ام حفصه
09 Feb 2011, 03:29 PM
"لا أفهم.. كيف يكون قوّاماً وأنا التي تنفق.. وتتعب.. داخل البيت وخارجه.. كيف يكون مُفضَّلاً عليّ لأنه فقط رجل! أليس هذا ظلماً لي؟! لو كان تقياً يخاف الله جل وعلا فيّ لما توانيت لحظة عن تقبيل رجلَيه قبل يديه.. ولكنه لا يستحق.. فكيف يكون قائداً في بيتي؟!"..
ثم توقفَت عن الكلام لتأخذ نفَساً يعينها على العودة إلى حلبة النقاش بغية نصرة "المرأة" التي تعاني من مفاهيم مغلوطة في "مجتمع ذكوري شرقي" كما تحب أن تسمّيه.. وتراه يظلم المرأة حين جعل "الرجل" سيِّداً عليها وهو في أغلب الأحيان لا يرقى لهذا التكليف الربّاني، بل يتّخذه سوطاً يضرب به عنفوانها بطريقة "شرعيّة"!
وأخذت تبسط أمامي الأدلة التي توجِب القِوامة لهذا "الرجل الظالم عادة" وكأنها وجدت كنزاً يدعم ثورة بركانها "الأنثوي".. ثم تذكر حوادث ووقائع عايشتُها ورأيتُها أيضاً كأي متابع لما يدور حولنا في هذا المجتمع الذي أُصيب في رئتيه فابتاع هواءً ملوّثاً من الغرب ظنّ أن فيه الشفاء!
وبعد هذا الضجيج ساقني القدر للقاء أمين الفتوى في طرابلس فضيلة الشيخ محمد إمام، حيث كان لي معه هذا الحوار حول القِوامة شرعاً وعرفاً وما يتعلّق بها..
وكان سؤالي الأول عن تعريف القوامة شرعاً..
وأجاب فضيلة الشيخ: القِوامة ورد ذكرها في عدد من آيات القرآن الكريم وهي في اللغة القيام بالشيء والحفاظ عليه ورعايته.. وهي في الشرع بالنسبة لقوله عز وجل "الرجال قوّامون على النساء" لخّصها السيد محمد رشيد رضا في كتابه تفسير المنار بقوله: هي الرعاية والحماية والكفاية والولاية.. الرعاية بأن يقوم الرجل بكل ما يصلح شأن امرأته ويقوم به عيشها وأن تعيش حياة كريمة سعيدة هانئة.. والحماية بأن يحافظ عليها ويصون أسرته وعائلته.. والرجل مطلوب منه أصلاً الحماية الخاصة لأسرته، والعامة لأمّته، ولذلك فالرجال يجاهدون ويذودون عن حمى الأوطان والأمم.. ثم الكفاية بأن لا تحتاج المرأة شيئاً في جناح زوجها وتحت ظل زوجها بل تكون معزّزة تصل إليها جميع حقوقها بكل طيب خاطر وبطاعة الزوج لله عز وجل.. ثم الولاية فقد أتفق أهل العلم بأنها ولاية التأديب، ومعناه أنه إذا نشزت المرأة أو خيف نشوزُها كما في سياق الآية، أن يقوم بدور المؤدب.. وفعلاً كثير من الناس يفهمون قوله عز وجل على غير وجهه..
وتابعت فقلت: يقول الله جل وعلا "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" وفي تفسير هذه الآية يقول الجصاص: "أي قيامهم عليهن بالتأديب والتدبير والحفظ والصيانة، لما فضَّل الله الرجل على المرأة في العقل والرأي وبما ألزمه الله تعالى من الإنفاق عليها، فدلت الآية على معان، أحدهما: تفضيل الرجل على المرأة في المنزلة وأنه هو الذي يقوم بتدبيرها وتأديبها، وهذا يدل على أن له إمساكها في بيته، ومنعها من الخروج، وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية، ودلت على وجوب نفقتها عليه".
وقلت.. قد يكون لي عدة وقفات مع هذه الآية الكريمة وتفاسيرها ولعلي أبدأ بالوقفة الأولى وهي: يُستنبَط من الآية الكريمة أن جزءً من التفضيل هو بسبب الإنفاق فإن لم يكن الزوج قادراً على الإنفاق هل تسقط قِوامته أم أنها تضعف؟..
