السراب
26 Sep 2004, 06:57 AM
آداب تلاوة القرآن الكريم
<marquee>إعداد: محمد الحمّاد</marquee>
مدح الله تعالى كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو القرآن، فقال عز من قائل:{... وإنه لكتابعزيز* لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (فصلت:42،41)، وقال سبحانه:{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً} (الإسراء:10). فهو يهدي لأقوم الطرق وأوضح السبل؛ لذا حري بنا أن نلم بطرف من الآداب التي ينبغي لقارئ القرآن العمل بها والحرص عليها؛ حتى يحصل الانتفاع بالتلاوة، ويعظم الأجر، بإذن الله تعالى. فمن هذه الآداب:
* تحري الإخلاص عند تعلم القرآن وتلاوته:
قال النووي: فأول ما يؤمر به ـ أي القارئ ـ: الإخلاص في قراءته، وأن يريد بها وجه الله سبحانه وتعالى، وأن لا يقصد بها توصلاً إلى شيء سوى ذلك.
وفي حديث أبي هريرة (الذي ذكر فيه أول من تسعر بهم النار): "...ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به، فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.." (رواه مسلم).
* العمل بالقرآن:
بتحليل حلاله، وتحريم حرامه، والوقوف عند نهيه، والائتمار بأمره، والعمل بمحكمه، والإيمان بمتشابهه، وإقامة حدوده وحروفه.
* الحث على استذكار القرآن وتعاهده:
فعلى من يحفظ القرآن أو جزء منه أن يواظب على تلاوته ويجدد العهد به بملازمته، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيًا من الإبل في عقلها " (رواه البخاري). فمتى زال التعاهد زال الحفظ.
* لا تقل: نسيت، ولكن قل: أُنسيت، أو أَسقطت، أو نُسِّيت:
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بئس ما لأحدهم يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نُسي". وإنما نهي عن: نسيتها؛ لأنه يتضمن التساهل فيها والتغافل عنها.
* وجوب تدبر القرآن:
لقد أمر الله تعالى بتدبر كلامه فقال عز وجل: {أفَلاَ يَتَدَبَّـرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (النساء: 126). والتدبر هو التأمل في معانيه، وتحديق الفكر فيه وفي مبادئه وعواقبه، فإن في تدبر كتاب الله مفتاحاً للعلوم والمعارف، وبه يستنتج كل خير وتستخرج منه جميع العلوم. وبه يزداد الإيمان في القلب وترسخ شجرته، فبه يعرف الرب جل جلاله وما له من صفات كمال، وما الطريق الموصل إليه، وكلما ازداد العبد تأملاً فيه، ازداد علما وعملاً وبصيرة؛ ولذلك أمر الله بالتدبر وحث عليه.
وعلى هذا كان سير السلف، فقد روى الإمام أحمد عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل. قالوا: فتعلمنا العلم والعمل.
* لا يمس المصحف إلا طاهر:
الأصل فيه قوله تعالى: {لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}. والنهي عن مسه إلا لمتطهر جاء مصرحاً به في الكتاب الذي كتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم وفيه: (أن لا يمس القرآن إلا طاهر). فهو ليس كغيره من الكتب؛ لأنه كلام الله عز وجل، فينبغي صونه وتقديسه.
* استحباب تنظيف الفم بالسواك قبل التلاوة:
لأن القارئ لما كان مريداً لتلاوة كلام الله حسُن منه أن يطيب فمه وينظفه بالسواك أو بما يحصل به التنظيف. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على السواك وأكثر من ذلك، ومن أولى الأزمنة باستحباب السواك: عند قراءة القرآن، وقد يُستأنس لذلك بحديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام للتهجد من الليل يشوصُ فاه بالسواك "(رواه البخاري ومسلم).
* <marquee>من السنة الاستعاذة والبسملة عند التلاوة</marquee>:
فالاستعاذة لطرد الشيطان، وليكون بعيداً عن قلب المرء، ليحصل له التدبر والتفهم ومن ثم الانتفاع، قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (النحل:98).
