سنا البرق
29 Sep 2004, 05:50 AM
<span style='color:seagreen'><div align="center">
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دخلت يومًا على والدتي .. فإذا هي حزينة مهمومة مطأطئة الرأس وهى تردّد لا حول ولا قوّة إلا بالله ..إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
فاقتربت منها و أنا أُقبّل رأسها ... ماذا بك ؟
قالت:هذه المسكينة التي تنام بالداخل جارتنا كان الله في عونها؛ لقد طُرِدت البارحة كالعادة في آخر الليل .. ضربها وطردها.
كعادته هذا الزوج اللّئيم ...
فعلمت منها
أنّ هذه الزوجة تئنّ تحت وطأة زوج لئيم، تشتكي و تعاني من سوء في معاملته، و قسوة خلقه، و غلظ طبعه، و كثرة تهديده ووعيده، وعدم استقامة في دينه؛ يرتكب المعاصي في بيتها يعيّرها، يهدّدها .كم مرّة ضربها! وكم مرّة عن أهلها منعها! وكم مرّة على وجهها صفعها! وقد ارتبطت معه بأولاد.
أصبحت أسيرة في بيته؛ لا تملك حلا ولا عقدًا فتشتكي إلى من؟
تشتكي إلى الله، والله يسمع تحاورهما إنّ الله سميع بصير؛ فتبحث عن علاج هنا وهناك؛ فلا تجد إلا الصّبر تزيّن به حياتها، وتجمّل به علاقتها بزوجها، وتتصبّر بقول الله عز وجل: (...لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً...)[الطلاق: من الآية1]
تُضرب وتصبر..تعاني وتصبر... تفرّ إلى جيرانها خوفًا من أنْ يراها أبناؤها، وهى صابرة محتسبة ..
ثم تعود إلى بيتها .. لتُضرب وتصبر ..
فقلت يا سبحان الله ...
إنّك لا تحصي الذين يشتكون من أحوالهم ؛فهذا موظّف يتبرّم من عمله، وهذا تاجر يتبرّم من تجارته، وهذا رجل تحت مسؤول ظلوم، أو تحت ضغط اجتماعيّ لا يراعيه، وهذا مهموم بدين أثقلت كاهله المطالب.
وهذا مريض يعاني من مرض يتعبه ويؤرّقه، ليله صراخ وأنين، لا يهنأ بنوم، ولا يهدأ بدواء. يخبره الأطباء أنّ مرضه لا شفاء له، و لا حيلة فيه، وحالته ميؤوس منها ؛فيطرق بابًا من … يطرق باب الله، ويتصبّر بقول الله عز وجل :(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُو...)َ [الأنعام: من الآية17]
يتصبّر بقول الله : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء:80]
يتصبّر بقول النبي عليه الصلاة والسلام: "ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفّر الله بها سيئاته كما تحطّ الشجرة ورقها"
وهذه أم تعاني من حرقة العقوق..فقد ابتليت بأبناء هجروها
لا زيارة ولامهاتفة ولا متابعة بل تجرّأ أحدهم وقام بإيداعها في
المستشفى وتركها دون أنْ يكلّف نفسه بالسؤال عنها ستة أشهر وهى في المستشفى ولم يأت أحدهم لاستلامها ،حتى قامت إدارة المستشفى بتحويلها لدار رعاية المسنين بعد أنْ انقطعت السبل للاتصال بأبنائها الذين صرفتهم الدنيا عنها، ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
هذا مشغول في تجارته،وهذا في مزرعته، وهذا منصرف قلبه إلى زوجته؛ فيطول هجرهم وتعاني مرارة حرمانهم وعقوقهم.
فتشتكي إلى من؟
تشتكي إلى الله وهي تنادي وتحدث نفسها : أ هكذا تنكرون الجميل؟ أ هكذا تعاملون من رعتكم خير رعاية، و خدمتكم أعظم خدمة ؟ أنسيتم كم من الليالي سهرت لأجلكم؟!أنسيتم كم من الأيّام مرضت لمرضكم؟!
