الرحال99
24 Jun 2011, 11:08 AM
آداب الزفاف
الحمد لله القائل في محكم كتابه: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} الروم : 21، والصلاة والسلام على نبيه محمد الذي ورد عنه فيما ثبت من حديثه: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة)(1). وبعد فإن لمن تزوج وأراد الدخول بأهله آداباً في الإسلام، ينبغي معرفتها، والعمل بها، حتى يكون زفافه شرعياً وتكون حياته الزوجية بعد ذلك تغمرها السعادة، وذلك جزاء من افتتح حياته الزوجية بمتابعة السنة، وأصل هذا الدرس كتيب لفضيلة العلامة الألباني رحمه الله، قمت بختصاره، وتركت بعض المسائل التي فيها خلاف شديد بين العلماء، فالفضل يعود لله ثم له فقد جمع فيه آداباً كثيرة ودلل عليها بالأحاديث المحتج بها، فمن هذه الآداب:
1 - ملاطفة الزوجة عند البناء بها:
يستحب لزوج إذا دخل على زوجته أن يلاطفها كأن يقدم إليها شيئاً من الشراب ونحوه لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: (إني قَيَّنت(2) عائشة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم جئته فدعوته لجَلوتها(3) فجاء فجلس إلى جنبها فأتي بعس(4) لبن فشرب ثم ناولها النبي -صلى الله عليه وسلم- فخفضت رأسها واستحيت قالت أسماء: فانتهرتها وقلت لها: خذي من يد النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: فأخذت فشربت شيئاً، ثم قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: أعطي تربك(5) قالت أسماء: فقلت: يا رسول الله بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه من يدك، فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه، قالت: فجلست ثم وضعته على ركبتي، ثم طفقت أديره وأتبعه بشفتي لأصيب منه شرب النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال لنسوة عندي: (ناوليهن) فقلن: لا نشتهيه فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تجمعن جوعاً وكذباً)(6).
2 - وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها:
وينبغي أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك وأن يسمي الله -تبارك وتعالى- ويدعو بالبركة، ويقول ما جاء في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا تزوج أحدكم امرأة، أو اشترى خادماً فليأخذ بناصيتها، وليسم الله عز وجل، وليدع بالبركة وليقل: (اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتَها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتَها عليه)(7).
3 - صلاة الزوجين معاً:
ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معا لأنه منقول عن السلف، وفيه أثران:
الأول: عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: (تزوجت وأنا مملوك فدعوت نفراً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة قال: وأقيمت الصلاة، قال: فذهب أبو ذر ليتقدم فقالوا: إليك قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم، قال: فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك وعلموني فقالوا: (إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ثم سل الله من خير ما دخل عليك وتعوذ به من شره ثم شأنك وشأن أهلك)(8).
الثاني: عن شقيق قال: (جاء رجل يقال له: أبو حريز فقال: إني تزوجت جارية شابة بكراً وإني أخاف أن تفركني(9) فقال عبد الله (يعني ابن مسعود): إن الإلف من الله والفِرْك من الشيطان، يريد أن يكرِّه إليكم ما أحل الله لكم، فإذا أتتك فأمرها أن تصلي وراءك ركعتين. زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود: (وقل: اللهم بارك لي في أهلي وبارك لهم فيَّ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير، وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير)(10).
4 - ما يقول حين يجامعها:
وينبغي أن يقول حين يأتي أهله: (بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا)
قال -صلى الله عليه وسلم-: (فإن قضى الله بينهما ولداً لم يضره الشيطان أبداً) أخرجه البخاري وبقية أصحاب السنن إلا النسائي.
5 - كيف يأتيها:
ويجوز له أن يأتيها في قبلها من أي جهة شاء من خلفها أو من أمامها لقول الله -تبارك وتعالى-: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}البقرة: 223. فعن جابر -رضي الله عنه- قال: (كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج)(11).
6 - تحريم الدبر:
ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الآية: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ولحديث ابن عباس -رضي الله عنه- قال: (جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله هلكت، قال: (وما الذي أهلكك؟) قال: حولت رحلي الليلة(12) فلم يرد عليه شيئاً فأوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يقول: (أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة)(13).
