المنذر
22 Aug 2010, 04:49 PM
بحث رادع صافع ملجم حول ثبوت الولاية وسقوطها عمن حكم بغير ما انزل الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,
هذه المسألة كثر حولها الجدل و المعارك والنزاع و مثل هذه المسائل من المسائل
الدقيقة التى يجب الرجوع فيها للعلماء المعتبيرين
فهذا بحث فى المسالة مدعم بالادلة من الكتاب و السنة والاجماع وكلام الائمة لحسم مادة النزاع و قطع نزغات الشيطان عن من يتكلم بدون علم
فإنه لمن الفتنة والابتلاء أن يؤخر الإنسان ليعيش في مثل هذا الزمان ، الذي انتشرت فيه الفتن بجميع أنواعها لبعده عن منهج النبوة فأطلت الفتنة برأسها ، ولم تعدم من يعجب بها ، بل ومن يتدين بها ، بل ومن يسعى في نشرها في أوساط المسلمين بأنها هي الصواب وما سواها باطل وضلال . هذه الطائفة قد تلاعب بها الشيطان ولبس عليهم
فضلوا وأضلوا كثير
وحملوا على عاتقهم فى العالم اثارة هذه القضية والكلام على اولياء الامور!!!!!!!! حتى غلا بعضهم وقال ان الدول التى احتلها الكفار اولياء الامور فيها هم الكفارالامريكان والروس واليهود اولياء الامور
اذا لابد ان تستأذنه فى الجهاد والمقاومة وتتجند فى جيشة ضد المقاومة
هذا شيء لا يوصف ليس.. ما له وصف من تلاعب الشيطان بهذه الطائفة وهذا شغلهم الشاغل
ما راينا منهم رد على اهل الكفر والزندقة والبدع والمعاصى...
بأسهم علينا فقط,,... خذلان والله
واذا ما وجهوا بما يفعله الحكام أخذوا يبرروا ما يصنعون
ناهيك عن فرح المخابرات الامريكية بهم والسعى لتصدرهم لهدم الدين
وتلقف حكومات النفاق لهم واستبشارهم بالفكر الجديد
فهذا بحث فريد أعده طالب علم من تلامذة الشيخ برهامى
وقد عرضه عليه وأقره الشيخ
وكون من جزئين اسماه شبهان حول الحكم بما انزل الله
اجتزأت منه خصوص الكلام على سقوط ولاية من يحكم بما انزل الله من رده على شبهاتهم العشر
وقبل ان يهجموا علينا باتهام
بين الباحث مرات ان من كان له عذر منهم فى عدم التكفير
اتبعناه لاشتراطنا ثبوت الشروط وانتفاء الموانع
كما ننبه على أن مطلق كلام الائمة المنقول فى البحث مقيد بمراعاة المصالح وعجز المسلمين
كما نبهالباحث
فنشير لشفافية الموضوع وخطرة فالنتأمل البحث جيدا
قال حفظه الله
الشبهة التاسعة :
قولهم بإمامة الحكام بغير ما أنزل الله ووجوب السمع والطاعة لهم حتى يكفروا عينًا .
بل إن بعضهم يبالغ فيوجب ذلك حتى مع الكافر عينًا .
والجواب عن ذلك :
أننا نؤمن أن من تولى بمقتضى الدساتير والقوانين الوضعية أنهم ليسوا ولاة أمور شرعيين ، مسلمين كانوا أو كفارًا ، أقيمت عليهم الحجة أو لم تُقم ، بل هم أنفسهم لا يقولون عن أنفسهم أنهم ولاة أمور شرعيون، ولم يدَّعوا يومًا أنهم أخذوا بيعة من أحد ، بل ما هو إلا قسم يقسم عليه أناس أغلبهم من الفسقة والمنافقين في تثبيت ملك كبيرهم ، يقسمون فيه على احترام الدستور وسيادة القانون ، فهل يقول عاقل فضلاَ عن عالم أن هذه بيعة ، بل وينسبها للشرع ؟؟!!
فلسنا هنا بصدد الحديث عن إسلام فلان أو كفر علان ، إنما نرد على من نصَّب محاربي الدين ولاية الأمر ، وألبس مغتصبي البلاد والعباد حلل الخلافة ، مستخدماً في ذلك النصوص على غير مرادقائليها ، ومُنـزلها على غير الواقع الذي قيلت فيه ، فنوضح له بالأدلة الشرعيةوالعقلية أن هؤلاء الحكام ليسوا من الإمامة الشرعية في شيء ، وأن إسلامهم وكفرهملا علاقة له بصحة إمامتهم في هذه الحالة ..
فإن المتغلب بالسيف تثبت له الولاية الشرعية ، مع أن هذه الطريقة ليست بالطريقة الشرعية، إذ إن العلماء حرموها ، ولكنهم قالوا أنه لو حدث وقهر ذو الشوكة المسلمين بالسيفنثبت له الولاية الشرعية لأجل مصلحة المسلمين من حفظ دينهم وأعراضهم ودمائهم ،فطالما أن هذا المتغلب ستتحقق منه المقاصد الشرعية من الإمامة من إقامة للدين وسياسة للدنيا به ، وطالما أنه سيقود الأمة بكتاب الله وسيقيم في الأمة الصلاة ؛لذلك ستثبت له الإمامة الشرعية بهذه الطريقة غير المأذون فيها شرعاً .
أماإن كان المتغلب قد تغلب وقهر المسلمين وليس في قهره لهم أي تحقيق لمقاصد الإمامة ،بل في قهره لهم تضييع لمقاصد الإمامة وتضييع لمصالح المسلمين وإبعادهم عن دينهموإجبارهم على التحاكم بشرع الكفار ، فهو يقود الأمة بأحكام الكافرين ، ولا يقيمفيهم الصلاة ، ويحملهم على البعد عن دين الله حملاً ، فلا يقول عالم بل عاقل بأن هذا المتغلب سنحكم له بالولاية الشرعية لا سيما أنه انتزعها بغير حق وبطريق غيرشرعي .
والعمدة في ذلك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أمر عليكم عبد مجدع يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا)) (رواه مسلم) ، وفي رواية للترمذي وأحمد: ((ما أقام لكم كتاب الله)) . فشرط لصحة الإمامة أن يحكم بشرع الله وإن كان فاسقاً .
وعلى ذلك تحمل الأحاديث المطلقة الواردة في طاعة الأئمة مثل حديث حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس)). قال : قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال : ((تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)) (رواه مسلم)
قال البغوي رحمه الله :
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : حقٌّ على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة ، فإذا فعل ذلك فحق على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا . (معالم التنزيل 2/240)
قال النووي رحمهالله :
فأمر صلى الله عليه وسلم بطاعة ولي الأمر ولو كان بهذه الخساسة ما دام يقودنا بكتاب الله تعالى ، قال العلماء معناه ما داموا متمسكين بالإسلام والدعاءإلى كتاب الله تعالى على أي حال كانوا في أنفسهم وأديانهم وأخلاقهم . (شرح النووي على مسلم : 4/422)
وكذلك فإن الأنظمة المدنية الحديثة تقسم السلطات إلى تشريعية وقضائية وتنفيذية ، بخلاف النظام الإسلامي الذي يجعل لولي الأمر سلطات تشمل جوانب متعددة ولا قيد عليها إلا التزام شرع الله تعالى ، فمتى قلنا عن الأنظمة المدنية أنهم ولاة أمور بالمعنى الشرعي ، فهل يجوز لنا شرعًا مقاضاتهم -وهم يجيزون ذلك- ؟؟ أم أننا سنمتنع من مقاضاتهم شرعًا وإن سمحوا هم به ؟ ، كالذي رأى أن من يرشح نفسه للرئاسة خارج عن الإمام وإن كان النظام المدني يفتخر فيه رئيس الدولة بتطبيق الديموقراطية وخوض انتخابات تعددية !!