أما البسملة: فقد روى أنس - رضي الله عنه - أنه قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسماً، فقلنا: ما أضحكـك يا رسـول الله ؟ قـال: أنزلت عليَّ آنفًا سورة، فقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم ). {إنَّا أعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} الحديث (رواه مسلم).
<marquee>* استحباب ترتيل القرآن وتحسين الصوت بالقراءة</marquee>:
أمر المولى عز وجل بترتيل كتابه، فقال عز من قائل: {وَرَتِّل الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} (المزمل:4)، والترتيل في القراءة: الترسل فيها والتبيين من غير بغي، وذلك بأن يوفي جميع الحروف حقها من الإشباع.
وقد كره السلف العجلة المفرطة؛ لأن مصلحة تدبر القرآن أولى من تكثير التلاوة في مدة أقصر لأجل تحصيل أجر أكبر. قال رجل لابن عباس: إني سريع القراءة، وإني أقرأ القرآن في ثلاث، فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة فأدّبرها وأرتلها؛ أحب إلي من أن أقرأ كما تقول"( ذكره ابن كثير في فضائل القرآن).
* <marquee>استحباب مد القراءة مع تحسين الصوت</marquee>:
وهـذا ثابـت عـن رسولنا - عليه الصلاة والسلام - فقد سئل أنس - رضي الله عنه - كيف كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: " كانت مدًا " ثم قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم.
وعن البراء - رضي الله عنه - قـال:" سمعـت رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) في العشاء، وما سمعت أحدًا أحسن صوتًا منه أو قراءة"(رواه البخاري). قال الإمام أحمد: يحسن القارئ صوته بالقرآن، ويقرؤه بحزن وتدبر. وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن "(رواه البخاري ومسلم). وفي حديث البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" زينوا أصواتكم بالقرآن "(رواه أبو داود وصححه الألبانى). والمراد: تطريبه وتحسينه والتخشع به.
* <marquee>البكاء عند تلاوة القرآن وسماعه</marquee>:
وكلاهما جاءت به السنة: فالأول: ما رواه عبدالله بن الشخير - رضي الله عنه - أنه قال: "أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل، يعني يبكي" (رواه أحمد و أبوداود والنسائي). وقال عبدالله بن شداد: "سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف، يقرأ: {إنَّمَا أشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى الله...}(يوسف:86)" ( أخرجه البخاري تعليقاً).
والثاني: ما رواه ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: " قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اقرأ عليَّ". قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل ؟ قال: "نعم". فقرأت سورة النساء حتى أتيت على هذه الآية {فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا...} (آية:41). قال: "حسبك الآن"، فالتفت إليه، فإذا عيناه تذرفان "( رواه البخاري).
* <marquee>استحباب الجهر بالقرآن إذا لم يترتب عليه مفسدة</marquee>:
جاءت آثار بفضيلة رفع الصوت بالقراءة، وآثار بفضيلة الإسرار. قال العلماء: والجمع بينهما أن الإسرار أبعد من الرياء، فهو أفضل في حق من يخاف ذلك، فإن لم يخف الرياء، فالجهر أفضل، بشـرط أن لا يـؤذي غيره من مصلٍ أو نائم أو غيرهما؛ لما روى أبو سعيد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتكف في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال: "ألا كلكم مناجٍ ربه فلا يؤذين بعضكم بعضًا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة"، أو قال: "في الصلاة"(رواه أبو داود وصححه الألباني). ودليل فضيلة الجهر: أن العمل فيه أكبر، ولأنه يتعدى نفعه إلى غيره، ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ولأنه يطرد النوم، ويزيد في النشاط، ويوقظ غيره من نائم أو غافل، وينشطه، فمتى حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل.
* <marquee>السنة الإمساك عن القراءة عند غلبة النعاس</marquee>:
والأصل في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "إذا قام أحدكم من الليل، فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول، فليضطجع"(رواه مسلم). ومعنى "استعجم القرآن عليه": أي: استغلق ولم ينطلق به لسانه. وقد جاءت علة النهي في حديث عائشة رضي الله عنها وفيه:"فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس، لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه"(رواه مسلم). وحتى يصان القرآن عن الهذرمة والكلام المعجم.
