الكوبرا
08 Nov 2004, 01:53 PM
تقوم وسائل الإعلام، ضمن أساليبها في التأثير، بصياغة الواقع الاجتماعي ، والاقتصادي ، والسياسي ، لنا كجمهور، ويقصد بـ(الواقع) هنا، ذلك (الجزء) الذي تتعمد تلك الوسائل أن تعرضه علينا، أو تنشره لنا، عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع. بحيث يبدو وكأنه ممثل للواقع، ومعبر عن الحقيقة، فعلى الجانب الاجتماعي مثلا، قد يكون الفقر والتخلف هما السمة العامة لمجتمع ما، لكن وسائل الإعلام من خلال تركيزها على (جزء صغير) من المجتمع، تعطي انطباعا مغايرا لما هو عليه في الحقيقة. أو تقدم (واقعا) مختلفا و(مختلقا)، إذا أردنا أن نستخدم التعبير المناسب لهذا الموضوع.
وسائل الإعلام لا تكتفي فقط بصياغة (الواقع)، بل تقوم أيضا بـ(قولبة) الأشخاص والجماعات، والشعوب بنفس الطريقة: صناعة (صورة) مبتسرة للأفراد والجماعات، يتم تعميمها كأنموذج معياري (قالب)، يتم الحكم على الناس، والتعامل معهم على أساسه.
في المثال السابق، تتم (صياغة الواقع) Defining Reality ، بأن تعرض وسائل الإعلام فئات اجتماعية غنية ومتعلمة، تسكن في منطقة تتمتع بخدمات جيدة، ولديها مؤسسات اجتماعية واقتصادية متقدمة، فتقدم هذه الفئة على أنها هي (كل) المجتمع. وسائل الإعلام بعملها هذا تعرض جزءا صغيرا من الصورة الكاملة للمجتمع، كما هو التعبير السائد والجزء الصغير من (الصورة)، الذي تم عرضه عن المجتمع، هو الذي ستبنى عليه بقية الصورة في أذهان الجمهور، العملية إذن، تقوم بشكل أساسي على (الصورة الذهنية) التي تتشكل في عقل المتلقي، الكلام نفسه ينطبق على (القولبة)، حيث تتم صياغة الأفراد والجماعات في قالب أو صورة ذهنية، مشوهة في الغالب، تتجاهل الفروقات الفردية والثقافية.
مفهوم (الصورة الذهنية) IMAGE هذا، الذي أطلقه (والترليبمان) في أوائل القرن الميلادي العشرين، يصلح أساسا لتفسير الكثير من عمليات التأثير التي تقوم بها، وسائل الإعلام، وتستهدف بشكل رئيسي ذهن الإنسان.
ليبمان (1922)، تحدث عما سماه (الصورة النمطية)
STEREOTYPE أو ذلك التصور المحدود، أو الانطباع الذي يحتفظ فيه الإنسان في ذهنه عن إنسان وأمر ما. هذا التصور يختزل تفاصيل كثيرة في مشهد واحد. لو عدنا لمثالنا السابق عن المجتمع المتخلف، فإن الصورة الذهنية التي ستبقى في عقل الإنسان عن ذلك المجتمع، هي تلك الصورة (الجميلة) التي عرضتها وسائل الإعلام. حيث الشريحة الاجتماعية التي تملك قسطا من التعليم والثروة. والتي تمثل نقطة مضيئة صغيرة، في الصورة المعتمة الكاملة لذلك المجتمع المتخلف الفقير.