أيّ قلوب تحملون بعد ما احدودب ظهري وارتعشت أطرافي؟!
وأنهكتني الأمراض؛ لا أقوم إلا بصعوبة، ولا أجلس إلا بمشقّة.
لكنّ قلبي.. لا يزال ينبض بمحبتكم
يا بني.. لو أكرمك شخص يومًا لأثنيت على حسن صنيعه وجميل إحسانه، فما بالكم بمن أحسنَتْ إليكم، وخدمَتْكم سنوات؟ فأين الجزاء، أين الجزاء والوفاء؟!
هل أخطأت يوما في معاملتكم؟ هل قصّرت لحظة في خدمتكم؟ إنني لا أطلب عطفًا ولا مالا لكنني أريد فقط رؤيتكم…
لا أريد سوى ذلك!
لقد تفطّر قلبي، وسالت مدامعي، أما آن لقلوبكم أنْ ترقّ لامرأة ضعيفة
أضناها الشوق وألجمها الحزن حتى أصبح الهمّ يلازمها؟!
أين أنتم من حديث نبيكم عليه الصلاة والسلام: "...أمك ثم أمك ثم أمك"!
أما تخافون من الله؟! أما تخافون من الله ؟!
والله إنّي أخاف عليكم.... والله إنّي أخاف عليكم.
وأشتكي إلى الله فسامحكم الله... وغفر لكم الله... وصبر جميل
لا تسألوني أين هم، عن وصلهم عن قربهم، عن حزنهم لمصيبتي؟
قطعوا حبال الوصل حتى أشعلوا
ناراً بقلبي من جحيم اللوعةِ
وجميعنا نحكي الهموم بدمعنا
ونرفع الشكوى لرب العزةِ
فتتصبّر على أمل أنْ تراهم قبل ألا تستطيع أنْ تراهم ...
وهذه عانس تأخّر زواجها تصرخ في كل ليل، وتناجي ربها ،ودمع العين يسبق همسها. فكم طارقٍ قد جاء إلى البيت خاطبًا! فكان من أهلها التعذّر الذي يقهر؛ فأصبحت سجينة في بيتها، وقلبها في كل ليل يتفطّر وتناجي ربها بلسان حالها
سأصبر حتى يعجز الصّبر عن صبري وأصبر حتى يأذن الله في أمري
وأصبر حتى يعلم الصّبر أنّني صبرت على شيء أمرّ من الصّبر
مصائب تعدّدت .. والعلاج واحد .. معاناة تنوّعت ودواؤها واحد.
إنّه الصّبر ..إنّه الصّبر.
فهذه الحياة لا تقوم إلا على الصّبر،والمصائب علاجها لا يكون إلا بالصّبر.
وهذا عقيم بذل كل الأسباب وطرق كل الأبواب يواجه الحياة وحيدًا فريدًا بلا ولد ولا عون ولا مساعدة يشعر أنّ الحياة مظلمة جدا يدخل بيته، وهو يشعر كأنّه يدخل قبرًا ليس فيه صِياح الأطفال ولا صُراخهم، ولا نداؤهم له ،بل ولا تخريبهم الذي يتمنّاه ويتخيّله، فبذَل كل الأسباب، وطرق كل الأبواب سائلا عن كل علاج؛ فيشتكي إلى الله وهو يتذكر (...يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)[الشورى:49ـ50]
يتصبّر وهو على يقين أنّ الله إذا أخّر شيئًا مما يريده فإنما يؤخّره لحكمة فهو أحكم الحاكمين.