* <marquee>استحباب اتصال القراءة</marquee>:
فلا يقطعها إلا لأمر عارض، فعن نافع قال: "كان ابن عمر - رضي الله عنهما - إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، فأخذت عليـه يوماً، فقرأ سـورة البقرة حتـى انتهى إلى مكان. قال: تدري فيم أنزلت ؟ قلت: لا. قال: أنزلت في كذا وكذا. ثم مضى"(رواه البخاري). فلم يقطع ابن عمر التلاوة إلا لعبادة وهي نشر العلم.
* <marquee>من السنة أن يسبح القارئ عند آية التسبيح، ويتعوذ عند آية العذاب، ويسأل عند آية الرحمة: </marquee>ففي حديـث حذيفــة وصلاتــه مـع رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "... ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مسترسلاً، إذا مرَّ بآية تسبيح سبح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعوذ تعوذ..." الحديث (أخرجه مسلم). قال النووي: فيه استحباب هذه الأمور لكل قارئ في الصلاة وغيرها.
<marquee>* من السنة السجود عند المرور بآية سجدة: </marquee>
في كتاب الله خمس عشرة سجدة، فيسن لتالي القرآن إذا مر بها أن يسجد ويقول الذكر الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك: " اللهم احطط عني بها وزراً، واكتب لي بها أجراً، واجعلها لي عندك ذخراً"، وفي زيادة عند الترمذي: "وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود"( رواه الترمذي وابن ماجة واللفظ له وحسنه الألباني). أو يقول: "سجد وجهي لمن خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته"(رواه أبو داود وصححه الألباني).
وأخيراً على قارئ القرآن أن يختار المكان المناسب للقراءة، فيجلس في المكان النظيف الخالي من المشغلات، مستقبلاً القبلة، واضعاً عينه في المصحف؛ لأن النظر فيه عبادة، جعلنا الله وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، إنه جواد كريم.
منقول للفائدة تحياتي
<marquee>إعداد: محمد الحمّاد</marquee>
مدح الله تعالى كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو القرآن، فقال عز من قائل:{... وإنه لكتابعزيز* لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (فصلت:42،41)، وقال سبحانه:{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً} (الإسراء:10). فهو يهدي لأقوم الطرق وأوضح السبل؛ لذا حري بنا أن نلم بطرف من الآداب التي ينبغي لقارئ القرآن العمل بها والحرص عليها؛ حتى يحصل الانتفاع بالتلاوة، ويعظم الأجر، بإذن الله تعالى. فمن هذه الآداب:
* تحري الإخلاص عند تعلم القرآن وتلاوته:
قال النووي: فأول ما يؤمر به ـ أي القارئ ـ: الإخلاص في قراءته، وأن يريد بها وجه الله سبحانه وتعالى، وأن لا يقصد بها توصلاً إلى شيء سوى ذلك.
وفي حديث أبي هريرة (الذي ذكر فيه أول من تسعر بهم النار): "...ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به، فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.." (رواه مسلم).
* العمل بالقرآن:
بتحليل حلاله، وتحريم حرامه، والوقوف عند نهيه، والائتمار بأمره، والعمل بمحكمه، والإيمان بمتشابهه، وإقامة حدوده وحروفه.
* الحث على استذكار القرآن وتعاهده:
فعلى من يحفظ القرآن أو جزء منه أن يواظب على تلاوته ويجدد العهد به بملازمته، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيًا من الإبل في عقلها " (رواه البخاري). فمتى زال التعاهد زال الحفظ.
* لا تقل: نسيت، ولكن قل: أُنسيت، أو أَسقطت، أو نُسِّيت:
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بئس ما لأحدهم يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نُسي". وإنما نهي عن: نسيتها؛ لأنه يتضمن التساهل فيها والتغافل عنها.
