كامل
14 Jun 2011, 01:59 PM
صَفَحَاتٌ مُضِيئَةٌ
في التصوّرِ والسّلوكِ الدّيْنِيْ
لقد كثرتْ في زماننا تصوراتٌ في أذهان المسلمين عن بعض الأمور الدينية, وعن سلوكِ بعض المسلمين وتصرفاتهم, وكثرت الآراءُ, وتعددت الاجتهاداتُ, مع أن الحقَّ واضحٌ وواحدٌ, وهو ما كان عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم, الذي ترك فينا أمرين لن نضلَّ ما تمسكنا بهما, كتابَ الله وسنةَ رسوله صلى الله عليه وسلم...
ونرى في زماننا كثيراً من الناس قد انحرفوا عن جادّة الصواب, وابتعدوا عن المنهج القويم, وخاصةً في قضايا شائكةٍ كالكرامات والأولياء و طُرُق ذكر الله, وغيرها من الأمور......
ولكنّ العلامةَ الشيخَ إسماعيلَ المجذوب ـ حفظه الله تعالى ـ هذا العالمُ المنصف المحدّث ناقش هذه القضايا بأسلوب علميٍ دقيقٍ موضحٍ بالأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد ألف كتاباً سماه: (صفحاتٌ مضيئةٌ في التصور والسلوك الديني), وعالج فيه كلَّ هذه القضايا بالعلم والإنصاف....
لقد قسَّم المؤلفُ كتابه إلى سبعة فصول, وناقش في كل فصل قضايا في غاية الأهمية, وقد ذكر في البداية مقدمةً تحدث فيها عن كثرة الرؤوس الجهَّال التي حذّر منها النبي صلى الله عليه وسلم, وبين فيها غايته من هذا الكتابِ, فقال:
(وقد رأيتُ من المفيد أن أكتبَ رسالة للطيبين الراغبين في اتّباع الحق, والحريصين على سلوك السبيل التي عاش عليها الصحابةُ رضي الله عنهم, الذين ربّاهم وزكّاهم أعظمُ المربّين صلى الله عليه وسلم, وعاش عليها التابعون وأتباعُهم, والأئمة المجتهدون وأتباعهم, على منهج العلم والمعرفة.
وأذكر في هذه الرسالة ـ التي أرجو أن تكون تذكرةً للمهتمين بدينهم بشكلٍ عام, وللشباب بشكل خاصٍّ ـ بعضَ ما أراه نافعاً من الأسس والقواعد التي قد تغيب عن كثيرٍ من الإخوة, وبغيابها فيما أرى تكثر الانحرافاتُ, وتكثر دواعي الصراع والشحناء, والخلاف السلبيِّ بين المسلمين, ولعل معرفةَ هذه القواعد والأسس ومراجعتَها تكون سبباً للعافية, فكثيراً ما تكون المراجعة والمدارسة عند المنصفين الموفقين سبباً مهماً في التمييز بين الحق والباطل, وفي إزالة كثيرٍ من دوافع التشنُّج والتنافر من الإخوة, عندما يبدون آراءهم ويتخذون مواقفَهم.
كما أذكر فيها أموراً ونصائحَ, أرجو أن يجعل الله تعالى فيها نفعاً لطُلَّاب العلم الشرعي المختصين, ولغيرهم من طلاب العلم غير المختصين, لتكون ـ إن شاء الله تعالى ـ تذكرةً نافعةً تساعد على السير في طريق الاستقامة, وتحمي من الانحراف إلى طُرُق تُبعد عن سواء السبيل.)
ثم أتى بتذكرة للقارئ الكريم, يبين فيها أن المؤمن يجب أن يعلم أنه لا عُذر لمن ضل عن الحق بسبب غلبة الهوى, وقال:
(وليس ميزانُ الحق رأيي ولا رأيَ غيري, ولا ما ترجح عندي, ولا ما ترجح عندك, إنما الميزان هو الحقُّ الذي جاء من عند الله تعالى)
ثم أتى بتذكرة خاصة لطالب العلم, أرشده فيها أن يبحثَ عن الحقيقة فقط.....
