أبولؤى
30 Jul 2010, 09:40 AM
دماء المسلمين لم تجف في البوسنة !!
جرائم الإبادة في البوسنة 1992/1995 م نهر من الدماء وجبل من الأشلاء، لا تنضب على كثرة الكتابة، ولا تنتهي مهما كثر نبشها وتواصل عرضها، وقد صدرت العديد من الكتب التي تتحدث عن جرائم الإبادة في البوسنة، ولكنها كانت كتابات مجتزئة، تتحدث عن أحداث متفرقة، وفترات زمنية محددة، وما شابه ذلك. غير أنه في المدة الأخيرة صدر العديد من الكتب الأكثر شمولية، والأشد عناية بالتفاصيل الموثقة، من بينها كتاب "اللعنة عليهم" للكاتب الصحفي البوسني الذي يروي "فصولاً من شلالات الدم في شرق البوسنة، أو بتعبيره "الجرائم المقترفة بحق البوشناق في شرق البوسنة".
يقع الكتاب الذي قدم له الكاتب الكبير فاطمير علي صباهيتش، ورئيس تحرير مجلة الصف سابقا، كمال باكوفيتش، في 400 صفحة من القطع المتوسط، ولقي قبولاً كبيراً في الساحتين الحقوقيية والإعلامية. ونظمت أكثر من حلقة نقاش حول ما تضمنه الكتاب، وما خلص إليه من خلال تحليل العدوان ونتائجه. وقد قسمه مؤلفه إلى جزأين، تحدث في أولهما عن كيفية حدوث العدوان، ومن نظم جرائم الإبادة، وكيف جرى تنفيذها جرائم في شرق البوسنة، بالإضافة إلى شهادات الضحايا وأسماء مجرمي الحرب.
وفي الجزء الثاني تحدث المؤلف عن عدد الضحايا بالأسماء والمعتقلات الجماعية وضحاياها، بما في ذلك المغتصبات اللاتي يشير الكاتب إلى أن عددهن بلغ 30 ألف ضحية. إضافة للحديث عن المقابر الجماعية التي بلغ عددها 103 مقابر. بينما أشار إلى أن عدد المفقودين يصل إلى 29 ألف مفقود وفق اللجنة البوسنية للبحث عن المفقودين التي يرأسها عمر ماشوفيتش. (يزيدون الآن عن 27 ألف مفقود) كما تحدث عن تداعيات تلك الجرائم سياسياً وسكانياً"ديمغرافياً" واجتماعياً.
ركز المؤلف على المناطق التي حدثت فيها الإبادات الأشد هولاً، ليملأ فراغاً كبيراً في تغطية الأحداث الدموية التي شهدتها تلك الربوع أثناء العدوان على المسلمين في البوسنة والهرسك. حيث تحدث الكاتب بالتفصيل عن المذابح وجرائم الاغتصاب في 12 إقليماً لينتهي إلى أن عدد الذين قتلوا في المناطق المذكورة بلغ 30 ألف نسمة، وفقا لتقديرات معهد جرائم الحرب في سراييفو، والذي يديره الدكتور اسماعيل تشاكيتش.
ويثبت الكاتب أن جرائم الإبادة التي تمت في البوسنة، لم تكن صدفة، ولا نتيجة لانهيار يوغسلافيا السابقة، بل تعود إلى مشروع صربي قديم، تم وضعه سنة 1989م وتم إحياؤه في سنة 1992 للسيطرة على يوغسلافيا، وجعل بقية الشعوب مواطنين من الدرجة العاشرة. ولم يكن أمام البوسنيين ولا سيما المسلمين منهم سوى الدفاع عن وجودهم في وجه الإبادة. حيث أن مشروع صربيا الكبرى، تم التأسيس له في سنة 1844م في تشاركينايا، وقامت أكاديمية العلوم الصربية في ثمانينيات القرن الماضي بوضع اللمسات الأخيرة عليه، وباشرت المؤسستان السياسية والعسكرية في عهد ميلوشيفيتش بتنفيذه في تسعينيات القرن الماضي وتحديداً سنة 1991 وبلغ ذلك التنفيذ أوجه في 1992م.
ورغم أن سريبرينتسا التي قتل فيها التشتنيك الصرب أكثر من 10 آلاف نسمة خلال بضعة أيام، وهي أيضا في شرق البوسنة، فإن الكتاب، لم يتناولها،لأن ملف سريبرينتسا –كما يقول المؤلف-ثقيل جداً، ويحتاج إلى معالجة خاصة، وقد صدرت عدة كتب وأعمال ثقافية، روايات، ودراما، وأوبرا، وغير ذلك عن مأساة سريبرينتسا.
