عبدالله الكعبي
02 Jan 2011, 10:09 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
القضية :إفشاء الأسرار:
لقد تحدث الناس عن ضرورة كتمان الأسرار قديما وحديثا وقد جاء في الكتاب والسنة ما يؤيد ذلك قال
الله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) والسر أمانة ,وقال النبي صلى الله عليه وسلم
(إذا حدث الرجل أخاه حديثا ثم التفت فهي أمانة ) ومعنى التفت :يعني أصبح الرجل يتكلم ويلتفت خشية
أن يسمعه أحد فهذا سر ولو لم يؤمنك عليه .
وقال الشاعر:
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه ..........فصدر الذي يستودع السر أضيق .
ويذكر أن بعض الناس إذا حدثته كلاما سرا بينك وبينه فإنه يمرض إلى أن يبوح به فيرتاح ويهدأ .
الإشكال:
إذا كان كل هذا الاهتمام بالكتمان مع أن الناس يعلمون أن في إفشاء السر خراب البيوت بل إزهاق
الأرواح أحيانا وفيه ما فيه من المفاسد مع أنهم يتواصون على كتمان الأسرار تواصيا كبيرا وبالرغم من
هذا الحرص فإن الأسرار تظهر وتفشو ولو بعدحين بل إذا أراد أحدهم أن يؤلف كتابا ويريد أن ينتشر
سماه (كشف الأسرار) أو (أسرار الباطنية والشيعة ) أو (أسرار بني فلان )ونحو ذلك فسيجد رواجا
منقطع النظير ,فما هو السبب في ذلك وما العلة وما الدافع ؟
الجواب وحل الإشكال:
النفس البشرية لها أربع خصائص جبلية غالبة :
1- الدفع 2- الرغبة في الجديد 3- انتظار ردود الفعل 4- الرغبة في توزيع المسؤولية .
وملاك هذه الرغبات الإنسانية ترد إلى قوتين :
الأولى :القوة المعطية . الثانية :القوة الآخذة .
فالنفس تشتاق لمعرفة الأخبار (الرغبة في الجديد )ولذا تجد أن الصبيان يولعون بسماع الخرافات
وقصص الدجل مثل (السندباد)مثلا ,فإذا كبروا أولعوا برفض الخرافات والرغبة في معرفة الحقائق لأن
الإنسان في صغره يظن أن كماله يحصل له بسماع الخرافات المشوقة فإذا كبر عرف أن كماله يحصل
له بمعرفة الحقائق بل والوقوف عليها فإذا أخذ الإنسان معارفه و تشبع بشئ منها جاءت القوة المعطية
ونفثت هذه المعارف بقوة الغريزة وهذه القوة المعطية ليست انفعالا تلقائيا ولكنها قوة فاعلة ,فيظهر لدينا
سر عجيب وغريب وهو أن النفس لما كانت واحدة واشتاقت بإحدى قوتيها الىالاستعلام واشتاقت بالأخرى
إلى الإعلام فلم ينكتم سر البتة .
وهذا تدبير الاهي عجيب لولاه لما نقلت الينا العلوم والمعارف والأخبار واللطائف فلذا قال الحكماء من
الفلاسفة لا ينكتم سر وإنما يتأخر ظهوره أو يتقدم .
والسبب في الإفشاء كما أسلفت :رغبة الانسان في معرفة ردود الأفعال عندما ينشر سرا وأن يحوز
قصب السبق بإعلانه أمرا لم يسبق إليه وبعضهم لا يستطيع أن يتحمل المسؤولية فيوزع السر على
الآخرين وهذا هو السبب الذي من أجله يقول البعض للبعض الآخر (سأخبرك سرا لكن لاتخبر أحدا )
فثقل عليه السر وأراد أن يعينه آخر ,وخلق الإنسان ضعيفا .
فعليك يا صاحب السر أن لا تستودع سرك إلا القادر على نفسه والقاهر لنزواتها والكابح لجماحها
المجاهد لها وهذا لا يتم إلا بقوة العقل الذي هو أفضل موهبة وهب الله الإنسان وبه فضله على
الحيوانات ولولا هذا الجوهر الكريم الذي هو العقل حيث أنه مدير على النفس مسيطر لها فالإنسان في
جهاد عظيم بقوة عقله لأنه متحرك بالإرادة ومن لم يوظف عقله في جهاد نفسه فليس له حظ من
الإنسانية بل هو الى البهائم أقرب .
