أبولؤى
25 Jun 2010, 11:47 PM
حصـاد المجـزرة
للشيخ/ حامد بن عبد الله العلي (http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=articles&scholar_id=500)
http://www.islamway.com/images/banners/d4e111fc4b7bdf509d95e4779b122e01.gif
يمكننا القول إنَّ حدث المجزرة الصهيونية على قافلـة الحرية ، حدثٌ مفصلي ، سيشكـّل بداية مرحلة تاريخية ، وجديدة في طبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني ، ولا أدري هل الأتـراك قد خطّـطوا بعبقريتهـم لكـلّ هذه المكاسب الكبيرة التي سنحصدها من الحادثـة -إن أحسنـّا توظيفهـا- أم أنهـا ثمـرات لم يتوقّعوهـا إلى هذا الحـدّ !
أسس السياسة التركية في مواجهة الصهاينة
من الواضح جدا أنّ الحزب الحاكم في تركيا ورث تعقيدات عهد التطرف العلماني وعُقـد مستعصية من التورط القذر في المستنقع الصهيوغربي من عقـود طويلة .
غير أنه لايخـفى ما بين سياسة تركيا اليوم تجاه القضية الفلسطينية ، وتلك العقود الأتاتوركية من البون الشـاسع ، والخـلاف الواسع ، فنحن أمام روح جديـدة لاتخفى صـدق تعاطفـها ، وبصيرة جديـدة تتطلع إلى طور مختـلف .
ولهذا اعتمدت السياسة التركية في مواجهة الكيان الصهيوني على خمسـة أسس :
أحدها : وهو أهـم ناحيـة ، أخذ زمام المبادرة في إعـادة رسـم شكل الصراع مع الكيان الصهيوني ، وتلوينه باللون الذي يجب أن يراه الناس عليه ، وتحـديد سقـفه ،
مـع الإلتفاف على المكر الصهيوني الذي كان ناجحا طيلة ما مضى من العقود في خلط الأوراق فـي هذا الصـراع .
فالصهاينة تلاعبـوا عبر عقـود الصـراع في القضية الفلسطينية على مستوى المكر السياسي على ثلاثة محـاور :
1ـ العبث بالمصطلحات ، ولهذا جعـلوا ( الأمن مقابل السلام) بدل ( الأرض مقابل السلام ) _ مع أن هذه أيضا خدعة وكذبة _ ثم رموا بما يسمى (عملية السلام) لعبـةً لإلهاء الطرف العربي وتشتيت قضية الصـراع ، ليحصلوا في المقابـل على الأمن المطلق بلا مقابـل .
ثم انتقلوا من هذه الخدعة إلى جعل تحقيق الأمن بيد سلطة فلسطينية مزيّفـة ، وانتزعوا هذه السلطة المزيـفة من خدعة السلام نفسـها ، فوظّفـوهـا تابعـةً للأمن الصهيوني ، فحصلوا على الأمن بيـد فلسطينية تحرسهـم ، بينـما لا سلام للفلسطينين مطـلقا ، بل إبادة مستمرة !
2ـ تغييـر معالم الصراع بحيث تضيع القضية الأم ، وتتحـور إلى قضايا ثانوية دائمـا ، ولهذا نقلوا القضية الفسلطينية من قضية إسلامية ، إلى عربية ، إلى فلسطينية ، إلى حصار غزة ، إلى معبر رفح ، إلى أنفاق غـزة ، إلى قافلة الحرية ، لكي تُنسى القضيـة الأم ، وهي تحرير فلسطين ، وحتى إذا تحقق إنجازٌ مثل فتح معبـر رفح ، يرى الناس أنهم قد حقّقـوا إنتصارا ، بينما هو وهـم بالنسبة للقضية العظمى !
3ـ الإستثمار في مخزون الخيانة الكبير ! في الأنظمة العربية كونها تحت عباءة الغـرب الحليف الإستراتيجي للصهاينة ، ونقل الأنظمة العربية واحـداً تـلو الآخـر ، من الخندق الفلسطيني إلى الخندق الصهيوني ، وهذا قـد نجحوا فيه نجـاحا باهـرا !
غيـر أنَّ هذه المحاور الخبيثة ، قـد بدأت تتهاوى أمام الدهاء التـركي ، واستطاع الأتراك الذين ورثـوا الإمبراطورية التي حكمـت العالم خمسة قرون ، أن يعبثوا بالمكـر الصهيونـي ، وأن يعيدوا تشكيل ورسم صورة الصراع ، كما ينبغي أن تكون .
ولهذا لاحظنا في خطاب أردوغـان التركيـز على القضيـة الأم عندمـا أعـاد وكــرَّر :
إننا سنقف مع حقوق الشعب الفلسطيني ولن نتخلـّى عنه ، ويعني : فالقضية الأم ليست هي حادثة مجتزئة ، وإنمـا حقوق شعب بأكمـله.
