طيف المدينة
22 Oct 2010, 01:07 AM
طاعة الأئمة من أصول أهل السنة (1)
خالد بن سعود البليهد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد واله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن السمع والطاعة للأئمة من أصول أهل السنة والجماعة العظيمة التي أوجبها الله على عباده وألزمهم بها وشدد فيها. قال تعالى.(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). وقال صلى الله عليه وسلم.(على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة). متفق عليه. وفي الصحيحين قال عبادة بن الصامت .(بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا). وفي صحيح البخاري: (من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني).والأحاديث في هذه مستفيضة محفوظة عند أهل السنة.
وقد أجمع أهل السنة على هذا الأصل وأكثر الأئمة من بيانه قال الإمام أحمد .(والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر). وقال سفيان الثوري لشعيب بن حرب: (ياشعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر). وقال الطحاوي: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعو عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية وندعو لهم بالصلاح والمعافاة). وقال ابن تيميه.(فذلك ما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومنا صحتهم هو واجب على المسلم وإن استأثروا عليه وما نهى الله عنه ورسوبه من معصيتهم فهو محرم وإن أكره عليه).
ولم ينقل عن أحد من السلف المعتبرين لا من الصحابة فمن بعدهم مخالفة هذا الأصل أو القول بعدم لزوم الطاعة وجواز الخروج على الأئمة اللهم إلا خلافا عن بعض التابعين وتبع التابعين لكن هذا الخلاف وقع في الفتنة قبل أن تقرر عقيدة أهل السنة والجماعة ثم لما انكشفت الفتنة واتضحت الأمور تقرر هذا الأصل واستقر الإجماع عليه وبينه أئمة السنة وهو الموافق للنصوص الصريحة من الكتاب والسنة وصار ما حفظ من الخلاف اليسير شاذ لا يلتفت إليه لمخالفته للنصوص ومسلك الجماعة. فلا يسوغ لأحد من المتأخرين الاستدلال به. قال ابن تيمية: (ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين). وقال ابن حجر : (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء).
وإنما شرع الله طاعة الأئمة لما يترتب على ذلك من المصالح والفوائد العامة والخاصة للأمة من اجتماع الكلمة وتوحيد الصف وأمن الطريق وإقامة الشرع وإظهار الشعائر والقيام بمصالح الخلق وغير ذلك. قال الحسن البصري: (هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود. والله لا يستقيم الدين إلاَّ بهم، وإن جاروا وظلموا. والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وأن فرقتهم لكفر). وقال ابن رجب: (وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم، كما قال على بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الناس لا يصلحهم إلا إمام، برُّ أو فاجر؛ إن كان فاجراً عبد المؤمن فيه ربه وحمل الفاجر فيها إلى أجله). ولا يعرف قدر هذه النعمة إلا من فقدها ووطأ بقدميه حر جمر فتنتها.
والإمام الذي تلزم طاعته من كان منتسبا للإسلام مظهرا لشعائر الدين اختاره أهل العدل والفضل أو غلب على المسلمين بسيفه وقهرهم بسلطانه.قال الإمام أحمد: (ومن ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به وما غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين). وهذا محل إجماع بين أهل السنة.ولا عبرة بمن خالفهم وشذ عن المعتزلة وغيرهم من أهل البدع. قال الأشعري في رسالته أهل الثغر: (وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين وعلى أن كل من ولي شيئا من أمورهم عن رضى أو غلبة وامتدت طاعته من بر وفاجر لا يلزم الخروج عليه بالسيف جار أو عدل ،وعلى أن يغزوا معه العدو، ويحج معهم البيت،وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها ويصلى خلفهم الجمع و الأعياد).
والمؤمن السني يتعبد الله عز وجل بطاعته للإمام رجاء ثوابه وخشية من عقابه ولا يفعل ذلك رجاء لعطاء الحاكم وخوفا من سطوته ولا يجعل بيعته وطاعته في مقابل عرض الدنيا. ولذلك ورد الوعيد. فيمن بايع لأجل الدنيا ثم غدر في بيعته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك ، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يف). متفق عليه.