فأجاب فضيلة الشيخ إمام: كما قال الله عز وجل "بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم".. الإنفاق من أسباب هذه القوامة التي جعلها الله تعالى للرجل.. وقد قالوا أن النفقة نظير الاحتباس.. أي أن المرأة عندما تحتبس في بيت زوجها وترعى شؤونها وشؤون أسرتها فإنها تستحق الكفاية من النفقة، فهذا الأمر إن لم يؤدّه الزوج ولم يقم بهذه النفقة فإن المقابل يسقط.. وإن خروجها من بيت زوجها صار مباحاً شرعاً وليس له أن يحتبسها وهو غير قادر على كفايتها بالشكل اللائق والكامل.. تخرج للعمل أو لبيت أهلها ولا تعد تحت رعايته، فإن لم يوفها حقها فإنه ليس له عليها سبيل..
وسألت: ورد في كتاب مرشد المفتي أن في تعالي المرأة بسبب الإنفاق وضعف الرجل كنتيجة لهذا الأمر "خطورة في أنه يتسبب من جرّائه احتمال اختلالٍ في انتظام الحياة على ما شرّع الله بين الزوجين أن تكون وِفق ما شرّع درءاً لِما قد يعرِّض لمفاسد، منها الظاهر ومنها الخفي".. برأيكم فضيلة الشيخ كيف يمكن تفادي هذا الاختلال؟
فأجاب فضيلته: إن هذا الاختلال فرضته ظروف الحياة، وصارت أعباء الحياة تفرض أن يتشارك الزوجان في ميدان العمل وفي الكسب المادي لكفاية الأسرة.. هذا إن جرى من بابه فلا ينبغي أن يؤدي إلى اختلال.. وبابه هو التالي: الأصل أن الرجل يعمل خارج البيت ويكابد الحياة ويصارع ويشتغل بعرق جبينه ليقوم بكفاية أسرته، وأن المرأة تتولى الرعاية الداخلية للبيت وتتولى شؤونه من ناحية تربية الصغار، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم " كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع ومسؤول عن رعيته"..
هذا هو الأصل، وعندما يكون الأصل منطلقاً لأي نظرة أُخرى، فإن الخلل ينتفي.. أما إذا اضطر الأمر إلى التغيير فإنه يكون بالرضا والتوافق.. فالمرأة إذا احتاجت أن تكون عاملة خارج البيت، فهذا إما أن يكون بإذن الزوج وإما أن يكون بغير إذن الزوج.. فإن كان بغير إذن الزوج فإن الخلل لا شك سيحصل، وإن القوامة والنفقة وكل هذه الأمور ستختل.. لكن ما يحصل اليوم أن المرأة تخرج للعمل بإذن الزوج ورضاه، فهو إذاً سيتحمل معها تبعات هذا الأمر وشيئاً من تقصيرها في دورها الأصلي داخل البيت، وعليه هو أن يتشارك معها في أعباء البيت كما هي تعمل خارجه، وهذا ليس بالغريب عن المسلم الذي يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها حين سئلت "ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، تعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة "..
المسلم طيِّع مرِن، وليّن يتكيّف مع الظروف، ولا يقول أنا رجل لي قوامة وعليها أن تعمل خارج البيت وداخله، فهذا ليس من خلق الرجل المسلم ولا من وعيه للحياة. فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بعدم تكليف العبيد فوق ما يطيقون فمن باب أولى أن يكون ذلك بين الزوجين..
كثير من الناس لا يفطنون إلى سياق الآية التي وردت فيها القوامة فالآية لها ما قبلها وما بعدها..
وتابعت حديثي مع فضيلة الشيخ: يقول الشيخ محمد رشيد رضا أن هناك سببين لقِوامة الرجال على النساء: سبب فِطري وهو أن الله تعالى فضّل الرجال على النساء في أصل الخِلقة.. وسبب كَسْبِيٌّ وهو ما أنفق الرجال على النساء من أموالهم، فإن المهور تعويض للنساء ومكافأة على دخولهن بعقد الزوجية تحت رياسة الرجال..
فهل يمكن أن نستقي من كلام الشيخ محمد رشيد رضا أن المهر هو تعويض للمرأة عن قبولها الدخول تحت رياسة الرجل وبالتالي لا يحق لها النقاش في موضوع القِوامة، حتى لو كان الزوج لا يملك مقوِّمات هذه القِوامة؟!
وردّ فضيلته: كما قال الشيخ رشيد رضا القوامة لها سببان وهبي وكسبي.. أما الوهبي فهو ما فضل الله الرجال في الخلقة والقوة والقدرة على الاحتمال وهذا لا يُنكر، فلذلك يجب على الرجل دون المرأة الجهاد والأمور الصعبة والشاقة، وإذا كان أهل اللغة يقولون زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى فهذا وارد أيضاً في حق الانسان، بأن احتمال الجسم المادي وتهيئته بشكل مخالف بين الرجل والمرأة يزيد الأعباء على الرجل والله تعالى قال عن طالوت " وزاده بسطة في العلم والجسم".