لذلك نقول أن المتغلب بالقهر لا تثبت الإمامة له بهذا التغلب المجرد، وإنما ينبغي أن تراعَى مقاصد الإمامة في ذلك ، وإلا للزمنا القول بإمامةقطاع الطرق الذين يقهرون الناس إمامة شرعية ، فلو أن عصابة قامت بالهجوم على قريةمن القرى النائية واستطاعوا أن يقهروا أهلها فإنهم سيكونون بهذا التغلب المجرد أئمةشرعيين تجب لهم الطاعة في أعناق أهل القرية ، وينبغي على أهل القرية أن يصبرواعليهم وإن أخذوا مالهم وجلدوا ظهورهم لأنهم متغلبين ، ولم يقل بذلك عاقل ، فماالفرق إذن بين هؤلاء وهؤلاء ؟!! الجواب : لا فرق ..
هذا هو محل الخلاف الحقيقي . فنحن لا نختلف في حكم إمامة المتغلب ، ولكن لا يجوز تعميمها على الذين استولوا على بلاد الله ليقودوا الناس إلى الهاوية لا بكتاب الله ،وهذا شرط واضح قد قاله النبي صلى الله عليه وسلم وشرحه العلماء .
ومما يؤكد ما قلناهما ذكره النووي رحمه الله في شرح حديث حذيفة في الفتن ، إذ قال رحمه الله :
قوله صلى الله عليه وسلم : ((دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)) ، قال العلماء : هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة . (شرح صحيح مسلم : 6/37)
فتأمل كيف حكم على الخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة أنهم دعاة على أبواب جهنم لا يسمع لهم ويطاع ، مع ما كان فيه بعض هؤلاء من تغلب على بعض البلاد الإسلامية ، فتأمل حال مبتدعة زماننا ممن يظاهرون الدعاة على أبواب جهنم !!
...
ولنتأمل فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في التتار ، إذ نقل الإجماع على وجوب قتالهم ، لعدم التزامهم ببعض الشرائع ، مع نطقهم للشهادتين ظاهرًا . مع التنبيه على أنه لم يحكم لجميعهم بالكفر بل نقل أن فيهم الفاسق والمبتدع والزنديق . وسيأتي بيان حكم الطائفة الممتنعة مفصلاً من كلام شيخ الإسلام رحمه الله ..
سئل رحمه الله : ما تقول الفقهاء أئمة الدين في هؤلاء التتار الذين قدموا سنة تسع وتسعين وستمائة ، وفعلوا ما اشتهر من قتل المسلمين وسبي بعض الذراري والنهب لمن وجدوه من المسلمين ، وهتكوا حرمات الدين من إذلال المسلمين وإهانة المساجد لا سيما بيت المقدس) وأفسدوا فيه وأخذوا من أموال المسلمين وأموال بيت المال الحمل العظيم وأسروا من رجال المسلمين الجم الغفير وأخرجوهم من أوطانهم ، وادعوا مع ذلك التمسك بالشهادتين وادعوا تحريم قتال مقاتلهم لما زعموا من اتباع أصل الإسلام ولكونهم عَفَوْا عن استئصال المسلمين . فهل يجوز قتالهم أو يجب وأيما كان فمن أي الوجوه جوازه أو وجوبه ؟ أفتونا مأجورين .
فأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم ، فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه ، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه ، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة . وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما ، فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام عملا بالكتاب والسنة . وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج ، وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة مع قوله : ((تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم)) .
فعُلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال . فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله وحتى لا تكون فتنة . فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب .
فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج ، أو عن التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا والميسر أو عن نكاح ذوات المحارم ، أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته - التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها - التي يكفر الجاحد لوجوبها ، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها ، وهذا ما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء . وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة إذا أصرت على ترك بعض السنن كركعتي الفجر والأذان والإقامة - عند من لا يقول بوجوبهما - ونحو ذلك من الشعائر . هل تقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا ؟. فأما الواجبات والمحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها .
وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة الخارجين على الإمام أو الخارجين عن طاعته ؛ كأهل الشام مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه . فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معين أو خارجون عليه لإزالة ولايته ، وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام ؛ بمنزلة مانعي الزكاة وبمنزلة الخوارج الذين قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه . ولهذا افترقت سيرة علي رضي الله عنه في قتاله لأهل البصرة والشام وفي قتاله لأهل النهروان ، فكانت سيرته مع أهل البصرة والشاميين سيرة الأخ مع أخيه ومع الخوارج بخلاف ذلك . وثبتت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بما استقر عليه إجماع الصحابة من قتال الصديق وقتال الخوارج ، بخلاف الفتنة الواقعة مع أهل الشام والبصرة ؛ فإن النصوص دلت فيها بما دلت والصحابة والتابعون اختلفوا فيها . على أن من الفقهاء الأئمة من يرى أن أهل البغي الذين يجب قتالهم هم الخارجون على الإمام بتأويل سائغ ؛ لا الخارجون عن طاعته . وآخرون يجعلون القسمين بغاة . وبين البغاة والتتار فرق بين . فأما الذين لا يلتزمون شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة ؛ فلا أعلم في وجوب قتالهم خلافا .
فإذا تقررت هذه القاعدة فهؤلاء القوم المسئول عنهم عسكرهم مشتمل على قوم كفار من النصارى والمشركين ، وعلى قوم منتسبين إلى الإسلام - وهم جمهور العسكر - ينطقون بالشهادتين إذا طلبت منهم ويعظمون الرسول ، وليس فيهم من يصلي إلا قليلًا جدا ، وصوم رمضان أكثر فيهم من الصلاة ، والمسلم عندهم أعظم من غيره ، وللصالحين من المسلمين عندهم قدر ، وعندهم من الإسلام بعضه وهم متفاوتون فيه . لكن الذي عليه عامتهم والذي يقاتلون عليه متضمن لترك كثير من شرائع الإسلام أو أكثرها ؛ فإنهم لا يوجبون الإسلام ولا يقاتلون من تركه ؛ بل من قاتل على دولة المغول عظموه وتركوه وإن كان كافرًا عدوا لله ورسوله ، وكل من خرج عن دولة المغول أو عليها استحلوا قتاله وإن كان من خيار المسلمين ، فلا يجاهدون الكفار ولا يلزمون أهل الكتاب بالجزية والصغار ، ولا ينهون أحدا من عسكرهم أن يعبد ما شاء من شمس أو قمر أو غير ذلك ، بل الظاهر من سيرتهم أن المسلم عندهم بمنزلة العدل أو الرجل الصالح أو المتطوع في المسلمين ، والكافر عندهم بمنزلة الفاسق في المسلمين أو بمنزلة تارك التطوع . وكذلك أيضا عامتهم لا يحرمون دماء المسلمين وأموالهم ؛ إلا أن ينهاهم عنها سلطانهم أي لا يلتزمون تركها ، وإذا نهاهم عنها أو عن غيرها أطاعوه لكونه سلطانا لا بمجرد الدين . وعامتهم لا يلتزمون أداء الواجبات ؛ لا من الصلاة ولا من الزكاة ولا من الحج ولا غير ذلك . ولا يلتزمون الحكم بينهم بحكم الله ؛ بل يحكمون بأوضاع لهم توافق الإسلام تارة وتخالفه أخرى . وإنما كان الملتزم لشرائع الإسلام الشيزبرون وهو الذي أظهر من شرائع الإسلام ما استفاض عند الناس . وأما هؤلاء فدخلوا فيه وما التزموا شرائعه . وقتال هذا الضرب واجب بإجماع المسلمين ، وما يشك في ذلك من عرف دين الإسلام وعرف حقيقة أمرهم ؛ فإن هذا السِّلم الذي هم عليه ودين الإسلام لا يجتمعان أبدا . وإذا كان الأكراد والأعراب وغيرهم من أهل البوادي الذين لا يلتزمون شريعة الإسلام يجب قتالهم وإن لم يتعد ضررهم إلى أهل الأمصار فكيف بهؤلاء ؟.