أما فصول الكتاب فهي على النحو التالي:
الفصل الأولُ:ديننا دينُ الأُلفة والمحبة:
وهو يتألف من نقطتين :
الأولى : المؤمنون المتقربون إلى الله تعالى شأنُهُم الألفةُ والمودة, وهذا شأن الذين تربَّوْا على يد النبي صلى الله عليه وسلم, قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }الأنفال63
وقال أيضاً: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران 103 ـ 104
الثانية:العواملُ الموصلة إلى الألفة, ومنها:
طلبُ العلم الشرعيِّ بمنهج الموفَّقين الصالحين, والتأ نِّي والتثبت عند التكلم في الأمور الدينية, وذكر هنا قولَ التابعي الجليل عبدِ الرحمن بنِ أبي ليلى : لقد أدركتُ في هذا المسجد عشرين ومائةً من الأنصار من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، ما منهم أحدٌ يُحدِّثُ بحديثٍ إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفُتيا.
ثم تكلم عن مراقبة الله تعالى وخشيته, والخوفِ من سوء الحساب, وضرورةِ المحافظة على جانب الأخوّة والمحبة في الله تعالى, ولهذه الأخوّة حقوقٌ منها:
المحافظةُ على صلاح ذات البَين, واحترامُ المسلم لأخيه,وحسنُ الظن بأخيه, وإنصافُ الآخرين, وأن يراعي الإنسان حسن الخلق, وحسن الأسلوب, والتبيُّن والتثبت من الأخبار والإشاعات, والحذرُ من الوقوع في الغيبة والبهتان في حق أخيه, ثم تكلم عن الاشتغال بأبواب الخير, وتركِ الاهتمامات الجزئية, وخطورةِ الكلمة والمسؤولية عنها وعن آثارها, وعن التجرد والموضوعيةِ وعدم التعصب,وذكر هنا من مظاهر التعصب:
1 ـ التعصّبُ للمذهب.
2 ـ التعصّب للانتماءات.
3 ـ التعصّب للشيوخ, والثقةُ العمياءُ بهم , وإنكارُ وجود عيبٍ فيهم...
وتكلم عن ضرورة الانتماء للإسلام وترك انتماءات التصنيف, ذاكراً قولَه تعالى: (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ) الحج78,.
والذي يدفعنا إلى اختيار الانتماء للإسلام, يُسْرُ تمسكنا به, وكثرةُ الآثار الضارة لانتماءات التصنيف, والتي منها عدمُ التوازن بسبب ضغوط الانتماءات...
الفصلُ الثاني:منهج بناء الإيمان:
فالعقيدة الإسلاميةُ تُلائم العقلَ والكرامةَ الإنسانية, ومن أسس البناء المتين للإيمان, أن نبنيَ إيماننا بالله تعالى بالبرهان العلميِّ على منهج القرآن الكريم, ونبنيَ إيمانَنَا برسول الله صلى الله عليه وسلم على البرهانِ العلميِّ, وكذلك نبني عقيدتنا على القرآن والسنة, ونبتعد في بناء عقيدتنا عن منهج الفلاسفة وعلم الكلام, فمع الأدلة والبراهين عقيدتُنا نورٌ في القلوب, ويجبُ أن نبتعد في صفات الله تعالى عن التأويل, ومعتمدُنا في الأحكام والتوجيهات الدينية على القرآنِ والسنة , فلا اعتماد على الرؤيا الصالحةِ, ولا اعتماد على الإلهامِ, ثم تكلم عن التحذير من تكفير المسلم لأخيه المسلم....