وقد جمع الكاتب أسماء مجرمي الحرب المتورطين في جرائم الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وفق تقسيمات محكمة العدل الدولية، في شرق البوسنة، وهم 1018 مجرم حرب، مع أسماء ضحاياهم. وهو ياسف لأنه من بين مئات المجرمين الذين اقترفوا أبشع الجرائم في شرق البوسنة، لم يحاكم سوى 50 مجرما فقط في كل من لاهاي والبوسنة. ويصف "العقوبات" التي تلقاها المجرمون المدانون بـ"الرمزية" ويضرب أمثلة كثيرة على ذلك، منها ما حصل مع مجرم الحرب غويكو باتكوفيتش، الذي حُكِم عليه بالسجن مدة 34 سنة، في فوتشا (شرق البوسنة نحو 90 كيلومتر شرق سراييفو) لكنه يقضي العقوبة في بيته (في فوتشا) فالذين يديرون السجن، ومن يقودون الشرطة، ومن يهيمنون على القضاء، هم رفاقه القدامى.
كما حكم على رايكو ورانكو فوكوفيتش بالسجن مدة 12 سنة لكل منهما، بعد إدانتهما بجرائم القتل والاغتصاب الجماعي، وهما الآن طليقان كما أطلق عدد كبير من المتهمين بارتكاب جرائم حرب، بعد قضاء فترة قصيرة بالسجون، لأسباب.
ويرى الكاتب أنه لا يوجد اهتمام كافٍ حتى من قبل المسؤولين الذين ينتمون عرقياً وثقافياً للضحايا، ويتهم الجهات الدولية بأنها لم تبذل ما فيه الكفاية لإعادة المهجرين إلى ديارهم، من خلال توفير مستلزمات الحياة، المفقودة حالياً. كما يتهم الصرب بالمحافظة على نتائج الإبادة من خلال، إقفار المناطق التي كانت عامرة وجعل الحياة فيها مستحيلة. إلى جانب غض الطرف عن الجرائم التي ترتكبها بعض المنظمات الصربية، كمنظمة التشتينيك التي أعيد بناؤها تحت سمع وبصر الجهات الدولية رغم صفتها الإرهابية، ولم يحرك الغرب ساكناً. بل إن الكاتب يوجه اتهامات لبعض الأطراف بأنها لا تعمل على حل قضية المهجرين لأسباب انتخابية، فالمهجرين يصوتون لهم في مناطق الفيدرالية.
ومن الأسباب التي يعدها المؤلف أكبر العراقيل التي تمنع عودة المسلمين إلى شرق البوسنة، بشكل يهدد استمرار البوسنة متعددة الأعراق والاثنيات، ولا سيما المناطق الشرقية، عدم توفر الكهرباء والماء، والمراكز الصحية والمستشفيات والمستوصفات، وعدم وجود مدارس في أكثر تلك المناطق، وعدم توفر فرص عمل لمن يرغب في العودة.
ويشير الكاتب إلى أن عدداً قليلاً من المهجرين فقط عادوا إلى مناطق شرق البوسنة، معظمهم من كبار السن. ويؤكد على أن الصرب يحاولون الاستفادة من الوضع الحالي، من خلال الدعوة إلى إجراء إحصاء سكاني، قبل استكمال عودة المهجرين، وذلك لأسباب سياسية. فحسب قانون الانتخابات يتم توزيع المناصب السياسية وفق التقسيم الديمغرافي في آخر إحصاء للسكان. ومنذ 1991 م أي قبل العدوان بسنة لم يجر أي إحصاء للسكان. ولأن عدداً كبيراً من المسلمين قد قتلوا أو هجروا ولم يعودوا إلى مناطقهم فإن الصرب يعملون على استغلال نتائج الإبادة لتحقيق مكاسب سياسية تتمثل في الاستحواذ على المناصب التي يشغلها البوشناق المسلمون في مناطق السيطرة الصربية، أو ما يطلق عليه "جمهورية صربسكا" والتي تقع على 49 % من مساحة البوسنة والهرسك.
12/4/1431 هـ
من كتاب: "اللعنة عليهم" للكاتب: أنس دجونوزوفيتش.