وحديث: (من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)(14).
7 - الوضوء بين الجماعين:
وإذا أتاها في المحل المشروع ثم أراد أن يعود إليها توضأ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءاً، وفي رواية: وضوءه للصلاة) فإنه أنشط في العود(15).
8 - الغسل أفضل:
لكن الغسل أفضل من الوضوء لحديث أبي رافع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال: فقلت له: يا رسول الله ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال: (هذا أزكى وأطيب وأطهر)(16).
9 - اغتسال الزوجين معا:
ويجوز لزوجين أن يغتسلا معاً في مكان واحد ولو رأى منها ورأت منه، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كنت اغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء بيني وبينه واحد تختلف أيدينا فيه فيبادرني حتى أقول: دع لي دع لي، قالت: وهما جنبان. رواه البخاري ومسلم والرواية له.
10 - توضؤ الجنب قبل النوم:
ولا ينامان جُنبين إلا إذا توضآ، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة)(17).
11 - حكم هذا الوضوء:
وليس الوضوء وجوباً وإنما للاستحباب المؤكد، لحديث عمر أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال: (نعم ويتوضأ إن شاء)(18).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل(19).
12 - تيمم الجنب بدل الوضوء:
ويجوز لهما التيمم بدل الوضوء أحيانا لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم(20).
13 - اغتسالهما قبل النوم أفضل:
واغتسالهما أفضل لحديث عبد الله بن قيس قال: (سألت عائشة قلت: كيف كان -صلى الله عليه وسلم- يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل قبل أن ينام أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل ربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)(21).
14 - تحريم إتيان الحائض:
ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها لقوله -تبارك وتعالى-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}البقرة: 222.
وقال الشوكاني في "فتح القدير" (1/200): (ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض وهو معلوم من ضرورة الدين).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)(22).
15 - ما ينويان بالنكاح:
وينبغي لهما أن ينويا بنكاحمها إعفاف نفسيهما وإحصانهما من الوقوع فيما حرم الله عليهما فإنه تكتب مباضعتهما صدقة لهما؛ لحديث أبي ذر -رضي الله عنه-: (أن ناساً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: (أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة وبكل تكبير صدقة، وبكل تهليلة صدقة، وبكل تحميدة صدقة وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة)، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليها فيها وزر؟) قالوا: بلى قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له فيها أجر)(23).
16 - ما يفعل صبيحة بنائه:
ويستحب له صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه في داره ويسلم عليهم ويدعو لهم، وأن يقابلوه بالمثل لحديث أنس -رضي الله عنه- قال: (أولم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ بنى بزينب فأشبع المسلمين خبزاً ولحماً، ثم خرج إلى أمهات المؤمنين فسلم عليهن ودعا لهن، وسلمن عليه ودعون له، فكان يفعل ذلك صبيحة بنائه. رواه النسائي في السنن الكبرى، وقال الألباني: (رواه ابن سعد والنسائي في "الوليمة" بسند صحيح) آداب الزفاف (صـ 67).
17 - تحريم نشر أسرار الاستمتاع:
ويحرم على كل من الزوجين أن ينشر الأسرار المتعلقة بالوقاع؛ لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)(24).
وعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والرجال والنساء قعود فقال: (لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟) فأَرَمَّ(25) القوم فقلت: إي والله يا رسول الله! إنهنَّ ليفعلن، وإنهم ليفعلون. قال: (فلا تفعلوا، فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون)(26).
18 - الوليمة:
قال الشيخ الفوزان: (وحكم وليمة العرس أنها سنة باتفاق أهل العلم، وقال بعضهم بوجوبها(27)؛ لأمره -صلى الله عليه وسلم- بها، ولوجوب إجابة الدعوة إليها، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهما- حين أخبره أنه تزوج: (أولم ولو بشاة)(28)، وأولم النبي -صلى الله عليه وسلم- على زوجاته: زينب، وصفية، وميمنة بنت الحارث. ووقت إقامة وليمة العرس موسع يبدأ من عقد النكاح إلى انتهاء أيام العرس)(29).
