سنا البرق
07 Oct 2004, 09:17 AM
<span style='color:darkblue'><div align="center">السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المرأة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كزوجة
من درس: المرأة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
سلمان العودة
الأمر الذي يليه هو الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره زوجاً، أو معاملته عليه الصلاة والسلام لزوجاته. وهذا الأمر يطول الكلام فيه، فكما في الصحيح من قول أبي هريرة فيما أظن، وخير هذه الأمة أكثرها نساء، أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحكمةٍ ما تعددت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات عن تسع نسوة، وذلك أمر خاص به عليه الصلاة والسلام، أما غيره فلا يجوز له أن يزيد على أربع قال تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[النساء:3] ولعل من أسرار هذا التعدد عنده صلى الله عليه وسلم أنه رسول للبشرية كلها منذ أن بعث وإلى قيام الساعة، فكان الناس بعده بحاجة إلى معرفة كل تصرف يفعله صلى الله عليه وسلم حتى في داخل البيت مع زوجاته، كيف يتوضأ صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يغتسل؟ وكيف ينام؟ بل كيف يكون مع أهله في الفراش؟ وهذه الأشياء كان لابد من عدد من النساء ينقلنها عنه صلى الله عليه وسلم.
أما الأمور الأخرى التي كانت خارج منـزله صلى الله عليه وسلم فكان ينقلها عنه الجماهير الغفيرة من الصحابة رضي الله عنهم الذين يصحبونه في سفره وحضره، وينقلون عنه أقواله وأفعاله عليه الصلاة والسلام، فكان وجود هذا العدد من النساء سبباً في معرفة هديه صلى الله عليه وسلم في منـزله.
ومن العجيب أننا الآن وبعد مرور أربعة عشر قرناً على وفاته صلى الله عليه وسلم ما زلنا نعرف أدق التفاصيل عن حياته البيتية مما لا يعرفه الواحد منا عن جاره، أو أخيه، أو زميله في العمل، ولا يعرفه الأب عن ابنه، ولا يعرفه الابن عن أبيه، الابن لا يعرف كيف يقضي أبوه حياته في داخل غرفته الخاصة، أو في منـزله الخاص، والأب لا يعرف هذا من ابنه، والصديق لا يعرفه من صديقه، لكننا نعرف ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك حتى تتم الأسوة والقدوة لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
وهديه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بمعاملته لأزواجه، وبالمناسبة فاستعمال كلمة أزواج للمرأة وهو جمع زوج والمرأة تسمى زوجاً والرجل أيضاً يسمى زوجاً، وهذا هو الأفصح وهو الذي ورد في القرآن الكريم، وأما تسمية المرأة زوجة فهي أيضاً فصيحة وصحيحة، ولكن تلك أفصح منها فيقال أزواج بمعنى زوجات، ففيما يتعلق بتعامله صلى الله عليه وسلم مع أزواجه أيضاً أشير إلى ثلاثة جوانب:
جانب الحب والمودة
أما الجانب الأول فهو: جانب الحب والمودة: وقد جعل الله تبارك وتعالى الزواج سكناً ورحمة ومودة: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً[الروم:21] فالزواج سكن ومودة ورحمة وألفة.
ولذلك كان الزواج من سنن المرسلين فالله عز وجل ذكر عن المرسلين أنه جعل لهم أزواجاً وذرية وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالزواج فقال في صحيح مسلم عن ابن مسعود : {يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء} وهذا عام للذكر والأنثى فهو يصح أن يقال عن الفتاة كما يقال عن الشاب.
ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشعر بالحب لأزواجه على تفاوت في ذلك، في الصحيحين عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في سرية قِبَلْ نجد ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: {يا رسول الله من أحب الناس إليك قال: عائشة ، قال: فمن الرجال قال: أبوها} إلى آخر الحديث، فأولاً الرسول صلى الله عليه وسلم يشعر بالحب والمودة في قلبه لـعائشة رضي الله عنها أكثر مما يشعر لغيرها من الناس، فهي أحب الناس إليه رضي الله عنها ثم إنه صلى الله عليه وسلم لا يستحي من هذا الأمر، أو يكتمه، أو يكنه، بل يعلنه ويعرب عنه ويقول لسائله: أحب الناس إليَّ عائشة ، وكان حبه صلى الله عليه وسلم لعائشة أمراً عجباً، وله في ذلك قصصٌ وأحداثٌ يطول المجال لو تعرضت لها، ومن أراد أن يراجعها فليراجعها، فكثير منها في الصحيحين والسنن وغيرها، فقد كان صلى الله عليه وسلم يحب عائشة ، ولم يكن هذا الحب مقصوراً على عائشة ، بل ورد في حديث الإفك عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت عن زينب بنت جحش : [[وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بدينها، أي أنها لم تدخل في الإفك، ولم تقل إلا خيراً]] فزينب كانت تسامي عائشة وتنافسها سواء من حيث الجمال، أو من حيث المكانة عند الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكذلك تجدون أن النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل على زينب وكان رجال يتحدثون في مجلسه صلى الله عليه وسلم فكأن النبي صلى الله عليه وسلم استبطأهم وهو ينتظر أن يخرجوا بعد أن أكلوا طعام الوليمة، فخرج عليه الصلاة والسلام ثم دار على نسائه كعادته فكان يقول: السلام عليكم، وكيف حالكم؟ ويسأل نساءه عن أحوالهن، ثم رجع فوجد هؤلاء الرجال لا يزالون جالسين فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً عرفوا أنهم أثقلوا عليه فقاموا مسرعين وخرجوا. فوضع النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب، والحديث أصله في صحيح مسلم . فكونه يستبطئ جلوس هؤلاء الرجال، ويرغب أن يُتيحوا له الفرصة ليخلوا بزوجه، هذا دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر وضع الله عز وجل في قلبه ما فيه المحبة لزوجاته، وجعل الزواج سكناً ومودة ورحمة له عليه الصلاة والسلام كما هو لسائر الأمة المحمدية، هذا من حيث المحبة.
ولاشك أنه عليه الصلاة والسلام يتفاوت حبه لأزواجه بعضهن عن بعض، ولذلك اشتهر حبه لعائشة ، وكذلك زينب كان يحبها صلى الله عليه وسلم، ولا يمنع هذا أن يكون حبه لبعض نسائه دون ذلك كما تدل عليه روايات كثيرة وهذا لا شيء فيه، فكان صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيح: {اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك} هذا قسمي فيما أملك أي من الأشياء التي بمقدور الإنسان أن يعدل فيها، فلا تؤاخذني أو فلا تلومني فيما تملك ولا أملك، وذلك هو الحب في القلب وما يترتب عليه، فهذا لا يمكن أن يوجد الإنسان في قلبه محبة لأحد ليست موجودة إلا أن يشاء الله، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ[الأنفال:24] هذا من جانب.
حسن المعاشرة
أما الجانب الثاني: هو حسن معاشرته صلى الله عليه وسلم لأزواجه. بعض الرجال قد يوفق لامرأة يحبها لكنه يكون سيئ الخلق جاف الطبع، فتجد أنه يسيء إليها ويسبها، ويظلمها، وربما يطلقها في ساعة غضب ثم تضيق عليه الأرض بما رحبت لأنه يحبها، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين محبته لزوجاته عليه الصلاة والسلام وحسن العشرة، وانظر إلى هذه النماذج من حسن العشرة.
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: {كنت ألعب بالبنات} أي: تضع لها لعباً من البنات بيدها وهي لعبة بدائية بسيطة وليست كاللعبة الموجودة اليوم وبها تقاسيم وصور، كأنها حقيقية، بل ربما تكون أجمل أحيانا من الصورة الحقيقية، صور بدائية بسيطة تصنعها بيدها فتقول: {ومعي بعض النسوة وبعض الفتيات الصغيرات، فإذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجن فإذا خرج دخلن} فتيات صغيرات يخجلن من الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا دخل البيت خرجن وإذا خرج من البيت دخلن، يلعبن مع عائشة بالبنات.
