أبو محمد ..
18 Jun 2011, 06:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآله وصحبه أجمعين ..
أما بعد ..
خرجتُ مسرعاً أزفر غضباً
ألقيتُ ظهري على الحصير وأغلقت عيني منتظراً إعلان دخول وقت الفجر
في غرفة مظلمة لم أكلف نفسي تشغيل مراوحها
أحسستُ بخطواتها تقترب
توقفتْ
وتوقف الشعور بها ،
ولكني أتوقع أنها تتأملني
فجأة
وضعتْ رأسها على صدري
فتحتُ عيني لتقع على وجهها الوضيء احترتُ للحظة أهو نور وجهها الذي يمكنني من التمييز في هذا المكان أم أنه انعكاس أشعة المصباح في الغرفة المجاورة
هنا بدت على ثغرها ابتسامة خافتة
التقتْ عينانا فتحركتْ شفتاها
قالتْ : أنا آسفة
قلتُ : أنى أصرفها ؟
وما أن غادرت آخر حروف هذه الكلمة شفتاي حتى شرع العقل بالتساؤل :
أليس هذا يعد من مساوئ الأخلاق ؟
ألا يعتبر رد المعتذر قبيحاً عند أهل محاسن الأخلاق ؟
فلم يمهلني حتى شرع بالإجابة :
نعم قد عابوا قديماً رد الاعتذار وعدوه في مساوئ الأخلاق
ففيما نُثِرَ في كتب الأدب :
الاعتراف يزيل الاقتراف
والاعتذار يوجب الاغتفار كان العذر كذباً أم صدقاً وباطلاً أم حقاً
وقد هابك من استتر ، ولم يذنب إليك من اعتذر.
والكريم من يغلب الثقة بصديقه ، على الشك في تحقيقه
ويروى عن جعفر الصادق : شفيع المذنب إقراره ، وتوبة المجرم الاعتذار
وقالوا ما أذنب من اعتذر ، ولا أساء من استغفر .
أَذَلُّ النَّاسِ مُعْتَذِرٌ إِلَى لَئِيمٍ ، لأن الكريم لا يُحْوِج إلى الاعتذار ولعل اللئيم لا يَقْبَل العذر .
ومما قالته الشعراء :
اقبلْ معاذيرَ من يأتيك معتذراً ... إنْ برَّ عندك فيما قال أو فجرا
فقد أجلَّك من يُرضيك ظاهرهُ ... وقد أطاعك من يَعصيك مستتراً
فإن كنت ترجو في العقوبة راحة . . . فلا تزهدن عند التجاوز في الأجر
قيل لي إنه أساء فلانٌ ... ومقام الفتى على الذلِّ عارُ
قلت قد جاءنا وأحدث عذراً ... ديةُ الذنب عندنا الاعتذارُ
وما كنت أخشى أن ترى لي زلّةٌ ... ولكن قضاء الله ما عنه مهرب
إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه ... وكلّ امرئ لا يقبل العذر مذنب
والعفو هو أحد طرق قبول العذر
وقد حث الشارع على العفو وتجاوز الزلات وعده من مكارم الأخلاق قال عز وجل :
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (199)
وقال سبحانه :
(وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (22)
وفي أمر الصديق رضي الله عنه بهذا مع كون العقاب مشروع في مقابلة الظلم لدليل على أن العفو لأهل الكمال أكمل .
وقوله تعالى :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (14)
وهذه صريحة في معنى التوجيه للعفو عن زلات المقربين للنفس من الزوجات والأولاد فيما يرتكبونه من التثبيط عن الخير أو الحمل على السوء ، والإرشاد إلى ترك المؤاخذة والعقاب ..
وخير من امتثل العفو الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، فهذا يوسف عليه السلام بعد الجرم الذي ارتكبه فيه إخوته لما أن قدَّموا العذر
(قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ)
أجابهم :
(قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (92)
وكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الطلقاء من قريش .
*****==*****
***==***
ويجدر التنبيه هنا أن ما أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث أبي هريرة بلفظ : (من أتاه أخوه متنصلاً فليقبل ذلك منه محقاً كان أو مبطلاً فإن لم يفعل لم يرد علي الحوض)
هو حديث ضعيف لا يصح قد ضعفه المحققون كالذهبي في استدراكه على الحاكم وكذا المنذري وفي الضعيفة للألباني (2043) تجد التفصيل .