إن وسائل الإعلام، من خلال توظيف مفهوم الصورة الذهنية، تصيغ لنا واقعا، عن المجتمعات والأفراد، غير دقيق، أو بلغة أخرى واقعا (آخر) غير الأصلي، الواقع الذي تصنعه لنا الصورة الذهنية، التي تتكون من خلال التعرض لوسائل الإعلام، عن المجتمع الأمريكي على سبيل المثال، هو (واقع) ذاك المجتمع الغني النظيف، المرتب، الذي تسوده العدالة والمساواة بين الناس. على اختلاف ألوانهم، ودياناتهم، وطبقاتهم الاجتماعية، لقد تم لوسائل الإعلام (صياغة واقع) كهذا. من خلال عرض نتف صغيرة من الصورة الكاملة للمجتمع الأمريكي. والتي تحتوي أيضا على مساحات كبيرة من (البقع المعتمة). وسائل الإعلام لم تعرض أجزاء صورة المجتمع الأمريكي الأخرى، المتعلقة بالأمن والجريمة والعنصرية ولا تلك المتعلقة بمستوى الفقر، والتشرد، وتعاطي الخمور، والمخدرات، والاغتصاب، وسفاح المراهقات (بين 13 و16 سنة)، وزنا المحارم، وجمعيات الشذوذ الجنسي. لو تم عرض مثل هذه (الأجزاء) وغيرها، لكنا أمام (واقع) غير ذلك الذي صاغته لنا وسائل الإعلام، والذي ليس سوى (صورة ذهنية) مبتسرة لواقع أكبر، وأشمل، وأكثر تباينا وتناقضا.
في شهر رمضان المبارك عرض التلفزيون، كعادته كل عام حلقات برنامج (طاش ما طاش)، الذي يؤدي فيه الممثلون القائمون على إنتاجه أدوارا، يفترض أنها تعالج سلبيات اجتماعية، بعضها مما له علاقة بالأداء الوظيفي في الجهاز الحكومي،والبعض الآخر عن ممارسات وسلوكيات اجتماعية، يزعم أصحاب البرنامج أنها خاطئة، هذه المقالة ليس من أهدافها تقييم أداء الممثلين، في طريقة معالجتهم للقضايا التي يتناولونها في برنامجهم، وليست بصدد الحديث عن مصداقية و(نزاهة) أولئك الممثلين، وهم يتصدون لانتقاد شخصية اعتبارية تمثل شريحة كبيرة من المجتمع. تهدف هذه المقالة إلى توضيح (حجم الجناية) التي يرتكبها أولئك الممثلون وهم يقومون بـ(تنميط) فئة معتبرة، وكبيرة من المجتمع.
دأب القائمون على برنامج (طاش ما طاش) في السنوات الأخيرة على إبراز شخصية المواطن المتدين بقالب، أو صورة نمطية Stereotype منفرة. تتعمد تشويهه، وتقديمه للمشاهد بشكل (كاريكاتيري) مضحك ومقزز، (الصورة الذهنية) IMAGE التي يقدمها البرنامج عن الفرد الملتزم، تختزله في شخص متطرف، ضيق الأفق، يضطهد المرأة، مسكون بالهاجس الجنسي، رث الهيئة، ومخادع لا يعبر مظهره عن مخبره. فعلى سبيل المثال، قدم البرنامج في إحدى حلقاته، المواطن المتدين على أنه (خائن) و(مرتشي)، حينما أبدى الممثل الذي يقوم بدور شخص متدين استعداده لتزوير ميزانية إحدى الشركات. في حلقة قديمة قدمت الشخصية المتدينة على أنها غبية ومتطرفة. ففي رحلة خاوية (يحرص) المتدين، كما يقدمه البرنامج، على أن تكون المسافة بينه وبين (أقرب) مجموعة من الناس كيلومتر واحد، كما أنه يستخدم المقرب (الدربيل) ليتأكد من ذلك، وتوضع الأغطية الثقيلة على النساء في آخر المشهد الكاريكاتيري السخيف. في مشهد آخر يقوم ابن أحد الممثلين بدور شاب متدين ويبدو من خلال ذلك الدور، أبلها معتوها، مظهره وهيئته منفران.
هذا التحليل لا علاقة له بفتوى اللجنة الدائمة، إنما هي قراءة علمية لعملية تشويه، وتدمير متعمدة ومقصودة، للشخصية العامة. وهي تعني كل بيت في هذا الوطن الذي لا يكاد يخلو من شاب ملتزم، أو فتاة ملتزمة. إن (القولبة) شيء كريه وبغيض، وهي مع كونها ذات بعد ديني، فإنها كذلك لها أبعاد اجتماعية وسياسية خطيرة. وهي اعتداء سافر على أحد مكونات النسيج الاجتماعي لهذه البلاد، بطريقة لا تخلو من الابتذال والتهريج.
