عبدالله الكعبي
07 Jun 2011, 08:59 PM
الأحاديث القدسية في الجرح والتعديل
ومصادرها وأدوار تدوينها
بقلم
د. عبد الغفور عبد الحق البلوشي
الباحث بمركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالجامعة الإسلامية
الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فهذا بحث علمي عن موضوع "الأحاديث القدسية في دائرة الجرح والتعديل ودراسة مصادرها وأدوار تدوينها" ولما رأيت بأن الأحاديث القدسية لها أهمية كبيرة ومكانة عظيمة عند العامة والخاصة في المجتمع الإسلامي عزمت على الكتابة فيها وشمرت عن ساق الجد بعد طلب العون من الله القدير.
وقد كانت الرغبة عندي قديماً لدراسة مثل هذه الأحاديث التي تتميز بإضافتها إلى الله تعالى وهي منسوبة إليه تعالى ومن كلامه سبحانه حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فيها قال الله تعالى، ويقول الله تعالى، فالذي يسمع ذلك يزعم بأن هذا كلام الله تعالى فهو صحيح حتماً فلا يخطر بباله بأن الضعف يتطرق إليه لإضافته إلى الله تعالى وهذا هو فهم كثير من العوام وقد يقع فيه بعض الخواص ويغيب عنهم أن مدار الصحة والضعف فيها على السند، ولا مانع من عرض قصة واقعية جرت بين أستاذين فاضلين في المسجد النبوي الشريف وهي في صميم الموضوع- حيث كانا يتناقشان فيما بينهما إمكانية تطرق الضعف إلى الأحاديث القدسية وعدم إمكانية ذلك فأحدهما يُثبتُ ذلك والآخر ينفي، فإذا بأحدهما- وهو أستاذي- وقع نظره علي وأنا جالس عند باب الرحمة فسر بذلك وناداني- وكنت حينذاك طالباً في الدراسات العليا شعبة السنة في مرحلة الدكتوراه وكان يعرف ذلك- وطرح علي ما جرى بينهما من النقاش في الموضوع ثم قال باستغراب؟!:هل الأحاديث القدسية يمكن أن تكون ضعيفة؟!
فقلت: بلى وقد تكون موضوعة لأن الذي يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم- يكذب على الله تعالى، ولأن مدارها على الرواة وتوفر صفات القبول فيهم وعدمها.
الخلاصة أن هذه القصة أثارت أول بذور الرغبة والاندفاع عندي لدراسة هذا الموضوع وتعميم نفعه، وزادني عزماً وإقداماً طلب مجلة المنهل الكتابة في بعض البحوث المتعلقة بالأحاديث القدسية ومن ضمنها الموضوع الذي أنا بصدد البحث فيه فلم أتردد في اختياره مستعيناً بالله تعالى مع انشغالي بأعمال علمية أخرى ومعرفتي بأن دراسة هذا الموضوع بحاجة إلى وقت وجهد فَثَبّت العزيمة وبدأت في جمع المرام واقتناء المصادر المؤلفة في الموضوع حسب التيسر لأخذ العلم عن مناهجهم في جمع الأحاديث ومدى التزامهم بالأحاديث القدسية الصحيحة وبيان درجتها فتبين لي بعد إلقاء النظر وفحص هذه الكتب وأحاديثها ثغرة جديدة في هذا الموضوع وهي حاجة دراسة الأحاديث القدسية وكشف صحيحها من سقيمها حيث لم يتعرض مؤلفو الكتب السابقة الذكر في الموضوع ولم يلتزموا بذلك، فعلى سبيل المثال سأذكر في آخر البحث بعض المصادر المهمة وعدد أحاديثها وحصر ما صح من أحاديثها وما لم يصح وما هو مسكوت عنه مما توصلت إليه وهي بحاجة إلى دراسة أسانيدها بعد تخريجها من مظانها وإعطائها ما تستحق من الأحكام صحة وضعفا وقد بدأت والحمد للّه بسدّ هذه الثغرة والعمل جار بفضل الله تعالى- في جمعها وإنجازها إتماما للفائدة، وها أنا أبدأ في المقصود وقبل أن أدخل في صميم الموضوع أريد أن أوضح للقارئ الكريم معنى الحديث القدسي لغة واصطلاحا وأهم الفروق بين الحديث القدسي والقرآن الكريم وبينه وبين الحديث النبوي الشريف.
فأقول وبالله التوفيق:
الحديث: لغة الجديد، ويجمع على أحاديث على خلاف القياس.
اصطلاحا: ما أضيف إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، هذا إذا أطلق، أما كلامنا فعَلى المقيد بالقدسي هنا، والقدس: بسكون الدال وضمها- لغة الطهر[1] والقدسي نسبة تكريمية إلى الذات القدسية وهو الله سبحانه وتعالى المسمى بالقدوس.
وقد يسمى بالحديث الإلهي أو الرباني نسبة إلى الإله المعبود أو إلى الرب تبارك وتعالى.
تعريفه بجزئيه: "الحديث القدسي اصطلاحا":
هو الحديث الذي يرويه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم- عن ربه تبارك وتعالى مسنداً ذلك إليه بقوله: قال الله تعالى أو يقول الله تعالى أو أوحى الله تعالى إليّ ونحوها من[2] الألفاظ وهذا التعريف هو الذي أراه صواباً.
فتبين من التعريف بأن الأحاديث القدسية هي من كلام الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم ناقل لها فقط ولا داعي إلى القول بأن معناها من عند الله واللفظ من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإِطلاق وإن رجح عدد من العلماء المتأخرين وبعض المتقدمين من المتكلمين والأشاعرة هذا القول واستدلوا على ذلك ببعض الأدلة التي لا تقوم بها الحجة كـما سأبين ذلك إن شاء الله تعالى.
ذكر أبو البقاء في كلياته[3] في الفرق بين القرآن والحديث القدسي:
"أن القرآن ما كان لفظه ومعناه من عند الله بوحي جلي وأما الحديث القدسي فهو ما كان لفظه من عند الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناه من عند الله بالإِلهام أو بالمنام".
وبه قال الطيبي: وهذا نصه.. "القرآن هو اللفظ المنزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، والقدسي إخبار الله معناه بالإلهام أو بالمنام فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بعبارة نفسه، وسائر الأحاديث لم يضفها إلى الله تعالى ولم يروه عنه تعالى"[4].
وهذا مذهب الشريف الجرجاني علي بن محمد حيث قال:
"الحديث القدسي هو من حيث المعنى من عند الله تعالى ومن حيث اللفظ من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فهو ما أخبر الله تعالى به نبيه بإلهام أو بالمنام فأخبر عليه السلام عن ذلك المعنى بعبارة نفسه فالقرآن مفضل عليه لأن لفظه منزل أيضاً"[5].
وهـذا ما قالـه الشيخ محمد المـدني[6] ونقل أيضاً عن ملا علي القارئ أنه قال: "الحديث القدسي ما يرويه صدر الرواة وبدر الثقات عليه أفضل الصلوات وأكمِل التحيات عن الله تبارك تارة بواسطة جبريل عليه السلام وتارة بالوحي والإلهام والمنام مفوضاً إليه التعبير بأي عبارة شاء من أنواع الكلام....".
وتمسك الدكتور محمد عبد الله دراز بقول من تقدم ذكرهم بأن الحديث القدسي منزل بمعناه حيث قال: "وهذا هو أظهر القولين عندنا، لأنه لو كان منزلا بلفظه لكان له من الحرمة والقدسية في نظر الشرع ما للنظم القرآني إذ لا وجه للتفرقة بين لفظين منزلين من عند الله... إلى أن قال: فالقول بإنزال لفظه قول بشيء لا داعي في النظر إليه ولا دليل في الشرع عليه اللهم إلاّ ما قد يلوح من إسناد الحديث القدسي إلى الله بصيغة يقول الله تبارك وتعالى كذا، لكن القرائن التي ذكرناها آنفا كافية في إفساح المجال لتأويله بأن المقصود نسبة مضمونه لا نسبة ألفاظه..."[7].
ورجح هذا القول د/ محمد بن لطفي الصباغ فقال:"الحديث القدسي كلام الله تعالى بالمعنى أما اللفظ فللرسول صلى الله عليه وسلم هذا القول هو الذي نرجحه، وهناك قول آخر مرجوح في نظرنا يدعى أن الحديث القدسي كلام الله تعالى بلفظه ومعناه، لكان ينبغي أن يكون له من الحرمة والقدسية في نظر الشرع ما للقرآن إذ لا وجه للتفرقة بين لفظين منزلين من عند الله..".[8].
وأخذ محقق كتاب الإتحافات السنية محمود أمن النواوي في مقدمته [9] على الكتاب المذكور بقول الدكتور محمد عبد الله دراز وادعى بأنه- أي دراز- أبطل القول بأن الحديث القدسي منزل على النبي- صلى الله عليه وسلم - بأسلوب قوي- كـما زعم- ثم نقل كلامه فيه وأتبعه بقوله "والتحقيق في نظرنا أن البرهان على كون الحديث القدسي موحى بمعناه دون لفظه أن له صفة الحديث النبوي دون فارق سوى النسبة إلى الله سبحانه للإيذان بأهمية الخـبر…" انتهى.
فهذه خلاصة ما ذهب إليه أصحاب هذا الرأي وأهم حججهم في الحياد عن الحقيقة وتأويلها ولنا كرة في بيان الصواب ورد شبههم إن شاء الله تعالى.
والآن أذكر من ذهب إلى أن الحديث القدسي كلام الله تعالى فقط
مسلك السلف في الأحاديث القدسية
يجدر هنا أن أشير بأن المتقدمين وسلف هذه الأمة لم يكونوا يعرفون هذه التأويلات وما كان يخطر ببالهم فكانوا يجرون النصوص كـما هي سواء كانت في صفة الكلام أوفي غيرها من الصفات وذلك لوضوح دلالتها ومعانيها، فلذا لم ينقل عنهم بخصوص القرآن الكريم ما جرى في القرن الثالث من بدعة خلق القرآن وإثارتها إلى حد تعذيب العلماء وقتلهم لمن لا يقول بذلك ولا يعتقده ووقف إمام أهل السنة أحمد بن محمد ابن حنبل بصمود أمام هذه المحنة والفتنة وثبت على الحق حتى أحيى الله تعالى به السنة.