وينبغي أن يدعى إليها الصالحون، فقراء كانوا أو أغنياء، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي)(30).
19 - تحريم تخصيص الأغنياء بالدعوة:
ولا يجوز أن يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله)(31).
20 - وجوب إجابة الدعوة:
ويجب على من دعي إليها أن يحضرها لحديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فكوا العاني، وأجيبوا الداعي، وعودوا المريض)(32).
ولحديث ابن عمر -رضي الله عنه-: (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها) رواه البخاري.
21 - الإجابة ولو كان صائماً:
وينبغي أن يجيب ولو كان صائماً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك)(33).
22 - ترك حضور الدعوة التي فيها معصية:
ولا يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية إلا أن يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها فإن أزيلت وإلا وجب الرجوع، لحديث علي -رضي الله عنه- قال: (صنعت طعاماً فدعوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع قال: فقلت: يا رسول الله ما أرجعك بأبي أنت وأمي؟ قال: (إن في البيت سترا فيه تصاوير وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير(34).
ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها بالخمر) أخرجه أحمد عن عمر، والترمذي وحسنه الحاكم وصححه عن جابر ووافقه الذهبي، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: "صحيح لغيره" رقم (167).
23 - ما يستحب لمن حضر الدعوة :
ويستحب لمن حضر الدعوة أمران:
الأول: أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ بما جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- وهو أنواع، ومنها حديث عبد الله بن بسر أن أباه صنع للنبي -صلى الله عليه وسلم- طعاماً فدعاه فأجابه فلما فرغ من طعامه قال: (اللهم بارك لهم في ما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم) رواه مسلم وأبو داود والترمذي وصححه.
الأمر الثاني: الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة، فن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رفأ(35) الإنسان إذا تزوج قال: (بارك الله لك وبارك الله عليك وجمع بينكما في خير) رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم (2130).
24 - بالرفاء والبنين تهنئة الجاهلية:
ولا يقول: (بالرفاء والبنين) كما يفعل الذين لا يعلمون، فإنه من عمل الجاهلية، وقد نهي عنه في أحاديث منها: عن الحسن أن عقيل بن أبي طالب -رضي الله عنه- تزوج امرأة من بنى جشم، فدخل عليه القوم، فقالوا: بالرفاء والبنين، فقال: لا تفعلوا ذلك، قالوا: فما نقول يا أبا يزيد، قال قولوا: بارك الله لكم وبارك عليكم إنا كذلك كنا نؤمر). رواه أحمد، وقال شعيب الأرناؤوط صحيح لغيره، مسند أحمد رقم (1739).
25- الغناء والضرب بالدف:
ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب على الدف فقط وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور وفي ذلك أحاديث:
الأول: عن الربيع بنت معوذ قالت: (جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- يدخل حين بني عليَّ فجلس على فراشي مجلسك مني (الخطاب للراوي عنها) فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال: (دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين) رواه البخاري.
الثاني: عن عائشة -رضي الله عنها- أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو؟) رواه البخاري.
وفي رواية بلفظ: فقال: (فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟) قلت: ماذا تقول؟ قال: تقول:
أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم
لولا الذهب الأحمـ ـر ما حلت بواديكم
لولا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم(36)
26 - الامتناع من مخالفة الشرع:
ويجب عليه أن يمتنع من كل ما فيه مخالفة للشرع وخاصة ما اعتاده الناس في مثل هذه المناسبة، مثل تصوير العريسيين، وتعليق صورتهما في البيت، وما تفعله بعض النسوة من نتف حواجبهن وهذا مما حرمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولعن فاعله بقوله: (لعن الله الواشمات(37) والمستوشمات(38)، والمتنمصات(39) والمتفلجات للحسن(40) المغيرات خلق الله) متفق عليه.
