قصواء
26 Sep 2010, 01:37 AM
هناك غاية محددة لوجود الجن والإنس، تتمثل في أداء مهمة سامية، من قام بها، فقد حقق غاية وجوده، ومن قصَّر فيها، باتت حياته فارغة من القصد، خاوية من معناها الأصيل.
هذه الغاية المحددة: هي عبادة الله وحده، كما شرع لعباده أن يعبدوه، ولا تستقيم حياة العبد كلها، إلا على ضوء هذه المهمة والغاية.
قال - تعالى -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58].
والدعوة إلى الله - عزَّ وجلَّ - من أفضل الأعمال، وأقرب القربات، وأوجب الواجبات، بعث الله - تعالى - صفوة خلقه من الأنبياء والرُّسل - عليهم الصلاة والسلام - للقيام بها، ووعد القائمين بها أجرًا عظيمًا وثوابًا جزيلاً في الدنيا والآخرة، بل إن الله - جل وعلا - جعلها شعارًا لأتباع الرسل - عليهم الصلاة والسلام.
ولقد كان هؤلاء وهم خيار عِباد الله - تعالى - يهتمون بالدعوة أبلغ الاهتمام، ويحرصون على إخراج الناس من الظلمات إلى النور أشد الحرص، وهكذا حال من سلك دربهم من صالحي الأمة ومصلحيها، وهذا الاهتمام الملحوظ يرجع لأسباب؛ منها:
(1) أن الله - تعالى - أعلا منزلة الدعاة؛ حيث يصيرون بها من أحسن الناس قولاً عند خالقهم - جل وعلا - قال - تعالى -: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
(2) مما يجعل المسلم يحرص على تبليغ الدين إلى الناس - دعاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمن بلَّغ قوله إلى غيره؛ حيث يقول: ((نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فبلغَّها؛ فرُبَّ حامل فقه غير فقيه، ورُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه))[1] (http://www.ala7ebah.com/upload/#_ftn1)، ومعنى نضَّر الله: هذا دعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة.
(3) الحرص على هداية الناس له فضل عظيم، لا سيَّما إذا هدى الله على يده أحدًا، يدل لذلك ما ثبت عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لعلي - رضي الله عنه - لما أعطاه الراية يوم خيبر: ((أنفذ على رسلك؛ حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا، خير لك من حُمر النعم))[2] (http://www.ala7ebah.com/upload/#_ftn2).
وقد بيَّن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن من دلَّ على خير، فله مثل أجر فاعله؛ فقد روى ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من دلَّ على خير، فله مثل أجر فاعله))[3] (http://www.ala7ebah.com/upload/#_ftn3).
وأكد في سنته أن مما يتبع الشخص بعد موته وينفعه - وهو في قبره - العلم الذي يبثه في الناس؛ فقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاثة؛ إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له))[4] (http://www.ala7ebah.com/upload/#_ftn4).
وحينما ننظر إلى سيرة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - العملية في الجانب الدعوي، نجده يدعو في جميع الأماكن والأزمان والأحوال، فلم يوجه دعوته - صلَّى الله عليه وسلَّم - لصنف من الناس دون صنف؛ بل دعا الناس جميعًا؛ من أحبوه ومن أبغضوه، ومن استمع إليه، ومن أعرض عنه، بل يوجه دعوته إلى من آذاه؛ لأن الدعوة تكليف من الله لا بد من القيام كسائر التكاليف الشرعية.
ولم يخص - صلَّى الله عليه وسلَّم - مكانًا دون غيره للدعوة؛ بل كان يدعو في المسجد، والطريق، والسوق، والحضر، والسفر، بل وحتى في المقبرة، وعلى رأس الجبل لم يترك الدعوة.
وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستغل المواسم وأماكن تجمع الناس؛ ليكون ذلك أبلغ في دعوته، ولتصل أكبر عدد من الناس، واستمر - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أداء هذه المهمة الجليلة مشمرًا عن ساعديه، باذلاً كل ما في وسعه، مستخدمًا كل وسيلة متاحة، متحملاً كل أذى في سبيل إبلاغ الدعوة وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
وقد امتلأت سيرته وفاضت بالمواقف الدعوية الرائدة التي تتمثل فيه القدوة العملية للدعاة والعلماء والمصلحين، وسبيله في ذلك ومنطلقه وقاعدته العريضة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].
وهذا المنبر المبارك لبنةً من لبناتِ العلم، ورافد من روافد الدعوة إلى الله، اجتهد الابن محمد في تهيئته وتوظيفه؛ ليكون منبرًا علميًّا ودعويًا خاصًّا.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يحقق المقصود، وأن ينفع به، وأن يجعله ذخرًا لي ووالديّ وذُريتي، وأن يكون من العلم النافع الذي ينتفع به في الحياة وبعد الممات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[1] (http://www.ala7ebah.com/upload/#_ftnref1) رواه ابن ماجه، وهو صحيح؛ انظر: صحيح سنن ابن ماجه، (1/ 45).
[2] (http://www.ala7ebah.com/upload/#_ftnref2) رواه البخاري في كتاب المغازي، (7/ 476)، برقم (4210).
[3] (http://www.ala7ebah.com/upload/#_ftnref3) رواه مسلم في كتاب الإمارة، (3/ 1506)، برقم (1893).