وأننا سنرفع الحصار عن غــزّة ، مهما طال الأمـد ، ويعني : فهذه القضية التي يريد الصهاينة أن يجعلوهـا ( حالة عادية ) ، سنحولها إلى جحيـم ضد سمعة الكيان الصهيوني .
الصهاينة وإبتـلاع الطعـم
ولهذا فيبدو من الواضح أنّ الصهاينة قـدْ ابتلعوا الطعم التركي ، ومع شدّة حزننا على الدماء التي أريقـت في قافلـة الحريـّة ، غير أنّنـا أمّـة الجهاد ، التي تعلم علم اليقيـن أنّ التضحيـات هي طريق النصر ، وأنّ الدماء سقيـا شجرته ، ولهذا فإننـّا نقبـل فرحيـن بمـا سيتحقق من مكاسب سياسية هائلة ، لعـلها سـتكون أعظـم مما لو وصلت قافلـة الحريـة إلى غــزة ،
الثانية من أسس السياسة التركيـة : إستراتيجية التعرية ، وتقوم على الإستمرار في كشف حقيقة الكيان الصهيونية ، وتعريته أمام العالم ، بإسـتثمـار حصاره لغـزة ، وكانت مجزرة قافلة الحرية هي التعرية الكاملة التي أسقطت آخـر ستـر مزيف يضعه هذا الكيـان على عورته.
الثالـث : إحراج النظام العربي الرسمي لاسيما النظام المصري ، ودول الخليج الحليفة الخانعـة للغـرب ، لوضعـه أمام مسوؤليته المباشرة .
الرابـع : توريط الكيان الصهيوني ، بوضعـه في مواجهة العالم ، لحصار هذا الكيـان وعزلـه ، بدل حصار غزة وعزلها ، وهاهو الكيان الصهيوني يتورّط في جريمة ( إرهاب دولة ) بكلّ المقاييس العالميـة ، وفي حقّ مواطنين من دول متعددة ، وذلك بعد فضيحة إغتيال المبحوح التي عادت عليه بالسـوء .
الخامـس : تجاوز دوائـر السياسة الغربية ، إلى طلب الدعـم من المؤسسات الشعبية والحقوقية الغربية ، وذلك لإحراج ساسة الغرب ، وفضحهم أمام شعوبهم ، وحصرهم في زاوية تنتزع منهم قرارات ضد الكيان الصهيوني رغـما عنهم ،
وهذا من السياسة التركية ، هجوم على نقطة ضعف السياسة الغربية ، وإستثمارها بشكل مذهل .
ولاريب أنَّ هذه كلَّهـا ستكون مـن نتائجهـا كسـر الحصار عن غـزة بإذن الله تعالى ، وهذا خيـر من وصول أسطول السفـن ، ولاغرابة فالدماء المخلصة لم تـزل تفتـح على أمـتنا غـيث النصـر .
ثمار الحريـة
ولاريب أنَّ الصهاينة لم يعتادوا التعامل مع هذا النوع من الحراك السياسي التركـي ، فقد ترهلَّت قوى المكر اليهودي مع طول التعامل مع النظام العربي الرسمي الذي إما أن يسهل شراؤه ، أو يسهل خداعه ، مع كونه أصلا نظاما قد نصـب ليكــون كذلك ؟!
غير أنَّ السياسة التركية هذه ، هي ثمـار الحرية التي عندما مُنحت للشعب التركي ، جاءت بالحزب الحاكم الحالي الذي يُعبـِّر عن مزاج شعب مسلم يتعاطف بإنتمائه الحضاري الفطري مع القضية الفسلطينية .
فلنقس إذاً على هذا المثـال ، ما سيحدث في بلادنا العربية فيـما لو منحت الحرية أن تختـار حكّامها !
وكيف سيكون التغيير الهائل الذي سيأتي بـه هذا الإختيار على جميع قضايـانا ، نحو تحقيق أهـداف الأمـة ؟! ،
وهذا إنما يدل على أن من أعظم مصائب الأمة في هذا العصـر هو توريـث السلطة ، وإلـغـاء دور الأمّـة ، و أنه مالم يتوقف هذا النزيف الدائم لطاقات الأمـة ، وقدراتها ، وإمكاناتها فالنتيجـة هي الدمار الشامل ، لكل مقدساتنا .