وهكـذا لم يرد عنهم بخصـوص الأحـاديث القدسية شيء من ذلك إنما نقلوا تلك الأحاديث ضمن كتبهم كـما رواها النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى وهي صريحة في ذلك وواضحة في عزوه صلى الله عليه وسلم تلك الأحاديث إلى ربه- عز وجل- بقوله قال الله تعالى ويقول الله تعالى.
ومن هنا عنون البخاري في صحيحه بقوله باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه تعالى وذكر فيه ثلاثة أحاديث يرويها النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه، وكذا عنون في مواضع من كتاب التوحيد في إثبات كلام الرب وذكر فيها الأحاديث القدسية ومن ذلك عنوان[10] باب كلام الرب مع جبريل ونـداء الله الملائكة وذكر فيه ثلاثة أحاديث قدسية، ومما يؤيد بأن رأي البخاري في الأحاديث القدسية هو أنها هي من كلام الله تعالى بلفظه ومعناه عنوان[11]: باب قول الله تعالى {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ الله} ثم ساق تحت العنوان المذكور في حدود عشرة من الأحاديث القدسية مما يشير بأنها من كلام الله تعالى.
وهو يستشهد لترجمة الباب بها وقد سبقني إلى هذا فضيلة الشيخ عبد الله غنيمان في شرحه لكتاب التوحيد من صحيح الإمام البخاري وكـما أفادني شفهياً أيضاً بذلك حينما سألته.
وصنيع الكرماني كذلك يدل على أن الأحاديث القدسية كلام الله تعالى بلفظه ومعناه كـما سيأتي بيانه منه عند بيان الفرق بينها وبين القرآن الكريم.
وكذا الشهاب بن حجر الهيثمي في شرح الأربعين النووية في شرح الحديث الرابع والعشرين المسلسل بالدمشقيين وهو حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه تعالى أنه قال:
"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا......." - رواه مسلم-[12].
حيث قال:
الأحاديث القدسية من كلامه تعالى فتضاف إليه وهو الأغلب ونسبتها إليه حينئذ نسبة إنشاء لأنه المتكلم بها أولا، وقد تضاف إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - لأنه المخبر بها عن الله تعالى بخلاف القرآن فإنه لا يضاف إلا إليه. فيقال: قال الله تعالى وفي القدسية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى.
وقال فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان في مقدمة كتابه الضياء اللامع "الأحاديث القدسية هي الأحاديث التي يرويها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل لفظا ومعنى وهي قسم من السنة المطهرة لها ميزة نسبتها إلى الله عز وجل وأن الله جلّ وعلا تكلم بها وأوحاها إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ليبلغها للناس أما بقية الأحاديث فلفظها من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناها من عند الله عز وجل لأن السنة كلها وحي... ولكن ما كان منها من الله لفظا ومعنى فهو الحديث القدسي، وما كان معناه من الله عز وجل دون لفظه فهو حديث نبوي غير قدسي، وقال أيضاً: في معرض الفرق بين الحديث القدسي وغير القدسي أن الحديث القدسي لفظه ومعناه من الله عز وجل يرويه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه والحديث غير القدسي معناه وحي من الله عز وجل ولفظه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وإن تخصيصها بهذا الوصف- أي القدسي- يضفي عليها ميزة خاصة من بين سائر الأحاديث، لأن الحديث القدسي هو ما يرويه النبي- صلى الله عليه وسلم - عن ربه عز وجل فيكون المتكلم به هو الله عز وجل والراوي له هو النبي- صلى الله عليه وسلم- وكفاها بذلك شرفاً" [13].
واختار هذا التعريف د/ محمد عجاج الخطيب أيضاً[14].
فعلى هذا القول الذي يعتبر الأحاديث القدسية من كلام الله تعالى باللفظ والمعنى وهو الذي نرجحه ونراه صواباً- إن شاء الله تعالى- يرد بعض الشبهات وبسببها لجأ أصحاب القول الأول إلى التأويل وصرفها عن الحقيقة بدون أي مبرر وضرورة لذلك، وقد سبق فيما نقلت- عن بعضهم أنهم قالوا: "لو كان منزلا بلفظه لكان له من الحرمة
والقدسية في نظر الشرع ما للنظم القرآني إذ لا وجه للتفرقة بين لفظين منزلـين من عند الله…"[15].
فالجواب عن هذه الشبهة كالآتي:
أولا نقول بأن هناك فرقاً كبيراً بين اللفظين المنزلين فالقرآن كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته والمتحدي بأقصر سورة منه بخلاف الأحاديث القدسية حيث لم يقصد بها التحدي ولم يرد نص شرعي بتعبدها ولا بحرمتها مثل ما جاء في القرآن الكريم فلا يثبت لها شيء من ذلك لأنه لم يرد بخصوصها دليل بخلاف القرآن.
وهذا ما أقره أصحاب القول الأول عند تعريفهم لكلام الله "القرآن" حيث قالوا: بعد التعريف هذان القيدان: التعبد بالتلاوة والتحدي بالإتيان بسورة منه يخرج الأحاديث القدسية إذا اعتبرنا أنها منزلة بلفظها على النبي صلى الله عليه وسلم[16].
وحقاً أنزل القرآن الكريم كمعجزة باقية حتى تقوم الساعة فهو معجز في أسلوبه وصناعته ونقرأ التحدي بالإتيان بمثله في آيات عديدة بل بسورة مثله قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (البقرة آية: 23، 24).
فعجز البشرية أن يأتي بمثله وتعجز إلى الأبد وبذلك لزمتهم الحجة بخلاف الحديث القدسي فإنه لم يقصد منه ذلك.
فإليك أقوال بعض العلماء الذين يرون لفظ الحديث القدسي من الله تعالى والقرآن كذلك وبيان الفرق بينهما قال الكرماني شمس الدين محمد بن يوسف بن علي المتوفى 796 هـ في شرحه لصحيح البخاري في أول كتاب الصوم:
"القرآن لفظ معجز ومنزل بواسطة جبريل عليه السلام وهذا- أي القدسي- غير معجز وبدون الواسطة ومثله يسمى بالحديث القدسي والإلهي والرباني... إلى أن قال وقد يفرق بأن الحديث القدسي ما يتعلق بتنزيه ذاته وصفاته الجلالية والجمالية" [17].
وذكـر ابن حجـر الهيثمي في شرح الأربعين النووية في شرح الحـديث الرابـع والعشرين[18] ما نصه فائدة يعم نفعها، ويعظم وقعها، في الفرق بين الوحي المتلو وهو القرآن والـوحي المروي عنه صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل وهو ما ورد من الأحاديث الإِلهية وتسمى "القدسية" وهي أكثر من مائة حديث.
وقد جمعها بعضهم في جزء كبير وحديث أبي ذر هذا- الرابع والعشرين- من أجلها، ثم قال: اعلم أن الكلام المضاف إليه تعالى أقسام ثلاثة:
أولها: وهو أشرفها "القرآن" الكريم لتميزه عن البقية بإعجازه من أوجه كثيرة، وكونه معجزة باقية على ممر الدهر، محفوظة من التغيير والتبديل وبحرمة مسّه لمحدث وتلاوته لنحو الجنب، وروايته بالمعنى، وبتعينه في الصلاة وبتسميته قرآنا وبأن كل حرف منه بعشر حسنات، وبامتناع بيعه في رواية عند أحمد وكراهته عندنا وبتسمية الجملة منه آية وسورة، وغيره من بقية الكتب والأحاديث القدسية لا يثبت لها شيء من ذلك".
قلت: أما بالنسبة للأحاديث القدسية فبالاتفاق لا يثبت لها شيء من ذلك كـما ذكر الهيثمي وأما بالنسبة لبقية الكتب السماوية فكذلك في بعض الأمور حيث حُرِّفت وغُّيرت ولم يُقصد بها التحدي والإعجاز حسب علمنا ولا التعبد بها في شريعتنا أما في شريعة من نزلت هذه الكتب عليهم قبل التبديل والتحريف فلا علم لنا بذلك حيث لم يرد نص عندنا يثبت ذلك أو ينفيه فلا نستطيع الجزم بعدم حرمة مسّها وعدم التعبد بتلاوتها عندهم كـما لا نستطيع الجزم بإثبات العكس- والله تعالى أعلم.
ثم قال الهيثمي:
ثانيها: كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قبل تغييرها وتبديلها.
ثالثها: بقية الأحاديث القدسية وهي ما نقل إلينا آحادا عنه صلى الله عليه وسلم مع إسناده لها عن ربه فهي من كلامه تعالى...".
فتبين لنا أن الأحاديث القدسية من كلام الله تعالى وليس للنبي صلى الله عليه وسلم إلا نقلها وروايتها بدليل إضافته هذه الأحاديث إلى الله تعالى فهي تسمى قدسية أو إلهية أو ربانية، فلو كان لفظها من عنده صلى الله عليه وسلم لما كان لها فضل اختصاص بالإضافة إليه تعالى دون سائر أحاديثه صلى الله عليه وسلم ويؤكد ذلك اشتمال هذه الأحاديث على ضمائر المتكلم في كثير منها الخاصة به تعالى أو الإضافة إليه تعالى مثل حديث أبي ذر المذكور وحديث يقول الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني"[19] وحديث "قال الله المتحابون في جلالي لهم منابر من نور" [20] وحديث "الحمى ناري أسلطها على عبدي المؤمن..."[21] ونحوها كثير.
ولجأ أصحاب القول الأول إلى تأويل ما ذكرنا بقولهم "إذا كان لفظ الحديث القدسي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف نؤول قوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تبارك وتعالى:
فقالوا: "إن المقصود نسبة مضمون الحديث لا نسبة ألفاظه وهذا التعبير كثير الاستعمال في اللغة العربية قديمها وحديثها، ثم مثلوا لذلك بأمثلة ومن أهمها قالوا قد ورد هذا الاستعـمال في القرآن حيث حكى الله تبارك وتعالى عن نوح وموسى عليهما السلام وفرعون عليه اللعنة وغيرهم مضمون كلامهم بألفاظ غير ألفاظهم وبأسلوب غير أسلوبهم ونسب ذلك إليهم…"[22].