فيفاجأ من أهل زوجته وعشيرته وهم يطالبونه أنْ يفارق زوجته أنيسته وسكنه، وهم يردّدون : أنت عقيم؛فلا تحرمها معك! رغمًا عنه وإكراهًا منه؛ فيضيّقون عليه ويشتكونه إلى المحاكم حتى يحلّ الفراق فيطلقها بقلب منفطر فتأتيه حزينة مقبلة تشكره على أخلاقه طوال فترة بقائه معها وتدعو له بالتوفيق مع غيرها، وتوصيه بالصّبر؛ فيوافق مكرها على فراقها ولسان حاله :
جاءت تودّعني والهمّ يفتــك بي
والقلب من حرّ ما يلقاه مُنْفطِرُ
والعيُن تستر دمعًا لا مثـــيل له
لكنّه في زوايا القلب ينحـدرُ
قالت: أليس فِراقي اليوم من وَجَـل
ألست مني ؟ إنّي فيك أفتـخرُ
ما كنت أرغب في هذا الفِراق ولا
أسعى إليه وإنْ يُهلكنيَ القـدرُ
قالت وقالت ولم أصغِ لمنطــقها
ماذا يفيد إذا حلّ النوى الهـذر؟ُ
حلّ الوداع ففاض الدّمع مـن حرق
ودمع قلبي فوق القلب ينهمـرُ
عليك مني سلام لا أكــــدّره
بالوصل إنّي عن التّكدير أنزجرُ
حلّ الفِراق فقولي: كيف حالُكُــمُ
بعد الفِراق وهل يأتي لكم خبرُ؟
فأيّ علاج كان عونّا لهذين الزوجين؟! إنّه علاج المصائب ..
إنّه الصّبر على هذا المصير،الصّبر على قضاء الله وقدره ..
وإلا لن تستمرّ الحياة، ولن يستمدّ العون من الله ...
وهذا داعية …. داعية إلى الله
دعا قومه ليلا ونهارًا وسرًا وجهارًا .. واستخدم كل أسلوب، وسلك كل طريق؛ فربما تأخّرت الإجابة وربما لقي السُّخرية والاستهزاء ؛فهو محتاج إلى الصّبر ليعلم أنّ الابتلاء سُنّة منذ عهد الأنبياء …. محتاج إلى الصبر ..
ليعلم أنّ الطريق طويل..تعب فيه آدم.. جاهد فيه نوح.. وأُلقي في النار إبراهيم.. واضطجع للذّبح إسماعيل.. وشُقّ بالمنشار زكريا، وقاسى الضُّر أيوب ، واتهم بالسّحر والجنون نبي الله الكريم، وكُسِرت رُباعيّته، وشُجّ رأسه وقُتِل عمر مطعونًا .
فالشاهد أنّه في النّهاية لا سبيل إلا الصّبر..
ولذلك يقول عمر رضي الله عنه :"أدركنا أفضلَ عيشنا بالصّبر"،يعني ما طابت الحياة إلا بالصّبر مع ما فيها من المنغّصات والشّدائد، فهكذا يكون الدّاعية محتاجًا إلى الصبر ليعلم أنّه لا نجاح إلا مع الصّبر ؛فمن لا صبر له لا إيمان له …
إنّ الحياة بالصبر تبدو وتغدو جميلة بكل ما فيها من المحن والمصائب والمشاكل
إنّه علاج المصائب...
إنّه علاج الحالات المستعصية التي ينتظر فيها الفرج من الله.
فيا من ابتليت بمصيبة اصبر...ويا من تشتكى شكوى اصبر.
وتذكر العلاج…علاج المصائب…علاج المُلِمّات…
(...إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة:156]
بلسم شافٍ واطمئنان كافٍ .
فالمؤمن بنظرته الصّادقة، بنظرته المتّزنة، بنظرته الملتزمة التي تؤكّد له ألا يجزع عند مصيبة، وألا ييأس عند ضائقة، وألا يبطر عند نعمة وهو على يقين أن الله جعل لكل شيء قدْرًا ، له وقت لا يتخطّاه وزمن لا يتعدّاه...