نعم يجب أن يسلك في قتاله المسلك الشرعي من دعائهم إلى التزام شرائع الإسلام إن لم تكن الدعوة إلى الشرائع قد بلغتهم ، كما كان الكافر الحربي يدعى أولا إلى الشهادتين إن لم تكن الدعوة قد بلغته . فإن اتفق من يقاتلهم على الوجه الكامل فهو الغاية في رضوان الله وإعزاز كلمته وإقامة دينه وطاعة رسوله ، وإن كان فيهم من فيه فجور وفساد نية بأن يكون يقاتل على الرياسة أو يتعدى عليهم في بعض الأمور وكانت مفسدة ترك قتالهم أعظم على الدين من مفسدة قتالهم على هذا الوجه : كان الواجب أيضا قتالهم دفعا لأعظم المفسدتين بالتزام أدناهما ؛ فإن هذا من أصول الإسلام التي ينبغي مراعاتها . ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة الغزو مع كل بر وفاجر ؛ فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه إذا لم يتفق الغزو إلا مع الأمراء الفجار أو مع عسكر كثير الفجور ، فإنه لا بد من أحد أمرين ؛ إما ترك الغزو معهم فيلزم من ذلك استيلاء الآخرين الذين هم أعظم ضررا في الدين والدنيا ، وإما الغزو مع الأمير الفاجر فيحصل بذلك دفع الأفجرين وإقامة أكثر شرائع الإسلام وإن لم يمكن إقامة جميعها . فهذا هو الواجب في هذه الصورة وكل ما أشبهها ؛ بل كثير من الغزو الحاصل بعد الخلفاء الراشدين لم يقع إلا على هذا الوجه . وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة : الأجر والمغنم)) ، فهذا الحديث الصحيح يدل على معنى ما رواه أبو داود في سننه من قوله صلى الله عليه وسلم : ((الغزو ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل)) وما استفاض عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة)) إلى غير ذلك من النصوص التي اتفق أهل السنة والجماعة من جميع الطوائف على العمل بها في جهاد من يستحق الجهاد مع الأمراء أبرارهم وفجارهم ؛ بخلاف الرافضة والخوارج الخارجين عن السنة والجماعة ، هذا مع إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه : ((سيلي أمراء ظلمة خونة فجرة ، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم فليس مني ولست منه ولا يرد علي الحوض . ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه . وسيرد علي الحوض)) .
فإذا أحاط المرء علما بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد الذي يقوم به الأمراء إلى يوم القيامة وبما نهى عنه من إعانة الظلمة على ظلمهم ، علم أن الطريقة الوسطى التي هي دين الإسلام المحض جهاد من يستحق الجهاد كهؤلاء القوم المسئول عنهم مع كل أمير وطائفة هي أولى بالإسلام منهم إذا لم يمكن جهادهم إلا كذلك ، واجتناب إعانة الطائفة التي يغزو معها على شيء من معاصي الله ، بل يطيعهم في طاعة الله ولا يطيعهم في معصية الله إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . وهذه طريقة خيار هذه الأمة قديما وحديثا . وهي واجبة على كل مكلف . وهي متوسطة بين طريق الحرورية وأمثالهم ممن يسلك مسلك الورع الفاسد الناشئ عن قلة العلم وبين طريقة المرجئة وأمثالهم ممن يسلك مسلك طاعة الأمراء مطلقا وإن لم يكونوا أبرارا . ونسأل الله أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لما يحبه ويرضاه من القول والعمل . والله أعلم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . (مجموع الفتاوى : 28/502-508)
يتبين لنا من فتوى شيخ الإسلام هذه ما يلي :
1- أن التتار مع تغلبهم لم يعتبرهم أحد من أهل العلم ولاة أمور واجبي الطاعة .
2- الإجماع على وجوب قتال التتار ومن هم على شاكلتهم في الامتناع عن التزام بعض شرائع الدين كالعلمانيين .
3- أن قتالهم واجب حتى مع أئمة الجور ؛ لأنهم أولى بالإسلام منهم .
4- أن شيخ الإسلام رحمه الله جعل حكم هؤلاء المذكورين كحكم الخوارج ومانعي الزكاة ، وهم عنده ليسوا كالبغاة المتأولين وليسوا كالمرتدين عن أصل الإسلام ، بل هم نوع ثالث خارجون عن بعض شرائع الدين . وأنه لا يحكم بالكفر إلا لمن وقع منهم في الكفر فعلاً دون باقي أفرادهم بعد إقامة الحجة عليهم .
...
حكم الطائفة الممتنعة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
واختلفوا في قتل أسيرهم واتباع مدبرهم والتذفيف على جريحهم إذا كان لهم فئة يلجئون إليها . فجوز ذلك أبو حنيفة ومنعه الشافعي ، وهو المشهور في مذهب أحمد ، وفي مذهبه وجه أنه يتبع مدبرهم في أول القتال . وأما إذا لم يكن لهم فئة فلا يقتل أسير ولا يذفف على جريح كما رواه سعيد وغيره عن مروان بن الحكم قال : خرج صارخ لعلي يوم الجمل لا يُقتلن مدبر ولا يُذفف على جريح ومن أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن . فمن سلك هذه الطريقة فقد يتوهم أن هؤلاء التتار من أهل البغي المتأولين ويحكم فيهم بمثل هذه الأحكام كما أدخل من أدخل في هذا الحكم مانعي الزكاة والخوارج . وسنبين فساد هذا التوهم إن شاء الله تعالى .
والطريقة الثانية أن قتال مانعي الزكاة والخوارج ونحوهم ليس كقتال أهل الجمل وصفين ، وهذا هو المنصوص عن جمهور الأئمة المتقدمين ، وهو الذي يذكرونه في اعتقاد أهل السنة والجماعة ، وهو مذهب أهل المدينة كمالك وغيره ومذهب أئمة الحديث كأحمد وغيره . وقد نصوا على الفرق بين هذا وهذا في غير موضع حتى في الأموال . فإن منهم من أباح غنيمة أموال الخوارج ، وقد نص أحمد في رواية أبي طالب في حرورية كان لهم سهم في قرية فخرجوا يقاتلون المسلمين فقتلهم المسلمون فأرضهم فيء للمسلمين ، فيقسم خمسه على خمسة وأربعة أخماسه للذين قاتلوا يقسم بينهم أو يجعل الأمير الخراج على المسلمين ولا يقسم مثل ما أخذ عمر السواد عنوة ووقفه على المسلمين . فجعل أحمد الأرض التي للخوارج إذا غُنمت بمنزلة ما غُنم من أموال الكفار .