فأقول في رد هذا التأويل بأن ما ذكرتم مقبول لو ثبت فهم هذا المراد من أحد من سلف هذه الأمة من الأئمة المشهورين في الحديث وغيره ولكنه لم يثبت عنهم إلا سوق مثل هذه الأحاديث القدسية وغيرها من أحاديث الصفات وإجرائها كـما وردت.
وثانيا ما هي الحاجة التي تدعو إلى هذا التأويل، بخلاف ما مثلوا به من القصص والأحكام التي أنزلها الله تعالى في القرآن الكريم بلسان عربي مبين من قصص الأمم السابقة وأنبيائهم- التي هي نزلت بلغتهم ودارت بينهم- حيث علمنا علم اليقين بأن الله تعالى نقلها لنا بكـلامه ولفظه لأن لغتهم غير لغتنا والحاجة قائمة في ضرورة فهمنا هذه القصص، بخلاف الأحاديث القدسية فإن أصلها باللغة العربية وليس هناك ما يجعلنا أن نلجأ إلى هذا التأويل ولا دليل من الشرع على هذا.
توضيح: ونعني من قولنا المذكور بأن الأحاديث القدسية من كلام الله تعالى هذا عند تلقي الرسول- صلى الله عليه وسلم- هذه الأحاديث ورِوايته لها عن ربه تعالى وقبل تصرف الرواة في نقلها بالمعنى أو نقل بعضها حيث إن كثيراً من العلماء الذين يجيزون رواية الأحاديث النبوية بالمعنى للعالم البصير بمدلولات الألفاظ ومفاهيمها أجازوا أيضا رواية الأحاديث القدسية بالمعنى بالشروط التي شرطوها في رواية الحـديث النبـوي بالمعنى وإن لم أقف على هذا التصريح فيما بحثت من السلف بالتخصيص أعني على جواز رواية الأحـاديث القدسية بالمعنى وإنما قاسوها على الأحاديث النبوية بصفة كونها أحاديث، ولأجل ذلك ما نستطيع الجزم في حديث ما من الأحاديث القدسية بأن لفظه ومعناه من كلامه تعالى جزمنا بآية أو بسورة بأنها من كلام الله تعالى وذلك لعدم جواز رواية القرآن بالمعنى بالاتفاق ولكونه متواترا.
ومن هنا نجد في الأحاديث القدسية بعض الاختلاف في ألفاظها زيادة ونقصانا في الرواية الواحدة لعله من هذا القبيل- والله أعلم-.
فنذكر نـماذج من ذلك على سبيل المثال:
ففي صحيح البخاري[23] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: "من أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة"، وعنده في رواية أخرى بتقديم "فليخلقوا حبة" وبدون قوله "أو شعيرة" وجاء عند مسلم[24] بزيادة "خلقا" بعد قوله: "يخلق" وكذا عنده "فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا شعيرة" بدل حبة.
وأيضاً في صحيح البخاري[25] عن أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى قال: "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر، عوضته منهما الجنة" وأخرجه الترمذي[26] أيضاً من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: إن الله يقول: "إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة".
وكذا رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا قال: يقول الله عز وجل: "من أذهبت حبيبتيه وصبر واحتسب، لم أرض له ثوابا إلا الجنة"[27].
ومن ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري[28] عن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه- عز وجل- قال:
"إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها، كتبها الله له عنده عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها، كتبها الله سيئة واحدة".
وكذا رواه عن أبي هريرة مرفوعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ قال: يقول الله: "إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإذا عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد عبدي أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف"[29]، فنلاحظ بين الروايتين الفرق والتقديم والتأخير وجاء عند مسلم[30] بلفظ قال الله عز وجل: "إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها، كتبتها له حسنة، فإن عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتها سيئة واحدة"، وفي رواية أخرى عنده "إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل، فإذا عملها فأنا أكتبها له بعشر أمثالها" فذكر الحديث مع اختلاف في اللفظ.
وهكذا ترى الاختلاف في الحديث الواحد وذلك في نظري لعله نتيجة لجواز رواية الحديث القدسي بالمعنى وتصرف الرواة في نقلها والله أعلم.
وكـذلك يحصل في الأحاديث النبوية مثل هذا الاختلاف ولكننا لا نقول في جميع ما يُضيفه إليه أصحابه أن الألفاظ منهم والمعنى من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في أحاديث معينة صرّح العلماء بأنها رواية بالمعنى فكذلك لا نقول في جميع ما يُضيفه رسول الله صلى الله عليه وسلم - إلى الله تعالى- بأن اللفظ منه صلى الله عليه وسلم والمعنى من عند الله تعالى، نعم يمكن أن يصدق في بعض الأحاديث القدسية التي رويت بالمعنى وتبين لنا ذلك أو في الأحاديث التي فيها قرائن تدل على أن اللفظ من الرسول والمضمون من الله تعالى ولا سيما فيما لم يصرح بقال الله أو يقول الله مثل حديث: "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين"، حيث جاء في رواية أخرى هكذا "فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ثم أتمها في الحضر"[31].
ومثل "فأوحى الله إليه أن قد أذن الله لكن في الخروج لحاجتكن"[32].
أو حديث: "من أتى حائضاً في فرجها أو امرأة في دبرها أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"[33]، وحديث عائشة عنه صلى الله عليه وسلم: "وأوحى إلي أنكم تفتنون في قبوركم"[34] وغيرها من الأحاديث التي صرح النبي صلى الله عليه وسلم بإضافة الحكم إلى الله تعالى مثل قوله صلى الله عليه وسلم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم: "أن يأخذ العفو من أخلاق الناس"[35].
وأمرنا الله تعالى بوفاء النذر ونهانا أن نصوم يوم النحر[36].
وحديث "أمره ربه عز وجل أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب" "يعني خديجة رضي الله عنها"[37].
وما ورد عن أحاديث اللعن: لعن الله اليهود... ولعن الله الواشمات... ولعن الله من غير منار الأرض[38] وغـيرها من الأحـاديث التي عدها بعض العلماء من الأحاديث القدسية، فهذه الأحـاديث ليست من الأحاديث القدسية حسب التعريف وإن عدها بعضهم منها لإضـافة الرسول صلى الله عليه وسلم الحكم أو الأمر إلى الله تعالى ولا شك أن الحكم المضاف الصريح إلى الله تعالى أوكد من حيث الوقع في القلوب من الأحاديث التي لم يُضِفها إليه تعالى وإلا فالجميع من الله وكلها وحي بلا شك سواء أضافها إلى الله تعالى أو لم يُضِفها لما جاء في النص القرآني بأنه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم آية 3- 4) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه..."[39] فكل الأحاديث النبوية بمقتضى الأدلة السابقة الذكر لا تخرج من دائرة الوحي[40]- مع اختلاف أساليب الوحي بينهما كـما سيأتي بيانه إن شاء الله إلا أنه خص بعض الأحاديث بمزيد من العناية والتأكيد فصرح فيها بإضافة الحكم أو الأمر إلى الله تعالى صريحا أو صرح صلى الله عليه وسلم بأنه أوحي إليه كـما تقدم ضرب بعض الأمثلة. "يجدر هنا توضيح معنى الوحي وأقسامه".
بيان أقسام الوحي:
والوحي: لغة: بمعنى الإيحاء ومعناه: الإعلام بالشيء على وجه الخفاء والسرعة[41] وشرعا: هو إعلام الله لأنبيائه ما يريد إبلاغه إليهم من الشرائع والأخبار وبطريق خفي بحيث يحصل عندهم علم ضروري قطعي بأن ذلك من عند الله تعالى جل شأنه[42].
وينقسم إلى قسمين:
- الوحي المتلو والوحي غير المتلو ويسميه بعضهم بالوحي المروي:
فالوحي المتلو: القرآن الكريم، والمروي- أو غير المتلو- الأحاديث القدسية والنبوية لما سبق أنه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} إلا أن الوحي المتلو يختلف عن غير المتلو في كيفية الوحي وأسلوبه، وقد ذكر ابن القيم[43] لمراتب الوحي وطرقه أقساما سبعة، نسردها كالتالي:
- وهي: إحداها الرؤيا الصادقة وكانت مبدأ وَحيه صلى الله عليه وسلم وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
"قلت: وقد عنون إمام المحدثين أبو عبد الله البخاري في أول باب من كتابه الجامع الصحيح بقوله باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر تحت الباب حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح...".
الثانية: ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب لا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته"[44].
الثالثة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل له الملك رجلاً، فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له، وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحياناً[45].
الرابعة: أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس، وكان أشده عليه فيتلبس به الملك حتى إن جبينه ليتفصد عرقاً في اليوم الشديد البرد[46] وحتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض إذا كان راكبها[47].
ولقد جاءه ا لوحي مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقلت عليه حتى كادت ترضها[48].
الخامسة: أنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها، فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه وهذا وقع له مرتين كـما ذكر الله ذلك في سورة النجم (آية 7، 13)[49].
السادسة: ما أوحاه الله وهو فوق السماوات ليلة المعراج في فرض الصلوات وغيرها.
السابعة: كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك كما كلم الله موسى بن عمران عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعا بنص القرآن وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج انتهى.
"الفرق بين الوحي المتلو وغير المتلو":
وبعد هذا التعريف بالوحي أوضح بأن الوحي المتلو- وهو القرآن الكريم- لا يكون إلا بواسطة الروح الأمين جبريل عليه السلام وذلك لما ورد في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله..} (البقرة: 97).
وقوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} (الشعراء: 193) وقوله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقّ} (النحل: 102) وغيرها من الأدلة.
بخلاف الوحي المروي أو غير المتلو فإنه لا يختص بنوع من المراتب المذكورة ولا يشترط أن يكون بواسطة جبريل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وقد يكون بالإلهام أو بالمنام أو الإِلقاء في الروع ونحوها مما تقدم ذكره.
وقد سبق بيان بعض الفروق في كلام ابن حجر الهيثمي وألخصها فيما يلي بأرقام محددة:
1- القرآن معجز من أوجه كثيرة.
2- وهو معجزة باقية على ممر الدهور.