وأعجب من ذلك الرواية التي رواها أبو داود عنها وهي عجب من العجب بعدما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك تقول عائشة رضي الله عنها: {كنت قد وضعت بناتي، التي كنت ألعب بهن في كوة، أي نافذة في الجدار وعليها الستار فجاءت الريح فحركت الستر فرأى النبي صلى الله عليه وسلم البنات فقال: ما هؤلاء البنات يا عائشة ؟ قلت: هؤلاء بناتي، ثم وجد بينهن فرس أيضاً مصنوعة بنفس الطريقة -طريقة بدائية بسيطة وموضوع لهذا الفرس أجنحة من رقاع- فقال: ما هذه الفرس! فرس له أجنحة؟! فقالت عائشة رضي الله عنها: أما سمعت أن لسليمان عليه السلام فرساً لها أجنحة، قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم} وأنتم تعلمون أنه عقد عليها عليه الصلاة والسلام وعمرها ست سنين ودخل بها وعمرها تسع سنين وهذا هو الصحيح .
فلذلك كانت تعمل هذه الأشياء التي تتناسب مع سنها رضي الله عنها وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك فيعاملها بهذه المعاملة كما سمعتم، ولذلك قالت هي أيضاً كما في الصحيح لما ذكرت نظرها إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، وأنها وضعت خدها على خد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسترها من الناس وهي تنظر إليهم يلعبون حتى ملت، فلم يضيق عليها رسول الله صلى لله عليه وسلم أو يقول يكفي، تركها على رسلها حتى إذا اكتفت من النظر إليهم أومأت، قال اكتفيت قالت نعم، فانصرفت رضي الله عنها، فكانت تقول فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، أي أن الرسول عليه والصلاة والسلام كان يعاملها بهذه المعاملة لحداثة سنها، ولا شك أن المرأة حين تكبر لا تقوم بمثل هذه الأعمال أصلاً لا عائشة رضي الله عنها ولا غيرها من أزواجه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرعى الجانب الواقعي في شأن المرأة، يروي النسائي في سننه عن أنس : {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيت عائشة ، وكان عنده بعض الضيوف فأرسلت إحدى أزواجه -وهي أم سلمة - بطعام في صحفة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأت عائشة الطعام في الصحفة يأتي إلى بيتها غارت وغضبت وجاءت بفهر -وهو الصخرة أو الحصاة بقدر اليد- فضربت هذه الصحفة حتى وقعت وانكسرت، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: غارت أمكم، ثم أخذ الصحفة وأضاف الكسرتين إلى بعضها ووضع عليهما الطعام وقال: كلوا فأكل الضيوف، ثم جاء الطعام بعد ذلك فرد النبي صلى الله عليه وسلم الصحفة السليمة إلى أم سلمة التي أرسلت بالطعام، وجعل الصحفة المنكسرة لـعائشة رضي الله عنها وقال طعام بطعام وإناء بإناء} والمقصود هاهنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام يتحمل ما قد يصدر من المرأة بحكم طبيعتها، فالغيرة أمر طبيعي عند المرأة، ولا يمكن أن يُتجاهل، والإنسان حين يتعامل مع المرأة، يجب أن يدرك ويقدر الفطرة والطبيعة التي فطرها الله تبارك وتعالى عليها؛ لئلا يقع فيما حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام حين قال في الحديث الصحيح: {إن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرتها، وكسرها طلاقها}.