وبالجملة فهذه الطريقة هي الصواب المقطوع به ؛ فإن النص والإجماع فرق بين هذا وهذا وسيرة علي رضي الله عنه تفرق بين هذا وهذا ، فإنه قاتل الخوارج بنص رسول الله وفرح بذلك ، ولم ينازعه فيه أحد من الصحابة . وأما القتال يوم صفين فقد ظهر منه من كراهته والذم عليه ما ظهر ، وقال في أهل الجمل وغيرهم : إخواننا بغوا علينا طهرهم السيف وصلى على قتلى الطائفتين . وأما الخوارج ففي الصحيحين عن علي بن أبي طالب . قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ؛ فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة)) . وفي صحيح مسلم عن زيد بن وهب أنه كان في الجيش الذي كانوا مع علي الذين ساروا إلى الخوارج فقال علي : أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء ، يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم ، لا تجاوز صلاتهم تراقيَهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان محمد نبيهم لنكلوا عن العمل ، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ليس له ذراع على عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض )) . قال فيذهبون إلى معاوية وأهل الشام ويتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم . والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم فإنهم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا في سرح الناس فسيروا على اسم الله . قال : فلما التقينا وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب رئيسًا ، فقال لهم : ألقوا الرماح وسلوا سيوفكم من حقوتها فإني أناشدكم كما ناشدوكم يوم حروراء ، فرجعوا فوحشوا برماحهم وسلوا السيوف وسحرهم الناس برماحهم ، قال : وأقبل بعضهم على بعض وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان . فقال علي : التمسوا فيهم المخدج ، فالتمسوه فلم يجدوه ، فقام على سيفه حتى أتى ناسًا قد أقبل بعضهم على بعض ، قال : أخروهم ، فوجدوه مما يلي الأرض ، فكبر ثم قال : صدق الله وبلغ رسوله . قال : فقام إليه عبيدة السلماني . فقال : يا أمير المؤمنين . الله الذي لا إله إلا هو أسمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ . قال : إي والله الذي لا إله إلا هو حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له أيضا . فإن الأمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم وإنما تنازعوا في تكفيرهم . على قولين مشهورين في مذهب مالك وأحمد وفي مذهب الشافعي أيضا نزاع في كفرهم . ولهذا كان فيهم وجهان في مذهب أحمد وغيره على الطريقة الأولى : أحدهما أنهم بغاة . والثاني أنهم كفار كالمرتدين ، يجوز قتلهم ابتداء وقتل أسيرهم واتباع مدبرهم ومن قدر عليه منهم استتيب كالمرتد فإن تاب وإلا قتل ، كما أن مذهبه في مانعي الزكاة إذا قاتلوا الإمام عليها ، هل يكفرون مع الإقرار بوجوبها ؟ على روايتين ، وهذا كله مما يبين أن قتال الصديق لمانعي الزكاة وقتال علي للخوارج ليس مثل القتال يوم الجمل وصفين . فكلام علي وغيره في الخوارج يقتضي أنهم ليسوا كفارا كالمرتدين عن أصل الإسلام وهذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره وليسوا مع ذلك حكمهم كحكم أهل الجمل وصفين بل هم نوع ثالث . وهذا أصح الأقوال الثلاثة فيهم . (مجموع الفتاوى : 28 / 514)
وقال رحمه الله :
وأما قتال الخوارج ومانعي الزكاة وأهل الطائف الذين لم يكونوا يحرمون الربا ؛ فهؤلاء يقاتلون حتى يدخلوا في الشرائع الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم . وهؤلاء إذا كان لهم طائفة ممتنعة فلا ريب أنه يجوز قتل أسيرهم واتباع مدبرهم والإجهاز على جريحهم ؛ فإن هؤلاء إذا كانوا مقيمين ببلادهم على ما هم عليه فإنه يجب على المسلمين أن يقصدوهم في بلادهم لقتالهم حتى يكون الدين كله لله . فإن هؤلاء التتار لا يقاتلون على دين الإسلام ؛ بل يقاتلون الناس حتى يدخلوا في طاعتهم ، فمن دخل في طاعتهم كفوا عنه وإن كان مشركا أو نصرانيا أو يهوديا ، ومن لم يدخل كان عدوا لهم وإن كان من الأنبياء والصالحين . وقد أمر الله المسلمين أن يقاتلوا أعداءه الكفار ويوالوا عباده المؤمنين . فيجب على المسلمين من جند الشام ومصر واليمن والمغرب جميعهم أن يكونوا متعاونين على قتال الكفار وليس لبعضهم أن يقاتل بعضا بمجرد الرياسة والأهواء . فهؤلاء التتار أقل ما يجب عليهم أن يقاتلوا من يليهم من الكفار وأن يكفوا عن قتال من يليهم من المسلمين ويتعاونون هم وهم على قتال الكفار . وأيضا لا يقاتل معهم غير مكره إلا فاسق أو مبتدع أو زنديق كالملاحدة القرامطة الباطنية وكالرافضة السبابة وكالجهمية المعطلة من النفاة الحلولية ، ومعهم ممن يقلدونه من المنتسبين إلى العلم والدين من هو شر منهم ؛ فإن التتار جهال يقلدون الذين يحسنون به الظن وهم لضلالهم وغيهم يتبعونه في الضلال الذي يكذبون به على الله ورسوله ويبدلون دين الله ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق . (مجموع الفتاوى : 28 / 551)
فمن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية السابق ذكره يتبين لنا أن قتال الطائفة الممتنعة عن بعض شرائع الدين ليس من جنس قتال البغاة المتأولين ، وليس كذلك من جنس قتال المرتدين عن أصل الإسلام ، وإنما هم نوع ثالث يقاتلون عمومًا ، دون ثبوت حكم الكفر لجميع أفرادهم ، فإن منهم الفاسق والمبتدع والزنديق كما مر في كلام شيخ الإسلام رحمه الله .
..
ولكن قد ورد في كلام شيخ الإسلام رحمه الله إطلاق لفظ الردة عليهم ، مثل قوله : ( وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة وإن كانوا يصلون الخمس ويصومون شهر رمضان ، وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة ؛ فلهذا كانوا مرتدين ، وهم يقاتلون على منعها وإن أقروا بالوجوب كما أمر الله ) (مجموع الفتاوى : 28 / 519) . فما بيان كلامه ذلك ؟
نقول :
هذا الكلام محمول على من ثبتت ردته عن أصل الإسلام منهم ، فإن منهم الفاسق والمبتدع والزنديق كما سبق . وقد يحمل الكلام على ارتدادهم عن بعض الشرائع بمعنى امتناعهم عن أدائها . وقد ورد في كلام شيخ الإسلام رحمه الله ما يشهد له . وقد سبق كلامه في الحكم عليه بأنهم ليسوا كالبغاة وليسوا كالمرتدين ، بل هم نوع ثالث .
قال رحمه الله :
وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين ، فالردة عن شرائعه أعظم من خروج الخارج الأصلي عن شرائعه ؛ ولهذا كان كل مؤمن يعرف أحوال التتار ويعلم أن المرتدين الذين فيهم من الفرس والعرب وغيرهم شر من الكفار الأصليين من الترك ونحوهم ، وهم بعد أن تكلموا بالشهادتين مع تركهم لكثير من شرائع الدين خير من المرتدين من الفرس والعرب وغيرهم ، وبهذا يتبين أن من كان معهم ممن كان مسلم الأصل هو شر من الترك الذين كانوا كفارا ؛ فإن المسلم الأصلي إذا ارتد عن بعض شرائعه كان أسوأ حالا ممن لم يدخل بعد في تلك الشرائع ، مثل مانعي الزكاة وأمثالهم ممن قاتلهم الصديق . وإن كان المرتد عن بعض الشرائع متفقهاً أو متصوفاً أو تاجراً أو كاتباً أو غير ذلك فهؤلاء شر من الترك الذين لم يدخلوا في تلك الشرائع وأصروا على الإسلام . (مجموع الفتاوى : 28 / 535)
ففي كلامه السابق بيان لما قد يساء فهمه من بعض كلامه أنه يحكم على التتار بالكفر بالعموم ، بل قد سبق حكمه فيهم صريحًا أنهم ليسوا كالمرتدين عن أصل الإسلام ، وإن كان يطلق عليهم مرتدين عن بعض شرائعه ، ولكن ذلك لا يقتضي الحكم عليهم بالكفر بالعموم ؛ فالردة هنا بالمعنى اللغوي بمعنى امتناعهم عما كانوا يفعلونه –وسيأتي كلام الخطابي في ذلك- . وقد اتضح مقصود شيخ الإسلام رحمه الله هاهنا في تفرقته بين الردة عن أصل الدين وبين الردة عن بعض الشرائع ، وأيضًا في قوله ( المرتدين الذين فيهم .. ) فإن فيه إشارة إلى أنه ليسوا كلهم مرتدين ، بل بعضهم مرتد عن أصل الدين وبعضهم مرتد عن بعض شرائعه ، ليس حكمه كالأول .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,
هذه المسألة كثر حولها الجدل و المعارك والنزاع و مثل هذه المسائل من المسائل
الدقيقة التى يجب الرجوع فيها للعلماء المعتبيرين
فهذا بحث فى المسالة مدعم بالادلة من الكتاب و السنة والاجماع وكلام الائمة لحسم مادة النزاع و قطع نزغات الشيطان عن من يتكلم بدون علم
فإنه لمن الفتنة والابتلاء أن يؤخر الإنسان ليعيش في مثل هذا الزمان ، الذي انتشرت فيه الفتن بجميع أنواعها لبعده عن منهج النبوة فأطلت الفتنة برأسها ، ولم تعدم من يعجب بها ، بل ومن يتدين بها ، بل ومن يسعى في نشرها في أوساط المسلمين بأنها هي الصواب وما سواها باطل وضلال . هذه الطائفة قد تلاعب بها الشيطان ولبس عليهم
فضلوا وأضلوا كثير
وحملوا على عاتقهم فى العالم اثارة هذه القضية والكلام على اولياء الامور!!!!!!!! حتى غلا بعضهم وقال ان الدول التى احتلها الكفار اولياء الامور فيها هم الكفارالامريكان والروس واليهود اولياء الامور
اذا لابد ان تستأذنه فى الجهاد والمقاومة وتتجند فى جيشة ضد المقاومة
هذا شيء لا يوصف ليس.. ما له وصف من تلاعب الشيطان بهذه الطائفة وهذا شغلهم الشاغل
ما راينا منهم رد على اهل الكفر والزندقة والبدع والمعاصى...