الصمت العربي المخـزي
هذا .. ولم يعـد يخفى أن هذا الصمت العربي المخزي تجاه مجزرة قافلة الحرية ، إنما هو نتيجة حتمية لكارثة توريث السلطة ، وحجب دور الأمة في تولي زمام القيادة ، ومما يؤكّـد ما قلناه أنّ الحراك الوحيـد جاء من الكويت بإنسحابها من مبادرة السلام العربية _ ونحن هنا إنـما نذكر واقعـا فحسـب ولانُشيـد بنظام عربي فلا يزال أمام الأنظمة العربية مراحل تنقطع فيها أكباد الإبل قبل أن تستحـق الإشادة ! _ وذلك بسبب ضغط نواب منتخبين على حكومـة خاضعـة لرقابة علنيـة ، وهي حالة سياسية إيجابيـة _ وإن كانت محدودة للغاية _ غير أنها نادرة في الوطن العربي ، فكيف لو جاءت الحرية الحقيقيـّة التي ينشدها النظام السياسي الإسلامي .
أما سماح النظام المصري بعبور المساعدات الإنسانية من معبـر رفح ، بعد مجزرة قافلة الحريـة ، فهو إضافة إلى كونه من ثمار قافلة الحرية ، ما هو إلاّ فضيحة جديدة تضاف إلى سلسلة فضائحه ، لأنه أولا ينادي على نفسه بأنه السبب فيما جرى من كارثة ، وثانيا هو مازال يدعي _ والواقع يكذّب ذلك _ انه يسمح بالمساعدات الإنسانية ، فكأنه يكذب نفسه اليوم عندما يعلن أنه سيسمح بهـا بعـد المجزرة !!
هل سيتآمـر النظام العربي علـى تركيـا
ولهذا فإنه لو توقـَّع محلّـل أن ما يشـغـل النظام العربي الآن ، أعنـي الذي يدعي الإعـتدال ، هــو كيـف يتآمر مع الصهاينة على الحزب الحاكم في تركيا ، ليسقطه ، ويرتاح مما يسببه له هذا الحـزب من إحراج ، لكان تحليلا قريبـا من الواقع ،
ولولا الإزعاج الإيراني للمنطقة لكان النظام العربي قـد قطع شوطا في هذه المؤامرة ، أليس هو المتولـّد من التآمر على الخلافة العثمانيـة و(الخروج على ولي الأمر ) العثماني !!
الـدور الإيرانــي
ولئن سأل سائـل أين إيران فيما جـرى ؟! فالجواب أنه لاريب أن الإيرانيين في غيـظ شديد من تعكير الأتراك لهم الصـيد في بركة القضية الفلسطينية التي يصطاد فيها الإيرانيون المكاسب الكبيرة لمشروعهم التوسعي ، لاسيما بعدما نجحوا في سرقة القضية من النظام العربي ، أو الأصـح أنـّه تركها لهـم مجانا !
كما أنـّه من الواضح حرص الأتراك على أن لايبدو الحضور الإيراني بارزا في حراكها لغـزّة .
هذا ولايخفى أن تبنـّي الأتراك للقضية الفلسطينية تبنٍ بالأصالة ، نابـع من ضميـر صادق ، وينطلق من إنتماء حضاري عميق في التاريخ ، بخلاف التبنّي الإيراني الذي هو تبنٍ تبعـيّ فحسـب ، يتوقف على مدى الإستفادة الإيرانية من الأوراق الفلسطينية لحرقها في التنافس مع الغرب ، ولاشـكَّ أنَّ هــذا لايخفى على الأتراك ، ولهــذا فإن الدور التركي في القضية الفلسطينية دور إنقاذي مهم ومحوري في مرحلة خطرة للغاية ، أعنـي مع وجـود الدور الإيراني المشبوه .
دماء الشهداء الأتراك ترسم خارطة الطريق الجديدة للقضية الفسلطينية
ولا أدلَّ على ما ذكرته أعنـي صدق التبنـي التركي للقضية الفلسطينية ، من الدماء التي قدمـوها في قافلة الحرية _ ولك أن تتساءل أخي القارىء مقارنـاً عن الدماء الإيرانية التي قدمت للقضية الفلسطينية أين هـي !! _ فالشهداء الأتراك قد رسموا بدمائهم خارطـةَ طريق جديـدة ، ترسـم هـذا المثـلث السحري للتغيير : الحراك السياسي الذكي ، والتضحيات المبنية على كسب الرأي العام العالمي ، وطول النفس على أرضية المعركة حتى الوصول إلى الهدف النهائي ، ولهذا لاحظنا التصريح التركي الذي تضمن : ( مهاجمة قافلـة غزة سيكون لها أثـر طويل ) .