التأديب والتعليم
الجانب الآخر والأخير ولعله آخر المطاف هو أيضاً فيما يتعلق بمعاملته صلى الله عليه وسلم لزوجاته فيما يتعلق بتأديبهن وتعليمهن: فإن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه أمر واسع، وكما سبق أن المسلمين عرفوا كثيراً من السنة عن طريق أمهات المؤمنين، ولكن أكتفي بمثال واحد يتعلق بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم وتأديبه لأزواجه فيما يتعلق بالأحوال البيتية، ومعاملة الرجل لزوجه أو لزوجته، وهو حديث ابن عباس عن عمر رضي الله عنهما وهو في الصحيحين في قصة هجر النبي صلى الله عليه وسلم وإيلائه من نسائه، والحديث طويل وعجيب ولكن لا يتسع الوقت لسرده، إنما الشاهد منه أن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر عليه نساؤه في طلب النفقة فآل النبي ألا يقربهن شهراً، وجلس في مشربه ليس له أي عيش، حتى شاع بين المسلمين أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، وجلس المسلمون في المسجد يبكون لأن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، نعم بيت النبوة، كان يهم كل مسلم الحفاظ عليه، فالمسلمون رجال كبار يجلسون في المسجد يبكون ويسمع بكاءهم لأن الرسول أشيع أنه قد طلق نساءه، وجاء عمر مغضباً لأن بنته حفصة تحت النبي صلى الله عليه وسلم فجاء غاضباً على حفصة ودخل عليها وقال لها: إنه كان يحذرها من هذا، لأنه كان يقول لها لا يغرنك أن تكون ضرتك -يعني عائشة - أجمل منك، وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحذري أن يطلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أردت فأنا أحضره لك، ولا تسألي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فجاء ينبهها إلى هذا الأمر، ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله: أطلقت نساءك يا رسول الله؟ قال: لا، فكبر ثم خرج، فأخبر الناس، فكونه صلى الله عليه وسلم يهجر نساءه شهراً فهذا نوع من التأديب (هجر المرأة) وهو مشروع إذا دعت الحاجة إليه، لقول الله عز وجل: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنّ[النساء:34] فهذا الأول والثاني: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ[النساء:34].
والثالث: وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً[النساء:34] وشأن الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته شأن عجيب.
أيها الإخوة ولو جمعت الأخبار والأحاديث الصحيحة المتعلقة بمعاملته لأزواجه لكان فيها عبرة وأسوة وقدوة، ولكن لا يتسع المجال لأكثر من ذلك.
فيجب علينا معشر المسلمين والمسلمات أن نحرص على الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به في كل أمورنا الخاصة والعامة، في البيت وخارج البيت، والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده محمد وأهله وأصحابه أجمعين.
لقراءة بقية الدرس والإستماع إليه
اضغط هنــــــــــــــــــــــــــا (http://audio.islamweb.net/islamweb/index.cfm?fuseaction=PresentAudio&AudioID=13820)
</div></span>
المرأة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كزوجة
من درس: المرأة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
سلمان العودة
الأمر الذي يليه هو الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره زوجاً، أو معاملته عليه الصلاة والسلام لزوجاته. وهذا الأمر يطول الكلام فيه، فكما في الصحيح من قول أبي هريرة فيما أظن، وخير هذه الأمة أكثرها نساء، أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحكمةٍ ما تعددت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات عن تسع نسوة، وذلك أمر خاص به عليه الصلاة والسلام، أما غيره فلا يجوز له أن يزيد على أربع قال تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[النساء:3] ولعل من أسرار هذا التعدد عنده صلى الله عليه وسلم أنه رسول للبشرية كلها منذ أن بعث وإلى قيام الساعة، فكان الناس بعده بحاجة إلى معرفة كل تصرف يفعله صلى الله عليه وسلم حتى في داخل البيت مع زوجاته، كيف يتوضأ صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يغتسل؟ وكيف ينام؟ بل كيف يكون مع أهله في الفراش؟ وهذه الأشياء كان لابد من عدد من النساء ينقلنها عنه صلى الله عليه وسلم.
أما الأمور الأخرى التي كانت خارج منـزله صلى الله عليه وسلم فكان ينقلها عنه الجماهير الغفيرة من الصحابة رضي الله عنهم الذين يصحبونه في سفره وحضره، وينقلون عنه أقواله وأفعاله عليه الصلاة والسلام، فكان وجود هذا العدد من النساء سبباً في معرفة هديه صلى الله عليه وسلم في منـزله.