إن معالجة الأخطاء والظواهر السلبية شيء، وتدمير الشخصية الاعتبارية لفئة من الناس شيء آخر. إنه مثلما أننا لا نستطيع أن نختزل (الهند النووية)، على سبيل المثال، بسائق (الليموزين) الهندي الذي يفتح باب سيارته ويبصق في الشارع (صار بعض المواطنين يمارس هذه العادة القبيحة)، فنحن كذلك، لا يمكن أن ندعي أننا نمارس نقدا بناء من خلال (القولبة) وتشويه شريحة كبيرة ومهمة من المجتمع. إن الممثل الذي يقدم ابنه ليؤدي دور شاب متدين، أبله وساذج، لا يستطيع أن ينكر أن أوائل طلبة الثانوية العامة هم في الغالب، من الشباب المتدين. كما أن الذين انبروا للدفاع عن البرنامج، وشبهوا الموقف منه، بالموقف الذي وقفه الشعب المصري من رواية الزندقة والإلحاد (وليمة لأعشاب البحر) لا يقدرون على إنكار تميز الشخص المتدين في مجتمعنا، في أكثر من موقع، فهناك عشرات بل المئات من المتدينين، من الأطباء والمهندسين، وأساتذة الجامعات، وغيرهم، من المتفوقين علميا، على الصعيدين المحلي والعالمي.
إن كثيرا من الدول، بما فيها الولايات المتحدة، قد سنت قوانين لحماية الأقليات والفئات الاجتماعية، من تجني وسائل الإعلام، خاصة الترويج للصورة النمطية، التي تستهدف التشويه، أو الاعتداء على تلك الفئات، بأفرادها أو كجماعات. إننا من نفس المنطلق لا نقبل، ولا نسمح، كسياسة رسمية، أو كموقف شعبي بـ(تنميط) أي فئة من فئات شعبنا، على أساس من الانتماء الجغرافي. ليس لأن هذا العمل (غير أخلاقي) فقط، بل لأن آثاره على وحدة النسيج الاجتماعي خطيرة. إننا يجب أن نقاوم (القولبة) و(التنميط) بكل ما أوتينا من قوة. وأن نرفض أي محاولة لنشر (الكراهية) باسم النقد والمعالجة البناءة. إن رفض (القولبة) التي تستهدف تشويه وتدمير الشخصية العامة، لأي فئة في المجتمع، ليس مهمة اللجنة الدائمة، ولا أي مؤسسة دينية، إنها مهمة المجتمع كله، الذي سيكون هو الضحية لمثل هذه الممارسات. إن اللجوء إلى القضاء، ومقاضاة المسؤولين عن عمليات (التنميط) ونشر الكراهية، وإلزامهم بدفع تعويض لمن تضرروا من عمليات (القولبة) المنظمة، والمقصودة، سوف يوجد أرضية جيدة لتنظيم أكثر فاعلية تقوم به مؤسسات المجتمع ضد هذا النوع من الممارسات.
إن هناك بعدا تربويا كذلك، فكيف أستطيع أن اقنع ابني، وتستطيع ان تقنع ابنك، وأن تقنع هي ابنها، بأن يكون مواطنا صالحا، ملتزما بدينه،إذا كان يرى عملية (قولبة) كريهة تتم، لما نعتبره نحن جميعا أنموذجا، وهدفا نسعى إليه، وهو صلاح أولئك الأبناء جوهرا ومظهرا، ليكونوا أعضاء فاعلين ومنتجين لأمتهم ووطنهم.
إن تأثير وسائل الإعلام على الجمهور، من خلال توظيف مفهوم الصورة الذهنية، ليس قصرا على جوانب الحياة العامة، والموقف من الأفراد والجماعات، التي وردت في الأمثلة السابقة، بل يتعداها إلى كل جوانب الحياة البشرية، بما في ذلك أسلوب الحياة. فقد تصوغ وسائل الإعلام (نمط حياة) من صنعها هي، لتقدمه للجمهور على أنه (الواقع) الذي يجب أن يحتذى، وتتعامل مع الجمهور في هذه المسألة خصوصا، من خلال استثارة خياله، بتقديم أنموذج لواقع، على أنه مثالي وتوحي للجمهور بتقليده وإشعاره في الوقت نفسه، أن ما هو فيه بائس ومتخلف. فنمط حياة المرأة الغربية هو (الأمثل) لأنها تملك هامشا من الحرية كبيرا.. مسؤولة عن نفسها، وتتصرف بحسدها كما تشاء، وتقود السيارة (...).