الفصل الثالثُ: في التقليد والاجتهاد:
حيث بيّن شروط المجتهد, وما لا يصح فيه الاجتهادُ, والمسائلَ التي يكون فيها الاجتهاد, وأكد أن من سعة التشريع أنه يجوز للمجتهد أن يقلد, ولا يجوز لمن قصُر عن أهلية الاجتهاد أن يجتهد, ثم تساءل؟هل يصح تقليد مجتهدٍ معينٍ؟ وأجاب على ذلك بالأدلة العلمية, المعقولِ منها والمنقول, وذكر أن باب الاجتهاد لم يُغلق, ولا حرج على المقلِّد أن يترك مذهبَ إمامه ليعمل بحديثٍ بشروطٍ معينةٍ, وحذّر من الغرائب , وبيّن تحذير العلماء منها مع الأمثلة, وأكّد أن العاميَّ لا مذهبَ له, ولا حرجَ عليه في سؤال من تيسر له من العلماء, ولا إنكارَ في مسألة اختلف فيها الأئمةُ المجتهدون, وبين أخيراً أن المسائل التي يلتبس فيها الأمرُ على العامة لا يأمر ولا ينهى فيها إلا العلماءُ, ويبتعد عن ذلك المبتدئون في طلب العلم, فالضرر في أمرهم ونهيهم أكثرُ من النفع.
الفصلُ الرابع:الاهتمام بدراسة علم الإسناد الانتفاع به.
وتناول هذا الموضوعَ من خلال من خلال عدة نقاط:
النقطة الأولى:فوائدُ علم مصطلح الحديث.
النقطة الثانية: الموقفُ الصحيح من بعض أهل الفضل المخالفين لمقتضيات علم الإسناد, وذكر هنا بعضَ ما حذر من روايته الإمامُ السيوطي والكتاني, وما حذر من روايته ابنُ حجر في لسان الميزان, والسخاويُّ في المقاصد الحسنة...
النقطة الثالثة:التساهلُ في الرواية يتنافى مع توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
النقطة الرابعة: يجبُ بيانُ الحق وإن سخط بعضُ الناس.
الفصل الخامس: الابتعادُ عن المحدثات التي حذر منها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم,
أيضاً من خلال عدّة نقاط:
الأولى:الخيرُ في التمسك بالسنة واتّباع السابقين الأولين.
الثانية: كثيرٌ من المتحدثين عن البدعة الحسنة والسيئة يتخبطون.
الثالثة : البدعة لها استعمالان لغويٌّ, وشرعيٌّ.
الرابعة: التمييز بين أكثر البدع والمحدثات من عمل المجتهدين.
الفصل السادسُ: الأولياءُ والكرامات:
وهو فصل مهم حيث ارتبطت عند كثير من الناس كلمةُ الأولياء بالكرامات, واختلفت تصوراتُ الناس عن ذلك وتنوّعت, وقامت في أذهان بعض المسلمين تصوراتٌ للولاية والأولياء والكرامات غريبةٌ عجيبةٌ, لم تُبن على الأدلة الشرعية المعتبرة, ولم يذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا أحدٌ من أصحابه رضي الله عنهم, ونتجت عن تلك التصورات أنواعٌ من السلوك والعمل غيرِ الموافق للشرع, تُبعد المسلم عن الصراط المستقيم...
فبيّن المؤلف في هذا الكتاب هذه القضايا, فعرّف الوليّ والأولياء بتعريف شاملٍ من كتاب الله, وقال عن الأولياء: هم الذين اجتمع فيهم وصفان ذكرهما الله تعالى في كتابه بقوله :{ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ }يونس 62 ـ 63
بعد تعريف الأولياء, تحدث عن ميزان الإيمان والولاية, وتعريف الكرامة والمعجزة, وذكر أنه لا تلازمَ بين الولاية والأمرِ الخارق للعادة, وأن أعظمَ الكرامات الاستقامةُ على هدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم, ونحن لا نجزم بولاية إنسانٍ إلا عن طريق الوحي, و أكد بطلان توهُّم أن بعض الأولياء يتصرفون في الكون, ولا يصح اعتبار المعتوه أو المجنون من الأولياء.