ومن العجيب أننا الآن وبعد مرور أربعة عشر قرناً على وفاته صلى الله عليه وسلم ما زلنا نعرف أدق التفاصيل عن حياته البيتية مما لا يعرفه الواحد منا عن جاره، أو أخيه، أو زميله في العمل، ولا يعرفه الأب عن ابنه، ولا يعرفه الابن عن أبيه، الابن لا يعرف كيف يقضي أبوه حياته في داخل غرفته الخاصة، أو في منـزله الخاص، والأب لا يعرف هذا من ابنه، والصديق لا يعرفه من صديقه، لكننا نعرف ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك حتى تتم الأسوة والقدوة لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
وهديه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بمعاملته لأزواجه، وبالمناسبة فاستعمال كلمة أزواج للمرأة وهو جمع زوج والمرأة تسمى زوجاً والرجل أيضاً يسمى زوجاً، وهذا هو الأفصح وهو الذي ورد في القرآن الكريم، وأما تسمية المرأة زوجة فهي أيضاً فصيحة وصحيحة، ولكن تلك أفصح منها فيقال أزواج بمعنى زوجات، ففيما يتعلق بتعامله صلى الله عليه وسلم مع أزواجه أيضاً أشير إلى ثلاثة جوانب:
جانب الحب والمودة
أما الجانب الأول فهو: جانب الحب والمودة: وقد جعل الله تبارك وتعالى الزواج سكناً ورحمة ومودة: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً[الروم:21] فالزواج سكن ومودة ورحمة وألفة.
ولذلك كان الزواج من سنن المرسلين فالله عز وجل ذكر عن المرسلين أنه جعل لهم أزواجاً وذرية وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالزواج فقال في صحيح مسلم عن ابن مسعود : {يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء} وهذا عام للذكر والأنثى فهو يصح أن يقال عن الفتاة كما يقال عن الشاب.
ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشعر بالحب لأزواجه على تفاوت في ذلك، في الصحيحين عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في سرية قِبَلْ نجد ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: {يا رسول الله من أحب الناس إليك قال: عائشة ، قال: فمن الرجال قال: أبوها} إلى آخر الحديث، فأولاً الرسول صلى الله عليه وسلم يشعر بالحب والمودة في قلبه لـعائشة رضي الله عنها أكثر مما يشعر لغيرها من الناس، فهي أحب الناس إليه رضي الله عنها ثم إنه صلى الله عليه وسلم لا يستحي من هذا الأمر، أو يكتمه، أو يكنه، بل يعلنه ويعرب عنه ويقول لسائله: أحب الناس إليَّ عائشة ، وكان حبه صلى الله عليه وسلم لعائشة أمراً عجباً، وله في ذلك قصصٌ وأحداثٌ يطول المجال لو تعرضت لها، ومن أراد أن يراجعها فليراجعها، فكثير منها في الصحيحين والسنن وغيرها، فقد كان صلى الله عليه وسلم يحب عائشة ، ولم يكن هذا الحب مقصوراً على عائشة ، بل ورد في حديث الإفك عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت عن زينب بنت جحش : [[وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بدينها، أي أنها لم تدخل في الإفك، ولم تقل إلا خيراً]] فزينب كانت تسامي عائشة وتنافسها سواء من حيث الجمال، أو من حيث المكانة عند الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكذلك تجدون أن النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل على زينب وكان رجال يتحدثون في مجلسه صلى الله عليه وسلم فكأن النبي صلى الله عليه وسلم استبطأهم وهو ينتظر أن يخرجوا بعد أن أكلوا طعام الوليمة، فخرج عليه الصلاة والسلام ثم دار على نسائه كعادته فكان يقول: السلام عليكم، وكيف حالكم؟ ويسأل نساءه عن أحوالهن، ثم رجع فوجد هؤلاء الرجال لا يزالون جالسين فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً عرفوا أنهم أثقلوا عليه فقاموا مسرعين وخرجوا. فوضع النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب، والحديث أصله في صحيح مسلم . فكونه يستبطئ جلوس هؤلاء الرجال، ويرغب أن يُتيحوا له الفرصة ليخلوا بزوجه، هذا دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر وضع الله عز وجل في قلبه ما فيه المحبة لزوجاته، وجعل الزواج سكناً ومودة ورحمة له عليه الصلاة والسلام كما هو لسائر الأمة المحمدية، هذا من حيث المحبة.
