النعمانى
07 Aug 2010, 10:00 AM
كتبه/ أحمد شكري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فإن للقلب قبلة يجب عليه أن يتوجه إليها، كما أن للبدن قبلة، فلو صلى إنسان مثلاً ألف ركعة وهو مولٍ ظهره للقبلة فإنها لا تغني عنه شيئاً، كذلك مهما قام الإنسان بالعبادات والطاعات في رمضان من صيام وقيام وقراءة قرآن وغيرها فإنها لا تحدث الأثر المطلوب، إلا إذا كان القلب متوجهاً إلى قبلته.
وقِبلَة القلب التي ينبغي أن يتوجه إليها هي أن يكون أكبر همه إرضاء الله -عز وجل- والفوز بالجنة والنجاة من النار؛ ولذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه).
أي إن الحرص على المال والحرص على الشرف والوجاهة والمكانة بين الناس دليل على تحوُّل القلب عن القبلة التي ينبغي أن يتوجه إليها، وساعتها يفسد عليه دينه وعبادته التي قام بها.
ولذلك قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- لبعض التابعين: "لأنتم أشد اجتهاداً من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولكنهم كانوا أفضل منكم لأنهم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة".
فإذا كانت الفضيلة العظيمة لرمضان أنه تفتح فيه أبواب الجنة وتزين للراغبين، فلابد أصلاً أن تتوفر هذه الرغبة في الصائم القائم حتى يستفيد من هذه الفضيلة.
والسؤال الآن: كيف أقيس مدى تعلق قلبي بالدنيا؟ وهل مكانها فيه أكبر من الآخرة أم لا؟
لاشك أن هذا سؤال هام لأننا نبذل مجهوداً في الطاعات والعبادات في رمضان، فلا نريد أن يذهب هذا المجهود هباءاً.
فالعاقل هو الحريص على أن يستفيد أكبر استفادة ممكنة من كل مجهود يبذله، وتعلق القلب بالدنيا يحرمه من ذلك، وبناءاً عليه فلابد أولاً من تشخيص المرض، وتحديد مدى تغلغله في القلب، ثم بذل أقصى الجهد في علاجه حتى تسلم لنا طاعاتنا وعبادتنا في رمضان.
ولتعلق القلب بالدنيا علامات كثيرة، ودرجات متفاوتة تظهر مثلاً في:
1- الدعاء: فالله -عز وجل- ذم أناساً على طلبهم للدنيا ليس لكون الدعاء بأمور الدنيا حراماً، أو حتى مكروهاً، بل لأنهم لا يطلبون غيرها، قال -تعالى-: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (البقرة:200-201).
فلو حاسبنا أنفسنا فوجدنا اجتهاداً في الدعاء لتفريج كربات الدنيا، وطلب شئ من أعراضها أكثر من اجتهادنا وتضرعنا في تفريج كربات الآخرة وطلب الجنة والنجاة من النار، فإن هذا من تعلق القلب بالدنيا، والعياذ بالله.
2- وتظهر أيضاً في الفرح والحزن: فمثلاًَ كلنا يعلم قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)، فإذا فاتتنا ركعتا الفجر وضاع منا مثلاً مبلغ من المال، أو فرصة من التجارة، أو وظيفة مرموقة لا شك أننا جميعاً سنحزن للأمرين، ولكن أي الحزنين أشد.
وكذلك الفرح: فمثلاً الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لأن أقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس)، فهل نفرح بتوفيق الله لنا أن سبحناه أو ذكرناه كما نفرح بشهوات الدنيا وملذاتها إذا أقبلت علينا؟
3- ويظهر أيضاً مدى تعلق القلب بالدنيا في الأفكار والخواطر، كما قال ابن القيم -رحمه الله-: (تفقد قلبك عند ثلاث: عند قراءة القرآن وعند الصلاة وعند الخلوة إذا كنت وحدك).