الفصل السابع : ذكر الله تعالى:
خصّصه الحديث عن ذكر الله تعالى, وضرورةِ الذكر وفضله وفضل الاجتماع عليه, ثم تكلم عن شروط الذكر المقبول:
وأولُ ما تجب مراعاته ما هو شرطٌ للقبول, وهو أمران:
الأول: الإخلاصُ, فمن المعروف أن الرّياء يُبطل ثواب الأعمال, والأدلة على ذلك كثيرةٌ, ومنها حديثُ الصحيحين: ((إنما الأعمالُ بالنّياتِ, وإنما لكل امرئٍ ما نوى))
الثاني: أن يكون الذكرُ موافقاً لشرع النبي صلى الله عليه وسلم, ومن الأدلة على ذلك حديثُ الصحيحين أيضاً : ((من عمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ))
فإذا كان الذكر مخالفاً للشرع فلا يكون مقبولاً.
ومن الأمثلة على ذلك ما يقوم به بعض الإخوة من ذكرٍ يريدون به التقربَ إلى الله تعالى, ويكونُ ذكرهم مخالفاً لتوجيهات الشرع, عندما يبتعدون في نطقهم باسم الله تعالى عما يجب لهذا الاسمِ من النطق الصحيح والتعظيم, فيقولون في ذكرهم: (آه) أو (أه) أو نحو ذلك.
وقد ذكر بعضَ آداب الذكر, وشروطَ الذكر المشروع, وحذر من تحريف اسم الله تعالى, الذي يحصل في بعض حلقات الذكر, فجاء بأبيات الإمام الأخضري:
والرقصُ والصّراخ والتصفيقُ = عمداً بذكر الله لا يليقُ
وإنـما المطلوبُ في الأذكار = الذكرُ بالخشوع والوقارِ
ورأى أن هذا التحريفَ للاسم الكريم سببُهُ اتّخاذُ الْجُهّال شيوخاً يقتدون بهم, ويرجعون إلى رأيهم , فحذر من اتخاذهم شيوخاً لهم وأكمل الأبيات فقال:
واتخذوا مشايـخا جُـهالا = لم يعرفوا الحرامَ والحلالا
لم يقفوا عنـد حـدودِ الله = وسنةِ الهادي رسول الله
فنفّروهم مـن دُعاة الدين = أولي التقى والعلمِ واليقين
وأعرضوا عن سُبل الرحمن = واتّبعوا مسالكَ الشّيطان
وهدموا قواعدَ الإسـلام = واعتبروا خرائفَ الأوهام
ثم تحدث عن نصيب القلبِ من الذكر, وأهمية الأذكار الثابتة في القرآن والسنة, وإبقاء الأذكار المأثورة كما كانت, وضرورة الذكر لطالب العلم, والجهر بالذكر والدعاء والاجتماع عليه, .....
ثم وضع خاتمةً كان مما جاء فيها:
بعد كتابة هذه الصفحات أذكر القارئ الكريم بأني لم أكتبْها من باب الدراسة النظرية, بل كتبتها بلسماً مُركّباً من توجيهات القرآن الكريم وسنة النبيّ الأمين صلى الله عليه وسلم, ومن أحوال وتوجيه الصحابة الكرام, ومَنْ سار على نهجهم من الأئمة الراسخين في العلم من وُرّاث النبيّ عليه الصلاة والسلام.
وختمها بقوله تعالى:(إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) هود88
ثم وضع خلاصةَ وأفكارَ وفوائدَ هذا الكتاب,وفهرساً للمواضيع العامة.
فنسأل الله تعالى أن يُرينا الحقَّ حقاً ويرزقَنا اتّباعَهُ, ويُريَنا الباطلَ باطلاً ويرزقنا اجتنابه, إنه سميعٌ قريبٌ مجيبٌ.