وعادات قبيحة تسربت من فاجرات أوربا إلى كثير من المسلمات وهي تدميمهن لأظفارهن بالصمغ الأحمر المعروف اليوم ب (مينيكور)، وإطالتهن لبعضها -وقد يفعلها بعض الشباب أيضاً- فإن هذا مع ما فيه من تغير لخلق الله المستلزم لعن فاعله كما علمت آنفاً ومن التشبه بالكافرات المنهي عنه في أحاديث كثيرة، التي منها قوله -صلى الله عليه وسلم-: ( . . . ومن تشبه بقوم فهو منهم)(41)، فإنه أيضاً مخالف للفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها، وقد قال -صلى الله عليه وسلم: (الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب) متفق عليه.
وكذا حلق اللحى، وخاتم الخطبة لأن فيه تقليد للكفار(42) وتشتد حرمته إذا كان من الذهب لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن خاتم الذهب(43). فهذه الأمور مخالفة لشرع الله، وهي محرمة، فيجب الابتعاد عنها.
27 - وجوب إحسان عشرة الزوجة:
ويجب علي الزوج أن يحسن عشرة زوجته ويسايرها فيما أحل الله لها -لا فيما حرم- ولا سيما إذا كانت حديثة السن، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (3314).
وقوله -صلى الله عليه وسلم- كما في خطبة الوداع: (...ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عوانٍ عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك؛ إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً. إلا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم؛ فلا يوطِئْنَ فرشَكُم من تكروهنَ، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقُّهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن). أخرجه الترمذي، وقال: "حسن صحيح" وابن ماجه، وصححه ابن القيم في "زاد المعاد" (4/46)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (7880).
وقد دلت أفعاله -صلى الله عليه وسلم- مع زواجاته على ما كان عليه -صلى الله عليه وسلم- من حسن العشرة لزوجاته، وما كان رضي الله عنهن يتمتعن به من الراحة معه -صلى الله عليه وسلم-. وقد حث بقوله على إحسان معاشرة الأزواج، وعدم إيذاء الزوجات فقال: (لا يفرك (أي لا يبغض) مؤمن مؤمنة، إن كره منها حلقاً رضي منها آخر) رواه مسلم.
وقال: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً، وخيارهم خيارهم لنسائهم) رواه الترمذي، وأحمد، وحسنه الألباني في آداب الزفاف (صـ 199).
نسأل الله أن يجعلنا من خير الناس، وأن يوفقنا للخير أين ما كان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله القائل في محكم كتابه: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} الروم : 21، والصلاة والسلام على نبيه محمد الذي ورد عنه فيما ثبت من حديثه: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة)(1). وبعد فإن لمن تزوج وأراد الدخول بأهله آداباً في الإسلام، ينبغي معرفتها، والعمل بها، حتى يكون زفافه شرعياً وتكون حياته الزوجية بعد ذلك تغمرها السعادة، وذلك جزاء من افتتح حياته الزوجية بمتابعة السنة، وأصل هذا الدرس كتيب لفضيلة العلامة الألباني رحمه الله، قمت بختصاره، وتركت بعض المسائل التي فيها خلاف شديد بين العلماء، فالفضل يعود لله ثم له فقد جمع فيه آداباً كثيرة ودلل عليها بالأحاديث المحتج بها، فمن هذه الآداب:
1 - ملاطفة الزوجة عند البناء بها:
يستحب لزوج إذا دخل على زوجته أن يلاطفها كأن يقدم إليها شيئاً من الشراب ونحوه لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: (إني قَيَّنت(2) عائشة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم جئته فدعوته لجَلوتها(3) فجاء فجلس إلى جنبها فأتي بعس(4) لبن فشرب ثم ناولها النبي -صلى الله عليه وسلم- فخفضت رأسها واستحيت قالت أسماء: فانتهرتها وقلت لها: خذي من يد النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: فأخذت فشربت شيئاً، ثم قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: أعطي تربك(5) قالت أسماء: فقلت: يا رسول الله بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه من يدك، فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه، قالت: فجلست ثم وضعته على ركبتي، ثم طفقت أديره وأتبعه بشفتي لأصيب منه شرب النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال لنسوة عندي: (ناوليهن) فقلن: لا نشتهيه فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تجمعن جوعاً وكذباً)(6).
2 - وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها:
وينبغي أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك وأن يسمي الله -تبارك وتعالى- ويدعو بالبركة، ويقول ما جاء في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا تزوج أحدكم امرأة، أو اشترى خادماً فليأخذ بناصيتها، وليسم الله عز وجل، وليدع بالبركة وليقل: (اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتَها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتَها عليه)(7).