ولاشك أنه عليه الصلاة والسلام يتفاوت حبه لأزواجه بعضهن عن بعض، ولذلك اشتهر حبه لعائشة ، وكذلك زينب كان يحبها صلى الله عليه وسلم، ولا يمنع هذا أن يكون حبه لبعض نسائه دون ذلك كما تدل عليه روايات كثيرة وهذا لا شيء فيه، فكان صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيح: {اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك} هذا قسمي فيما أملك أي من الأشياء التي بمقدور الإنسان أن يعدل فيها، فلا تؤاخذني أو فلا تلومني فيما تملك ولا أملك، وذلك هو الحب في القلب وما يترتب عليه، فهذا لا يمكن أن يوجد الإنسان في قلبه محبة لأحد ليست موجودة إلا أن يشاء الله، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ[الأنفال:24] هذا من جانب.
حسن المعاشرة
أما الجانب الثاني: هو حسن معاشرته صلى الله عليه وسلم لأزواجه. بعض الرجال قد يوفق لامرأة يحبها لكنه يكون سيئ الخلق جاف الطبع، فتجد أنه يسيء إليها ويسبها، ويظلمها، وربما يطلقها في ساعة غضب ثم تضيق عليه الأرض بما رحبت لأنه يحبها، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين محبته لزوجاته عليه الصلاة والسلام وحسن العشرة، وانظر إلى هذه النماذج من حسن العشرة.
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: {كنت ألعب بالبنات} أي: تضع لها لعباً من البنات بيدها وهي لعبة بدائية بسيطة وليست كاللعبة الموجودة اليوم وبها تقاسيم وصور، كأنها حقيقية، بل ربما تكون أجمل أحيانا من الصورة الحقيقية، صور بدائية بسيطة تصنعها بيدها فتقول: {ومعي بعض النسوة وبعض الفتيات الصغيرات، فإذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجن فإذا خرج دخلن} فتيات صغيرات يخجلن من الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا دخل البيت خرجن وإذا خرج من البيت دخلن، يلعبن مع عائشة بالبنات.
وأعجب من ذلك الرواية التي رواها أبو داود عنها وهي عجب من العجب بعدما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك تقول عائشة رضي الله عنها: {كنت قد وضعت بناتي، التي كنت ألعب بهن في كوة، أي نافذة في الجدار وعليها الستار فجاءت الريح فحركت الستر فرأى النبي صلى الله عليه وسلم البنات فقال: ما هؤلاء البنات يا عائشة ؟ قلت: هؤلاء بناتي، ثم وجد بينهن فرس أيضاً مصنوعة بنفس الطريقة -طريقة بدائية بسيطة وموضوع لهذا الفرس أجنحة من رقاع- فقال: ما هذه الفرس! فرس له أجنحة؟! فقالت عائشة رضي الله عنها: أما سمعت أن لسليمان عليه السلام فرساً لها أجنحة، قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم} وأنتم تعلمون أنه عقد عليها عليه الصلاة والسلام وعمرها ست سنين ودخل بها وعمرها تسع سنين وهذا هو الصحيح .
فلذلك كانت تعمل هذه الأشياء التي تتناسب مع سنها رضي الله عنها وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك فيعاملها بهذه المعاملة كما سمعتم، ولذلك قالت هي أيضاً كما في الصحيح لما ذكرت نظرها إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، وأنها وضعت خدها على خد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسترها من الناس وهي تنظر إليهم يلعبون حتى ملت، فلم يضيق عليها رسول الله صلى لله عليه وسلم أو يقول يكفي، تركها على رسلها حتى إذا اكتفت من النظر إليهم أومأت، قال اكتفيت قالت نعم، فانصرفت رضي الله عنها، فكانت تقول فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، أي أن الرسول عليه والصلاة والسلام كان يعاملها بهذه المعاملة لحداثة سنها، ولا شك أن المرأة حين تكبر لا تقوم بمثل هذه الأعمال أصلاً لا عائشة رضي الله عنها ولا غيرها من أزواجه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرعى الجانب الواقعي في شأن المرأة، يروي النسائي في سننه عن أنس : {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيت عائشة ، وكان عنده بعض الضيوف فأرسلت إحدى أزواجه -وهي أم سلمة - بطعام في صحفة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأت عائشة الطعام في الصحفة يأتي إلى بيتها غارت وغضبت وجاءت بفهر -وهو الصخرة أو الحصاة بقدر اليد- فضربت هذه الصحفة حتى وقعت وانكسرت، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: غارت أمكم، ثم أخذ الصحفة وأضاف الكسرتين إلى بعضها ووضع عليهما الطعام وقال: كلوا فأكل الضيوف، ثم جاء الطعام بعد ذلك فرد النبي صلى الله عليه وسلم الصحفة السليمة إلى أم سلمة التي أرسلت بالطعام، وجعل الصحفة المنكسرة لـعائشة رضي الله عنها وقال طعام بطعام وإناء بإناء} والمقصود هاهنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام يتحمل ما قد يصدر من المرأة بحكم طبيعتها، فالغيرة أمر طبيعي عند المرأة، ولا يمكن أن يُتجاهل، والإنسان حين يتعامل مع المرأة، يجب أن يدرك ويقدر الفطرة والطبيعة التي فطرها الله تبارك وتعالى عليها؛ لئلا يقع فيما حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام حين قال في الحديث الصحيح: {إن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرتها، وكسرها طلاقها}.
