نبراس الدعوه
14 Mar 2011, 11:35 PM
قِصّةُ فَتَاةٍ
د.محمد بن عبدالرحمن العريفي
الحمد لله يختص من يشاء برحمته .. ويوفق أحبابه لأسباب عنايته ..
ومتابع الإحسان إلى العباد بفضله ومنته ..
ومصرف الأحكام في العبيد .. فمن شقي وسعيد .. ومقرب وطريد .. لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ..
وصلوات الله وسلامه على سيد أنبيائه .. وأول أوليائه ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..
محدثُ الأكوان والأعيان .. ومبدعُ الأركان والأزمان ..
ومنشئُ الألباب والأبدان .. ومنتخبُ الأحباب والخلان ..
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى … حمدا إذا قابل النعم وفى ..
وسلاما إذا بلغ خاتم النبيين شفى .. وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى .. أما بعد :
الحمد لله ..
فهذه جلسة مع الصالحات .. القانتات التقيات ..
اللاتي سمع الليل بكاءهن في الأسحار .. ورأى النهار صومهن والأذكار ..
هذه كلمات عابرات ..أبعثها مع كل نبضة أمل ..في عصر تكاثرت فيه الفتن
إلى الفتاة المسلمة .. الراكعة الساجدة..
أبعثها إلى جوهرة المجتمع .. وأمل الأمة ..
إنها جلسة مع المؤمنات ..اللاتي لم تهتك إحداهن عرضها ..ولم تدنس شرفها
وإنما صلت خمسها ..وأدامت سترها ..لتدخل جنة ربها ..
إنها قصة فتاة بل فتيات .. قانتات صالحات ..
ليست قصة عشق فاتنة .. ولا رواية ماجنة ..
* * * * * * * *
نعم .. قصة أحكيها .. لك أنت أيتها الأخت العفيفة .. العزيزة الشريفة ..
فأنتِ أعز ما لدينا.. أنت الأم والأخت .. والزوجة والبنت ..
أنت نصف المجتمع .. وأنت التي تلدين النصف الآخر..
نعم تلدين الخطيب البارع .. والإمام النافع .. وتربين المجاهد المؤيد .. والقائد المسدد ..
فلك مني قصص وكلمات .. وأحاديث وهمسات .. لعلها تبلغ حبةَ قلبك؟.. وتصل إلى شغاف نفسك ؟..
فالنساء شقائق الرجال ..فكما أن في الرجال عالم جليل .. وداعية نبيل .. ففي النساء كذلك ..
وكما أن في الرجال صوامون في النهار .. بكاؤون في الأسحار ..
ففي النساء كذلك ..
وكم من امرأة سابقت الرجال .. في صالح الأقوال والأعمال .. فسبقتهم ..
في عبادتها لربها ..ونصرتها لدينها .. وإنفاقها وعلمها ..
بل إنك إذا قلبت صفحات التاريخ .. رأيت أن أعظم الفضائل إنما سبقت إليها النساء ..
فأول من سكن الحرم .. وشرب من ماء زمزم .. وسعى بين الصفا والمروة .. هي امرأة .. هاجرُ أم إسماعيل ..
وأول من دخل في الإسلام .. وناصر النبي عليه السلام .. هي امرأة .. خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها ..
وأول من عُذب في مولاه .. حتى قتل في سبيل الله .. هي امرأة .. سميةُ أم عمار بن ياسر ..
* * * * * * * *
فعند البخاري ..
أن إبراهيم عليه السلام .. انطلق من الشام .. إلى البلد الحرام ..
معه زوجه هاجر وولدها إسماعيل وهو طفل صغير في مهده .. وهي ترضعه .. حتى وضعهما عند مكان البيت .. وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء .. فوضعها هنالك .. ووضع عندهما جراباً فيه تمر .. وسقاء فيه ماء ..
ثم قفى عليه السلام منطلقاً إلى الشام ..
فتلفتت أم إسماعيل حولها .. في هذه الصحراء الموحشة .. فإذا جبالٌ صماء وصخوراً سوداء .. وما رأت حولها من أنيس ولا جليس ..
وهي التي نشأت في قصور مصر .. ثم سكنت في الشام في مروجها الخضراء .. وحدائقها الغناء .. فاستوحشت مما حولها ..
فقامت .. وتبعت زوجها .. فقالت : يا إبراهيم . . أين تذهب .. وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شيء ؟
فما رد عليها .. ولا التفت إليها .. فأعادت عليه .. أين تذهب وتتركنا .. فما ردَّ عليها ..
فأعادت عليه .. وما أجابها .. فلما رأت أنه لا يلتفت إليها ..
قالت له : الله أمرك بهذا ؟ قال : نعم .. قالت : حسبي .. قد رضيت بالله .. إذن لا يضيعنا .. ثم رجعت ..