مصطفى قاسم عباس
الكتاب: صفحات مضيئة في التصور والسلوك الديني
المؤلف: إسماعيل المجذوب
ط:1, 2004م,مطبعة اليمامة, حمص
منقول من مجلة نهج الإسلام العدد ((122 ))
في التصوّرِ والسّلوكِ الدّيْنِيْ
لقد كثرتْ في زماننا تصوراتٌ في أذهان المسلمين عن بعض الأمور الدينية, وعن سلوكِ بعض المسلمين وتصرفاتهم, وكثرت الآراءُ, وتعددت الاجتهاداتُ, مع أن الحقَّ واضحٌ وواحدٌ, وهو ما كان عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم, الذي ترك فينا أمرين لن نضلَّ ما تمسكنا بهما, كتابَ الله وسنةَ رسوله صلى الله عليه وسلم...
ونرى في زماننا كثيراً من الناس قد انحرفوا عن جادّة الصواب, وابتعدوا عن المنهج القويم, وخاصةً في قضايا شائكةٍ كالكرامات والأولياء و طُرُق ذكر الله, وغيرها من الأمور......
ولكنّ العلامةَ الشيخَ إسماعيلَ المجذوب ـ حفظه الله تعالى ـ هذا العالمُ المنصف المحدّث ناقش هذه القضايا بأسلوب علميٍ دقيقٍ موضحٍ بالأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد ألف كتاباً سماه: (صفحاتٌ مضيئةٌ في التصور والسلوك الديني), وعالج فيه كلَّ هذه القضايا بالعلم والإنصاف....
لقد قسَّم المؤلفُ كتابه إلى سبعة فصول, وناقش في كل فصل قضايا في غاية الأهمية, وقد ذكر في البداية مقدمةً تحدث فيها عن كثرة الرؤوس الجهَّال التي حذّر منها النبي صلى الله عليه وسلم, وبين فيها غايته من هذا الكتابِ, فقال:
(وقد رأيتُ من المفيد أن أكتبَ رسالة للطيبين الراغبين في اتّباع الحق, والحريصين على سلوك السبيل التي عاش عليها الصحابةُ رضي الله عنهم, الذين ربّاهم وزكّاهم أعظمُ المربّين صلى الله عليه وسلم, وعاش عليها التابعون وأتباعُهم, والأئمة المجتهدون وأتباعهم, على منهج العلم والمعرفة.
وأذكر في هذه الرسالة ـ التي أرجو أن تكون تذكرةً للمهتمين بدينهم بشكلٍ عام, وللشباب بشكل خاصٍّ ـ بعضَ ما أراه نافعاً من الأسس والقواعد التي قد تغيب عن كثيرٍ من الإخوة, وبغيابها فيما أرى تكثر الانحرافاتُ, وتكثر دواعي الصراع والشحناء, والخلاف السلبيِّ بين المسلمين, ولعل معرفةَ هذه القواعد والأسس ومراجعتَها تكون سبباً للعافية, فكثيراً ما تكون المراجعة والمدارسة عند المنصفين الموفقين سبباً مهماً في التمييز بين الحق والباطل, وفي إزالة كثيرٍ من دوافع التشنُّج والتنافر من الإخوة, عندما يبدون آراءهم ويتخذون مواقفَهم.
كما أذكر فيها أموراً ونصائحَ, أرجو أن يجعل الله تعالى فيها نفعاً لطُلَّاب العلم الشرعي المختصين, ولغيرهم من طلاب العلم غير المختصين, لتكون ـ إن شاء الله تعالى ـ تذكرةً نافعةً تساعد على السير في طريق الاستقامة, وتحمي من الانحراف إلى طُرُق تُبعد عن سواء السبيل.)
ثم أتى بتذكرة للقارئ الكريم, يبين فيها أن المؤمن يجب أن يعلم أنه لا عُذر لمن ضل عن الحق بسبب غلبة الهوى, وقال:
(وليس ميزانُ الحق رأيي ولا رأيَ غيري, ولا ما ترجح عندي, ولا ما ترجح عندك, إنما الميزان هو الحقُّ الذي جاء من عند الله تعالى)
ثم أتى بتذكرة خاصة لطالب العلم, أرشده فيها أن يبحثَ عن الحقيقة فقط.....