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:153]
منقول من موقع الإسلام اليــــــــــــــوم .
</div></span>
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دخلت يومًا على والدتي .. فإذا هي حزينة مهمومة مطأطئة الرأس وهى تردّد لا حول ولا قوّة إلا بالله ..إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
فاقتربت منها و أنا أُقبّل رأسها ... ماذا بك ؟
قالت:هذه المسكينة التي تنام بالداخل جارتنا كان الله في عونها؛ لقد طُرِدت البارحة كالعادة في آخر الليل .. ضربها وطردها.
كعادته هذا الزوج اللّئيم ...
فعلمت منها
أنّ هذه الزوجة تئنّ تحت وطأة زوج لئيم، تشتكي و تعاني من سوء في معاملته، و قسوة خلقه، و غلظ طبعه، و كثرة تهديده ووعيده، وعدم استقامة في دينه؛ يرتكب المعاصي في بيتها يعيّرها، يهدّدها .كم مرّة ضربها! وكم مرّة عن أهلها منعها! وكم مرّة على وجهها صفعها! وقد ارتبطت معه بأولاد.
أصبحت أسيرة في بيته؛ لا تملك حلا ولا عقدًا فتشتكي إلى من؟
تشتكي إلى الله، والله يسمع تحاورهما إنّ الله سميع بصير؛ فتبحث عن علاج هنا وهناك؛ فلا تجد إلا الصّبر تزيّن به حياتها، وتجمّل به علاقتها بزوجها، وتتصبّر بقول الله عز وجل: (...لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً...)[الطلاق: من الآية1]
تُضرب وتصبر..تعاني وتصبر... تفرّ إلى جيرانها خوفًا من أنْ يراها أبناؤها، وهى صابرة محتسبة ..
ثم تعود إلى بيتها .. لتُضرب وتصبر ..
فقلت يا سبحان الله ...
إنّك لا تحصي الذين يشتكون من أحوالهم ؛فهذا موظّف يتبرّم من عمله، وهذا تاجر يتبرّم من تجارته، وهذا رجل تحت مسؤول ظلوم، أو تحت ضغط اجتماعيّ لا يراعيه، وهذا مهموم بدين أثقلت كاهله المطالب.
وهذا مريض يعاني من مرض يتعبه ويؤرّقه، ليله صراخ وأنين، لا يهنأ بنوم، ولا يهدأ بدواء. يخبره الأطباء أنّ مرضه لا شفاء له، و لا حيلة فيه، وحالته ميؤوس منها ؛فيطرق بابًا من … يطرق باب الله، ويتصبّر بقول الله عز وجل :(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُو...)َ [الأنعام: من الآية17]
يتصبّر بقول الله : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء:80]
يتصبّر بقول النبي عليه الصلاة والسلام: "ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفّر الله بها سيئاته كما تحطّ الشجرة ورقها"
وهذه أم تعاني من حرقة العقوق..فقد ابتليت بأبناء هجروها
لا زيارة ولامهاتفة ولا متابعة بل تجرّأ أحدهم وقام بإيداعها في
المستشفى وتركها دون أنْ يكلّف نفسه بالسؤال عنها ستة أشهر وهى في المستشفى ولم يأت أحدهم لاستلامها ،حتى قامت إدارة المستشفى بتحويلها لدار رعاية المسنين بعد أنْ انقطعت السبل للاتصال بأبنائها الذين صرفتهم الدنيا عنها، ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
هذا مشغول في تجارته،وهذا في مزرعته، وهذا منصرف قلبه إلى زوجته؛ فيطول هجرهم وتعاني مرارة حرمانهم وعقوقهم.
فتشتكي إلى من؟
تشتكي إلى الله وهي تنادي وتحدث نفسها : أ هكذا تنكرون الجميل؟ أ هكذا تعاملون من رعتكم خير رعاية، و خدمتكم أعظم خدمة ؟ أنسيتم كم من الليالي سهرت لأجلكم؟!أنسيتم كم من الأيّام مرضت لمرضكم؟!