ومن أجمل ما قرأتُ في أدب الاعتذار قول تقي الدين ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام :
(أن الذي يعتذر به إذا كان متقدماً على المعتذر منه ، أدركته النفس صافية من العتب
وإذا تأخر العذر استثقلت النفس المعتذر منه فتأثرت بقبحه . ثم يأتي العذر رافعاً و على الأول يأتي دافعاً ) أ.هـ
*****==*****
***==***
وحقٌ كل ذلك لا ريب فيه
ولكن هل يُعمم هذا على كل معتذر ؟
بالطبع أيضاً يُنْفَى الريبُ هنا للقطع بالنفي ..
فما كل معتذر صدق
وقد قالوا أيضاً في كتب الأدب :
وإذا اعتذر إليكَ معتذرٌ، فتلقهُ بوجهٍ مشرقٍ وبشرٍ ولسانٍ طلقٍ إلا أن يكونَ ممن قطيعتهُ غنيمةٌ
وقيل في المثل: عذره أشد من جرمه
رب إضرار أحسن من اعتذار
وإذا لم تنفع الكرامة فالإهانة أحزم
وقيل : من لا يصلحه الطالي أصلحه الكاوي
من كان الإكرام له مفسدة لم تكن الزيادة فيما يفسده له مصلحة
وقالوا : إن المعاذير يشوبها الكذب
وللشعراء :
وكم مذنب لما أتى باعتذاره ... جنى عذره ذنباً من الذنب أعظما
متى تضع الكرامة في لئيم ... فإنك قد أسأت إلى الكرامة
فلا يغررك طول الحلم مني ... فما أبداً تصادفني حليماً
فلا تعذراني في الإساءة إنّه ... شرار الرّجال من يسئ ويعذر
لاموا ولو وجدوا وجدي لقد عذروا ... وَذَنْبُ مَنْ لامَ ظُلماً غَيرُ مُغتَفَرِ
وَللفَتَى في ظَلامِ اللّيْلِ مَعْذِرَةٌ ... وَمَا لهُ في الضّحَى إن ضَلّ من عُذُرِ
إذا لم يكن للعذر وجه مبين ... فإن اطراح العذر خير من العذر
وقول الله عز وجل :(يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا)(94)
نصٌ يحسم محل التردد
وهو يدل على أن لقبول العذر ضوابط فإن ربَّ العالمين وهو أرحم الراحمين الرؤوف الكريم لم يقبل عذر المنافقين
وفي الشرع لا يُقبل كل عذر ، ولا يصح إقالة كل عثرة ، ولا يقابل العفو إلا بمن هو أهل له ، خاصة إن كان من أهل الكذب في المعاذير وكأنه يختبر حلمك ويستخف بعقلك كفعل أهل النفاق
وقول النبي صلى الله عليه وسلم
(أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود)
(الصحيحة 638)
دليل أيضاً على التقييد فإنهم أهل فضل ومروءة والزلة أو العثرة لا تطلق فيمن يوصف بأفعل التفضيل في تكرارها
*****==*****
***==***
إذاً ..
فلابد من وضع القيود وضبط الضوابط
ولا أنسى أن أذكر أنهم لم يهملوا الإشارة أيضاً إلى بعض شروط قبول الأعذار
ولم يقبلوا عذر كل معتذر
قال بشار بن برد:
إذا كنتَ في كلِّ الأمور معاتباً ... صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبهْ
فعشْ واحداً أو صلْ أخاك فإنهُ ... مقارفُ ذنبٍ مرةً ومجانبهْ
إذا أنت لم تشربْ مراراً على القذى ... ظمئتَ وأيُّ النَّاس تصفو مشاربهْ
وقال غيره
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء نبلاً أن تعد معائبهْ
إذا ما أتت من صاحبٍ لك زلةً ... فكن أنت محتالاً لزلته عذراً
ومن أتى معتذراً لا تُخْجِلُهْ ... إِلا إِذا أعيا عليكَ معضلُهْ
وفي قول الله جل في علاه
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (199)
أحسن وأوضح دليل ، إذ أن الإعراض ليس من باب قبول الأعذار
*****==*****
***==***
إذاً فمن الضوابط التي أراها حقيق بها أن تكون محط النظر :