وإنما تجب طاعة الإمام في المعروف وتحرم في المعصية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ طاعة فِي معصبة الله إنما الطاعة في المعروف). متفق عليه. فإذا أمر الحاكم بأمر ليس فيه منكر سواء كان مشروعا أو مباحا وجب طاعته في ذلك وحرم مخالفته. أما إذا أمر بمعصية فلا تجوز طاعته في هذه المعصية فقط ويطاع فيما سوى ذلك
وطاعة الأئمة من أعظم ما يميز أهل السنة فهو شعار لهم لأنهم يدعون إلى الألفة والجماعة وائتلاف الكلمة وهذا من خصائصهم. أما أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والرافضة وغيرهم فشعارهم الذي يميزهم الطعن في الأئمة والخروج عليهم واستباحة المسلمين ولذلك قال البربهاري: (واعلم أن الأهواء كلها ردية، كلها تدعوا إلى السيف). ومراده أن كل صاحب بدعة تؤول به بدعته وتفضي به إلى التعصب لها ومخالفة الجماعة والخروج على إمامهم. قال ابن تيمية: (أهل البدع من الخوارج والشيعة والمعتزلة وغيرهم يرون قتال أئمة الجور ، والخروج عليهم إذا فعلوا ما هو ظلم أو ما ظنوه هم ظلماً ويرون ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
وطاعة الإمام من سلامة صدر المؤمن ونصحه وحبه المسلمين وإرادة الخير لهم لأنه قدم مصلحة الجماعة في الأثرة على مصلحته الخاصة ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمور ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم). رواه الترمذي وصححه. فالمؤمن لا يبغض قلبه ولا يكره هذه الخصال الثلاث التي يرضاها الله ورسوله وفيها صلاح العباد والبلاد.
وظلم الحاكم وفسقه وجوره لا يسوغ أبدا شرعا عصيانه وترك طاعته ونزع يد الطاعة عنه ولو ظلم وأسرف واستأثر بأموال العباد وأنزل الضر بهم فعن سويد بن غفلة قال قال لي عمر بن الخطاب : (لعلك أن تخلف بعدي فأطع الإمام وإن كان عبدا حبشيا وإن ضربك فاصبر وإن حرمك فاصبر وإن دعاك إلى أمر منقصة في دنياك فقل سمعا وطاعة دمي دون ديني). رواه الآجري بإسناد صحيح. وفي مسند أحمد عن حذيفة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإن كان لله يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك فالزمه). وفي حديث عبادة: (اسمع وأطع فِي عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة علينا وإِن أكلوا مالك وضربوا ظهرك إِلا أن يكون معصية). رواه ابن حبان واصله في الصحيحين. فالواجب على المسلم حينئذ الصبر على ظلمهم وطاعتهم في الحق ونصحهم ومطالبتهم بالحقوق بالمعروف فإن قبلوا وإلا احتسب الثواب وفوض الأمر لله ورجا ما عنده من الوعد كما ثبت في الصحيحين لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أمراء تعرفون وتنكرون قال له الصحابي فما تأمرنا: قال: (أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم).
ومن اعتقد أن ظلم الحاكم سبب شرعي لنزع الطاعة والخروج عليه فقد أخطا وخالف السنة الصريحة ومذهب أئمة السلف ووافق المعتزلة والخوارج في مذهبهم ولا يسوغ له الاحتجاج بقتال بعض أهل الديانة والقراء في الفتنة لأن الأمر اشتبه عليهم وهم مخطئون في اجتهادهم وقد أنكر عليهم وعارضهم غيرهم من الأئمة ولا تعارض السنة المتواترة والإجماع بأفعال الناس. ومع ذلك فإن هذه الفتن التي وقعت في صدر الإسلام لها ملابسات وأحوال تخفى علينا فهي من المتشابه الذي يرد إلى المحكم من النصوص والقواعد الشرعية. قال عمرو بن يزيد صاحب الطعام : سمعت الحسن أيام يزيد بن المهلب يقول : وأتاه رهط فأمرهم أن يلزموا بيوتهم ، ويغلقوا عليهم أبوابهم ، ثم قال : والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يرفع الله عز وجل ذلك عنهم ، وذلك أنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه ، ووالله ما جاؤوا بيوم خير قط ، ثم تلا : (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون).
خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
تـــابــــــــع .....
خالد بن سعود البليهد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد واله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن السمع والطاعة للأئمة من أصول أهل السنة والجماعة العظيمة التي أوجبها الله على عباده وألزمهم بها وشدد فيها. قال تعالى.(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). وقال صلى الله عليه وسلم.(على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة). متفق عليه. وفي الصحيحين قال عبادة بن الصامت .(بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا). وفي صحيح البخاري: (من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني).والأحاديث في هذه مستفيضة محفوظة عند أهل السنة.
وقد أجمع أهل السنة على هذا الأصل وأكثر الأئمة من بيانه قال الإمام أحمد .(والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر). وقال سفيان الثوري لشعيب بن حرب: (ياشعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر). وقال الطحاوي: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعو عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية وندعو لهم بالصلاح والمعافاة). وقال ابن تيميه.(فذلك ما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومنا صحتهم هو واجب على المسلم وإن استأثروا عليه وما نهى الله عنه ورسوبه من معصيتهم فهو محرم وإن أكره عليه).
ولم ينقل عن أحد من السلف المعتبرين لا من الصحابة فمن بعدهم مخالفة هذا الأصل أو القول بعدم لزوم الطاعة وجواز الخروج على الأئمة اللهم إلا خلافا عن بعض التابعين وتبع التابعين لكن هذا الخلاف وقع في الفتنة قبل أن تقرر عقيدة أهل السنة والجماعة ثم لما انكشفت الفتنة واتضحت الأمور تقرر هذا الأصل واستقر الإجماع عليه وبينه أئمة السنة وهو الموافق للنصوص الصريحة من الكتاب والسنة وصار ما حفظ من الخلاف اليسير شاذ لا يلتفت إليه لمخالفته للنصوص ومسلك الجماعة. فلا يسوغ لأحد من المتأخرين الاستدلال به. قال ابن تيمية: (ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين). وقال ابن حجر : (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء).
وإنما شرع الله طاعة الأئمة لما يترتب على ذلك من المصالح والفوائد العامة والخاصة للأمة من اجتماع الكلمة وتوحيد الصف وأمن الطريق وإقامة الشرع وإظهار الشعائر والقيام بمصالح الخلق وغير ذلك. قال الحسن البصري: (هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود. والله لا يستقيم الدين إلاَّ بهم، وإن جاروا وظلموا. والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وأن فرقتهم لكفر). وقال ابن رجب: (وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم، كما قال على بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الناس لا يصلحهم إلا إمام، برُّ أو فاجر؛ إن كان فاجراً عبد المؤمن فيه ربه وحمل الفاجر فيها إلى أجله). ولا يعرف قدر هذه النعمة إلا من فقدها ووطأ بقدميه حر جمر فتنتها.
والإمام الذي تلزم طاعته من كان منتسبا للإسلام مظهرا لشعائر الدين اختاره أهل العدل والفضل أو غلب على المسلمين بسيفه وقهرهم بسلطانه.قال الإمام أحمد: (ومن ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به وما غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين). وهذا محل إجماع بين أهل السنة.ولا عبرة بمن خالفهم وشذ عن المعتزلة وغيرهم من أهل البدع. قال الأشعري في رسالته أهل الثغر: (وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين وعلى أن كل من ولي شيئا من أمورهم عن رضى أو غلبة وامتدت طاعته من بر وفاجر لا يلزم الخروج عليه بالسيف جار أو عدل ،وعلى أن يغزوا معه العدو، ويحج معهم البيت،وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها ويصلى خلفهم الجمع و الأعياد).
والمؤمن السني يتعبد الله عز وجل بطاعته للإمام رجاء ثوابه وخشية من عقابه ولا يفعل ذلك رجاء لعطاء الحاكم وخوفا من سطوته ولا يجعل بيعته وطاعته في مقابل عرض الدنيا. ولذلك ورد الوعيد. فيمن بايع لأجل الدنيا ثم غدر في بيعته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك ، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يف). متفق عليه.