[4] (http://www.ala7ebah.com/upload/#_ftnref4)رواه مسلم في كتاب الوصيَّة، (3/ 1255)، برقم (1631).
هذه الغاية المحددة: هي عبادة الله وحده، كما شرع لعباده أن يعبدوه، ولا تستقيم حياة العبد كلها، إلا على ضوء هذه المهمة والغاية.
قال - تعالى -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58].
والدعوة إلى الله - عزَّ وجلَّ - من أفضل الأعمال، وأقرب القربات، وأوجب الواجبات، بعث الله - تعالى - صفوة خلقه من الأنبياء والرُّسل - عليهم الصلاة والسلام - للقيام بها، ووعد القائمين بها أجرًا عظيمًا وثوابًا جزيلاً في الدنيا والآخرة، بل إن الله - جل وعلا - جعلها شعارًا لأتباع الرسل - عليهم الصلاة والسلام.
ولقد كان هؤلاء وهم خيار عِباد الله - تعالى - يهتمون بالدعوة أبلغ الاهتمام، ويحرصون على إخراج الناس من الظلمات إلى النور أشد الحرص، وهكذا حال من سلك دربهم من صالحي الأمة ومصلحيها، وهذا الاهتمام الملحوظ يرجع لأسباب؛ منها:
(1) أن الله - تعالى - أعلا منزلة الدعاة؛ حيث يصيرون بها من أحسن الناس قولاً عند خالقهم - جل وعلا - قال - تعالى -: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
(2) مما يجعل المسلم يحرص على تبليغ الدين إلى الناس - دعاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمن بلَّغ قوله إلى غيره؛ حيث يقول: ((نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فبلغَّها؛ فرُبَّ حامل فقه غير فقيه، ورُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه))[1] (http://www.ala7ebah.com/upload/#_ftn1)، ومعنى نضَّر الله: هذا دعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة.
(3) الحرص على هداية الناس له فضل عظيم، لا سيَّما إذا هدى الله على يده أحدًا، يدل لذلك ما ثبت عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لعلي - رضي الله عنه - لما أعطاه الراية يوم خيبر: ((أنفذ على رسلك؛ حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا، خير لك من حُمر النعم))[2] (http://www.ala7ebah.com/upload/#_ftn2).
وقد بيَّن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن من دلَّ على خير، فله مثل أجر فاعله؛ فقد روى ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من دلَّ على خير، فله مثل أجر فاعله))[3] (http://www.ala7ebah.com/upload/#_ftn3).
وأكد في سنته أن مما يتبع الشخص بعد موته وينفعه - وهو في قبره - العلم الذي يبثه في الناس؛ فقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاثة؛ إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له))[4] (http://www.ala7ebah.com/upload/#_ftn4).
وحينما ننظر إلى سيرة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - العملية في الجانب الدعوي، نجده يدعو في جميع الأماكن والأزمان والأحوال، فلم يوجه دعوته - صلَّى الله عليه وسلَّم - لصنف من الناس دون صنف؛ بل دعا الناس جميعًا؛ من أحبوه ومن أبغضوه، ومن استمع إليه، ومن أعرض عنه، بل يوجه دعوته إلى من آذاه؛ لأن الدعوة تكليف من الله لا بد من القيام كسائر التكاليف الشرعية.
ولم يخص - صلَّى الله عليه وسلَّم - مكانًا دون غيره للدعوة؛ بل كان يدعو في المسجد، والطريق، والسوق، والحضر، والسفر، بل وحتى في المقبرة، وعلى رأس الجبل لم يترك الدعوة.
وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستغل المواسم وأماكن تجمع الناس؛ ليكون ذلك أبلغ في دعوته، ولتصل أكبر عدد من الناس، واستمر - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أداء هذه المهمة الجليلة مشمرًا عن ساعديه، باذلاً كل ما في وسعه، مستخدمًا كل وسيلة متاحة، متحملاً كل أذى في سبيل إبلاغ الدعوة وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
وقد امتلأت سيرته وفاضت بالمواقف الدعوية الرائدة التي تتمثل فيه القدوة العملية للدعاة والعلماء والمصلحين، وسبيله في ذلك ومنطلقه وقاعدته العريضة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].
وهذا المنبر المبارك لبنةً من لبناتِ العلم، ورافد من روافد الدعوة إلى الله، اجتهد الابن محمد في تهيئته وتوظيفه؛ ليكون منبرًا علميًّا ودعويًا خاصًّا.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يحقق المقصود، وأن ينفع به، وأن يجعله ذخرًا لي ووالديّ وذُريتي، وأن يكون من العلم النافع الذي ينتفع به في الحياة وبعد الممات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[1] (http://www.ala7ebah.com/upload/#_ftnref1) رواه ابن ماجه، وهو صحيح؛ انظر: صحيح سنن ابن ماجه، (1/ 45).
[2] (http://www.ala7ebah.com/upload/#_ftnref2) رواه البخاري في كتاب المغازي، (7/ 476)، برقم (4210).
[3] (http://www.ala7ebah.com/upload/#_ftnref3) رواه مسلم في كتاب الإمارة، (3/ 1506)، برقم (1893).
[4] (http://www.ala7ebah.com/upload/#_ftnref4)رواه مسلم في كتاب الوصيَّة، (3/ 1255)، برقم (1631).