الطبعة: 2009 - الناشر: جمعية "الشبان المسلمون" بالبوسنة.
جرائم الإبادة في البوسنة 1992/1995 م نهر من الدماء وجبل من الأشلاء، لا تنضب على كثرة الكتابة، ولا تنتهي مهما كثر نبشها وتواصل عرضها، وقد صدرت العديد من الكتب التي تتحدث عن جرائم الإبادة في البوسنة، ولكنها كانت كتابات مجتزئة، تتحدث عن أحداث متفرقة، وفترات زمنية محددة، وما شابه ذلك. غير أنه في المدة الأخيرة صدر العديد من الكتب الأكثر شمولية، والأشد عناية بالتفاصيل الموثقة، من بينها كتاب "اللعنة عليهم" للكاتب الصحفي البوسني الذي يروي "فصولاً من شلالات الدم في شرق البوسنة، أو بتعبيره "الجرائم المقترفة بحق البوشناق في شرق البوسنة".
يقع الكتاب الذي قدم له الكاتب الكبير فاطمير علي صباهيتش، ورئيس تحرير مجلة الصف سابقا، كمال باكوفيتش، في 400 صفحة من القطع المتوسط، ولقي قبولاً كبيراً في الساحتين الحقوقيية والإعلامية. ونظمت أكثر من حلقة نقاش حول ما تضمنه الكتاب، وما خلص إليه من خلال تحليل العدوان ونتائجه. وقد قسمه مؤلفه إلى جزأين، تحدث في أولهما عن كيفية حدوث العدوان، ومن نظم جرائم الإبادة، وكيف جرى تنفيذها جرائم في شرق البوسنة، بالإضافة إلى شهادات الضحايا وأسماء مجرمي الحرب.
وفي الجزء الثاني تحدث المؤلف عن عدد الضحايا بالأسماء والمعتقلات الجماعية وضحاياها، بما في ذلك المغتصبات اللاتي يشير الكاتب إلى أن عددهن بلغ 30 ألف ضحية. إضافة للحديث عن المقابر الجماعية التي بلغ عددها 103 مقابر. بينما أشار إلى أن عدد المفقودين يصل إلى 29 ألف مفقود وفق اللجنة البوسنية للبحث عن المفقودين التي يرأسها عمر ماشوفيتش. (يزيدون الآن عن 27 ألف مفقود) كما تحدث عن تداعيات تلك الجرائم سياسياً وسكانياً"ديمغرافياً" واجتماعياً.
ركز المؤلف على المناطق التي حدثت فيها الإبادات الأشد هولاً، ليملأ فراغاً كبيراً في تغطية الأحداث الدموية التي شهدتها تلك الربوع أثناء العدوان على المسلمين في البوسنة والهرسك. حيث تحدث الكاتب بالتفصيل عن المذابح وجرائم الاغتصاب في 12 إقليماً لينتهي إلى أن عدد الذين قتلوا في المناطق المذكورة بلغ 30 ألف نسمة، وفقا لتقديرات معهد جرائم الحرب في سراييفو، والذي يديره الدكتور اسماعيل تشاكيتش.
ويثبت الكاتب أن جرائم الإبادة التي تمت في البوسنة، لم تكن صدفة، ولا نتيجة لانهيار يوغسلافيا السابقة، بل تعود إلى مشروع صربي قديم، تم وضعه سنة 1989م وتم إحياؤه في سنة 1992 للسيطرة على يوغسلافيا، وجعل بقية الشعوب مواطنين من الدرجة العاشرة. ولم يكن أمام البوسنيين ولا سيما المسلمين منهم سوى الدفاع عن وجودهم في وجه الإبادة. حيث أن مشروع صربيا الكبرى، تم التأسيس له في سنة 1844م في تشاركينايا، وقامت أكاديمية العلوم الصربية في ثمانينيات القرن الماضي بوضع اللمسات الأخيرة عليه، وباشرت المؤسستان السياسية والعسكرية في عهد ميلوشيفيتش بتنفيذه في تسعينيات القرن الماضي وتحديداً سنة 1991 وبلغ ذلك التنفيذ أوجه في 1992م.
ورغم أن سريبرينتسا التي قتل فيها التشتنيك الصرب أكثر من 10 آلاف نسمة خلال بضعة أيام، وهي أيضا في شرق البوسنة، فإن الكتاب، لم يتناولها،لأن ملف سريبرينتسا –كما يقول المؤلف-ثقيل جداً، ويحتاج إلى معالجة خاصة، وقد صدرت عدة كتب وأعمال ثقافية، روايات، ودراما، وأوبرا، وغير ذلك عن مأساة سريبرينتسا.