صِدْق العذر وصِدْق المعْتذِر ، لأن الكذب في أحدهما استخفاف بالمعْتَذَر منه
ألاَّ تكون من عالمٍ بالذنب عارف بقبحه
ألاَّ يتكرر تكرراً سمجاً يصعب تقبل عذرٍ له
ألا يكون قد اعتذر منه مراراً ويقبل منه ، لئلا يجر إلى التمادي واستمراء الباطل ،
ومثل هذا ليس من الحكمة أن يقبل عذره ، بل الحكمة مؤيدة بالشرع في عدم إغفال العقوبة
فكيف إن كانت الزلة من قريب عارف ؟
وهو ما يقربه الشاعر بقوله :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند
*****==*****
***==***
وهنا استراح عقلي ، من صنع تلك المحاورة ، فلقد حصلتُ حقاً على إجابة جيدة لتلك المعضلة
وعذر مناسب لذلك التساؤل الوقح الذي عكر صفو غضبي
فاقتنعتْ نفسي حقيقة وأرختْ عنانها
فلقد كان كل ما ذُكِرَ يصح فيها ولاشك
ولقد حان الآن وقت الأدب
وهو الحزم المطالب به ذوو اللب
فكيف يسوغ الصفح مما لا يليق بذي الحزم إقالته؟
*****==*****
***==***
وإذا بي أفيق على حيعلة المنادي
للحظة تأملت ساعة الحائط ولمَّا يكن قد أنهى عقرب الثواني دورته بعد
أحنيتُ رأسي فإذا ابتسامتها لم تزل نضرة لم تخبُ بعد
أعدتُ النظر إلى عينيها فلما التقتا
قالتْ : أنا آسفة
...
..
.
غطيتُ وجهها بذراعيَّ
وقلتُ : بل أنا آسف .
*****==*****
***==***
ملاحظة :
:: هام .. إلى كل من يهمه الأمر ::
لم أزل أتمنى أن يكون هناك تصحيفاً في أحد الأحاديث التي لم أرَ من تنبه له ممن صنف في هذا الباب
وأن تصويبه بإبدال حرفي الميم والنون فإنهما قريبا المخرج فيكون اللفظ الواقعي :
(( إنهم عوان عندكنّ)) !!
وكتبه
العاني / أبو محمد
فجر الثلاثاء 28/6/1432هـ
الموافق 31/5/2011م
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآله وصحبه أجمعين ..
أما بعد ..
خرجتُ مسرعاً أزفر غضباً
ألقيتُ ظهري على الحصير وأغلقت عيني منتظراً إعلان دخول وقت الفجر
في غرفة مظلمة لم أكلف نفسي تشغيل مراوحها
أحسستُ بخطواتها تقترب
توقفتْ
وتوقف الشعور بها ،
ولكني أتوقع أنها تتأملني
فجأة
وضعتْ رأسها على صدري
فتحتُ عيني لتقع على وجهها الوضيء احترتُ للحظة أهو نور وجهها الذي يمكنني من التمييز في هذا المكان أم أنه انعكاس أشعة المصباح في الغرفة المجاورة
هنا بدت على ثغرها ابتسامة خافتة
التقتْ عينانا فتحركتْ شفتاها
قالتْ : أنا آسفة
قلتُ : أنى أصرفها ؟
وما أن غادرت آخر حروف هذه الكلمة شفتاي حتى شرع العقل بالتساؤل :
أليس هذا يعد من مساوئ الأخلاق ؟
ألا يعتبر رد المعتذر قبيحاً عند أهل محاسن الأخلاق ؟
فلم يمهلني حتى شرع بالإجابة :
نعم قد عابوا قديماً رد الاعتذار وعدوه في مساوئ الأخلاق
ففيما نُثِرَ في كتب الأدب :
الاعتراف يزيل الاقتراف
والاعتذار يوجب الاغتفار كان العذر كذباً أم صدقاً وباطلاً أم حقاً
وقد هابك من استتر ، ولم يذنب إليك من اعتذر.
والكريم من يغلب الثقة بصديقه ، على الشك في تحقيقه
ويروى عن جعفر الصادق : شفيع المذنب إقراره ، وتوبة المجرم الاعتذار
وقالوا ما أذنب من اعتذر ، ولا أساء من استغفر .
أَذَلُّ النَّاسِ مُعْتَذِرٌ إِلَى لَئِيمٍ ، لأن الكريم لا يُحْوِج إلى الاعتذار ولعل اللئيم لا يَقْبَل العذر .