التضحيـات التركيـة
ولهـذا يجب أن نبقي في ذاكرتنا أنّ الأتراك يقدمون تضحيات كبيرة بوقوفهـم مع غـزة ، ومكاسبهم الداخلية في ذلك قليلة ، وهم يعلمون أنَّ غـزة إنـّما تمثل خط المقاومة في القضية المركزية من قضايا أمّتنـا ،
كما يجب أن نتـذكر دائمـا أنَّ الأتـراك يعلمون جيـّدا أنهم يواجهـون تحالفا صهيوغربيا طالما كان ذا يد طويـلة قادرة على الإضـرار ، غيـر أنهـم قبلوا التحـدّي ، مستغلّيـن أنّ هذا التحالف يعاني من تراجع ، وأنّ المشهد الإسلامي في حالة يرثـى لها ، ولـم يعـد يتحمّـل غياب الدور التركي ،
ولهذا قلت كثيـراً وفي مناسبات عديدة ، أنه يجب مـد اليد للحالة التركية وتقديـر الدور الذي تبحـث عنه وتريده في عالمنا المليء بالمآسي ، وأنَّ الإكتفاء بالهجوم ، والتنديد ، وتشويه الصورة ، وإجهاض المواقف ، والتعامل مع التحول في تركيا نحو الإسلام ، كما تحاسب حركة إسلامية خالصة تتحرك في إطار أنصارها وأتباعـها فحسب ، ليس من الحكـمة في شيء .
أهميـة الإعلام وإستنهاض الضميـر العالمي
كما يجـب الإهتمام البالغ بإستثمار الثورة الإعلامية لكسب الضمير العالمي إلى صفّنـا في قضايـانا ، فهـا نحـن نرى بجـلاء كيـف أنّ الإعــلامَ سلاحٌ فتـّاك استطاع أن يوجه الحدث إلى صالح قضايانـا العظمـى ، وإلى إعادة ترميم _ وهنا ننوه بجهود قناة الجزيرة المشكورة _ الشعور الإسلامي تجاه القضية الفلسطينية ، وإشعال الحماسة في شعوبـنا ، بدءا من التحليلات السياسية الموفقة من النخـب ، وإنتهـاء بإبراز التظاهرات الشعبية ، ومرورا بأسلوب إبراز الصورة الأهـم ، أعنـي قضية حصار غـزة طيلة فتـرة التغطيـة .
وهذا بخلاف قناة ( العبرية ) التي قالت إنَّ ناشطي الإغاثة هم الذين بادروا بالهجوم بالأسلحة البيضاء والسواطير و السكاكين على الصهاينة ! فاضطر الصهاينة إلى الدفاع عن أنفسهـم !!
وأخيـرا :
فإنـّه لـولا الجهاد الإسلامي في غـزة ، ولولا خط المقاومة الذي اختارته حركة حماس المباركة ، وغيرها من فصائل الجهاد المبارك في غزة ، وفلسطين ،
ولولا صبـرهم ، ونضالهم ، وإحتسابهم التضحيـات ، لما تحـققت كل هذه المكاسب العظيمـة ،
ولما وقف الأتراك مـع غزة هذه الوقفة البطوليـة حتى اختلطت فيـها دماؤهم أمام بحـر غـزة ، مع دماء شهدائها على أرضها .
ولمـا جـاء النشطاء من جميع أنحاء العالم لإغاثتـها .
ولما استطعنا أن نجعل مظلومية شعبنا الفلسطينية قضية في كلّ ضميـر حيّ
ولما أعدنا إحـياء الحماسة في الأمّة الإسلامية لقضيتهم المركزية في فلسطين .
ولما فضح الكيان الصهيوني وبدت حقيقته أمام العالم بأسره في مشاهد حية .
ولما استطعنـا أن ننطلــق إلى العالمية ، ولا أن نشرك العالم في نظرتنـا إلى وحشية الصهاينة ، وخروجهم عن كلّ قيم الحق ، والعدالة ، والحرية .
ولما استطعنا أن نخرج حصار غـزة إلى أن يتعاطف معـه كلّ العالم .
فتحيـّة عبقــة مليئة بعطـر النـصر الوشيـك ، مكلّلة بزهـور العـزّة ، مبخـّرة بريح الفخـر والسنـاء ، لكـلّ مجاهد على أرض غزة المباركة ، أو على ثرى فلسطين الطاهـر ، من فخامة رئيس الوزراء إسماعيل هنيـة ، مروراً بكـل امرأة فلسطينية أخرجـت من رحمـها هذه الأسـود التي شرفـّت أمتنـا ، إلى أصغـر جندي في أصغـر فصيــل جهـادي حول بيـت المقدس .
وإلى النصـر القريـب بإذن الله تعالى ، لنصلي صلاته في المسـجد الأقصى ، ولننثـر وروده بإثـرها حـوله ، وعلى أسـواره المجيـدة .
والله الموفق ، وهو حسبنا عليه توكلنا وعليه فليتوكـل المتوكـلون .