أما فصول الكتاب فهي على النحو التالي:
الفصل الأولُ:ديننا دينُ الأُلفة والمحبة:
وهو يتألف من نقطتين :
الأولى : المؤمنون المتقربون إلى الله تعالى شأنُهُم الألفةُ والمودة, وهذا شأن الذين تربَّوْا على يد النبي صلى الله عليه وسلم, قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }الأنفال63
وقال أيضاً: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران 103 ـ 104
الثانية:العواملُ الموصلة إلى الألفة, ومنها:
طلبُ العلم الشرعيِّ بمنهج الموفَّقين الصالحين, والتأ نِّي والتثبت عند التكلم في الأمور الدينية, وذكر هنا قولَ التابعي الجليل عبدِ الرحمن بنِ أبي ليلى : لقد أدركتُ في هذا المسجد عشرين ومائةً من الأنصار من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، ما منهم أحدٌ يُحدِّثُ بحديثٍ إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفُتيا.
ثم تكلم عن مراقبة الله تعالى وخشيته, والخوفِ من سوء الحساب, وضرورةِ المحافظة على جانب الأخوّة والمحبة في الله تعالى, ولهذه الأخوّة حقوقٌ منها:
المحافظةُ على صلاح ذات البَين, واحترامُ المسلم لأخيه,وحسنُ الظن بأخيه, وإنصافُ الآخرين, وأن يراعي الإنسان حسن الخلق, وحسن الأسلوب, والتبيُّن والتثبت من الأخبار والإشاعات, والحذرُ من الوقوع في الغيبة والبهتان في حق أخيه, ثم تكلم عن الاشتغال بأبواب الخير, وتركِ الاهتمامات الجزئية, وخطورةِ الكلمة والمسؤولية عنها وعن آثارها, وعن التجرد والموضوعيةِ وعدم التعصب,وذكر هنا من مظاهر التعصب:
1 ـ التعصّبُ للمذهب.
2 ـ التعصّب للانتماءات.
3 ـ التعصّب للشيوخ, والثقةُ العمياءُ بهم , وإنكارُ وجود عيبٍ فيهم...
وتكلم عن ضرورة الانتماء للإسلام وترك انتماءات التصنيف, ذاكراً قولَه تعالى: (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ) الحج78,.
والذي يدفعنا إلى اختيار الانتماء للإسلام, يُسْرُ تمسكنا به, وكثرةُ الآثار الضارة لانتماءات التصنيف, والتي منها عدمُ التوازن بسبب ضغوط الانتماءات...
الفصلُ الثاني:منهج بناء الإيمان:
فالعقيدة الإسلاميةُ تُلائم العقلَ والكرامةَ الإنسانية, ومن أسس البناء المتين للإيمان, أن نبنيَ إيماننا بالله تعالى بالبرهان العلميِّ على منهج القرآن الكريم, ونبنيَ إيمانَنَا برسول الله صلى الله عليه وسلم على البرهانِ العلميِّ, وكذلك نبني عقيدتنا على القرآن والسنة, ونبتعد في بناء عقيدتنا عن منهج الفلاسفة وعلم الكلام, فمع الأدلة والبراهين عقيدتُنا نورٌ في القلوب, ويجبُ أن نبتعد في صفات الله تعالى عن التأويل, ومعتمدُنا في الأحكام والتوجيهات الدينية على القرآنِ والسنة , فلا اعتماد على الرؤيا الصالحةِ, ولا اعتماد على الإلهامِ, ثم تكلم عن التحذير من تكفير المسلم لأخيه المسلم....