3 - صلاة الزوجين معاً:
ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معا لأنه منقول عن السلف، وفيه أثران:
الأول: عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: (تزوجت وأنا مملوك فدعوت نفراً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة قال: وأقيمت الصلاة، قال: فذهب أبو ذر ليتقدم فقالوا: إليك قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم، قال: فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك وعلموني فقالوا: (إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ثم سل الله من خير ما دخل عليك وتعوذ به من شره ثم شأنك وشأن أهلك)(8).
الثاني: عن شقيق قال: (جاء رجل يقال له: أبو حريز فقال: إني تزوجت جارية شابة بكراً وإني أخاف أن تفركني(9) فقال عبد الله (يعني ابن مسعود): إن الإلف من الله والفِرْك من الشيطان، يريد أن يكرِّه إليكم ما أحل الله لكم، فإذا أتتك فأمرها أن تصلي وراءك ركعتين. زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود: (وقل: اللهم بارك لي في أهلي وبارك لهم فيَّ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير، وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير)(10).
4 - ما يقول حين يجامعها:
وينبغي أن يقول حين يأتي أهله: (بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا)
قال -صلى الله عليه وسلم-: (فإن قضى الله بينهما ولداً لم يضره الشيطان أبداً) أخرجه البخاري وبقية أصحاب السنن إلا النسائي.
5 - كيف يأتيها:
ويجوز له أن يأتيها في قبلها من أي جهة شاء من خلفها أو من أمامها لقول الله -تبارك وتعالى-: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}البقرة: 223. فعن جابر -رضي الله عنه- قال: (كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج)(11).
6 - تحريم الدبر:
ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الآية: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ولحديث ابن عباس -رضي الله عنه- قال: (جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله هلكت، قال: (وما الذي أهلكك؟) قال: حولت رحلي الليلة(12) فلم يرد عليه شيئاً فأوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يقول: (أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة)(13).
وحديث: (من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)(14).
7 - الوضوء بين الجماعين:
وإذا أتاها في المحل المشروع ثم أراد أن يعود إليها توضأ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءاً، وفي رواية: وضوءه للصلاة) فإنه أنشط في العود(15).
8 - الغسل أفضل:
لكن الغسل أفضل من الوضوء لحديث أبي رافع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال: فقلت له: يا رسول الله ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال: (هذا أزكى وأطيب وأطهر)(16).
9 - اغتسال الزوجين معا:
ويجوز لزوجين أن يغتسلا معاً في مكان واحد ولو رأى منها ورأت منه، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كنت اغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء بيني وبينه واحد تختلف أيدينا فيه فيبادرني حتى أقول: دع لي دع لي، قالت: وهما جنبان. رواه البخاري ومسلم والرواية له.
10 - توضؤ الجنب قبل النوم:
ولا ينامان جُنبين إلا إذا توضآ، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة)(17).
11 - حكم هذا الوضوء:
وليس الوضوء وجوباً وإنما للاستحباب المؤكد، لحديث عمر أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال: (نعم ويتوضأ إن شاء)(18).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل(19).
12 - تيمم الجنب بدل الوضوء:
ويجوز لهما التيمم بدل الوضوء أحيانا لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم(20).
13 - اغتسالهما قبل النوم أفضل:
واغتسالهما أفضل لحديث عبد الله بن قيس قال: (سألت عائشة قلت: كيف كان -صلى الله عليه وسلم- يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل قبل أن ينام أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل ربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)(21).
14 - تحريم إتيان الحائض:
ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها لقوله -تبارك وتعالى-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}البقرة: 222.
وقال الشوكاني في "فتح القدير" (1/200): (ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض وهو معلوم من ضرورة الدين).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)(22).
