان والبيان كفر وردة عن الإسلام قال تعالى "ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" . وأي تولٍ أعظم من مناصرة أعداء الله ومعاونتهم وتهيئة الوسائل والإمكانيات لضرب الديار الإسلامية وقتل القادة المخلصين]اهـ.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- : [وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم](مجموع الفتاوى والمقالات: 1/274).
وهي من أكثر المسائل طرقاً في هذه الحرب الصليبية، إلا أنها تتعرض اليوم لهجمة تطويعية تمييعية شعواء شنعاء يراد بها إدخالها في سراديب الشبهات والمناقشات، ليسلم بعد ذلك الطغاة المظاهرون للكفار على المسلمين، فأبشر بطول سلامة يا مربع!
فهذه إجماعات خمسةٌ متعلقة بالواقع الشرعي الذي ينطلق منه المجاهدون، والأحكام الشرعية التي تنص عليها تلك الإجماعات يدعمها الكثير من أدلة الكتاب والسنة، وهي مشهورة ومتداولة، ولكن لم نرد الإطالة بذكرها، فليس شيء من هذه الأحكام مستخرجاً من (كيس) المجاهدين، ولا نحتته أفكارهم أو أنتجته فتاوى ساحاتهم، ولا ولدتها ردود أفعالهم وحماسهم وانفعالاتهم.!!!
بل كثيرٌ من العلماء كانوا أصرح الناس ذكراً لتلك الأحكام وبياناً لها ورداً على من يعرِّض بها فضلا عن الاعتراض عليها، فإذا بهم اليوم كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً يتخذون عين الشبهات التي كانوا يفندونها دخلاً بين تلك الأدلة والإجماعات محاولين ما استطاعوا نقضها وتحريفها عن وجهتها، وما أسهل أن تردّ عليهم بأقوالهم التي لم تزل شاهدةً بما كانوا عليه مما يناقض من كل وجهٍ ما صاروا إليه، إذاً فما الذنب ذنب المجاهدين الذين بقوا مستمسكين بالأصل سائرين عليه وإنما اللوم على مَن بدَّل وغيَّر، وتعلَّق بما كان يُميته من التهويش، وليس عليهم أن يكونوا إمعات إن أحسن الناس أحسنوا وإن أساءوا أساءوا كما يروى : (لا تكونوا إمعة تقولون : إن أحسن الناس أحسنا و إن أساءوا أسأنا و لكن وطنوا أنفسكم إن أحسنوا أن تحسنوا و إن أساءوا أن لا تظلموا).
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir