فله المميزة
02 Jul 2011, 05:43 PM
http://dc16.arabsh.com/i/03084/jsgsymq1udmm.gif
أمير بين يدي القاضي
أتت امرأة يوماً شريك بن عبد الله قاضي الكوفه،وهو في مجلس الحكم،فقالت:أنا بالله ثم بالقاضي!قال:من ظلمك؟قالت:الأمير موسى بن عيسى عم أمير المؤمنين،كان لي بستان على شاطىء الفرات،فيه نخل ورثته عن أبي،وقاسمت إخوتي فيه،وبنيت بيني وبينهم حائطاً،وجعلت فيه رجلاً فارساً يحفظ النخل ويقوم به،فاشترى الأمير موسى بن عيسى من جميع إخوتي،وساومني على بستاني ورغبني في بيعه إليه،فلم أبعه،فبعث بخمسمائة غلام،فاقتلعوا الحائط فأصبحت لا أعرف من نخلي شيئاً،واختلط بنخل إخوتي.
فقال القاضي:يا غلام أحضر طينة فأحضرها،فختمها وقال:امض بها إلى الأمير حتى يحضر معك،فأخذها الحاجب،ودخل على الأمير موسى،فقال:أجب القاضي شريك،وهذا ختمه،فقال:ادع لي صاحب الشرطة،فدعا به،فقال له:امض إلى القاضي شريك،وقل له:يا سبحان الله!ما رأيت أعجب من أمرك!امرأة ادعت دعوى لم تصح أعديتها على الأمير!قال صاحب الشرطة:إن رأى الأمير أن يعفيني من ذلك!فقال:امض،ويلك!فخرج،وقال لغلمانه:اذهبوا واحملوا لي إلى حبس القاضي بساطاً وفراشاً وما تدعو الحاجة إليه،ثم مضى إلى شريك،فلما وقف بين يديه أدى إليه ما قاله موسى،فقال لغلام المجلس:خذ بيده فضعه في الحبس.فقال صاحب الشرطة:والله لقد علمت أنك ستحبسني،فقدمت إليه في الحبس.
وبلغ موسى بن عيسى الخبر،فوجه إليه الحاجب،وقال له:رسول أدى رسالة،فأي شيء عليه حتى تحبسه؟!فقال شريك:اذهبوا به إلى رفيقه في الحبس،فحبس.
فلما صلى الأمير العصر بعث إلى إسحاق بن الصباح الأشعثي وإلى جماعة من وجوه الكوفة من أصدقاء شريك،وقال لهم:أبلغوه السلام،وأعلموه أنه استخف بي.وأني لست كالعامة،فمضوا إليه وهو جالس في مسجده بعد صلاة العصر،فأبلغوه الرسالة،فلما انقضى كلامهم،قال لهم:ما لي أراكم جئتموني في جمع من الناس،فكلمتموني؟ثم نظر يميناً وشمالاً فقال:من ها هنا من فتيان الحي؟فأجابه جماعة من الفتيان،فقال:ليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من هؤلاء فيذهب به إلى الحبس،ما أنتم إلا فتنة،وجزاؤكم الحبس.قالوا له:أجاد أنت فيما تقول؟قال:نعم،حتى لا تعودوا لرسالة ظالم.فحبسهم جميعاً.
فركب الأمير موسى بن عيسى في الليل إلى باب السجن،وفتح الباب،وأخرجهم كلهم،فلما كان الغد،وجلس شريك للقضاء جاءه السجان،فأخبره بما كان.فدعا بوعاء الكتب فختمه،ووجه به إلى منزله،وقال لغلامه:الحق بمتاعي إلى بغداد،والله ما طلبنا هذا الأمر منهم(يعني القضاء)،ولكن أكرهونا عليه،وقد ضمنوا لنا فيه الإعزاز إذا تقلدناه لهم،ومضى نحو قنطرة الكوفة في طريقه إلى بغداد،وبلغ الخبر موسى بن عيسى،فركب في موكبه،فلحقه،وجعل يناشده الله،ويقول:يا أبا عبد الله،تثبت،انظر إخواني،أتحبسهم!قال:نعم لأنهم مشوا لك في أمر لم يجز لهم المشي فيه،ولست ببارح حتى يردوا جميعاً،وإلا مضيت إلى أمير المؤمنين المهدي،فأسعفيه مما قلدني من أمر القضاء.
فأمر موسى بردهم جميعاً إلى الحبس،وهو واقف مكانه حتى جاء السجان،فقال:قد رجعوا جميعاً إلى الحبس،فقال لأعوانه:خذوا بلجام دابته(أي دابة الأمير)بين يدي إلى مجلس الحكم،فمروا به بين يديه حتى أدخل المسجد،وجلس في مجلس القضاء،فجاءت المرأة المتظلمة فقال:هذا خصمك قد حضر،فقال موسى وهو واقف مع المرأة بين يديه:يا سيدي القاضي بما أنني قد حضرت،فأرجو أن يخرج أولئك من الحبس،فقال:شريك:أما الآن فنعم،أخرجوهم من الحبس،ثم قال:ما تقول فيما تدعيه هذه المرأة؟قال:صدقت.قال:ترد ما أخذت منها،وتبني لها حائطها سريعاً كما كان.قال:أفعل ذلك،قال لها:أبقي لك عليه دعوى؟قالت:لا يا سيدي القاضي،وبارك الله بك وعليك،وجزاك خيراً.
فلما فرغ قام وأخذ بيد الأمير موسى بن عيسى وأجلسه مكانه،وقال:السلام عليك أيها الأمير،أتأمر بشيء؟فقال بأي شيء آمر؟وضحك،فقال له شريك:أيها الأمير،ذاك الفعل حق الشرع،وهذا القول الآن حق الأدب،فقام الأمير وانصرف إلى منزله وهو يقول:من عظم أمر الله أذل الله له عظماء خلقه.
كتبته بخط يدي من
كتاب زاد المربين
المؤلف إبراهيم بدر شهاب الخالدي
أمير بين يدي القاضي
أتت امرأة يوماً شريك بن عبد الله قاضي الكوفه،وهو في مجلس الحكم،فقالت:أنا بالله ثم بالقاضي!قال:من ظلمك؟قالت:الأمير موسى بن عيسى عم أمير المؤمنين،كان لي بستان على شاطىء الفرات،فيه نخل ورثته عن أبي،وقاسمت إخوتي فيه،وبنيت بيني وبينهم حائطاً،وجعلت فيه رجلاً فارساً يحفظ النخل ويقوم به،فاشترى الأمير موسى بن عيسى من جميع إخوتي،وساومني على بستاني ورغبني في بيعه إليه،فلم أبعه،فبعث بخمسمائة غلام،فاقتلعوا الحائط فأصبحت لا أعرف من نخلي شيئاً،واختلط بنخل إخوتي.
فقال القاضي:يا غلام أحضر طينة فأحضرها،فختمها وقال:امض بها إلى الأمير حتى يحضر معك،فأخذها الحاجب،ودخل على الأمير موسى،فقال:أجب القاضي شريك،وهذا ختمه،فقال:ادع لي صاحب الشرطة،فدعا به،فقال له:امض إلى القاضي شريك،وقل له:يا سبحان الله!ما رأيت أعجب من أمرك!امرأة ادعت دعوى لم تصح أعديتها على الأمير!قال صاحب الشرطة:إن رأى الأمير أن يعفيني من ذلك!فقال:امض،ويلك!فخرج،وقال لغلمانه:اذهبوا واحملوا لي إلى حبس القاضي بساطاً وفراشاً وما تدعو الحاجة إليه،ثم مضى إلى شريك،فلما وقف بين يديه أدى إليه ما قاله موسى،فقال لغلام المجلس:خذ بيده فضعه في الحبس.فقال صاحب الشرطة:والله لقد علمت أنك ستحبسني،فقدمت إليه في الحبس.
وبلغ موسى بن عيسى الخبر،فوجه إليه الحاجب،وقال له:رسول أدى رسالة،فأي شيء عليه حتى تحبسه؟!فقال شريك:اذهبوا به إلى رفيقه في الحبس،فحبس.
فلما صلى الأمير العصر بعث إلى إسحاق بن الصباح الأشعثي وإلى جماعة من وجوه الكوفة من أصدقاء شريك،وقال لهم:أبلغوه السلام،وأعلموه أنه استخف بي.وأني لست كالعامة،فمضوا إليه وهو جالس في مسجده بعد صلاة العصر،فأبلغوه الرسالة،فلما انقضى كلامهم،قال لهم:ما لي أراكم جئتموني في جمع من الناس،فكلمتموني؟ثم نظر يميناً وشمالاً فقال:من ها هنا من فتيان الحي؟فأجابه جماعة من الفتيان،فقال:ليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من هؤلاء فيذهب به إلى الحبس،ما أنتم إلا فتنة،وجزاؤكم الحبس.قالوا له:أجاد أنت فيما تقول؟قال:نعم،حتى لا تعودوا لرسالة ظالم.فحبسهم جميعاً.
فركب الأمير موسى بن عيسى في الليل إلى باب السجن،وفتح الباب،وأخرجهم كلهم،فلما كان الغد،وجلس شريك للقضاء جاءه السجان،فأخبره بما كان.فدعا بوعاء الكتب فختمه،ووجه به إلى منزله،وقال لغلامه:الحق بمتاعي إلى بغداد،والله ما طلبنا هذا الأمر منهم(يعني القضاء)،ولكن أكرهونا عليه،وقد ضمنوا لنا فيه الإعزاز إذا تقلدناه لهم،ومضى نحو قنطرة الكوفة في طريقه إلى بغداد،وبلغ الخبر موسى بن عيسى،فركب في موكبه،فلحقه،وجعل يناشده الله،ويقول:يا أبا عبد الله،تثبت،انظر إخواني،أتحبسهم!قال:نعم لأنهم مشوا لك في أمر لم يجز لهم المشي فيه،ولست ببارح حتى يردوا جميعاً،وإلا مضيت إلى أمير المؤمنين المهدي،فأسعفيه مما قلدني من أمر القضاء.
فأمر موسى بردهم جميعاً إلى الحبس،وهو واقف مكانه حتى جاء السجان،فقال:قد رجعوا جميعاً إلى الحبس،فقال لأعوانه:خذوا بلجام دابته(أي دابة الأمير)بين يدي إلى مجلس الحكم،فمروا به بين يديه حتى أدخل المسجد،وجلس في مجلس القضاء،فجاءت المرأة المتظلمة فقال:هذا خصمك قد حضر،فقال موسى وهو واقف مع المرأة بين يديه:يا سيدي القاضي بما أنني قد حضرت،فأرجو أن يخرج أولئك من الحبس،فقال:شريك:أما الآن فنعم،أخرجوهم من الحبس،ثم قال:ما تقول فيما تدعيه هذه المرأة؟قال:صدقت.قال:ترد ما أخذت منها،وتبني لها حائطها سريعاً كما كان.قال:أفعل ذلك،قال لها:أبقي لك عليه دعوى؟قالت:لا يا سيدي القاضي،وبارك الله بك وعليك،وجزاك خيراً.
فلما فرغ قام وأخذ بيد الأمير موسى بن عيسى وأجلسه مكانه،وقال:السلام عليك أيها الأمير،أتأمر بشيء؟فقال بأي شيء آمر؟وضحك،فقال له شريك:أيها الأمير،ذاك الفعل حق الشرع،وهذا القول الآن حق الأدب،فقام الأمير وانصرف إلى منزله وهو يقول:من عظم أمر الله أذل الله له عظماء خلقه.
كتبته بخط يدي من
كتاب زاد المربين
المؤلف إبراهيم بدر شهاب الخالدي