15 - ما ينويان بالنكاح:
وينبغي لهما أن ينويا بنكاحمها إعفاف نفسيهما وإحصانهما من الوقوع فيما حرم الله عليهما فإنه تكتب مباضعتهما صدقة لهما؛ لحديث أبي ذر -رضي الله عنه-: (أن ناساً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: (أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة وبكل تكبير صدقة، وبكل تهليلة صدقة، وبكل تحميدة صدقة وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة)، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليها فيها وزر؟) قالوا: بلى قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له فيها أجر)(23).
16 - ما يفعل صبيحة بنائه:
ويستحب له صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه في داره ويسلم عليهم ويدعو لهم، وأن يقابلوه بالمثل لحديث أنس -رضي الله عنه- قال: (أولم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ بنى بزينب فأشبع المسلمين خبزاً ولحماً، ثم خرج إلى أمهات المؤمنين فسلم عليهن ودعا لهن، وسلمن عليه ودعون له، فكان يفعل ذلك صبيحة بنائه. رواه النسائي في السنن الكبرى، وقال الألباني: (رواه ابن سعد والنسائي في "الوليمة" بسند صحيح) آداب الزفاف (صـ 67).
17 - تحريم نشر أسرار الاستمتاع:
ويحرم على كل من الزوجين أن ينشر الأسرار المتعلقة بالوقاع؛ لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)(24).
وعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والرجال والنساء قعود فقال: (لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟) فأَرَمَّ(25) القوم فقلت: إي والله يا رسول الله! إنهنَّ ليفعلن، وإنهم ليفعلون. قال: (فلا تفعلوا، فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون)(26).
18 - الوليمة:
قال الشيخ الفوزان: (وحكم وليمة العرس أنها سنة باتفاق أهل العلم، وقال بعضهم بوجوبها(27)؛ لأمره -صلى الله عليه وسلم- بها، ولوجوب إجابة الدعوة إليها، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهما- حين أخبره أنه تزوج: (أولم ولو بشاة)(28)، وأولم النبي -صلى الله عليه وسلم- على زوجاته: زينب، وصفية، وميمنة بنت الحارث. ووقت إقامة وليمة العرس موسع يبدأ من عقد النكاح إلى انتهاء أيام العرس)(29).
وينبغي أن يدعى إليها الصالحون، فقراء كانوا أو أغنياء، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي)(30).
19 - تحريم تخصيص الأغنياء بالدعوة:
ولا يجوز أن يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله)(31).
20 - وجوب إجابة الدعوة:
ويجب على من دعي إليها أن يحضرها لحديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فكوا العاني، وأجيبوا الداعي، وعودوا المريض)(32).
ولحديث ابن عمر -رضي الله عنه-: (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها) رواه البخاري.
21 - الإجابة ولو كان صائماً:
وينبغي أن يجيب ولو كان صائماً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك)(33).
22 - ترك حضور الدعوة التي فيها معصية:
ولا يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية إلا أن يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها فإن أزيلت وإلا وجب الرجوع، لحديث علي -رضي الله عنه- قال: (صنعت طعاماً فدعوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع قال: فقلت: يا رسول الله ما أرجعك بأبي أنت وأمي؟ قال: (إن في البيت سترا فيه تصاوير وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير(34).
ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها بالخمر) أخرجه أحمد عن عمر، والترمذي وحسنه الحاكم وصححه عن جابر ووافقه الذهبي، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: "صحيح لغيره" رقم (167).
23 - ما يستحب لمن حضر الدعوة :
ويستحب لمن حضر الدعوة أمران:
الأول: أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ بما جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- وهو أنواع، ومنها حديث عبد الله بن بسر أن أباه صنع للنبي -صلى الله عليه وسلم- طعاماً فدعاه فأجابه فلما فرغ من طعامه قال: (اللهم بارك لهم في ما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم) رواه مسلم وأبو داود والترمذي وصححه.
الأمر الثاني: الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة، فن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رفأ(35) الإنسان إذا تزوج قال: (بارك الله لك وبارك الله عليك وجمع بينكما في خير) رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم (2130).