أيّ قلوب تحملون بعد ما احدودب ظهري وارتعشت أطرافي؟!
وأنهكتني الأمراض؛ لا أقوم إلا بصعوبة، ولا أجلس إلا بمشقّة.
لكنّ قلبي.. لا يزال ينبض بمحبتكم
يا بني.. لو أكرمك شخص يومًا لأثنيت على حسن صنيعه وجميل إحسانه، فما بالكم بمن أحسنَتْ إليكم، وخدمَتْكم سنوات؟ فأين الجزاء، أين الجزاء والوفاء؟!
هل أخطأت يوما في معاملتكم؟ هل قصّرت لحظة في خدمتكم؟ إنني لا أطلب عطفًا ولا مالا لكنني أريد فقط رؤيتكم…
لا أريد سوى ذلك!
لقد تفطّر قلبي، وسالت مدامعي، أما آن لقلوبكم أنْ ترقّ لامرأة ضعيفة
أضناها الشوق وألجمها الحزن حتى أصبح الهمّ يلازمها؟!
أين أنتم من حديث نبيكم عليه الصلاة والسلام: "...أمك ثم أمك ثم أمك"!
أما تخافون من الله؟! أما تخافون من الله ؟!
والله إنّي أخاف عليكم.... والله إنّي أخاف عليكم.
وأشتكي إلى الله فسامحكم الله... وغفر لكم الله... وصبر جميل
لا تسألوني أين هم، عن وصلهم عن قربهم، عن حزنهم لمصيبتي؟
قطعوا حبال الوصل حتى أشعلوا
ناراً بقلبي من جحيم اللوعةِ
وجميعنا نحكي الهموم بدمعنا
ونرفع الشكوى لرب العزةِ
فتتصبّر على أمل أنْ تراهم قبل ألا تستطيع أنْ تراهم ...
وهذه عانس تأخّر زواجها تصرخ في كل ليل، وتناجي ربها ،ودمع العين يسبق همسها. فكم طارقٍ قد جاء إلى البيت خاطبًا! فكان من أهلها التعذّر الذي يقهر؛ فأصبحت سجينة في بيتها، وقلبها في كل ليل يتفطّر وتناجي ربها بلسان حالها
سأصبر حتى يعجز الصّبر عن صبري وأصبر حتى يأذن الله في أمري
وأصبر حتى يعلم الصّبر أنّني صبرت على شيء أمرّ من الصّبر
مصائب تعدّدت .. والعلاج واحد .. معاناة تنوّعت ودواؤها واحد.
إنّه الصّبر ..إنّه الصّبر.
فهذه الحياة لا تقوم إلا على الصّبر،والمصائب علاجها لا يكون إلا بالصّبر.
وهذا عقيم بذل كل الأسباب وطرق كل الأبواب يواجه الحياة وحيدًا فريدًا بلا ولد ولا عون ولا مساعدة يشعر أنّ الحياة مظلمة جدا يدخل بيته، وهو يشعر كأنّه يدخل قبرًا ليس فيه صِياح الأطفال ولا صُراخهم، ولا نداؤهم له ،بل ولا تخريبهم الذي يتمنّاه ويتخيّله، فبذَل كل الأسباب، وطرق كل الأبواب سائلا عن كل علاج؛ فيشتكي إلى الله وهو يتذكر (...يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)[الشورى:49ـ50]
يتصبّر وهو على يقين أنّ الله إذا أخّر شيئًا مما يريده فإنما يؤخّره لحكمة فهو أحكم الحاكمين.