منقول
طريق الاسلام
للشيخ/ حامد بن عبد الله العلي (http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=articles&scholar_id=500)
http://www.islamway.com/images/banners/d4e111fc4b7bdf509d95e4779b122e01.gif
يمكننا القول إنَّ حدث المجزرة الصهيونية على قافلـة الحرية ، حدثٌ مفصلي ، سيشكـّل بداية مرحلة تاريخية ، وجديدة في طبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني ، ولا أدري هل الأتـراك قد خطّـطوا بعبقريتهـم لكـلّ هذه المكاسب الكبيرة التي سنحصدها من الحادثـة -إن أحسنـّا توظيفهـا- أم أنهـا ثمـرات لم يتوقّعوهـا إلى هذا الحـدّ !
أسس السياسة التركية في مواجهة الصهاينة
من الواضح جدا أنّ الحزب الحاكم في تركيا ورث تعقيدات عهد التطرف العلماني وعُقـد مستعصية من التورط القذر في المستنقع الصهيوغربي من عقـود طويلة .
غير أنه لايخـفى ما بين سياسة تركيا اليوم تجاه القضية الفلسطينية ، وتلك العقود الأتاتوركية من البون الشـاسع ، والخـلاف الواسع ، فنحن أمام روح جديـدة لاتخفى صـدق تعاطفـها ، وبصيرة جديـدة تتطلع إلى طور مختـلف .
ولهذا اعتمدت السياسة التركية في مواجهة الكيان الصهيوني على خمسـة أسس :
أحدها : وهو أهـم ناحيـة ، أخذ زمام المبادرة في إعـادة رسـم شكل الصراع مع الكيان الصهيوني ، وتلوينه باللون الذي يجب أن يراه الناس عليه ، وتحـديد سقـفه ،
مـع الإلتفاف على المكر الصهيوني الذي كان ناجحا طيلة ما مضى من العقود في خلط الأوراق فـي هذا الصـراع .
فالصهاينة تلاعبـوا عبر عقـود الصـراع في القضية الفلسطينية على مستوى المكر السياسي على ثلاثة محـاور :
1ـ العبث بالمصطلحات ، ولهذا جعـلوا ( الأمن مقابل السلام) بدل ( الأرض مقابل السلام ) _ مع أن هذه أيضا خدعة وكذبة _ ثم رموا بما يسمى (عملية السلام) لعبـةً لإلهاء الطرف العربي وتشتيت قضية الصـراع ، ليحصلوا في المقابـل على الأمن المطلق بلا مقابـل .
ثم انتقلوا من هذه الخدعة إلى جعل تحقيق الأمن بيد سلطة فلسطينية مزيّفـة ، وانتزعوا هذه السلطة المزيـفة من خدعة السلام نفسـها ، فوظّفـوهـا تابعـةً للأمن الصهيوني ، فحصلوا على الأمن بيـد فلسطينية تحرسهـم ، بينـما لا سلام للفلسطينين مطـلقا ، بل إبادة مستمرة !
2ـ تغييـر معالم الصراع بحيث تضيع القضية الأم ، وتتحـور إلى قضايا ثانوية دائمـا ، ولهذا نقلوا القضية الفسلطينية من قضية إسلامية ، إلى عربية ، إلى فلسطينية ، إلى حصار غزة ، إلى معبر رفح ، إلى أنفاق غـزة ، إلى قافلة الحرية ، لكي تُنسى القضيـة الأم ، وهي تحرير فلسطين ، وحتى إذا تحقق إنجازٌ مثل فتح معبـر رفح ، يرى الناس أنهم قد حقّقـوا إنتصارا ، بينما هو وهـم بالنسبة للقضية العظمى !
3ـ الإستثمار في مخزون الخيانة الكبير ! في الأنظمة العربية كونها تحت عباءة الغـرب الحليف الإستراتيجي للصهاينة ، ونقل الأنظمة العربية واحـداً تـلو الآخـر ، من الخندق الفلسطيني إلى الخندق الصهيوني ، وهذا قـد نجحوا فيه نجـاحا باهـرا !
غيـر أنَّ هذه المحاور الخبيثة ، قـد بدأت تتهاوى أمام الدهاء التـركي ، واستطاع الأتراك الذين ورثـوا الإمبراطورية التي حكمـت العالم خمسة قرون ، أن يعبثوا بالمكـر الصهيونـي ، وأن يعيدوا تشكيل ورسم صورة الصراع ، كما ينبغي أن تكون .
ولهذا لاحظنا في خطاب أردوغـان التركيـز على القضيـة الأم عندمـا أعـاد وكــرَّر :
إننا سنقف مع حقوق الشعب الفلسطيني ولن نتخلـّى عنه ، ويعني : فالقضية الأم ليست هي حادثة مجتزئة ، وإنمـا حقوق شعب بأكمـله.
وأننا سنرفع الحصار عن غــزّة ، مهما طال الأمـد ، ويعني : فهذه القضية التي يريد الصهاينة أن يجعلوهـا ( حالة عادية ) ، سنحولها إلى جحيـم ضد سمعة الكيان الصهيوني .
الصهاينة وإبتـلاع الطعـم
ولهذا فيبدو من الواضح أنّ الصهاينة قـدْ ابتلعوا الطعم التركي ، ومع شدّة حزننا على الدماء التي أريقـت في قافلـة الحريـّة ، غير أنّنـا أمّـة الجهاد ، التي تعلم علم اليقيـن أنّ التضحيـات هي طريق النصر ، وأنّ الدماء سقيـا شجرته ، ولهذا فإننـّا نقبـل فرحيـن بمـا سيتحقق من مكاسب سياسية هائلة ، لعـلها سـتكون أعظـم مما لو وصلت قافلـة الحريـة إلى غــزة ،
الثانية من أسس السياسة التركيـة : إستراتيجية التعرية ، وتقوم على الإستمرار في كشف حقيقة الكيان الصهيونية ، وتعريته أمام العالم ، بإسـتثمـار حصاره لغـزة ، وكانت مجزرة قافلة الحرية هي التعرية الكاملة التي أسقطت آخـر ستـر مزيف يضعه هذا الكيـان على عورته.
الثالـث : إحراج النظام العربي الرسمي لاسيما النظام المصري ، ودول الخليج الحليفة الخانعـة للغـرب ، لوضعـه أمام مسوؤليته المباشرة .
الرابـع : توريط الكيان الصهيوني ، بوضعـه في مواجهة العالم ، لحصار هذا الكيـان وعزلـه ، بدل حصار غزة وعزلها ، وهاهو الكيان الصهيوني يتورّط في جريمة ( إرهاب دولة ) بكلّ المقاييس العالميـة ، وفي حقّ مواطنين من دول متعددة ، وذلك بعد فضيحة إغتيال المبحوح التي عادت عليه بالسـوء .
الخامـس : تجاوز دوائـر السياسة الغربية ، إلى طلب الدعـم من المؤسسات الشعبية والحقوقية الغربية ، وذلك لإحراج ساسة الغرب ، وفضحهم أمام شعوبهم ، وحصرهم في زاوية تنتزع منهم قرارات ضد الكيان الصهيوني رغـما عنهم ،
وهذا من السياسة التركية ، هجوم على نقطة ضعف السياسة الغربية ، وإستثمارها بشكل مذهل .
ولاريب أنَّ هذه كلَّهـا ستكون مـن نتائجهـا كسـر الحصار عن غـزة بإذن الله تعالى ، وهذا خيـر من وصول أسطول السفـن ، ولاغرابة فالدماء المخلصة لم تـزل تفتـح على أمـتنا غـيث النصـر .
ثمار الحريـة
ولاريب أنَّ الصهاينة لم يعتادوا التعامل مع هذا النوع من الحراك السياسي التركـي ، فقد ترهلَّت قوى المكر اليهودي مع طول التعامل مع النظام العربي الرسمي الذي إما أن يسهل شراؤه ، أو يسهل خداعه ، مع كونه أصلا نظاما قد نصـب ليكــون كذلك ؟!
غير أنَّ السياسة التركية هذه ، هي ثمـار الحرية التي عندما مُنحت للشعب التركي ، جاءت بالحزب الحاكم الحالي الذي يُعبـِّر عن مزاج شعب مسلم يتعاطف بإنتمائه الحضاري الفطري مع القضية الفسلطينية .
فلنقس إذاً على هذا المثـال ، ما سيحدث في بلادنا العربية فيـما لو منحت الحرية أن تختـار حكّامها !
وكيف سيكون التغيير الهائل الذي سيأتي بـه هذا الإختيار على جميع قضايـانا ، نحو تحقيق أهـداف الأمـة ؟! ،
وهذا إنما يدل على أن من أعظم مصائب الأمة في هذا العصـر هو توريـث السلطة ، وإلـغـاء دور الأمّـة ، و أنه مالم يتوقف هذا النزيف الدائم لطاقات الأمـة ، وقدراتها ، وإمكاناتها فالنتيجـة هي الدمار الشامل ، لكل مقدساتنا .