* وجوب تدبر القرآن:
لقد أمر الله تعالى بتدبر كلامه فقال عز وجل: {أفَلاَ يَتَدَبَّـرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (النساء: 126). والتدبر هو التأمل في معانيه، وتحديق الفكر فيه وفي مبادئه وعواقبه، فإن في تدبر كتاب الله مفتاحاً للعلوم والمعارف، وبه يستنتج كل خير وتستخرج منه جميع العلوم. وبه يزداد الإيمان في القلب وترسخ شجرته، فبه يعرف الرب جل جلاله وما له من صفات كمال، وما الطريق الموصل إليه، وكلما ازداد العبد تأملاً فيه، ازداد علما وعملاً وبصيرة؛ ولذلك أمر الله بالتدبر وحث عليه.
وعلى هذا كان سير السلف، فقد روى الإمام أحمد عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل. قالوا: فتعلمنا العلم والعمل.
* لا يمس المصحف إلا طاهر:
الأصل فيه قوله تعالى: {لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}. والنهي عن مسه إلا لمتطهر جاء مصرحاً به في الكتاب الذي كتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم وفيه: (أن لا يمس القرآن إلا طاهر). فهو ليس كغيره من الكتب؛ لأنه كلام الله عز وجل، فينبغي صونه وتقديسه.
* استحباب تنظيف الفم بالسواك قبل التلاوة:
لأن القارئ لما كان مريداً لتلاوة كلام الله حسُن منه أن يطيب فمه وينظفه بالسواك أو بما يحصل به التنظيف. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على السواك وأكثر من ذلك، ومن أولى الأزمنة باستحباب السواك: عند قراءة القرآن، وقد يُستأنس لذلك بحديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام للتهجد من الليل يشوصُ فاه بالسواك "(رواه البخاري ومسلم).
* <marquee>من السنة الاستعاذة والبسملة عند التلاوة</marquee>:
فالاستعاذة لطرد الشيطان، وليكون بعيداً عن قلب المرء، ليحصل له التدبر والتفهم ومن ثم الانتفاع، قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (النحل:98).
أما البسملة: فقد روى أنس - رضي الله عنه - أنه قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسماً، فقلنا: ما أضحكـك يا رسـول الله ؟ قـال: أنزلت عليَّ آنفًا سورة، فقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم ). {إنَّا أعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} الحديث (رواه مسلم).
<marquee>* استحباب ترتيل القرآن وتحسين الصوت بالقراءة</marquee>:
أمر المولى عز وجل بترتيل كتابه، فقال عز من قائل: {وَرَتِّل الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} (المزمل:4)، والترتيل في القراءة: الترسل فيها والتبيين من غير بغي، وذلك بأن يوفي جميع الحروف حقها من الإشباع.
وقد كره السلف العجلة المفرطة؛ لأن مصلحة تدبر القرآن أولى من تكثير التلاوة في مدة أقصر لأجل تحصيل أجر أكبر. قال رجل لابن عباس: إني سريع القراءة، وإني أقرأ القرآن في ثلاث، فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة فأدّبرها وأرتلها؛ أحب إلي من أن أقرأ كما تقول"( ذكره ابن كثير في فضائل القرآن).
* <marquee>استحباب مد القراءة مع تحسين الصوت</marquee>:
وهـذا ثابـت عـن رسولنا - عليه الصلاة والسلام - فقد سئل أنس - رضي الله عنه - كيف كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: " كانت مدًا " ثم قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم.
وعن البراء - رضي الله عنه - قـال:" سمعـت رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) في العشاء، وما سمعت أحدًا أحسن صوتًا منه أو قراءة"(رواه البخاري). قال الإمام أحمد: يحسن القارئ صوته بالقرآن، ويقرؤه بحزن وتدبر. وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن "(رواه البخاري ومسلم). وفي حديث البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" زينوا أصواتكم بالقرآن "(رواه أبو داود وصححه الألبانى). والمراد: تطريبه وتحسينه والتخشع به.