فيفاجأ من أهل زوجته وعشيرته وهم يطالبونه أنْ يفارق زوجته أنيسته وسكنه، وهم يردّدون : أنت عقيم؛فلا تحرمها معك! رغمًا عنه وإكراهًا منه؛ فيضيّقون عليه ويشتكونه إلى المحاكم حتى يحلّ الفراق فيطلقها بقلب منفطر فتأتيه حزينة مقبلة تشكره على أخلاقه طوال فترة بقائه معها وتدعو له بالتوفيق مع غيرها، وتوصيه بالصّبر؛ فيوافق مكرها على فراقها ولسان حاله :
جاءت تودّعني والهمّ يفتــك بي
والقلب من حرّ ما يلقاه مُنْفطِرُ
والعيُن تستر دمعًا لا مثـــيل له
لكنّه في زوايا القلب ينحـدرُ
قالت: أليس فِراقي اليوم من وَجَـل
ألست مني ؟ إنّي فيك أفتـخرُ
ما كنت أرغب في هذا الفِراق ولا
أسعى إليه وإنْ يُهلكنيَ القـدرُ
قالت وقالت ولم أصغِ لمنطــقها
ماذا يفيد إذا حلّ النوى الهـذر؟ُ
حلّ الوداع ففاض الدّمع مـن حرق
ودمع قلبي فوق القلب ينهمـرُ
عليك مني سلام لا أكــــدّره
بالوصل إنّي عن التّكدير أنزجرُ
حلّ الفِراق فقولي: كيف حالُكُــمُ
بعد الفِراق وهل يأتي لكم خبرُ؟
فأيّ علاج كان عونّا لهذين الزوجين؟! إنّه علاج المصائب ..
إنّه الصّبر على هذا المصير،الصّبر على قضاء الله وقدره ..
وإلا لن تستمرّ الحياة، ولن يستمدّ العون من الله ...
وهذا داعية …. داعية إلى الله
دعا قومه ليلا ونهارًا وسرًا وجهارًا .. واستخدم كل أسلوب، وسلك كل طريق؛ فربما تأخّرت الإجابة وربما لقي السُّخرية والاستهزاء ؛فهو محتاج إلى الصّبر ليعلم أنّ الابتلاء سُنّة منذ عهد الأنبياء …. محتاج إلى الصبر ..
ليعلم أنّ الطريق طويل..تعب فيه آدم.. جاهد فيه نوح.. وأُلقي في النار إبراهيم.. واضطجع للذّبح إسماعيل.. وشُقّ بالمنشار زكريا، وقاسى الضُّر أيوب ، واتهم بالسّحر والجنون نبي الله الكريم، وكُسِرت رُباعيّته، وشُجّ رأسه وقُتِل عمر مطعونًا .
فالشاهد أنّه في النّهاية لا سبيل إلا الصّبر..
ولذلك يقول عمر رضي الله عنه :"أدركنا أفضلَ عيشنا بالصّبر"،يعني ما طابت الحياة إلا بالصّبر مع ما فيها من المنغّصات والشّدائد، فهكذا يكون الدّاعية محتاجًا إلى الصبر ليعلم أنّه لا نجاح إلا مع الصّبر ؛فمن لا صبر له لا إيمان له …
إنّ الحياة بالصبر تبدو وتغدو جميلة بكل ما فيها من المحن والمصائب والمشاكل
إنّه علاج المصائب...
إنّه علاج الحالات المستعصية التي ينتظر فيها الفرج من الله.
فيا من ابتليت بمصيبة اصبر...ويا من تشتكى شكوى اصبر.
وتذكر العلاج…علاج المصائب…علاج المُلِمّات…
(...إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة:156]
بلسم شافٍ واطمئنان كافٍ .
فالمؤمن بنظرته الصّادقة، بنظرته المتّزنة، بنظرته الملتزمة التي تؤكّد له ألا يجزع عند مصيبة، وألا ييأس عند ضائقة، وألا يبطر عند نعمة وهو على يقين أن الله جعل لكل شيء قدْرًا ، له وقت لا يتخطّاه وزمن لا يتعدّاه...
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:153]
منقول من موقع الإسلام اليــــــــــــــوم .
</div></span>