أما الكسبي فهو الإنفاق والمهر.. والمهر حق للمرأة وحق على الرجل، وغالب العلماء قالوا المهر مقابل الاستمتاع لقوله عز وجل "فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليماً حكيما".. فالمهر ليس له علاقة بالقوامة .. طالما جرى عقد الزواج استحقت المرأة المهر ولو لم يُسمّى حتى فإنها تستحق مهر المثل.. لا يخلو عقد عن مهر لذلك ليس له علاقة بما يستتبع العقد من رعاية شؤون المرأة والقيام على مصالحها، وإنما إعطاؤها المهر مقابل أنها صارت في بيته وسلّمت نفسها إليه، كما يعبر عن ذلك بعض الفقهاء، سواء كان المهر مؤجلاً أم معجلاً.. أما القوامة فلها مقوماتها، وهنا تجد الكثيرُ من النساء أن أزواجهن ليسوا على المستوى الكامل والذي يسد مسد إدارة البيت والقيام بما يصلحه على الوجه الصحيح والأكمل.. هنا أيضاً لا بد أن نلاحظ أن المرأة قد يكون حكمها خاطئاً، وقد تعتمد معايير غير صحيحة.. وقد تنطلق من مؤثرات نفسية لتكوّن هذه الصورة عن زوجها وعليها بكل الأحوال أن تتناول الموضوع من جانبه الإيجابي والتعاوني والتصحيحي والتحاوري والإقناعي للوصول إلى مصلحة البيت المشتركة..
فعلى الزوجة أن تتكامل مع زوجها إن حباها الله تعالى بشيء من القدرة على ذلك، وتلج من هذا الباب ولا تتناول الموضوع بطريقة الانتقاد وتنقيص لزوجها، وأنها هي الأولى أن تقوم مقامه في هذا المقام..
على كلٍّ، هذا لا يُنكر أن يوجد في كثير من الرجال وهو يندرج تحت قوله عز وجل "ولا تُؤتوا السفهاء أموالكم".. فقد يكون الرجل غير صالح للإنفاق على الوجه الصحيح، وعنده سفه في تدبير الأمور وفي هدر المال.. وهنا المرأة تتدخل بالشكل الإيجابي الذي لا يلامسه سلبيات تؤدي إلى مزيد من الشقاق.. كما حدث مع هند حيث قالت للنبي صلى الله عليه وسلم إن أبا سفيان رجل شحيح فأحتاج أن آخذ من ماله.. فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"..
ثم توقفَت عن الكلام لتأخذ نفَساً يعينها على العودة إلى حلبة النقاش بغية نصرة "المرأة" التي تعاني من مفاهيم مغلوطة في "مجتمع ذكوري شرقي" كما تحب أن تسمّيه.. وتراه يظلم المرأة حين جعل "الرجل" سيِّداً عليها وهو في أغلب الأحيان لا يرقى لهذا التكليف الربّاني، بل يتّخذه سوطاً يضرب به عنفوانها بطريقة "شرعيّة"!
وأخذت تبسط أمامي الأدلة التي توجِب القِوامة لهذا "الرجل الظالم عادة" وكأنها وجدت كنزاً يدعم ثورة بركانها "الأنثوي".. ثم تذكر حوادث ووقائع عايشتُها ورأيتُها أيضاً كأي متابع لما يدور حولنا في هذا المجتمع الذي أُصيب في رئتيه فابتاع هواءً ملوّثاً من الغرب ظنّ أن فيه الشفاء!
وبعد هذا الضجيج ساقني القدر للقاء أمين الفتوى في طرابلس فضيلة الشيخ محمد إمام، حيث كان لي معه هذا الحوار حول القِوامة شرعاً وعرفاً وما يتعلّق بها..
وكان سؤالي الأول عن تعريف القوامة شرعاً..