بأسهم علينا فقط,,... خذلان والله
واذا ما وجهوا بما يفعله الحكام أخذوا يبرروا ما يصنعون
ناهيك عن فرح المخابرات الامريكية بهم والسعى لتصدرهم لهدم الدين
وتلقف حكومات النفاق لهم واستبشارهم بالفكر الجديد
فهذا بحث فريد أعده طالب علم من تلامذة الشيخ برهامى
وقد عرضه عليه وأقره الشيخ
وكون من جزئين اسماه شبهان حول الحكم بما انزل الله
اجتزأت منه خصوص الكلام على سقوط ولاية من يحكم بما انزل الله من رده على شبهاتهم العشر
وقبل ان يهجموا علينا باتهام
بين الباحث مرات ان من كان له عذر منهم فى عدم التكفير
اتبعناه لاشتراطنا ثبوت الشروط وانتفاء الموانع
كما ننبه على أن مطلق كلام الائمة المنقول فى البحث مقيد بمراعاة المصالح وعجز المسلمين
كما نبهالباحث
فنشير لشفافية الموضوع وخطرة فالنتأمل البحث جيدا
قال حفظه الله
الشبهة التاسعة :
قولهم بإمامة الحكام بغير ما أنزل الله ووجوب السمع والطاعة لهم حتى يكفروا عينًا .
بل إن بعضهم يبالغ فيوجب ذلك حتى مع الكافر عينًا .
والجواب عن ذلك :
أننا نؤمن أن من تولى بمقتضى الدساتير والقوانين الوضعية أنهم ليسوا ولاة أمور شرعيين ، مسلمين كانوا أو كفارًا ، أقيمت عليهم الحجة أو لم تُقم ، بل هم أنفسهم لا يقولون عن أنفسهم أنهم ولاة أمور شرعيون، ولم يدَّعوا يومًا أنهم أخذوا بيعة من أحد ، بل ما هو إلا قسم يقسم عليه أناس أغلبهم من الفسقة والمنافقين في تثبيت ملك كبيرهم ، يقسمون فيه على احترام الدستور وسيادة القانون ، فهل يقول عاقل فضلاَ عن عالم أن هذه بيعة ، بل وينسبها للشرع ؟؟!!
فلسنا هنا بصدد الحديث عن إسلام فلان أو كفر علان ، إنما نرد على من نصَّب محاربي الدين ولاية الأمر ، وألبس مغتصبي البلاد والعباد حلل الخلافة ، مستخدماً في ذلك النصوص على غير مرادقائليها ، ومُنـزلها على غير الواقع الذي قيلت فيه ، فنوضح له بالأدلة الشرعيةوالعقلية أن هؤلاء الحكام ليسوا من الإمامة الشرعية في شيء ، وأن إسلامهم وكفرهملا علاقة له بصحة إمامتهم في هذه الحالة ..
فإن المتغلب بالسيف تثبت له الولاية الشرعية ، مع أن هذه الطريقة ليست بالطريقة الشرعية، إذ إن العلماء حرموها ، ولكنهم قالوا أنه لو حدث وقهر ذو الشوكة المسلمين بالسيفنثبت له الولاية الشرعية لأجل مصلحة المسلمين من حفظ دينهم وأعراضهم ودمائهم ،فطالما أن هذا المتغلب ستتحقق منه المقاصد الشرعية من الإمامة من إقامة للدين وسياسة للدنيا به ، وطالما أنه سيقود الأمة بكتاب الله وسيقيم في الأمة الصلاة ؛لذلك ستثبت له الإمامة الشرعية بهذه الطريقة غير المأذون فيها شرعاً .
أماإن كان المتغلب قد تغلب وقهر المسلمين وليس في قهره لهم أي تحقيق لمقاصد الإمامة ،بل في قهره لهم تضييع لمقاصد الإمامة وتضييع لمصالح المسلمين وإبعادهم عن دينهموإجبارهم على التحاكم بشرع الكفار ، فهو يقود الأمة بأحكام الكافرين ، ولا يقيمفيهم الصلاة ، ويحملهم على البعد عن دين الله حملاً ، فلا يقول عالم بل عاقل بأن هذا المتغلب سنحكم له بالولاية الشرعية لا سيما أنه انتزعها بغير حق وبطريق غيرشرعي .
والعمدة في ذلك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أمر عليكم عبد مجدع يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا)) (رواه مسلم) ، وفي رواية للترمذي وأحمد: ((ما أقام لكم كتاب الله)) . فشرط لصحة الإمامة أن يحكم بشرع الله وإن كان فاسقاً .
وعلى ذلك تحمل الأحاديث المطلقة الواردة في طاعة الأئمة مثل حديث حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس)). قال : قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال : ((تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)) (رواه مسلم)
قال البغوي رحمه الله :
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : حقٌّ على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة ، فإذا فعل ذلك فحق على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا . (معالم التنزيل 2/240)
قال النووي رحمهالله :
فأمر صلى الله عليه وسلم بطاعة ولي الأمر ولو كان بهذه الخساسة ما دام يقودنا بكتاب الله تعالى ، قال العلماء معناه ما داموا متمسكين بالإسلام والدعاءإلى كتاب الله تعالى على أي حال كانوا في أنفسهم وأديانهم وأخلاقهم . (شرح النووي على مسلم : 4/422)
وكذلك فإن الأنظمة المدنية الحديثة تقسم السلطات إلى تشريعية وقضائية وتنفيذية ، بخلاف النظام الإسلامي الذي يجعل لولي الأمر سلطات تشمل جوانب متعددة ولا قيد عليها إلا التزام شرع الله تعالى ، فمتى قلنا عن الأنظمة المدنية أنهم ولاة أمور بالمعنى الشرعي ، فهل يجوز لنا شرعًا مقاضاتهم -وهم يجيزون ذلك- ؟؟ أم أننا سنمتنع من مقاضاتهم شرعًا وإن سمحوا هم به ؟ ، كالذي رأى أن من يرشح نفسه للرئاسة خارج عن الإمام وإن كان النظام المدني يفتخر فيه رئيس الدولة بتطبيق الديموقراطية وخوض انتخابات تعددية !!