24 - بالرفاء والبنين تهنئة الجاهلية:
ولا يقول: (بالرفاء والبنين) كما يفعل الذين لا يعلمون، فإنه من عمل الجاهلية، وقد نهي عنه في أحاديث منها: عن الحسن أن عقيل بن أبي طالب -رضي الله عنه- تزوج امرأة من بنى جشم، فدخل عليه القوم، فقالوا: بالرفاء والبنين، فقال: لا تفعلوا ذلك، قالوا: فما نقول يا أبا يزيد، قال قولوا: بارك الله لكم وبارك عليكم إنا كذلك كنا نؤمر). رواه أحمد، وقال شعيب الأرناؤوط صحيح لغيره، مسند أحمد رقم (1739).
25- الغناء والضرب بالدف:
ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب على الدف فقط وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور وفي ذلك أحاديث:
الأول: عن الربيع بنت معوذ قالت: (جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- يدخل حين بني عليَّ فجلس على فراشي مجلسك مني (الخطاب للراوي عنها) فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال: (دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين) رواه البخاري.
الثاني: عن عائشة -رضي الله عنها- أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو؟) رواه البخاري.
وفي رواية بلفظ: فقال: (فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟) قلت: ماذا تقول؟ قال: تقول:
أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم
لولا الذهب الأحمـ ـر ما حلت بواديكم
لولا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم(36)
26 - الامتناع من مخالفة الشرع:
ويجب عليه أن يمتنع من كل ما فيه مخالفة للشرع وخاصة ما اعتاده الناس في مثل هذه المناسبة، مثل تصوير العريسيين، وتعليق صورتهما في البيت، وما تفعله بعض النسوة من نتف حواجبهن وهذا مما حرمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولعن فاعله بقوله: (لعن الله الواشمات(37) والمستوشمات(38)، والمتنمصات(39) والمتفلجات للحسن(40) المغيرات خلق الله) متفق عليه.
وعادات قبيحة تسربت من فاجرات أوربا إلى كثير من المسلمات وهي تدميمهن لأظفارهن بالصمغ الأحمر المعروف اليوم ب (مينيكور)، وإطالتهن لبعضها -وقد يفعلها بعض الشباب أيضاً- فإن هذا مع ما فيه من تغير لخلق الله المستلزم لعن فاعله كما علمت آنفاً ومن التشبه بالكافرات المنهي عنه في أحاديث كثيرة، التي منها قوله -صلى الله عليه وسلم-: ( . . . ومن تشبه بقوم فهو منهم)(41)، فإنه أيضاً مخالف للفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها، وقد قال -صلى الله عليه وسلم: (الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب) متفق عليه.
وكذا حلق اللحى، وخاتم الخطبة لأن فيه تقليد للكفار(42) وتشتد حرمته إذا كان من الذهب لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن خاتم الذهب(43). فهذه الأمور مخالفة لشرع الله، وهي محرمة، فيجب الابتعاد عنها.
27 - وجوب إحسان عشرة الزوجة:
ويجب علي الزوج أن يحسن عشرة زوجته ويسايرها فيما أحل الله لها -لا فيما حرم- ولا سيما إذا كانت حديثة السن، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (3314).
وقوله -صلى الله عليه وسلم- كما في خطبة الوداع: (...ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عوانٍ عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك؛ إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً. إلا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم؛ فلا يوطِئْنَ فرشَكُم من تكروهنَ، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقُّهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن). أخرجه الترمذي، وقال: "حسن صحيح" وابن ماجه، وصححه ابن القيم في "زاد المعاد" (4/46)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (7880).
وقد دلت أفعاله -صلى الله عليه وسلم- مع زواجاته على ما كان عليه -صلى الله عليه وسلم- من حسن العشرة لزوجاته، وما كان رضي الله عنهن يتمتعن به من الراحة معه -صلى الله عليه وسلم-. وقد حث بقوله على إحسان معاشرة الأزواج، وعدم إيذاء الزوجات فقال: (لا يفرك (أي لا يبغض) مؤمن مؤمنة، إن كره منها حلقاً رضي منها آخر) رواه مسلم.
وقال: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً، وخيارهم خيارهم لنسائهم) رواه الترمذي، وأحمد، وحسنه الألباني في آداب الزفاف (صـ 199).
نسأل الله أن يجعلنا من خير الناس، وأن يوفقنا للخير أين ما كان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.