3- محفوظة من التغيير والتبديل.
4- يحرم مسه للمحدث وتلاوته لنحو الجنب.
5- حرمة روايته بالمعنى.
6- وتعينه في الصلاة.
7- بتسميته قرآناً.
8- وامتناع بيعه في رواية عند أحمد وكراهته عندنا.
9- وبتسمية الجملة منه آية وسورة.
10- وبـأن كل حرف منه عشر حسنات- أي بتلاوته- ونضيف بعض الفروق الأخرى على كلام الهيتمي وهي:
11- أن القرآن بوحي جلي بواسطة جبريل كما سبق بيانه بخلاف القدسي.
12- أن القرآن مقسم على سور وأجزاء وأحزاب، وآيات بخلاف الحديث القدسي.
13- "وهذا ذكره بعض العلماء" أن جاحد القرآن يكفر- لثبوته بالتواتر- بخلاف جاحد الحديث القدسي- لاحتماله التأويل بتطرق الخطأ إليه أو لخلاف في بعض رواته أو لتصرف بعض الرواة فيه ونحو ذلك، يعني لوجود هذه الاحتمالات إذا جحدها متأولا فلا يكفر، أما إذا جحدها مع ثبوتها ومن غير وجود الاحتمالات المذكورة فيكفركـما لو أنكر حديثا نبويا بعد ثبوته وصحته.
14- ويتعلق هذا الفرق بطريقة النقل حيث إن القرآن الكريم نقل إلينا بالتواتر بجميع ألفاظه وكلماته وحتى أسلوبه وصناعته بخلاف الأحاديث القدسية فإنها نقلت إلينا كـما نقلت الأحاديث النبوية عن طريق الآحاد فيندرج تحتها ما يندرج تحتها وينطبق عليها ما ينطبق على الأحاديث النبوية وتجدها متفاوتة في الدرجات تفاوت الرواة الذين ينقلونها من حيث مراتب الجـرح والتعـديل ولذلك تجد في الأحاديث القدسية: المتواتر، والصحيح، والحسن والضعيف والواهي والموضوع وما ليس له أصل كما سأبين نماذج من كل ذلك إن شاء الله تعالى بعد بيان الفرق بين الحديث القدسي والحديث النبوي فإليك بيان الفرق بينهما:
1- علمنا أن الحديث القدسي من قول الله تعالى وكلامه- على الراجح- والحديث النبوي من كلامه صلى الله عليه وسلم كـما تقدم حيث لم يضفه إلى الله تعالى وكلاهما وحي.
2- أن الحـديث القدسي يُسنِده ويضيفه إلى الرب تبارك وتعالى صريحا بخلاف الحديث النبوي فإنه لا يضيفه إليه وإن كانا كلاهما وحي كـما تقدم.
3- نلاحظ الفرق بينهما من حيث المضمون والمحتوى والأسلوب أيضاً فإن الأحاديث القدسية موضوعاتها ومحتواها محدودة وتركز على جوانب معينة فنجدها أنها تركز على فضل التوحيد وإصلاح العقيدة والحث على الإخلاص وتحذر من الشرك وسؤ عاقبته، والكبر والظلم والرياء وغيرها من الرذائل وترغب عباده الرجوع إليه بالتوبة والاستغفار والإنابة إليه وعدم القنوط من رحمته.
4- وتبين فضائل الأعمال من صوم وصلاة وجهاد وغيرها من الأعمال الصالحة.
5- وترغب بأداء الفرائض والتقرب إليه بالنوافل وقراءة القرآن وفضلها.
6- تحث على الذكر ومجالسة الصالحين والآثار الطيبة من ذلك على النفوس.
7- تحض على حسن التعامل وفضل إنظار المعسر والتجاوز عنه والود والتراحم بين المسلمين والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحوها.
8- فهي ترغب العبد المؤمن فيما أعده الله تعالى لعباده الصالحين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وتوجهه بإحسان الظن بربه تبارك وتعالى، وبأن يحب لقاءه ويستعد لذلك وليوم الحساب.
9- تبين فضل الله تعالى وكرمه وجوده في جزاء الأعمال ومضاعفة الأجر ولا سيما لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
10- وتبين عظم جزاء الصبر على المصيبة وتبشره بالجنة وأنها كفارة لعبده المؤمن سواء كان حمى أو طاعون أو أي مرض آخر.
11- كـما تبين قصص بعض الأنبياء مع أممهم التي تحصل بينهم يوم القيامة وصفات المؤمنين وصفة الجنة وأهلها وأحوال الكفرة ومآلهم السيئ وغير ذلك وتتلخص كل ذلك في توثيق المؤمن صلته بالله تعالى وأداء ما لعباده من الحق عليه.
فتلاحظ مما ذكرنا بأن الأحاديث القدسية لا تتضمن تفاصيل الأحكام وأصولها ولا المعاملات وتفاصيلها ولا الجنايات وحدودها ولا التاريخ والسير وتفاصيلهما وغير ذلك مما تناولته الأحاديث النبوية على صاحبها الصلاة والسلام من التفصيل.
====
--------------------------------------------------------------------------------
[1] كما في مختار الصحاح/ 524 والقاموس (1/248).
[2] مثل أمرني ربي عز وجل، أو أتاني جبريل أو ملك فقال إن اللّه يأمرك... إن الله عز وجل أمرني، أو إن الله عز وجل يقول أو قال ونحوها حيث عدها العلماء من الأحاديث القدسية.
[3]انظر: ص 228.
[4] انظر: قواعد التحديب للقاسمي/ 66.
[5] انظر: التعريفات له/83 ،84.
[6] انظر: الإتحاف السنية في الأحاديث القدسية/ 274.
[7] انظر: النبأ العظيم / 16.
[8] انظر: الحديث النبوي مصطلحه، بلاغته/ 133.
[9] انظر: ص 11.
[10] انظر: (13/ 460) مع الفتح.
[11] انظر: صحيح البخاري (13/ 464) مع الفتح.
[12] انظر: صحيح مسلم ص 1994.
[13] انظر: مقدمة الضياء اللامع من الأحاديث القدسية الجوامع/ 6-7 و 10، 11-12.
[14] انظر: الوجيز المختصر في علوم الحديث له/ 20 وهو من علماء عصرنا وله عدة مؤلفات.
[15] انظر: النبأ العظيم/ 16والحديث النبوي ومصطلحه للصباغ/ 133.
[16] انظر: النبأ العظيم للدكتور محمد دراز/ 15 ومقدمة الإتحافات السنية/ 10 لمحمود النواوي.
[17] انظر: الكوكب الدراري (9/ 75- 80) وكذا نقله عنه المدني في الإتحافات السنية/ 336.
[18] وكذا نقله عنه القاسمي في قواعد التحديث/ 64 وهو حديث إني حرمت الظلم.
[19] انظر: صحيح البخاري حديث رقم (7405) وصحيح مسلم (267().
[20] انظر: سنن الترمذي حديث رقم (239).
[21] سيأتي تخريجه في مبحث نماذج من الأحاديث القدسية المتفاوتة الدرجات إن شاء اللّه تعالى.
[22] انظر: النبأ العظيم للدكتور محمد دراز/ 6 والحديث مصطلحه وبلاغته للصباغ/ 133.
[23] انظر: صحيح البخاري كتاب التوحيد باب قول اللّه: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}( 9/ 162).
[24] انظر: صحيح مسلم (/1671).
[25] صحيح البخاري كتاب الطب باب فضل من ذهب بصره (7/116).
[26] سنن الترمذي باب ما جاء في ذهاب البصر (2/ 64) وقال: حديث حسن غريب.
[27] المصدر السابق نفسه وقال: حديث حسن صحيح.
[28] صحيح البخاري كتاب الرقاق (8/103).
[29] المصدر السابق نفسه كتاب التوحيد باب {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّه}
[30] انظر: صحيح مسلم (1/117).
[31] انظر: جامع الأصول (5/ 184 -185).
[32] صحيح البخاري (8/430- 431) وصحيح مسلم (7/ 6-7).
[33] انظر: جامع الأصول (5/ 65) و(7/ 342).
[34] انظر: مسند عائشة ح 335 من مسند إسحاق بتحقيقي وإسناده حسن.
[35] انظر جامع الأصول (2/143).
[36] المصدر نفسه.
[37] المصدر نفسه (9/ 121).
[38] المصدر السابق نفسه (1/450ـ 451) و(4/ 779) و(10/768).
[39] رواه أبو داود (5/ 10-12) كتاب السنة باب في لزوم السنة والترمذي في سننه كتاب العلم حديث رقم (6666) وقال: حديث غريب من هذا الوجه وابن ماجه في المقدمة حديث 12 واللفظ لأبي داود.
[40] أما ما يتعلق باجتهاده ورأيه- صلى الله عليه وسلم - فهو وإن لم نحكـم عليه بأنه وحي ولكنه في منزلة الوحي حيث إن اللّه تعالى لا يقر نبيه صلى الله عليه وسلم على الخطأ بل ينزل الوحي ويبين له الصواب كما حصل في قصة أسرى بدر وفي صلاته على المنافقين والإذن لهم وفي قصة الأعمى ابن أم مكثف وغيرها وانظر: قواعد التحديث للقاسمي/33 و255 والأنوار الكاشفة للمعلمي/ 22 و104.
[41] انظر: مختار الصحاح/ 713 بتصرف.
[42] انظر: الحديث والمحدثون/ 12.
[43] انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد (1/78 - 79) تحقيق شعيب الأرناؤوط.
[44]رواه أبو نعيم في الحلية (10 /26، 27) والطبراني كـما في مجمع الزوائد (4/72) وأعله بعفير بن معدان وله شاهد من حديث ابن مسعود عند الحاكم (2/4) ومن حديث جابر عند ابن ماجه وابن حبان وصححه المحقق لزاد المعاد بمجموع الطرق والشاهد.
[45] انظر: صحيح مسلم حديث عمر في أول كتاب الإيمان.
[46] انظر: صحيح البخاري (1/ 20) في بدء الوحي.
[47] انظر مسند إسحاق منه مسند عائشة حديث 213 وتخريجه.
[48] انظر: صحيح البخاري (8/ 196) كتاب التفسير والرَّضُ/ الدق الجريش.
[49] انظر: صحيح مسلم برقم 177.
===
يتبع
ومصادرها وأدوار تدوينها
بقلم
د. عبد الغفور عبد الحق البلوشي
الباحث بمركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالجامعة الإسلامية
الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فهذا بحث علمي عن موضوع "الأحاديث القدسية في دائرة الجرح والتعديل ودراسة مصادرها وأدوار تدوينها" ولما رأيت بأن الأحاديث القدسية لها أهمية كبيرة ومكانة عظيمة عند العامة والخاصة في المجتمع الإسلامي عزمت على الكتابة فيها وشمرت عن ساق الجد بعد طلب العون من الله القدير.
وقد كانت الرغبة عندي قديماً لدراسة مثل هذه الأحاديث التي تتميز بإضافتها إلى الله تعالى وهي منسوبة إليه تعالى ومن كلامه سبحانه حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فيها قال الله تعالى، ويقول الله تعالى، فالذي يسمع ذلك يزعم بأن هذا كلام الله تعالى فهو صحيح حتماً فلا يخطر بباله بأن الضعف يتطرق إليه لإضافته إلى الله تعالى وهذا هو فهم كثير من العوام وقد يقع فيه بعض الخواص ويغيب عنهم أن مدار الصحة والضعف فيها على السند، ولا مانع من عرض قصة واقعية جرت بين أستاذين فاضلين في المسجد النبوي الشريف وهي في صميم الموضوع- حيث كانا يتناقشان فيما بينهما إمكانية تطرق الضعف إلى الأحاديث القدسية وعدم إمكانية ذلك فأحدهما يُثبتُ ذلك والآخر ينفي، فإذا بأحدهما- وهو أستاذي- وقع نظره علي وأنا جالس عند باب الرحمة فسر بذلك وناداني- وكنت حينذاك طالباً في الدراسات العليا شعبة السنة في مرحلة الدكتوراه وكان يعرف ذلك- وطرح علي ما جرى بينهما من النقاش في الموضوع ثم قال باستغراب؟!:هل الأحاديث القدسية يمكن أن تكون ضعيفة؟!
فقلت: بلى وقد تكون موضوعة لأن الذي يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم- يكذب على الله تعالى، ولأن مدارها على الرواة وتوفر صفات القبول فيهم وعدمها.
الخلاصة أن هذه القصة أثارت أول بذور الرغبة والاندفاع عندي لدراسة هذا الموضوع وتعميم نفعه، وزادني عزماً وإقداماً طلب مجلة المنهل الكتابة في بعض البحوث المتعلقة بالأحاديث القدسية ومن ضمنها الموضوع الذي أنا بصدد البحث فيه فلم أتردد في اختياره مستعيناً بالله تعالى مع انشغالي بأعمال علمية أخرى ومعرفتي بأن دراسة هذا الموضوع بحاجة إلى وقت وجهد فَثَبّت العزيمة وبدأت في جمع المرام واقتناء المصادر المؤلفة في الموضوع حسب التيسر لأخذ العلم عن مناهجهم في جمع الأحاديث ومدى التزامهم بالأحاديث القدسية الصحيحة وبيان درجتها فتبين لي بعد إلقاء النظر وفحص هذه الكتب وأحاديثها ثغرة جديدة في هذا الموضوع وهي حاجة دراسة الأحاديث القدسية وكشف صحيحها من سقيمها حيث لم يتعرض مؤلفو الكتب السابقة الذكر في الموضوع ولم يلتزموا بذلك، فعلى سبيل المثال سأذكر في آخر البحث بعض المصادر المهمة وعدد أحاديثها وحصر ما صح من أحاديثها وما لم يصح وما هو مسكوت عنه مما توصلت إليه وهي بحاجة إلى دراسة أسانيدها بعد تخريجها من مظانها وإعطائها ما تستحق من الأحكام صحة وضعفا وقد بدأت والحمد للّه بسدّ هذه الثغرة والعمل جار بفضل الله تعالى- في جمعها وإنجازها إتماما للفائدة، وها أنا أبدأ في المقصود وقبل أن أدخل في صميم الموضوع أريد أن أوضح للقارئ الكريم معنى الحديث القدسي لغة واصطلاحا وأهم الفروق بين الحديث القدسي والقرآن الكريم وبينه وبين الحديث النبوي الشريف.
فأقول وبالله التوفيق:
الحديث: لغة الجديد، ويجمع على أحاديث على خلاف القياس.
اصطلاحا: ما أضيف إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، هذا إذا أطلق، أما كلامنا فعَلى المقيد بالقدسي هنا، والقدس: بسكون الدال وضمها- لغة الطهر[1] والقدسي نسبة تكريمية إلى الذات القدسية وهو الله سبحانه وتعالى المسمى بالقدوس.
وقد يسمى بالحديث الإلهي أو الرباني نسبة إلى الإله المعبود أو إلى الرب تبارك وتعالى.
تعريفه بجزئيه: "الحديث القدسي اصطلاحا":
هو الحديث الذي يرويه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم- عن ربه تبارك وتعالى مسنداً ذلك إليه بقوله: قال الله تعالى أو يقول الله تعالى أو أوحى الله تعالى إليّ ونحوها من[2] الألفاظ وهذا التعريف هو الذي أراه صواباً.
فتبين من التعريف بأن الأحاديث القدسية هي من كلام الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم ناقل لها فقط ولا داعي إلى القول بأن معناها من عند الله واللفظ من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإِطلاق وإن رجح عدد من العلماء المتأخرين وبعض المتقدمين من المتكلمين والأشاعرة هذا القول واستدلوا على ذلك ببعض الأدلة التي لا تقوم بها الحجة كـما سأبين ذلك إن شاء الله تعالى.
ذكر أبو البقاء في كلياته[3] في الفرق بين القرآن والحديث القدسي:
"أن القرآن ما كان لفظه ومعناه من عند الله بوحي جلي وأما الحديث القدسي فهو ما كان لفظه من عند الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناه من عند الله بالإِلهام أو بالمنام".
وبه قال الطيبي: وهذا نصه.. "القرآن هو اللفظ المنزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، والقدسي إخبار الله معناه بالإلهام أو بالمنام فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بعبارة نفسه، وسائر الأحاديث لم يضفها إلى الله تعالى ولم يروه عنه تعالى"[4].
وهذا مذهب الشريف الجرجاني علي بن محمد حيث قال:
"الحديث القدسي هو من حيث المعنى من عند الله تعالى ومن حيث اللفظ من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فهو ما أخبر الله تعالى به نبيه بإلهام أو بالمنام فأخبر عليه السلام عن ذلك المعنى بعبارة نفسه فالقرآن مفضل عليه لأن لفظه منزل أيضاً"[5].
وهـذا ما قالـه الشيخ محمد المـدني[6] ونقل أيضاً عن ملا علي القارئ أنه قال: "الحديث القدسي ما يرويه صدر الرواة وبدر الثقات عليه أفضل الصلوات وأكمِل التحيات عن الله تبارك تارة بواسطة جبريل عليه السلام وتارة بالوحي والإلهام والمنام مفوضاً إليه التعبير بأي عبارة شاء من أنواع الكلام....".
وتمسك الدكتور محمد عبد الله دراز بقول من تقدم ذكرهم بأن الحديث القدسي منزل بمعناه حيث قال: "وهذا هو أظهر القولين عندنا، لأنه لو كان منزلا بلفظه لكان له من الحرمة والقدسية في نظر الشرع ما للنظم القرآني إذ لا وجه للتفرقة بين لفظين منزلين من عند الله... إلى أن قال: فالقول بإنزال لفظه قول بشيء لا داعي في النظر إليه ولا دليل في الشرع عليه اللهم إلاّ ما قد يلوح من إسناد الحديث القدسي إلى الله بصيغة يقول الله تبارك وتعالى كذا، لكن القرائن التي ذكرناها آنفا كافية في إفساح المجال لتأويله بأن المقصود نسبة مضمونه لا نسبة ألفاظه..."[7].
ورجح هذا القول د/ محمد بن لطفي الصباغ فقال:"الحديث القدسي كلام الله تعالى بالمعنى أما اللفظ فللرسول صلى الله عليه وسلم هذا القول هو الذي نرجحه، وهناك قول آخر مرجوح في نظرنا يدعى أن الحديث القدسي كلام الله تعالى بلفظه ومعناه، لكان ينبغي أن يكون له من الحرمة والقدسية في نظر الشرع ما للقرآن إذ لا وجه للتفرقة بين لفظين منزلين من عند الله..".[8].
وأخذ محقق كتاب الإتحافات السنية محمود أمن النواوي في مقدمته [9] على الكتاب المذكور بقول الدكتور محمد عبد الله دراز وادعى بأنه- أي دراز- أبطل القول بأن الحديث القدسي منزل على النبي- صلى الله عليه وسلم - بأسلوب قوي- كـما زعم- ثم نقل كلامه فيه وأتبعه بقوله "والتحقيق في نظرنا أن البرهان على كون الحديث القدسي موحى بمعناه دون لفظه أن له صفة الحديث النبوي دون فارق سوى النسبة إلى الله سبحانه للإيذان بأهمية الخـبر…" انتهى.
فهذه خلاصة ما ذهب إليه أصحاب هذا الرأي وأهم حججهم في الحياد عن الحقيقة وتأويلها ولنا كرة في بيان الصواب ورد شبههم إن شاء الله تعالى.
والآن أذكر من ذهب إلى أن الحديث القدسي كلام الله تعالى فقط
مسلك السلف في الأحاديث القدسية
يجدر هنا أن أشير بأن المتقدمين وسلف هذه الأمة لم يكونوا يعرفون هذه التأويلات وما كان يخطر ببالهم فكانوا يجرون النصوص كـما هي سواء كانت في صفة الكلام أوفي غيرها من الصفات وذلك لوضوح دلالتها ومعانيها، فلذا لم ينقل عنهم بخصوص القرآن الكريم ما جرى في القرن الثالث من بدعة خلق القرآن وإثارتها إلى حد تعذيب العلماء وقتلهم لمن لا يقول بذلك ولا يعتقده ووقف إمام أهل السنة أحمد بن محمد ابن حنبل بصمود أمام هذه المحنة والفتنة وثبت على الحق حتى أحيى الله تعالى به السنة.
وهكـذا لم يرد عنهم بخصـوص الأحـاديث القدسية شيء من ذلك إنما نقلوا تلك الأحاديث ضمن كتبهم كـما رواها النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى وهي صريحة في ذلك وواضحة في عزوه صلى الله عليه وسلم تلك الأحاديث إلى ربه- عز وجل- بقوله قال الله تعالى ويقول الله تعالى.
ومن هنا عنون البخاري في صحيحه بقوله باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه تعالى وذكر فيه ثلاثة أحاديث يرويها النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه، وكذا عنون في مواضع من كتاب التوحيد في إثبات كلام الرب وذكر فيها الأحاديث القدسية ومن ذلك عنوان[10] باب كلام الرب مع جبريل ونـداء الله الملائكة وذكر فيه ثلاثة أحاديث قدسية، ومما يؤيد بأن رأي البخاري في الأحاديث القدسية هو أنها هي من كلام الله تعالى بلفظه ومعناه عنوان[11]: باب قول الله تعالى {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ الله} ثم ساق تحت العنوان المذكور في حدود عشرة من الأحاديث القدسية مما يشير بأنها من كلام الله تعالى.
وهو يستشهد لترجمة الباب بها وقد سبقني إلى هذا فضيلة الشيخ عبد الله غنيمان في شرحه لكتاب التوحيد من صحيح الإمام البخاري وكـما أفادني شفهياً أيضاً بذلك حينما سألته.
وصنيع الكرماني كذلك يدل على أن الأحاديث القدسية كلام الله تعالى بلفظه ومعناه كـما سيأتي بيانه منه عند بيان الفرق بينها وبين القرآن الكريم.
وكذا الشهاب بن حجر الهيثمي في شرح الأربعين النووية في شرح الحديث الرابع والعشرين المسلسل بالدمشقيين وهو حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه تعالى أنه قال:
"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا......." - رواه مسلم-[12].
حيث قال:
الأحاديث القدسية من كلامه تعالى فتضاف إليه وهو الأغلب ونسبتها إليه حينئذ نسبة إنشاء لأنه المتكلم بها أولا، وقد تضاف إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - لأنه المخبر بها عن الله تعالى بخلاف القرآن فإنه لا يضاف إلا إليه. فيقال: قال الله تعالى وفي القدسية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى.
وقال فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان في مقدمة كتابه الضياء اللامع "الأحاديث القدسية هي الأحاديث التي يرويها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل لفظا ومعنى وهي قسم من السنة المطهرة لها ميزة نسبتها إلى الله عز وجل وأن الله جلّ وعلا تكلم بها وأوحاها إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ليبلغها للناس أما بقية الأحاديث فلفظها من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناها من عند الله عز وجل لأن السنة كلها وحي... ولكن ما كان منها من الله لفظا ومعنى فهو الحديث القدسي، وما كان معناه من الله عز وجل دون لفظه فهو حديث نبوي غير قدسي، وقال أيضاً: في معرض الفرق بين الحديث القدسي وغير القدسي أن الحديث القدسي لفظه ومعناه من الله عز وجل يرويه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه والحديث غير القدسي معناه وحي من الله عز وجل ولفظه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وإن تخصيصها بهذا الوصف- أي القدسي- يضفي عليها ميزة خاصة من بين سائر الأحاديث، لأن الحديث القدسي هو ما يرويه النبي- صلى الله عليه وسلم - عن ربه عز وجل فيكون المتكلم به هو الله عز وجل والراوي له هو النبي- صلى الله عليه وسلم- وكفاها بذلك شرفاً" [13].
واختار هذا التعريف د/ محمد عجاج الخطيب أيضاً[14].
فعلى هذا القول الذي يعتبر الأحاديث القدسية من كلام الله تعالى باللفظ والمعنى وهو الذي نرجحه ونراه صواباً- إن شاء الله تعالى- يرد بعض الشبهات وبسببها لجأ أصحاب القول الأول إلى التأويل وصرفها عن الحقيقة بدون أي مبرر وضرورة لذلك، وقد سبق فيما نقلت- عن بعضهم أنهم قالوا: "لو كان منزلا بلفظه لكان له من الحرمة
والقدسية في نظر الشرع ما للنظم القرآني إذ لا وجه للتفرقة بين لفظين منزلـين من عند الله…"[15].
فالجواب عن هذه الشبهة كالآتي:
أولا نقول بأن هناك فرقاً كبيراً بين اللفظين المنزلين فالقرآن كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته والمتحدي بأقصر سورة منه بخلاف الأحاديث القدسية حيث لم يقصد بها التحدي ولم يرد نص شرعي بتعبدها ولا بحرمتها مثل ما جاء في القرآن الكريم فلا يثبت لها شيء من ذلك لأنه لم يرد بخصوصها دليل بخلاف القرآن.
وهذا ما أقره أصحاب القول الأول عند تعريفهم لكلام الله "القرآن" حيث قالوا: بعد التعريف هذان القيدان: التعبد بالتلاوة والتحدي بالإتيان بسورة منه يخرج الأحاديث القدسية إذا اعتبرنا أنها منزلة بلفظها على النبي صلى الله عليه وسلم[16].
وحقاً أنزل القرآن الكريم كمعجزة باقية حتى تقوم الساعة فهو معجز في أسلوبه وصناعته ونقرأ التحدي بالإتيان بمثله في آيات عديدة بل بسورة مثله قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (البقرة آية: 23، 24).
فعجز البشرية أن يأتي بمثله وتعجز إلى الأبد وبذلك لزمتهم الحجة بخلاف الحديث القدسي فإنه لم يقصد منه ذلك.
فإليك أقوال بعض العلماء الذين يرون لفظ الحديث القدسي من الله تعالى والقرآن كذلك وبيان الفرق بينهما قال الكرماني شمس الدين محمد بن يوسف بن علي المتوفى 796 هـ في شرحه لصحيح البخاري في أول كتاب الصوم:
"القرآن لفظ معجز ومنزل بواسطة جبريل عليه السلام وهذا- أي القدسي- غير معجز وبدون الواسطة ومثله يسمى بالحديث القدسي والإلهي والرباني... إلى أن قال وقد يفرق بأن الحديث القدسي ما يتعلق بتنزيه ذاته وصفاته الجلالية والجمالية" [17].
وذكـر ابن حجـر الهيثمي في شرح الأربعين النووية في شرح الحـديث الرابـع والعشرين[18] ما نصه فائدة يعم نفعها، ويعظم وقعها، في الفرق بين الوحي المتلو وهو القرآن والـوحي المروي عنه صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل وهو ما ورد من الأحاديث الإِلهية وتسمى "القدسية" وهي أكثر من مائة حديث.
وقد جمعها بعضهم في جزء كبير وحديث أبي ذر هذا- الرابع والعشرين- من أجلها، ثم قال: اعلم أن الكلام المضاف إليه تعالى أقسام ثلاثة:
أولها: وهو أشرفها "القرآن" الكريم لتميزه عن البقية بإعجازه من أوجه كثيرة، وكونه معجزة باقية على ممر الدهر، محفوظة من التغيير والتبديل وبحرمة مسّه لمحدث وتلاوته لنحو الجنب، وروايته بالمعنى، وبتعينه في الصلاة وبتسميته قرآنا وبأن كل حرف منه بعشر حسنات، وبامتناع بيعه في رواية عند أحمد وكراهته عندنا وبتسمية الجملة منه آية وسورة، وغيره من بقية الكتب والأحاديث القدسية لا يثبت لها شيء من ذلك".
قلت: أما بالنسبة للأحاديث القدسية فبالاتفاق لا يثبت لها شيء من ذلك كـما ذكر الهيثمي وأما بالنسبة لبقية الكتب السماوية فكذلك في بعض الأمور حيث حُرِّفت وغُّيرت ولم يُقصد بها التحدي والإعجاز حسب علمنا ولا التعبد بها في شريعتنا أما في شريعة من نزلت هذه الكتب عليهم قبل التبديل والتحريف فلا علم لنا بذلك حيث لم يرد نص عندنا يثبت ذلك أو ينفيه فلا نستطيع الجزم بعدم حرمة مسّها وعدم التعبد بتلاوتها عندهم كـما لا نستطيع الجزم بإثبات العكس- والله تعالى أعلم.
ثم قال الهيثمي:
ثانيها: كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قبل تغييرها وتبديلها.
ثالثها: بقية الأحاديث القدسية وهي ما نقل إلينا آحادا عنه صلى الله عليه وسلم مع إسناده لها عن ربه فهي من كلامه تعالى...".
فتبين لنا أن الأحاديث القدسية من كلام الله تعالى وليس للنبي صلى الله عليه وسلم إلا نقلها وروايتها بدليل إضافته هذه الأحاديث إلى الله تعالى فهي تسمى قدسية أو إلهية أو ربانية، فلو كان لفظها من عنده صلى الله عليه وسلم لما كان لها فضل اختصاص بالإضافة إليه تعالى دون سائر أحاديثه صلى الله عليه وسلم ويؤكد ذلك اشتمال هذه الأحاديث على ضمائر المتكلم في كثير منها الخاصة به تعالى أو الإضافة إليه تعالى مثل حديث أبي ذر المذكور وحديث يقول الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني"[19] وحديث "قال الله المتحابون في جلالي لهم منابر من نور" [20] وحديث "الحمى ناري أسلطها على عبدي المؤمن..."[21] ونحوها كثير.
ولجأ أصحاب القول الأول إلى تأويل ما ذكرنا بقولهم "إذا كان لفظ الحديث القدسي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف نؤول قوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تبارك وتعالى:
فقالوا: "إن المقصود نسبة مضمون الحديث لا نسبة ألفاظه وهذا التعبير كثير الاستعمال في اللغة العربية قديمها وحديثها، ثم مثلوا لذلك بأمثلة ومن أهمها قالوا قد ورد هذا الاستعـمال في القرآن حيث حكى الله تبارك وتعالى عن نوح وموسى عليهما السلام وفرعون عليه اللعنة وغيرهم مضمون كلامهم بألفاظ غير ألفاظهم وبأسلوب غير أسلوبهم ونسب ذلك إليهم…"[22].
فأقول في رد هذا التأويل بأن ما ذكرتم مقبول لو ثبت فهم هذا المراد من أحد من سلف هذه الأمة من الأئمة المشهورين في الحديث وغيره ولكنه لم يثبت عنهم إلا سوق مثل هذه الأحاديث القدسية وغيرها من أحاديث الصفات وإجرائها كـما وردت.
وثانيا ما هي الحاجة التي تدعو إلى هذا التأويل، بخلاف ما مثلوا به من القصص والأحكام التي أنزلها الله تعالى في القرآن الكريم بلسان عربي مبين من قصص الأمم السابقة وأنبيائهم- التي هي نزلت بلغتهم ودارت بينهم- حيث علمنا علم اليقين بأن الله تعالى نقلها لنا بكـلامه ولفظه لأن لغتهم غير لغتنا والحاجة قائمة في ضرورة فهمنا هذه القصص، بخلاف الأحاديث القدسية فإن أصلها باللغة العربية وليس هناك ما يجعلنا أن نلجأ إلى هذا التأويل ولا دليل من الشرع على هذا.
توضيح: ونعني من قولنا المذكور بأن الأحاديث القدسية من كلام الله تعالى هذا عند تلقي الرسول- صلى الله عليه وسلم- هذه الأحاديث ورِوايته لها عن ربه تعالى وقبل تصرف الرواة في نقلها بالمعنى أو نقل بعضها حيث إن كثيراً من العلماء الذين يجيزون رواية الأحاديث النبوية بالمعنى للعالم البصير بمدلولات الألفاظ ومفاهيمها أجازوا أيضا رواية الأحاديث القدسية بالمعنى بالشروط التي شرطوها في رواية الحـديث النبـوي بالمعنى وإن لم أقف على هذا التصريح فيما بحثت من السلف بالتخصيص أعني على جواز رواية الأحـاديث القدسية بالمعنى وإنما قاسوها على الأحاديث النبوية بصفة كونها أحاديث، ولأجل ذلك ما نستطيع الجزم في حديث ما من الأحاديث القدسية بأن لفظه ومعناه من كلامه تعالى جزمنا بآية أو بسورة بأنها من كلام الله تعالى وذلك لعدم جواز رواية القرآن بالمعنى بالاتفاق ولكونه متواترا.
ومن هنا نجد في الأحاديث القدسية بعض الاختلاف في ألفاظها زيادة ونقصانا في الرواية الواحدة لعله من هذا القبيل- والله أعلم-.
فنذكر نـماذج من ذلك على سبيل المثال:
ففي صحيح البخاري[23] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: "من أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة"، وعنده في رواية أخرى بتقديم "فليخلقوا حبة" وبدون قوله "أو شعيرة" وجاء عند مسلم[24] بزيادة "خلقا" بعد قوله: "يخلق" وكذا عنده "فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا شعيرة" بدل حبة.
وأيضاً في صحيح البخاري[25] عن أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى قال: "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر، عوضته منهما الجنة" وأخرجه الترمذي[26] أيضاً من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: إن الله يقول: "إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة".
وكذا رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا قال: يقول الله عز وجل: "من أذهبت حبيبتيه وصبر واحتسب، لم أرض له ثوابا إلا الجنة"[27].
ومن ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري[28] عن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه- عز وجل- قال:
"إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها، كتبها الله له عنده عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها، كتبها الله سيئة واحدة".
وكذا رواه عن أبي هريرة مرفوعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ قال: يقول الله: "إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإذا عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد عبدي أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف"[29]، فنلاحظ بين الروايتين الفرق والتقديم والتأخير وجاء عند مسلم[30] بلفظ قال الله عز وجل: "إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها، كتبتها له حسنة، فإن عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتها سيئة واحدة"، وفي رواية أخرى عنده "إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل، فإذا عملها فأنا أكتبها له بعشر أمثالها" فذكر الحديث مع اختلاف في اللفظ.
وهكذا ترى الاختلاف في الحديث الواحد وذلك في نظري لعله نتيجة لجواز رواية الحديث القدسي بالمعنى وتصرف الرواة في نقلها والله أعلم.
وكـذلك يحصل في الأحاديث النبوية مثل هذا الاختلاف ولكننا لا نقول في جميع ما يُضيفه إليه أصحابه أن الألفاظ منهم والمعنى من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في أحاديث معينة صرّح العلماء بأنها رواية بالمعنى فكذلك لا نقول في جميع ما يُضيفه رسول الله صلى الله عليه وسلم - إلى الله تعالى- بأن اللفظ منه صلى الله عليه وسلم والمعنى من عند الله تعالى، نعم يمكن أن يصدق في بعض الأحاديث القدسية التي رويت بالمعنى وتبين لنا ذلك أو في الأحاديث التي فيها قرائن تدل على أن اللفظ من الرسول والمضمون من الله تعالى ولا سيما فيما لم يصرح بقال الله أو يقول الله مثل حديث: "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين"، حيث جاء في رواية أخرى هكذا "فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ثم أتمها في الحضر"[31].
ومثل "فأوحى الله إليه أن قد أذن الله لكن في الخروج لحاجتكن"[32].
أو حديث: "من أتى حائضاً في فرجها أو امرأة في دبرها أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"[33]، وحديث عائشة عنه صلى الله عليه وسلم: "وأوحى إلي أنكم تفتنون في قبوركم"[34] وغيرها من الأحاديث التي صرح النبي صلى الله عليه وسلم بإضافة الحكم إلى الله تعالى مثل قوله صلى الله عليه وسلم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم: "أن يأخذ العفو من أخلاق الناس"[35].
وأمرنا الله تعالى بوفاء النذر ونهانا أن نصوم يوم النحر[36].
وحديث "أمره ربه عز وجل أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب" "يعني خديجة رضي الله عنها"[37].
وما ورد عن أحاديث اللعن: لعن الله اليهود... ولعن الله الواشمات... ولعن الله من غير منار الأرض[38] وغـيرها من الأحـاديث التي عدها بعض العلماء من الأحاديث القدسية، فهذه الأحـاديث ليست من الأحاديث القدسية حسب التعريف وإن عدها بعضهم منها لإضـافة الرسول صلى الله عليه وسلم الحكم أو الأمر إلى الله تعالى ولا شك أن الحكم المضاف الصريح إلى الله تعالى أوكد من حيث الوقع في القلوب من الأحاديث التي لم يُضِفها إليه تعالى وإلا فالجميع من الله وكلها وحي بلا شك سواء أضافها إلى الله تعالى أو لم يُضِفها لما جاء في النص القرآني بأنه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم آية 3- 4) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه..."[39] فكل الأحاديث النبوية بمقتضى الأدلة السابقة الذكر لا تخرج من دائرة الوحي[40]- مع اختلاف أساليب الوحي بينهما كـما سيأتي بيانه إن شاء الله إلا أنه خص بعض الأحاديث بمزيد من العناية والتأكيد فصرح فيها بإضافة الحكم أو الأمر إلى الله تعالى صريحا أو صرح صلى الله عليه وسلم بأنه أوحي إليه كـما تقدم ضرب بعض الأمثلة. "يجدر هنا توضيح معنى الوحي وأقسامه".
بيان أقسام الوحي:
والوحي: لغة: بمعنى الإيحاء ومعناه: الإعلام بالشيء على وجه الخفاء والسرعة[41] وشرعا: هو إعلام الله لأنبيائه ما يريد إبلاغه إليهم من الشرائع والأخبار وبطريق خفي بحيث يحصل عندهم علم ضروري قطعي بأن ذلك من عند الله تعالى جل شأنه[42].
وينقسم إلى قسمين:
- الوحي المتلو والوحي غير المتلو ويسميه بعضهم بالوحي المروي:
فالوحي المتلو: القرآن الكريم، والمروي- أو غير المتلو- الأحاديث القدسية والنبوية لما سبق أنه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} إلا أن الوحي المتلو يختلف عن غير المتلو في كيفية الوحي وأسلوبه، وقد ذكر ابن القيم[43] لمراتب الوحي وطرقه أقساما سبعة، نسردها كالتالي:
- وهي: إحداها الرؤيا الصادقة وكانت مبدأ وَحيه صلى الله عليه وسلم وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
"قلت: وقد عنون إمام المحدثين أبو عبد الله البخاري في أول باب من كتابه الجامع الصحيح بقوله باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر تحت الباب حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح...".
الثانية: ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب لا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته"[44].
الثالثة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل له الملك رجلاً، فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له، وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحياناً[45].
الرابعة: أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس، وكان أشده عليه فيتلبس به الملك حتى إن جبينه ليتفصد عرقاً في اليوم الشديد البرد[46] وحتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض إذا كان راكبها[47].
ولقد جاءه ا لوحي مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقلت عليه حتى كادت ترضها[48].
الخامسة: أنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها، فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه وهذا وقع له مرتين كـما ذكر الله ذلك في سورة النجم (آية 7، 13)[49].
السادسة: ما أوحاه الله وهو فوق السماوات ليلة المعراج في فرض الصلوات وغيرها.
السابعة: كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك كما كلم الله موسى بن عمران عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعا بنص القرآن وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج انتهى.
"الفرق بين الوحي المتلو وغير المتلو":
وبعد هذا التعريف بالوحي أوضح بأن الوحي المتلو- وهو القرآن الكريم- لا يكون إلا بواسطة الروح الأمين جبريل عليه السلام وذلك لما ورد في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله..} (البقرة: 97).
وقوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} (الشعراء: 193) وقوله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقّ} (النحل: 102) وغيرها من الأدلة.
بخلاف الوحي المروي أو غير المتلو فإنه لا يختص بنوع من المراتب المذكورة ولا يشترط أن يكون بواسطة جبريل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وقد يكون بالإلهام أو بالمنام أو الإِلقاء في الروع ونحوها مما تقدم ذكره.
وقد سبق بيان بعض الفروق في كلام ابن حجر الهيثمي وألخصها فيما يلي بأرقام محددة:
1- القرآن معجز من أوجه كثيرة.
2- وهو معجزة باقية على ممر الدهور.
3- محفوظة من التغيير والتبديل.
4- يحرم مسه للمحدث وتلاوته لنحو الجنب.
5- حرمة روايته بالمعنى.
6- وتعينه في الصلاة.
7- بتسميته قرآناً.
8- وامتناع بيعه في رواية عند أحمد وكراهته عندنا.
9- وبتسمية الجملة منه آية وسورة.
10- وبـأن كل حرف منه عشر حسنات- أي بتلاوته- ونضيف بعض الفروق الأخرى على كلام الهيتمي وهي:
11- أن القرآن بوحي جلي بواسطة جبريل كما سبق بيانه بخلاف القدسي.
12- أن القرآن مقسم على سور وأجزاء وأحزاب، وآيات بخلاف الحديث القدسي.
13- "وهذا ذكره بعض العلماء" أن جاحد القرآن يكفر- لثبوته بالتواتر- بخلاف جاحد الحديث القدسي- لاحتماله التأويل بتطرق الخطأ إليه أو لخلاف في بعض رواته أو لتصرف بعض الرواة فيه ونحو ذلك، يعني لوجود هذه الاحتمالات إذا جحدها متأولا فلا يكفر، أما إذا جحدها مع ثبوتها ومن غير وجود الاحتمالات المذكورة فيكفركـما لو أنكر حديثا نبويا بعد ثبوته وصحته.
14- ويتعلق هذا الفرق بطريقة النقل حيث إن القرآن الكريم نقل إلينا بالتواتر بجميع ألفاظه وكلماته وحتى أسلوبه وصناعته بخلاف الأحاديث القدسية فإنها نقلت إلينا كـما نقلت الأحاديث النبوية عن طريق الآحاد فيندرج تحتها ما يندرج تحتها وينطبق عليها ما ينطبق على الأحاديث النبوية وتجدها متفاوتة في الدرجات تفاوت الرواة الذين ينقلونها من حيث مراتب الجـرح والتعـديل ولذلك تجد في الأحاديث القدسية: المتواتر، والصحيح، والحسن والضعيف والواهي والموضوع وما ليس له أصل كما سأبين نماذج من كل ذلك إن شاء الله تعالى بعد بيان الفرق بين الحديث القدسي والحديث النبوي فإليك بيان الفرق بينهما:
1- علمنا أن الحديث القدسي من قول الله تعالى وكلامه- على الراجح- والحديث النبوي من كلامه صلى الله عليه وسلم كـما تقدم حيث لم يضفه إلى الله تعالى وكلاهما وحي.
2- أن الحـديث القدسي يُسنِده ويضيفه إلى الرب تبارك وتعالى صريحا بخلاف الحديث النبوي فإنه لا يضيفه إليه وإن كانا كلاهما وحي كـما تقدم.
3- نلاحظ الفرق بينهما من حيث المضمون والمحتوى والأسلوب أيضاً فإن الأحاديث القدسية موضوعاتها ومحتواها محدودة وتركز على جوانب معينة فنجدها أنها تركز على فضل التوحيد وإصلاح العقيدة والحث على الإخلاص وتحذر من الشرك وسؤ عاقبته، والكبر والظلم والرياء وغيرها من الرذائل وترغب عباده الرجوع إليه بالتوبة والاستغفار والإنابة إليه وعدم القنوط من رحمته.
4- وتبين فضائل الأعمال من صوم وصلاة وجهاد وغيرها من الأعمال الصالحة.
5- وترغب بأداء الفرائض والتقرب إليه بالنوافل وقراءة القرآن وفضلها.
6- تحث على الذكر ومجالسة الصالحين والآثار الطيبة من ذلك على النفوس.
7- تحض على حسن التعامل وفضل إنظار المعسر والتجاوز عنه والود والتراحم بين المسلمين والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحوها.
8- فهي ترغب العبد المؤمن فيما أعده الله تعالى لعباده الصالحين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وتوجهه بإحسان الظن بربه تبارك وتعالى، وبأن يحب لقاءه ويستعد لذلك وليوم الحساب.
9- تبين فضل الله تعالى وكرمه وجوده في جزاء الأعمال ومضاعفة الأجر ولا سيما لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
10- وتبين عظم جزاء الصبر على المصيبة وتبشره بالجنة وأنها كفارة لعبده المؤمن سواء كان حمى أو طاعون أو أي مرض آخر.
11- كـما تبين قصص بعض الأنبياء مع أممهم التي تحصل بينهم يوم القيامة وصفات المؤمنين وصفة الجنة وأهلها وأحوال الكفرة ومآلهم السيئ وغير ذلك وتتلخص كل ذلك في توثيق المؤمن صلته بالله تعالى وأداء ما لعباده من الحق عليه.
فتلاحظ مما ذكرنا بأن الأحاديث القدسية لا تتضمن تفاصيل الأحكام وأصولها ولا المعاملات وتفاصيلها ولا الجنايات وحدودها ولا التاريخ والسير وتفاصيلهما وغير ذلك مما تناولته الأحاديث النبوية على صاحبها الصلاة والسلام من التفصيل.
====
--------------------------------------------------------------------------------
[1] كما في مختار الصحاح/ 524 والقاموس (1/248).
[2] مثل أمرني ربي عز وجل، أو أتاني جبريل أو ملك فقال إن اللّه يأمرك... إن الله عز وجل أمرني، أو إن الله عز وجل يقول أو قال ونحوها حيث عدها العلماء من الأحاديث القدسية.
[3]انظر: ص 228.
[4] انظر: قواعد التحديب للقاسمي/ 66.
[5] انظر: التعريفات له/83 ،84.
[6] انظر: الإتحاف السنية في الأحاديث القدسية/ 274.
[7] انظر: النبأ العظيم / 16.
[8] انظر: الحديث النبوي مصطلحه، بلاغته/ 133.
[9] انظر: ص 11.
[10] انظر: (13/ 460) مع الفتح.
[11] انظر: صحيح البخاري (13/ 464) مع الفتح.
[12] انظر: صحيح مسلم ص 1994.
[13] انظر: مقدمة الضياء اللامع من الأحاديث القدسية الجوامع/ 6-7 و 10، 11-12.
[14] انظر: الوجيز المختصر في علوم الحديث له/ 20 وهو من علماء عصرنا وله عدة مؤلفات.
[15] انظر: النبأ العظيم/ 16والحديث النبوي ومصطلحه للصباغ/ 133.
[16] انظر: النبأ العظيم للدكتور محمد دراز/ 15 ومقدمة الإتحافات السنية/ 10 لمحمود النواوي.
[17] انظر: الكوكب الدراري (9/ 75- 80) وكذا نقله عنه المدني في الإتحافات السنية/ 336.
[18] وكذا نقله عنه القاسمي في قواعد التحديث/ 64 وهو حديث إني حرمت الظلم.
[19] انظر: صحيح البخاري حديث رقم (7405) وصحيح مسلم (267().
[20] انظر: سنن الترمذي حديث رقم (239).
[21] سيأتي تخريجه في مبحث نماذج من الأحاديث القدسية المتفاوتة الدرجات إن شاء اللّه تعالى.
[22] انظر: النبأ العظيم للدكتور محمد دراز/ 6 والحديث مصطلحه وبلاغته للصباغ/ 133.
[23] انظر: صحيح البخاري كتاب التوحيد باب قول اللّه: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}( 9/ 162).
[24] انظر: صحيح مسلم (/1671).
[25] صحيح البخاري كتاب الطب باب فضل من ذهب بصره (7/116).
[26] سنن الترمذي باب ما جاء في ذهاب البصر (2/ 64) وقال: حديث حسن غريب.
[27] المصدر السابق نفسه وقال: حديث حسن صحيح.
[28] صحيح البخاري كتاب الرقاق (8/103).
[29] المصدر السابق نفسه كتاب التوحيد باب {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّه}
[30] انظر: صحيح مسلم (1/117).
[31] انظر: جامع الأصول (5/ 184 -185).
[32] صحيح البخاري (8/430- 431) وصحيح مسلم (7/ 6-7).
[33] انظر: جامع الأصول (5/ 65) و(7/ 342).
[34] انظر: مسند عائشة ح 335 من مسند إسحاق بتحقيقي وإسناده حسن.
[35] انظر جامع الأصول (2/143).
[36] المصدر نفسه.
[37] المصدر نفسه (9/ 121).
[38] المصدر السابق نفسه (1/450ـ 451) و(4/ 779) و(10/768).
[39] رواه أبو داود (5/ 10-12) كتاب السنة باب في لزوم السنة والترمذي في سننه كتاب العلم حديث رقم (6666) وقال: حديث غريب من هذا الوجه وابن ماجه في المقدمة حديث 12 واللفظ لأبي داود.
[40] أما ما يتعلق باجتهاده ورأيه- صلى الله عليه وسلم - فهو وإن لم نحكـم عليه بأنه وحي ولكنه في منزلة الوحي حيث إن اللّه تعالى لا يقر نبيه صلى الله عليه وسلم على الخطأ بل ينزل الوحي ويبين له الصواب كما حصل في قصة أسرى بدر وفي صلاته على المنافقين والإذن لهم وفي قصة الأعمى ابن أم مكثف وغيرها وانظر: قواعد التحديث للقاسمي/33 و255 والأنوار الكاشفة للمعلمي/ 22 و104.
[41] انظر: مختار الصحاح/ 713 بتصرف.
[42] انظر: الحديث والمحدثون/ 12.
[43] انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد (1/78 - 79) تحقيق شعيب الأرناؤوط.
[44]رواه أبو نعيم في الحلية (10 /26، 27) والطبراني كـما في مجمع الزوائد (4/72) وأعله بعفير بن معدان وله شاهد من حديث ابن مسعود عند الحاكم (2/4) ومن حديث جابر عند ابن ماجه وابن حبان وصححه المحقق لزاد المعاد بمجموع الطرق والشاهد.
[45] انظر: صحيح مسلم حديث عمر في أول كتاب الإيمان.
[46] انظر: صحيح البخاري (1/ 20) في بدء الوحي.
[47] انظر مسند إسحاق منه مسند عائشة حديث 213 وتخريجه.
[48] انظر: صحيح البخاري (8/ 196) كتاب التفسير والرَّضُ/ الدق الجريش.
[49] انظر: صحيح مسلم برقم 177.
===
يتبع