وأجاب فضيلة الشيخ: القِوامة ورد ذكرها في عدد من آيات القرآن الكريم وهي في اللغة القيام بالشيء والحفاظ عليه ورعايته.. وهي في الشرع بالنسبة لقوله عز وجل "الرجال قوّامون على النساء" لخّصها السيد محمد رشيد رضا في كتابه تفسير المنار بقوله: هي الرعاية والحماية والكفاية والولاية.. الرعاية بأن يقوم الرجل بكل ما يصلح شأن امرأته ويقوم به عيشها وأن تعيش حياة كريمة سعيدة هانئة.. والحماية بأن يحافظ عليها ويصون أسرته وعائلته.. والرجل مطلوب منه أصلاً الحماية الخاصة لأسرته، والعامة لأمّته، ولذلك فالرجال يجاهدون ويذودون عن حمى الأوطان والأمم.. ثم الكفاية بأن لا تحتاج المرأة شيئاً في جناح زوجها وتحت ظل زوجها بل تكون معزّزة تصل إليها جميع حقوقها بكل طيب خاطر وبطاعة الزوج لله عز وجل.. ثم الولاية فقد أتفق أهل العلم بأنها ولاية التأديب، ومعناه أنه إذا نشزت المرأة أو خيف نشوزُها كما في سياق الآية، أن يقوم بدور المؤدب.. وفعلاً كثير من الناس يفهمون قوله عز وجل على غير وجهه..
وتابعت فقلت: يقول الله جل وعلا "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" وفي تفسير هذه الآية يقول الجصاص: "أي قيامهم عليهن بالتأديب والتدبير والحفظ والصيانة، لما فضَّل الله الرجل على المرأة في العقل والرأي وبما ألزمه الله تعالى من الإنفاق عليها، فدلت الآية على معان، أحدهما: تفضيل الرجل على المرأة في المنزلة وأنه هو الذي يقوم بتدبيرها وتأديبها، وهذا يدل على أن له إمساكها في بيته، ومنعها من الخروج، وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية، ودلت على وجوب نفقتها عليه".
وقلت.. قد يكون لي عدة وقفات مع هذه الآية الكريمة وتفاسيرها ولعلي أبدأ بالوقفة الأولى وهي: يُستنبَط من الآية الكريمة أن جزءً من التفضيل هو بسبب الإنفاق فإن لم يكن الزوج قادراً على الإنفاق هل تسقط قِوامته أم أنها تضعف؟..
فأجاب فضيلة الشيخ إمام: كما قال الله عز وجل "بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم".. الإنفاق من أسباب هذه القوامة التي جعلها الله تعالى للرجل.. وقد قالوا أن النفقة نظير الاحتباس.. أي أن المرأة عندما تحتبس في بيت زوجها وترعى شؤونها وشؤون أسرتها فإنها تستحق الكفاية من النفقة، فهذا الأمر إن لم يؤدّه الزوج ولم يقم بهذه النفقة فإن المقابل يسقط.. وإن خروجها من بيت زوجها صار مباحاً شرعاً وليس له أن يحتبسها وهو غير قادر على كفايتها بالشكل اللائق والكامل.. تخرج للعمل أو لبيت أهلها ولا تعد تحت رعايته، فإن لم يوفها حقها فإنه ليس له عليها سبيل..
وسألت: ورد في كتاب مرشد المفتي أن في تعالي المرأة بسبب الإنفاق وضعف الرجل كنتيجة لهذا الأمر "خطورة في أنه يتسبب من جرّائه احتمال اختلالٍ في انتظام الحياة على ما شرّع الله بين الزوجين أن تكون وِفق ما شرّع درءاً لِما قد يعرِّض لمفاسد، منها الظاهر ومنها الخفي".. برأيكم فضيلة الشيخ كيف يمكن تفادي هذا الاختلال؟
فأجاب فضيلته: إن هذا الاختلال فرضته ظروف الحياة، وصارت أعباء الحياة تفرض أن يتشارك الزوجان في ميدان العمل وفي الكسب المادي لكفاية الأسرة.. هذا إن جرى من بابه فلا ينبغي أن يؤدي إلى اختلال.. وبابه هو التالي: الأصل أن الرجل يعمل خارج البيت ويكابد الحياة ويصارع ويشتغل بعرق جبينه ليقوم بكفاية أسرته، وأن المرأة تتولى الرعاية الداخلية للبيت وتتولى شؤونه من ناحية تربية الصغار، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم " كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع ومسؤول عن رعيته"..
هذا هو الأصل، وعندما يكون الأصل منطلقاً لأي نظرة أُخرى، فإن الخلل ينتفي.. أما إذا اضطر الأمر إلى التغيير فإنه يكون بالرضا والتوافق.. فالمرأة إذا احتاجت أن تكون عاملة خارج البيت، فهذا إما أن يكون بإذن الزوج وإما أن يكون بغير إذن الزوج.. فإن كان بغير إذن الزوج فإن الخلل لا شك سيحصل، وإن القوامة والنفقة وكل هذه الأمور ستختل.. لكن ما يحصل اليوم أن المرأة تخرج للعمل بإذن الزوج ورضاه، فهو إذاً سيتحمل معها تبعات هذا الأمر وشيئاً من تقصيرها في دورها الأصلي داخل البيت، وعليه هو أن يتشارك معها في أعباء البيت كما هي تعمل خارجه، وهذا ليس بالغريب عن المسلم الذي يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها حين سئلت "ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، تعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة "..