وإنما تجب طاعة الإمام في المعروف وتحرم في المعصية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ طاعة فِي معصبة الله إنما الطاعة في المعروف). متفق عليه. فإذا أمر الحاكم بأمر ليس فيه منكر سواء كان مشروعا أو مباحا وجب طاعته في ذلك وحرم مخالفته. أما إذا أمر بمعصية فلا تجوز طاعته في هذه المعصية فقط ويطاع فيما سوى ذلك
وطاعة الأئمة من أعظم ما يميز أهل السنة فهو شعار لهم لأنهم يدعون إلى الألفة والجماعة وائتلاف الكلمة وهذا من خصائصهم. أما أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والرافضة وغيرهم فشعارهم الذي يميزهم الطعن في الأئمة والخروج عليهم واستباحة المسلمين ولذلك قال البربهاري: (واعلم أن الأهواء كلها ردية، كلها تدعوا إلى السيف). ومراده أن كل صاحب بدعة تؤول به بدعته وتفضي به إلى التعصب لها ومخالفة الجماعة والخروج على إمامهم. قال ابن تيمية: (أهل البدع من الخوارج والشيعة والمعتزلة وغيرهم يرون قتال أئمة الجور ، والخروج عليهم إذا فعلوا ما هو ظلم أو ما ظنوه هم ظلماً ويرون ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
وطاعة الإمام من سلامة صدر المؤمن ونصحه وحبه المسلمين وإرادة الخير لهم لأنه قدم مصلحة الجماعة في الأثرة على مصلحته الخاصة ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمور ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم). رواه الترمذي وصححه. فالمؤمن لا يبغض قلبه ولا يكره هذه الخصال الثلاث التي يرضاها الله ورسوله وفيها صلاح العباد والبلاد.
وظلم الحاكم وفسقه وجوره لا يسوغ أبدا شرعا عصيانه وترك طاعته ونزع يد الطاعة عنه ولو ظلم وأسرف واستأثر بأموال العباد وأنزل الضر بهم فعن سويد بن غفلة قال قال لي عمر بن الخطاب : (لعلك أن تخلف بعدي فأطع الإمام وإن كان عبدا حبشيا وإن ضربك فاصبر وإن حرمك فاصبر وإن دعاك إلى أمر منقصة في دنياك فقل سمعا وطاعة دمي دون ديني). رواه الآجري بإسناد صحيح. وفي مسند أحمد عن حذيفة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإن كان لله يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك فالزمه). وفي حديث عبادة: (اسمع وأطع فِي عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة علينا وإِن أكلوا مالك وضربوا ظهرك إِلا أن يكون معصية). رواه ابن حبان واصله في الصحيحين. فالواجب على المسلم حينئذ الصبر على ظلمهم وطاعتهم في الحق ونصحهم ومطالبتهم بالحقوق بالمعروف فإن قبلوا وإلا احتسب الثواب وفوض الأمر لله ورجا ما عنده من الوعد كما ثبت في الصحيحين لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أمراء تعرفون وتنكرون قال له الصحابي فما تأمرنا: قال: (أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم).
ومن اعتقد أن ظلم الحاكم سبب شرعي لنزع الطاعة والخروج عليه فقد أخطا وخالف السنة الصريحة ومذهب أئمة السلف ووافق المعتزلة والخوارج في مذهبهم ولا يسوغ له الاحتجاج بقتال بعض أهل الديانة والقراء في الفتنة لأن الأمر اشتبه عليهم وهم مخطئون في اجتهادهم وقد أنكر عليهم وعارضهم غيرهم من الأئمة ولا تعارض السنة المتواترة والإجماع بأفعال الناس. ومع ذلك فإن هذه الفتن التي وقعت في صدر الإسلام لها ملابسات وأحوال تخفى علينا فهي من المتشابه الذي يرد إلى المحكم من النصوص والقواعد الشرعية. قال عمرو بن يزيد صاحب الطعام : سمعت الحسن أيام يزيد بن المهلب يقول : وأتاه رهط فأمرهم أن يلزموا بيوتهم ، ويغلقوا عليهم أبوابهم ، ثم قال : والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يرفع الله عز وجل ذلك عنهم ، وذلك أنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه ، ووالله ما جاؤوا بيوم خير قط ، ثم تلا : (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون).
خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
تـــابــــــــع .....