الفصل الثالثُ: في التقليد والاجتهاد:
حيث بيّن شروط المجتهد, وما لا يصح فيه الاجتهادُ, والمسائلَ التي يكون فيها الاجتهاد, وأكد أن من سعة التشريع أنه يجوز للمجتهد أن يقلد, ولا يجوز لمن قصُر عن أهلية الاجتهاد أن يجتهد, ثم تساءل؟هل يصح تقليد مجتهدٍ معينٍ؟ وأجاب على ذلك بالأدلة العلمية, المعقولِ منها والمنقول, وذكر أن باب الاجتهاد لم يُغلق, ولا حرج على المقلِّد أن يترك مذهبَ إمامه ليعمل بحديثٍ بشروطٍ معينةٍ, وحذّر من الغرائب , وبيّن تحذير العلماء منها مع الأمثلة, وأكّد أن العاميَّ لا مذهبَ له, ولا حرجَ عليه في سؤال من تيسر له من العلماء, ولا إنكارَ في مسألة اختلف فيها الأئمةُ المجتهدون, وبين أخيراً أن المسائل التي يلتبس فيها الأمرُ على العامة لا يأمر ولا ينهى فيها إلا العلماءُ, ويبتعد عن ذلك المبتدئون في طلب العلم, فالضرر في أمرهم ونهيهم أكثرُ من النفع.
الفصلُ الرابع:الاهتمام بدراسة علم الإسناد الانتفاع به.
وتناول هذا الموضوعَ من خلال من خلال عدة نقاط:
النقطة الأولى:فوائدُ علم مصطلح الحديث.
النقطة الثانية: الموقفُ الصحيح من بعض أهل الفضل المخالفين لمقتضيات علم الإسناد, وذكر هنا بعضَ ما حذر من روايته الإمامُ السيوطي والكتاني, وما حذر من روايته ابنُ حجر في لسان الميزان, والسخاويُّ في المقاصد الحسنة...
النقطة الثالثة:التساهلُ في الرواية يتنافى مع توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
النقطة الرابعة: يجبُ بيانُ الحق وإن سخط بعضُ الناس.
الفصل الخامس: الابتعادُ عن المحدثات التي حذر منها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم,
أيضاً من خلال عدّة نقاط:
الأولى:الخيرُ في التمسك بالسنة واتّباع السابقين الأولين.
الثانية: كثيرٌ من المتحدثين عن البدعة الحسنة والسيئة يتخبطون.
الثالثة : البدعة لها استعمالان لغويٌّ, وشرعيٌّ.
الرابعة: التمييز بين أكثر البدع والمحدثات من عمل المجتهدين.
الفصل السادسُ: الأولياءُ والكرامات:
وهو فصل مهم حيث ارتبطت عند كثير من الناس كلمةُ الأولياء بالكرامات, واختلفت تصوراتُ الناس عن ذلك وتنوّعت, وقامت في أذهان بعض المسلمين تصوراتٌ للولاية والأولياء والكرامات غريبةٌ عجيبةٌ, لم تُبن على الأدلة الشرعية المعتبرة, ولم يذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا أحدٌ من أصحابه رضي الله عنهم, ونتجت عن تلك التصورات أنواعٌ من السلوك والعمل غيرِ الموافق للشرع, تُبعد المسلم عن الصراط المستقيم...
فبيّن المؤلف في هذا الكتاب هذه القضايا, فعرّف الوليّ والأولياء بتعريف شاملٍ من كتاب الله, وقال عن الأولياء: هم الذين اجتمع فيهم وصفان ذكرهما الله تعالى في كتابه بقوله :{ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ }يونس 62 ـ 63
بعد تعريف الأولياء, تحدث عن ميزان الإيمان والولاية, وتعريف الكرامة والمعجزة, وذكر أنه لا تلازمَ بين الولاية والأمرِ الخارق للعادة, وأن أعظمَ الكرامات الاستقامةُ على هدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم, ونحن لا نجزم بولاية إنسانٍ إلا عن طريق الوحي, و أكد بطلان توهُّم أن بعض الأولياء يتصرفون في الكون, ولا يصح اعتبار المعتوه أو المجنون من الأولياء.