وسائل الإعلام لا تكتفي فقط بصياغة (الواقع)، بل تقوم أيضا بـ(قولبة) الأشخاص والجماعات، والشعوب بنفس الطريقة: صناعة (صورة) مبتسرة للأفراد والجماعات، يتم تعميمها كأنموذج معياري (قالب)، يتم الحكم على الناس، والتعامل معهم على أساسه.
في المثال السابق، تتم (صياغة الواقع) Defining Reality ، بأن تعرض وسائل الإعلام فئات اجتماعية غنية ومتعلمة، تسكن في منطقة تتمتع بخدمات جيدة، ولديها مؤسسات اجتماعية واقتصادية متقدمة، فتقدم هذه الفئة على أنها هي (كل) المجتمع. وسائل الإعلام بعملها هذا تعرض جزءا صغيرا من الصورة الكاملة للمجتمع، كما هو التعبير السائد والجزء الصغير من (الصورة)، الذي تم عرضه عن المجتمع، هو الذي ستبنى عليه بقية الصورة في أذهان الجمهور، العملية إذن، تقوم بشكل أساسي على (الصورة الذهنية) التي تتشكل في عقل المتلقي، الكلام نفسه ينطبق على (القولبة)، حيث تتم صياغة الأفراد والجماعات في قالب أو صورة ذهنية، مشوهة في الغالب، تتجاهل الفروقات الفردية والثقافية.
مفهوم (الصورة الذهنية) IMAGE هذا، الذي أطلقه (والترليبمان) في أوائل القرن الميلادي العشرين، يصلح أساسا لتفسير الكثير من عمليات التأثير التي تقوم بها، وسائل الإعلام، وتستهدف بشكل رئيسي ذهن الإنسان.
ليبمان (1922)، تحدث عما سماه (الصورة النمطية)
STEREOTYPE أو ذلك التصور المحدود، أو الانطباع الذي يحتفظ فيه الإنسان في ذهنه عن إنسان وأمر ما. هذا التصور يختزل تفاصيل كثيرة في مشهد واحد. لو عدنا لمثالنا السابق عن المجتمع المتخلف، فإن الصورة الذهنية التي ستبقى في عقل الإنسان عن ذلك المجتمع، هي تلك الصورة (الجميلة) التي عرضتها وسائل الإعلام. حيث الشريحة الاجتماعية التي تملك قسطا من التعليم والثروة. والتي تمثل نقطة مضيئة صغيرة، في الصورة المعتمة الكاملة لذلك المجتمع المتخلف الفقير.
إن وسائل الإعلام، من خلال توظيف مفهوم الصورة الذهنية، تصيغ لنا واقعا، عن المجتمعات والأفراد، غير دقيق، أو بلغة أخرى واقعا (آخر) غير الأصلي، الواقع الذي تصنعه لنا الصورة الذهنية، التي تتكون من خلال التعرض لوسائل الإعلام، عن المجتمع الأمريكي على سبيل المثال، هو (واقع) ذاك المجتمع الغني النظيف، المرتب، الذي تسوده العدالة والمساواة بين الناس. على اختلاف ألوانهم، ودياناتهم، وطبقاتهم الاجتماعية، لقد تم لوسائل الإعلام (صياغة واقع) كهذا. من خلال عرض نتف صغيرة من الصورة الكاملة للمجتمع الأمريكي. والتي تحتوي أيضا على مساحات كبيرة من (البقع المعتمة). وسائل الإعلام لم تعرض أجزاء صورة المجتمع الأمريكي الأخرى، المتعلقة بالأمن والجريمة والعنصرية ولا تلك المتعلقة بمستوى الفقر، والتشرد، وتعاطي الخمور، والمخدرات، والاغتصاب، وسفاح المراهقات (بين 13 و16 سنة)، وزنا المحارم، وجمعيات الشذوذ الجنسي. لو تم عرض مثل هذه (الأجزاء) وغيرها، لكنا أمام (واقع) غير ذلك الذي صاغته لنا وسائل الإعلام، والذي ليس سوى (صورة ذهنية) مبتسرة لواقع أكبر، وأشمل، وأكثر تباينا وتناقضا.