فانطلق إبراهيم الشيخ الكبير .. وقد فارق زوجه وولده .. وتركهما وحيدين ..
حتى إذا كان عند ثنية جبل .. حيث لا يرونه .. استقبل بوجهه جهة البيت .. ثم رفع يديه إلى الله داعياً .. مبتهلاً راجياً ..
فقال : " ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون " ..
ثم ذهب إبراهيم إلى الشام ..
ورجعت أم إسماعيل إلى ولدها .. فجعلت ترضعه وتشرب من ذلك الماء ..
فلم تلبث أن نفد ما في السقاء .. فعطشت .. وعطش ابنها .. وجعل من شدة العطش يتلوى .. ويتلمظ بشفتيه .. ويضرب الأرض بيديه وقدميه ..
وأمه تنظر إليه يتلوى ويتلبط .. كأنه يصارع الموت ..
فتلفتت حولها .. هل من معين أو مغيث .. فلم ترَ أحداً ..
فقامت من عنده ..
وانطلقت كراهية أن تنظر إليه يموت ..
فاحتارت.. أين تذهب !!
فرأت جبل الصفا أقرب جبل إليها .. فصعدت عليه .. وهي المجهدة الضعيفة .. لعلها ترى أعراباً نازلين .. أو قافلة مارة ..
فلما وصلت إلى أعلاه .. استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً .. فلم تر أحداً .. فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت بطن الوادي رفعت طرف درعها .. ثم سعت سعى الإنسان المجهود .. حتى جاوزت الوادي ..
ثم أتت جبل المروة فقامت عليها .. ونظرت .. هل ترى أحداً .. فلم تر أحداً .. فعادت إلى الصفا .. فلم تر أحداً .. ففعلت ذلك سبع مرات .
فلما أشرفت على المروة في المرة السابعة .. سمعت صوتاً فقالت :
صه .. ثم تسمعت ..
فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث فأغثني .. فلم تسمع جواباً ..
فالتفتت إلى ولدها ..
فإذا هي بالملك عند موضع زمزم .. فضرب الأرض بعقبه أو بجناحه حتى تفجر الماء ..
فنزلت إلى الماء سريعاً .. وجعلت تحوضه بيدها وتجمعه ..
وتغرف بيدها من الماء في سقائها .. وهو يفور بعد ما تغرف .. فقال لها جبريل : لا تخافوا الضيعة .. إن ههنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه ..
فلله درها ما أصبرها .. وأعجب حالها .. وأعظم بلاءها ..
* * * * * * * *
د.محمد بن عبدالرحمن العريفي
الحمد لله يختص من يشاء برحمته .. ويوفق أحبابه لأسباب عنايته ..
ومتابع الإحسان إلى العباد بفضله ومنته ..
ومصرف الأحكام في العبيد .. فمن شقي وسعيد .. ومقرب وطريد .. لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ..
وصلوات الله وسلامه على سيد أنبيائه .. وأول أوليائه ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..
محدثُ الأكوان والأعيان .. ومبدعُ الأركان والأزمان ..
ومنشئُ الألباب والأبدان .. ومنتخبُ الأحباب والخلان ..
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى … حمدا إذا قابل النعم وفى ..
وسلاما إذا بلغ خاتم النبيين شفى .. وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى .. أما بعد :
الحمد لله ..
فهذه جلسة مع الصالحات .. القانتات التقيات ..
اللاتي سمع الليل بكاءهن في الأسحار .. ورأى النهار صومهن والأذكار ..
هذه كلمات عابرات ..أبعثها مع كل نبضة أمل ..في عصر تكاثرت فيه الفتن
إلى الفتاة المسلمة .. الراكعة الساجدة..
أبعثها إلى جوهرة المجتمع .. وأمل الأمة ..
إنها جلسة مع المؤمنات ..اللاتي لم تهتك إحداهن عرضها ..ولم تدنس شرفها
وإنما صلت خمسها ..وأدامت سترها ..لتدخل جنة ربها ..
إنها قصة فتاة بل فتيات .. قانتات صالحات ..
ليست قصة عشق فاتنة .. ولا رواية ماجنة ..
* * * * * * * *
نعم .. قصة أحكيها .. لك أنت أيتها الأخت العفيفة .. العزيزة الشريفة ..
فأنتِ أعز ما لدينا.. أنت الأم والأخت .. والزوجة والبنت ..
أنت نصف المجتمع .. وأنت التي تلدين النصف الآخر..
نعم تلدين الخطيب البارع .. والإمام النافع .. وتربين المجاهد المؤيد .. والقائد المسدد ..
فلك مني قصص وكلمات .. وأحاديث وهمسات .. لعلها تبلغ حبةَ قلبك؟.. وتصل إلى شغاف نفسك ؟..
فالنساء شقائق الرجال ..فكما أن في الرجال عالم جليل .. وداعية نبيل .. ففي النساء كذلك ..