لذلك نقول أن المتغلب بالقهر لا تثبت الإمامة له بهذا التغلب المجرد، وإنما ينبغي أن تراعَى مقاصد الإمامة في ذلك ، وإلا للزمنا القول بإمامةقطاع الطرق الذين يقهرون الناس إمامة شرعية ، فلو أن عصابة قامت بالهجوم على قريةمن القرى النائية واستطاعوا أن يقهروا أهلها فإنهم سيكونون بهذا التغلب المجرد أئمةشرعيين تجب لهم الطاعة في أعناق أهل القرية ، وينبغي على أهل القرية أن يصبرواعليهم وإن أخذوا مالهم وجلدوا ظهورهم لأنهم متغلبين ، ولم يقل بذلك عاقل ، فماالفرق إذن بين هؤلاء وهؤلاء ؟!! الجواب : لا فرق ..
هذا هو محل الخلاف الحقيقي . فنحن لا نختلف في حكم إمامة المتغلب ، ولكن لا يجوز تعميمها على الذين استولوا على بلاد الله ليقودوا الناس إلى الهاوية لا بكتاب الله ،وهذا شرط واضح قد قاله النبي صلى الله عليه وسلم وشرحه العلماء .
ومما يؤكد ما قلناهما ذكره النووي رحمه الله في شرح حديث حذيفة في الفتن ، إذ قال رحمه الله :
قوله صلى الله عليه وسلم : ((دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)) ، قال العلماء : هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة . (شرح صحيح مسلم : 6/37)
فتأمل كيف حكم على الخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة أنهم دعاة على أبواب جهنم لا يسمع لهم ويطاع ، مع ما كان فيه بعض هؤلاء من تغلب على بعض البلاد الإسلامية ، فتأمل حال مبتدعة زماننا ممن يظاهرون الدعاة على أبواب جهنم !!
...
ولنتأمل فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في التتار ، إذ نقل الإجماع على وجوب قتالهم ، لعدم التزامهم ببعض الشرائع ، مع نطقهم للشهادتين ظاهرًا . مع التنبيه على أنه لم يحكم لجميعهم بالكفر بل نقل أن فيهم الفاسق والمبتدع والزنديق . وسيأتي بيان حكم الطائفة الممتنعة مفصلاً من كلام شيخ الإسلام رحمه الله ..
سئل رحمه الله : ما تقول الفقهاء أئمة الدين في هؤلاء التتار الذين قدموا سنة تسع وتسعين وستمائة ، وفعلوا ما اشتهر من قتل المسلمين وسبي بعض الذراري والنهب لمن وجدوه من المسلمين ، وهتكوا حرمات الدين من إذلال المسلمين وإهانة المساجد لا سيما بيت المقدس) وأفسدوا فيه وأخذوا من أموال المسلمين وأموال بيت المال الحمل العظيم وأسروا من رجال المسلمين الجم الغفير وأخرجوهم من أوطانهم ، وادعوا مع ذلك التمسك بالشهادتين وادعوا تحريم قتال مقاتلهم لما زعموا من اتباع أصل الإسلام ولكونهم عَفَوْا عن استئصال المسلمين . فهل يجوز قتالهم أو يجب وأيما كان فمن أي الوجوه جوازه أو وجوبه ؟ أفتونا مأجورين .
فأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم ، فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه ، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه ، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة . وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما ، فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام عملا بالكتاب والسنة . وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج ، وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة مع قوله : ((تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم)) .
فعُلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال . فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله وحتى لا تكون فتنة . فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب .
فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج ، أو عن التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا والميسر أو عن نكاح ذوات المحارم ، أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته - التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها - التي يكفر الجاحد لوجوبها ، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها ، وهذا ما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء . وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة إذا أصرت على ترك بعض السنن كركعتي الفجر والأذان والإقامة - عند من لا يقول بوجوبهما - ونحو ذلك من الشعائر . هل تقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا ؟. فأما الواجبات والمحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها .
وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة الخارجين على الإمام أو الخارجين عن طاعته ؛ كأهل الشام مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه . فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معين أو خارجون عليه لإزالة ولايته ، وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام ؛ بمنزلة مانعي الزكاة وبمنزلة الخوارج الذين قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه . ولهذا افترقت سيرة علي رضي الله عنه في قتاله لأهل البصرة والشام وفي قتاله لأهل النهروان ، فكانت سيرته مع أهل البصرة والشاميين سيرة الأخ مع أخيه ومع الخوارج بخلاف ذلك . وثبتت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بما استقر عليه إجماع الصحابة من قتال الصديق وقتال الخوارج ، بخلاف الفتنة الواقعة مع أهل الشام والبصرة ؛ فإن النصوص دلت فيها بما دلت والصحابة والتابعون اختلفوا فيها . على أن من الفقهاء الأئمة من يرى أن أهل البغي الذين يجب قتالهم هم الخارجون على الإمام بتأويل سائغ ؛ لا الخارجون عن طاعته . وآخرون يجعلون القسمين بغاة . وبين البغاة والتتار فرق بين . فأما الذين لا يلتزمون شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة ؛ فلا أعلم في وجوب قتالهم خلافا .
فإذا تقررت هذه القاعدة فهؤلاء القوم المسئول عنهم عسكرهم مشتمل على قوم كفار من النصارى والمشركين ، وعلى قوم منتسبين إلى الإسلام - وهم جمهور العسكر - ينطقون بالشهادتين إذا طلبت منهم ويعظمون الرسول ، وليس فيهم من يصلي إلا قليلًا جدا ، وصوم رمضان أكثر فيهم من الصلاة ، والمسلم عندهم أعظم من غيره ، وللصالحين من المسلمين عندهم قدر ، وعندهم من الإسلام بعضه وهم متفاوتون فيه . لكن الذي عليه عامتهم والذي يقاتلون عليه متضمن لترك كثير من شرائع الإسلام أو أكثرها ؛ فإنهم لا يوجبون الإسلام ولا يقاتلون من تركه ؛ بل من قاتل على دولة المغول عظموه وتركوه وإن كان كافرًا عدوا لله ورسوله ، وكل من خرج عن دولة المغول أو عليها استحلوا قتاله وإن كان من خيار المسلمين ، فلا يجاهدون الكفار ولا يلزمون أهل الكتاب بالجزية والصغار ، ولا ينهون أحدا من عسكرهم أن يعبد ما شاء من شمس أو قمر أو غير ذلك ، بل الظاهر من سيرتهم أن المسلم عندهم بمنزلة العدل أو الرجل الصالح أو المتطوع في المسلمين ، والكافر عندهم بمنزلة الفاسق في المسلمين أو بمنزلة تارك التطوع . وكذلك أيضا عامتهم لا يحرمون دماء المسلمين وأموالهم ؛ إلا أن ينهاهم عنها سلطانهم أي لا يلتزمون تركها ، وإذا نهاهم عنها أو عن غيرها أطاعوه لكونه سلطانا لا بمجرد الدين . وعامتهم لا يلتزمون أداء الواجبات ؛ لا من الصلاة ولا من الزكاة ولا من الحج ولا غير ذلك . ولا يلتزمون الحكم بينهم بحكم الله ؛ بل يحكمون بأوضاع لهم توافق الإسلام تارة وتخالفه أخرى . وإنما كان الملتزم لشرائع الإسلام الشيزبرون وهو الذي أظهر من شرائع الإسلام ما استفاض عند الناس . وأما هؤلاء فدخلوا فيه وما التزموا شرائعه . وقتال هذا الضرب واجب بإجماع المسلمين ، وما يشك في ذلك من عرف دين الإسلام وعرف حقيقة أمرهم ؛ فإن هذا السِّلم الذي هم عليه ودين الإسلام لا يجتمعان أبدا . وإذا كان الأكراد والأعراب وغيرهم من أهل البوادي الذين لا يلتزمون شريعة الإسلام يجب قتالهم وإن لم يتعد ضررهم إلى أهل الأمصار فكيف بهؤلاء ؟.