في شهر رمضان المبارك عرض التلفزيون، كعادته كل عام حلقات برنامج (طاش ما طاش)، الذي يؤدي فيه الممثلون القائمون على إنتاجه أدوارا، يفترض أنها تعالج سلبيات اجتماعية، بعضها مما له علاقة بالأداء الوظيفي في الجهاز الحكومي،والبعض الآخر عن ممارسات وسلوكيات اجتماعية، يزعم أصحاب البرنامج أنها خاطئة، هذه المقالة ليس من أهدافها تقييم أداء الممثلين، في طريقة معالجتهم للقضايا التي يتناولونها في برنامجهم، وليست بصدد الحديث عن مصداقية و(نزاهة) أولئك الممثلين، وهم يتصدون لانتقاد شخصية اعتبارية تمثل شريحة كبيرة من المجتمع. تهدف هذه المقالة إلى توضيح (حجم الجناية) التي يرتكبها أولئك الممثلون وهم يقومون بـ(تنميط) فئة معتبرة، وكبيرة من المجتمع.
دأب القائمون على برنامج (طاش ما طاش) في السنوات الأخيرة على إبراز شخصية المواطن المتدين بقالب، أو صورة نمطية Stereotype منفرة. تتعمد تشويهه، وتقديمه للمشاهد بشكل (كاريكاتيري) مضحك ومقزز، (الصورة الذهنية) IMAGE التي يقدمها البرنامج عن الفرد الملتزم، تختزله في شخص متطرف، ضيق الأفق، يضطهد المرأة، مسكون بالهاجس الجنسي، رث الهيئة، ومخادع لا يعبر مظهره عن مخبره. فعلى سبيل المثال، قدم البرنامج في إحدى حلقاته، المواطن المتدين على أنه (خائن) و(مرتشي)، حينما أبدى الممثل الذي يقوم بدور شخص متدين استعداده لتزوير ميزانية إحدى الشركات. في حلقة قديمة قدمت الشخصية المتدينة على أنها غبية ومتطرفة. ففي رحلة خاوية (يحرص) المتدين، كما يقدمه البرنامج، على أن تكون المسافة بينه وبين (أقرب) مجموعة من الناس كيلومتر واحد، كما أنه يستخدم المقرب (الدربيل) ليتأكد من ذلك، وتوضع الأغطية الثقيلة على النساء في آخر المشهد الكاريكاتيري السخيف. في مشهد آخر يقوم ابن أحد الممثلين بدور شاب متدين ويبدو من خلال ذلك الدور، أبلها معتوها، مظهره وهيئته منفران.
هذا التحليل لا علاقة له بفتوى اللجنة الدائمة، إنما هي قراءة علمية لعملية تشويه، وتدمير متعمدة ومقصودة، للشخصية العامة. وهي تعني كل بيت في هذا الوطن الذي لا يكاد يخلو من شاب ملتزم، أو فتاة ملتزمة. إن (القولبة) شيء كريه وبغيض، وهي مع كونها ذات بعد ديني، فإنها كذلك لها أبعاد اجتماعية وسياسية خطيرة. وهي اعتداء سافر على أحد مكونات النسيج الاجتماعي لهذه البلاد، بطريقة لا تخلو من الابتذال والتهريج.