وكما أن في الرجال صوامون في النهار .. بكاؤون في الأسحار ..
ففي النساء كذلك ..
وكم من امرأة سابقت الرجال .. في صالح الأقوال والأعمال .. فسبقتهم ..
في عبادتها لربها ..ونصرتها لدينها .. وإنفاقها وعلمها ..
بل إنك إذا قلبت صفحات التاريخ .. رأيت أن أعظم الفضائل إنما سبقت إليها النساء ..
فأول من سكن الحرم .. وشرب من ماء زمزم .. وسعى بين الصفا والمروة .. هي امرأة .. هاجرُ أم إسماعيل ..
وأول من دخل في الإسلام .. وناصر النبي عليه السلام .. هي امرأة .. خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها ..
وأول من عُذب في مولاه .. حتى قتل في سبيل الله .. هي امرأة .. سميةُ أم عمار بن ياسر ..
* * * * * * * *
فعند البخاري ..
أن إبراهيم عليه السلام .. انطلق من الشام .. إلى البلد الحرام ..
معه زوجه هاجر وولدها إسماعيل وهو طفل صغير في مهده .. وهي ترضعه .. حتى وضعهما عند مكان البيت .. وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء .. فوضعها هنالك .. ووضع عندهما جراباً فيه تمر .. وسقاء فيه ماء ..
ثم قفى عليه السلام منطلقاً إلى الشام ..
فتلفتت أم إسماعيل حولها .. في هذه الصحراء الموحشة .. فإذا جبالٌ صماء وصخوراً سوداء .. وما رأت حولها من أنيس ولا جليس ..
وهي التي نشأت في قصور مصر .. ثم سكنت في الشام في مروجها الخضراء .. وحدائقها الغناء .. فاستوحشت مما حولها ..
فقامت .. وتبعت زوجها .. فقالت : يا إبراهيم . . أين تذهب .. وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شيء ؟
فما رد عليها .. ولا التفت إليها .. فأعادت عليه .. أين تذهب وتتركنا .. فما ردَّ عليها ..
فأعادت عليه .. وما أجابها .. فلما رأت أنه لا يلتفت إليها ..
قالت له : الله أمرك بهذا ؟ قال : نعم .. قالت : حسبي .. قد رضيت بالله .. إذن لا يضيعنا .. ثم رجعت ..
فانطلق إبراهيم الشيخ الكبير .. وقد فارق زوجه وولده .. وتركهما وحيدين ..
حتى إذا كان عند ثنية جبل .. حيث لا يرونه .. استقبل بوجهه جهة البيت .. ثم رفع يديه إلى الله داعياً .. مبتهلاً راجياً ..
فقال : " ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون " ..
ثم ذهب إبراهيم إلى الشام ..
ورجعت أم إسماعيل إلى ولدها .. فجعلت ترضعه وتشرب من ذلك الماء ..
فلم تلبث أن نفد ما في السقاء .. فعطشت .. وعطش ابنها .. وجعل من شدة العطش يتلوى .. ويتلمظ بشفتيه .. ويضرب الأرض بيديه وقدميه ..
وأمه تنظر إليه يتلوى ويتلبط .. كأنه يصارع الموت ..
فتلفتت حولها .. هل من معين أو مغيث .. فلم ترَ أحداً ..
فقامت من عنده ..
وانطلقت كراهية أن تنظر إليه يموت ..
فاحتارت.. أين تذهب !!
فرأت جبل الصفا أقرب جبل إليها .. فصعدت عليه .. وهي المجهدة الضعيفة .. لعلها ترى أعراباً نازلين .. أو قافلة مارة ..
فلما وصلت إلى أعلاه .. استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً .. فلم تر أحداً .. فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت بطن الوادي رفعت طرف درعها .. ثم سعت سعى الإنسان المجهود .. حتى جاوزت الوادي ..
ثم أتت جبل المروة فقامت عليها .. ونظرت .. هل ترى أحداً .. فلم تر أحداً .. فعادت إلى الصفا .. فلم تر أحداً .. ففعلت ذلك سبع مرات .
فلما أشرفت على المروة في المرة السابعة .. سمعت صوتاً فقالت :
صه .. ثم تسمعت ..
فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث فأغثني .. فلم تسمع جواباً ..
فالتفتت إلى ولدها ..
فإذا هي بالملك عند موضع زمزم .. فضرب الأرض بعقبه أو بجناحه حتى تفجر الماء ..
فنزلت إلى الماء سريعاً .. وجعلت تحوضه بيدها وتجمعه ..
وتغرف بيدها من الماء في سقائها .. وهو يفور بعد ما تغرف .. فقال لها جبريل : لا تخافوا الضيعة .. إن ههنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه ..
فلله درها ما أصبرها .. وأعجب حالها .. وأعظم بلاءها ..
* * * * * * * *