نعم يجب أن يسلك في قتاله المسلك الشرعي من دعائهم إلى التزام شرائع الإسلام إن لم تكن الدعوة إلى الشرائع قد بلغتهم ، كما كان الكافر الحربي يدعى أولا إلى الشهادتين إن لم تكن الدعوة قد بلغته . فإن اتفق من يقاتلهم على الوجه الكامل فهو الغاية في رضوان الله وإعزاز كلمته وإقامة دينه وطاعة رسوله ، وإن كان فيهم من فيه فجور وفساد نية بأن يكون يقاتل على الرياسة أو يتعدى عليهم في بعض الأمور وكانت مفسدة ترك قتالهم أعظم على الدين من مفسدة قتالهم على هذا الوجه : كان الواجب أيضا قتالهم دفعا لأعظم المفسدتين بالتزام أدناهما ؛ فإن هذا من أصول الإسلام التي ينبغي مراعاتها . ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة الغزو مع كل بر وفاجر ؛ فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه إذا لم يتفق الغزو إلا مع الأمراء الفجار أو مع عسكر كثير الفجور ، فإنه لا بد من أحد أمرين ؛ إما ترك الغزو معهم فيلزم من ذلك استيلاء الآخرين الذين هم أعظم ضررا في الدين والدنيا ، وإما الغزو مع الأمير الفاجر فيحصل بذلك دفع الأفجرين وإقامة أكثر شرائع الإسلام وإن لم يمكن إقامة جميعها . فهذا هو الواجب في هذه الصورة وكل ما أشبهها ؛ بل كثير من الغزو الحاصل بعد الخلفاء الراشدين لم يقع إلا على هذا الوجه . وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة : الأجر والمغنم)) ، فهذا الحديث الصحيح يدل على معنى ما رواه أبو داود في سننه من قوله صلى الله عليه وسلم : ((الغزو ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل)) وما استفاض عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة)) إلى غير ذلك من النصوص التي اتفق أهل السنة والجماعة من جميع الطوائف على العمل بها في جهاد من يستحق الجهاد مع الأمراء أبرارهم وفجارهم ؛ بخلاف الرافضة والخوارج الخارجين عن السنة والجماعة ، هذا مع إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه : ((سيلي أمراء ظلمة خونة فجرة ، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم فليس مني ولست منه ولا يرد علي الحوض . ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه . وسيرد علي الحوض)) .
فإذا أحاط المرء علما بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد الذي يقوم به الأمراء إلى يوم القيامة وبما نهى عنه من إعانة الظلمة على ظلمهم ، علم أن الطريقة الوسطى التي هي دين الإسلام المحض جهاد من يستحق الجهاد كهؤلاء القوم المسئول عنهم مع كل أمير وطائفة هي أولى بالإسلام منهم إذا لم يمكن جهادهم إلا كذلك ، واجتناب إعانة الطائفة التي يغزو معها على شيء من معاصي الله ، بل يطيعهم في طاعة الله ولا يطيعهم في معصية الله إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . وهذه طريقة خيار هذه الأمة قديما وحديثا . وهي واجبة على كل مكلف . وهي متوسطة بين طريق الحرورية وأمثالهم ممن يسلك مسلك الورع الفاسد الناشئ عن قلة العلم وبين طريقة المرجئة وأمثالهم ممن يسلك مسلك طاعة الأمراء مطلقا وإن لم يكونوا أبرارا . ونسأل الله أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لما يحبه ويرضاه من القول والعمل . والله أعلم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . (مجموع الفتاوى : 28/502-508)
يتبين لنا من فتوى شيخ الإسلام هذه ما يلي :
1- أن التتار مع تغلبهم لم يعتبرهم أحد من أهل العلم ولاة أمور واجبي الطاعة .
2- الإجماع على وجوب قتال التتار ومن هم على شاكلتهم في الامتناع عن التزام بعض شرائع الدين كالعلمانيين .
3- أن قتالهم واجب حتى مع أئمة الجور ؛ لأنهم أولى بالإسلام منهم .
4- أن شيخ الإسلام رحمه الله جعل حكم هؤلاء المذكورين كحكم الخوارج ومانعي الزكاة ، وهم عنده ليسوا كالبغاة المتأولين وليسوا كالمرتدين عن أصل الإسلام ، بل هم نوع ثالث خارجون عن بعض شرائع الدين . وأنه لا يحكم بالكفر إلا لمن وقع منهم في الكفر فعلاً دون باقي أفرادهم بعد إقامة الحجة عليهم .
...
حكم الطائفة الممتنعة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
واختلفوا في قتل أسيرهم واتباع مدبرهم والتذفيف على جريحهم إذا كان لهم فئة يلجئون إليها . فجوز ذلك أبو حنيفة ومنعه الشافعي ، وهو المشهور في مذهب أحمد ، وفي مذهبه وجه أنه يتبع مدبرهم في أول القتال . وأما إذا لم يكن لهم فئة فلا يقتل أسير ولا يذفف على جريح كما رواه سعيد وغيره عن مروان بن الحكم قال : خرج صارخ لعلي يوم الجمل لا يُقتلن مدبر ولا يُذفف على جريح ومن أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن . فمن سلك هذه الطريقة فقد يتوهم أن هؤلاء التتار من أهل البغي المتأولين ويحكم فيهم بمثل هذه الأحكام كما أدخل من أدخل في هذا الحكم مانعي الزكاة والخوارج . وسنبين فساد هذا التوهم إن شاء الله تعالى .
والطريقة الثانية أن قتال مانعي الزكاة والخوارج ونحوهم ليس كقتال أهل الجمل وصفين ، وهذا هو المنصوص عن جمهور الأئمة المتقدمين ، وهو الذي يذكرونه في اعتقاد أهل السنة والجماعة ، وهو مذهب أهل المدينة كمالك وغيره ومذهب أئمة الحديث كأحمد وغيره . وقد نصوا على الفرق بين هذا وهذا في غير موضع حتى في الأموال . فإن منهم من أباح غنيمة أموال الخوارج ، وقد نص أحمد في رواية أبي طالب في حرورية كان لهم سهم في قرية فخرجوا يقاتلون المسلمين فقتلهم المسلمون فأرضهم فيء للمسلمين ، فيقسم خمسه على خمسة وأربعة أخماسه للذين قاتلوا يقسم بينهم أو يجعل الأمير الخراج على المسلمين ولا يقسم مثل ما أخذ عمر السواد عنوة ووقفه على المسلمين . فجعل أحمد الأرض التي للخوارج إذا غُنمت بمنزلة ما غُنم من أموال الكفار .