المسلم طيِّع مرِن، وليّن يتكيّف مع الظروف، ولا يقول أنا رجل لي قوامة وعليها أن تعمل خارج البيت وداخله، فهذا ليس من خلق الرجل المسلم ولا من وعيه للحياة. فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بعدم تكليف العبيد فوق ما يطيقون فمن باب أولى أن يكون ذلك بين الزوجين..
كثير من الناس لا يفطنون إلى سياق الآية التي وردت فيها القوامة فالآية لها ما قبلها وما بعدها..
وتابعت حديثي مع فضيلة الشيخ: يقول الشيخ محمد رشيد رضا أن هناك سببين لقِوامة الرجال على النساء: سبب فِطري وهو أن الله تعالى فضّل الرجال على النساء في أصل الخِلقة.. وسبب كَسْبِيٌّ وهو ما أنفق الرجال على النساء من أموالهم، فإن المهور تعويض للنساء ومكافأة على دخولهن بعقد الزوجية تحت رياسة الرجال..
فهل يمكن أن نستقي من كلام الشيخ محمد رشيد رضا أن المهر هو تعويض للمرأة عن قبولها الدخول تحت رياسة الرجل وبالتالي لا يحق لها النقاش في موضوع القِوامة، حتى لو كان الزوج لا يملك مقوِّمات هذه القِوامة؟!
وردّ فضيلته: كما قال الشيخ رشيد رضا القوامة لها سببان وهبي وكسبي.. أما الوهبي فهو ما فضل الله الرجال في الخلقة والقوة والقدرة على الاحتمال وهذا لا يُنكر، فلذلك يجب على الرجل دون المرأة الجهاد والأمور الصعبة والشاقة، وإذا كان أهل اللغة يقولون زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى فهذا وارد أيضاً في حق الانسان، بأن احتمال الجسم المادي وتهيئته بشكل مخالف بين الرجل والمرأة يزيد الأعباء على الرجل والله تعالى قال عن طالوت " وزاده بسطة في العلم والجسم".
أما الكسبي فهو الإنفاق والمهر.. والمهر حق للمرأة وحق على الرجل، وغالب العلماء قالوا المهر مقابل الاستمتاع لقوله عز وجل "فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليماً حكيما".. فالمهر ليس له علاقة بالقوامة .. طالما جرى عقد الزواج استحقت المرأة المهر ولو لم يُسمّى حتى فإنها تستحق مهر المثل.. لا يخلو عقد عن مهر لذلك ليس له علاقة بما يستتبع العقد من رعاية شؤون المرأة والقيام على مصالحها، وإنما إعطاؤها المهر مقابل أنها صارت في بيته وسلّمت نفسها إليه، كما يعبر عن ذلك بعض الفقهاء، سواء كان المهر مؤجلاً أم معجلاً.. أما القوامة فلها مقوماتها، وهنا تجد الكثيرُ من النساء أن أزواجهن ليسوا على المستوى الكامل والذي يسد مسد إدارة البيت والقيام بما يصلحه على الوجه الصحيح والأكمل.. هنا أيضاً لا بد أن نلاحظ أن المرأة قد يكون حكمها خاطئاً، وقد تعتمد معايير غير صحيحة.. وقد تنطلق من مؤثرات نفسية لتكوّن هذه الصورة عن زوجها وعليها بكل الأحوال أن تتناول الموضوع من جانبه الإيجابي والتعاوني والتصحيحي والتحاوري والإقناعي للوصول إلى مصلحة البيت المشتركة..
فعلى الزوجة أن تتكامل مع زوجها إن حباها الله تعالى بشيء من القدرة على ذلك، وتلج من هذا الباب ولا تتناول الموضوع بطريقة الانتقاد وتنقيص لزوجها، وأنها هي الأولى أن تقوم مقامه في هذا المقام..
على كلٍّ، هذا لا يُنكر أن يوجد في كثير من الرجال وهو يندرج تحت قوله عز وجل "ولا تُؤتوا السفهاء أموالكم".. فقد يكون الرجل غير صالح للإنفاق على الوجه الصحيح، وعنده سفه في تدبير الأمور وفي هدر المال.. وهنا المرأة تتدخل بالشكل الإيجابي الذي لا يلامسه سلبيات تؤدي إلى مزيد من الشقاق.. كما حدث مع هند حيث قالت للنبي صلى الله عليه وسلم إن أبا سفيان رجل شحيح فأحتاج أن آخذ من ماله.. فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"..