التأديب والتعليم
الجانب الآخر والأخير ولعله آخر المطاف هو أيضاً فيما يتعلق بمعاملته صلى الله عليه وسلم لزوجاته فيما يتعلق بتأديبهن وتعليمهن: فإن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه أمر واسع، وكما سبق أن المسلمين عرفوا كثيراً من السنة عن طريق أمهات المؤمنين، ولكن أكتفي بمثال واحد يتعلق بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم وتأديبه لأزواجه فيما يتعلق بالأحوال البيتية، ومعاملة الرجل لزوجه أو لزوجته، وهو حديث ابن عباس عن عمر رضي الله عنهما وهو في الصحيحين في قصة هجر النبي صلى الله عليه وسلم وإيلائه من نسائه، والحديث طويل وعجيب ولكن لا يتسع الوقت لسرده، إنما الشاهد منه أن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر عليه نساؤه في طلب النفقة فآل النبي ألا يقربهن شهراً، وجلس في مشربه ليس له أي عيش، حتى شاع بين المسلمين أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، وجلس المسلمون في المسجد يبكون لأن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، نعم بيت النبوة، كان يهم كل مسلم الحفاظ عليه، فالمسلمون رجال كبار يجلسون في المسجد يبكون ويسمع بكاءهم لأن الرسول أشيع أنه قد طلق نساءه، وجاء عمر مغضباً لأن بنته حفصة تحت النبي صلى الله عليه وسلم فجاء غاضباً على حفصة ودخل عليها وقال لها: إنه كان يحذرها من هذا، لأنه كان يقول لها لا يغرنك أن تكون ضرتك -يعني عائشة - أجمل منك، وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحذري أن يطلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أردت فأنا أحضره لك، ولا تسألي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فجاء ينبهها إلى هذا الأمر، ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله: أطلقت نساءك يا رسول الله؟ قال: لا، فكبر ثم خرج، فأخبر الناس، فكونه صلى الله عليه وسلم يهجر نساءه شهراً فهذا نوع من التأديب (هجر المرأة) وهو مشروع إذا دعت الحاجة إليه، لقول الله عز وجل: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنّ[النساء:34] فهذا الأول والثاني: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ[النساء:34].
والثالث: وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً[النساء:34] وشأن الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته شأن عجيب.
أيها الإخوة ولو جمعت الأخبار والأحاديث الصحيحة المتعلقة بمعاملته لأزواجه لكان فيها عبرة وأسوة وقدوة، ولكن لا يتسع المجال لأكثر من ذلك.
فيجب علينا معشر المسلمين والمسلمات أن نحرص على الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به في كل أمورنا الخاصة والعامة، في البيت وخارج البيت، والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده محمد وأهله وأصحابه أجمعين.
لقراءة بقية الدرس والإستماع إليه
اضغط هنــــــــــــــــــــــــــا (http://audio.islamweb.net/islamweb/index.cfm?fuseaction=PresentAudio&AudioID=13820)
</div></span>