وقد جمع الكاتب أسماء مجرمي الحرب المتورطين في جرائم الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وفق تقسيمات محكمة العدل الدولية، في شرق البوسنة، وهم 1018 مجرم حرب، مع أسماء ضحاياهم. وهو ياسف لأنه من بين مئات المجرمين الذين اقترفوا أبشع الجرائم في شرق البوسنة، لم يحاكم سوى 50 مجرما فقط في كل من لاهاي والبوسنة. ويصف "العقوبات" التي تلقاها المجرمون المدانون بـ"الرمزية" ويضرب أمثلة كثيرة على ذلك، منها ما حصل مع مجرم الحرب غويكو باتكوفيتش، الذي حُكِم عليه بالسجن مدة 34 سنة، في فوتشا (شرق البوسنة نحو 90 كيلومتر شرق سراييفو) لكنه يقضي العقوبة في بيته (في فوتشا) فالذين يديرون السجن، ومن يقودون الشرطة، ومن يهيمنون على القضاء، هم رفاقه القدامى.
كما حكم على رايكو ورانكو فوكوفيتش بالسجن مدة 12 سنة لكل منهما، بعد إدانتهما بجرائم القتل والاغتصاب الجماعي، وهما الآن طليقان كما أطلق عدد كبير من المتهمين بارتكاب جرائم حرب، بعد قضاء فترة قصيرة بالسجون، لأسباب.
ويرى الكاتب أنه لا يوجد اهتمام كافٍ حتى من قبل المسؤولين الذين ينتمون عرقياً وثقافياً للضحايا، ويتهم الجهات الدولية بأنها لم تبذل ما فيه الكفاية لإعادة المهجرين إلى ديارهم، من خلال توفير مستلزمات الحياة، المفقودة حالياً. كما يتهم الصرب بالمحافظة على نتائج الإبادة من خلال، إقفار المناطق التي كانت عامرة وجعل الحياة فيها مستحيلة. إلى جانب غض الطرف عن الجرائم التي ترتكبها بعض المنظمات الصربية، كمنظمة التشتينيك التي أعيد بناؤها تحت سمع وبصر الجهات الدولية رغم صفتها الإرهابية، ولم يحرك الغرب ساكناً. بل إن الكاتب يوجه اتهامات لبعض الأطراف بأنها لا تعمل على حل قضية المهجرين لأسباب انتخابية، فالمهجرين يصوتون لهم في مناطق الفيدرالية.
ومن الأسباب التي يعدها المؤلف أكبر العراقيل التي تمنع عودة المسلمين إلى شرق البوسنة، بشكل يهدد استمرار البوسنة متعددة الأعراق والاثنيات، ولا سيما المناطق الشرقية، عدم توفر الكهرباء والماء، والمراكز الصحية والمستشفيات والمستوصفات، وعدم وجود مدارس في أكثر تلك المناطق، وعدم توفر فرص عمل لمن يرغب في العودة.
ويشير الكاتب إلى أن عدداً قليلاً من المهجرين فقط عادوا إلى مناطق شرق البوسنة، معظمهم من كبار السن. ويؤكد على أن الصرب يحاولون الاستفادة من الوضع الحالي، من خلال الدعوة إلى إجراء إحصاء سكاني، قبل استكمال عودة المهجرين، وذلك لأسباب سياسية. فحسب قانون الانتخابات يتم توزيع المناصب السياسية وفق التقسيم الديمغرافي في آخر إحصاء للسكان. ومنذ 1991 م أي قبل العدوان بسنة لم يجر أي إحصاء للسكان. ولأن عدداً كبيراً من المسلمين قد قتلوا أو هجروا ولم يعودوا إلى مناطقهم فإن الصرب يعملون على استغلال نتائج الإبادة لتحقيق مكاسب سياسية تتمثل في الاستحواذ على المناصب التي يشغلها البوشناق المسلمون في مناطق السيطرة الصربية، أو ما يطلق عليه "جمهورية صربسكا" والتي تقع على 49 % من مساحة البوسنة والهرسك.
12/4/1431 هـ
من كتاب: "اللعنة عليهم" للكاتب: أنس دجونوزوفيتش.
الطبعة: 2009 - الناشر: جمعية "الشبان المسلمون" بالبوسنة.