* <marquee>البكاء عند تلاوة القرآن وسماعه</marquee>:
وكلاهما جاءت به السنة: فالأول: ما رواه عبدالله بن الشخير - رضي الله عنه - أنه قال: "أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل، يعني يبكي" (رواه أحمد و أبوداود والنسائي). وقال عبدالله بن شداد: "سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف، يقرأ: {إنَّمَا أشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى الله...}(يوسف:86)" ( أخرجه البخاري تعليقاً).
والثاني: ما رواه ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: " قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اقرأ عليَّ". قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل ؟ قال: "نعم". فقرأت سورة النساء حتى أتيت على هذه الآية {فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا...} (آية:41). قال: "حسبك الآن"، فالتفت إليه، فإذا عيناه تذرفان "( رواه البخاري).
* <marquee>استحباب الجهر بالقرآن إذا لم يترتب عليه مفسدة</marquee>:
جاءت آثار بفضيلة رفع الصوت بالقراءة، وآثار بفضيلة الإسرار. قال العلماء: والجمع بينهما أن الإسرار أبعد من الرياء، فهو أفضل في حق من يخاف ذلك، فإن لم يخف الرياء، فالجهر أفضل، بشـرط أن لا يـؤذي غيره من مصلٍ أو نائم أو غيرهما؛ لما روى أبو سعيد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتكف في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال: "ألا كلكم مناجٍ ربه فلا يؤذين بعضكم بعضًا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة"، أو قال: "في الصلاة"(رواه أبو داود وصححه الألباني). ودليل فضيلة الجهر: أن العمل فيه أكبر، ولأنه يتعدى نفعه إلى غيره، ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ولأنه يطرد النوم، ويزيد في النشاط، ويوقظ غيره من نائم أو غافل، وينشطه، فمتى حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل.
* <marquee>السنة الإمساك عن القراءة عند غلبة النعاس</marquee>:
والأصل في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "إذا قام أحدكم من الليل، فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول، فليضطجع"(رواه مسلم). ومعنى "استعجم القرآن عليه": أي: استغلق ولم ينطلق به لسانه. وقد جاءت علة النهي في حديث عائشة رضي الله عنها وفيه:"فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس، لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه"(رواه مسلم). وحتى يصان القرآن عن الهذرمة والكلام المعجم.
* <marquee>استحباب اتصال القراءة</marquee>:
فلا يقطعها إلا لأمر عارض، فعن نافع قال: "كان ابن عمر - رضي الله عنهما - إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، فأخذت عليـه يوماً، فقرأ سـورة البقرة حتـى انتهى إلى مكان. قال: تدري فيم أنزلت ؟ قلت: لا. قال: أنزلت في كذا وكذا. ثم مضى"(رواه البخاري). فلم يقطع ابن عمر التلاوة إلا لعبادة وهي نشر العلم.
* <marquee>من السنة أن يسبح القارئ عند آية التسبيح، ويتعوذ عند آية العذاب، ويسأل عند آية الرحمة: </marquee>ففي حديـث حذيفــة وصلاتــه مـع رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "... ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مسترسلاً، إذا مرَّ بآية تسبيح سبح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعوذ تعوذ..." الحديث (أخرجه مسلم). قال النووي: فيه استحباب هذه الأمور لكل قارئ في الصلاة وغيرها.
<marquee>* من السنة السجود عند المرور بآية سجدة: </marquee>
في كتاب الله خمس عشرة سجدة، فيسن لتالي القرآن إذا مر بها أن يسجد ويقول الذكر الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك: " اللهم احطط عني بها وزراً، واكتب لي بها أجراً، واجعلها لي عندك ذخراً"، وفي زيادة عند الترمذي: "وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود"( رواه الترمذي وابن ماجة واللفظ له وحسنه الألباني). أو يقول: "سجد وجهي لمن خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته"(رواه أبو داود وصححه الألباني).
وأخيراً على قارئ القرآن أن يختار المكان المناسب للقراءة، فيجلس في المكان النظيف الخالي من المشغلات، مستقبلاً القبلة، واضعاً عينه في المصحف؛ لأن النظر فيه عبادة، جعلنا الله وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، إنه جواد كريم.
منقول للفائدة تحياتي