ومما قالته الشعراء :
اقبلْ معاذيرَ من يأتيك معتذراً ... إنْ برَّ عندك فيما قال أو فجرا
فقد أجلَّك من يُرضيك ظاهرهُ ... وقد أطاعك من يَعصيك مستتراً
فإن كنت ترجو في العقوبة راحة . . . فلا تزهدن عند التجاوز في الأجر
قيل لي إنه أساء فلانٌ ... ومقام الفتى على الذلِّ عارُ
قلت قد جاءنا وأحدث عذراً ... ديةُ الذنب عندنا الاعتذارُ
وما كنت أخشى أن ترى لي زلّةٌ ... ولكن قضاء الله ما عنه مهرب
إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه ... وكلّ امرئ لا يقبل العذر مذنب
والعفو هو أحد طرق قبول العذر
وقد حث الشارع على العفو وتجاوز الزلات وعده من مكارم الأخلاق قال عز وجل :
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (199)
وقال سبحانه :
(وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (22)
وفي أمر الصديق رضي الله عنه بهذا مع كون العقاب مشروع في مقابلة الظلم لدليل على أن العفو لأهل الكمال أكمل .
وقوله تعالى :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (14)
وهذه صريحة في معنى التوجيه للعفو عن زلات المقربين للنفس من الزوجات والأولاد فيما يرتكبونه من التثبيط عن الخير أو الحمل على السوء ، والإرشاد إلى ترك المؤاخذة والعقاب ..
وخير من امتثل العفو الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، فهذا يوسف عليه السلام بعد الجرم الذي ارتكبه فيه إخوته لما أن قدَّموا العذر
(قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ)
أجابهم :
(قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (92)
وكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الطلقاء من قريش .
*****==*****
***==***
ويجدر التنبيه هنا أن ما أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث أبي هريرة بلفظ : (من أتاه أخوه متنصلاً فليقبل ذلك منه محقاً كان أو مبطلاً فإن لم يفعل لم يرد علي الحوض)
هو حديث ضعيف لا يصح قد ضعفه المحققون كالذهبي في استدراكه على الحاكم وكذا المنذري وفي الضعيفة للألباني (2043) تجد التفصيل .
ومن أجمل ما قرأتُ في أدب الاعتذار قول تقي الدين ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام :
(أن الذي يعتذر به إذا كان متقدماً على المعتذر منه ، أدركته النفس صافية من العتب
وإذا تأخر العذر استثقلت النفس المعتذر منه فتأثرت بقبحه . ثم يأتي العذر رافعاً و على الأول يأتي دافعاً ) أ.هـ
*****==*****
***==***
وحقٌ كل ذلك لا ريب فيه
ولكن هل يُعمم هذا على كل معتذر ؟
بالطبع أيضاً يُنْفَى الريبُ هنا للقطع بالنفي ..
فما كل معتذر صدق
وقد قالوا أيضاً في كتب الأدب :
وإذا اعتذر إليكَ معتذرٌ، فتلقهُ بوجهٍ مشرقٍ وبشرٍ ولسانٍ طلقٍ إلا أن يكونَ ممن قطيعتهُ غنيمةٌ
وقيل في المثل: عذره أشد من جرمه
رب إضرار أحسن من اعتذار
وإذا لم تنفع الكرامة فالإهانة أحزم
وقيل : من لا يصلحه الطالي أصلحه الكاوي
من كان الإكرام له مفسدة لم تكن الزيادة فيما يفسده له مصلحة
وقالوا : إن المعاذير يشوبها الكذب
وللشعراء :
وكم مذنب لما أتى باعتذاره ... جنى عذره ذنباً من الذنب أعظما
متى تضع الكرامة في لئيم ... فإنك قد أسأت إلى الكرامة
فلا يغررك طول الحلم مني ... فما أبداً تصادفني حليماً
فلا تعذراني في الإساءة إنّه ... شرار الرّجال من يسئ ويعذر
لاموا ولو وجدوا وجدي لقد عذروا ... وَذَنْبُ مَنْ لامَ ظُلماً غَيرُ مُغتَفَرِ
وَللفَتَى في ظَلامِ اللّيْلِ مَعْذِرَةٌ ... وَمَا لهُ في الضّحَى إن ضَلّ من عُذُرِ
إذا لم يكن للعذر وجه مبين ... فإن اطراح العذر خير من العذر
وقول الله عز وجل :(يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا)(94)
نصٌ يحسم محل التردد
وهو يدل على أن لقبول العذر ضوابط فإن ربَّ العالمين وهو أرحم الراحمين الرؤوف الكريم لم يقبل عذر المنافقين
وفي الشرع لا يُقبل كل عذر ، ولا يصح إقالة كل عثرة ، ولا يقابل العفو إلا بمن هو أهل له ، خاصة إن كان من أهل الكذب في المعاذير وكأنه يختبر حلمك ويستخف بعقلك كفعل أهل النفاق
وقول النبي صلى الله عليه وسلم
(أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود)
(الصحيحة 638)
دليل أيضاً على التقييد فإنهم أهل فضل ومروءة والزلة أو العثرة لا تطلق فيمن يوصف بأفعل التفضيل في تكرارها
*****==*****
***==***
إذاً ..