وعلى كل حال :
فالرغبة في إفشاء السر شهوة كشهوة الجماع وكما قالوا (أربع لا يشبعن من أربع (أرض من مطر
وأذن من خبر وعين من نظر وأنثى من ذكر),ولا يتم الكتمان إلا بجهاد شهوة إفشاء الأسرار بتغليب
العقل وجعله سيفا بتارا على الطبائع التي تناقض العقل وتفسد الإنسان قال الجاحظ (من طبع الإنسان
محبة الأخبار والاستخبار فعسر على الإنسان الكتمان لإيثار هذه الشهوة والانقياد لهذه الطبيعة وكانت
مزاولة الجبال الراسيات عن قواعدها أسهل من مجاذبة الطبائع فاعتراه الكرب لكتمان السر وغشيه لذلك
سقم وكمد يحس له في سويداء قلبه بمثل دبيب النمل وحكة الجرب ومثل لسع الدبابير ووخز الشوك
على قدر اختلاف مقادير الحلوم والرزانة والخفة فإذا باح بسره فكأنما نشط من عقال ولذلك قيل :الصدر
إذا نفث برأ ).
قال الجاحظ أيضا (ومما يؤكد هذا المعنى في كرب الكتمان وصعوبته على العقلاء فضلا عن غيرهم ما
رووه عن بعض الفقهاء أنه كان يحمل أخبارا مستورة عن العوام بمعنى أن العوام لا يتحملونها فضاق
صدره بها فكان ينزل الى البراري ويحفر حفرة ويجعل وسط الحفرة قدرا فيحدث فيه تلك الأخبار فيروح عن
قلبه حيث يرى أنه قد نقل سره من وعاء إلى وعاء ).والله أعلم .
منقولة من أخينا ( الشيخ و ليد بن محمد المصباحي )
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
القضية :إفشاء الأسرار:
لقد تحدث الناس عن ضرورة كتمان الأسرار قديما وحديثا وقد جاء في الكتاب والسنة ما يؤيد ذلك قال
الله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) والسر أمانة ,وقال النبي صلى الله عليه وسلم
(إذا حدث الرجل أخاه حديثا ثم التفت فهي أمانة ) ومعنى التفت :يعني أصبح الرجل يتكلم ويلتفت خشية
أن يسمعه أحد فهذا سر ولو لم يؤمنك عليه .
وقال الشاعر:
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه ..........فصدر الذي يستودع السر أضيق .
ويذكر أن بعض الناس إذا حدثته كلاما سرا بينك وبينه فإنه يمرض إلى أن يبوح به فيرتاح ويهدأ .
الإشكال:
إذا كان كل هذا الاهتمام بالكتمان مع أن الناس يعلمون أن في إفشاء السر خراب البيوت بل إزهاق
الأرواح أحيانا وفيه ما فيه من المفاسد مع أنهم يتواصون على كتمان الأسرار تواصيا كبيرا وبالرغم من
هذا الحرص فإن الأسرار تظهر وتفشو ولو بعدحين بل إذا أراد أحدهم أن يؤلف كتابا ويريد أن ينتشر
سماه (كشف الأسرار) أو (أسرار الباطنية والشيعة ) أو (أسرار بني فلان )ونحو ذلك فسيجد رواجا
منقطع النظير ,فما هو السبب في ذلك وما العلة وما الدافع ؟
الجواب وحل الإشكال:
النفس البشرية لها أربع خصائص جبلية غالبة :
1- الدفع 2- الرغبة في الجديد 3- انتظار ردود الفعل 4- الرغبة في توزيع المسؤولية .
وملاك هذه الرغبات الإنسانية ترد إلى قوتين :
الأولى :القوة المعطية . الثانية :القوة الآخذة .