الصمت العربي المخـزي
هذا .. ولم يعـد يخفى أن هذا الصمت العربي المخزي تجاه مجزرة قافلة الحرية ، إنما هو نتيجة حتمية لكارثة توريث السلطة ، وحجب دور الأمة في تولي زمام القيادة ، ومما يؤكّـد ما قلناه أنّ الحراك الوحيـد جاء من الكويت بإنسحابها من مبادرة السلام العربية _ ونحن هنا إنـما نذكر واقعـا فحسـب ولانُشيـد بنظام عربي فلا يزال أمام الأنظمة العربية مراحل تنقطع فيها أكباد الإبل قبل أن تستحـق الإشادة ! _ وذلك بسبب ضغط نواب منتخبين على حكومـة خاضعـة لرقابة علنيـة ، وهي حالة سياسية إيجابيـة _ وإن كانت محدودة للغاية _ غير أنها نادرة في الوطن العربي ، فكيف لو جاءت الحرية الحقيقيـّة التي ينشدها النظام السياسي الإسلامي .
أما سماح النظام المصري بعبور المساعدات الإنسانية من معبـر رفح ، بعد مجزرة قافلة الحريـة ، فهو إضافة إلى كونه من ثمار قافلة الحرية ، ما هو إلاّ فضيحة جديدة تضاف إلى سلسلة فضائحه ، لأنه أولا ينادي على نفسه بأنه السبب فيما جرى من كارثة ، وثانيا هو مازال يدعي _ والواقع يكذّب ذلك _ انه يسمح بالمساعدات الإنسانية ، فكأنه يكذب نفسه اليوم عندما يعلن أنه سيسمح بهـا بعـد المجزرة !!
هل سيتآمـر النظام العربي علـى تركيـا
ولهذا فإنه لو توقـَّع محلّـل أن ما يشـغـل النظام العربي الآن ، أعنـي الذي يدعي الإعـتدال ، هــو كيـف يتآمر مع الصهاينة على الحزب الحاكم في تركيا ، ليسقطه ، ويرتاح مما يسببه له هذا الحـزب من إحراج ، لكان تحليلا قريبـا من الواقع ،
ولولا الإزعاج الإيراني للمنطقة لكان النظام العربي قـد قطع شوطا في هذه المؤامرة ، أليس هو المتولـّد من التآمر على الخلافة العثمانيـة و(الخروج على ولي الأمر ) العثماني !!
الـدور الإيرانــي
ولئن سأل سائـل أين إيران فيما جـرى ؟! فالجواب أنه لاريب أن الإيرانيين في غيـظ شديد من تعكير الأتراك لهم الصـيد في بركة القضية الفلسطينية التي يصطاد فيها الإيرانيون المكاسب الكبيرة لمشروعهم التوسعي ، لاسيما بعدما نجحوا في سرقة القضية من النظام العربي ، أو الأصـح أنـّه تركها لهـم مجانا !
كما أنـّه من الواضح حرص الأتراك على أن لايبدو الحضور الإيراني بارزا في حراكها لغـزّة .
هذا ولايخفى أن تبنـّي الأتراك للقضية الفلسطينية تبنٍ بالأصالة ، نابـع من ضميـر صادق ، وينطلق من إنتماء حضاري عميق في التاريخ ، بخلاف التبنّي الإيراني الذي هو تبنٍ تبعـيّ فحسـب ، يتوقف على مدى الإستفادة الإيرانية من الأوراق الفلسطينية لحرقها في التنافس مع الغرب ، ولاشـكَّ أنَّ هــذا لايخفى على الأتراك ، ولهــذا فإن الدور التركي في القضية الفلسطينية دور إنقاذي مهم ومحوري في مرحلة خطرة للغاية ، أعنـي مع وجـود الدور الإيراني المشبوه .
دماء الشهداء الأتراك ترسم خارطة الطريق الجديدة للقضية الفسلطينية
ولا أدلَّ على ما ذكرته أعنـي صدق التبنـي التركي للقضية الفلسطينية ، من الدماء التي قدمـوها في قافلة الحرية _ ولك أن تتساءل أخي القارىء مقارنـاً عن الدماء الإيرانية التي قدمت للقضية الفلسطينية أين هـي !! _ فالشهداء الأتراك قد رسموا بدمائهم خارطـةَ طريق جديـدة ، ترسـم هـذا المثـلث السحري للتغيير : الحراك السياسي الذكي ، والتضحيات المبنية على كسب الرأي العام العالمي ، وطول النفس على أرضية المعركة حتى الوصول إلى الهدف النهائي ، ولهذا لاحظنا التصريح التركي الذي تضمن : ( مهاجمة قافلـة غزة سيكون لها أثـر طويل ) .