فما هي الأفكار التي تهجم على ذهنك، هل هي في نصرة الدين ونشر الدعوة، ونيل الثواب وتحصيل الأجر، أم هي في تحصيل الدنيا والتوسعة على النفس في الشهوات حتى وإن كانت مباحة؟
وإذا كان الواحد منا مفرِّط في العبادة والطاعة طوال العام، وهو ينتظر شهر رمضان بفارغ الصبر حتى يعوِّض هذا التقصير المتواصل، فلابد إذن أن يكون أكبر همه كيفية الاستفادة من هذه الطاعات والعبادات، فإذا علم أن تعلق قلبه بالدنيا من أكبر العوائق بينه وبين ثمرة هذه العبادات جَدَّ في إزالته، وهذه هي أول خطوة في علاج أي مرض وحل أي مشكلة وهو إدراك مدى خطورته وكمّ الضرر المترتب عليه.
إن من تعلق قلبه بالدنيا لن يستفيد من قراءة القرآن، وحسبك بذلك عقوبة!! ولذلك أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يُعرِض عنهم قال -تعالى-: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) (النجم:29-30)، فلا يستفيد منه إلا من كانت الآخرة أكبر همه قال -تعالى-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ)(هود: 103).
ولذلك أمر الله -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن ينذر هؤلاء فقال: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ)(قّ: من الآية45)، وقال أيضاً: (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الأنعام:51)
وكذلك الصلاة فإنه لن ينتفع منها؛ فالصلاة التي لا يذكر العبد فيها الآخرة بلسانه صلاة باطلة، أعني قوله في الفاتحة (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، وكذلك إذا لم يذكر الآخرة بقلبه فأنى له أن يخشع أو يحضر قلبه، ولذلك لا يكون الخشوع في الصلاة إلا بالإقبال على الآخرة قال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة:45-46)
ولذلك فقد ينصرف الإنسان منا من صلاته وما كتب له منها إلا عشرها؛ لأنه إنما كان منشغلاً بالدنيا في تسعة أعشار صلاته، ولم يُقبِل على الآخرة إلا في عُشرها.
ولذلك يذكر ابن القيم وغيره من العلماء أن الالتفات في الصلاة نوعان: التفات بالبصر، والتفات بالقلب، وهو أن يكون حب الدنيا متوغل في القلب حتى أنه لا يستطيع أن يفكر في غيرها، والعياذ بالله.
وللحديث بقية إن شاء الله.
www.salafvoice.com (http://www.salafvoice.com/)
موقع صوت السلف (http://www.salafvoice.com/)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فإن للقلب قبلة يجب عليه أن يتوجه إليها، كما أن للبدن قبلة، فلو صلى إنسان مثلاً ألف ركعة وهو مولٍ ظهره للقبلة فإنها لا تغني عنه شيئاً، كذلك مهما قام الإنسان بالعبادات والطاعات في رمضان من صيام وقيام وقراءة قرآن وغيرها فإنها لا تحدث الأثر المطلوب، إلا إذا كان القلب متوجهاً إلى قبلته.
وقِبلَة القلب التي ينبغي أن يتوجه إليها هي أن يكون أكبر همه إرضاء الله -عز وجل- والفوز بالجنة والنجاة من النار؛ ولذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه).
أي إن الحرص على المال والحرص على الشرف والوجاهة والمكانة بين الناس دليل على تحوُّل القلب عن القبلة التي ينبغي أن يتوجه إليها، وساعتها يفسد عليه دينه وعبادته التي قام بها.
ولذلك قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- لبعض التابعين: "لأنتم أشد اجتهاداً من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولكنهم كانوا أفضل منكم لأنهم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة".
فإذا كانت الفضيلة العظيمة لرمضان أنه تفتح فيه أبواب الجنة وتزين للراغبين، فلابد أصلاً أن تتوفر هذه الرغبة في الصائم القائم حتى يستفيد من هذه الفضيلة.
والسؤال الآن: كيف أقيس مدى تعلق قلبي بالدنيا؟ وهل مكانها فيه أكبر من الآخرة أم لا؟
لاشك أن هذا سؤال هام لأننا نبذل مجهوداً في الطاعات والعبادات في رمضان، فلا نريد أن يذهب هذا المجهود هباءاً.
فالعاقل هو الحريص على أن يستفيد أكبر استفادة ممكنة من كل مجهود يبذله، وتعلق القلب بالدنيا يحرمه من ذلك، وبناءاً عليه فلابد أولاً من تشخيص المرض، وتحديد مدى تغلغله في القلب، ثم بذل أقصى الجهد في علاجه حتى تسلم لنا طاعاتنا وعبادتنا في رمضان.