الفصل السابع : ذكر الله تعالى:
خصّصه الحديث عن ذكر الله تعالى, وضرورةِ الذكر وفضله وفضل الاجتماع عليه, ثم تكلم عن شروط الذكر المقبول:
وأولُ ما تجب مراعاته ما هو شرطٌ للقبول, وهو أمران:
الأول: الإخلاصُ, فمن المعروف أن الرّياء يُبطل ثواب الأعمال, والأدلة على ذلك كثيرةٌ, ومنها حديثُ الصحيحين: ((إنما الأعمالُ بالنّياتِ, وإنما لكل امرئٍ ما نوى))
الثاني: أن يكون الذكرُ موافقاً لشرع النبي صلى الله عليه وسلم, ومن الأدلة على ذلك حديثُ الصحيحين أيضاً : ((من عمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ))
فإذا كان الذكر مخالفاً للشرع فلا يكون مقبولاً.
ومن الأمثلة على ذلك ما يقوم به بعض الإخوة من ذكرٍ يريدون به التقربَ إلى الله تعالى, ويكونُ ذكرهم مخالفاً لتوجيهات الشرع, عندما يبتعدون في نطقهم باسم الله تعالى عما يجب لهذا الاسمِ من النطق الصحيح والتعظيم, فيقولون في ذكرهم: (آه) أو (أه) أو نحو ذلك.
وقد ذكر بعضَ آداب الذكر, وشروطَ الذكر المشروع, وحذر من تحريف اسم الله تعالى, الذي يحصل في بعض حلقات الذكر, فجاء بأبيات الإمام الأخضري:
والرقصُ والصّراخ والتصفيقُ = عمداً بذكر الله لا يليقُ
وإنـما المطلوبُ في الأذكار = الذكرُ بالخشوع والوقارِ
ورأى أن هذا التحريفَ للاسم الكريم سببُهُ اتّخاذُ الْجُهّال شيوخاً يقتدون بهم, ويرجعون إلى رأيهم , فحذر من اتخاذهم شيوخاً لهم وأكمل الأبيات فقال:
واتخذوا مشايـخا جُـهالا = لم يعرفوا الحرامَ والحلالا
لم يقفوا عنـد حـدودِ الله = وسنةِ الهادي رسول الله
فنفّروهم مـن دُعاة الدين = أولي التقى والعلمِ واليقين
وأعرضوا عن سُبل الرحمن = واتّبعوا مسالكَ الشّيطان
وهدموا قواعدَ الإسـلام = واعتبروا خرائفَ الأوهام
ثم تحدث عن نصيب القلبِ من الذكر, وأهمية الأذكار الثابتة في القرآن والسنة, وإبقاء الأذكار المأثورة كما كانت, وضرورة الذكر لطالب العلم, والجهر بالذكر والدعاء والاجتماع عليه, .....
ثم وضع خاتمةً كان مما جاء فيها:
بعد كتابة هذه الصفحات أذكر القارئ الكريم بأني لم أكتبْها من باب الدراسة النظرية, بل كتبتها بلسماً مُركّباً من توجيهات القرآن الكريم وسنة النبيّ الأمين صلى الله عليه وسلم, ومن أحوال وتوجيه الصحابة الكرام, ومَنْ سار على نهجهم من الأئمة الراسخين في العلم من وُرّاث النبيّ عليه الصلاة والسلام.
وختمها بقوله تعالى:(إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) هود88
ثم وضع خلاصةَ وأفكارَ وفوائدَ هذا الكتاب,وفهرساً للمواضيع العامة.
فنسأل الله تعالى أن يُرينا الحقَّ حقاً ويرزقَنا اتّباعَهُ, ويُريَنا الباطلَ باطلاً ويرزقنا اجتنابه, إنه سميعٌ قريبٌ مجيبٌ.
مصطفى قاسم عباس
الكتاب: صفحات مضيئة في التصور والسلوك الديني
المؤلف: إسماعيل المجذوب
ط:1, 2004م,مطبعة اليمامة, حمص
منقول من مجلة نهج الإسلام العدد ((122 ))