إن معالجة الأخطاء والظواهر السلبية شيء، وتدمير الشخصية الاعتبارية لفئة من الناس شيء آخر. إنه مثلما أننا لا نستطيع أن نختزل (الهند النووية)، على سبيل المثال، بسائق (الليموزين) الهندي الذي يفتح باب سيارته ويبصق في الشارع (صار بعض المواطنين يمارس هذه العادة القبيحة)، فنحن كذلك، لا يمكن أن ندعي أننا نمارس نقدا بناء من خلال (القولبة) وتشويه شريحة كبيرة ومهمة من المجتمع. إن الممثل الذي يقدم ابنه ليؤدي دور شاب متدين، أبله وساذج، لا يستطيع أن ينكر أن أوائل طلبة الثانوية العامة هم في الغالب، من الشباب المتدين. كما أن الذين انبروا للدفاع عن البرنامج، وشبهوا الموقف منه، بالموقف الذي وقفه الشعب المصري من رواية الزندقة والإلحاد (وليمة لأعشاب البحر) لا يقدرون على إنكار تميز الشخص المتدين في مجتمعنا، في أكثر من موقع، فهناك عشرات بل المئات من المتدينين، من الأطباء والمهندسين، وأساتذة الجامعات، وغيرهم، من المتفوقين علميا، على الصعيدين المحلي والعالمي.
إن كثيرا من الدول، بما فيها الولايات المتحدة، قد سنت قوانين لحماية الأقليات والفئات الاجتماعية، من تجني وسائل الإعلام، خاصة الترويج للصورة النمطية، التي تستهدف التشويه، أو الاعتداء على تلك الفئات، بأفرادها أو كجماعات. إننا من نفس المنطلق لا نقبل، ولا نسمح، كسياسة رسمية، أو كموقف شعبي بـ(تنميط) أي فئة من فئات شعبنا، على أساس من الانتماء الجغرافي. ليس لأن هذا العمل (غير أخلاقي) فقط، بل لأن آثاره على وحدة النسيج الاجتماعي خطيرة. إننا يجب أن نقاوم (القولبة) و(التنميط) بكل ما أوتينا من قوة. وأن نرفض أي محاولة لنشر (الكراهية) باسم النقد والمعالجة البناءة. إن رفض (القولبة) التي تستهدف تشويه وتدمير الشخصية العامة، لأي فئة في المجتمع، ليس مهمة اللجنة الدائمة، ولا أي مؤسسة دينية، إنها مهمة المجتمع كله، الذي سيكون هو الضحية لمثل هذه الممارسات. إن اللجوء إلى القضاء، ومقاضاة المسؤولين عن عمليات (التنميط) ونشر الكراهية، وإلزامهم بدفع تعويض لمن تضرروا من عمليات (القولبة) المنظمة، والمقصودة، سوف يوجد أرضية جيدة لتنظيم أكثر فاعلية تقوم به مؤسسات المجتمع ضد هذا النوع من الممارسات.
إن هناك بعدا تربويا كذلك، فكيف أستطيع أن اقنع ابني، وتستطيع ان تقنع ابنك، وأن تقنع هي ابنها، بأن يكون مواطنا صالحا، ملتزما بدينه،إذا كان يرى عملية (قولبة) كريهة تتم، لما نعتبره نحن جميعا أنموذجا، وهدفا نسعى إليه، وهو صلاح أولئك الأبناء جوهرا ومظهرا، ليكونوا أعضاء فاعلين ومنتجين لأمتهم ووطنهم.
إن تأثير وسائل الإعلام على الجمهور، من خلال توظيف مفهوم الصورة الذهنية، ليس قصرا على جوانب الحياة العامة، والموقف من الأفراد والجماعات، التي وردت في الأمثلة السابقة، بل يتعداها إلى كل جوانب الحياة البشرية، بما في ذلك أسلوب الحياة. فقد تصوغ وسائل الإعلام (نمط حياة) من صنعها هي، لتقدمه للجمهور على أنه (الواقع) الذي يجب أن يحتذى، وتتعامل مع الجمهور في هذه المسألة خصوصا، من خلال استثارة خياله، بتقديم أنموذج لواقع، على أنه مثالي وتوحي للجمهور بتقليده وإشعاره في الوقت نفسه، أن ما هو فيه بائس ومتخلف. فنمط حياة المرأة الغربية هو (الأمثل) لأنها تملك هامشا من الحرية كبيرا.. مسؤولة عن نفسها، وتتصرف بحسدها كما تشاء، وتقود السيارة (...).