فالنفس تشتاق لمعرفة الأخبار (الرغبة في الجديد )ولذا تجد أن الصبيان يولعون بسماع الخرافات
وقصص الدجل مثل (السندباد)مثلا ,فإذا كبروا أولعوا برفض الخرافات والرغبة في معرفة الحقائق لأن
الإنسان في صغره يظن أن كماله يحصل له بسماع الخرافات المشوقة فإذا كبر عرف أن كماله يحصل
له بمعرفة الحقائق بل والوقوف عليها فإذا أخذ الإنسان معارفه و تشبع بشئ منها جاءت القوة المعطية
ونفثت هذه المعارف بقوة الغريزة وهذه القوة المعطية ليست انفعالا تلقائيا ولكنها قوة فاعلة ,فيظهر لدينا
سر عجيب وغريب وهو أن النفس لما كانت واحدة واشتاقت بإحدى قوتيها الىالاستعلام واشتاقت بالأخرى
إلى الإعلام فلم ينكتم سر البتة .
وهذا تدبير الاهي عجيب لولاه لما نقلت الينا العلوم والمعارف والأخبار واللطائف فلذا قال الحكماء من
الفلاسفة لا ينكتم سر وإنما يتأخر ظهوره أو يتقدم .
والسبب في الإفشاء كما أسلفت :رغبة الانسان في معرفة ردود الأفعال عندما ينشر سرا وأن يحوز
قصب السبق بإعلانه أمرا لم يسبق إليه وبعضهم لا يستطيع أن يتحمل المسؤولية فيوزع السر على
الآخرين وهذا هو السبب الذي من أجله يقول البعض للبعض الآخر (سأخبرك سرا لكن لاتخبر أحدا )
فثقل عليه السر وأراد أن يعينه آخر ,وخلق الإنسان ضعيفا .
فعليك يا صاحب السر أن لا تستودع سرك إلا القادر على نفسه والقاهر لنزواتها والكابح لجماحها
المجاهد لها وهذا لا يتم إلا بقوة العقل الذي هو أفضل موهبة وهب الله الإنسان وبه فضله على
الحيوانات ولولا هذا الجوهر الكريم الذي هو العقل حيث أنه مدير على النفس مسيطر لها فالإنسان في
جهاد عظيم بقوة عقله لأنه متحرك بالإرادة ومن لم يوظف عقله في جهاد نفسه فليس له حظ من
الإنسانية بل هو الى البهائم أقرب .
وعلى كل حال :
فالرغبة في إفشاء السر شهوة كشهوة الجماع وكما قالوا (أربع لا يشبعن من أربع (أرض من مطر
وأذن من خبر وعين من نظر وأنثى من ذكر),ولا يتم الكتمان إلا بجهاد شهوة إفشاء الأسرار بتغليب
العقل وجعله سيفا بتارا على الطبائع التي تناقض العقل وتفسد الإنسان قال الجاحظ (من طبع الإنسان
محبة الأخبار والاستخبار فعسر على الإنسان الكتمان لإيثار هذه الشهوة والانقياد لهذه الطبيعة وكانت
مزاولة الجبال الراسيات عن قواعدها أسهل من مجاذبة الطبائع فاعتراه الكرب لكتمان السر وغشيه لذلك
سقم وكمد يحس له في سويداء قلبه بمثل دبيب النمل وحكة الجرب ومثل لسع الدبابير ووخز الشوك
على قدر اختلاف مقادير الحلوم والرزانة والخفة فإذا باح بسره فكأنما نشط من عقال ولذلك قيل :الصدر
إذا نفث برأ ).
قال الجاحظ أيضا (ومما يؤكد هذا المعنى في كرب الكتمان وصعوبته على العقلاء فضلا عن غيرهم ما
رووه عن بعض الفقهاء أنه كان يحمل أخبارا مستورة عن العوام بمعنى أن العوام لا يتحملونها فضاق
صدره بها فكان ينزل الى البراري ويحفر حفرة ويجعل وسط الحفرة قدرا فيحدث فيه تلك الأخبار فيروح عن
قلبه حيث يرى أنه قد نقل سره من وعاء إلى وعاء ).والله أعلم .
منقولة من أخينا ( الشيخ و ليد بن محمد المصباحي )