فلابد من وضع القيود وضبط الضوابط
ولا أنسى أن أذكر أنهم لم يهملوا الإشارة أيضاً إلى بعض شروط قبول الأعذار
ولم يقبلوا عذر كل معتذر
قال بشار بن برد:
إذا كنتَ في كلِّ الأمور معاتباً ... صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبهْ
فعشْ واحداً أو صلْ أخاك فإنهُ ... مقارفُ ذنبٍ مرةً ومجانبهْ
إذا أنت لم تشربْ مراراً على القذى ... ظمئتَ وأيُّ النَّاس تصفو مشاربهْ
وقال غيره
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء نبلاً أن تعد معائبهْ
إذا ما أتت من صاحبٍ لك زلةً ... فكن أنت محتالاً لزلته عذراً
ومن أتى معتذراً لا تُخْجِلُهْ ... إِلا إِذا أعيا عليكَ معضلُهْ
وفي قول الله جل في علاه
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (199)
أحسن وأوضح دليل ، إذ أن الإعراض ليس من باب قبول الأعذار
*****==*****
***==***
إذاً فمن الضوابط التي أراها حقيق بها أن تكون محط النظر :
صِدْق العذر وصِدْق المعْتذِر ، لأن الكذب في أحدهما استخفاف بالمعْتَذَر منه
ألاَّ تكون من عالمٍ بالذنب عارف بقبحه
ألاَّ يتكرر تكرراً سمجاً يصعب تقبل عذرٍ له
ألا يكون قد اعتذر منه مراراً ويقبل منه ، لئلا يجر إلى التمادي واستمراء الباطل ،
ومثل هذا ليس من الحكمة أن يقبل عذره ، بل الحكمة مؤيدة بالشرع في عدم إغفال العقوبة
فكيف إن كانت الزلة من قريب عارف ؟
وهو ما يقربه الشاعر بقوله :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند
*****==*****
***==***
وهنا استراح عقلي ، من صنع تلك المحاورة ، فلقد حصلتُ حقاً على إجابة جيدة لتلك المعضلة
وعذر مناسب لذلك التساؤل الوقح الذي عكر صفو غضبي
فاقتنعتْ نفسي حقيقة وأرختْ عنانها
فلقد كان كل ما ذُكِرَ يصح فيها ولاشك
ولقد حان الآن وقت الأدب
وهو الحزم المطالب به ذوو اللب
فكيف يسوغ الصفح مما لا يليق بذي الحزم إقالته؟
*****==*****
***==***
وإذا بي أفيق على حيعلة المنادي
للحظة تأملت ساعة الحائط ولمَّا يكن قد أنهى عقرب الثواني دورته بعد
أحنيتُ رأسي فإذا ابتسامتها لم تزل نضرة لم تخبُ بعد
أعدتُ النظر إلى عينيها فلما التقتا
قالتْ : أنا آسفة
...
..
.
غطيتُ وجهها بذراعيَّ
وقلتُ : بل أنا آسف .
*****==*****
***==***
ملاحظة :
:: هام .. إلى كل من يهمه الأمر ::
لم أزل أتمنى أن يكون هناك تصحيفاً في أحد الأحاديث التي لم أرَ من تنبه له ممن صنف في هذا الباب
وأن تصويبه بإبدال حرفي الميم والنون فإنهما قريبا المخرج فيكون اللفظ الواقعي :
(( إنهم عوان عندكنّ)) !!
وكتبه
العاني / أبو محمد
فجر الثلاثاء 28/6/1432هـ
الموافق 31/5/2011م