وبالجملة فهذه الطريقة هي الصواب المقطوع به ؛ فإن النص والإجماع فرق بين هذا وهذا وسيرة علي رضي الله عنه تفرق بين هذا وهذا ، فإنه قاتل الخوارج بنص رسول الله وفرح بذلك ، ولم ينازعه فيه أحد من الصحابة . وأما القتال يوم صفين فقد ظهر منه من كراهته والذم عليه ما ظهر ، وقال في أهل الجمل وغيرهم : إخواننا بغوا علينا طهرهم السيف وصلى على قتلى الطائفتين . وأما الخوارج ففي الصحيحين عن علي بن أبي طالب . قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ؛ فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة)) . وفي صحيح مسلم عن زيد بن وهب أنه كان في الجيش الذي كانوا مع علي الذين ساروا إلى الخوارج فقال علي : أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء ، يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم ، لا تجاوز صلاتهم تراقيَهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان محمد نبيهم لنكلوا عن العمل ، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ليس له ذراع على عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض )) . قال فيذهبون إلى معاوية وأهل الشام ويتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم . والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم فإنهم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا في سرح الناس فسيروا على اسم الله . قال : فلما التقينا وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب رئيسًا ، فقال لهم : ألقوا الرماح وسلوا سيوفكم من حقوتها فإني أناشدكم كما ناشدوكم يوم حروراء ، فرجعوا فوحشوا برماحهم وسلوا السيوف وسحرهم الناس برماحهم ، قال : وأقبل بعضهم على بعض وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان . فقال علي : التمسوا فيهم المخدج ، فالتمسوه فلم يجدوه ، فقام على سيفه حتى أتى ناسًا قد أقبل بعضهم على بعض ، قال : أخروهم ، فوجدوه مما يلي الأرض ، فكبر ثم قال : صدق الله وبلغ رسوله . قال : فقام إليه عبيدة السلماني . فقال : يا أمير المؤمنين . الله الذي لا إله إلا هو أسمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ . قال : إي والله الذي لا إله إلا هو حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له أيضا . فإن الأمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم وإنما تنازعوا في تكفيرهم . على قولين مشهورين في مذهب مالك وأحمد وفي مذهب الشافعي أيضا نزاع في كفرهم . ولهذا كان فيهم وجهان في مذهب أحمد وغيره على الطريقة الأولى : أحدهما أنهم بغاة . والثاني أنهم كفار كالمرتدين ، يجوز قتلهم ابتداء وقتل أسيرهم واتباع مدبرهم ومن قدر عليه منهم استتيب كالمرتد فإن تاب وإلا قتل ، كما أن مذهبه في مانعي الزكاة إذا قاتلوا الإمام عليها ، هل يكفرون مع الإقرار بوجوبها ؟ على روايتين ، وهذا كله مما يبين أن قتال الصديق لمانعي الزكاة وقتال علي للخوارج ليس مثل القتال يوم الجمل وصفين . فكلام علي وغيره في الخوارج يقتضي أنهم ليسوا كفارا كالمرتدين عن أصل الإسلام وهذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره وليسوا مع ذلك حكمهم كحكم أهل الجمل وصفين بل هم نوع ثالث . وهذا أصح الأقوال الثلاثة فيهم . (مجموع الفتاوى : 28 / 514)
وقال رحمه الله :
وأما قتال الخوارج ومانعي الزكاة وأهل الطائف الذين لم يكونوا يحرمون الربا ؛ فهؤلاء يقاتلون حتى يدخلوا في الشرائع الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم . وهؤلاء إذا كان لهم طائفة ممتنعة فلا ريب أنه يجوز قتل أسيرهم واتباع مدبرهم والإجهاز على جريحهم ؛ فإن هؤلاء إذا كانوا مقيمين ببلادهم على ما هم عليه فإنه يجب على المسلمين أن يقصدوهم في بلادهم لقتالهم حتى يكون الدين كله لله . فإن هؤلاء التتار لا يقاتلون على دين الإسلام ؛ بل يقاتلون الناس حتى يدخلوا في طاعتهم ، فمن دخل في طاعتهم كفوا عنه وإن كان مشركا أو نصرانيا أو يهوديا ، ومن لم يدخل كان عدوا لهم وإن كان من الأنبياء والصالحين . وقد أمر الله المسلمين أن يقاتلوا أعداءه الكفار ويوالوا عباده المؤمنين . فيجب على المسلمين من جند الشام ومصر واليمن والمغرب جميعهم أن يكونوا متعاونين على قتال الكفار وليس لبعضهم أن يقاتل بعضا بمجرد الرياسة والأهواء . فهؤلاء التتار أقل ما يجب عليهم أن يقاتلوا من يليهم من الكفار وأن يكفوا عن قتال من يليهم من المسلمين ويتعاونون هم وهم على قتال الكفار . وأيضا لا يقاتل معهم غير مكره إلا فاسق أو مبتدع أو زنديق كالملاحدة القرامطة الباطنية وكالرافضة السبابة وكالجهمية المعطلة من النفاة الحلولية ، ومعهم ممن يقلدونه من المنتسبين إلى العلم والدين من هو شر منهم ؛ فإن التتار جهال يقلدون الذين يحسنون به الظن وهم لضلالهم وغيهم يتبعونه في الضلال الذي يكذبون به على الله ورسوله ويبدلون دين الله ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق . (مجموع الفتاوى : 28 / 551)
فمن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية السابق ذكره يتبين لنا أن قتال الطائفة الممتنعة عن بعض شرائع الدين ليس من جنس قتال البغاة المتأولين ، وليس كذلك من جنس قتال المرتدين عن أصل الإسلام ، وإنما هم نوع ثالث يقاتلون عمومًا ، دون ثبوت حكم الكفر لجميع أفرادهم ، فإن منهم الفاسق والمبتدع والزنديق كما مر في كلام شيخ الإسلام رحمه الله .
..
ولكن قد ورد في كلام شيخ الإسلام رحمه الله إطلاق لفظ الردة عليهم ، مثل قوله : ( وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة وإن كانوا يصلون الخمس ويصومون شهر رمضان ، وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة ؛ فلهذا كانوا مرتدين ، وهم يقاتلون على منعها وإن أقروا بالوجوب كما أمر الله ) (مجموع الفتاوى : 28 / 519) . فما بيان كلامه ذلك ؟
نقول :
هذا الكلام محمول على من ثبتت ردته عن أصل الإسلام منهم ، فإن منهم الفاسق والمبتدع والزنديق كما سبق . وقد يحمل الكلام على ارتدادهم عن بعض الشرائع بمعنى امتناعهم عن أدائها . وقد ورد في كلام شيخ الإسلام رحمه الله ما يشهد له . وقد سبق كلامه في الحكم عليه بأنهم ليسوا كالبغاة وليسوا كالمرتدين ، بل هم نوع ثالث .
قال رحمه الله :
وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين ، فالردة عن شرائعه أعظم من خروج الخارج الأصلي عن شرائعه ؛ ولهذا كان كل مؤمن يعرف أحوال التتار ويعلم أن المرتدين الذين فيهم من الفرس والعرب وغيرهم شر من الكفار الأصليين من الترك ونحوهم ، وهم بعد أن تكلموا بالشهادتين مع تركهم لكثير من شرائع الدين خير من المرتدين من الفرس والعرب وغيرهم ، وبهذا يتبين أن من كان معهم ممن كان مسلم الأصل هو شر من الترك الذين كانوا كفارا ؛ فإن المسلم الأصلي إذا ارتد عن بعض شرائعه كان أسوأ حالا ممن لم يدخل بعد في تلك الشرائع ، مثل مانعي الزكاة وأمثالهم ممن قاتلهم الصديق . وإن كان المرتد عن بعض الشرائع متفقهاً أو متصوفاً أو تاجراً أو كاتباً أو غير ذلك فهؤلاء شر من الترك الذين لم يدخلوا في تلك الشرائع وأصروا على الإسلام . (مجموع الفتاوى : 28 / 535)
ففي كلامه السابق بيان لما قد يساء فهمه من بعض كلامه أنه يحكم على التتار بالكفر بالعموم ، بل قد سبق حكمه فيهم صريحًا أنهم ليسوا كالمرتدين عن أصل الإسلام ، وإن كان يطلق عليهم مرتدين عن بعض شرائعه ، ولكن ذلك لا يقتضي الحكم عليهم بالكفر بالعموم ؛ فالردة هنا بالمعنى اللغوي بمعنى امتناعهم عما كانوا يفعلونه –وسيأتي كلام الخطابي في ذلك- . وقد اتضح مقصود شيخ الإسلام رحمه الله هاهنا في تفرقته بين الردة عن أصل الدين وبين الردة عن بعض الشرائع ، وأيضًا في قوله ( المرتدين الذين فيهم .. ) فإن فيه إشارة إلى أنه ليسوا كلهم مرتدين ، بل بعضهم مرتد عن أصل الدين وبعضهم مرتد عن بعض شرائعه ، ليس حكمه كالأول .