ولتعلق القلب بالدنيا علامات كثيرة، ودرجات متفاوتة تظهر مثلاً في:
1- الدعاء: فالله -عز وجل- ذم أناساً على طلبهم للدنيا ليس لكون الدعاء بأمور الدنيا حراماً، أو حتى مكروهاً، بل لأنهم لا يطلبون غيرها، قال -تعالى-: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (البقرة:200-201).
فلو حاسبنا أنفسنا فوجدنا اجتهاداً في الدعاء لتفريج كربات الدنيا، وطلب شئ من أعراضها أكثر من اجتهادنا وتضرعنا في تفريج كربات الآخرة وطلب الجنة والنجاة من النار، فإن هذا من تعلق القلب بالدنيا، والعياذ بالله.
2- وتظهر أيضاً في الفرح والحزن: فمثلاًَ كلنا يعلم قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)، فإذا فاتتنا ركعتا الفجر وضاع منا مثلاً مبلغ من المال، أو فرصة من التجارة، أو وظيفة مرموقة لا شك أننا جميعاً سنحزن للأمرين، ولكن أي الحزنين أشد.
وكذلك الفرح: فمثلاً الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لأن أقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس)، فهل نفرح بتوفيق الله لنا أن سبحناه أو ذكرناه كما نفرح بشهوات الدنيا وملذاتها إذا أقبلت علينا؟
3- ويظهر أيضاً مدى تعلق القلب بالدنيا في الأفكار والخواطر، كما قال ابن القيم -رحمه الله-: (تفقد قلبك عند ثلاث: عند قراءة القرآن وعند الصلاة وعند الخلوة إذا كنت وحدك).
فما هي الأفكار التي تهجم على ذهنك، هل هي في نصرة الدين ونشر الدعوة، ونيل الثواب وتحصيل الأجر، أم هي في تحصيل الدنيا والتوسعة على النفس في الشهوات حتى وإن كانت مباحة؟
وإذا كان الواحد منا مفرِّط في العبادة والطاعة طوال العام، وهو ينتظر شهر رمضان بفارغ الصبر حتى يعوِّض هذا التقصير المتواصل، فلابد إذن أن يكون أكبر همه كيفية الاستفادة من هذه الطاعات والعبادات، فإذا علم أن تعلق قلبه بالدنيا من أكبر العوائق بينه وبين ثمرة هذه العبادات جَدَّ في إزالته، وهذه هي أول خطوة في علاج أي مرض وحل أي مشكلة وهو إدراك مدى خطورته وكمّ الضرر المترتب عليه.
إن من تعلق قلبه بالدنيا لن يستفيد من قراءة القرآن، وحسبك بذلك عقوبة!! ولذلك أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يُعرِض عنهم قال -تعالى-: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) (النجم:29-30)، فلا يستفيد منه إلا من كانت الآخرة أكبر همه قال -تعالى-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ)(هود: 103).
ولذلك أمر الله -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن ينذر هؤلاء فقال: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ)(قّ: من الآية45)، وقال أيضاً: (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الأنعام:51)
وكذلك الصلاة فإنه لن ينتفع منها؛ فالصلاة التي لا يذكر العبد فيها الآخرة بلسانه صلاة باطلة، أعني قوله في الفاتحة (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، وكذلك إذا لم يذكر الآخرة بقلبه فأنى له أن يخشع أو يحضر قلبه، ولذلك لا يكون الخشوع في الصلاة إلا بالإقبال على الآخرة قال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة:45-46)
ولذلك فقد ينصرف الإنسان منا من صلاته وما كتب له منها إلا عشرها؛ لأنه إنما كان منشغلاً بالدنيا في تسعة أعشار صلاته، ولم يُقبِل على الآخرة إلا في عُشرها.
ولذلك يذكر ابن القيم وغيره من العلماء أن الالتفات في الصلاة نوعان: التفات بالبصر، والتفات بالقلب، وهو أن يكون حب الدنيا متوغل في القلب حتى أنه لا يستطيع أن يفكر في غيرها، والعياذ بالله.
وللحديث بقية إن شاء الله.
www.salafvoice.com (http://www.salafvoice.com/)
موقع صوت السلف (http://www.salafvoice.com/)