التضحيـات التركيـة
ولهـذا يجب أن نبقي في ذاكرتنا أنّ الأتراك يقدمون تضحيات كبيرة بوقوفهـم مع غـزة ، ومكاسبهم الداخلية في ذلك قليلة ، وهم يعلمون أنَّ غـزة إنـّما تمثل خط المقاومة في القضية المركزية من قضايا أمّتنـا ،
كما يجب أن نتـذكر دائمـا أنَّ الأتـراك يعلمون جيـّدا أنهم يواجهـون تحالفا صهيوغربيا طالما كان ذا يد طويـلة قادرة على الإضـرار ، غيـر أنهـم قبلوا التحـدّي ، مستغلّيـن أنّ هذا التحالف يعاني من تراجع ، وأنّ المشهد الإسلامي في حالة يرثـى لها ، ولـم يعـد يتحمّـل غياب الدور التركي ،
ولهذا قلت كثيـراً وفي مناسبات عديدة ، أنه يجب مـد اليد للحالة التركية وتقديـر الدور الذي تبحـث عنه وتريده في عالمنا المليء بالمآسي ، وأنَّ الإكتفاء بالهجوم ، والتنديد ، وتشويه الصورة ، وإجهاض المواقف ، والتعامل مع التحول في تركيا نحو الإسلام ، كما تحاسب حركة إسلامية خالصة تتحرك في إطار أنصارها وأتباعـها فحسب ، ليس من الحكـمة في شيء .
أهميـة الإعلام وإستنهاض الضميـر العالمي
كما يجـب الإهتمام البالغ بإستثمار الثورة الإعلامية لكسب الضمير العالمي إلى صفّنـا في قضايـانا ، فهـا نحـن نرى بجـلاء كيـف أنّ الإعــلامَ سلاحٌ فتـّاك استطاع أن يوجه الحدث إلى صالح قضايانـا العظمـى ، وإلى إعادة ترميم _ وهنا ننوه بجهود قناة الجزيرة المشكورة _ الشعور الإسلامي تجاه القضية الفلسطينية ، وإشعال الحماسة في شعوبـنا ، بدءا من التحليلات السياسية الموفقة من النخـب ، وإنتهـاء بإبراز التظاهرات الشعبية ، ومرورا بأسلوب إبراز الصورة الأهـم ، أعنـي قضية حصار غـزة طيلة فتـرة التغطيـة .
وهذا بخلاف قناة ( العبرية ) التي قالت إنَّ ناشطي الإغاثة هم الذين بادروا بالهجوم بالأسلحة البيضاء والسواطير و السكاكين على الصهاينة ! فاضطر الصهاينة إلى الدفاع عن أنفسهـم !!
وأخيـرا :
فإنـّه لـولا الجهاد الإسلامي في غـزة ، ولولا خط المقاومة الذي اختارته حركة حماس المباركة ، وغيرها من فصائل الجهاد المبارك في غزة ، وفلسطين ،
ولولا صبـرهم ، ونضالهم ، وإحتسابهم التضحيـات ، لما تحـققت كل هذه المكاسب العظيمـة ،
ولما وقف الأتراك مـع غزة هذه الوقفة البطوليـة حتى اختلطت فيـها دماؤهم أمام بحـر غـزة ، مع دماء شهدائها على أرضها .
ولمـا جـاء النشطاء من جميع أنحاء العالم لإغاثتـها .
ولما استطعنا أن نجعل مظلومية شعبنا الفلسطينية قضية في كلّ ضميـر حيّ
ولما أعدنا إحـياء الحماسة في الأمّة الإسلامية لقضيتهم المركزية في فلسطين .
ولما فضح الكيان الصهيوني وبدت حقيقته أمام العالم بأسره في مشاهد حية .
ولما استطعنـا أن ننطلــق إلى العالمية ، ولا أن نشرك العالم في نظرتنـا إلى وحشية الصهاينة ، وخروجهم عن كلّ قيم الحق ، والعدالة ، والحرية .
ولما استطعنا أن نخرج حصار غـزة إلى أن يتعاطف معـه كلّ العالم .
فتحيـّة عبقــة مليئة بعطـر النـصر الوشيـك ، مكلّلة بزهـور العـزّة ، مبخـّرة بريح الفخـر والسنـاء ، لكـلّ مجاهد على أرض غزة المباركة ، أو على ثرى فلسطين الطاهـر ، من فخامة رئيس الوزراء إسماعيل هنيـة ، مروراً بكـل امرأة فلسطينية أخرجـت من رحمـها هذه الأسـود التي شرفـّت أمتنـا ، إلى أصغـر جندي في أصغـر فصيــل جهـادي حول بيـت المقدس .
وإلى النصـر القريـب بإذن الله تعالى ، لنصلي صلاته في المسـجد الأقصى ، ولننثـر وروده بإثـرها حـوله ، وعلى أسـواره المجيـدة .
والله الموفق ، وهو حسبنا عليه توكلنا وعليه فليتوكـل المتوكـلون .
منقول
طريق الاسلام